
تَباعُد أميركي - إيراني يقلّل حظوظَ التوصل إلى اتفاق نووي!
مع تصاعد التوترات وبطء المفاوضات، ما زالت الولايات المتحدة وإيران منقسمتين بشدة حول القضية الجوهرية المتمثلة في تخصيب اليورانيوم، ما يُحيي شبح انهيار جديد في الدبلوماسية، رغم إدراك واشنطن وطهران المتبادل للمخاطر الاقتصادية والأمنية الكبيرة.
بعد أكثر من ثمانية أعوام من توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، أصبح الاتفاق النووي الواعد في يوم من الأيام ميتاً فعلياً. ومع ذلك، تبقى المواقف الراسخة للموقعين الرئيسيين عليه، الولايات المتحدة وإيران.
وبينما يستكشف الجانبان في شكل مبدئي إمكان التوصل إلى اتفاق جديد، ما زالت القضية التي تعوق الجهود السابقة تُهيمن على النقاش، الا وهي تخصيب اليورانيوم.
ففي حين أكدت إدارة دونالد ترامب مجدداً أن إيران «لا ينبغي أن تُخصب اليورانيوم على أي مستوى»، يُجادل المفاوضون الإيرانيون بأن هذا ليس انتهاكاً لحقوق إيران السيادية فحسب، بل هو أيضاً مطلب غير واقعي يُعرّض أي تسوية مستقبلية للخطر.
الجوهر: التكنولوجيا والسيادة
يكمن جوهر المأزق في مسألة برنامج التخصيب. بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، سُمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 3.67 في المئة، وهي نسبة مناسبة لإنتاج الطاقة المدنية، وبنسبة أعلى قليلاً للاستخدامات العلمية والطبية المحدودة.
وقد اقترنت هذه الأحكام بمراقبة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومع ذلك، أدى انسحاب إدارة ترامب الأحادي الجانب من الاتفاق عام 2018، وما تلاه من إعادة فرض عقوبات شاملة، إلى خرق طهران التدريجي لقيود خطة العمل الشاملة المشتركة.
بحلول 2023، كانت إيران راكمت يورانيوم مخصباً بنسبة تصل إلى 60 في المئة - وهي خطوة تقنية قصيرة من عتبة 90 في المئة اللازمة لصنع الأسلحة.
بالنسبة إلى طهران، فإن حق التخصيب غير قابل للتفاوض. وقال مسؤول إيراني مطلع على المحادثات لـا«الراي» انه «لا يمكن نسيان هذه المعرفة. لقد عانينا عقوداً من العقوبات والتخريب والعزلة لاتقان هذه التكنولوجيا. ولن تتخلى أي دولة عن مثل هذا الإنجاز طواعيةً».
يعكس هذا الشعور إجماعاً وطنياً أوسع يشمل الفصائل السياسية في إيران. حتى أولئك الذين يؤيدون التعامل مع الغرب، بمن فيهم شخصيات من المعسكر الإصلاحي المعتدل، إذ يؤكدون أن أي اتفاق جديد يجب أن يحافظ على استقلالية إيران التقنية.
لا سبيل إلى القنبلة
من وجهة نظر واشنطن، لا تتعلق قضية التخصيب بالحدود التقنية بقدر ما تتعلق بالثقة الاستراتيجية.
ونقل عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، أن «زمن تجاوز إيران للحاجز النووي قد تقلص في شكل خطير. فبمخزونها الكافي وأجهزة الطرد المركزي المتطورة، يمكنها إنتاج مواد انشطارية لسلاح نووي في غضون أسابيع».
وفي حين تُصرّ طهران على سلمية برنامجها وضمن إطار معاهدة حظر الانتشار النووي، فالشكوك ما زالت عميقة في الولايات المتحدة وبين حلفائها الأوروبيين. وقد عزز اكتشاف آثار نووية غير مُعلنة في مواقع إيرانية عدة عام 2022، وفقاً لما أوردته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شكوك الغرب، رغم عرض إيران التعاون مع المفتشين.
وبناءً على ذلك، يجب على أي اتفاق جديد، من وجهة النظر الأميركية، أن يُلغي قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم بأي مستوى وبأي نسبة مهما صغرت. ولا تملك إدارة ترامب، تحت ضغط من الكونغرس وإسرائيل، سوى هامش ضيق للمناورة في هذه النقطة.
العقوبات والمعاناة الاقتصادية
تدرك إيران التكلفة الاقتصادية لاستمرار تحديها في ظل اقتصاد ينوء في البلاد التي تعاني بالفعل من العقوبات منذ عام 1980 - ومن موجات متتالية من القيود التي تستهدف قطاعاتها المصرفية والنفطية والشحنية والتكنولوجية.
وقال مسؤول في طهران، إن «العقوبات عرقلت وصولنا إلى الأسواق والأنظمة المالية الدولية ولكنها لم تضع البلاد على ركبتيها، فتكيفت إيران مع الوضع من خلال شبكات بديلة ودول تمد لها يد العون بسبب المصالح المشتركة مثل تركيا والصين وروسيا. ولذلك فإن الخضوع ليس مطروحاً».
وقد عزّزت إيران علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا والصين، ووقعت اتفاقيات تعاون اقتصادي وعسكري طويلة الأمد. ووفرت هذه العلاقات لها مصدراً اقتصادياً وغطاءً دبلوماسياً في مجلس الأمن.
ومع ذلك، فإن توجه إيران شرقاً ليس بالحل لاقتصادها، خصوصاً أن أميركا مستعدة لزيادة الضغط الاقتصادي والعقوبات عليها.
وفي الواقع، لطالما صوّر المرشد الأعلى السيد علي خامنئي والحرس الثوري، القضية النووية ليس فقط كمسألة مصلحة وطنية، بل كمقاومة أيديولوجية أيضاً، لانه يمكن اعتبار التنازل عن برنامج التخصيب استسلاماً - وهي وجهة نظر تلقى صدى لدى النخبة السياسية والعسكرية.
حل وسط محتمل
أحد المجالات التي تبدو فيها إيران أكثر مرونة هي التفتيشات من دون قيد. إذ أبدى المسؤولون استعدادهم للسماح بمراقبة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية - ربما حتى تتجاوز البروتوكول الإضافي - شرط الاعتراف بحقهم في التخصيب، والأهم من ذلك، رفع كل العقوبات، والتأكد من أن أميركا لن تتراجع عن أي اتفاق إذا حصل.
وتم بحث هذا الحل الوسط لفترة وجيزة في محادثات سرية بوساطة عُمان عام 2023، ومرة أخرى خلال المناقشات التي أدارها الاتحاد الأوروبي في أوائل عام 2024 وكذلك في الأسابيع الأخيرة تحت رعاية المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الذي لم يقبل فكرة إيران بإيجاد آلية تحقق متدرجة مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات.
ولذلك، فإن المناقشات قد تتعثر أكثر مع إصرار المفاوضين الغربيين على تقليص جذري ونهائي لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وتالياً، فإن طهران «مستعدة للشفافية»، لكن ليس للرضوخ للمطالب الاميركية.
التداعيات الإقليمية والصبر الإستراتيجي
لا تقتصر مخاطر الجمود على طهران وواشنطن. ففي أنحاء الشرق الأوسط، يتزايد القلق في شأن تداعيات الجمود المطول. وقد لمّحت القيادة الإسرائيلية إلى خيارات عسكرية، بينما تدعو دول المنطقة إلى الدبلوماسية والاحتواء.
اتفاق من دون خطة العمل الشاملة المشتركة؟
في حين يعتقد قليلون بإمكان إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية بصيغتها المبرمة عام 2015، هناك تفاؤل حذر بإمكان ظهور إطار عمل جديد - إطار يسمح بتخصيب محدود في ظل ضمانات معززة، وتخفيف تدريجي للعقوبات، وضمانات متبادلة.
يكمن التحدي في مواءمة الجداول الزمنية والتوقعات. فإيران تريد ضمانات مسبقة برفع العقوبات، بينما تطالب الولايات المتحدة بتفكيك يمكن التحقق منه قبل تخفيفها.
إن انعدام الثقة - الذي تضررت أكثر بسبب اغتيال العلماء النوويين وعدم التزام الرئيس باراك أوباما منذ الاتفاق في سنته الاولى، والهجوم الإلكتروني «ستوكس نت» على البرنامج النووي، والتخريب المستمر للمنشآت الإيرانية والانسحاب الاميركي الاحادي الجانب - يجعل هذا التنسيق محفوفًا بالمخاطر، خصوصاً ان لا احد من الجانبين مستعد لدفع الثمن.
ومع تقدّم المفاوضات، ما زالت ملامح الاتفاق بعيدة المنال. في الوقت الحالي، يبدو أن كلاً من إيران والولايات المتحدة عالقتان في مفارقة: إدراك تكلفة الفشل، مع عدم استعدادهما لتقديم التنازلات اللازمة للنجاح.
إن رفض إيران التخلي عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، متجذرٌ بعمق في هويتها الوطنية وخبرتها التاريخية... وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإنه يُنظر إلى السماح لإيران بالاحتفاظ بهذه القدرة على أنه تهديد استراتيجي. وإلى أن يتم التوفيق بين هذه الروايات المتعارضة - أو على الأقل فصلها - سيظل أي أمل في التوصل إلى اتفاق دائم هشاً.
وفي غياب اتفاق، تُخاطر المنطقة مرة أخرى بالانزلاق نحو المواجهة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 28 دقائق
- الرأي
الذهب يتجه لأفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر وسط مخاوف المالية العامة الأميركية
يتجه الذهب اليوم الجمعة لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر، إذ أدى تراجع الدولار وتزايد المخاوف إزاء أوضاع المالية العامة في أكبر اقتصاد في العالم إلى دعم الإقبال على الملاذ الآمن. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.2 في المئة إلى 3299.79 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 00.14 بتوقيت غرينتش. وارتفع المعدن النفيس بنحو ثلاثة في المئة منذ بداية الأسبوع وحتى الآن ويتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ أوائل أبريل. وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.2 في المئة أيضا إلى 3299.60 دولار. وهبط الدولار بأكثر من واحد في المئة منذ بداية الأسبوع وحتى الآن ويتجه لتسجيل أسوأ أداء أسبوعي منذ السابع من أبريل، مما يجعل الذهب المسعر به أرخص لحائزي العملات الأخرى. ووافق مجلس النواب الأميركي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، على مشروع قانون شامل للضرائب والإنفاق أمس الخميس، بما يضمن تنفيذ معظم أجندة الرئيس دونالد ترامب ويضيف تريليونات الدولارات إلى الدين الحكومي. وينتقل مشروع القانون بهذا إلى مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون بهامش 53 إلى 47 مقعدا. وعادة ما يُنظر للذهب كملاذ آمن في أوقات الضبابية السياسية والمالية. وفي غضون ذلك، حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أن الولايات المتحدة ستتحمل المسؤولية القانونية عن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، وذلك في أعقاب تقرير لشبكة (سي.إن.إن) أفاد بأن إسرائيل تستعد لشن ضربات على إيران. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، استقرت الفضة في المعاملات الفورية عند 33.07 دولار للأوقية، وصعد البلاتين 0.1 في المئة إلى 1082.47 دولار، ونزل البلاديوم 0.3 في المئة إلى 1012.00 دولارا.


اليوم الثامن
منذ 4 ساعات
- اليوم الثامن
قمة بغداد العربية...والتحولات الاقليمية
ينظر بعض حكام العرب وشعوبهم الى ان العراق منذ العام 2003 يدور في فلك ايران,فهي من وجهة نظر هؤلاء تحكم القبضة على العراق من خلال بعض الزعماء الشيعة الذين آلت اليهم رئاسة الحكومة على مدى ربع قرن تقريبا. حاول بعض رؤساء الحكومات العراقية لعب دور المصالحة بين السعودية وايران ,ربما تم تقريب وجهات النظر بين القوتين اللتين تمثلان طرفي النزاع الفكري ومحاولة نزع فتيل ازمة سياسية قبل ان تتحول الى ازمة عسكرية يحاول زعماء الغرب تاجيجها,لاضعاف الطرفين ليحلوا له بعد ذلك التصرف بهدوء, ودون خسائر تذكر لمصلحة الصهاينة الآخذون في التمدد بسبب الوهن الذي اصاب العرب خلال العقدين الماضيين, حيث اصبح كل نظام يسعى الى تثبيت اركان حكمه وان على حساب القضايا الجوهرية ,وطلب حماية امريكا واغداق الاموال لها, خاصة في عهدي ترامب الذي لا يبالي بابتزاز الحكام العرب, وتحصيل الجزية نظير حماية عروشهم من السقوط, وتعود بنا الذاكرة الى مقولة عبد المطلب بن هاشم الكعبة في محاولة منه بتغيير مكان الحج الى بلده, بان للبيت رب يحميه,حكامنا الميامين يقولون: لــــــ"بيوتنا/عروشنا.. بيت ابيض يحميها. تحولات اقليمية تشهدها المنطقة ,القمة جاءت في وقت حرج تمر به الامة العربية من تشرذم, واملاءات خارجية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني, الأمة العربية مستهدفه في كيانها ويعمل الغرب الاستعماري على استحداث سايكس بيكو جديد,يشمل اذكاء الفتنة بين مكونات الامة العربية وبالأخص الاقليات وتشجيعها على الانفصال وجعلها دول مستقلة,ولهذا آثر بعض الزعماء العرب على عدم الحضور لأنها لن تكون ذات جدوى, ولن تتعدى المعهود منها الشجب والادانة والاستنكار, في حين تباد غزة على مرأى ومسمع العالم, ونجد بعض قادة العالم يرفعون الصوت بوجه الصهاينة ويصفونها بالإجرامية, وهددوا صراحة بانهم سيعترفون بقيام الدولة الفلسطينية على حدود 67 . في جانب اخر أثارت المحكمة الاتحادية العراقية الجدل بإلغاء اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله مع الكويت، ما اعتبرته الأخيرة تنصلاً من التزامات دولية. هذا الخلاف قد يفسر، غياب بعض قادة دول الخليج عن القمة. وعلى الجانب الداخلي ارتأى بعض الساسة العراقيين ان لقاء السوداني مع الشرع بالخارج (الدوحة) وتوجيه الدعوة اليه لحضور القمة يعتبر استخفافا بعقول العراقيين لان الشرع الذي كان يعرف بالجولاني احد قادة تنظيم الدولة (داعش) عاث في العراق فسادا وقتّلا, وشرد العديد من العراقيين...وتساءل البعض كيف لمجرم مطارد ان يدخل البلد بصفة رئيس دولة؟ وتفرش له البسط الحمراء...لكن القمة عقدت بحضور خمس رؤساء فقط ,ولم يحضر الشرع لأنه آثر مبدأ السلامة على حياته. القمة لم تأتي بجديد, فكل شيء على حاله بل اسوأ مما كان, المهم ان المسؤولين العرب اجتمعوا ولو لبرهة من الوقت اطمأنوا على انفسهم, وفي قرارة انفسهم بانهم ربما لن يلتقوا مستقبلا ,لان قرارهم ليس بأيديهم, بل هم وللأسف مجرد دمى يحركها الغرب كيف يشاء , في احسن الاحوال آثر بعض الحكام العرب عدم الحضور لآنه يدركون انهم ليس بمقدورهم فعل شيء. ميلاد عمر المزوغي


المدى
منذ 5 ساعات
- المدى
عراقجي: إذا أرادت الولايات المتحدة إنهاء برنامج تخصيب اليورانيوم الإيرانيّ فلن يكون هناك اتفاق نوويّ
أكّد وزير الخارجية الإيرانيّ عباس عراقجي، أنّ الولايات المتحدة إذا أرادت إنهاء برنامج تخصيب اليورانيوم الإيرانيّ، فلن يكون هناك اتفاق نوويّ. ويتوجه فيه البلدان لعقد خامس جولة من المحادثات الجمعة في إيطاليا.