logo
أفكار: مسيرة ثقافية أردنية رائدة في عالم الفكر والأدب

أفكار: مسيرة ثقافية أردنية رائدة في عالم الفكر والأدب

الغد١٠-٠٤-٢٠٢٥

عزيزة علي
عمان – يسلط كتاب "كشاف منشورات وزارة الثقافة (2012-2023)"، الذي قام بإعداده وتقديمه الدكتور زياد أبو لبن. الضوء على تاريخ "أفكار" ودورها البارز في إثراء الثقافة العربية، مع تسليط الضوء على التحديات والإنجازات التي مرت بها المجلة، إضافة إلى تأثيرها الكبير في دعم الكتّاب والمبدعين المحليين والعرب.
اضافة اعلان
ويوضح أبو لبن من خلال مقدمة الكتاب الذي صدر ضمن سلسلة "فكر ومعرفة" التي تصدرها وزارة الثقافة، أن مجلة "أفكار"، تعد إحدى أبرز الإصدارات الثقافية في الأردن والعالم العربي، حيث لعبت دورا محوريا في إثراء الساحة الأدبية والفكرية منذ تأسيسها في عام 1966.
انطلقت المجلة لتكون منصة مفتوحة للكتّاب والمثقفين الأردنيين والعرب، وتوثق الحركة الثقافية والفكرية في المنطقة. من خلال نشر قصائد الشعراء، ودراسات المفكرين، وترجمات الأعمال العالمية، استطاعت "أفكار" أن تظل رائدة في مجال النشر الثقافي، على الرغم من التحديات التي واجهتها.
ويشير أبو لبن إلى أن المجلة مرت بالعديد من المراحل والتطورات التي ساعدت على تعزيز مكانتها، بدءا من توقفها في أوقات عصيبة، وصولا إلى استئناف صدورها بصورة منتظمة، لتكون اليوم مرجعا مهما للباحثين والمهتمين بالأدب والفكر في العالم العربي.
يوضح أبو لبن أن كتابه يأتي استكمالا لكشاف منشورات وزارة الثقافة للفترة 1966-2011، الذي صدر في عام 2013 ضمن سلسلة "كتاب الشهر" رقم (171). كما يشير إلى أنه تم تكليفه من قبل وزيرة الثقافة السابقة هيفاء النجار بإعداد هذا العمل، وقد كان له شرف القيام بذلك للمرة الثانية.
ويضيف أنه استغرق عشرة أشهر من البحث والتنقيب والجمع حتى اكتمل الكتاب، مع الاعتراف بأنه قد يجد القارئ أو الباحث بعض الأخطاء التي قد تُصَحح في طبعة ثانية إن حالف الحظ لهذا الكشاف أن يرى النور. ويؤكد أن الهدف من هذا الكتاب هو توثيق علمي وضبط ببليوغرافي لكل ما صدر عن الوزارة من كتب في السلاسل خلال الفترة من 2012 إلى 2023.
أما بالنسبة للمجلات والدوريات التي صدرت خلال هذه السنوات، فقد أشار أبو لبن إليها بشكل عام في مقدمته، حيث توقف على واحدة من المجلات المهمة التي تصدرها الوزارة، وهي مجلة "أفكار". وقد اختار التوقف عند هذه المجلة لكونها الأبرز والأكثر انتظاما في الصدور منذ عام 1966 وحتى الآن، حيث تعد واحدة من المجلات الأردنية الوحيدة التي حافظت على صدورها بانتظام. أيضا، مجلة "وسام" للأطفال.
ويشير إلى أن "أفكار" تتمتع بشهرة وتوزيع كبيرين مقارنة ببقية المجلات الأردنية. وقد أصدرت وزارة الثقافة العديد من المجلات الأخرى إلى جانب "أفكار"، مثل: مجلة "الفنون الشعبية"، مجلة "صوت الجيل"، مجلة "وسام"، مجلة "فنون"، ومجلة "تراث".
ويتحدث أبو لبن عن مجلة "أفكار" باعتبارها نموذجا لعلاقة الأدب بالإعلام، حيث تمثل حاضنة للكتّاب الأردنيين والعرب. ويؤكد أن الصحافة تعتمد بشكل أساسي على صدور الصحف والمجلات، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وأنه مع تطور التكنولوجيا أصبحت وسائل الاتصال الجماهيري أكثر تنوعا وشمولية، تضم فضائيات وإذاعات وإنترنت وفيسبوك وتويتر، فضلا عن الهواتف المحمولة.
ويشير أبو لبن إلى أن أول عدد من مجلة "أفكار" صدر في عام 1966، أي قبل أكثر من نصف قرن، عن وزارة الإعلام التي أُنشئت في عام 1964، وكان يترأسها آنذاك المرحوم عبد الحميد شرف. حيث تقدم الشاعر عبد الرحيم عمر باقتراح إصدار مجلة ثقافية بعد توقف مجلتي "القلم الجديد"، لصاحبها عيسى الناعوري، "الأفق الجديد". التي كانت تصدر عن "جريدة المنار" المقدسية عام 965، وأول رئيس تحرير لها كان جمعة حماد، ثم تولى رئاستها أمين شنار.
ويشير أبو لبن إلى أن المجلة واجهت صعوبات مالية منذ بدايتها، لكن فريق التحرير تمكن من التغلب عليها، حيث صدر العدد الأول في حزيران 1966 برئاسة عبدالرحيم عمر، وضم فريق التحرير آنذاك عددا من الأسماء المميزة مثل زهدي السقا وسعيد كمال وتيسير سبول وفايز الصياغ ونازك البيطار، ومهنا الدرة مشرفا فنيا، وتولّى رئاسة تحرير أفكار بعد عبدالرحيم عمر، سليمان الموسى ومحمود سيف الدين الإيراني وحسين جمعة وإبراهيم العجلوني وحسني فريز وأمينة العدوان ومحمد سمحان وسلامة محاسنة وبدر عبد الحق وغيرهم. وغيرهم.
كما يذكر أبو لبن أن المجلة كانت حريصة على اختيار اسم يعكس تنوع اهتماماتها الثقافية والفكرية، حيث طرح عبدالرحيم عمر سؤالين: الأول عن الفئة المستهدفة من المجلة، والثاني عن اسم المجلة، فكان الرد أن المجلة موجهة إلى جميع المثقفين، وعُرفت باسم "أفكار" لتجنب الارتباط بأي جهة رسمية قد تثير حساسية لدى بعض الكتاب والمثقفين.
بدأ صدور مجلة "أفكار" في حزيران من عام 1966، وقد لاقت صدى واسعا بين الكتّاب والمثقفين، واستُقبلت بحفاوة في مختلف الأوساط الثقافية والإعلامية، خاصة أنها مثلت صوتا إعلاميا جديدا في وقت كان فيه الصوت الإعلامي محدودا جدا بالمقارنة مع الوضع الحالي. وما إن صدر منها ثلاثة عشر عددا حتى توقفت عن الصدور في أعقاب حرب حزيران عام 1967، واستمر توقفها حتى أيلول من عام 1971.
ويشير أبو لبن إلى أن محمود سيف الدين الإيراني، الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير "أفكار"، كتب في افتتاحية العدد الذي صدر بعد توقف المجلة قائلا: "تعود "أفكار" إلى الصدور بعد احتجاب طويل، لم يكن لنا فيه يد، بل كانت الظروف في أعقاب معركة حزيران هي السبب. وفي اعتقادنا أن إصدار "أفكار" أربع مرات في السنة، وعلى هذه الصورة الماثلة بين يدي القارئ من حيث المستوى الثقافي الجيد، خير من بقائها محتجبة. غير أننا نعد قراءنا في الأردن والعالم العربي أن نصدرها شهريا، موصولين الأسباب بأفضل المستويات الثقافية في الوقت الملائم، والفرصة المواتية. ونأمل ألا تكون بعيدة ولا عزيزة المنال."
استمرت "أفكار" في الصدور بشكل فصلي حتى آب من عام 1981، حيث بدأت تصدر بعد ذلك شهريا. وعلى الرغم من الصعوبات المالية التي واجهتها المجلة نتيجة لميزانية الوزارة المحدودة، استمرت المجلة في الصدور ولعبت دورا بارزا في الحياة الأدبية في الأردن من خلال نشر الكتابات الإبداعية والفكرية للكتّاب الأردنيين والعرب. ساعدت المجلة في نشر هذه الأعمال وانتشارها، وفتحت أمام الكتّاب آفاقا واسعة.
كما تُعتبر "أفكار" سجلا توثيقيا مهما للحركة الأدبية والفكرية في الأردن، حيث تابعت أخبار النشاطات الثقافية والفنية محليا وعربيا وعالميا. وأسهمت المجلة من خلال الترجمة والحوارات في تنشيط الحركة الثقافية والفنية في الأردن، وحققت شهرة واسعة للعديد من الكتاب في مختلف مجالات الإبداع والمعرفة. بعبارة أخرى، يمكن القول إن العديد من الكتاب قد تخرجوا في "مدرسة أفكار". كما تُعد المجلة نافذة الأردن على الآداب العالمية.
استمرت هيئات تحرير مجلة "أفكار" في النهوض بها ودفع عجلة الثقافة إلى الأمام، وركزت المجلة اهتمامها بشكل كبير على الشأن الأدبي والفكري. فنشرت قصائد لأعلام الشعر الأردني، بالإضافة إلى شعراء عرب بارزين مثل: حيدر محمود، إبراهيم نصرالله، يوسف عبد العزيز، يوسف أبو لوز، عبد الرحيم عمر، نبيلة الخطيب، زليخة أبوريشة، حبيب الزيودي، عبد الله رضوان، محمد لافي، حميد سعيد، عصام شرتح، وغيرهم العديد من الشعراء الذين برزوا وتميزوا في صفحات "أفكار". كما نشرت المجلة قصصا لكتّاب قصص أردنيين وعرب، مثل: "بسمة النسور، جميلة عمايرة، هند أبو الشعر، حنان بيروتي، مفلح العدوان، محمود الريماوي، إلياس فركوح وغيرهم"، بالإضافة إلى دراسات فكرية وأدبية لكتّاب أردنيين وعرب، مثل: د. ناصر الدين الأسد، د. إبراهيم خليل، د. يوسف بكار، د. نبيل حداد، د. سامح الرواشدة، د. صلاح جرار، د. عبد القادر الرباعي، د. علي الشرع، د. يحيى عبابنة، د. رفقة دودين، د. عباس عبد الحليم عباس، د. نضال الشمالي، د. محمد عبيد الله، د. زياد أبو لبن، د. صالح أبو أصبع، د. فهمي جدعان، د. حسن حنفي، سعيد بوعيطة، د. نجم عبد الله كاظم، د. عبد الجبار العلمي، وغيرهم.
في مجال الترجمة، نشرت "أفكار" ترجمات من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والفارسية والتركية والصينية. كما خصصت المجلة ملفات لأعلام الفكر والأدب الأردنيين والعرب، مثل: د. إحسان عباس، د. ناصر الدين الأسد، د. محمود السمرة، د.يوسف بكار، د. نصرت عبد الرحمن، إبراهيم نصر الله، د. جميل علوش وغيرهم.
كما تناولت المجلة ملفات فكرية متنوعة مثل: "الثقافة والإصلاح"، "التحلل الأيديولوجي"، و"المثقف والمعارضة"، وغيرها من المواضيع الفكرية. بالإضافة إلى ذلك، نشرت المجلة متابعات للكتب الحديثة، وتغطيات إخبارية ثقافية محليا وعربيا وعالميا، فضلا عن مقالات متنوعة وحوارات مع الكتاب وأعلام الفكر العربي.
خلص أبو لبن إلى أن الألفية الثالثة قد أعادت للمجلة وهجها وأعادت تواصلها محليا وعربيا، على الرغم من العقبات التي واجهتها. كما أعادت الثقة بين المجلة والكتّاب والمثقفين. إن انتشار المجلة وتداولها بشكل ورقي وإلكتروني أحدث نقلة نوعية في السنوات الأخيرة. ويعود الفضل في ذلك إلى هيئات تحرير "أفكار" والأسماء البارزة في الأدب والفكر، وكذلك لرؤساء التحرير، مثل: مؤنس الرزاز، حيدر محمود، د. محمد المجالي، د. أحمد ماضي، د. زياد أبو لبن، د. يوسف ربابعة، د. غسان عبد الخالق، وصولا إلى الروائية سميحة خريس.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صباح الورد يا عمّان… صباح الخير يا أردن
صباح الورد يا عمّان… صباح الخير يا أردن

الغد

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • الغد

صباح الورد يا عمّان… صباح الخير يا أردن

أتساءل أحيانًا: ماذا نحتاج لبناء نواة مشروع وطني ناجح، بعيدًا عن البعد السياسي للفكرة؟ هل نحتاج مشروعًا نُجذّر فيه الوجدان الجمعي المشترك، على مستوى العاطفة والذاكرة والانتماء، ونعزز ثقافة تحترم التنوع، ونصوغ هوية وطنية حيّة، من الناس وإليهم؟ اضافة اعلان للأمانة، راودني هذا التساؤل وأنا أستمعُ بالصدفة إلى أغنية جميلة للفنان عمر العبداللات: 'صباح الورد يا عمّان… صباح الخير يا أردن'. ورغم بساطة كلماتها، أعادتني إلى لحظات ملتصقة بالوجدان، بمفرداتها التي تستحضر موروثاتنا في الريف والمدينة والبادية، وتعكس ملامح الإنسان الأردني وبيئته؛ حين يغني العبداللات للأم والأب، والعسكر والطلاب والعائلة، وللعشق والغربة، ويستحضر الزعتر والسرو والتنور، في لحن يتجاوز الطابع المحلي. وطالما كان هذا الموروث غير المادي، في الحفظ والصون على المستوى الشعبي، من قبل المجتمعات المحلية، حتى على المستوى الفردي. ويكفي أن نضرب أمثلة على هذه الحالة من محافظات ومدن المملكة، كالسلط والفحيص ومعان وغيرها، لكن أبرزها موجود في مدينة الفحيص، التي تحتضن كنزًا من الموروث الغنائي الشعبي، وقد كان لفرقة الفحيص والفنان صخر حتر دورٌ بارز في إحيائه وتقديمه بصيغته الأصيلة. للأسف، على المستوى الرسمي، ما يزال هناك تقصير في مسألة حفظ التراث غير المادي، باعتباره أحد الركائز التي تحافظ على الأصالة، وتُحيي الهوية الوطنية، وتُسهم في بناء وجدان جمعي مشترك. من خلال هذا التراث، تحضر الأغنية، والحكاية، والطقوس الشعبية كأشكال حية تُعبّر عن المجتمع وتحفظ ذاكرته. هذا التراث، بما يحمله من موسيقا، وحكايات، وطقوس شعبية، وصناعات غذائية وخزفية وغيرها، هو ما تملكه المجتمعات المحلية لتكون شريكًا فاعلًا في مشروع وطني يُعيد وصل الناس بهويتهم. وهي، من خلال أصالتها واحتفاظها بالتراث، قادرة على بثّ الحياة في هذا المشروع، وصياغته بصورة حداثية قابلة للتشكيل والتطوير، دون أن تفقد جذورها. بل يمكن أن يكون مدخلًا لتعزيز الاندماج الاجتماعي، وتشكيل هوية المكان، إلى جانب دعم السياحة، وخلق فرص عمل، وتحفيز الاستثمار المحلي. هذا التقصير في إدارة التراث غير المادي أو إحيائه، ترك أثرًا واضحًا على الوجدان الفردي والجمعي للمواطن الأردني. وتحول بفعل عوامل متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية، إلى نمط حياة آلي يفتقر للحظات إنسانية ووجدانية، فاقم ذلك تمدّد العمران على حساب الطبيعة، وتحوّل المدن إلى كتل إسمنتية. الحاصل، أننا خضنا كثيرًا في «التحديث والتسييس»، على حساب التنوير والتعليم، والتراث والثقافة والإبداع. وقد يكون المدخل الحقيقي لنجاح المشاريع الوطنية الكبرى هو الالتفات إلى تلك المشاريع التي تُعنى ببناء الإنسان، وتربطه بجذوره وتُعيد وصله بهويته، لتكون الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء آخر!

"النُباح الأخير" قصص لمفلح العدوان
"النُباح الأخير" قصص لمفلح العدوان

عمون

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • عمون

"النُباح الأخير" قصص لمفلح العدوان

عمون - قصص "النباح الأخير" لمفلح العدوان تجمع بين التاريخ والشعر واستلهام الوحي في الأديان السماوية. ويأتي عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 128 صفحة من القطع المتوسط، ويضم 14 قصة تتنوع موضوعاتها، لكنها تتفق في بنيتها الأساسية، إذ يمزج فيها الكاتب السرد بالشعر، مستشهداً ببعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وبعض من تراث الديانات السماوية الأخرى. يبدأ مفلح العدوان كتابه بتنويه تنفكُّ رموزه شيئاً فشيئاً خلال قراءة قصص الكتاب؛ يقول فيه: "الذاكرة في طريقها إلى خزائن النسيان.. قصص المكان موزّعة بين الآلهة والبشر.. ولا شاهد عليها إلا ما تبقّى من نقوش الحَجَر!". تبدأ أولى قصص المجموعة بعنوان الكتاب "النباح الأخير"، والذي يستلهم قصة "قطمير"؛ كلب أهل الكهف، راوياً بعض أحداثها، مختتماً بفقرة يقول فيها مفلح العدوان: "خرج السبعة وثامنهم كلبهم، ثم وضعوا صخرة كبيرة على بوابة الكهف، ونزلوا بكل حريتهم يبحثون عن أناس مثلهم ناموا مرات عديدة، وبقوا ينتظرون الفرصة ليعودوا إلى الحياة مرة أخرى بلا رقيب يتعقَّبهم".! وفي قصة "مسيح عفرا" يؤنسن مفلح العدوان السنديانة (بطلة القصة) وصاحبة الحضور الأبرز فيها قائلاً: "أحسَّ بالسنديانة تريد معانقته، فانتبه لها أخيراً. تأمّلها، وناجاها: ستكونين تابوتي، أو صليبي، أعرف هذا، لكنك مني، تفهمينني أكثر منهم، وتعرفين أن من يَقطعك هو ليس من صُلبك، وأن من يُحرِّرك هو منك وإن اختلفت عقيدته.. أنت أقرب الجميع إليَّ، حتى عند مماتي. هزَّت أغصانها مُلَوِّحة له، وابتعد". وفي قصة "شهادة وفاة" نجد أنفسنا أمام لوحة مرسومة بالكلمات للبحر الميت، والذي من شدة ملوحته لا تعيش فيه أي كائنات بحرية، يقول مفلح العدوان: "غافلتني الحكاية.. كيف نسيتها من كَثرة ما زرت "البحر الميت"، فلم أستعِد تلك اللحظات الأولى لهذا المقام، وكأني أُعيد سرد ملحمة الموت الأولى، في مكان محدد، هنا؟ ياه.. كم نتحمل هنا من أوزار وجدناها أمامنا، ولا ذنب لنا في نواميس حُوَاة الجغرافية! أنظر عميقاً حيث فضّة البحر.. ترى ماذا يختفي تحته؟ ما اسمه قبل أن يكون ميتاً؟ أتذكر "سدوم"!! أعود إليها حين كانت قرية، ولم يكن، آنذاك، هواؤها ملحاً، ولم تكن الحياة مصادرة منها، وكان الصخب ملء المكان؛ أناس يتحرَّكون، وتجار يبتاعون ويشترون، وأسواق، وساحات، ومراعٍ، وبساتين". وفي القصة نفسها يتساءل الكاتب، مضفّراً الشعر في السرد، إذ يقول مفلح العدوان: "هل أودع التمثال الملحي، وأتركه وحيداً؟ كان وجهه ملتفتاً إلى الخلف، كأنه حائر بين الشوق لمكانه الذي تربَّى فيه، وعاش هناك أيام طفولته ولحظات شبابه، حيث الأهل والأقارب والجيران وكل من يعرفهم، حائر بين كل هؤلاء وبين الأمر الإلهي في أن من ينظر إلى الخلف فسيكون عقابه السكون والجمود. وصارت امرأة لوط تمثال ملح، بينما آوى زوجها وابنتاه في الكهف القريب، رغبة في الراحة، وتوقاً إلى النسيان!". ويعرِّج في القصة ذاتها على ذكر نبي الله لوط، وذلك الاختبار الصعب الذي تعرّض له، راسماً صوراً إبداعية تفتح الآفاق لتخيّل الأحداث وكأن القارئ يحياها من جديد، يقول مفلح العدوان: "ياه.. كم عانيت من الظلم يا لوط! أنت، حتى خروجك، واستراحتك هنا، مختلف عليها. لا أريد أن أرى ذاك الكهف.. كُلُّه شبهات، وشكوك. أحمل ما تبقى من وسواس يزنُّ في رأسي، وأتابع دربي إلى قرى "لوط"، إلى "البحر الميت"، والفصل صيف، والعرق ينزُّ كأنّ في الزيارة عقاباً، أو عتاباً، أو دعوة لتهجِّي أيِّ ظل قريب كي تكون الرؤية واضحة جلية. عميقاً أترك ملح المرأة وأمضي.. أبحث عن شهادة وفاة هذا البحر، فأراه مكشوفاً أمام عينيَّ، وأرى زواره يعيدونه سيرته الأولى صخباً، وطرباً، وتوقاً لزمن الصالحين قبل أن يفسدوا!". وفي قصة "العثماني" يستعرض المؤلف عدداً من الأحداث التاريخية التي طعَّمها بأسماء بعض الشخصيات، مثل سعيد بن خالد بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية الأموي العثماني الفديني، الذي يقول مفلح العدوان على لسانه: "جدِّي لم تقتله الفتنة، بل قتله الزمن الذي طعنه غدراً، بصمت أصحابه، وبِكَيد ذوي القربى. لم يسعفه أحد، وكان أحد المُبشّرين بالخير، فلماذا لم يلتفّ حوله المؤمنون بِصدق الكتاب؟! أين كانت "الحجاز" و"العراق" و"الشام"، حين قَطّعوا أصابعه، وهو يقرأ قَداسة الكلام، ثم مَزّقوه، كأنه ليس منهم؛ جدّي عثمان الأول الذي بات يَتَقمَّصني بدمه في هروبي الطويل هذا، ويتلبَّسني بِنسبي إليه، الذي وشمني به عنواناً طيلة سنوات عمري، فصرت أُنادَى بالعُثمانيّ. وأنا لا أريد تكرار مأساة نهايته، ولا أريد الصمت على جُور الذين قتلوا جدي؟! أين هي "الشام" الآن، وهم يحاصرونني؟". وفي قصة "المَجوس يَحرِقون البَازلت!" يطرح مفلح العدوان عدداً من التساؤلات على لسان شخصية تاريخية أخرى هي "مِيشَع بن كَموش مَلك مُؤاب الذيباني"، فيقول: "تَخبَّأت كل تلك السنوات بين هُدب التراب، وسُويداء الذاكرة.. فَمَن أشعل النار بجسدي؟ مَن سَرق بقايا رماد حروفي؟ النار.. النار.. تلك التي طهّرتني من الزمن الذي أنا مُقْبِلٌ عليه، فَتَكالبت عَلَيَّ بأيدٍ من ترابي، وَبِشُعلة من بني طِينتي، الذي منه بُعِثت مِسَلّة، واسمي مُتماهٍ مع ذات ميشع، ومَقرون حضوري بهذا المكان.. ذيبان"!" مَن أَشعل النار بي؟! مَن نَقل رُفاتي إلى بَلدٍ غَريبٍ، لا أرى فيه إلا غُرباء، هُم ليسوا مثلي؟ أنا المِسَلّة التي باركني الإله كَموش، وَحَفر الملك ميشع الحَرف عَليّ.. هذا آخر زمان..". وفي قصة "سبيل الحوريات" يبدأها الكاتب بعنوان فرعي "حالة عشق" يقول فيها: "أتأمَّل الرسم.. هذا حب من أول خط، وكأن للون سحر النظرة العذراء! متى كان هذا؟! مَرَّة حين تَجَشَّمت عَناء المَسير وَحيداً بين سقف السيل ودرج فرعون مروراً بسبيل الحوريات وسط البلد؛ مدينتي عَمّان، وَمَرَّة أخرى عندما قرأت أن الصبايا كُنّ يَلهَثن فِتنة وَيَزدَدن حُسناً ما إن يَدخُلن رُخام السَّبيل فتلتحم أجسادهن رسماً على حُلم المكان. أُراوغ النبض.. أتملَّى نُقوش الفتنة هناك. لم يَكُنَّ بلا أرواح، وكأن أُنثاي التي أعشق هي إحداهنّ، وهذه تجربتي الأولى في وَلَهٍ أسميه تَوقاً، وينعتونه استلاباً وأسراً.. تلك أنثاي، وهذا حُب، لا حبر على ورق!". وفي القصة التي اختتمت بها المجموعة "المَوءودة الغريقة!" وكأن الكاتب قد اختار أن يتجول على حقب متتابعة من التاريخ، يبدأها بالتعريج على الكنعانيين، حتى يصل إلى صلاح الدين الأيوبي، فيقول مفلح العدوان: "من أنا الآن؟ بائس أنا حين لا أعي أنني حارس المدينة المُطارَد فيها، لأني ضميرها المُختبئ في جوف البحر. أغيب، وأعود مُتَجَسِّداً كل حين بِوجه من وجوه ماضيها.. ياه.. ما أنقى تلك اللحظة حين كنت أنفض رذاذ الماء من على جناحيّ، مُتأَمِّلاً البحر الأحمر الذي خبرته، والذي حين انتبه إلى حُلولي صار خاشعاً لمِهابة حُضوري، فتداعت في دواخلي خطواتي عندما خرجت من مجمع الآلهة الكنعاني، بعد أن انفضّ من حولي جَمع الآلهة الذين أرأسهم في قاعة اجتماعي بهم! ذَهبوا إلى كل الجهات، وتاقت ذاتي للراحة في مساحة أقتطعها لاسمي، وأباركها بحضوري.. أين أذهب في غيابي؟". ومن الجدير بالذكر أن مفلح العدوان، قاص وروائي وكاتب مسرح وسيناريو وصحفي وباحث، مواليد الأردن عام1966م، حاصل على بكالوريوس هندسة كيميائية من الجامعة الأردنية، عام 1990م. مؤسس ورئيس مختبر السرديات الأردني لعدة دورات، عمل مديرا لوحدة الشؤون الثقافية في الديوان الملكي الهاشمي-الأردن، ومديرا للمركز الثقافي الملكي في وزارة الثقافة الأردنية، وكاتباً في جريدة الرأي الأردنية. صدر له في القصة القصيرة سبع مجموعات قصصية هي: "الرحى"، الدواج"، "موت عزرائيل"، "موت لا أعرف شعائره"، "شجرة فوق رأس"، "نحت آخر لتمثال المفكر/ مختارات قصصية"، "هب لي عيناً ثالثة". وله رواية واحدة عنوانها "العتبات" صدرت عام 2013م، وأصدر في البلدانيات والرحلة وأدب المكان العديد من الكتب: "عمان الذاكرة"، وثلاثة أجزاء من "موسوعة القرية الأردنية/ بوح القرى"، و"معان وقراها"، "سماء الفينيق/ رحلتي إلى فلسطين". وصدر له في المسرح والمونودراما "مسرحية عشيات حلم"، و"ظلال القرى وآدم وحيداً/ مسرحيتان"، "أربعة نصوص مسرحية: ظلال القرى/عشيات حلم/بلا عنوان/سجون"، "من قتل حمزة؟/ كتابة مشتركة"، "مرثية الوتر الخامس/ مونودراما". وكتب سيناريوهات الكثير من الأفلام الوثائقية، وأقام عدة معارض فوتوغرافية. كما فاز مفلح العدوان بالعديد من الجوائز العربية والعالمية.

مجلة صوت الجيل... عدد جديد يحتفي بالإبداع الشبابي
مجلة صوت الجيل... عدد جديد يحتفي بالإبداع الشبابي

الدستور

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الدستور

مجلة صوت الجيل... عدد جديد يحتفي بالإبداع الشبابي

عمان عن وزارة الثقافة، صدر مؤخرا العدد 33 من مجلة صوت الجيل، المعنية بالإبداع الشبابي، والتي أخذت على عاتقها مهمة كشف النقاب عن عدد كبير من شباب وشابات المملكة الموهوبين والمبدعين، بالإضافة إلى إبراز مواد شبابية، تـُعبر عن آمال وتطلعات الجيل الجديد، اختارتها هيئة تحرير المجلة التي تتألف من: الروائي والشاعر جلال برجس (رئيسا للتحرير)، الشاعر علي شنينات، والأديب والإعلامي جعفر العقيلي، والشاعر تيسير الشماسين (أعضاء هيئة التحرير)، أ. محمد المشايخ (مدير التحرير)، أ. فادية نوفل (سكرتيرة التحرير)، د. أنس الزيود: المدقق اللغوي، أ. عبد الهادي البرغوثي: الإخراج الفني. (عتبة العدد) كتبها الروائي والشاعر جلال برجس رئيس تحرير المجلة تحت عنوان: «صدمةُ «السوشال ميديا»»، وفيها قال: (مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وجد الكاتب نفسه أمام قرائه من دون تلك المسافات التي كانت تفصل بينه وبينهم، الأمر الذي جعله يهبط من برجه العاجي ويشتبك مع القارئ بما يفضي إلى مساحات إبداعية جديدة، وأضاف: «استفاد بعض الكتاب من هذا القرب الثقافي حين أنصتوا لقصص الناس وحكاياتهم وأفكارهم عبر أدوات جديدة، تضاف إلى أدوات الواقع، وعاين بعضهم انعكاسات ما يكتب على قرائه، لكن الصورة العامة لهذا الفضاء لم تتوقف عند هذا الحد بل اتخذت مسارات سلبية على الصعيدين الثقافي، والإنساني المعيش، فعلى الصعيد الثقافي انخرط كثير من الكتاب في حمى الظهور، وحصد إعجاب المزيد من القراء مقابل خسارتهم للطقس الكلاسيكي الذي بددته للأسف الشديد هذه الثورة الاتصالاتية). وفي (البوابة الرقمية) كتب الشاعر علي شنينات تحت عنوان « Open AIتعلن أنها ستغير طريقة الكتابة الإبداعية بواسطة الذكاء الاصطناعي» وفي ملتقى الأجيال، وتحت عنوان: حوارٌ على طاولة صوت الجيل، حاورت منال العبادي الدكتورة خولة شخاترة. وأعدت عهود عبد الكريم مصفوفة العدد التي حملت عنوان (القارئ الشاب بين الرواية العربية والمترجمة) وشارك معها: تسنيم معابره، محمد زلوم، إكرام العطاري، د. ليث الرواجفة، ميمونة الشباطات، محمد دلكي. وفي الباب الخاص بالأعمال الإبداعية الشبابية الذي يحمل عنوان (ورد بلدي) وردت قصص وقصائد وخواطر ونصوص لكل من: أسماء العمري، أسيل علي، زينب السعود، رندا المهر، شهيد قبيلات، وفاء بني عامر، محمد كنعان. أما زاوية خرائط البوح فقد خـُصصت لآية نصر محمود وحملت عنوان: «الأدبُ بينَ النَّجاةِ والغرق.. ارتواءٌ وظمأ». وفي مختبر العدد، وردت المواد التالية: أدبُ الشَّبابِ.. أدبُ التَّجدُّدِ والمغامرة: د. محمد عبيد الله، تجاربُ شعريّةٌ شبابيّةٌ.. ديوان أميمة يوسف (أُرتّل لهفتي شعرًا) : إياد أبو ريان، الشَّبابُ والنُّجوميّة...فرقعةٌ ودويٌّ بلا صوت: إيهاب مصطفى، سردُ الشَّبابِ الكلاسيكيّ والكتابةُ التقليديّةُ..بينَ غيابِ الصّورِ والطَّرحِ المباشر: سامر المعاني، معاني الوجودِ الإنسانيِّ الهشِّ في شعرِ نضال برقان: أحمد الشيخاوي، جيلٌ بلا كتب...التَّحوُّلُ من المكتباتِ إلى الشاشات: ميرفت هليل، أدبُ الشَّبابِ في عصرِ الرَّقْمنة : د. أماني سليمان داود. وفي زاوية مراسيل، كتبت إسراء النمر تحت عنوان: الشُّعراءُ المصريّونَ الشّبابُ وإغراءاتُ الرِّواية، وفي زاوية نقوش مقالة ميس تيسير، التي حملت عنوان: قلب اللويبدة. يتضح من هذه الزوايا والمواد التي تضمنتها والأدباء الذين نشروا فيها، قدرة وزارة الثقافة، وهيئة تحرير المجلة، على الإحاطة بالمشهد الثقافي الشبابي في المملكة، وإبراز كل ما فيه من تجليات إبداعية، ومن تنوّع يـُثري المشهد الثقافي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store