
من إفريقيا إلى أوكرانيا .. دراسة تكشف اتساع رقعة النزاعات المسلحة وارتباطها بالإرهاب المتصاعد
كشفت دراسة جديدة صادرة عن معهد أبحاث السلام في أوسلو، ونقلتها وكالة الصحافة الفرنسية، أن عام 2024 شهد أكبر عدد من النزاعات المسلحة منذ عام 1946، مسجلاً 61 نزاعاً في 36 دولة، متجاوزاً الرقم القياسي الذي سُجل في عام 2023، حيث بلغ عدد النزاعات آنذاك 59 في 34 دولة.
هذه الأرقام، التي تمثل مؤشراً صادماً على تدهور النظام الدولي، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العالم دخل في مرحلة خطيرة من العنف المتصاعد والانقسام الحاد، وسط تصاعد وتيرة الإرهاب وغياب ردع دولي فعّال.
وأوضحت الباحثة سيري آس روستاد، المعدّة الرئيسة للتقرير الذي يغطي الفترة الممتدة من عام 1946 وحتى 2024، أن هذا التصعيد في عدد النزاعات لا يمكن اعتباره ارتفاعاً مؤقتاً أو عرضياً، بل هو بمثابة تحول هيكلي في بنية العلاقات الدولية، ويعكس حالة متفاقمة من فقدان السيطرة على أدوات الصراع، وانهيار الوساطات التقليدية، وتفكك الأطر الدبلوماسية التي كانت تضع حدًا للانفجارات العنيفة بين الدول أو داخلها.
الواقع الميداني يرسم صورة قاتمة، إذ إن أكثر من نصف الدول التي شملتها الدراسة تعاني من نزاعين أو أكثر في الوقت ذاته، ما يعني أن الجغرافيا السياسية باتت تعج ببيئات ملتهبة، مرشحة لمزيد من التدهور والانفجار.
في هذا السياق، تبرز إفريقيا كأكثر القارات تضرراً، حيث شهدت 28 نزاعاً على مستوى الدول، تليها آسيا بـ17 نزاعاً، ثم الشرق الأوسط بـ10 نزاعات، فيما سجلت أوروبا 3 نزاعات والأميركيتان نزاعين.
الخطير في هذه الأرقام ليس فقط العدد، بل التداخل بين هذه النزاعات وبروز أطراف من غير الدول، لا سيما الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، التي باتت حاضرة بقوة في مختلف بؤر التوتر، مستغلة الفوضى الأمنية لتوسيع نفوذها، وتنفيذ عمليات نوعية تزيد من تعقيد المشهد.
فالإرهاب لم يعد مجرد نتيجة للنزاعات، بل أصبح جزءاً من محركاتها الأساسية، وعاملاً فاعلاً في إعادة رسم الخرائط السياسية والاجتماعية للمنطقة المتضررة.
ففي إفريقيا، على سبيل المثال، لعبت التنظيمات الإرهابية مثل 'بوكو حرام' و'داعش في غرب إفريقيا' و'حركة الشباب' في الصومال دوراً محورياً في تعميق الأزمات المحلية، وتحويلها من نزاعات سياسية إلى حروب مفتوحة على أسس طائفية وعرقية وأيديولوجية.
وقد ساعد ضعف الحكومات، وانشغالها بصراعات داخلية، على خلق فراغات أمنية ضخمة مكّنت هذه الجماعات من التمدد، وتهديد الاستقرار الإقليمي والدولي.
وبالتوازي، لم تختلف الأوضاع كثيراً في آسيا والشرق الأوسط، حيث تسود بيئة خصبة للإرهاب والتطرف العنيف.
فقد ساهمت الحروب المزمنة، مثل تلك الدائرة في سوريا واليمن، إلى جانب التوترات المستمرة في العراق ولبنان وأفغانستان، في إعادة إحياء نشاط جماعات مثل 'القاعدة' و'داعش'، التي تعيد بناء نفسها بصمت مستغلة غياب الحلول السياسية، وانشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى أكثر بروزاً في الإعلام الغربي.
ولا يمكن إغفال البعد الدولي في هذه الفوضى المتصاعدة، حيث أكدت الدراسة أن 2024 شهد مقتل نحو 129 ألف شخص جراء المعارك المسلحة، وهو رقم يضع هذا العام في المرتبة الرابعة ضمن الأعوام الأكثر دموية منذ نهاية الحرب الباردة عام 1989.
وقد تركزت أعداد القتلى في أوكرانيا نتيجة الحرب الروسية، وفي قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية المتواصلة، إضافة إلى الاشتباكات العنيفة في إقليم تيغراي الإثيوبي.
هذه النزاعات الثلاثة تحديداً تمثل نماذج فاضحة لفشل المجتمع الدولي في التدخل المبكر، وغياب الرؤية الاستراتيجية لدى القوى الكبرى. في أوكرانيا، يواصل الصراع حصد الأرواح، في ظل عجز الوساطات الدولية عن التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة.
وفي غزة، تنفجر الكارثة الإنسانية بلا هوادة وسط تعنت سياسي وفقدان الحد الأدنى من التضامن العالمي. أما في تيغراي، فإن الصراع المسلح الذي اندلع قبل سنوات، ظل مهمشاً على جدول أولويات المجتمع الدولي، رغم أن تداعياته تجاوزت إثيوبيا ووصلت إلى جوارها الإقليمي.
وفي خضم هذا المشهد القاتم، حذرت روستاد من أن الوقت ليس مناسباً للانعزالية أو الانكفاء على الداخل، مشيرة بوضوح إلى سياسات 'أمريكا أولاً' التي يلوّح بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، والتي تعني فعلياً انسحاب الولايات المتحدة من المسرح الدولي، وتخليها عن مسؤولياتها التاريخية في قيادة النظام العالمي.
وأكدت أن التخلي عن التضامن العالمي، في هذه المرحلة الدقيقة، لن يؤدي سوى إلى زعزعة الاستقرار الذي ساهمت واشنطن نفسها في ترسيخه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويأتي هذا التحذير في وقت تتصاعد فيه دعوات الانسحاب من الحروب، والتقليل من التدخلات الخارجية، وهو ما يبدو جاذباً لكثير من الشعوب المتعبة اقتصادياً بعد جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا.
لكن ما تغفله هذه الدعوات أن ترك الساحة فارغة يعني بالضرورة تسليمها لقوى متطرفة، سواء كانت إرهابية أو انفصالية أو حتى أنظمة سلطوية تستغل الفوضى للتمدد والبطش.
ويري مراقبون أن تفشي النزاعات على هذا النحو، وارتباطها العضوي بالإرهاب، يفرض على المجتمع الدولي – لا سيما القوى الكبرى – أن تعيد التفكير في أدواتها التقليدية لحفظ السلم والأمن الدوليين، فالاكتفاء بالتصريحات، وترك الأزمات تتفاقم، لم يعد يجدي. المطلوب اليوم هو تحرك دولي منسق، يعيد الاعتبار للدبلوماسية الوقائية، ويستثمر في بناء السلام، ويواجه الإرهاب لا بالشعارات بل بالاستراتيجيات طويلة المدى.
تقرير معهد أوسلو لا يضعنا أمام أرقام مجردة، بل يكشف عن مسار خطير يتجه إليه العالم، حيث يتداخل العنف المسلح مع الإرهاب، وتغيب الحلول، وتغلق النوافذ أمام التسويات، وإذا استمر هذا الاتجاه دون تدخل حاسم، فإن المستقبل القريب قد يحمل المزيد من الحروب، والمزيد من الضحايا، والمزيد من الفوضى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ساحة التحرير
منذ يوم واحد
- ساحة التحرير
العدوان الصهيوني الأمريكي على ايران لماذا الآن؟محمد محفوظ جابر
العدوان الصهيوني الأمريكي على ايران لماذا الآن؟ الباحث محمد محفوظ جابر نشر يوم12 يونيو 2025 في موقع الوقت، حسب المصادر الرسمية المتصلة بالأجهزة الأمنية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد نجح جهاز الاستخبارات الإيراني في اختراق الحصون المنيعة للكيان الصهيوني، ليظفر بسيل جارف من المعلومات والوثائق الاستراتيجية والحساسة، يتصدرها آلاف الوثائق المتصلة بمخططات ومنشآت ذلك الكيان النووية. وكان جهاز الشاباك وشرطة الاحتلال قد أماطا اللثام قبل سبعة عشر يوماً، في بيان رسمي، عن إلقاء القبض على 'روي مزراحي' و 'ألموغ أتياس'، وكلاهما في الرابعة والعشرين من العمر، من قاطني 'نيشر' في شمال الأراضي المحتلة، بتهمة التخابر مع إيران. وأفادت وكالة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية بأن القبض على هؤلاء الأشخاص، قد تمّ بعد أن أبحرت شحنات الوثائق خارج الأراضي المحتلة. هذه العملية، تُعد ضربةً قاصمةً لهيبة وسمعة أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية، ويجسّد هذا الإنجاز قدرة إيران الفائقة على اختراق أحد أكثر الأنظمة الاستخباراتية تحصيناً في المنطقة، وكان رئيس الشاباك قد أقرّ، في تقريره السنوي بمناسبة انقضاء العام الميلادي، بأن عمليات التجسس لمصلحة إيران خلال عام 2024 قد تضاعفت بما يفوق أربعة أضعاف. واذا علمنا انه سيُعقد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع المقبل، ندرك تخوف الكيان الصهيوني من طرح المعلومات التي حصلت ايران عليها، وذلك للضغط على الكيان الصهيوني لتخفيف ضغط المجلس الدولي على ايران، وتحييد التهديدات المحتملة من جانب الكيان الصهيوني، بالتالي تطوير مفاعلاتها النووية. لذلك تم الاتفاق ان يقوم الكيان بتنفيذ العدوان على ايران بدعم امريكي، والادلة على ذلك التعاون كثيرة ومنها: في 11/6/2025 اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية عددًا من القرارات لإخلاء رعاياها في عدة مقرات دبلوماسية في المنطقة. وأكد مسؤول أمني عراقي ومصدر أمريكي، أن سفارة الولايات المتحدة في العراق تستعد لإخلاء منظم نظرًا لتزايد المخاطر الأمنية في المنطقة. وقالت أسوشيتد برس إن الخارجية الأمريكية سمحت بمغادرة الموظفين غير الأساسيين وأفراد عائلاتهم من البحرين والكويت. فيما أكد مسؤول أمريكي آخر أنه لم يطرأ أي تغيير على العمليات في قاعدة العديد الجوية في قطر، أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، كما لم يصدر أي أمر إخلاء للموظفين أو العائلات المرتبطة بالسفارة الأمريكية في قطر، والتي تعمل كالمعتاد، مما يثير التساؤلات حول دور القاعدة في هذه الايام. ونشر يوم 12/06/2025 ان ويتكوف ناقش عبر مكالمة هاتفية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، مؤكدا أن إيران تمتلك كميات كبيرة من الصواريخ، وهو ما يمثل تهديدا وجوديا ليس فقط لإسرائيل، بل أيضا للولايات المتحدة، والعالم الحر، ودول الخليج. وأضاف أن التهديد الإيراني لا يقتصر على البرنامج النووي فقط، بل يمتد إلى الترسانة الصاروخية الضخمة التي تمتلكها طهران، مضيفا: 'إيران التي تمتلك كميات هائلة من الصواريخ تشكل تهديدا وجوديا لا يقل خطورة، وهي تهديد مباشر للولايات المتحدة، والعالم الحر، وجميع دول الخليج'. وبعيد انتصاف ليل الأربعاء الخميس، كتب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب على موقعه للتواصل الاجتماعي، 'تروث سوشيال': 'أنا واثق أكثر من أي وقت مضى أن الجيش الأميركي سيواصل إحراز المجد جيلاً بعد جيل'. وأضاف 'ستستحضرون شجاعة لا تنضب، وستحمون كل شبر من التراب الأميركي، وستدافعون عن أميركا حتى أقاصي الأرض!'. وردا على سؤال في بودكاست 'بود فورس وان'، عما إذا كان يعتقد أنه يستطيع إقناع إيران بالموافقة على التخلي عن برنامجها النووي، أجاب ترامب 'لا أعرف، كنت أعتقد ذلك بالفعل، وأصبحت ثقتي تقل أكثر فأكثر في ذلك'. وقال ترامب ليلة الهجوم: لا هجوم إسرائيليا وشيكا على إيران لكنه قوي ومحتمل. وقد كذب حتى يتنصل من مسؤولية العدوان. فقد صرح بعد العدوان انه ممتاز. وقد تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران وصدرت تحذيرات إيرانية من استهداف القواعد الأميركية في المنطقة، في حال فشل المحادثات النووية ولجوء واشنطن إلى التصعيد. 2025-06-14


الحركات الإسلامية
منذ 3 أيام
- الحركات الإسلامية
من إفريقيا إلى أوكرانيا .. دراسة تكشف اتساع رقعة النزاعات المسلحة وارتباطها بالإرهاب المتصاعد
كشفت دراسة جديدة صادرة عن معهد أبحاث السلام في أوسلو، ونقلتها وكالة الصحافة الفرنسية، أن عام 2024 شهد أكبر عدد من النزاعات المسلحة منذ عام 1946، مسجلاً 61 نزاعاً في 36 دولة، متجاوزاً الرقم القياسي الذي سُجل في عام 2023، حيث بلغ عدد النزاعات آنذاك 59 في 34 دولة. هذه الأرقام، التي تمثل مؤشراً صادماً على تدهور النظام الدولي، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العالم دخل في مرحلة خطيرة من العنف المتصاعد والانقسام الحاد، وسط تصاعد وتيرة الإرهاب وغياب ردع دولي فعّال. وأوضحت الباحثة سيري آس روستاد، المعدّة الرئيسة للتقرير الذي يغطي الفترة الممتدة من عام 1946 وحتى 2024، أن هذا التصعيد في عدد النزاعات لا يمكن اعتباره ارتفاعاً مؤقتاً أو عرضياً، بل هو بمثابة تحول هيكلي في بنية العلاقات الدولية، ويعكس حالة متفاقمة من فقدان السيطرة على أدوات الصراع، وانهيار الوساطات التقليدية، وتفكك الأطر الدبلوماسية التي كانت تضع حدًا للانفجارات العنيفة بين الدول أو داخلها. الواقع الميداني يرسم صورة قاتمة، إذ إن أكثر من نصف الدول التي شملتها الدراسة تعاني من نزاعين أو أكثر في الوقت ذاته، ما يعني أن الجغرافيا السياسية باتت تعج ببيئات ملتهبة، مرشحة لمزيد من التدهور والانفجار. في هذا السياق، تبرز إفريقيا كأكثر القارات تضرراً، حيث شهدت 28 نزاعاً على مستوى الدول، تليها آسيا بـ17 نزاعاً، ثم الشرق الأوسط بـ10 نزاعات، فيما سجلت أوروبا 3 نزاعات والأميركيتان نزاعين. الخطير في هذه الأرقام ليس فقط العدد، بل التداخل بين هذه النزاعات وبروز أطراف من غير الدول، لا سيما الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، التي باتت حاضرة بقوة في مختلف بؤر التوتر، مستغلة الفوضى الأمنية لتوسيع نفوذها، وتنفيذ عمليات نوعية تزيد من تعقيد المشهد. فالإرهاب لم يعد مجرد نتيجة للنزاعات، بل أصبح جزءاً من محركاتها الأساسية، وعاملاً فاعلاً في إعادة رسم الخرائط السياسية والاجتماعية للمنطقة المتضررة. ففي إفريقيا، على سبيل المثال، لعبت التنظيمات الإرهابية مثل 'بوكو حرام' و'داعش في غرب إفريقيا' و'حركة الشباب' في الصومال دوراً محورياً في تعميق الأزمات المحلية، وتحويلها من نزاعات سياسية إلى حروب مفتوحة على أسس طائفية وعرقية وأيديولوجية. وقد ساعد ضعف الحكومات، وانشغالها بصراعات داخلية، على خلق فراغات أمنية ضخمة مكّنت هذه الجماعات من التمدد، وتهديد الاستقرار الإقليمي والدولي. وبالتوازي، لم تختلف الأوضاع كثيراً في آسيا والشرق الأوسط، حيث تسود بيئة خصبة للإرهاب والتطرف العنيف. فقد ساهمت الحروب المزمنة، مثل تلك الدائرة في سوريا واليمن، إلى جانب التوترات المستمرة في العراق ولبنان وأفغانستان، في إعادة إحياء نشاط جماعات مثل 'القاعدة' و'داعش'، التي تعيد بناء نفسها بصمت مستغلة غياب الحلول السياسية، وانشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى أكثر بروزاً في الإعلام الغربي. ولا يمكن إغفال البعد الدولي في هذه الفوضى المتصاعدة، حيث أكدت الدراسة أن 2024 شهد مقتل نحو 129 ألف شخص جراء المعارك المسلحة، وهو رقم يضع هذا العام في المرتبة الرابعة ضمن الأعوام الأكثر دموية منذ نهاية الحرب الباردة عام 1989. وقد تركزت أعداد القتلى في أوكرانيا نتيجة الحرب الروسية، وفي قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية المتواصلة، إضافة إلى الاشتباكات العنيفة في إقليم تيغراي الإثيوبي. هذه النزاعات الثلاثة تحديداً تمثل نماذج فاضحة لفشل المجتمع الدولي في التدخل المبكر، وغياب الرؤية الاستراتيجية لدى القوى الكبرى. في أوكرانيا، يواصل الصراع حصد الأرواح، في ظل عجز الوساطات الدولية عن التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة. وفي غزة، تنفجر الكارثة الإنسانية بلا هوادة وسط تعنت سياسي وفقدان الحد الأدنى من التضامن العالمي. أما في تيغراي، فإن الصراع المسلح الذي اندلع قبل سنوات، ظل مهمشاً على جدول أولويات المجتمع الدولي، رغم أن تداعياته تجاوزت إثيوبيا ووصلت إلى جوارها الإقليمي. وفي خضم هذا المشهد القاتم، حذرت روستاد من أن الوقت ليس مناسباً للانعزالية أو الانكفاء على الداخل، مشيرة بوضوح إلى سياسات 'أمريكا أولاً' التي يلوّح بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، والتي تعني فعلياً انسحاب الولايات المتحدة من المسرح الدولي، وتخليها عن مسؤولياتها التاريخية في قيادة النظام العالمي. وأكدت أن التخلي عن التضامن العالمي، في هذه المرحلة الدقيقة، لن يؤدي سوى إلى زعزعة الاستقرار الذي ساهمت واشنطن نفسها في ترسيخه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويأتي هذا التحذير في وقت تتصاعد فيه دعوات الانسحاب من الحروب، والتقليل من التدخلات الخارجية، وهو ما يبدو جاذباً لكثير من الشعوب المتعبة اقتصادياً بعد جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا. لكن ما تغفله هذه الدعوات أن ترك الساحة فارغة يعني بالضرورة تسليمها لقوى متطرفة، سواء كانت إرهابية أو انفصالية أو حتى أنظمة سلطوية تستغل الفوضى للتمدد والبطش. ويري مراقبون أن تفشي النزاعات على هذا النحو، وارتباطها العضوي بالإرهاب، يفرض على المجتمع الدولي – لا سيما القوى الكبرى – أن تعيد التفكير في أدواتها التقليدية لحفظ السلم والأمن الدوليين، فالاكتفاء بالتصريحات، وترك الأزمات تتفاقم، لم يعد يجدي. المطلوب اليوم هو تحرك دولي منسق، يعيد الاعتبار للدبلوماسية الوقائية، ويستثمر في بناء السلام، ويواجه الإرهاب لا بالشعارات بل بالاستراتيجيات طويلة المدى. تقرير معهد أوسلو لا يضعنا أمام أرقام مجردة، بل يكشف عن مسار خطير يتجه إليه العالم، حيث يتداخل العنف المسلح مع الإرهاب، وتغيب الحلول، وتغلق النوافذ أمام التسويات، وإذا استمر هذا الاتجاه دون تدخل حاسم، فإن المستقبل القريب قد يحمل المزيد من الحروب، والمزيد من الضحايا، والمزيد من الفوضى.


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 5 أيام
- وكالة الصحافة المستقلة
الجولاني : الجرائم لا تسقط بالتقادم
غازي المشعل لو ان كل نفاق العالم الحديث ، وكل ساسته غيروا آرائهم بالجولاني ( رأس النظام الجديد في سوريا العربية ) وانقلبوا ١٨٠ درجة ، ولو ان بعض ساسة العراق يجمّلون الان صورة الجولاني ، ويتصلون به لمصالح خاصة او تنفيذاً لأوامر عليا خارجية وخليجية ، فان التاريخ لن ينسى سجل هذا المسخ الارهابي الدموي في قتل آلاف العراقيين والسوريين رغبة في القتل وسفك الدماء والزعامة لا اكثر .. المشكلة ان تاريخ هذا الشخص حديث ، بل ومعاصر ايضاً ، ومازال حبر اتهامه بالارهاب وقتل الناس لم يجف بعد ، ومازالت منشورات وزارة الخارجية والدفاع والسلطات الامريكية برصد مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، او يأتي براسه قائمة .. ، هذا الذي تنقل بالولاء بين جماعة الزرقاوي الى القاعدة الى داعش الى جبهة النصرة وتحرير الشام ، وكلها جهات ارهابية سفكت الدماء انهاراً وكفرت الناس على مذاهبهم ، وبين ليلة وضحاها يصبح رئيس دولة وتفرش له السجاجيد الحمراء وترفع عنه العقوبات ، ويُستقبل بالأحضان ، ليس لأي سبب سوى انه اسقط سوريا ( ولو بالاسم ) من معادلة المواجهة مع الكيان ، بل والمضي سريعاً الى التطبيع الكامل .. والسكوت نهائياً عن احتلال الجولان وباقي الاراضي التي احتلت بعد الثامن من كانون الثاني/ ديسمبر ٢٠٢٤. اكبر الذين انطلت عليهم اللعبة ، وانقادوا لها هم ساسة العراق الحاليون .. الذين تناسوا الدماء التي اراقها هذا الشخص والتنظيمات الارهابية التي انضوى تحتها .. ليس تحت شعار عفا الله عما سلف بل تنفيذ حرفي لأوامر من حكومة العالم السرية وادواتها ومنها الادارة الأمريكية، واذرعها في المنطقة واهم ركائزها: قطر وتركيا .. اللتين بفضل اموال الاولى وقوات الثانية تمكن الجولاني وجماعاته الارهابية من اسقاط سوريا بتاريخها وشعبها العربي نهائياً في براثن الصهيونية العالمية كخطوة اخرى في محاصرة شعب العراق الذي لا اشك انه الخطوة التالية للمخطط الجهنمي .. وفي هذا الاطار بالضبط، وبإيعاز من حكومة العالم السرية فقد انبرت قطر لعقد لقاءٍ سري بين الجولاني ورئيس وزراء العراق ( للاسف الشديد ) في الدوحة ، لا يعلم احد ماذا دار فيه وماهي الاملاءات التي وُجهت للعراق في هذا الاجتماع .. ولم يطالب مجلس النوام العراقي باستجواب رئيس مجلس الوزراء لمعرفة ما جرى في الاجتماع، وتفاصيله ومن دعا اليه وما نتائجه ، وكأن جميع الساسة العراقيين قبلوا ما تمخض عنه.. ولم لا فهو موسم الانتخابات .. والمصالح والمغانم تتكلم ولا احد يهمه مستقبل هذا الوطن. لا يفهمن احد انني ادافع عن النظام السابق في سوريا فهو نظام دكتاتوري شمولي حاله حال جميع الانظمة في المنطقة على الاطلاق ودون استثناء، واحد اسباب سقوطه هو اعتماده على الاخرين مثل: ايران وروسيا وهي دول تقودها وتسيّر سياساتها المصالح، والمصالح فقط، وهي مستعدة للتخلي عن اي حليف اذا رات ان ذلك يصب في مصلحتها وهذا ما جرى .. ولا يفهمن احد ثانية انني اطالب بإعلان الحرب على الجولاني ونظام اصحاب اللحى الجديد .. ولا يصدقن احد كذبة ان الذي جرى هو ارادة الشعب السوري .. فقد فرضت تركيا بقواتها واسلحتها ومصالحها والتلويح بامتيازاتها .. وقطر باموالها والدور المرسوم لها عالمياً واقليمياً، فرضت واقعاً يصعب معه الاختيار على الشعب السوري الذي أرهقوه بحرب اهلية استمرت عقداً ونصف فقد خلالها الالوف من ابنائه وتشردت ملايين اخرى ودمرت كل البنى التحتية ، وجعلوا هذا الشعب الابي رهيناً لرغيف الخبز وحبة الدواء وساحة للحروب بالإنابة والتي حولت البلد السياحي الجميل الى خراب واطلال ومهجرين ومشردين .. فسكت هذا الشعب مضطراً بان يحكمه ارهابي له سجل موثق محلياً واقليمياً ودولياً في القتل والتدمير واقصاء اي احد لا يتفق مع ارائه وتوجهاته البالية . لقد تحقق للكيان الان ما كان يحلم به طوال نصف قرن، فالتطبيع الرسمي مع الكيان السوري الجديد قادم لامحالة بالترغيب والترهيب .. واخضاع الشعب السوري الى ارادة الغرب واداته في المنطقة (اسرائيل) مسالة وقت، اذ سيغدقون عليه بفتات المساعدات وقروض صندوق النقد والبنك الدولي ليبقى اسيراً على مدى العقود القادمة، وستتولى قطر والامارات والسعودية دفع الفاتورة .. كل ذلك من اجل هدف واحد هو محاصرة شعب العراق، الذي يئن تحت ظروف قاسية تحيط به من جميع الجهات وتضع مستقبله على كف عفريت .. واي محلل سياسي او شخص يفهم شيئاً في السياسة والجيوسياسة والتاريخ سيخلص الى ان شعب العراق هو الهدف القادم بعد ان سقطت جميع الاوراق وأصبح اللعب على المكشوف. لذا: ادعو كل ابن شهيد وام شهيد وزوجة وابا كل ضحية من ضحايا الجولاني وعصاباته التي عمل معها في قتل العراقيين ان يجمعوا كل وثائقهم وادلتهم واقامة دعاوى عليه داخل وخارج العراق، وانا اعلم علم اليقين ان المحاكم الدولية لا تقدم ولا تؤخر ولن تفعل شيئاً ، وهي ادوات استعمارية ضد الضعفاء والفقراء والذين لا سند لهم ، ولكنه موقف للتاريخ .. لان جرائم الجولاني وعصاباته الارهابية لا تسقط بالتقادم ..