logo
ما جائزة نوبل للسلام التي يرى ترامب أنه أهلٌ لنيلها؟

ما جائزة نوبل للسلام التي يرى ترامب أنه أهلٌ لنيلها؟

BBC عربية٠٨-٠٧-٢٠٢٥
عندما سلّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة ترشيح رسمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، لم يكن الحدث مجرد لفتة دبلوماسية عابرة، بل لحظة جديدة أعادت واحدة من أرفع الجوائز العالمية إلى صدارة النقاش السياسي والإعلامي.
نتنياهو قال إن ترامب "يصنع السلام في منطقة تلو الأخرى"، في إشارة إلى دوره في اتفاقات أبراهام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
ولم يكن هذا الترشيح الوحيد، فقد أعلنت باكستان في وقت سابق عن نيتها ترشيح ترامب، مشيدة بدوره في خفض التوتر مع الهند، لكن الترشيحات لم تمر بهدوء، وواجهت انتقادات واسعة، خاصة في ظل التطورات الميدانية التي شهدها الشرق الأوسط.
بهذا الترشيح، عادت جائزة نوبل للسلام إلى دائرة الضوء، لا بسبب الأسماء فحسب، بل بسبب الأسئلة القديمة المتجددة التي تطرح نفسها مع كل ترشيح مثير: من يملك حق الترشيح؟ ومن يقرر؟ وبأي معايير تُمنح الجائزة التي تحمل اسم السلام؟
ما هي جائزة نوبل للسلام؟
تُعد جائزة نوبل للسلام واحدة من أكثر الجوائز شهرةً وتقديراً في العالم، وتعود جذورها إلى وصية الصناعي السويدي ألفريد نوبل، مخترع الديناميت، الذي أوصى عند وفاته عام 1896 بتخصيص ثروته لتأسيس جوائز تُمنح لمن قدّم أعظم إسهام في خدمة الإنسانية، في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام.
وتُمنح جائزة السلام تحديداً في النرويج، بخلاف الجوائز الأخرى التي تُمنح من قبل لجان سويدية، وقد كانت تلك رغبةً شخصيةً من نوبل نفسه، دون أن يوضح السبب في وصيته.
وصدرت أول جائزة نوبل للسلام عام 1901، ومنذ ذلك الحين، باتت تُمنح سنوياً في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، في العاصمة النرويجية أوسلو، تزامناً مع ذكرى وفاة نوبل، بينما يُعلن اسم الفائز عادة في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
وبين عامي 1901 و2024، مُنحت جائزة نوبل للسلام 105 مرة لـ142 فائزاً، من بينهم 111 شخصاً و31 منظمة.
وتعد الولايات المتحدة تُعد الدولة الأكثر حصولاً على الجائزة عبر مواطنيها، تليها فرنسا، والمملكة المتحدة، وقد حصلت 19 امرأة على الجائزة حتى عام 2024، من بينهن الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزاي، التي فازت بها عام 2014 وكانت أصغر الحائزين عمراً (17 عاماً).
وأكبر الحائزين سناً كان جوزف روتبلت، الذي فاز عام 1995 عن عمر ناهز 87 عاماً.
ورغم انتظامها السنوي، لم تُمنح الجائزة في 19 مناسبة، تحديداً في أعوام اندلعت فيها الحروب العالمية أو ساد فيها الاضطراب الدولي، ومن أبرز فترات الانقطاع كانت: أعوام الحرب العالمية الأولى: (1914، 1915، 1916، 1918)، وأعوام الحرب العالمية الثانية: (1939–1943)
في بعض الحالات، كانت اللجنة تمتنع عن منحها لأسباب تتعلق بعدم وجود مرشّح يستوفي الشروط، أو تعذر التوافق.
هل يقتصر الترشيح على الدول والحكومات؟
من المثير أن الدول والحكومات ليست هي الجهة الرئيسية لترشيح الأسماء لنيل جائزة نوبل للسلام، بل إن النظام الأساسي للجائزة لا يمنح حق الترشيح للدول ويعتمد على أفراد ومؤسسات محددين تنطبق عليهم شروط دقيقة، وهو ما يجعل الترشيحات في كثير من الأحيان مسألة شخصية أو رمزية أكثر منها رسمية.
بحسب قواعد مؤسسة نوبل، يحق للجهات التالية تقديم ترشيحات سنوية:
- أعضاء البرلمانات الوطنية والحكومات من مختلف دول العالم
- رؤساء الدول
- أساتذة الجامعات في مجالات الفلسفة، والحقوق، والعلوم السياسية، والتاريخ، والدين
- الحائزون السابقون على جائزة نوبل بجميع فروعها
- أعضاء المحاكم الدولية
- مدراء ومعهدو مراكز الأبحاث في مجال السلام والنزاعات الدولية
- رؤساء منظمات دولية معينة لها صفة مراقب في الأمم المتحدة
وفي عام 2024، بلغ عدد المرشحين لجائزة نوبل للسلام 286 مرشحاً، وكان أعلى عدد من الترشيحات قد سُجّل في عام 2016، وبلغ 376 مرشحاً.
وبينما يحتفظ معهد نوبل في أوسلو بسرية قائمة المرشحين الكاملة لمدة 50 عاماً – وفقاً لقواعد صارمة – يختار بعض المرشِّحين إعلان ترشيحاتهم للعامة، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند ترشيحه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تُفتح أبواب الترشيح مع بداية كل عام وتُغلق في 31 يناير كانون الثاني، بينما يتم الإعلان عن الفائز أو الفائزين بجائزة نوبل للسلام لعام 2025 يوم الجمعة 10 أكتوبر/تشرين الأول، على أن يُقام حفل تسليم الجائزة في 10 ديسمبر/أيلول في أوسلو، النرويج.
وعادة ما تقوم اللجنة المسؤولة بعد إغلاق التشريحات، بإعداد قائمة أولية تُعرف بـ"القائمة القصيرة"، والتي تُعرض على مستشارين وخبراء دوليين مستقلين لتقديم تحليلات معمّقة عن سيرة المرشحين ودورهم في قضايا السلام.
ومن المهم التأكيد أن مجرد ورود اسم شخص في قائمة المرشحين لا يعني تزكيته أو تأييداً رسمياً من اللجنة، ففي بعض السنوات، تلقت اللجنة مئات الترشيحات، بينها أسماء أثارت الجدل عالمياً، مثل أدولف هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي، وستالين لاحقاً، وهنري كيسنجر الذي فاز فعلياً رغم الانتقادات.
ولا تعتمد الجائزة على عدد الترشيحات، بل على قيمة العمل الفعلي الذي أسهم في تعزيز السلام، وفق المعايير التي وضعها ألفريد نوبل في وصيته الأصلية عام 1895.
ماذا عن ترامب ونوبل؟
أمّا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يُخفِ يوماً رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، فقد تلقى خلال السنوات الأخيرة عدة ترشيحات معلنة، أبرزها من أعضاء في البرلمان النرويجي والسويدي، استندوا في ترشيحهم إلى دوره في توقيع اتفاقات أبراهام، التي مهّدت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، بينها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
كما أشار مؤيدوه إلى سياساته تجاه كوريا الشمالية، وانفتاحه غير المسبوق على قيادتها، إلى جانب تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية في بعض مناطق النزاع، مقارنة بإدارات سابقة.
ترامب عبّر مراراً عن فخره بهذه الترشيحات، واعتبرها دليلاً على استحقاقه الدولي، مشيراً إلى ما يراه تجاهلاً إعلامياً لإنجازاته، وفي أحد تصريحاته، قال ساخراً: "أعطوا أوباما جائزة نوبل في بداية ولايته، أما أنا فقد أنجزت أكثر منه بكثير، ولم أحصل على شيء!".
وغالباً ما يقارن ترامب مبادراته في الشرق الأوسط بسجلات رؤساء أمريكيين سابقين، في إطار تأكيده على أحقيته بالجائزة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إذ يجرؤ لولا دا سيلفا على تحدّي ترامب
إذ يجرؤ لولا دا سيلفا على تحدّي ترامب

العربي الجديد

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربي الجديد

إذ يجرؤ لولا دا سيلفا على تحدّي ترامب

كان الرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا قمّة في الجرأة، حين خاطب الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام: "لسنا في حاجة إلى شرطي عالمي"، ردّاً على اتهام ترامب القضاء البرازيلي بـ"الاضطهاد السياسي" لحليفه الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، داعياً إلى إنهاء ما سمّاها "الحملة الشعواء" ضدّه. ويبدو أنّ الرئيس الأميركي لا يعي أنّه لا يتعامل مع دولة صغيرة من دول العالم الثالث، بل مع دولة كبرى، ذات قدرات وإمكانات بشرية وطبيعية بحجم البرازيل، ما يجعل مخاصمتها أشدّ صعوبةً. وليكتمل النقل بالزعرور، على ما يقول المثل في بلاد الشام، اندفع ترامب أخيراً في اتجاه رفع الرسوم الجمركية على البرازيل إلى 50%، علماً أن الصين، لا الولايات المتحدة، هي الشريك التجاري الأول للبرازيل، ما يحدّ من نفوذ أميركا الاقتصادي وتأثيرها. نسي الرئيس ترامب أيضاً أنّه يدعو إلى "المنازلة" الضريبية الجديدة رئيساً لطالما أمتعه الكباش السياسي، فهو رجل من الفقراء الأشدّاء الذين واجهوا صعاب الحياة منذ اليفاع، وما استهابوا شيئاً، فعمل ماسح أحذية، وفقد إصبعه خلال عمله في أحد المصانع، وكان مناضلاً شرساً في المعارك ضدّ الديكتاتورية العسكرية في بلاده. سُجن ظلماً، وخرج من سجنه أشدّ صلابةً وأكثر شعبيةً، فهزم في انتخابات ديمقراطية غريمه اليميني، المتطرّف بولسونارو، الذي لم يبتلع الهزيمة حتى هذه الساعة، مثلما لم يبتلعها حليفه الأميركي. من المرجّح أن يخسر ترامب معركته الضريبية مع البرازيل، لأنها قادرة على الصمود بسهولة في وجه الرسوم الجمركية التي فرضها يخوض الرئيس الأميركي معركةً اقتصاديةً خاسرةً سلفاً مع البرازيل، فالولايات المتحدة ليست شريكاً تجارياً مهماً أو سياسياً. ووفقاً لتقرير حديث لوكالة موديز، لا تشكّل الصادرات البرازيلية إلى الولايات المتحدة سوى 1.7% من ناتج الاقتصادي البرازيلي. وبالتالي، البرازيل من الدول الأقلّ تأثّراً بحملة الضغوط الاقتصادية التي يشنّها ترامب في جهات العالم الأربع. ففي السنوات الماضية، عزّزت البرازيل علاقاتها السوقية مع نظرائها في مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وإيران ومصر وإثيوبيا والإمارات وإندونيسيا)، على حساب علاقاتها التجارية مع الدول الغربية. وكانت قمّة بريكس أخيراً (6 يوليو/ تموز الحالي) في ريو دي جانيرو، قمّةً برازيلية بامتياز، إذ كان الرئيس لولا دا سيلفا محرّكها الرئيس، وهو من تولّى صوغ البيان الختامي، الذي لم يذكر اسم الولايات المتحدة على الإطلاق، بل ركّز في النقاط العمليّة المهمة التي تهمّ الشعوب الناهضة إلى التخلّص من الهيمنة الأميركية، والتي تدعو بقوة ووضوح إلى إصلاح الهيئات الدولية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والتخلّص من "الدولرة" العالمية، فضلاً عن الدعوة إلى إنهاء الإبادة في غزّة، وتأكيد حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، إلى ما هنالك من نقاط أثارت غضب الرئيس الأميركي في القمّة الاستفزازية، التي يستهدف بيانها الختامي الولايات المتحدة حصراً، والرئيس لولا دا سيلفا هو من وقف وراء الاستهداف، والاستفزاز أيضاً. من المرجّح أن يخسر ترامب معركته الضريبية مع البرازيل، لأنها قادرة على الصمود بسهولة في وجه الرسوم الجمركية التي فرضها. ويقول مساعدو الرئيس لولا إنّه لن يتراجع عن المواجهة مع البيت الأبيض، بل قد يستفيد سياسياً من "المنازلة" مع ترامب، وستكون ردوده "حازمةً وجريئةً"، بحسب أحد مساعديه. "البرازيل دولة ذات سيادة، فيها مؤسّسات مستقلّة، ولن نقبل بأن يستهين بها أيُّ طرف"، قال الرئيس البرازيلي في بيانه شديد اللهجة، ولم يكن قولاً شعاراً.

رباعية واشنطن تجاه السودان
رباعية واشنطن تجاه السودان

القدس العربي

timeمنذ 3 ساعات

  • القدس العربي

رباعية واشنطن تجاه السودان

لاتزال صرخات الألم تشقّ سماءَ الوطن: أوقفوا الحرب… أوقفوا المهزلة! وكلّما لاحت بارقةُ أملٍ في الأفق البعيد، تشرئبّ أعناقُ الحلمِ نحوها، وتتهامس الأرواحُ المكلومةُ بالدعاء، علّ الأمل يتحقق ويمحوَ بمدادِ السلامِ سطورَ العنفِ والخراب. كذا تتجه نظرات السودانيين المملوءة بالرجاء إلى اجتماعات واشنطن التي تضم وزراء خارجية الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، والمتوقع أن تبدأ في نهاية الشهر الجاري. صحيح أن السودانيين يودون أن يتوقف القتال اليوم قبل الغد وبأي طريقة، ويتمنون أن يساعدهم المجتمع الدولي في ذلك، لكنهم أيضا يخشون أن يُلدغوا من الجحر مرتين! ففي المرة الأولى، إبان عهد الإنقاذ، استقبل الشعب السوداني بفرح يشوبه القلق، فكرة التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لحل الأزمة في البلاد، خاصة وأن «الروح بلغت الحلقوم». وكان يظن خيرا في الحلول المطروحة من علماء ومفكري المجتمع الدولي وخبرائه في السياسة وفض النزاعات، والتي ظلت تبشر بأنها ستوقف الحرب وتحقق التحول الديمقراطي وتحفظ وحدة السودان. لكن، كانت النتيجة الصادمة أن الحرب لم تتوقف إلا جزئيا فقط، ومؤقتا، في جنوب البلاد بينما أوارها ظل مستعرا في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، أما التحول الديمقراطي فغاب عن المشهد، بينما تصدعت وحدة السودان بانفصال جمهورية جنوب السودان، وتفكك البلاد إلى دولتين ما لبث أن اندلعت بينهما حرب دامية ضروس. ثم توالت حلول ومبادرات المجتمع الدولي، المعلبة والعابرة للقارات، دون أن تمنع إنفجار الحرب المدمرة في 15 أبريل/نيسان 2023. وفي الحقيقة، فإن الوصفات العلاجية التي يقدمها المجتمع الدولي لعلاج الأزمات المتفجرة في دول العالم الثالث، تظل دائما حلولا جزئية ومؤقتة وهشة، تخاطب الظاهر لا الجوهر، بحيث أن تشظيات الأزمة في هذه البلدان تظل كما هي، محدثة انفجارات داوية من حين لآخر. هكذا تقول تجارب سيراليون وساحل العاج ومالي وأفريقيا الوسطى والعراق وليبيا وإثيوبيا…الخ. هناك عامل آخر يتمثل في شروع إدارة الرئيس ترامب في إعادة ضبط السياسة الخارجية الأمريكية لصالح التركيز على الأمن والشراكات الاقتصادية خاصة في مجال المعادن النادرة، مقابل تقليص الدعم الأمريكي في مجالات المعونات الإنسانية ودعم حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والتغيير المناخي. وقد ظهر ذلك جليا في رعاية واشنطن للاتفاق بين الكونغو ورواندا، ولقاءات ترامب مع القادة الأفارقة الخمسة، وقبل ذلك لقائه مع الرئيس الأوكراني. اتفاق الكونغو رواندا يقايض خفض التوترات العسكرية في شرق الكونغو بمنح الشركات الأمريكية حق الوصول غير المشروط إلى ثروات البلاد المعدنية، خاصة الليثيوم والكوبالت، وهي موارد تُقدّر قيمتها بأكثر من تريليوني دولار. وفي هذا الصدد، كتب الأستاذ الفاتح محمد في موقع ألترا سودان بتاريخ الفاتح من يوليو/تموز الجاري أن «الملامح الأولية لما قد يصبح «الصفقة السودانية» بدأت تظهر فعليًا: تثبيت للأمر الواقع العسكري، تهميش للفاعلين المدنيين، وضمانات غير معلنة لحلفاء واشنطن الإقليميين لحماية مصالحهم الاقتصادية والأمنية، حتى وإن كانوا أطرافًا مساهمة في تأجيج الحرب. الوصفات العلاجية التي يقدمها المجتمع الدولي لعلاج الأزمات المتفجرة في دول العالم الثالث، تظل دائما حلولا جزئية ومؤقتة والأخطر من ذلك، أن الولايات المتحدة لا تُبدي حتى الآن رغبة حقيقية في تفكيك بنية الميليشيات التي تشكّل الخطر الأكبر على مستقبل السودان، بل تتعامل مع وجودها كأمر واقع يمكن هندسة تسوية سياسية على أساسه. هذا التجاهل لا يمكن فهمه إلا كتعبير عن تفضيل موازين القوى على مبدأ العدالة، وعن استعداد لقبول تسوية تُبقي أدوات العنف قائمة، ما دامت تحقّق قدرًا من الاستقرار القابل للاستثمار ولو جاء ذلك على حساب سيادة الدول وحقوق شعوبها». بالطبع، وكان أشار الأستاذ الفاتح، فإن الفوارق كبيرة بين الأزمة السودانية وما يجري في الكونغو ورواندا. والشعب السوداني، بحكم عوامل عديدة، منها تجاربه الغنية التي دفع فيها أبناؤه الثمن بأرواحهم، لا يزال يؤمن بمشروع وطني ينبني على العدالة والمساءلة واستعادة السيادة، لا على تسويات سلطوية تعيد إنتاج الأزمة. حديثنا أعلاه لا يعني أي فتور أو تردد من جانبنا إزاء التحرك الأمريكي تجاه الأزمة السودانية، بل على العكس نحن أكثر حماسا تجاهه على أمل أن يضع حدا لنزيف الدم في البلاد، ويمنع تجدد القتال إذا توقف، على ألا يأتي على حساب مصالح شعبنا وسيادتنا الوطنية، وألا يكافئ مشعلي فتيل الحرب ومرتكبي الجرائم. وتحديدا، نحن نريد من التوجه الأمريكي تجاه السودان العمل على: تفجير طاقة المجتمع الدولي وتفعيل تدابيره العملية لمنع تدفق الأسلحة ووقود الحرب إلى السودان، وألا يكون ذلك رهينا لتضارب المصالح الذي يدفع الدول الكبرى، ومن بينها أمريكا، لإغماض أعينها. الدراسة الجدية لاحتمال فرض وقف إطلاق النار الفني والحفاظ عليه، وذلك وفق الآليات المعمول بها إقليميا ودوليا وفي إطار القانون الدولي. إعادة النظر في المناهج المعمول بها حتى الآن، والتي لم تحقق النجاحات المرجوة، فيما يتعلق بترتيبات المساعدات الإنسانية وحماية المحتاجين في السودان منذ اندلاع الحرب، وتبني أساليب جديدة، خارج الصندوق، أكثر فعالية في تلبية احتياجات الناس ومنع إستغلالها من أي طرف، مثل ابتداع طرق جديدة للتسليم عبر الحدود، والتفتيش المشترك للمساعدات من قبل أطراف النزاع والداعمين الدوليين، ودعم أنشطة غرف الطوارئ، واستخدام التحويلات النقدية الإلكترونية..الخ. استخدام الإطار القانوني الدولي (مسؤولية الحماية) لتفعيل آليات حماية السكان المدنيين وحماية الممرات لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمجموعات المدنية، وكذلك إتخاذ كل الإجراءات الوقائية لمنع حدوث إبادة جماعية وأي إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء. تبني استراتيجية شاملة تعزز إنخراط القوى المدنية السودانية، بتعدد تكتلاتها وليس حصرا على كتلة بعينها، في عملية سياسية شاملة ذات طبيعة تأسيسية للدولة السودانية، من تصميم وإدارة وقيادة القوى المدنية السودانية. وعَسَى أَنْ تَحْمِلَ الأيامُ القادمةُ بُشريات تلقي ظلالَ الوئامِ على ديارٍ أنهكها القتال. كاتب سوداني

خفض ترامب تمويل مشروعات المياه في الدول النامية يعرض الملايين من فقرائها للمزيد من المخاطر الصحية
خفض ترامب تمويل مشروعات المياه في الدول النامية يعرض الملايين من فقرائها للمزيد من المخاطر الصحية

القدس العربي

timeمنذ 5 ساعات

  • القدس العربي

خفض ترامب تمويل مشروعات المياه في الدول النامية يعرض الملايين من فقرائها للمزيد من المخاطر الصحية

تافيتا (كينيا) – رويترز: خلُص مسح أجرته رويترز إلى أن قرار إدارة ترامب بخفض جميع المساعدات الخارجية الأمريكية تقريباً أدى إلى توقف العشرات من مشاريع المياه والصرف الصحي في الدول النامية قبل اكتمالها، مما يشكل مخاطر جديدة للأشخاص الذين كان من المفترض أن يستفيدوا منها. وحددت رويترز 21 مشروعاً غير مكتمل في 16 دولة بعد التحدث إلى 17 مَصدراً مُطَّلِعاً على خطط البُنية التحتية. ولم تُنشر أي تقارير عن معظم هذه المشروعات من قبل. ووفقاً لمقابلات مع مسؤولين أمريكيين ومحليين ووثائق داخلية اطَّلَعَت عليها رويترز فإنه مع إلغاء تمويلات بمئات الملايين من الدولارات منذ يناير/كانون الثاني، اضطر العمال إلى ترك أعمال الحفر دون اكتمال ولوازم البناء دون حراسة. ونتيجة لذلك، وجد الملايين من الناس الذين وعدتهم الولايات المتحدة بتوفير مياه شرب نظيفة ومرافق صرف صحي آمنة وفعالة أنفسهم مضطرين لتدبير أمورهم بأنفسهم. ويقول مسؤولان أمريكيان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتيهما إن العمل توقف في أبراج المياه التي كان من المفترض أن تخدم المدارس والعيادات الصحية في مالي. وفي نيبال، توقفت أعمال البناء في أكثر من 100 شبكة لمياه الشرب، مما أدى إلى ترك إمدادات السِباكة و6500 كيس من الإسمنت في المجتمعات المحلية. وقال براديب ياداف وزير إمدادات المياه في نيبال إن بلاده ستستخدم أموالها الخاصة لاستكمال المشروعات. وفي لبنان، ألغي مشروع لتوفير الطاقة الشمسية الرخيصة لمرافق المياه، مما تسبب في فقدان نحو 70 شخصاً لوظائفهم وأوقف خطط تحسين الخدمات الإقليمية. وقالت سوزي حويك، المستشارة في وزارة الطاقة في لبنان، إن المرافق تعتمد الآن على الديزل ومصادر أخرى للطاقة. وفي كينيا، يقول سكان مقاطعة تايتا تافيتا إنهم أصبحوا الآن أكثر عرضة للفيضانات، إذ يمكن أن تنهار قنوات الري نصف المكتملة وتجرف المحاصيل. ويقول قادة المجتمع المحلي إن تكلفة الحد من المخاطر تصل إلى ضعف متوسط الدخل السنوي في المنطقة. وقالت المزارعة ماري كيباشيا (74 عاماً) «ليس لدي أي حماية من الفيضانات التي ستسببها القناة غير المكتملة الآن، فالفيضانات ستزداد سوءاً بالتأكيد». وأدى حل ترامب للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «يو.إس.إيد» إلى ترك مساعدات غذائية وطبية قادرة على إنقاذ الأرواح لتفسد داخل المستودعات، كما أسفرت عن فوضى عصفت بالجهود الإنسانية حول العالم. وأفادت بيانات بحث نشر في دورية «ذا لانسيت» الطبية بأن هذه التخفيضات قد تتسبب في وفاة 14 مليون شخص إضافي بحلول عام 2030. وتقول إدارة ترامب ومؤيدوها إن الولايات المتحدة يجب أن تنفق أموالها على ما يعود بالنفع على الأمريكيين في الداخل بدلاً من إرسالها إلى الخارج، ويقولون إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حادت عن مهمتها الأصلية بتمويل مشاريع مثل تلك المتعلقة بحقوق ما يعرف بمجتمع الميم في صربيا. وتبلغ الميزانية السنوية لمشاريع المياه الأمريكية في الخارج 450 مليون دولار، لتشكل بذلك جزءاً صغيراً من المساعدات الخارجية التي وزعتها الولايات المتحدة العام الماضي والبالغة 61 مليار دولار. وقبل إعادة انتخاب ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني، لم تكن مشاريع المياه تثير جدلاً في واشنطن. وتم إقرار قانون بالإجماع في مجلسي الكونغرس عام 2014 زاد التمويل إلى مثليه. ويقول مؤيدو هذا الإنفاق إن الولايات المتحدة حَسَّنت على مر السنين حياة عشرات الملايين من خلال تركيب المضخات وشق قنوات الري وبناء دورات المياه وغيرها من مشاريع المياه والصرف الصحي. وقال جون أولدفيلد، وهو مستشار ومدافع عن مشاريع البُنية التحتية للمياه، إنها تعني أن يكون الأطفال أقل عرضة للموت من الأمراض التي تنقلها المياه مثل الإسهال، وتكون احتمالات بقاء الفتيات في المدارس أعلى، وتقل احتمالات تجنيد الشبان في صفوف الجماعات المتطرفة. وتساءل «هل نريد فتيات يحملن الماء على رؤوسهن لعائلاتهن؟ أم نريد أن يحملن الكتب المدرسية؟». ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية، التي تولت مسؤولية المساعدات الخارجية بدلاً من «يو.إس.إيد»، على طلب التعليق على تأثير وقف مشاريع المياه. واستعادت الوكالة بعض التمويل لمشاريع منقذة للحياة، لكن وزير الخارجية ماركو روبيو قال إن المساعدات الأمريكية ستكون محدودة أكثر من الآن فصاعداً. واستؤنف مشروع مياه واحد على الأقل. فقد عاد التمويل لمحطة تحلية مياه في الأردن بعد دفعة دبلوماسية من الملك عبد الله. لكن مصادر مطلعة طلبت عدم الكشف عن هوياتها قالت إن التمويل لم يُستأنف لمشاريع في بلدان أخرى مثل إثيوبيا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وقالت تجيدا دوين ماكينا، الرئيسة التنفيذية لمنظمة «ميرسي كوربس» غير الربحية، إن هذا يعني أن النساء في تلك المناطق سيضطررن إلى المشي لساعات لجلب مياه قد تكون ملوثة، وسيصبح الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وستغلق المرافق الصحية. وعملت منظمة «ميرسي كوربس» مع «يو.إس.إيد» على مشاريع مياه في الكونغو ونيجيريا وأفغانستان كان من المفترض أن يستفيد منها 1.7 مليون شخص. وأضافت ماكينا «هذا ليس فقداً للمساعدات فحسب…بل هو انهيار للتقدم والاستقرار والكرامة الإنسانية». في شرق الكونغو حيث أودى القتال بين القوات الكونغولية ومتمردي حركة 23 مارس بحياة الآلاف من الأشخاص، باتت أكشاك المياه المهجورة التابعة لـ»يو.إس.إيد» الآن أماكن يلعب فيها الأطفال. وقالت إيفلين مباسوا (38 عاماً) لرويترز إن ابنها البالغ من العمر 16 عاما ذهب لجلب المياه في يونيو حزيران ولم يعد إلى المنزل أبدا – وهو واقع مألوف لدى الأسر في المنطقة التي مزقها العنف. وأضافت «عندما نرسل فتيات صغيرات يتعرضن للاغتصاب، والفتيان الصغار يُختطفون…كل هذا بسبب نقص المياه». ولم يرد متحدث باسم الحكومة الكونغولية على طلبات التعليق. في كينيا، أظهرت وثائق داخلية إطَّلَعت عليها رويترز أن «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» كانت في خضم مشروع في الكونغو مدته خمس سنوات بتكلفة 100 مليون دولار يهدف إلى توفير مياه الشرب وأنظمة الري لنحو 150 ألف شخص عندما طُلب من المقاولين والموظفين في يناير/كانون الثاني وقف عملهم. وحسب مذكرة صادرة في 15 مايو/أيار عن شركة تعاقدت على تنفيذ المشروع، لم يكن قد اكتمل سوى 15 بالمئة فقط من العمل في تلك المرحلة. وأظهرت مراسلات اطلعت عليها رويترز أن العمل غير المكتمل خلف وراءه خنادق مفتوحة وحفراً عميقة تشكل تهديدا خطيرا للأطفال والماشية، وترك ما قيمته 100 ألف دولار من أنابيب ومواد مكشوفة في مواقع البناء يمكن أن تتلف أو تتعرض للنهب. وتقول عدة مذكرات إن لافتات الوكالة في تلك المواقع توضح من المسؤول عن الأعمال غير المكتملة. وحذرت مُسَوَّدة مذكرة من السفارة الأمريكية في نيروبي إلى وزارة الخارجية الأمريكية إطَّلَعت عليها رويترز من أن ذلك قد يضر بسمعة الولايات المتحدة وربما يعطي دفعة لجماعات متطرفة تسعى إلى تجنيد مقاتلين جدد في المنطقة. ونفذت حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة في الصومال سلسلة من الهجمات الكبيرة في كينيا. كما يهدد قطع التمويل مناطق تعاني من الجفاف والفيضانات بشكل متكرر مثل مقاطعة تايتا تافيتا الكينية حيث قال قادة المجتمع المحلي إن العمال لم يتمكنوا من إكمال بناء جدران من الطوب على طول جزء من قناة ري بعدما صدرت لهم الأوامر بالتوقف مما جعلها عرضة للتآكل. وحذر جوما كوبو أحد قادة المجتمع المحلي قائلا «من دون تدعيمها، ستنهار الجدران عند هطول أمطار غزيرة، وسيؤدي تدفق المياه إلى تدمير المزارع». وقال كوبو إنهم يخططون في هذه الأثناء لبيع المواد المتبقية من أسمنت وكابلات فولاذية في الموقع لجمع الأموال اللازمة لردم القناة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store