
تضخم أميركا تحت المجهر: الأسواق تترقّب والذهب في مهب الريح
تتجه أنظار المستثمرين في الأسواق المالية العالمية هذا الأسبوع نحو بيانات التضخم الأميركية، المقرر صدورها يوم الثلاثاء 13 أيار/مايو، والتي تمثل عاملًا حاسمًا في تحديد توجهات السياسة النقدية للاحتياطي الفيديرالي، وسط تصاعد المخاوف من تأثيرات الرسوم الجمركية الجديدة على الأسعار، في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالحذر وعدم اليقين.
بيانات التضخم الأميركية: اختبار حاسم للأسواق
ستصدر وزارة العمل الأميركية بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لشهر أبريل يوم الثلاثاء عند الساعة 3:30 مساءً بتوقيت بيروت. وتشير التوقعات إلى استقرار معدل التضخم السنوي عند 2.4%، وهو نفس المستوى المسجل في آذار/مارس، بعد أن تراجع من 2.8% في شباط/فبراير. لكن الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس ترامب أخيرًا رفعت من توقعات التضخم على المدى القصير، إذ تشير التقديرات إلى إمكانية صعود التضخم إلى 3.6% خلال العام المقبل، وهو أعلى مستوى منذ آب/أغسطس 2022. ورغم ذلك، لا تزال التوقعات طويلة الأجل مستقرة نسبيًا، مع إمكانية عودة التضخم تدريجيًا إلى هدف الفيديرالي البالغ 2%، إذا ما هدأت العوامل الموقتة.
موقف الاحتياطي الفيديرالي: سياسة "الانتظار والترقب"
في ظل هذه المؤشرات الاقتصادية المتباينة، يواصل الاحتياطي الفيديرالي تبنّي سياسة "الانتظار والترقب"، حيث قرر في اجتماعه الأخير إبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير، ضمن النطاق الحالي البالغ 5.25%–5.50%، وهو أعلى مستوى للفائدة منذ أكثر من 22 عامًا.
وقد أشار الفيديرالي في بيانه الرسمي إلى أن وتيرة التقدم في خفض التضخم "تباطأت خلال الأشهر الأخيرة"، وهو ما يعكس قلق صناع القرار من عودة الضغوط السعرية، ولا سيما في قطاعات الخدمات والإسكان، كما شدّد البيان على أن "اللجنة لا تتوقع أنه سيكون من المناسب خفض الفائدة حتى تتلقّى ثقة أكبر بأن التضخم يتحرك على نحو مستدام نحو المستوى المستهدف البالغ 2%". وهذا يعني أن أيّ تحرّك نحو تيسير السياسة النقدية سيبقى مشروطًا بوضوح البيانات، ولا سيما في ما يتعلق بمؤشرات الأسعار والإنفاق الاستهلاكي.
ويُذكر أن رئيس الفيديرالي، جيروم باول، أكد في المؤتمر الصحفي الذي أعقب القرار أن البنك لا يخطط لرفع الفائدة مجددًا، لكنه شدد في المقابل على أن خفض الفائدة قد يستغرق وقتًا أطول مما كانت تتوقعه الأسواق في السابق، مما اعتبره المحللون موقفًا متشددًا بحذر. ومن المنتظر أن يلقي باول كلمة جديدة يوم الخميس، قد تسلط مزيدًا من الضوء على كيفية تفاعل البنك مع بيانات التضخم المرتقبة، وما إذا كان هناك متّسع لبدء دورة تيسير نقدي خلال الصيف، أم أن التشدد سيبقى سيد الموقف حتى الربع الرابع من العام.
تقدّم في محادثات التجارة بين الصين والولايات المتحدة
شهدت الأسواق المالية العالمية صباح اليوم تحولًا بارزًا، عقب إعلان الولايات المتحدة والصين التوصل إلى اتفاق تجاري موقت، بعد جولة مكثفة من المفاوضات استمرت ليومين في مدينة جنيف. وينص الاتفاق على خفض متبادل للرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، إذ قررت واشنطن تقليص الرسوم المفروضة على الواردات الصينية من 145% إلى 30%، فيما ستقوم بكين بخفض رسومها على السلع الأميركية من 125% إلى 10%، مع تعليق أي رسوم جديدة خلال فترة الاتفاق.
وصف الجانبان هذه المحادثات بأنها "إيجابية وبنّاءة"، مؤكدين عزمهما على مواصلة التنسيق والحوار في المرحلة المقبلة، وتفعيل آلية متابعة مشتركة لضمان تنفيذ بنود الاتفاق. هذا التطور المفاجئ أسهم في تهدئة المخاوف من تصعيد تجاري جديد، وساهم في دفع الأسواق المالية العالمية نحو ارتفاعات قوية، مدعومة بتحسّن شهية المخاطرة وتراجع مستويات التوتر التجاري.
الأسهم الأميركية والذهب: تفاؤل واسع وضغوط على الملاذات الآمنة
تشهد الأسواق الأميركية انطلاقة قوية هذا الأسبوع، مدفوعة بالتطور المفاجئ في ملف التجارة بين الولايات المتحدة والصين، حيث قفزت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية، وعلى رأسها مؤشر ناسداك وستاندرد آند بورز 500، في تداولات ما قبل الافتتاح، مدعومة بتحسّن كبير في معنويات المستثمرين بعد الإعلان عن اتفاق تجاري موقت بين أكبر اقتصادين في العالم. هذا الاتفاق ساهم في تعزيز شهية المخاطرة ودفع المستثمرين إلى إعادة التمركز في الأسهم، ولا سيما في قطاعات النمو والتكنولوجيا.
في المقابل، تراجعت أسعار الذهب بشكل حاد، حيث انخفض المعدن النفيس بنسبة تقارب الـ 3% في بداية تعاملات الأسبوع، مسجّلًا أحد أكبر انخفاضاته اليومية خلال العام الجاري. وقد جاء هذا الهبوط نتيجة تراجع الطلب على الذهب كملاذ آمن، في ظل انحسار التوترات التجارية، إلى جانب استمرار قوة الدولار الأميركي المدعومة بسياسة الاحتياطي الفيديرالي المتشددة.
رغم هذا الزخم الإيجابي، يبقى التضخم العامل الحاسم الذي ستحدده بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) المنتظرة يوم الثلاثاء. فإذا جاءت القراءة أقل من المتوقع، فقد تعزز من موجة الصعود الحالية في الأسهم، أما إذا جاءت أعلى من التوقعات، فقد تدفع الأسواق إلى التراجع مجددًا تحت وطأة المخاوف من تشديد نقدي إضافي، مما قد يعيد بعض الدعم النسبي للذهب على المدى القصير. بشكل عام، تعكس تحركات الأسواق في هذا التوقيت انتقالًا واضحًا نحو الأصول الخطرة، وتراجعًا في الإقبال على أدوات التحوّط، وسط رهانات متزايدة على تحسّن المناخ الاقتصادي العالمي خلال النصف الثاني من العام.
تتجه الأسواق المالية هذا الأسبوع نحو مفترق طرق حاسم، حيث تتقاطع عنده ثلاثة محاور رئيسية: بيانات التضخم الأميركية، موقف الاحتياطي الفيديرالي، والتطور المفاجئ في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وبينما أطلق الاتفاق التجاري الموقت العنان لموجة من التفاؤل، يبقى مسار الفائدة الأميركية والقراءة المرتقبة لمؤشر أسعار المستهلكين العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد الاتجاهات المقبلة للأسواق.
الأسهم تستفيد حاليًا من الزخم الإيجابي، مدفوعة بتحسّن المعنويات وانخفاض التوترات الجيوسياسية، فيما يتعرض الذهب لضغوط قوية في ظل تراجع الطلب على الملاذات الآمنة. لكن هذا التوازن يبقى هشًا، ويمكن أن يتغيّر سريعًا إذا جاءت بيانات التضخم أعلى من المتوقع، مما يعيد المخاوف من بقاء السياسة النقدية الأميركية متشددة لفترة أطول.
في ظل هذه المستجدات المتسارعة، يُنصح المستثمرون بتوخي الحذر، وعدم التسرّع في بناء مراكز استثمارية كبيرة قبل صدور البيانات، مع مراقبة دقيقة لتصريحات مسؤولي الفيديرالي التي قد تحمل مفاجآت في لغة الخطاب أو التوجّه المستقبلي. إنها أيام حاسمة، وقد تكون بمثابة مرآة لباقي النصف الأول من عام 2025.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المركزية
منذ 3 ساعات
- المركزية
المبعوث الأميركي إلى سوريا يلتقي الشرع بعد رفع العقوبات
أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا أنه التقى الرئيس السوري الانتقالي في اسطنبول السبت بعد رفع العقوبات الأميركية على دمشق. وقال السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك في بيان "التقيت اليوم الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في اسطنبول لتنفيذ قرار الرئيس ترامب الجريء لفتح الطريق للسلام والازدهار في سوريا". وأضاف باراك "أكدت أن رفع العقوبات عن سوريا من شأنه أن يحافظ على هدفنا الأساسي - الهزيمة الدائمة لداعش - ويقدم للشعب السوري فرصة لمستقبل أفضل". وأشاد المبعوث الأميركي أيضا بالرئيس السوري "للخطوات الملموسة التي اتخذها لتنفيذ توصيات الرئيس ترامب في ما يتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، والتدابير الرامية إلى مكافحة داعش، والعلاقات مع إسرائيل، والمخيمات ومراكز الاحتجاز في شمال شرق سوريا". من جهتها، قالت الرئاسة السورية في بيان إن الشرع التقى المبعوث الأميركي في حضور وزير خارجيته أسعد الشيباني. وقام الشرع، يوم السبت، بزيارة إلى اسطنبول التقى خلالها نظيره التركي رجب طيب إردوغان. ويوم الجمعة، أصدرت الولايات المتحدة رخصة عامة تُتيح تخفيفًا جزئيًا للعقوبات المفروضة على سوريا، وفقًا لما ورد على الموقع الإلكتروني لوزارة الخزانة الأميركية. دمشق:قرار أميركا برفع جزئي للعقوبات مقدمة لإعادة بناء الدولة وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن الأسبوع الماضي، خلال جولة له في الشرق الأوسط، عن عزمه إصدار قرار بإنهاء العقوبات المفروضة على الحكومة الانتقالية السورية، في تحوّل كبير في السياسة الأميركية، سبقه لقاء قصير جمع ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض. وأكدت وزارة الخزانة أن الرخصة لا تسمح بأي تعاملات تعود بالنفع على روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية، وهي من أبرز داعمي النظام السابق. وتهدف هذه الخطوة إلى "إعادة بناء الاقتصاد السوري والقطاع المالي والبنية التحتية"، بما يتماشى مع المصالح السياسية للولايات المتحدة. وتشمل المعاملات المصرّح بها بموجب GL 25: الاستثمارات الجديدة في سوريا، تقديم خدمات مالية وخدمية، والتعاملات المرتبطة بالنفط أو المنتجات النفطية السورية. كما تُجيز الرخصة جميع التعاملات مع الحكومة السورية الجديدة، وكذلك مع بعض الأشخاص المحظورين الذين تم تحديدهم في ملحق خاص بالرخصة.


IM Lebanon
منذ 5 ساعات
- IM Lebanon
واشنطن تصدر رخصة لتخفيف العقوبات على سوريا
أصدرت الولايات المتحدة، رخصة عامة تُتيح تخفيفًا جزئيًا للعقوبات المفروضة على سوريا، وفقًا لما ورد على الموقع الإلكتروني لوزارة الخزانة الأميركية. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن الأسبوع الماضي، خلال جولة له في الشرق الأوسط، عن عزمه إصدار قرار بإنهاء العقوبات المفروضة على الحكومة الانتقالية السورية، في تحوّل كبير في السياسة الأميركية، سبقه لقاء قصير جمع ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض. وقالت الخزانة الأميركية في بيان رسمي: 'اليوم، أصدرت دائرة مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابعة لوزارة الخزانة الأميركية الرخصة العامة رقم 25 (GL 25)، لتوفير تخفيف فوري للعقوبات المفروضة على سوريا، تماشيًا مع إعلان الرئيس بشأن وقف شامل للعقوبات. وتُجيز هذه الرخصة المعاملات المحظورة بموجب لوائح العقوبات السورية، ما يعني عمليًا رفع العقوبات المفروضة على سوريا.' وأشار البيان إلى أن الرخصة العامة GL 25 'ستُتيح استثمارات جديدة ونشاطًا في القطاع الخاص بما يتماشى مع استراتيجية 'أميركا أولًا' التي يتبناها الرئيس ترامب'، كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية بالتوازي عن إصدار إعفاء بموجب 'قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين'، يتيح لشركاء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة البدء بخطوات لتعزيز إمكانات سوريا الاقتصادية. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت: 'كما وعد الرئيس ترامب، تقوم وزارة الخزانة ووزارة الخارجية بتنفيذ إجراءات تسمح بتشجيع الاستثمارات الجديدة في سوريا. على سوريا أيضًا أن تواصل العمل نحو الاستقرار والسلام، ونأمل أن تُسهم هذه الإجراءات في وضع البلاد على طريق مستقبل مشرق ومزدهر.'


ليبانون ديبايت
منذ 6 ساعات
- ليبانون ديبايت
ترامب يصعّد الحرب التجارية مع أوروبا 50 في المئة رسوماً اعتباراً من حزيران
أوصى الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي اعتبارا من أول حزيران، مشيراً إلى أن التعامل مع التكتل بشأن التجارة صعب.وذكر ترامب على منصة تروث سوشيال التي يمتلكها أن التعامل مع الاتحاد الأوروبي، الذي تشكل بالأساس لاستغلال الولايات المتحدة من الناحية التجارية، صعب جدا، وأن المناقشات معهم لا تفضي إلى أي نتيجة. وتشعر الولايات المتحدة بالاستياء لأن الاتحاد الأوروبي لم يقدم سوى تخفيضات متبادلة في الرسوم الجمركية، بدلاً من التعهد بخفضها بشكل أحادي، كما اقترح بعض الشركاء التجاريين الآخرون لواشنطن. كما فشل الاتحاد في طرح الضريبة الرقمية المقترحة كنقطة تفاوض، وهو ما تطالب به الولايات المتحدة. ورغم أن أوروبا تسعى إلى صياغة نص مشترك يُشكل إطارًا للمحادثات، فإن الجانبين لا يزالان متباعدَين جدًا، وفقًا لمصادر مطلعة على المناقشات.