
أميركا وترمب: نهج «الأنا والآخر»
الجدل حول الهوية، وتمركزه حول مفهوم «الأنا والآخر»، انعكس سلباً على ملف الهجرة والمهاجرين وناصَبهم العداء؛ خشية من «الكوبنة» Cubanization وحتى «المكسكة» Mexicanization، وهو ما أطلق عليه صاموئيل هنتنغتون الغزو الديمغرافي لمناطقَ كانت قد احتلها الأميركيون، بل طال الأمر حتى المولودين في أميركا، وصعود واضح للهويات الوطنية الفرعية كردّ فعل واضح، رغم أن أميركا في أصل تكوينها كدولة حديثة هي خليط من الإثنيات والمهاجرين وأقلية من الهنود الحمر الذين تعرّضوا لأبشع إبادة في التاريخ.
الخلاف على الهوية الأميركية تسبَّب في الاعتراض حتى على استخدام اللغة الإنجليزية، ولعلّ مجاهرة حاكم ولاية فلوريدا بوب مارتينيز حين قال: «لا نختار للأميركيين ديانتهم ولا عِرقهم، فلِم نختار للأميركيين لغتهم؟!»، كأنه يعترض على اختيار اللغة الإنجليزية، والتي حاول الرئيس ترمب أن يَسخر، من خلالها، من بعض الرؤساء الأفارقة، وهم ضيوفٌ على طاولته، مِن كون أحدهم يجيد اللغة، والباقين لا، في مشهدٍ كرَّر مفهوم «الأنا والآخر»، كما شرحه أحد كبار مفكري أميركا صاموئيل هنتنغتون.
الضيوف الأفارقة الخمسة تعرّضوا لإحراجِ وسخرية ترمب، لدرجة أنه طلب من أحد الرؤساء: «فقط قل لنا اسمك وبلدك»، بينما الرئيس الأفريقي كان منهمكاً في التعريف باقتصاد بلاده، ورغم أن الرؤساء الأفارقة الخمسة كان اجتماعهم مع ترمب بسبب أن بلدانهم شريك مهم في إنتاج المعادن، بينما الرئيس ترمب تجاهل السبب من الاجتماع، وكان يجهل أن ليبيريا ناطقة بالإنجليزية وهي لغتها الرسمية، ولكن أيضاً لا يقع اللوم فحسب على عقدة «الأنا والآخر» عند ترمب، بل حتى بعض الضيوف كانوا الأفضل لو تحدثوا بلغتهم الوطنية وتركوا الإحراج للمترجمين، بدلاً من الحديث بلسان أعجمي لا يُحسنون نطقه، مما جعلهم محل إحراجات الرئيس ترمب.
المحرَجون الأفارقة ليسوا أول ولا آخِر المحرَجين في ضيافة الرئيس ترمب، فقد سبقهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والذي تعرَّض للحرج الأشبه بالتوبيخ اللاذع من ترمب ومن صحافة البيت الأبيض، حيث طالت السخرية حتى من ملابسه.
مفهوم «الأنا والآخر» كان واضحاً من خلال دبلوماسية إحراجات دونالد ترمب للرؤساء والضيوف، والتي لا تنتهي، لكن هل ستكون هناك نهاية للترمبية السياسية في الشارع الأميركي والحالة الشعبوية التي عززها ترمب؟ لا أظن ذلك في القريب المنظور، خاصة في ظل حالة انقسام مجتمعي وليس سياسياً انتخابياً ينتهي بليلة إعلان النتائج، ويعود كل شخص إلى بيته فرحاً بفوز أو حزيناً بخسارة مرشحه. إذ يَسخر البعض بأنه لا فرق بين الجمهوري والديمقراطي إلا كالفرق بين البيبسي والكوكا الكولا، ويتكهن البعض بانهيار الإمبراطورية الأميركية من الداخل بسبب الهوية الأميركية، كما يروّج إعلام «حزب الله» وإيران.
أزمة الهوية وصراع «الأنا والآخر»، وشعبوية ترمب السياسية، كثيراً ما انقلبت عليه بعد أن تجسدت في تضامن شعبي، فعداوة ترمب للأجانب والمهاجرين ليست جديدة، حيث أسقط القضاء الأميركي ومنع تنفيذ قرارات رئاسية كثيرة في هذا الملف، مما يعكس حالة استقطاب شديد داخل المجتمع الأميركي.
على العكس من شعبوية ترمب، فإن السياسة الأميركية، خاصة الخارجية، تخضع لاستراتجية مرسومة لسنوات، وليست رهينة لأشخاص وإن كانت تأثرت بالحالة الترمبية، إلا أن مسارها ثابت، أياً كان ساكن البيت الأبيض، فترتيب المصلحة والأولويات سيختلف بحكم المصلحة الأميركية، فأميركا خطها السياسي براغماتي بالمطلق.
لكن يبقى السؤال: هل سيستطيع ترمب أن يلمّ الشمل، ويوحّد الأمة المنقسمة، في ظل حالة انقسام شعبوي حادّ غير مسبوق في الأمة الأميركية، وهل سيتمكن من السيطرة على ملفات معقدة كثيرة؛ منها حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل، والملفات النووية في إيران وكوريا الشمالية، والصراع بين الهند وباكستان، والحرب الروسية على أوكرانيا، وجميعها ملفات ملتهبة لا يمكن تسويتها من خلال مفهوم «الأنا والآخر»؟ المنهج الذي يستخدمه ترمب حالياً، وهو ما قد يتسبب في خسائر أميركية كبيرة. فليس كل من جاء إلى أميركا والبيت الأبيض يُعد من المتسولين، بل هناك شركاء حقيقيون يمكن أن يحققوا مصالح ونفعاً لأميركا وأصدقائها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق للأعمال
منذ ساعة واحدة
- الشرق للأعمال
النفط ينخفض مع تراجع التفاؤل بشأن اتفاقيات التجارة وارتفاع الدولار
انخفض سعر النفط مع ارتفاع قيمة الدولار وتراجع الثقة بأن الولايات المتحدة ستتوصل إلى اتفاقيات مع شركائها التجاريين الرئيسيين قبل الموعد النهائي الأسبوع المقبل. انخفض "خام غرب تكساس الوسيط" بأكثر من 1% ليستقر قرب 65 دولاراً للبرميل بعد أن صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن لدى الولايات المتحدة فرصة 50-50 لإبرام صفقة تجارية مع أوروبا، على عكس التفاؤل الذي أعرب عنه دبلوماسيو الكتلة هذا الأسبوع. كما صرّح ترمب بأن معظم معدلات الرسوم الجمركية قد استقرت تقريباً الآن. ويبلغ معدل الرسوم الجمركية الفعلي في الولايات المتحدة أعلى مستوى له منذ قرن، وفقاً لبعض التقديرات، مما يُشكّل تهديداً محتملًا للطلب على الطاقة. وفي سياقٍ آخر، أشار ترمب إلى أنه لا يعتزم إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، مما عزز الدولار وجعل السلع المُسعّرة بالعملة أقل جاذبية. زيادة المعروض من النفط ظل النفط الخام في حالة استقرار هذا الشهر، ولكنه منخفض هذا العام مع زيادة المعروض من "أوبك+" التي تُفاقم المخاوف من تخمة وشيكة في المعروض. وستجتمع المجموعة في 3 أغسطس المقبل لاتخاذ قرار بشأن مستويات الإنتاج. يوم الخميس، مُنحت فنزويلا، إحدى الدول الأعضاء في منظمة أوبك، مهلة إنتاجية بموجب قرار أميركي بالسماح لشركة "شيفرون" باستئناف ضخ النفط في البلاد. وكتب محللون في مجموعة "ماكواري"، بمن فيهم فيكاس دويفيدي، في مذكرة: "نتوقع انخفاضاً تدريجياً في أسعار النفط الخام هذا الخريف، مدفوعاً بالتسارع المطرد في تراكم المخزونات، وضعف الأسواق الفعلية، وتراجع دعم هوامش أرباح المصافي، واستمرار انحسار مخاطر العرض الجيوسياسية".


أرقام
منذ 2 ساعات
- أرقام
ترمب: أفضل الدولار القوي.. لكن انخفاضه مفيد
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه لن يدعم أبداً ضُعف الدولار، مشيداً في الوقت نفسه بالفوائد الاقتصادية التي سيجلبها انخفاض قيمة العملة، لا سيما لقطاع التصنيع في البلاد، مما أرسل إشارات متباينة يوم الجمعة بشأن السياسة الأميركية. ترمب صرح للصحفيين رداً على أسئلة حول الدولار: "لن أقول أبداً إنني أحب العملة المنخفضة"، وأضاف: "أنا شخص يفضل الدولار القوي، لكن ضعفه يُدرّ عليك أموالًا طائلة". تأتي تعليقات ترمب في الوقت الذي يتكهن فيه مُتداولو العملات الأجنبية بأن إدارته تسعى بنشاط إلى إضعاف الدولار. انخفض مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري بنسبة 7.9% منذ 20 يناير، وحوالي 8.5% حتى الآن في عام 2025. ويُعدّ هذا الانخفاض بمثابة مقياس لمدى عدم ارتياح المستثمرين العالميين للأجندة الاقتصادية للإدارة، وخاصةً الرسوم الجمركية المرتفعة التي يفرضها ترمب على شركائه التجاريين. الدولار يتأثر بتقلبات سياسة الرسوم الجمركية كشف ترمب في البداية عن رسوم جمركية أعلى في أبريل، لكنه أوقفها لمدة 90 يوماً في أعقاب اضطرابات السوق، مما منح الدول وقتاً لإجراء مفاوضات. مع ذلك، لم يشهد ذلك الإطار الزمني سوى القليل من الصفقات، ومدد ترمب مجدداً الموعد النهائي للمحادثات إلى الأول من أغسطس، وأرسل رسائل إلى شركاء التجارة يحدد فيها معدلات الرسوم الجمركية التي ستُطبق في ذلك التاريخ. ووسط التقلبات في سياسات ترمب الجمركية، وحتى مع حصول الرئيس على صفقات إضافية قبل أغسطس، لم يتعاف الدولار. وقد أثار ذلك سردية "بيع أميركا" في الأسواق، متجاهلاً ما يراه المستثمرون لامبالاة واضحة من جانب الإدارة تجاه انخفاض قيمة الدولار. وقال ترمب يوم الجمعة، رداً على سؤال عما إذا كان قلقاً بشأن انخفاض العملة: "أنا شخص يُحب الدولار القوي"، مضيفاً "لم يُقلقني الأمر - لنضع الأمر على هذا النحو". وأضاف أيضاً أن الشركات المصنعة، بما في ذلك شركة "كاتربيلر"، قد استفادت. وقال: "عندما يكون لدينا دولار قوي، يحدث أمر واحد: يبدو الأمر جيداً، لكنك لا تُمارس أي سياحة. لا يمكنك بيع المصانع، ولا يمكنك بيع الشاحنات، ولا يمكنك بيع أي شيء". وزاد قائلاً: "هذا جيدٌ للتضخم، هذا كل ما في الأمر. وليس لدينا تضخم. لقد قضينا على التضخم".


الشرق السعودية
منذ 6 ساعات
- الشرق السعودية
الإدارة الأميركية تعتزم تغيير نظام تأشيرات العمالة الأجنبية الماهرة
تخطط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإدخال تغييرات على نظام تأشيرات العمالة الأجنبية الماهرة، وهو برنامج يقع في صلب الخلاف بين المتشددين في ملف الهجرة وقادة قطاع التكنولوجيا، وفقاً لما صرح به المدير الجديد لوكالة خدمات المواطنة والهجرة الأميركية. وقال جوزيف إدلو مدير الوكالة، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن اختبار الحصول على الجنسية الأميركية سهل جداً، ويجب تغييره، مضيفاً: "الاختبار، بصيغته الحالية، ليس صعباً جداً.. من السهل حفظ الإجابات، ولا أعتقد أننا نلتزم فعلياً بروح القانون". وقدم إدلو تصوراً لطريقة عمل الوكالة المسؤولة عن إدارة الهجرة في البلاد خلال الولاية الثانية لترمب، في وقت أمر فيه الرئيس بحملة واسعة لتشديد القيود على الهجرة، وتنفيذ عمليات ترحيل جماعية. وبينما يشكّل برنامج تأشيرة H-1B للعمال الأجانب محور جدل حاد داخل الحزب الجمهوري، قال إدلو، إن البرنامج يجب أن يعطي الأفضلية للشركات التي تعتزم دفع رواتب أعلى للعمال الأجانب. وقد تساعد التغييرات المقترحة في تهدئة الانتقادات من الجناح اليميني للحزب الجمهوري، الذي يرى أن البرنامج يجلب عمالاً يقبلون برواتب أقل من نظرائهم الأميركيين. وكان نائب الرئيس جي دي فانس، انتقد في وقت سابق هذا الأسبوع، الشركات التي تسرح موظفيها الأميركيين ثم توظف عمالاً أجانب. لكن بعض أبرز داعمي ترمب في قطاع التكنولوجيا قالوا، إنهم يعتمدون على البرنامج بسبب النقص في العمالة المؤهلة من الأميركيين. وذكر إدلو: "أعتقد أن الطريقة التي يجب أن يُستخدم بها برنامج H-1B، وهي عبارة أرددها كثيراً، هي أن يكون البرنامج مكملاً للاقتصاد الأميركي، وليس بديلاً عنه، وكذلك للشركات والعمال الأميركيين". نظام القرعة وبشكل تقليدي، يُمنح نحو 85 ألف تأشيرة سنوياً لتوظيف عمال أجانب ذوي مهارات عالية من خلال نظام القرعة، ويجب أن تمر التغييرات المقترحة عبر عملية إصدار القوانين الفيدرالية. واعتبر دوج راند، المسؤول السابق في إدارة الرئيس السابق جو بايدن، أن تعديل آلية منح تأشيرات H-1B لتفضيل أصحاب الرواتب الأعلى هو "توجه خاطئ". وأردف: "سواء أعجبنا ذلك أم لا، فإن برنامج H-1B هو الوسيلة الرئيسية التي تستخدمها الشركات الأميركية لتوظيف ألمع الخريجين الدوليين من جامعاتنا، والكونجرس لم يمنح وزارة الأمن الداخلي صلاحية ترجيح الكفة بناءً على مستوى الرواتب". فيما أشار إدلو، إلى أن إدارة ترمب تخطط لتغيير اختبار التجنّس المطلوب من المتقدمين للحصول على الجنسية الأميركية. في الوقت الحالي، يدرس المهاجرون 100 سؤال في مادة التربية المدنية، ويجب عليهم الإجابة بشكل صحيح على 6 من أصل 10 أسئلة لاجتياز هذا الجزء من الاختبار. وخلال الولاية الأولى لترمب، زادت الوكالة عدد الأسئلة إلى 20، وطُلب من المتقدمين الإجابة بشكل صحيح على 12 سؤالاً، ولفت إدلو إلى أن الوكالة تخطط للعودة قريباً إلى نسخة معدّلة من هذا الاختبار. وبعد أن شغل منصب القائم بأعمال مدير وكالة خدمات المواطنة والهجرة الأميركية لفترة قصيرة عام 2020، حصل إدلو الآن على مصادقة مجلس الشيوخ ليقود الوكالة المسؤولة عن إصدار شهادات الجنسية، وتأشيرات العمل، ونظام اللجوء واستقبال اللاجئين. وقال إدلو: "أعتقد أن الهجرة إلى أميركا يجب أن تكون ذات مردود إيجابي صافي بلا شك، وإذا نظرنا إلى الأشخاص الذين يأتون، خاصةً أولئك الذين يساهمون في دفع الأجندات الاقتصادية التي نعتمد عليها ويخدمون المصلحة الوطنية، فهؤلاء هم من يجب أن نركّز عليهم". وفي الولاية الأولى لترمب، صعّبت وكالة خدمات المواطنة والهجرة الأميركية على المهاجرين الذين يستخدمون المساعدات الحكومية الحصول على الإقامة الدائمة (البطاقة الخضراء)، ولكن إدلو قال إنه لا يخطط لإعادة إحياء هذا الإجراء. كما واجه موظفو الوكالة تغييرات في نظام اللجوء هدفت إلى تقليص الحماية، إلا أن بعض هذه السياسات تم تعليقها بأوامر من المحاكم الفيدرالية.