logo
يوميات أطباء مجوّعين يعالجون مصابين بسوء التغذية بغزة

يوميات أطباء مجوّعين يعالجون مصابين بسوء التغذية بغزة

الجزيرةمنذ يوم واحد
غزة- هل لك أن تتخيل طبيبا يغمى عليه داخل غرفة العمليات؟ وآخر يعمل على مدار الساعة في علاج حالات سوء التغذية التي تكتظ بها مستشفيات قطاع غزة وهو نفسه يعاني من الجوع الشديد، وثالثا لا يجد الطعام لأسرته وأطفاله.
"أنا طبيب جائع وعائلتي جائعة"، يقول الطبيب الحسين أبو ضاحي للجزيرة نت، بينما كان يعاين طفلا يعاني من سوء التغذية في قسم الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع.
هذا الطبيب المجوَّع يقع على عاتقه وزملائه معاينة وعلاج مئات الحالات من المجوّعين، إذ لم تعد تقتصر على الأطفال والمسنين، وتنوء بهم أقسام المستشفيات خلال الأيام القليلة الماضية، مع اشتداد المجاعة التي باتت تمس حياة زهاء مليونين و300 ألف نسمة في القطاع الصغير والمحاصر.
يوميات طبيب مجوَّع
يفرض وضع الطوارئ على الطبيب أبو ضاحي (31 عاما) البقاء على رأس عمله مداوما في المستشفى لـ36 ساعة متواصلة، لا يتناول خلالها سوى وجبة واحدة عبارة عن بضع ملاعق صغيرة من الأرز.
وبحسب معلومات متواترة صادرة عن مدراء المستشفيات في شمال غزة وجنوبها، فإن وجبات الطعام الخاصة بالطواقم الطبية والمرضى توقفت في الآونة الأخيرة، مع نفاد الأسواق من السلع والبضائع، وإمعان الاحتلال في مواصلة تشديد حصاره وإغلاق المعابر وفرض قيود مشددة على إدخال الإمدادات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي.
"هل تكفي الطبيب وجبة صغيرة من الأرز فقط، ليحافظ على اتزانه وتركيزه ومواصلة عمله على مدار الساعة؟ يتساءل أبو ضاحي، الذي التقته الجزيرة نت في مكتبه بالمستشفى وكانت الساعة تشير إلى 12 ظهرا، وهو يعاين الأطفال ويصف لهم العلاج المتوفر، وقد بدا عليه الإعياء والإرهاق الشديدان.
كان قد مضى عليه 24 ساعة منذ تناوله آخر وجبة طعام، ويكتفي خلال عمله بشرب الماء، حتى يتمكن من متابعة طوابير المجوعين ممن فتك الجوع بأجسادهم الغضة، ويشير إلى أن أغلبيتهم من الرضع والأطفال المصابين بالأنيميا جراء سوء التغذية الحاد.
ويقول أبو ضاحي "نحن بشر ولسنا آلات، والطبيب في غزة تحمل ما لم يتحمله طبيب آخر في العالم خلال هذه الحرب غير المسبوقة"، مختصرا بهذه الكلمات الضريبة الباهظة التي دفعها الأطباء من أرواحهم ودمائهم، منذ اندلاع الحرب عقب عملية " طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتشير بيانات المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن 1590 طبيبا وممرضا وكادرا في الطواقم الطبية قتلهم الاحتلال منذ اندلاع الحرب، في حين اعتقل 363، وجرح المئات.
أبو ضاحي طبيب أعزب، يقيم مع عائلته (7 أفراد) في خيمة ب منطقة المواصي ، منذ نزوحهم عن مدينة رفح في جنوب القطاع قبل نحو عام ونصف العام.
مجاعة فتاكة
ويضيف الطبيب أبو ضاحي "منذ أيام ليس لدى أسرتي طحين، وكثير من زملائي يعيشون قلقا مضاعفا على عائلاتهم. نقيم في المستشفيات أكثر مما نقيم في منازلنا وخيامنا، وليس لدينا حتى الوقت للبحث عن طعام لأسرنا وأطفالنا، حتى إن أطباء يتساءلون من القهر: هل نترك أعمالنا ونلقي بأنفسنا بين حشود منتظري المساعدات؟".
"أمس سقطت ممرضة زميلة لدينا في المستشفى 3 مرات خلال عملها في تركيب محلول ملحي لأطفال يعانون من سوء تغذية حاد. تعمل وهي جائعة، ولديها أسرة جائعة وليس لديها ما تأكله، ورغم ذلك تتعالى على جوعها وقلقها وتواصل عملها في العناية بالمرضى والمجوعين"، يختم الطبيب يومياته الموجعة.
تغرس المجاعة أنيابها حاليا في أجساد الجميع في غزة، رجالا ونساء وأطفالا، "ونحن كأطباء وطواقم طبية لسنا في معزل عن حرب التجويع الممنهجة"، يقول مدير مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية للجزيرة نت.
ويضيف "لا يوجد أهل منزل أو خيمة إلا وتفتك بهم المجاعة، والقلة المحظوظة منهم تتناول على مدار اليوم وجبة واحدة فقط، بينما الأغلبية تفتقد حتى لقمة خبز أو شربة ماء نظيفة".
ويصف أبو سلمية الوضع الحالي بالأشد خطورة من حيث القتل بالتجويع، ويقول "تأتينا حالات كثيرة يوميا للمجمع، وكل المستشفيات العاملة في القطاع، والكل يعاني من الهزال والضعف الشديدين، وفقد القدرة على الاتزان والتركيز، والعالم كله شاهد على شاشة قناة الجزيرة والفضائيات الأخرى كيف يتساقط الناس في الشوارع وفي ساحات المستشفيات، وسط معاناة شديدة من الهذيان وعدم القدرة على الحركة".
ويحذر من "خطر حقيقي يتهدد حياة المرضى المزمنين الذين يحتاجون للتغذية، وحتى المحاليل التي نلجأ إليها لا تغني عن الغذاء والطعام، وهي غير متوفرة لدينا بكميات تواكب الأعداد الهائلة من المجوعين وجرحى الحرب".
ويشكل ذلك ضغطا كبيرا على الكادر الطبي، فالطبيب المنوط به معالجة حالات سوء التغذية الحاد، هو ذاته يشكو من الجوع، ويقضي مع المرضى اليوم بنهاره وليله من دون تناول وجبة طعام واحدة، فضلا عن شعوره بالعجز لجهة توفير الطعام لأسرته، بحسب أبو سلمية.
ويؤكد "نحن كأطباء لا نمتلك حتى رفاهية الوقت للبحث عن الطعام لعائلاتنا لأننا نعمل على مدار الساعة من دون كلل أو ملل، لتقديم الخدمة الطبية للمرضى والجرحى، ويزداد الضغط علينا بالجوع، وبالتهديد المستمر والشعور بعدم الأمان"، وهو الذي ذاق ويلات سجون الاحتلال لبضعة أشهر إثر اختطافه عند حاجز عسكري عقب اجتياح المجمع.
وبألم يروي أبو سلمية أنه شاهد بنفسه أطباء سقطوا داخل غرف العمليات وأغمى عليهم من شدة الإرهاق والجوع، وبعضهم كان قد مضى عليه 24 ساعة وأكثر من دون تناول أي شيء، محذرا من أن ذلك سيؤثر على الخدمة الطبية، ويتابع "في ظل الحصار المشدد والمجاعة المستشرية وقلة الدواء والغذاء فإننا أمام مرحلة خطرة جدا، وقد تنهار الطواقم الطبية في أي لحظة".
احتراق وظيفي
بدوره، يقول مدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس الدكتور أحمد الفرا للجزيرة نت "إننا كأطباء اقتربنا من مرحلة تسمى الاحتراق الوظيفي من شدة الإرهاق والجوع وقلة المغذيات والفيتامينات".
وأضاف أنهم فقدوا التركيز ويعانون من اضطراب في الذاكرة، وعدم قدرة على تحمل التعب جراء ساعات العمل الطويلة، إضافة إلى قلقهم الدائم على أسرهم وأطفالهم، الذين يعانون كأغلبية الناس من الجوع وعدم توفر الطعام.
وبوجع بدا واضحا في نبرة صوته، يشير الفرا إلى أنه وزملاءه يتذكرون أطفالهم مع كل طفل يصل المستشفى بين أحضان والدته أو والده، فيما الطبيب المعالج نفسه قد يكون مضى يوم أو يومان عليه من دون أن يرى أبناءه، ويخشى أن يصيبهم ما أصاب أقرانهم نتيجة التجويع المتعمد.
ويقول "في مجمع ناصر ليس لدينا متسع ولو سرير واحد، ونقوم بتحويل الحالات للعيادة الخارجية، ولكن للأسف الحالات أكبر بكثير من قدراتنا، ونفتقد للمكملات الغذائية، وهناك شح كبير في المحاليل الطبية والبدائل الأخرى".
ويتساءل الفرا "كيف للطبيب المجوع أن يعمل في ظل هذا الواقع المؤلم والمتردي؟ ومن أين يجد الوقت للبحث عن الطعام لأسرته وأطفاله، وهو لا يجد حتى الوقت ليرتاح قليلا من عناء الوقوف طويلا والتنقل من معاينة حالة إلى أخرى، تقيده قلة الإمكانيات والجوع الشديد؟".
ووفقا للبيانات الرسمية، فإن 71 طفلا استشهدوا بسبب سوء التغذية الحاد، علاوة على 620 شهيدا، نساء ورجالا من مختلف الأعمار، فقدوا حياتهم بسبب نقص الدواء والغذاء خلال شهور الحرب.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحرب على غزة مباشر.. 10 شهداء تجويعا ومعارك في محاور التوغل الإسرائيلي
الحرب على غزة مباشر.. 10 شهداء تجويعا ومعارك في محاور التوغل الإسرائيلي

الجزيرة

timeمنذ 25 دقائق

  • الجزيرة

الحرب على غزة مباشر.. 10 شهداء تجويعا ومعارك في محاور التوغل الإسرائيلي

في اليوم الـ657 من حرب الإبادة على غزة ، لا يزال القطاع الفلسطيني يئن تحت الحصار ومعاناة إنسانية قاتلة مع تفاقم المجاعة وصعوبة الحصول على مياه الشرب، وقد سجلت المستشفيات 10 وفيات جديدة جراء المجاعة خلال الساعات الماضية، ليرتفع عدد من قتلوا تجويعا إلى 111 فلسطينيا.

أوكسفام: العاملون الإنسانيون بغزة أنفسهم يعانون الجوع
أوكسفام: العاملون الإنسانيون بغزة أنفسهم يعانون الجوع

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

أوكسفام: العاملون الإنسانيون بغزة أنفسهم يعانون الجوع

أكد مستشار السياسة الإنسانية في منظمة أوكسفام جيمس هوبلر أن الجوع والمجاعة حقيقة واقعة في أنحاء قطاع غزة منذ فترة طويلة، لافتا إلى عدم الحاجة لانتظار إعلان رسمي للمجاعة لاتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ السكان المحاصرين. وأوضح المستشار الإنساني خلال مقابلة للجزيرة أن كثيرين فقدوا حياتهم بالفعل بسبب الجوع، مؤكدا حدوث ارتفاع حاد في حالات سوء التغذية التي تطال الأطفال وجميع الفئات العمرية الأخرى. وناشد بضرورة التحرك الفوري دون انتظار التصنيفات الرسمية، معتبرا أن الوضع الحالي يتطلب استجابة عاجلة وشاملة. ورغم تنامي مستوى الوعي بالأزمة الإنسانية في أجزاء مختلفة من الولايات المتحدة، عبّر هوبلر عن إحباطه من ضعف الاستجابة الدولية. وأشار إلى أن منظمته تواصل قرع ناقوس الخطر حول الوضع الإنساني المتفاقم، لكن الاستجابة تبقى محدودة وأحيانا غير كافية تماما مقارنة بحجم الكارثة الإنسانية. وانتقد المستشار الإنساني التأخيرات والعراقيل المتتالية التي تواجه إدخال المساعدات إلى القطاع، محذرا من أن هذه العوائق تؤدي مباشرة إلى ارتفاع معدلات الوفيات وتزيد تدهور الوضع بشكل مستمر. ونبّه إلى أن الوقت ليس في صالح سكان القطاع، مما يجعل كل تأخير في المساعدات قاتلا بحد ذاته. نطاق أوسع للمعاناة ووسّع هوبلر نطاق وصف الأزمة لتشمل قطاعات حيوية متعددة وليس فقط نقص الغذاء، حيث أشار إلى الأزمة الحادة في قطاع المياه، ومعاناة السكان من نقص في المياه النظيفة والقدرة على الحفاظ على النظافة الشخصية، مما يخلق بيئة مثالية لانتشار الأمراض. وتطرق إلى الدمار الذي لحق بأنظمة الصرف الصحي وتنقية المياه، والذي أدى إلى انتشار أمراض تنتقل عبر المياه الملوثة، مشيرا إلى أن هذا التدهور في البنية التحتية الصحية يفاقم من حالات سوء التغذية، ويخلق حلقة مفرغة من المعاناة الإنسانية تطال جميع جوانب الحياة في القطاع. ولفت المستشار إلى المفارقة المؤلمة التي يعيشها العاملون في المؤسسات الإنسانية داخل القطاع، والذين يعانون هم أنفسهم من الجوع أثناء محاولتهم تقديم المساعدة للآخرين. ووصف هذا الوضع بالمروع، مؤكدا أن رؤية زملائه في غزة وسماع أصواتهم ومشاهدة المعاناة ترتسم على وجوههم أمر مقلق للغاية. ودعت 111 منظمة إغاثية وحقوقية، اليوم الأربعاء، الحكومات إلى اتخاذ إجراءات تتضمن وقفا فوريا ودائما لإطلاق النار، ورفع جميع القيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة في ظل تفشي المجاعة بين سكانها. وحذرت المنظمات الدولية، ومنها ميرسي كور ومنظمة اللاجئين الدولية (ومقرهما أميركا) و المجلس النرويجي للاجئين ، في بيان لها، من انتشار المجاعة الجماعية في جميع أنحاء القطاع، في الوقت الذي تتكدس فيه أطنان من المواد الغذائية والمياه النظيفة والإمدادات الطبية وغيرها من المواد خارج غزة، مع منع المنظمات الإنسانية من الدخول أو إيصال المساعدات.

طبيبة أميركية بغزة: الناس يتساقطون من الجوع ولا مكان ولا دواء لعلاجهم
طبيبة أميركية بغزة: الناس يتساقطون من الجوع ولا مكان ولا دواء لعلاجهم

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

طبيبة أميركية بغزة: الناس يتساقطون من الجوع ولا مكان ولا دواء لعلاجهم

وصفت الطبيبة الأميركية نور شرف العاملة في مجمع الشفاء بغزة -في مداخلة مع قناة الجزيرة- الوضع في قطاع غزة بأنه مروّع للغاية ولم تشهد مثله في حياتها، وقالت إن أناسا لم يتناولوا أي طعام منذ أيام ويتساقطون من الجوع. وأضافت نور شرف أن العديد من الناس وخاصة الأطفال يعانون من سوء التغذية التي تظهر في عيونهم الغائرة وفي وجوههم وفي حالة الجفاف التي تصيبهم. وقالت إن الإصابات التي يتعرض لها سكان غزة مروّعة، ولا توجد الإمكانات لمعالجتها، مشيرة إلى أن الناس يأتون إلى الطوارئ، وليس هناك أماكن تسعهم، ويضطر الأطباء والمسعفون إلى معالجة المرضى على الأرض، ويقومون بعمليات التعقيم والتطهير على الأرض، رغم أن هذه العملية تحتاج إلى بيئة نظيفة. وأكدت الطبيبة الأميركية -وهي طبيبة طوارئ جاءت للعمل في غزة متطوعة- أن القصف الإسرائيلي يستهدف سكان غزة في خيامهم وفي أماكن سكنهم. وأشارت إلى وجود خشية من نفاد الغذاء حتى لدى الأطباء، وقالت إنه طلب منها إحضار طعامها معها من الولايات المتحدة الأميركية، ولكن هذا الطعام سينفد مثلما هو الحال مع زملاء لها. وعن التداعيات التي ستنجم عن التجويع الذي يتعرض له سكان قطاع غزة، أوضحت أن من ينجون سيعانون من مضاعفات، كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، إذ عانى الناس من التجويع وحرموا من الطعام، وعندما توفر لهم لم يتعامل الجسم مع الطعام بطريقة سليمة، وقالت إن الآثار ستكون صعبة وستمتد أشهرا أو أعواما. ويذكر أن وزارة الصحة بغزة أعلنت اليوم وفاة 10 أشخاص بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال 24 ساعة، مما يرفع عدد الوفيات إلى 111.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store