
الأمن الغذائي العربي وتوترات المنطقة.. مستقبل مشوب بالقلق
تشهد البيئة الاستراتيجية للمنطقة العربية اضطرابًا عميقًا، فلا تلبث التوترات أن تهدأ في بقعة منها حتى تشب في بقعة أخرى، وكان آخرها الأحداث الجارية في السويداء بدولة سورية والتي كان يمكن أن تمر كشأن داخلي يمكن لأطرافه التفاهم والتوصل إلى حلول لمشكلاتهم الداخلية لولا التدخل الإسرائيلي السافر والاعتداء غير المبرر على دولة ذات سيادة بذريعة حماية الدروز، مستغلةً في ذلك فارق القوة العسكرية للعبث بالمنطقة ومواصلة استفزاز جيرانها، وهو ما أعلنت المملكة رسمياً عبر وزارة خارجيتها عن رفضها له وإدانتها للاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية.
في خضم هذه الأحداث والتوترات المتوالية التي لا تتوقف والتي يبدو أن العالم والقوى الدولية الفاعلة لم تعد تكترث كثيراً لضحاياها يتبدى الحديث عن الأمن الغذائي العربي كأهمية قصوى، إذ أن الأمن الغذائي العربي وضرورة تحقيقه لم يعد مجالاً للمناقشات أو المزايدات، بل صار حتميةً تتعاظم مع الوقت ومع الأحداث الجارية في العالم حاليًا والقابلة لمزيد من الاشتعال في أية لحظة لأتفه الأسباب.
إن العالم العربي الآن أمام فرصة عظيمة للتعاون والتكامل لتحقيق أمنه الغذائي بمعناه الشامل ووفق حدود تضمن أمنه واستقلاليته، وتتضاعف هذه الأهمية إذا ما علمنا أنه وفقاً لتقارير عدة صادرة مؤخراً عن كل من منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف والإسكوا، أكدت أن مستويات الجوع وسوء التغذية قد وصلت إلى مستويات حرجة في المنطقة العربية، خاصةً بعد متوالية من الكوارث، بدءاً بالتغيرات المناخية المستمرة ثم جائحة كوفيد-19 ثم الحرب في أوكرانيا وأخيراً الحرب الإسرائيلية على كل من غزة والضفة ولبنان وسورية ثم مؤخراً إيران، ما صعّب من إمكانية الحصول على الأغذية الأساسية.
تحقيق الأمن الغذائي
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات فإن الدول العربية مدعوة إلى بذل مزيد من الجهود لضمان تحقيق الأمن الغذائي واستدامته، كون العالم العربي يعيش أزمة غذائية عميقة ونقصاً كبيراً في السلع الأساسية كالحبوب والزيوت والشّحوم والسكّر واللحوم والألبان، فالزراعة العربية لم تحقق حتى الآن الزيادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذية، ما تسبب في اتساع الفجوة الغذائية، وباتت معظم الدول العربية تستورد أكثر من نصف احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسة.
وقد أوضحت المنظمة العربية للتنمية الزراعية في تقرير لها قبل أشهر أن الحبوب تأتي في مقدمة السلع الغذائية الرئيسية التي تستوردها الدول العربية كافة وبنسبة اكتفاء ذاتي قُدرت بـ(38 %)، من بينها القمح بنسبة (35.3 %) ثم الذرة الشامية والذرة الصفراء بنسبة (23.3 %)، والأرز بما يقدر بـ(48 %)، ولم تحقّق الاكتفاء الذاتي منه سوى دولة واحدة هي مصر، ثم تأتي زيوت الطعام والشحوم (34 %) بنقصٍ كبير في جميع الدول العربية، والسكر (41 %) واللحوم بـ(69 %) بمختلف أنواعها ثم البقوليات (36.6 %) والألبان المجفّفة ومنتجاتها (82 %).
ومن نافلة القول إن الحروب والاضطرابات السياسية في منطقتنا تزيد من تحديات قدرة بلداننا العربية خاصة الفقيرة منها على تأمين احتياجاتها من الأغذية الرئيسة، فقد تأثـرت دول مثـل فلسـطين والسـودان وليبيا ولبنان سـورية واليمن بشـكل خاص بهذه النزاعات، إذ أدت الحروب والاضطرابات المسـتمرة إلـى تدهـور كبيـر فـي قطـاع الزراعـة وارتفـاع معـدلات انعـدام الأمـن الغذائـي بشـكل غيـر مسـبوق، ففـي فلسـطين وقبل الحرب على غزة تجـاوزت نسـبة انعـدام الأمـن الغذائـي 31 % مـن السـكان بسـبب الحصـار المسـتمر والقيـود علـى الأراضـي والميـاه، فما بالنا ما بعد حرب الإبادة الحاصلة والحصار المطبق على قطاع غزة؟ بينما تزايدت هـذه النسـبة في لبنان نتيجة للحرب التي شــهدتها البلاد مؤخـرًا، مما أدى إلى تدهـور القـدرة الشرائية للمواطنيـن وتأثـر سـبل كسـب العيـش لنحو 90 % مـن السكان الزراعييـن، وفـي السـودان أدت النزاعـات المسلحة إلى عدم تمكن نحو 40 % من المزارعيـن مـن الوصول إلى مزارعهم، كما قـاد النزاع إلى تدهور الطرق والبنية التحتية وارتفاع أسعار الغـذاء إلى نحو أكثـر من 70 %، الأمـر الذي نتج عنه تفاقم الأوضاع الإنسانية، أما في اليمن ارتفعـت أسعار القمح بنسبة تفوق 40 % مـا جعل الأمن الغذائي يشهد انهيارًا حادًا، حيـث يعاني أكثر من 70 % من السكان من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 17 مليون شخص يعانون من نقـص حاد في الغذاء.
{«إن سبل تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي العربي واضحة للجميع وقد طرحها المختصون ما لا يحصى من المرات غير أنها بحاجة للإرادة السياسية الجماعية، ومنها التعاون الإقليمي وتبادل الخبرات وتطوير السياسات الغذائية وتبني تكنولوجيات الزراعة الذكية مناخيًا وإنشاء احتياطيات غذائية استراتيجية يمكن اللجوء إليها خلال الطوارئ.»}
الاستقرار السياسي
إن الأمن الغذائي لا ينفك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار السياسي الذي لن يتحقق إلا بتكامل وتكاتف جميع دولنا العربية، وغني عن القول إن العالم الغربي لا يقيم وزناً لا لأرواح ضحايا العالم الثالث ولا لجوعهم وفقرهم وانعدام أمنهم بل هو أحد أسباب ذلك في سبيل رفاهيته وتقدمه، ولا أدل على ذلك مما ترتكبه إسرائيل كل يوم من حصار ومجازر وصلت حد الإبادة الجماعية في قطاع غزة ويموت العشرات كل يوم جوعاً تحت سمع وبصر العالم وبتمويل ودعم وتواطؤ كامل من العالم الغربي، بل إنهم يقولون ذلك صراحةً أحياناً ويبدو في سقطات ألسنتهم أحياناً أخرى، ولعل كثيراً منا يذكر زلة اللسان التي وقعت من كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي السابق بايدن ومرشحة الحزب الديمقراطي أمام ترمب في الانتخابات الأخيرة، وذلك خلال إلقاء كلمة في مؤتمر مكافحة تغير المناخ، حيث حثت على تقليص السكان من أجل الأجيال القادمة، قائلةً: "عندما نستثمر في الطاقة النظيفة ووسائل النقل الكهربائي ونقلص عدد السكان، سيتمكن المزيد من أطفالنا من تنفس الهواء النقي وشرب الماء النظيف"، ما يوجه النظر نحو نظرة الغرب إلى البشر عمومًا وتقسيمهم البشرية ، متجاوزين في كل نظرياتهم أي قيم أو أخلاق، طالما أن الأمر يتعلق بمصالح الغرب ومكتسباته، فلا مانع لديهم -دون تعميم بالطبع- من التخلص من نسبة من سكان هذا الكوكب طالما أنهم ارتأوا أن هؤلاء فوائض بشرية ووجودهم سيجعل النمو السكاني يتجاوز الإنتاج الزراعي فلن يكون هنالك في المستقبل ما يكفي من الطعام لإمدادهم.
وهذا الطرح ليس جديداً بالمناسبة على هذا المنظومة عندما يتعلق الأمر بمصالح الغرب، ولعلنا نذكر نفس الدعوة لتوماس مالتوس قبل أكثر من قرنين من الزمن خشية اختلال التوازن بين عدد السكان من جهة وإنتاج الغذاء اللازم لإطعامهم من جهة أخرى، ما سيؤدي إلى حدوث مشكلات اقتصادية واجتماعية خطيرة، وكثيرون تبنوا نظريته مرتئين أن ذلك لا يتحقق إلا بطريقتين، الأولى عبر خفض معدل الولادات، والثانية من خلال رفع معدل الوفيات، عبر المجاعات والأوبئة والكوارث الطبيعية أو عبر الحروب خاصة في عصرنا النووي، والغرب حقيقة -دون تعميم على أفراده بل تحديداً بعض أنظمته الحاكمة- لا يبالي بإقحام العالم كله في حروب يكون الفقراء والمهمشون والدول النامية وقودها لتحقيق سيادته ورفاهيته.
والخلاصة إن سبل تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي العربي واضحة للجميع وقد طرحها المختصون ما لا يحصى من المرات غير أنها بحاجة للإرادة السياسية الجمعية، ومنها التعاون الإقليمي وتبادل الخبرات وتطوير السياسات الغذائية وتبني تكنولوجيات الزراعة الذكية مناخيًا وإنشاء احتياطيات غذائية استراتيجية يمكن اللجوء إليها خلال الطوارئ وزيادة الاستثمارات في البحث والتطوير وغيرها كثير من السبل، وكل ذلك بات ضرورة بهدف تقليل الاعتماد على الواردات وضمان استقرار الأسواق المحلية في ظل ما بات يكتنف المنطقة من توترات مستمرة وما يحاك للمنطقة من مخططات دولية تجعل المستقبل مشوباً بالقلق.
*أستاذ زائر بكلية الزراعة وعلوم الحياة والبيئة، قسم الهندسة الزراعية والنظم البيولوجية بجامعة أريزونا، توسان، أريزونا، الولايات المتحدة، ومستشار في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت بلبنان.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 4 ساعات
- الشرق السعودية
حرب غزة.. مسؤولون: ترمب لا يعارض خطة نتنياهو لـ"السيطرة على القطاع بالكامل"
قال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون، الأربعاء، إن الرئيس دونالد ترمب لا يعارض خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإطلاق عملية عسكرية جديدة بهدف السيطرة على كامل مساحة قطاع غزة، وفق موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي. ومن المتوقع أن يصادق المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر، الخميس، على خطة نتنياهو المثيرة للجدل لتوسيع الحرب في غزة، فيما قرر ترمب "عدم التدخل وترك القرار للحكومة الإسرائيلية"، وفق المسؤولين. ويستعد نتنياهو لتصعيد الحرب على غزة رغم الضغوط الدولية الهائلة لوقف العمليات العسكرية، والتركيز على الأزمة الإنسانية في القطاع، بل وأيضاً رغم اعتراض كبار قيادات الجيش الإسرائيلي الذين حذّروا من تداعيات هذه الخطوة. خطة نتنياهو للسيطرة على غزة بالكامل وأظهرت الخطة الجديدة نية إسرائيل السيطرة العسكرية على مناطق إضافية من وسط غزة، بما في ذلك مدينة غزة، في عملية قد تستمر عدة أشهر وتشمل تهجير نحو مليون فلسطيني. وذكرت مصادر لصحيفة "جيروزاليم بوست" أن من المتوقع أن تشمل الخطة نشر نحو 5 فرق من الجيش الإسرائيلي، وتمتد عملياتها على مدار 5 أشهر تقريباً، كما تتضمن الخطة تهجير نحو مليون من سكان مدينة غزة إلى مناطق أخرى. وأشار عدد من الوزراء في الحكومة الإسرائيلية للصحيفة إلى أن "السؤال الحقيقي لا يتعلق بإقرار الخطة من عدمه، بل بأي نسخة من الخطة سيتم اعتمادها في النهاية". ورغم معارضته للخطة، من المتوقع أن يبقى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، في منصبه، بعد تقارير أشارت إلى تهديده بالاستقالة، وكان قد صرح خلال اجتماع أمني الثلاثاء بأن "العملية تشكل خطأ وستعرض حياة المحتجزين للخطر"، وفق "جيروزاليم بوست". وبحسب تقرير لـ"القناة 12" الإسرائيلية، فإن المرحلة الأولى من الخطة تتضمن إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء لسكان مدينة غزة، الذين يُقدّر عددهم بنحو مليون شخص -أي ما يعادل نصف سكان القطاع- وذلك لإتاحة الوقت لبناء بنية تحتية مدنية في وسط غزة، ومن المتوقع أن تستمر هذه المرحلة عدة أسابيع. وأشار إلى أن في المرحلة الثانية، ستبدأ العملية العسكرية، بالتزامن مع خطاب مرتقب للرئيس الأميركي دونالد ترمب يعلن فيه عن تسريع إيصال المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع إسرائيل. كما أفاد تقرير منفصل لموقع "واي نت" الإسرائيلي، التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن الحملة العسكرية قد تستغرق بين 4 إلى 5 أشهر، وتشارك فيها 4 إلى 5 فرق من الجيش الإسرائيلي. ووفقاً للتقرير، تهدف الخطة إلى تحقيق هدفين رئيسيين: "الضغط على حماس للعودة إلى مفاوضات الأسرى، ومحاولة التوافق مع إطار أميركي مقترح لاتفاق شامل". وإذا تقدّم هذا الإطار، قد توقف إسرائيل عملياتها مؤقتاً، رغم أن المسؤولين يعتبرون ذلك احتمالاً ضعيفاً. وأشار مسؤولان أميركيان إلى أن ترمب لن يتدخل في قرارات إسرائيل بشأن العملية العسكرية الجديدة. وعندما طُلب منه الثلاثاء، التعليق على احتمال سيطرة إسرائيل العسكرية بالكامل على غزة، أجاب: "لا يمكنني الجزم.. القرار يعود بدرجة كبيرة إلى إسرائيل". وقال أحد مستشاري نتنياهو لـ"أكسيوس": "لن نظل في هذا الوضع المعلّق، ولن نستسلم لمطالب (حركة) حماس، لم يتبق أمامنا سوى خيار واحد، وهو اتخاذ خطوة جذرية. هذه آخر ورقة لدينا". وأفاد أحد المسؤولين الأميركيين بأن ترمب تأثَّر بمقطع فيديو نشرته "حماس" يُظهر محتجزاً إسرائيلياً داخل أحد الأنفاق. وذكر المسؤول: "لقد أثَّر فيه ذلك، وهو الآن يترك المجال للإسرائيليين للقيام بما يرونه مناسباً"، بحسب "أكسيوس". في الوقت ذاته، أوضح المسؤول الأميركي أن إدارة ترمب لا تدعم ضم إسرائيل لأي أجزاء من غزة، وهي فكرة طُرحت داخلياً في إسرائيل. وبحسب مسؤولين إسرائيليين، قال رئيس أركان الجيش إيال زامير لنتنياهو إن "هذه الخطوة ستعرّض المحتجزين للخطر، وقد تجر إسرائيل إلى حكم عسكري مباشر على غزة وتحمُّل مسؤولية مليوني فلسطيني". ونُقل عن زامير قوله لنتنياهو في اجتماع الثلاثاء: "أنت تسير نحو فخ"، لكن يبدو أن نتنياهو لم يتأثر بالتحذير. كما قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد: "أنا لا أشارك عادة ما يُقال في النقاشات مع رئيس الوزراء، لكنني قلت له للتو: السيطرة العسكرية الكاملة على غزة فكرة سيئة للغاية". إيصال المساعدات إلى غزة في المقابل، تعتزم إدارة ترمب التركيز في الأسابيع المقبلة على معالجة أزمة المجاعة في غزة، رغم أن توسيع الحرب سيعقد هذا الهدف. وفي وقت سابق الثلاثاء، قال ترمب، إن الولايات المتحدة تحاول تقديم المساعدة عبر إرسال مزيد من الإمدادات الغذائية إلى سكان قطاع غزة الذين لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء، لافتاً إلى أن دولاً عربية مستعدة لتقديم الدعم المالي. وقال مسؤول أميركي: "تظل الولايات المتحدة ملتزمة بتخفيف الأزمة في غزة وتدعم جهود زيادة المساعدات الإنسانية، لكنها لا تتولى مهمة إيصال المساعدات بالكامل". وتخطط إدارة ترمب لزيادة تمويل "مؤسسة غزة الإنسانية" بهدف إنشاء مراكز مساعدات جديدة في شمال ووسط غزة حيث يُتوقع نقل المدنيين المهجّرين، وفقاً لمصادر "أكسيوس". وقال السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، لـ"بلومبرغ"، إن الولايات المتحدة تعتزم رفع عدد مراكز "مؤسسة غزة الإنسانية" من 4 إلى 16 مركزاً. وذكرت "القناة 12" أن التمويل سيأتي من تبرعات دولية تُقدّر بنحو مليار دولار، بهدف تمكين سكان غزة من الحصول على مساعدات لا تمر عبر حركة "حماس"، في وقت تخضع فيه مدينة غزة للسيطرة الإسرائيلية. غير أن منظمات الإغاثة والأمم المتحدة حثت ترمب على الضغط على نتنياهو لإعادة فتح قنوات المساعدات السابقة التي أغلقتها إسرائيل، بدلاً من التركيز على توسعة دور "مؤسسة غزة الإنسانية".


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
المجاعة أكبر من غزة
«لقد فاز هتلر، عندما حوّلنا نحن اليهود إلى أمة شريرة تلاحق وتقتل الأطفال والنساء»، قالت غاضبة الممثلة ميريام مارغوليس، التي بلغت الثالثة والثمانين وتشعر بالخزي والحرج؛ لأن غالبية بني جلدتها لا يرون خطورة فيما ترتكبه إسرائيل بحق شعب، لا هو من قتلهم، ولا حاول إفناءهم، ولا صلة له بكل الجرائم النازية، ومع ذلك يتم تدفيعه الثمن. مارغوليس محقة؛ لأن الإبادة في غزة وصلت صرخات ضحاياها إلى كل بقعة، ومع ذلك، نصف الإسرائيليين لا يزالون يرون أن ما ينشر هو مجرد دعاية لـ«حماس». وبحسب استطلاع جديد نشرته «وول ستريت جورنال»، فإن 79 في المائة من الإسرائيليين لا يشعرون بأي تأنيب ضمير تجاه المدنيين الفلسطينيين، ويسمون الكارثة التي فاضت فأغرقت الضمائر وجعاً: «أزمة إنسانية». وفي استطلاع آخر 70 في المائة يعارضون إرسال مساعدات حتى عبر هيئات دولية. هؤلاء رأينا بعضهم يمنعون شاحنات المساعدات من الوصول إلى المجوعين. 64 في المائة يتبنون مقولة «لا يوجد أبرياء في غزة»، وأقل من ربع الإسرائيليين فقط، في دراسة صدرت قبل أيام، أيدوا أن تأخذ العمليات العسكرية في الاعتبار معاناة المدنيين. إجابات مروعة، أرقام مفزعة، ويزداد استهجانك؛ لأن تنامي المعارضة داخل إسرائيل للتجويع واستمرار الحرب على غزة، ليس عائداً لمبدأ أخلاقي، وإنما رغبة في تحرير أسراهم من موت محقق، ومراعاة للمزاج الدولي، خصوصاً في الولايات المتحدة، بعد أن فقدت إسرائيل تأييد الغالبية الديمقراطية، وأخذت تخسر من رصيدها بين الجمهوريين، كما أن جهاز الدعاية الصهيونية الذي كان محلقاً في فاعليته لعشرات السنوات، يجد نفسه أمام صدود واتهامات يصعب ردها، حتى وسط شعوب كانت من أكبر المؤيدين لإسرائيل. أين المفرّ؟ الصور المرعبة تنتشر بكثافة، ولم يعد مصطلح «إبادة» و«جريمة حرب» و«مجاعة» مما يتردد المسؤولون الأمميون في استخدامه لوصف حال بؤساء غزة. المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر ترك اتهم إسرائيل بفرض «قيود شاملة، وتدمير البنى التحتية المدنية، مما أوصل إلى استخدام التجويع، وهو ما يُعد جريمة حرب». كبير المستشارين في «أمنستي» محمد دوار يطالب بتقديم المسؤولين عن الإبادة الجماعية والتجويع المتعمدين، إلى العدالة. فإذا كان الإسرائيليون يبتغون فائدة من مواجهة العالم أجمع، وتكذيب تقارير الهيئات الدولية، والبث المباشر، فلماذا تصمت الدول الكبرى، وتستمر في تغذية الإبادة، ومدّ الجيش الإسرائيلي بالسلاح، وتقتصر مواقفها على التنديد والتهديد بوقف التعاون الاقتصادي أو بعض العقوبات، إن لم يحدث تغيير؟ وإسرائيل لن تستجيب ما دام أن التواطؤ هو السمة الكبرى. صمت اليوم لا يعني النجاة غداً. حجم كارثة غزة، وطول أمدها، وفداحة تعداد ضحاياها، تشي بأنها لن تكون مجرد مأساة تخص أهلها. ثمة حروب مفصلية يتغير بسببها العالم، بعد أن تهز الوجدان. ولا يستبعد محللون أن ما ستنجلي عنه مشاهد غزة بعد وقف المعارك من آلام مجذومين، وكثرة مشوهين، ودموع يتامى، وفجيعة أمهات ومشردين، سيجعل ردود الفعل ارتجاجية. وهو ما يتحسب له بنيامين نتنياهو. هناك من يتوقع أن تتجاوز الارتدادات ما حدث بعد تكشّف شناعة المحرقة اليهودية ومعسكرات الاعتقال، حيث دخل العالم في صدمة أخلاقية، آثارها ممتدة إلى اليوم في منطقتنا كلها. أسئلة كثيرة مشروعة، بعد أن أصبح القتل بالتجويع، الذي هو أقسى من الحرق بالقنابل، مقبولاً ومستساغاً، هل ستفلت إسرائيل من العقاب؟ وإن حصل هذا ألن يؤدي إلى تكرار النموذج الوحشي في أماكن أخرى، من دون أن يعبأ أحد؟ هل تكون نهاية الهيئات الدولية، وبداية علاقات تقوم على سطوة الأقوى، وسيطرة من يقتل أكثر؟ ألا تؤسس سابقة غزة لعالم بملامح غير التي نعرفها؟ هل سيجرؤ أحد في حروب مقبلة على ذكر حقوق الإنسان، أو حماية المدنيين، وحرمة الجرحى والمستشفيات والأطفال والمسنين؟ هل سيبقى من حرمة أصلاً؟ لسنا أمام مجرد جريمة، بل أمام طعن لكل المبادئ التي أسست لتنظيم الهمجية البشرية، بعد مذابح الحرب الثانية. غزة تعيدنا إلى زمن الحصار الروماني، وحصار ستالينغراد وليننغراد، لا بل أسوأ. فالمدينة الأولى يضرب بها المثل، مع أن حصارها فكّ بعد 71 يوماً والثانية بعد 872 يوماً. أما غزة فحصارها مستمر منذ 17 عاماً قبل أن يفرض عليها الاختناق التام في السنتين الأخيرتين. تبدو غزة بلا شبيه يمكن مقارنتها به، فهي حالة متفردة في التفنن في التعذيب، مما يستدعي نتائج يصعب قياسها أو توقعها. تتسابق النظريات السوسيولوجية والنفسية على تصور البشرية في اليوم التالي لغزة. تنقسم الآراء بين من يحذر من بشرية متبلدة المشاعر، مخدرة تحت وطأة الصور القاتلة، لن تبالي باستباحة أي شيء، ذلك تبعاً لنظرية «التعب الأخلاقي». فيما نظرية «العدالة العاطفية» تقول العكس، وتبشرنا بإعادة تشكيل الضمير العالمي الذي ستمسه اليقظة، تحت تأثير قصص الغزيين وفيديوهاتهم. تتناقض النظريات، لكنها تتفق على أن هول غزة سيكون له ما بعده، حتماً.


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
مزايدات «إخوان إسرائيل»
المضحك المبكي في المشهد السياسي اليوم هو متاجرة ومزايدة جماعة «الإخوان المسلمين» بالقضية الفلسطينية وأوجاعها ومجاعة سكان غزة، وقيامهم بحشد تظاهرة تقودها مجموعة من «إخوان إسرائيل» المنتمين لجماعة «الإخوان المسلمين» وهم من حاملي جوازات السفر والجنسية الإسرائيلية، أمام السفارة المصرية، وتحت حماية الشرطة الإسرائيلية، مطالبين بفك الحصار عن غزة، مما يؤكد حالة من فصام الشخصية (الشيزوفرينيا) التي يعيشها عناصر هذا التنظيم الضال؛ حيث تجاهل الفاعل الحقيقي الذي يحاصر غزة ويضربها بالقنابل، وتظاهر عناصره المفلسين عقلياً وسياسياً أمام سفارة جمهورية مصر العربية في تل أبيب، مما يؤكد حال الإفلاس والتذبذب السياسي عند «الإخوان» الذي مرده إلى الجهل بالواقع. فقد قام التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين» بتعبئة أتباعه ومريديه، ووجههم نحو السفارات المصرية في الخارج، لاتهام مصر بأنها المسؤولة عن غلق المعابر، وذلك لرفع الضغط من فوق بنيامين نتنياهو، مما يؤكد حالة الخيانة التي يجتهد التنظيم ويبدع فيها بشتى الطرق والسبل متجاهلاً المجرم الحقيقي؛ بل ويسعى للدفاع عنه ورفع الحرج عنه، مما يظهر حالة من الفجور في الخصومة هي من أبرز ما يتقنه عناصر هذا التنظيم الإرهابي. ومن أبرز «إخوان إسرائيل» رئيس «القائمة العربية الموحدة» في إسرائيل، الإخواني منصور عباس الذي دعا لتشكيل ائتلاف حكومي يصعد باليميني المتطرف نفتالي بنيت إلى رئاسة «حكومة التغيير» في إسرائيل. حالة عباس وحزبه الذي تأسس عام 1971 وترجع أصوله إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، تطرح كثيراً من الأسئلة عمَّن هي جماعة «الإخوان المسلمين»، فهي بهذا السلوك لا يمكن إلا أن تكون حركة سياسية براغماتية متلونة ولا مبدأ لها، فهي شريكة في حكومة إسرائيل، وتزعم أنها في حركتَي «حماس» و«الجهاد» وفي مناطق وجبهات متناقضة، مما يعكس حالة من فصام الشخصية لدى جماعة «الإخوان» المتلونة في مواقفها السياسية والدينية. «إخوان إسرائيل» المزايدون على مصر العروبة التي خاضت حروباً كبرى من أجل فلسطين، خاضوا هم الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، وأصبح لديهم عضوان في «الكنيست» الإسرائيلي، هما منصور عباس ووليد طه، ولعل أبرز ما قيل عن الإخواني الإسرائيلي عباس هو أن «لا خطوط حمراء عنده في الساحة الإسرائيلية» وهذا فعلاً ما ثبت عنه في مغازلته جميع الأطراف، حتى التي كانت أكثر تشدداً ضد الفلسطينيين، ومنهم نتنياهو. «إخوان إسرائيل» هؤلاء ليسوا بإخوان لنا ولا هم بالمسلمين - كما قال كبيرهم الذي علَّمهم السحر حسن البنا - استخدموا التقیة في التزلُّف والكذب والتزویر، مما يؤكد تلوث أفكار هذا التنظيم بأفكار ضالة، ومنها استخدام التقية سلاحاً أمام أي عاصفة تعصف بهم، فيهرعون إليها للخروج من أي مأزق، فالتقية في مفهوم «الإخوان» معناها: أن يظهر الشخص خلاف ما يبطن. وتضليل «إخوان إسرائيل» عن المتسبب في تجويع الشعب الفلسطيني في غزة لا يختلف عن المدعية الشرف والعفة، فكل منهما يكذب كما يتنفس؛ بل ويجاهر بالكذب والتضليل وإلصاق التهمة بغير فاعلها، لمجرد المتاجرة السياسية التي يتفنن ويبدع فيها عناصر التنظيم الدولي لـ«الإخوان» في أي قضية يختصمون فيها مع الآخر، فيطلقون الذباب الإلكتروني لنشر الكذب والتضليل.فتنظيم «الإخوان» الدولي الذي يتظاهر عناصره في تل أبيب بحماية الشرطة الإسرائيلية أمام السفارة المصرية، هم أنفسهم الذين كانوا يحمون تنقلات الإسرائيلي برنارد ليفي عراب «الربيع العربي» في ليبيا، ويهتفون أمامه: «القذافي يهودي» في حالة هستيريا سياسية تجمع التناقضات؛ وقد علَّق عليها برنارد ليفي في مذكراته عن الحرب في ليبيا. تناقضات جماعة «الإخوان المسلمين» ليست بالجديدة، ولا أظنها بالأخيرة، خصوصاً في ظل تعنت الجماعة على مسارها القديم، ورفض التجديد، والبقاء في دائرة العنف والفجور والخصومة مع المشهدين السياسي والديني، فلا هي جماعة دينية خالصة، ولا هي حزب سياسي يعمل لصالح الوطن الذي يعيشون فيه، فهم لا يؤمنون بجغرافيا الوطن؛ بل بجغرافيا المرشد وخلافته المزعومة. فهم جماعة أقل ما يقال عنها إنها مفلسة سياسياً ودينياً.