
رباعية واشنطن تجاه السودان
كذا تتجه نظرات السودانيين المملوءة بالرجاء إلى اجتماعات واشنطن التي تضم وزراء خارجية الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، والمتوقع أن تبدأ في نهاية الشهر الجاري. صحيح أن السودانيين يودون أن يتوقف القتال اليوم قبل الغد وبأي طريقة، ويتمنون أن يساعدهم المجتمع الدولي في ذلك، لكنهم أيضا يخشون أن يُلدغوا من الجحر مرتين! ففي المرة الأولى، إبان عهد الإنقاذ، استقبل الشعب السوداني بفرح يشوبه القلق، فكرة التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لحل الأزمة في البلاد، خاصة وأن «الروح بلغت الحلقوم». وكان يظن خيرا في الحلول المطروحة من علماء ومفكري المجتمع الدولي وخبرائه في السياسة وفض النزاعات، والتي ظلت تبشر بأنها ستوقف الحرب وتحقق التحول الديمقراطي وتحفظ وحدة السودان. لكن، كانت النتيجة الصادمة أن الحرب لم تتوقف إلا جزئيا فقط، ومؤقتا، في جنوب البلاد بينما أوارها ظل مستعرا في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، أما التحول الديمقراطي فغاب عن المشهد، بينما تصدعت وحدة السودان بانفصال جمهورية جنوب السودان، وتفكك البلاد إلى دولتين ما لبث أن اندلعت بينهما حرب دامية ضروس. ثم توالت حلول ومبادرات المجتمع الدولي، المعلبة والعابرة للقارات، دون أن تمنع إنفجار الحرب المدمرة في 15 أبريل/نيسان 2023. وفي الحقيقة، فإن الوصفات العلاجية التي يقدمها المجتمع الدولي لعلاج الأزمات المتفجرة في دول العالم الثالث، تظل دائما حلولا جزئية ومؤقتة وهشة، تخاطب الظاهر لا الجوهر، بحيث أن تشظيات الأزمة في هذه البلدان تظل كما هي، محدثة انفجارات داوية من حين لآخر. هكذا تقول تجارب سيراليون وساحل العاج ومالي وأفريقيا الوسطى والعراق وليبيا وإثيوبيا…الخ.
هناك عامل آخر يتمثل في شروع إدارة الرئيس ترامب في إعادة ضبط السياسة الخارجية الأمريكية لصالح التركيز على الأمن والشراكات الاقتصادية خاصة في مجال المعادن النادرة، مقابل تقليص الدعم الأمريكي في مجالات المعونات الإنسانية ودعم حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والتغيير المناخي. وقد ظهر ذلك جليا في رعاية واشنطن للاتفاق بين الكونغو ورواندا، ولقاءات ترامب مع القادة الأفارقة الخمسة، وقبل ذلك لقائه مع الرئيس الأوكراني. اتفاق الكونغو رواندا يقايض خفض التوترات العسكرية في شرق الكونغو بمنح الشركات الأمريكية حق الوصول غير المشروط إلى ثروات البلاد المعدنية، خاصة الليثيوم والكوبالت، وهي موارد تُقدّر قيمتها بأكثر من تريليوني دولار. وفي هذا الصدد، كتب الأستاذ الفاتح محمد في موقع ألترا سودان بتاريخ الفاتح من يوليو/تموز الجاري أن «الملامح الأولية لما قد يصبح «الصفقة السودانية» بدأت تظهر فعليًا: تثبيت للأمر الواقع العسكري، تهميش للفاعلين المدنيين، وضمانات غير معلنة لحلفاء واشنطن الإقليميين لحماية مصالحهم الاقتصادية والأمنية، حتى وإن كانوا أطرافًا مساهمة في تأجيج الحرب.
الوصفات العلاجية التي يقدمها المجتمع الدولي لعلاج الأزمات المتفجرة في دول العالم الثالث، تظل دائما حلولا جزئية ومؤقتة
والأخطر من ذلك، أن الولايات المتحدة لا تُبدي حتى الآن رغبة حقيقية في تفكيك بنية الميليشيات التي تشكّل الخطر الأكبر على مستقبل السودان، بل تتعامل مع وجودها كأمر واقع يمكن هندسة تسوية سياسية على أساسه. هذا التجاهل لا يمكن فهمه إلا كتعبير عن تفضيل موازين القوى على مبدأ العدالة، وعن استعداد لقبول تسوية تُبقي أدوات العنف قائمة، ما دامت تحقّق قدرًا من الاستقرار القابل للاستثمار ولو جاء ذلك على حساب سيادة الدول وحقوق شعوبها». بالطبع، وكان أشار الأستاذ الفاتح، فإن الفوارق كبيرة بين الأزمة السودانية وما يجري في الكونغو ورواندا. والشعب السوداني، بحكم عوامل عديدة، منها تجاربه الغنية التي دفع فيها أبناؤه الثمن بأرواحهم، لا يزال يؤمن بمشروع وطني ينبني على العدالة والمساءلة واستعادة السيادة، لا على تسويات سلطوية تعيد إنتاج الأزمة.
حديثنا أعلاه لا يعني أي فتور أو تردد من جانبنا إزاء التحرك الأمريكي تجاه الأزمة السودانية، بل على العكس نحن أكثر حماسا تجاهه على أمل أن يضع حدا لنزيف الدم في البلاد، ويمنع تجدد القتال إذا توقف، على ألا يأتي على حساب مصالح شعبنا وسيادتنا الوطنية، وألا يكافئ مشعلي فتيل الحرب ومرتكبي الجرائم. وتحديدا، نحن نريد من التوجه الأمريكي تجاه السودان العمل على:
تفجير طاقة المجتمع الدولي وتفعيل تدابيره العملية لمنع تدفق الأسلحة ووقود الحرب إلى السودان، وألا يكون ذلك رهينا لتضارب المصالح الذي يدفع الدول الكبرى، ومن بينها أمريكا، لإغماض أعينها.
الدراسة الجدية لاحتمال فرض وقف إطلاق النار الفني والحفاظ عليه، وذلك وفق الآليات المعمول بها إقليميا ودوليا وفي إطار القانون الدولي.
إعادة النظر في المناهج المعمول بها حتى الآن، والتي لم تحقق النجاحات المرجوة، فيما يتعلق بترتيبات المساعدات الإنسانية وحماية المحتاجين في السودان منذ اندلاع الحرب، وتبني أساليب جديدة، خارج الصندوق، أكثر فعالية في تلبية احتياجات الناس ومنع إستغلالها من أي طرف، مثل ابتداع طرق جديدة للتسليم عبر الحدود، والتفتيش المشترك للمساعدات من قبل أطراف النزاع والداعمين الدوليين، ودعم أنشطة غرف الطوارئ، واستخدام التحويلات النقدية الإلكترونية..الخ.
استخدام الإطار القانوني الدولي (مسؤولية الحماية) لتفعيل آليات حماية السكان المدنيين وحماية الممرات لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمجموعات المدنية، وكذلك إتخاذ كل الإجراءات الوقائية لمنع حدوث إبادة جماعية وأي إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء.
تبني استراتيجية شاملة تعزز إنخراط القوى المدنية السودانية، بتعدد تكتلاتها وليس حصرا على كتلة بعينها، في عملية سياسية شاملة ذات طبيعة تأسيسية للدولة السودانية، من تصميم وإدارة وقيادة القوى المدنية السودانية.
وعَسَى أَنْ تَحْمِلَ الأيامُ القادمةُ بُشريات تلقي ظلالَ الوئامِ على ديارٍ أنهكها القتال.
كاتب سوداني

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
قاضية توقف ترحيل إدارة ترامب لمهاجرين من هندوراس والنيبال ونيكاراغوا
عائلات مهاجرة يصلون إلى غواتيمالا بعد تهجيرهم من الولايات المتحدة واشنطن: أوقفت قاضية فدرالية في كاليفورنيا مؤقتا عمليات ترحيل مهاجرين من هندوراس والنيبال ونيكاراغوا كانت إدارة ترامب قد ألغت حمايتهم القانونية. وقالت القاضية ترينا تومسون في قرار من 37 صفحة الخميس 'حرية العيش بلا خوف وفرصة التمتع بالحرية والحلم الأمريكي. هذا كل ما يسعى إليه المدعون'. وأضافت القاضية أنه بدلا من ذلك يُطلب منهم 'التكفير عن عرقهم والمغادرة بسبب أسمائهم وتطهير دمائهم'، مضيفة 'المحكمة لا توافق على ذلك'. وألغت إدارة ترامب الشهر الماضي وضع الحماية المؤقتة لأكثر من 51 ألف هندوراسي وثلاثة آلاف نيكاراغوي قدموا إلى الولايات المتحدة بعد الدمار الذي أحدثه إعصار ميتش في دول أمريكا الوسطى عام 1998. وتمنح الولايات المتحدة وضع الحماية المؤقتة للمواطنين الأجانب الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم بسبب الحرب أو الكوارث الطبيعية أو غيرها من الظروف 'الاستثنائية'. ويتمتع نحو سبعة آلاف نيبالي بوضع الحماية المؤقتة بعد زلزال ضرب الدولة الآسيوية عام 2015. وألغت إدارة ترامب أيضا وضع الحماية المؤقتة لملايين الأفغان والكاميرونيين والهايتيين والفنزويليين، لكن هذه الخطوات تواجه أيضا طعونا قضائية. وبررت وزارة الأمن الداخلي ذلك بتحسن الظروف في تلك الدول إلى درجة أن مواطنيها يمكنهم العودة إليها بأمان. وقالت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نوم 'صُممت الحماية المؤقتة لتكون مؤقتة فقط'. وعلقت تومسون قرار إلغاء وضع الحماية المؤقتة للمهاجرين من هندوراس والنيبال ونيكاراغوا إلى حين عقد جلسة استماع في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر. واعتبرت القاضية في قرارها أن إنهاء الحماية المؤقتة كان 'بناء على قرار مقدّر سلفا بإنهائه، وليس بناء على مراجعة موضوعية لأوضاع البلاد'. وأضافت أيضا أن القرار قد يكون مدفوعا ب'العداء العنصري'، مشيرة إلى بيان حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية لعام 2024 الذي قال فيه إن المهاجرين 'يسممون دماء بلادنا'. وأكدت القاضية تومسون أن 'اللون ليس سما ولا هو جريمة'. وتعهد ترامب بتنفيذ أكبر حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة والحد من الهجرة وخاصة من دول أمريكا اللاتينية. (أ ف ب)


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
أميركا و"الناتو" يطوران آلية تمويل جديدة لتزويد أوكرانيا بالأسلحة
ذكرت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة رويترز، السبت، أن الولايات المتحدة و حلف شمال الأطلسي نص معاهدة تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو) 1949 جرى إقرار معاهدة شمال الأطلسي، التي بموجبها أُسّس حلف شمال الأطلنطي (الناتو) في 4 إبريل 1949، في العاصمة الأميركية، ودخلت حيز التنفيذ في 24 أغسطس 1949، بعد إيداع تصديقات جميع الدول الموقعة عليها (بلجيكا، كندا، الدنمارك، فرنسا، أيسلندا، إيطاليا، لكسمبورغ، هولندا، النرويج، البرتغال، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة). (الناتو) يعملان على نهج جديد لتزويد أوكرانيا بالأسلحة باستخدام أموال من دول الحلف لدفع تكلفة شراء الأسلحة الأميركية أو نقلها. يأتي هذا التعاون بشأن أوكرانيا في الوقت الذي عبر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إحباطه من هجمات موسكو المستمرة على جارتها. واتخذ ترامب في البداية نبرة أكثر تصالحية تجاه روسيا في أثناء محاولته إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات بأوكرانيا، لكنه هدد بعد ذلك بالبدء في فرض رسوم جمركية واتخاذ تدابير أخرى إذا لم تحرز موسكو أي تقدم نحو إنهاء الصراع بحلول الثامن من أغسطس/ آب. وقال ترامب الشهر الماضي إن الولايات المتحدة ستزود أوكرانيا بأسلحة سيدفع ثمنها الحلفاء الأوروبيون، لكنه لم يشر إلى طريقة لإتمام ذلك. وقالت المصادر إن دول حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا والولايات المتحدة تعمل على وضع آلية جديدة تركز على تزويد كييف بأسلحة أميركية مدرجة على قائمة متطلبات أوكرانيا ذات الأولوية. وستُعطي أوكرانيا الأولوية للأسلحة التي تحتاج إليها ضمن دفعات تبلغ قيمتها نحو 500 مليون دولار، على أن تتفاوض دول الحلف فيما بينها بتنسيق من الأمين العام مارك روته لتحديد من سيتبرع أو يموّل الأسلحة المدرجة على القائمة. أخبار التحديثات الحية ترامب يحدد مهلة جديدة لروسيا لإنهاء حرب أوكرانيا: 10 أو 12 يوماً وقال مسؤول أوروبي رفض الكشف عن هويته لـ"رويترز"، إن دول الحلف تأمل عبر هذه الآلية في توفير أسلحة بقيمة 10 مليارات دولار لأوكرانيا. ولم يتضح الإطار الزمني الذي تطمح دول الحلف لتوفير الأسلحة خلاله. وبحسب المسؤول فإن "هذا هو خط البداية، وهو هدف طموح نعمل على تحقيقه. نحن على هذا المسار حاليا وندعم هذا الطموح. نحن بحاجة إلى هذا الحجم من الدعم". كما قال مسؤول عسكري كبير في حلف شمال الأطلسي، تحدث أيضا شريطة عدم الكشف عن هويته للوكالة، إن المبادرة "جهد تطوعي ينسقه حلف شمال الأطلسي ويشجع جميع الحلفاء على المشاركة فيه". وأضاف المسؤول أن الخطة الجديدة تتضمن حسابا جاريا للحلف، حيث يمكن للحلفاء إيداع الأموال لشراء أسلحة لأوكرانيا يوافق عليه القائد العسكري الأعلى للحلف. (رويترز)


العربي الجديد
منذ 6 ساعات
- العربي الجديد
أزمة ديمقراطيي أميركا: عجز عن توحيد الصفوف ومواجهة ترامب
بدت الأشهر الستة التي تلت بدء ولاية الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، بالغة التعقيد على الحزب الديمقراطي، الذي لم يجد حتى اليوم الصيغة المناسبة للتصدّي لحملات ترامب المحلية والخارجية، سواء في ملفات التعيينات في الأجسام القضائية والأمنية، أو في تصعيده الميداني ضد المهاجرين، وتحول مدينة لوس أنجليس، وهي من أبرز معاقل الديمقراطيين في ولاية كاليفورنيا، إلى ساحة مواجهة في الفترة الأخيرة. وفشل الديمقراطيون حتى الآن في صياغة مشروع مضاد لترامب، وذلك في ظل غياب الشخصيات القيادية المؤثرة في الحزب، وضعف الأصوات الموجودة، وتشرذمهم إلى تيارات متناثرة، لم تتحد إلا حين تدخل الرئيس الأسبق باراك أوباما في عام 2020، لتوحيدهم مع الرئيس السابق جو بايدن من أجل منع ترامب من الحصول على ولاية ثانية. مقارعة ترامب وكل ذلك يعزز الشكوك بأدائهم ونتائجهم في الانتخابات النصفية للكونغرس ، بغرفتيه النواب والشيوخ، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2026، لا سيما أن استطلاعات الرأي لا تصب في صالحهم. ولفهم حظوظ الديمقراطيين يجب العودة إلى العام الماضي، الذي شهد فوضى حزبية واسعة النطاق، ساهمت في تعبيد الطريق لترامب للفوز بالرئاسيات. بدأت هذه الفوضى بعجز الحزب الديمقراطي عن اختيار بديل لبايدن لمقارعة ترامب، وعززت المناظرة الوحيدة التي أُجريت بين الرجلين في 27 يونيو/حزيران 2024، مدى سوء رهانات الديمقراطيين، مما حدا ببايدن إلى التنحّي والدفع بنائبته كامالا هاريس إلى منازلة ترامب. وأثبت هذا الرهان فشله مع اكتساح الجمهوريين البيت الأبيض وغرفتي الكونغرس في انتخابات الخامس من نوفمبر 2024. وبات لزاماً على الديمقراطيين تغيير القواعد والشخصيات القادرة على كسب مقاعد في الكونغرس في انتخابات 2026، وتمهيد الدرب لشخصية قادرة على مواجهة خليفة ترامب في رئاسيات 2028، وفي مقدمة لائحة المرشحين للخلافة، نائب الرئيس جي دي فانس. رو خانا: لا أفهم كيف تركنا ترامب يتصرف بمفرده وبرز في السياق نجم حاكم كاليفورنيا الديمقراطي، غافين نيوسوم، الذي قارع ترامب على خلفية إرسال الأخير المارينز والحرس الوطني إلى مدينة لوس أنجليس في السادس من يونيو الماضي، على خلفية المصادمات بشأن اعتقال مهاجرين لترحيلهم. نجح نيوسوم في التحول إلى خصم لترامب، وأزعجه بشدّة، حتى أن ترامب دعا إلى اعتقال نيوسوم، بقوله في التاسع من يونيو الماضي، رداً على سؤال طرحه عليه صحافي حول احتمال اعتقال حاكم كاليفورنيا: "لفعلت ذلك... أعتقد أن ذلك سيكون أمراً رائعاً". ورد نيوسوم في تصريح لشبكة "إم. إس. إن. بي. سي"، بالقول: "هيا، أوقِفوني". ومع أن نيوسوم يُعدّ منافساً مثالياً لأي مرشح رئاسي في عام 2028، تحديداً لكونه من ولاية كاليفورنيا، بما يعنيه ذلك من تحضير الأرضية في الانتخابات النصفية لعام 2026، إلا أنه لا يزال يواجه تعقيدات داخلية عدة. أبرز تلك التعقيدات تكمن في عودة كامالا هاريس إلى الواجهة، رغم أنها أكدت عدم نيتها في المشاركة ترشيحاً بالانتخابات النصفية في العام المقبل. وتروّج هاريس لكتاب عن خسارتها في حملتها الرئاسية لعام 2024، تاركة الباب مفتوحاً أمام محاولة أخرى في عام 2028، وتكوين مجموعة من الديمقراطيين سيشاركون في الانتخابات النصفية. ثاني تعقيدات نيوسوم، تتجلى في بروز وزير النقل السابق الديمقراطي بيت بوتيجيج ، الذي اعتبر في حديثٍ للإذاعة الوطنية العامة "أن بي آر"، مطلع الأسبوع الحالي، أن "الديمقراطيين لم يتكيفوا مع الطريقة التي تغيرت بها السياسة". وأبدى بوتيجيج اعتقاده بأن الديمقراطيين كانوا بطيئين في فهم التغييرات في كيفية حصول الناس على معلوماتهم، وبطيئين في فهم بعض التغييرات الثقافية التي كانت تحدث، وربما كان الأمر الأكثر إشكالية، هو رفضهم التعليق على الوضع الراهن الذي كان يخذلنا لفترة طويلة". وفي وقتٍ بدأ فيه بوتيجيج بالإشارة إلى ضرورة انغماس الديمقراطيين لمواجهة سياسات ترامب، فإن عناوين دسمة تنتظرهم، مثل قانون الميزانية "الجميل والضخم"، الذي اقترحه ترامب، وحاربه الملياردير إيلون ماسك واعتبره أنه سيزيد التضخم ويرفع من حجم الديون الأميركية. صحيح أن الديمقراطيين لم يصوّتوا إلى جانب القانون، لكنهم لم يتمكنوا من كسب أصوات جمهورية إلى جانبهم. وهو ما دفع النائب الديمقراطي عن كاليفورنيا، رو خانا، للقول في "بودكاست"، الشهر الماضي: "لا أفهم كيف تركنا ترامب يتصرف بمفرده... نحن بحاجة إلى أن نكون الطرف الذي يقول: ها هي رؤيتنا لصنع الأشياء في أميركا". عادت هاريس إلى الواجهة بتوقيعها كتاباً عن حملة 2024 غير أن طموحات خانا، وتطلعات هاريس ونيوسوم وبوتيجيج، تصطدم أيضاً بتراجع شعبية الديمقراطيين. في السياق، أفاد استطلاع أجرته صحيفة وول ستريت جورنال، منذ أيام، بأن 63% من الناخبين المسجلين لديهم وجهة نظر سلبية عن الحزب الديمقراطي، بينما كان لدى 33% فقط وجهة نظر إيجابية. واعتبرت الصحيفة أن هذه الأرقام هي الأسوأ للديمقراطيين منذ أكثر من ثلاثة عقود. وجاء الاستطلاع بعد أسبوعين فقط من إظهار جامعة كوينيبياك شيئاً مشابهاً. كما وجد استطلاع أجرته شبكة سي إن إن في نفس الوقت تقريباً، أن الأميركيين أعطوا الديمقراطيين أدنى علامة لهم في استطلاعات "سي إن إن" منذ عام 1992. مع ذلك لا يُظهر الديمقراطيون اكتراثاً بهذه الأرقام، علماً أن الانتخابات النصفية تكون عادة استفتاء على أداء الرئيس، فضلاً عن الحزب الحاكم دائماً ما يتعرض لنكسات في الانتخابات النصفية. لكن الأزمة لدى الديمقراطيون تبقى في المنافسة التي لا تنتهي بينهم، خصوصاً السيناتور بيرني ساندرز والنائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز. هانتر بايدن على الخط كما أن هانتر بايدن ، نجل الرئيس الأسبق، دخل طرفاً في الخلافات الديمقراطية، منتقدأ مستشارين سياسيين ومؤثرين والممثل جورج كلوني، بسبب انتقادهم والده. وأثار ذلك استياءً لدى ديمقراطيين، أبدوا اعتقادهم أن المشاكل القانونية لهانتر بايدن أضرّت بهم في الحزب في العام الماضي. وهو ما دفع المستشارة الديمقراطية منذ فترة طويلة دونا بويارسكي للقول إن العديد من الديمقراطيين لا يلقون باللوم على هاريس على الخطأ الذي حدث في الدورة الماضية، لكن الكثير من الديمقراطيين باشروا اتخاذ خطوات لقيادة الحزب إلى الأمام... أعتقد أننا بحاجة إلى شيء جديد". رصد التحديثات الحية تراجع شعبية الحزب الديمقراطي الأميركي إلى أدنى مستوى على الإطلاق