logo
جنوب إفريقيا جديدة أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية.. هل الأمر ممكن؟

جنوب إفريقيا جديدة أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية.. هل الأمر ممكن؟

أخبارنامنذ 2 أيام

في مشهد سياسي غير مسبوق، شهدت جنوب إفريقيا تحولًا دراماتيكيًا لم يكن ليُتوقع قبل عقد فقط. فقد خسر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي قاد البلاد منذ سقوط نظام الأبارتايد، أغلبيته البرلمانية بعد انتخابات أيار/مايو 2025. هذه الخسارة لا تمثل مجرد تراجع انتخابي، بل هي انهيار لمرحلة كاملة من التاريخ السياسي الجنوب إفريقي، كان فيها الحزب الحاكم يُقدَّس بوصفه رمزًا للتحرر، حتى وهو يغرق في الفساد وسوء التدبير.
الأكثر إثارة للانتباه ليس فقط سقوط الحزب التاريخي، بل صعود حزب "رمح الأمة" (MK Party) بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما، الذي فاجأ الجميع بموقف جديد كليًا في السياسة الخارجية، حين أعلن قبل يومين دعمه الصريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ونهائي للصراع المفتعل حول الصحراء. خطوة أربكت الجزائر، التي كانت تعتبر جنوب إفريقيا حليفًا استراتيجيًا في دعم جبهة البوليساريو. لكن يبدو أن صفحة جديدة بدأت تُكتب في بريتوريا، على غرار ما شهدته مواقف كثيرا من الدول حول العالم كان آخرها الموقف التاريخي لبريطانيا.
فهل نحن أمام جنوب إفريقيا جديدة؟ دولة أكثر براغماتية وأقل خضوعًا لإرث أيديولوجي تجاوزه الزمن؟
موقف حزب زوما لا يمكن اختزاله في كونه مجرد مناورة سياسية أو ردة فعل انتقامية ضد حزب المؤتمر الوطني الذي همّشه في السنوات الأخيرة. ما حدث هو بداية مراجعة عميقة لتوجهات السياسة الخارجية للبلاد، التي ظلت لعقود أسيرة خطاب "تصفية الاستعمار" الذي اتُخذ ذريعة لسياسات منحازة لا تواكب الواقع الجديد في القارة. فالدعم غير المشروط للبوليساريو لم يكن يومًا مبنيًا على قراءة استراتيجية للمصالح الإفريقية المشتركة، بقدر ما كان استمرارا لاصطفاف إيديولوجي تعود جذوره إلى الحرب الباردة.
جزء من النخبة الحاكمة في بريتوريا يرفض الإعتراف بأن إفريقيا تغيّرت. إذ لم تعد لغة الشعارات الثورية تقنع الشعوب، ولم تعد أنظمة ما بعد الاستقلال قادرة على تبرير فشلها في التنمية والحكامة بدعوى المؤامرات الخارجية. لذلك آن الأوان لأن تعيد الدول الإفريقية تموقعها وفق مصالحها الحقيقية، لا وفق تحالفات رمزية مهترئة.
الأكثر أهمية في موقف حزب زوما هو دعوته إلى تحالف استراتيجي شامل مع المغرب، ليس فقط سياسيًا، بل اقتصاديًا وتنمويًا أيضًا، مؤكدًا على تاريخ مشترك في النضال ضد الاستعمار. وهذه المقاربة الجديدة تتناغم مع التحولات الكبرى التي تعرفها القارة، حيث باتت قوى إفريقية وازنة – ككينيا وغانا – تعلن دعمها للمبادرة المغربية، مدفوعة بنفس البراغماتية الواقعية.
إن دعم حزب "رمح الأمة" للمقترح المغربي يضع الجزائر في مأزق دبلوماسي واضح. فبعدما ظلت تعول على الموقف الجنوب إفريقي في المحافل الدولية، تجد نفسها اليوم في عزلة متزايدة، مع تراجع نفوذها القاري وتآكل شبكة تحالفاتها التقليدية. الأخطر من ذلك، أن النموذج الجزائري في إدارة الخلافات الإقليمية بات محل تساؤل، خصوصًا بعد أن أصبح من الواضح أن سياسة الدعم غير المشروط للبوليساريو لم تكتف فقط بعرقلة مسارات التكامل المغاربي ووحدة مصير دول الساحل والصحراء، بل إنها أضعف صوت إفريقيا في القضايا العالمية.
أما على مستوى الداخل الجنوب إفريقي، فإن خسارة حزب المؤتمر الوطني تعكس انهيارًا أخلاقيًا بقدر ما هو سياسي. فمنذ وفاة نيلسون مانديلا، لم يُفلح الحزب في الحفاظ على إرثه، بل تحوّل إلى عبء ثقيل على الدولة والمجتمع. البطالة، الفقر، انقطاع الكهرباء، وتفشي الفساد أصبحت عناوين المرحلة، بينما تآكلت شرعية الحزب الذي قاد "لجنة الحقيقة والمصالحة" ذات يوم، وتحول إلى كيان مأزوم يتغذى على الرمزية دون أن يقدّم حلولًا حقيقية.
في المقابل، يظهر حزب زوما – رغم كل ما يُقال عن ماضيه المثير للجدل – كمعبّر عن مرحلة سياسية جديدة، تتطلب من جنوب إفريقيا أن تنخرط في الواقع الإقليمي بعيون جديدة. فالنظام العالمي يتغير، وأفريقيا بحاجة إلى صوت عقلاني ومسؤول، يتجاوز الشعارات ويتجه نحو بناء شراكات عملية ومستدامة.
نحن إذن أمام مفترق طرق. إما أن تستمر جنوب إفريقيا في التغني بإرث مانديلا دون تجديد حقيقي في السياسات، أو أن تختار طريقًا جديدًا أكثر براغماتية، يعيد تموضعها كقوة إقليمية تقود بشراكات استراتيجية لا بشعارات قديمة.
دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية ليس نهاية التاريخ، لكنه قد يكون بداية مسار جديد، عنوانه: جنوب إفريقيا الجديدة، التي تحررت من عبء التاريخ لتواجه المستقبل بواقعية وشجاعة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

توجه بريطاني لتوسيع التعاون مع المغرب وتصنيف البوليساريو ضمن التنظيمات الإرهابية
توجه بريطاني لتوسيع التعاون مع المغرب وتصنيف البوليساريو ضمن التنظيمات الإرهابية

الجريدة 24

timeمنذ 16 ساعات

  • الجريدة 24

توجه بريطاني لتوسيع التعاون مع المغرب وتصنيف البوليساريو ضمن التنظيمات الإرهابية

يعقد البرلمان البريطاني، يوم الأربعاء 18 يونيو 2025، جلسة رسمية في قاعة "وستمنستر"، لمناقشة مستقبل العلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة والمملكة المغربية، في خطوة تعكس الحركية المتزايدة داخل الأوساط السياسية البريطانية تجاه تعميق الشراكة مع الرباط، وتعزيز دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ومستدام للنزاع الإقليمي حول الصحراء. ويأتي هذا التحرك البرلماني عقب الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إلى المغرب مطلع يونيو الجاري، والتي أعلن خلالها بوضوح موقف بلاده الداعم لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، باعتباره أرضية جدية وذات مصداقية لتسوية النزاع في إطار احترام سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية. وقد أثارت هذه التصريحات اهتمامًا واسعًا داخل أروقة البرلمان البريطاني، ما دفع بعدد من النواب إلى المطالبة بعقد هذه الجلسة الخاصة لتوسيع النقاش السياسي حول آفاق العلاقات المستقبلية بين البلدين، وما يمكن أن تحققه من مكاسب استراتيجية متبادلة. وفقا للتقارير الإعلامية البريطانية، يُنتظر أن يشهد النقاش مقترحات من طرف عدد من البرلمانيين، تدعو الحكومة البريطانية إلى تصنيف جبهة البوليساريو ضمن التنظيمات الإرهابية، بالنظر إلى تقارير أمنية تشير إلى علاقات مزعومة تربطها بإيران وحزب الله، إضافة إلى ما تمثله هذه العلاقات من تهديد مباشر لاستقرار منطقة الساحل وشمال إفريقيا. وتأتي هذه الجلسة في سياق دينامية متسارعة تشهدها العلاقات بين لندن والرباط، والتي تعززت منذ دخول اتفاقية الشراكة الثنائية حيز التنفيذ بداية عام 2021، بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وقد سجل حجم المبادلات التجارية بين البلدين خلال عام 2024 ما قيمته 4.2 مليارات جنيه إسترليني، بزيادة ملحوظة مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعكس الطابع المتصاعد للتعاون الاقتصادي بين الطرفين، لاسيما في مجالات الطاقة والمعادن والصناعات الميكانيكية والزراعية. كما أبرزت وثيقة رسمية صادرة عن مجلس العموم أن المغرب أصبح يحتل المرتبة 51 ضمن قائمة الشركاء التجاريين للمملكة المتحدة، حيث شكّلت صادرات السلع النسبة الكبرى من المبادلات، وعلى رأسها النفط المكرر والمعادن والسيارات والمولدات، في حين تركزت الواردات البريطانية من المغرب على الخضر والفواكه والتجهيزات الكهربائية والسيارات والمفروشات، ما يعكس تنوع قنوات التبادل ويعزز فرص التكامل الاقتصادي بين البلدين. كما سبق أن أشارت وزارة الخارجية البريطانية إلى اتفاق تعاون بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني، يهدف إلى دعم الخبرة البريطانية في مجال التدبير المستدام للمياه وتطوير البنيات التحتية المينائية الحديثة. ويعد مجال الرياضة، أيضا محورا مركزيا في هذا التعاون، لاسيما في إطار التحضيرات لكأس العالم لكرة القدم 2030، حيث تعتزم المملكة المتحدة المساهمة في تطوير بنيات تحتية رياضية مستدامة بالمغرب. وتأتي هذه التحولات لتؤكد أن قضية الصحراء لم تعد مجرد ملف إقليمي، بل أصبحت محددًا رئيسيًا في تموقع المغرب داخل خارطة التحالفات الدولية الجديدة، كما باتت المبادرة المغربية تلقى دعمًا متزايدًا من شركاء رئيسيين في أوروبا على رأسهم فرنسا وإسبانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. أما الدعم البريطاني، فليس فقط موقفًا سياديًا يعزز الشرعية الدولية للمقترح المغربي، بل هو أيضًا بوابة لعلاقات متعددة الأبعاد، تهم الأمن، الاقتصاد، التعليم، والثقافة، في إطار رؤية مشتركة لمستقبل مستقر ومزدهر للمنطقة.

جنوب إفريقيا جديدة أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية.. هل الأمر ممكن؟
جنوب إفريقيا جديدة أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية.. هل الأمر ممكن؟

أخبارنا

timeمنذ 2 أيام

  • أخبارنا

جنوب إفريقيا جديدة أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية.. هل الأمر ممكن؟

في مشهد سياسي غير مسبوق، شهدت جنوب إفريقيا تحولًا دراماتيكيًا لم يكن ليُتوقع قبل عقد فقط. فقد خسر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي قاد البلاد منذ سقوط نظام الأبارتايد، أغلبيته البرلمانية بعد انتخابات أيار/مايو 2025. هذه الخسارة لا تمثل مجرد تراجع انتخابي، بل هي انهيار لمرحلة كاملة من التاريخ السياسي الجنوب إفريقي، كان فيها الحزب الحاكم يُقدَّس بوصفه رمزًا للتحرر، حتى وهو يغرق في الفساد وسوء التدبير. الأكثر إثارة للانتباه ليس فقط سقوط الحزب التاريخي، بل صعود حزب "رمح الأمة" (MK Party) بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما، الذي فاجأ الجميع بموقف جديد كليًا في السياسة الخارجية، حين أعلن قبل يومين دعمه الصريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ونهائي للصراع المفتعل حول الصحراء. خطوة أربكت الجزائر، التي كانت تعتبر جنوب إفريقيا حليفًا استراتيجيًا في دعم جبهة البوليساريو. لكن يبدو أن صفحة جديدة بدأت تُكتب في بريتوريا، على غرار ما شهدته مواقف كثيرا من الدول حول العالم كان آخرها الموقف التاريخي لبريطانيا. فهل نحن أمام جنوب إفريقيا جديدة؟ دولة أكثر براغماتية وأقل خضوعًا لإرث أيديولوجي تجاوزه الزمن؟ موقف حزب زوما لا يمكن اختزاله في كونه مجرد مناورة سياسية أو ردة فعل انتقامية ضد حزب المؤتمر الوطني الذي همّشه في السنوات الأخيرة. ما حدث هو بداية مراجعة عميقة لتوجهات السياسة الخارجية للبلاد، التي ظلت لعقود أسيرة خطاب "تصفية الاستعمار" الذي اتُخذ ذريعة لسياسات منحازة لا تواكب الواقع الجديد في القارة. فالدعم غير المشروط للبوليساريو لم يكن يومًا مبنيًا على قراءة استراتيجية للمصالح الإفريقية المشتركة، بقدر ما كان استمرارا لاصطفاف إيديولوجي تعود جذوره إلى الحرب الباردة. جزء من النخبة الحاكمة في بريتوريا يرفض الإعتراف بأن إفريقيا تغيّرت. إذ لم تعد لغة الشعارات الثورية تقنع الشعوب، ولم تعد أنظمة ما بعد الاستقلال قادرة على تبرير فشلها في التنمية والحكامة بدعوى المؤامرات الخارجية. لذلك آن الأوان لأن تعيد الدول الإفريقية تموقعها وفق مصالحها الحقيقية، لا وفق تحالفات رمزية مهترئة. الأكثر أهمية في موقف حزب زوما هو دعوته إلى تحالف استراتيجي شامل مع المغرب، ليس فقط سياسيًا، بل اقتصاديًا وتنمويًا أيضًا، مؤكدًا على تاريخ مشترك في النضال ضد الاستعمار. وهذه المقاربة الجديدة تتناغم مع التحولات الكبرى التي تعرفها القارة، حيث باتت قوى إفريقية وازنة – ككينيا وغانا – تعلن دعمها للمبادرة المغربية، مدفوعة بنفس البراغماتية الواقعية. إن دعم حزب "رمح الأمة" للمقترح المغربي يضع الجزائر في مأزق دبلوماسي واضح. فبعدما ظلت تعول على الموقف الجنوب إفريقي في المحافل الدولية، تجد نفسها اليوم في عزلة متزايدة، مع تراجع نفوذها القاري وتآكل شبكة تحالفاتها التقليدية. الأخطر من ذلك، أن النموذج الجزائري في إدارة الخلافات الإقليمية بات محل تساؤل، خصوصًا بعد أن أصبح من الواضح أن سياسة الدعم غير المشروط للبوليساريو لم تكتف فقط بعرقلة مسارات التكامل المغاربي ووحدة مصير دول الساحل والصحراء، بل إنها أضعف صوت إفريقيا في القضايا العالمية. أما على مستوى الداخل الجنوب إفريقي، فإن خسارة حزب المؤتمر الوطني تعكس انهيارًا أخلاقيًا بقدر ما هو سياسي. فمنذ وفاة نيلسون مانديلا، لم يُفلح الحزب في الحفاظ على إرثه، بل تحوّل إلى عبء ثقيل على الدولة والمجتمع. البطالة، الفقر، انقطاع الكهرباء، وتفشي الفساد أصبحت عناوين المرحلة، بينما تآكلت شرعية الحزب الذي قاد "لجنة الحقيقة والمصالحة" ذات يوم، وتحول إلى كيان مأزوم يتغذى على الرمزية دون أن يقدّم حلولًا حقيقية. في المقابل، يظهر حزب زوما – رغم كل ما يُقال عن ماضيه المثير للجدل – كمعبّر عن مرحلة سياسية جديدة، تتطلب من جنوب إفريقيا أن تنخرط في الواقع الإقليمي بعيون جديدة. فالنظام العالمي يتغير، وأفريقيا بحاجة إلى صوت عقلاني ومسؤول، يتجاوز الشعارات ويتجه نحو بناء شراكات عملية ومستدامة. نحن إذن أمام مفترق طرق. إما أن تستمر جنوب إفريقيا في التغني بإرث مانديلا دون تجديد حقيقي في السياسات، أو أن تختار طريقًا جديدًا أكثر براغماتية، يعيد تموضعها كقوة إقليمية تقود بشراكات استراتيجية لا بشعارات قديمة. دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية ليس نهاية التاريخ، لكنه قد يكون بداية مسار جديد، عنوانه: جنوب إفريقيا الجديدة، التي تحررت من عبء التاريخ لتواجه المستقبل بواقعية وشجاعة.

هل يفتح اعتراف حزب زوما بالصحراء المغربية بابًا لتغيير الموقف الرسمي لجنوب إفريقيا
هل يفتح اعتراف حزب زوما بالصحراء المغربية بابًا لتغيير الموقف الرسمي لجنوب إفريقيا

بلبريس

timeمنذ 2 أيام

  • بلبريس

هل يفتح اعتراف حزب زوما بالصحراء المغربية بابًا لتغيير الموقف الرسمي لجنوب إفريقيا

بلبريس - ليلى صبحي رغم تموقعه في المعارضة، خلف إعلان حزب 'أومكونتو وي سيزوي' (MK) الجنوب إفريقي، الذي يقوده الرئيس السابق جاكوب زوما، اعترافه بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، صدى سياسيًا ودبلوماسيًا واسعًا داخل جنوب إفريقيا، الدولة التي تعد ثاني أقوى داعم لجبهة 'البوليساريو' بعد الجزائر، والأكثر رمزية بسبب تاريخها في مناهضة نظام الفصل العنصري. ولا تندرج الخطوة التي فاجأت الأوساط السياسية، فقط ضمن سياق الصراع المحتدم بين حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، الذي كان زوما أحد أبرز رموزه، وبين حزبه الجديد MK، بل تأتي أيضًا تتويجًا لمسار دبلوماسي مغربي طويل الأمد، استهدف خلق اختراقات داخل بنية القرار السياسي الجنوب إفريقي، في بلد يتمتع بثقل اقتصادي كبير ونفوذ معتبر داخل الاتحاد الإفريقي ودوائر صنع القرار في القارة. وجاء هذا التحول من خلال وثيقة صادرة عن الحزب بعنوان: 'المغرب وجنوب إفريقيا: شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية، والتحرر الاقتصادي، والسلامة الترابية'، دعا فيها الحزب إلى تجاوز الصراع الإيديولوجي التقليدي، والتركيز على بناء مصالح اقتصادية وجيوسياسية مشتركة مع المغرب. وأبرز حزب MK في الوثيقة أن 'كلا البلدين يضطلعان بدور بارز في جهود حفظ السلام بالقارة الإفريقية'، ويتقاسمان رؤية مشتركة حول 'الدبلوماسية متعددة الأقطاب، وإصلاح المؤسسات الدولية بما يعكس صوت القارة'، كما يشتركان في 'مناهضة الأجندات الانفصالية المدعومة خارجيًا والتي تستهدف إضعاف الدول الإفريقية'. أما اقتصاديًا، فقد شدد الحزب على ضرورة تعزيز التعاون بين الرباط وبريتوريا باعتبارهما من أقوى الاقتصاديات الإفريقية، مبرزًا أن هذا التعاون يمكن أن 'يطلق إمكانات تجارية هائلة، خاصة في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية'، داعيًا إلى دعم السوق القارية الموحدة، وتعزيز الأمن الغذائي من خلال تطوير القطاع الزراعي، مع التركيز على خلق فرص الشغل وتقليص التبعية للخارج. موقف واضح من قضية الصحراء المغربية: الوثيقة ذاتها تضمنت موقفًا غير مسبوق من طرف حزب سياسي جنوب إفريقي بخصوص قضية الصحراء المغربية، إذ جاء في النقطة السادسة منها أن الحزب 'يدعم موقف المغرب انطلاقًا من مبادئ تقرير المصير والسيادة وسلامة الأراضي'، مؤكدًا على 'الشرعية التاريخية للمغرب في الصحراء قبل الاستعمار الإسباني، وعلى الروابط القبلية مع العرش المغربي'. كما أشار الحزب إلى أن 'المسيرة الخضراء لسنة 1975 كانت فعلًا سلمية مؤيدة للتحرر، وحظيت بدعم دبلوماسي من عدد من الدول الإفريقية'، معلنًا تأييده لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، وواصفًا إياه بأنه 'مبادرة واقعية ومتوازنة، تضمن الاستقرار والتنمية في المنطقة'. وأضاف الحزب أن 'المقترح المغربي يتيح لسكان الصحراء المغربية حُكمًا ذاتيًا موسعًا ضمن السيادة المغربية'، داعيًا المجتمع الدولي إلى 'النظر في هذا الحل كخيار فعال لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة، في إطار الوحدة الترابية للمملكة'. قوة معارضة صاعدة: يُعد حزب MK اليوم القوة السياسية الثالثة في جنوب إفريقيا، حيث حصل على 58 مقعدًا في الجمعية الوطنية عقب الانتخابات الأخيرة، خلف كل من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم (159 مقعدًا) والرابطة الديمقراطية (87 مقعدًا)، ويقود بذلك المعارضة في البرلمان. ورغم أن الحزب أعيد إحياؤه سنة 2023 بعد أن كان جناحًا مسلحًا للمؤتمر الوطني الإفريقي، فإن عودته جاءت بقيادة جاكوب زوما وعدد من السياسيين المنشقين عن الحزب الحاكم، في خطوة أعادت تشكيل الخريطة السياسية في البلاد، لا سيما في ظل توجهه إلى اتخاذ مواقف مناقضة للتيار الحاكم في عدد من الملفات، ومن بينها الموقف من المغرب وقضية الصحراء. علاقات متجذرة تعود إلى ما قبل 2017 التقارب المغربي مع جاكوب زوما لم يبدأ مع إنشاء حزب MK، بل تعود بداياته إلى سنة 2017، حين التقى زوما، بصفته رئيسًا للبلاد آنذاك، بالملك محمد السادس على هامش قمة الاتحاد الإفريقي - الاتحاد الأوروبي في أبيدجان، في لقاء فتح الباب أمام تعيين سفراء رفيعي المستوى في كل من الرباط وبريتوريا، كما أعلن عنه رسميًا حينها. هذا اللقاء، الذي عُدّ حينها خطوة غير مسبوقة، مهّد الأرضية لتقارب دبلوماسي جديد بين البلدين، قبل أن تتغير القيادة السياسية في جنوب إفريقيا مع صعود سيريل رامافوسا، أحد أبرز المؤيدين لجبهة البوليساريو. ويمثل اعتراف حزب زوما بسيادة المغرب على صحرائه تطورًا نوعيًا في مسار الدبلوماسية المغربية بإفريقيا، ويكشف عن نجاح الرباط في تحقيق اختراق مهم داخل بلد طالما اعتُبر من أشرس المدافعين عن الطرح الانفصالي. ورغم أن حزب MK ما يزال في المعارضة، فإن تموقعه كثالث قوة سياسية وصعوده السريع يفتح آفاقًا جديدة لإعادة رسم العلاقات المغربية الجنوب إفريقية في قادم السنوات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store