
التنوع في العالم العربي
كان قد مر يومان على انعقاد ندوة في الجامعة الأميركية بالقاهرة مشاركة بين منتدى الجامعة ومركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية لمناقشة القضية. الندوة كانت استجابة لواقع عربي صعب وعنيف أعقب «الربيع العربي»، الذي خلق أشكالاً من النزاع والحروب الأهلية، لعب فيها البعد الإثني دوراً كبيراً في دول عربية. وكان دوري في الندوة هو وضع نوع من الإطار الذي يعطي الحوار توجهاً نحو معالجة الحالة المتوترة، وليس تعميقها باتجاه الصراع.
ولم يكن هناك بد من استعادة المشهد التراجيدي في الشرق الأوسط بعامة، والعالم العربي، في ذلك الوقت. وبعيداً عن الدخان المتصاعد، والحرائق المستعرة، والمدن المدمرة، والموتى والقتلى والجرحى واللاجئين والنازحين؛ فإن مشهداً بدا ممثلاً للمآسي القائمة على نفي «التنوع»، يظهر في عملية اتفاق أطراف متنازعة في سوريا على التبادل السكاني بين المناطق، فيذهب الشيعة إلى حيث يوجد الشيعة، والسنة إلى حيث يوجد السنة، حتى نصل إلى حالة نقية من التطهير العرقي؛ فلم يجد الإرهاب مشكلة أخلاقية في تفجير حافلة ساعة التبادل البشري فتختلط الدماء والجثامين في لحظة درامية بشعة لا تعرف سنة ولا شيعة!
وقتها أخذت منهجاً أكاديمياً راجع المقتربات القومية والاشتراكية والليبرالية من القضية المتعسرة في الإقليم. والآن وبعد عقود من الحروب الأهلية، ومعايشة استخدام الأسلحة الكيماوية في «حلبجة»، والفرار للموت بالبحر المتوسط في سوريا، وتجاوزات «الثلث المعطل» في لبنان، فإن قضية التنوع ترفرف على ساحات الصراع في السودان وسوريا ولبنان واليمن؛ والمنازعات السياسية الحادة في العراق ودول عربية أخرى. وفي الظاهر حرب غزة الخامسة، وتوابعها من أشكال الحرب الإقليمية، وتأثيرها على دول عربية متعددة، فمن الأهمية بمكان الالتفات الجاد لهذه المسألة. لم يكن ذلك لندرة في العلم والمعرفة.
كان الراحل الدكتور سعد الدين إبراهيم من أوائل من تعرضوا لمسألة الأقليات في الوطن العربي العرقية أو الدينية، مؤكداً أنها سمة أساسية من سمات الوطن العربي؛ وقدر أن 15 في المائة من سكان المنطقة العربية هم من الأقليات.الآن فإن الصورة ليست مختلفة كثيراً من حيث إنشاء خلل حاد في الدولة الوطنية العربية، مما يجعل مظاهر الاستقرار، ومن ثم التنمية المادية والبشرية تبدو بعيدة جداً. وهذا ما شهدناه خلال الشهور والأسابيع الأخيرة في السويداء السورية، وكيف تفاعل «الدروز» والقبائل العربية والحكومة السورية في ساحة واحدة تحت سماء تسيطر عليها الطائرات الإسرائيلية قاصفة دمشق وبقية الجنوب السوري في آن واحد. وجرى ذلك بينما يجري تقسيم السودان بين تحالف الحكومة «الشرعية» في الخرطوم، وتحالف حكومة «الدعم السريع» في «نيالا» عاصمة ولاية دارفور.
الواقع هو أن العالم العربي بات مقسماً ما بين 11 دولة عربية ترتكز على مفهوم «الدولة الوطنية Nation State»، و11 دولة عربية أخرى تعيش انقسامات حادة ينفصل فيها السلاح عن السلطة السياسية؛ وحيث لا توجد انقسامات عرقية، فإن الانقسامات «الجهوية» تكفي لتهديد سلامة الدولة. كلا الأمرين - الدولة الوطنية والدولة المنقسمة - يحتاج إلى استئناف الزخم الفكري للتعامل مع التنوع في العالم العربي. وفي الحقيقة فإن هناك الكثير الذي يمكن الاستفادة منه من الدولة الوطنية الحالية وتجربتها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحية لـ«حزب الله» في جنوب لبنان
أفادت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام»، الأربعاء، بوقوع إصابات جراء سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت أطراف بلدة دير سريان قرب نهر الليطاني في جنوب البلاد مساء اليوم. وأضافت أن الغارات استهدفت مرآباً للسيارات والجرافات قرب منازل مأهولة في البلدة. ولاحقا، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، إن الجيش أغار «على أهداف إرهابية تابعة لـ(حزب الله) في جنوب لبنان ومن بينها مستودعات أسلحة ومنصة صاروخية وبنى تحتية تابعة له استخدمها لتخزين آليات هندسية مخصصة لإعادة إعمار بنى تحتية ارهابية في المنطقة».


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
السياسة بضمير.. السعودية تكتب موقفها في التاريخ
في زمن تتسارع فيه التحوّلات وتتعدّد فيه المواقف؛ تظل المملكة العربية السعودية على ثباتها في قضية لم تغب عن ضميرها يوماً (القضية الفلسطينية)، فمنذ تأسيسها وبلادنا حاضرة في المشهد، تقف في الصف الأول، تحمل الموقف بوزنها السياسي، وتدعمه بأخلاقية راسخة وإنسانية لا تتزحزح، حاملة راية الإنصاف والعدالة لشعب لا يزال يبحث عن حقه في أرضه وكرامته. تؤمن المملكة أن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع سياسي، بل وجع إنساني وحق أصيل لا يسقط بتقادم الزمن، ومن هذا اليقين شرعت في تحركاتها على مختلف المستويات من السياسة إلى الدبلوماسية، ومن النداء الأخلاقي إلى الحراك في المحافل الدولية، كما ظهر جلياً في المؤتمر الدولي رفيع المستوى بالأمم المتحدة الذي شهد حضوراً سعودياً وفرنسياً واسعاً للدفع نحو حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. تتجلى رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في هذا الموقف المتزن؛ إذ أكد في الخطاب الملكي السنوي أن لا علاقات مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية؛ ليست كلمات عابرة بل سياسة تمارس على الأرض من جدة إلى الجزائر، ومن جامعة الدول العربية إلى كل منبر إقليمي ودولي. ولم تثنِ تحوّلات المنطقة المتسارعة المملكة عن موقفها بل زادتها إصراراً، فظلت تذكر بالمبادرة العربية للسلام التي أطلقتها في قمة بيروت (2002) كمفتاح وحيد لباب الاستقرار، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة وتكثيف الاستيطان في الضفة وتهويد القدس؛ كانت السعودية صوتاً أخلاقياً يدعو العالم إلى تحمّل مسؤوليته، وإلى إعادة ميزان العدالة إلى مكانه الطبيعي. المملكة اليوم لا ترفع شعار السلام فقط، بل تنادي بالعدل، وتدعو إلى عالم يرى فيه أطفال فلسطين السماء بلا رعب، والأرض بلا أسلاك، والمستقبل بلا معابر مغلقة، هي لا تسعى لمجد سياسي بل لحق إنساني لا يجب أن يسلب. من هنا فإن هذا الدور السعودي لا يروى للفخر بل لأنه الحقيقة، فحين تكون البوصلة هي الحق تصبح القيادة شرفاً، والموقف رسالة، والسعودية كما عرفناها دوماً لا تساوم على مبادئها، إنما تقف حيث يجب أن تقف مع فلسطين. أخبار ذات صلة

العربية
منذ 5 ساعات
- العربية
قصف إسرائيلي يستهدف اللواء 107 بريف اللاذقية
أفادت مصادر "العربية/الحدث"، اليوم الأربعاء، بوقوع قصف جوي إسرائيلي استهدف اللواء 107 بقرية زاما في مدينة جبلة بريف اللاذقية. ويوم الأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته نفذت عمليات دهم في جنوب سوريا قرب مرتفعات الجولان، وضبطت أسلحة واستجوبت أفراداً "يشتبه في تورطهم بتهريب أسلحة". وقال الجيش إن قواته "أكملت مهمة شملت استجواباً ميدانياً لعدد من المشتبه بهم في تهريب أسلحة في منطقة حضر جنوب سوريا" قرب مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وفي يوليو (تموز)، شنّت إسرائيل غارات على أهداف عسكرية في دمشق والسويداء تعود للسلطات السورية الجديدة، على خلفية الاشتباكات في محافظة السويداء.