logo
في الذكرى السنوية الاولى لوفاة القائد الشيوعي العراقي باقر ابراهيم!محمد جواد فارس

في الذكرى السنوية الاولى لوفاة القائد الشيوعي العراقي باقر ابراهيم!محمد جواد فارس

ساحة التحرير٢٠-٠٤-٢٠٢٥

في الذكرى السنوية الاولى
لوفاة القائد الشيوعي العراقي باقر ابراهيم!
محمد جواد فارس*
الأصعب ليس ان يموت المرء ، بل ان يموت الذين حوله كلهم ، و يبقى هو حيا ٠
( تولستوي )
في الثامن و العشرين من نيسان عام 2024 توقف قلب المناضل الشيوعي الوطني العراقي باقر أبراهيم ، ابن مدينة الكوفة العراقية , كنت ابنا بارا لهذه المدينة ، و التي كانت في ماضيها عاصمة للخلافة الاسلامية أضافة لكونها مدينة النحو في قواعد اللغة العربية كما البصرة ، كنت ابن السيد ابراهيم الموسوي المكنى بالبصري ، حيث مكان ولادته متنقلا الى الكوفة بعد ثورة 1920 و المعروفة بثورة العشرين ٠ مدينة النجف الاشرف حيث مرقد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب و الذي اتخذ من الكوفة عاصمة للخلافة ، فقد كانت النجف مدينة العلم و الثقافة و المناضلين الشيوعيين ، قدمت الشهيد عواد رضا الصفار و قبله الشهيد حسين محمد الشبيبي ( صارم ) و حسين أحمد الرضي ( سلام عادل ) و كذلك حسن عوينة ، واخرين منهم محمد حسن مبارك و صاحب جليل الحكيم واخرين ، ممن تركوا بصماتهم النضالية في تاريخ الحركة الشيوعية العراقية ٠
ظهرت لدى باقر ابراهيم نزعة الاحتجاج و الثورة على النظام في سنوات نضوجه الاولى ، بدء أحداث مايس 1941 و التي أطلق عليها ثورة رشيد عالى الكيلاني او الضباط الاربعة ٠ كان باقر ابراهيم طالب مجتهد و مواظب أكمل دراسته الابتدائية عام 1946 بتفوق مما اهله قبوله في كلية الملك فيصل الثاني في بغداد ، وفيها التقى مع طلاب وطنين منهم نوري عبد الرزاق و أياد سعيد ثابت و طالب شبيب و حكمت الفرحان ، وهم من توجهات فكرية وطنية متعددة ، وكان لاخيه الكبير دورا كبيرا في توجهه و حثه لقرأة جريدة ( الرائد ) لصاحبها نور الدين داود ، فيها كانت محاكمات قادة الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد ) و زكي محمد بسيم ( حازم ) و حسين محمد الشبيبي ( صارم ) و يهودا صديق و اخرين ، وتأثر باقر ابراهيم في دفاعهم في المحكمة عن مبادئهم في وطن حر و شعب سعيد ، و كانت انذاك ملتهبة قضية الشعب الفلسطيني وهجرة اليهود من الدول الاوربية و العربية و الاستيطان في فلسطين و طرد الشعب الفلسطيني اهل الدار من بيوتهم ٠
وفي عام 1948 عندما انطلقت اول انتفاضة جماهيرية كبيرة ضد معاهدة بورت سموث و التي وقعها صالح جبر و بيفن ، كان باقر ابراهيم احد المشاركين فيها عندما كان ١ طالب في كلية بغداد ، و في معركة الجسر سقط شهداء من الحزب الشيوعي العراقي الذين كانوا في مقدمة التظاهرة ، و عندما رجعت الى مدينتك لن تستكين بل شاركت وزملائك طلاب الكليات و المعاهد و الثانويات ، و ذكرت في مذكراتك بعد عودتك الى الكلية جرى الهجوم عليكم من طلاب معكم ذو التوجهات القومية و المدعومين من حزب الاستقلال و هو المحرض ، مستخدمين العصي و الهراوات و بوكسات الحديد معتدين على الشيوعيين في الكلية و قد اصيب عدد من الزملاء نتيجة الاعتداء الصارخ ٠ نسب باقر ابراهيم لحلقة الاصدقاء عام 1947 وبقي حتى عام 1948 لكي يصبح عضوا في الحزب وهذا تم في مدينة الكوفة درس جيدا مبادئ الحزب ونظامه الداخلي و اسلوب العمل بين العمال والفلاحين و الكسبة لتوسيع القاعدة الحزبية في المدينة ، و كان مثابرا لتوسيع مداركه في الثقافة و كان يستعير الكتب من المكتبة و خاصة الكتب الثقافية في الادب قصة و شعرا و تاريخا و من ثم انتقل الى الادب الماركسي ، مثل كتاب الام لمكسيم غوركي و الدون الهادئ لميخائيل شولوخوف ، والمنشورات الحزبية السرية ، وما صدر عن عصبة مكافحة الصهيونية و ما صدر من دار الحكمة و حزب التحرر الوطني ، كان في ذالك الوقت ٩ متأثرا باعدام فهد و رفاقه ، في محكمة النعساني و بضغط من المستعمرين الانكليز ، و كذلك هزه خبر وفاة رفيقه ضياء طارق زلزلة و الشخصية الوطنية النجفية المعروفة سعد صالح جريو رئيس حزب الاحرار و الذي استؤزر وزيرا للداخلية و في عهده انتعشت الحركة الوطنية و الثقافية و اجاز احزاب وطنية ٠ لقد كنت ايها المناضل الشيوعي متابع جيد لتوجيهات حزبك هذه التوجيهات الصادرة عن قيادة الحزب ، في تنشيط الانتفاضات الشعبية التي حدثت و منها انتفاضة عام ١٩٥٢ و التضامن مع الشعب( المصري الشقيق في ثورة يوليو ومع انتفاضة عام ١٩٥٦ اثناء العدوان الثلاثي عندما امم النظام المصري بقيادة عبد الناصر قناة السويس ، و بدء العدوان الانكليزي و الاسرائيلي و الفرنسي على الشعب المصري ، هب الشعب العراقي بالتضامن مع مصر و شعبها ٠
و في عام ١٩٥٢ وانت كنت معتقل ، حكم عليك المجلس العرفي العسكري بموجب ثلاث دعاوى منفصلة و سجنت لعامين منهما ، في سجن بغداد المركزي ، و كنت في السجن مواظب في دراسة اسس الماركسية في الاقتصاد السياسي ، و الفلسفة و الاشتراكية العلمية و تاريخ الحركة العمالية العالمية ، و كان لمخطوطة أحمد علوان ( ابو عمر ) و هو من البصرة قد اثرت فيك ، والمخطوطة كانت ( ربع قرن من تاريخ الحركة الثورية في العراق ) ، و التقيت في السجن بخيرة المناضلين ومنهم المناضل الشيخ حسين الساعدي و كنت تملك صداقات مع الكثير من السجناء ٠
كان باقر براهيم حريصا على وحدة الحزب وتماسكه ، و يدين الانشقاقات من مبدأ ان حل الخلافات يجب ان يكون بطرح الافكار داخل التنظيم ومناقشة كل الاراء التي تطرح وفق مبادئ الحزب للوصول الى الحلول الناجعة ، و رفضت انشقاق (راية الشغيلة ) وعلى رأسهم المسؤول الاول عزيز محمد ، وكنت أنذاك مسؤول عن تنظيم مدينة الحلة و عندما وصل بيان حل راية الشغيلة عام ١٩٥٦ و توحيد الحزب ، و دور الرفيق عميد الشيوعين العرب خالد بكداش في الوحدة ،وجرى تعميق الوحدة بموقف انتقادي جريئ ٠
لقد واكبت المجازر التي ارتكبت بحق السجناء الشيوعيين في سجن بغداد المركزي و كان عدد القتلى سبعة شهداء و 81 جريحا من مجموع السجناء البالغ عددهم 164 سجينا ، وفي سجن الكوت عندما كان العدد 123 وانت كنت هناك ، المعاملة كانت مشابه للسجناء في بغداد و الكوت و نقرة السلمان و كان لك موقف مشهود في توقيعك على عريضة حول معانات السجناء و دفاعك عن محتواها( امام لجنة التحقيق ، زرت سجون العهد الملكي كلها في الكوت و بعقوبة و السلمان ، و وضحت ذلك في كتابك الموسوم ( مذكرات باقر ابراهيم ) الصادر عن دار الطليعة ، عن معاناة السجناء و كذلك عمليات الهروب الى الحرية ، و أشكالها ومنها التنكر و الخروج مع الزائرين في المواجهات ومنها الانفاق و غيرها من الطرق ، ومررت على العلاقات الرفاقية بين السجناء وذكرت الدكتور محمد صالح سميسم و الدكتور حسين الوردي ٠
وفي عام 1954 صدر المرسوم رقم ( 17 ) الخاص باسقاط الجنسية العراقية ، عن المناضلين توفيق منير و المحامي الموصلي كامل قزانجي وابعدوا الى تركيا ، و عندما اطلق سراحك كنت تحمل رسالة من منظمة الحزب في السجن الى قيادة الحزب و كنت قد استخدمت علبة معجون الاسنان الفارغة و ادخلت الرسالة فيها واوصلتها ، و بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 تفرغت للعمل الحزبي بنشاط من اجل تقوية و توسيع العمل التنظيمي بين الجماهير في الحلة و اطراف الكوت و الديوانية من جهة القاسم والمحمودية في تكوين خلايا حزبية ، ولجان فلاحية اعتمدت على الثقة و المعرفة التي توليها جماهير الحزب في الريف و في مقدمتهم الشهيد كاظم الجاسم في ريف الحلة في قرية البو شناوة و معن جواد في المحاويل و طاهر علوان في كربلاء وملا أحمد في القاسم و الشهيد عباس الخضير من قرية البو شناوة و ذكرت الرفاق الذي عملت معهم ٠
مواقفك الاممية تجسدت في مشاركتك في احتفالات ومؤتمرات الاحزاب الشيوعية و العمالية العالمية في البلدان الاشتراكية في القاء الكلمات و حضور الاجتماعات معهم كما مع قيادة جمهورية منغوليا الشعبية على سبيل المثال و لقاءك بقائد الحزب الشيوعي الايراني ( تودا ) و مع قيادة الحزب الشيوعي القبرصي ( اكيل ) ٠ وفي رومانيا و سيرلانكا و فرنسا و البرتغال ، وحضورك الى المؤتمر السادس و العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي مع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي و عقدك لندوات حزبية داخل التنظيم ٠
كنت في ريف الفرات الاوسط و على وجه التحديد في ريف الشامية و بعد انقلاب شباط الدموي و انت عضو المكتب السياسي الذي يقوده الشهيد سلام عادل ، لعبت دورا مهما في جمع الرفاق الذين انقطعت صلتهم بالحزب ، و رسمت الخطة لانقاذ قيادة الحزب الرفيق جمال الحيدري و محمد صالح العبلي لخروجهم من بغداد ، ولكن حركة الشهيد حسن سريع في 3 /7 / 1963 حالت دون نجاح الخطة و تم القبض على الرفيقين و استشهدا في قصر النهاية ٠ و تابعت مسيرة الحزب وشاركت في المؤتمر الثاني و الثالث و انتخبت عضوا في المكتب السياسي لغاية المؤتمر الرابع المنعقد في كردستان العراق ، و كنت في كردستان مع الانصار و زوجتك خالدة الذكر ام خولة ، و كنت قد ادركت ماذا سيحدث في هذا المؤتمر فقررت عدم الترشيح للجنة المركزية للحزب و قدمت مداخلة ، انقل منها مايلي : [ وقررت و وضحت في تلك الرسالة ( و يقصد بها الرسالةالتي قدمها الى الاجتماع الكامل للجنة المركزية المنعقد في حزيران 1984 ) وجهة نظر عامة موجزة تجاه سياسة الحزب التي وجدت فيها ما يدفع بالحزب ، بعد تصحيح اخطائناالسابقة نحو العزلة و الضعف ، كما تحدثت فيها عن أوضاع الحزب الداخلية التي تتطلب المعالجات و عن الوضع في قيادة الحزب ٠
كنت انذاك احمل شرف العضوية في المكتب السياسي و المسؤلية عن التنظيم الحزبي ، وبسبب القناعة التي تأكدت لدي بعدم خوضي الصراعات المتتالية داخل القيادة حول عضوية المكتب السياسي ، وما تقابل به مهمتي التنظيمية من عرقلة _ لهذه الاسباب _ بالدرجة الاساسية اتخذت موقف تجنب ترشيح نفسي في انتخابات المكتب السياس ] انتهى الاقتباس من مذكرات باقر ابراهيم ٠ بعد احتلال الوطن في نيسان قمت بزيارات لقادة الحركة الفلسطنية و كنت معك (كاتب السطور ) بزيارة الرفيق نايف حواتمة امين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين و كذلك الشهيد ابو علي مصطفى امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في دمشق شرحت لهم نتائج هذا الاحتلال و ما يترتب عنه من تدمير البنية التحتية للدولة العراقية التي تأسست عام ١٩٢١ ، و موقف الشيوعيين الوطنين من الاحتلال و العمل لمقاومته بكل السبل بما فيها المسلحة ٠ لقد كتب باقر ابراهيم كتب مهمة تاريخيا و نضاليا و ثقافيا ، زود بها المكتبة العراقية و العربية ومنها التالية :
1 – مذكرات باقر ابراهيم أصدار دار الطليعة بيروت ٠
2- دراسات في الجبهة الوطنية دار الرواد بغداد
3- حسن عوينة ثوري وهب الشعب و الوطن حياته صادر عن مركز الحرف العربي غوتنبرغ السويد ٠
4- العراق جديد الحركة و تجديد الطلائع صادر عن دار الكنوز الادبية بيروت ٠
5- صفحات من النضال على طريق التصحيح و التجديد و الوحدة صادر عن دار الكنوز الادبية بيروت ٠
لك المجد و ستبقى مشروع خلود
طبيب ودكتور
‎2025-‎04-‎20

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في الذكرى السنوية الاولى لوفاة القائد الشيوعي العراقي باقر ابراهيم!محمد جواد فارس
في الذكرى السنوية الاولى لوفاة القائد الشيوعي العراقي باقر ابراهيم!محمد جواد فارس

ساحة التحرير

time٢٠-٠٤-٢٠٢٥

  • ساحة التحرير

في الذكرى السنوية الاولى لوفاة القائد الشيوعي العراقي باقر ابراهيم!محمد جواد فارس

في الذكرى السنوية الاولى لوفاة القائد الشيوعي العراقي باقر ابراهيم! محمد جواد فارس* الأصعب ليس ان يموت المرء ، بل ان يموت الذين حوله كلهم ، و يبقى هو حيا ٠ ( تولستوي ) في الثامن و العشرين من نيسان عام 2024 توقف قلب المناضل الشيوعي الوطني العراقي باقر أبراهيم ، ابن مدينة الكوفة العراقية , كنت ابنا بارا لهذه المدينة ، و التي كانت في ماضيها عاصمة للخلافة الاسلامية أضافة لكونها مدينة النحو في قواعد اللغة العربية كما البصرة ، كنت ابن السيد ابراهيم الموسوي المكنى بالبصري ، حيث مكان ولادته متنقلا الى الكوفة بعد ثورة 1920 و المعروفة بثورة العشرين ٠ مدينة النجف الاشرف حيث مرقد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب و الذي اتخذ من الكوفة عاصمة للخلافة ، فقد كانت النجف مدينة العلم و الثقافة و المناضلين الشيوعيين ، قدمت الشهيد عواد رضا الصفار و قبله الشهيد حسين محمد الشبيبي ( صارم ) و حسين أحمد الرضي ( سلام عادل ) و كذلك حسن عوينة ، واخرين منهم محمد حسن مبارك و صاحب جليل الحكيم واخرين ، ممن تركوا بصماتهم النضالية في تاريخ الحركة الشيوعية العراقية ٠ ظهرت لدى باقر ابراهيم نزعة الاحتجاج و الثورة على النظام في سنوات نضوجه الاولى ، بدء أحداث مايس 1941 و التي أطلق عليها ثورة رشيد عالى الكيلاني او الضباط الاربعة ٠ كان باقر ابراهيم طالب مجتهد و مواظب أكمل دراسته الابتدائية عام 1946 بتفوق مما اهله قبوله في كلية الملك فيصل الثاني في بغداد ، وفيها التقى مع طلاب وطنين منهم نوري عبد الرزاق و أياد سعيد ثابت و طالب شبيب و حكمت الفرحان ، وهم من توجهات فكرية وطنية متعددة ، وكان لاخيه الكبير دورا كبيرا في توجهه و حثه لقرأة جريدة ( الرائد ) لصاحبها نور الدين داود ، فيها كانت محاكمات قادة الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد ) و زكي محمد بسيم ( حازم ) و حسين محمد الشبيبي ( صارم ) و يهودا صديق و اخرين ، وتأثر باقر ابراهيم في دفاعهم في المحكمة عن مبادئهم في وطن حر و شعب سعيد ، و كانت انذاك ملتهبة قضية الشعب الفلسطيني وهجرة اليهود من الدول الاوربية و العربية و الاستيطان في فلسطين و طرد الشعب الفلسطيني اهل الدار من بيوتهم ٠ وفي عام 1948 عندما انطلقت اول انتفاضة جماهيرية كبيرة ضد معاهدة بورت سموث و التي وقعها صالح جبر و بيفن ، كان باقر ابراهيم احد المشاركين فيها عندما كان ١ طالب في كلية بغداد ، و في معركة الجسر سقط شهداء من الحزب الشيوعي العراقي الذين كانوا في مقدمة التظاهرة ، و عندما رجعت الى مدينتك لن تستكين بل شاركت وزملائك طلاب الكليات و المعاهد و الثانويات ، و ذكرت في مذكراتك بعد عودتك الى الكلية جرى الهجوم عليكم من طلاب معكم ذو التوجهات القومية و المدعومين من حزب الاستقلال و هو المحرض ، مستخدمين العصي و الهراوات و بوكسات الحديد معتدين على الشيوعيين في الكلية و قد اصيب عدد من الزملاء نتيجة الاعتداء الصارخ ٠ نسب باقر ابراهيم لحلقة الاصدقاء عام 1947 وبقي حتى عام 1948 لكي يصبح عضوا في الحزب وهذا تم في مدينة الكوفة درس جيدا مبادئ الحزب ونظامه الداخلي و اسلوب العمل بين العمال والفلاحين و الكسبة لتوسيع القاعدة الحزبية في المدينة ، و كان مثابرا لتوسيع مداركه في الثقافة و كان يستعير الكتب من المكتبة و خاصة الكتب الثقافية في الادب قصة و شعرا و تاريخا و من ثم انتقل الى الادب الماركسي ، مثل كتاب الام لمكسيم غوركي و الدون الهادئ لميخائيل شولوخوف ، والمنشورات الحزبية السرية ، وما صدر عن عصبة مكافحة الصهيونية و ما صدر من دار الحكمة و حزب التحرر الوطني ، كان في ذالك الوقت ٩ متأثرا باعدام فهد و رفاقه ، في محكمة النعساني و بضغط من المستعمرين الانكليز ، و كذلك هزه خبر وفاة رفيقه ضياء طارق زلزلة و الشخصية الوطنية النجفية المعروفة سعد صالح جريو رئيس حزب الاحرار و الذي استؤزر وزيرا للداخلية و في عهده انتعشت الحركة الوطنية و الثقافية و اجاز احزاب وطنية ٠ لقد كنت ايها المناضل الشيوعي متابع جيد لتوجيهات حزبك هذه التوجيهات الصادرة عن قيادة الحزب ، في تنشيط الانتفاضات الشعبية التي حدثت و منها انتفاضة عام ١٩٥٢ و التضامن مع الشعب( المصري الشقيق في ثورة يوليو ومع انتفاضة عام ١٩٥٦ اثناء العدوان الثلاثي عندما امم النظام المصري بقيادة عبد الناصر قناة السويس ، و بدء العدوان الانكليزي و الاسرائيلي و الفرنسي على الشعب المصري ، هب الشعب العراقي بالتضامن مع مصر و شعبها ٠ و في عام ١٩٥٢ وانت كنت معتقل ، حكم عليك المجلس العرفي العسكري بموجب ثلاث دعاوى منفصلة و سجنت لعامين منهما ، في سجن بغداد المركزي ، و كنت في السجن مواظب في دراسة اسس الماركسية في الاقتصاد السياسي ، و الفلسفة و الاشتراكية العلمية و تاريخ الحركة العمالية العالمية ، و كان لمخطوطة أحمد علوان ( ابو عمر ) و هو من البصرة قد اثرت فيك ، والمخطوطة كانت ( ربع قرن من تاريخ الحركة الثورية في العراق ) ، و التقيت في السجن بخيرة المناضلين ومنهم المناضل الشيخ حسين الساعدي و كنت تملك صداقات مع الكثير من السجناء ٠ كان باقر براهيم حريصا على وحدة الحزب وتماسكه ، و يدين الانشقاقات من مبدأ ان حل الخلافات يجب ان يكون بطرح الافكار داخل التنظيم ومناقشة كل الاراء التي تطرح وفق مبادئ الحزب للوصول الى الحلول الناجعة ، و رفضت انشقاق (راية الشغيلة ) وعلى رأسهم المسؤول الاول عزيز محمد ، وكنت أنذاك مسؤول عن تنظيم مدينة الحلة و عندما وصل بيان حل راية الشغيلة عام ١٩٥٦ و توحيد الحزب ، و دور الرفيق عميد الشيوعين العرب خالد بكداش في الوحدة ،وجرى تعميق الوحدة بموقف انتقادي جريئ ٠ لقد واكبت المجازر التي ارتكبت بحق السجناء الشيوعيين في سجن بغداد المركزي و كان عدد القتلى سبعة شهداء و 81 جريحا من مجموع السجناء البالغ عددهم 164 سجينا ، وفي سجن الكوت عندما كان العدد 123 وانت كنت هناك ، المعاملة كانت مشابه للسجناء في بغداد و الكوت و نقرة السلمان و كان لك موقف مشهود في توقيعك على عريضة حول معانات السجناء و دفاعك عن محتواها( امام لجنة التحقيق ، زرت سجون العهد الملكي كلها في الكوت و بعقوبة و السلمان ، و وضحت ذلك في كتابك الموسوم ( مذكرات باقر ابراهيم ) الصادر عن دار الطليعة ، عن معاناة السجناء و كذلك عمليات الهروب الى الحرية ، و أشكالها ومنها التنكر و الخروج مع الزائرين في المواجهات ومنها الانفاق و غيرها من الطرق ، ومررت على العلاقات الرفاقية بين السجناء وذكرت الدكتور محمد صالح سميسم و الدكتور حسين الوردي ٠ وفي عام 1954 صدر المرسوم رقم ( 17 ) الخاص باسقاط الجنسية العراقية ، عن المناضلين توفيق منير و المحامي الموصلي كامل قزانجي وابعدوا الى تركيا ، و عندما اطلق سراحك كنت تحمل رسالة من منظمة الحزب في السجن الى قيادة الحزب و كنت قد استخدمت علبة معجون الاسنان الفارغة و ادخلت الرسالة فيها واوصلتها ، و بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 تفرغت للعمل الحزبي بنشاط من اجل تقوية و توسيع العمل التنظيمي بين الجماهير في الحلة و اطراف الكوت و الديوانية من جهة القاسم والمحمودية في تكوين خلايا حزبية ، ولجان فلاحية اعتمدت على الثقة و المعرفة التي توليها جماهير الحزب في الريف و في مقدمتهم الشهيد كاظم الجاسم في ريف الحلة في قرية البو شناوة و معن جواد في المحاويل و طاهر علوان في كربلاء وملا أحمد في القاسم و الشهيد عباس الخضير من قرية البو شناوة و ذكرت الرفاق الذي عملت معهم ٠ مواقفك الاممية تجسدت في مشاركتك في احتفالات ومؤتمرات الاحزاب الشيوعية و العمالية العالمية في البلدان الاشتراكية في القاء الكلمات و حضور الاجتماعات معهم كما مع قيادة جمهورية منغوليا الشعبية على سبيل المثال و لقاءك بقائد الحزب الشيوعي الايراني ( تودا ) و مع قيادة الحزب الشيوعي القبرصي ( اكيل ) ٠ وفي رومانيا و سيرلانكا و فرنسا و البرتغال ، وحضورك الى المؤتمر السادس و العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي مع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي و عقدك لندوات حزبية داخل التنظيم ٠ كنت في ريف الفرات الاوسط و على وجه التحديد في ريف الشامية و بعد انقلاب شباط الدموي و انت عضو المكتب السياسي الذي يقوده الشهيد سلام عادل ، لعبت دورا مهما في جمع الرفاق الذين انقطعت صلتهم بالحزب ، و رسمت الخطة لانقاذ قيادة الحزب الرفيق جمال الحيدري و محمد صالح العبلي لخروجهم من بغداد ، ولكن حركة الشهيد حسن سريع في 3 /7 / 1963 حالت دون نجاح الخطة و تم القبض على الرفيقين و استشهدا في قصر النهاية ٠ و تابعت مسيرة الحزب وشاركت في المؤتمر الثاني و الثالث و انتخبت عضوا في المكتب السياسي لغاية المؤتمر الرابع المنعقد في كردستان العراق ، و كنت في كردستان مع الانصار و زوجتك خالدة الذكر ام خولة ، و كنت قد ادركت ماذا سيحدث في هذا المؤتمر فقررت عدم الترشيح للجنة المركزية للحزب و قدمت مداخلة ، انقل منها مايلي : [ وقررت و وضحت في تلك الرسالة ( و يقصد بها الرسالةالتي قدمها الى الاجتماع الكامل للجنة المركزية المنعقد في حزيران 1984 ) وجهة نظر عامة موجزة تجاه سياسة الحزب التي وجدت فيها ما يدفع بالحزب ، بعد تصحيح اخطائناالسابقة نحو العزلة و الضعف ، كما تحدثت فيها عن أوضاع الحزب الداخلية التي تتطلب المعالجات و عن الوضع في قيادة الحزب ٠ كنت انذاك احمل شرف العضوية في المكتب السياسي و المسؤلية عن التنظيم الحزبي ، وبسبب القناعة التي تأكدت لدي بعدم خوضي الصراعات المتتالية داخل القيادة حول عضوية المكتب السياسي ، وما تقابل به مهمتي التنظيمية من عرقلة _ لهذه الاسباب _ بالدرجة الاساسية اتخذت موقف تجنب ترشيح نفسي في انتخابات المكتب السياس ] انتهى الاقتباس من مذكرات باقر ابراهيم ٠ بعد احتلال الوطن في نيسان قمت بزيارات لقادة الحركة الفلسطنية و كنت معك (كاتب السطور ) بزيارة الرفيق نايف حواتمة امين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين و كذلك الشهيد ابو علي مصطفى امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في دمشق شرحت لهم نتائج هذا الاحتلال و ما يترتب عنه من تدمير البنية التحتية للدولة العراقية التي تأسست عام ١٩٢١ ، و موقف الشيوعيين الوطنين من الاحتلال و العمل لمقاومته بكل السبل بما فيها المسلحة ٠ لقد كتب باقر ابراهيم كتب مهمة تاريخيا و نضاليا و ثقافيا ، زود بها المكتبة العراقية و العربية ومنها التالية : 1 – مذكرات باقر ابراهيم أصدار دار الطليعة بيروت ٠ 2- دراسات في الجبهة الوطنية دار الرواد بغداد 3- حسن عوينة ثوري وهب الشعب و الوطن حياته صادر عن مركز الحرف العربي غوتنبرغ السويد ٠ 4- العراق جديد الحركة و تجديد الطلائع صادر عن دار الكنوز الادبية بيروت ٠ 5- صفحات من النضال على طريق التصحيح و التجديد و الوحدة صادر عن دار الكنوز الادبية بيروت ٠ لك المجد و ستبقى مشروع خلود طبيب ودكتور ‎2025-‎04-‎20

علمانية الجامعات في العراق على المحك
علمانية الجامعات في العراق على المحك

time٢٢-٠٢-٢٠٢٥

علمانية الجامعات في العراق على المحك

كوردستريت|| #آراء وقضايا بقلم سمير عادل / العراق في الوقت الذي يُجمَّد فيه قانون فرض الحجاب على النساء، وحديث رئيس البرلمان الإيراني الحالي محمد باقر قاليباف عن عدم إمكانية استمرار القانون المذكور، اذ حمل تصريحاته في طياتها دلالات على التحولات الكبيرة في المنطقة، إلى جانب الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي تمر بها الجمهورية الإسلامية، والاحتقان الاجتماعي المستمر، الذي تفجّر في إحدى محطاته قبل سنتين، وأدى إلى انطلاق حركة تطالب بإسقاط النظام السياسي، وذلك إثر مقتل مهسا أميني في معتقلات النظام بسبب عدم ارتدائها الحجاب. وبينما تتهاوى أركان 'قلعة الإسلام السياسي' هناك، تشهد الساحة العراقية خطوات متسارعة لأسلمة المجتمع العراقي وحسم هوية الدولة السياسية، وسط تداعيات التحولات الإقليمية التي تثير قلق القوى الإسلامية من الأحزاب والمليشيات في العراق بتقويض مكانتها في السلطة. غير أن هذه المساعي تصطدم بموجة مقاومة كبيرة، تتجلى في اعتراضات واحتجاجات اجتماعية آخذة في التبلور نحو حركة علمانية مدنية وحضارية. وإلى جانب ذلك، لم تنجح الأحزاب الإسلامية الشيعية، حتى الآن، في حسم الصراع على السلطة أو إقصاء معارضيها نهائيًا. سقوط نظام الأسد، الذي أعقب مباشرة الضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله في لبنان وتقزيمه عسكريًا وسياسيًا، و اعتلاء أحد أجنحة الإسلام السياسي السني، ممثلًا بهيئة تحرير الشام، السلطة في دمشق، أربك جميع الحسابات الاستراتيجية لحلفاء إيران في المنطقة، وخاصة ما تبقى من القطع الدومينو المتساقطة هي في العراق. إذ تعتمد معادلة السلطة في العراق التي تهيمن عليها الأحزاب الإسلامية الشيعية على دعامة النفوذ الإيراني. صحيح أن مساعي أسلمة المجتمع العراقي أخذت منحًى تصاعديًا منذ الغزو واحتلال العراق، وشهدت تذبذبًا في بعض المراحل، إلا أن حسم هوية الدولة ككيان طائفي وديني، وفرض الاستبداد السياسي، انطلقت قاطرته بشكل قانوني وسياسي ممنهج منذ تعيين محمد شياع السوداني رئيسًا للوزراء من قبل تحالف تلك الأحزاب الإسلامية الذي يسمى بالاطار التنسيقي. وقد تجلى ذلك في سلسلة من القوانين، مثل قانون مكافحة البغاء والمثلية، وقانون عيد الغدير، وآخرها تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يشرعن التقسيم الاجتماعي الطائفي والديني للمجتمع العراقي. وإذا دققنا في هذه القوانين، إلى جانب قرارات أو مشاريع قوانين موازية ومتناسقة معها، مثل اعتقال أي شخص بتهمة الترويج لمحتوى 'هابط'، ومسودة قانون حرية التعبير، وقانون الحريات النقابية، يتضح بشكل لا لبس فيه أن عملية أسلمة المجتمع العراقي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بترسيخ سلطة استبدادية. أي، بعبارة أخرى، لا أسلمة للمجتمع مع وجود الحريات، فالأسلمة كسياسة ممنهجة ترتبط ارتباطًا عضويًا بالاستبداد السياسي. وفي هذا السياق، تأتي المحاولات المستمرة لانتزاع صفة العلمانية من الجامعات العراقية. وإذا عدنا إلى التاريخ، وتحديدًا في أواسط القرن العشرين وبعد النصف الثاني منه، نجد أن هناك حركتين اجتماعيتين ساهمتا في رسم المشهد السياسي العراقي: الحركة الطلابية والحركة العمالية. وكانت الأحزاب السياسية، التي مثلت تيارات وميول مختلفة داخل تلك الحركات هي مدنية الطابع، على سبيل المثال حزب الاستقلال وحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب قومية أخرى. وقد نشأ معظم كوادر وقيادات هذه الأحزاب وتعلموا داخل الجامعات، وساهموا بفاعلية في الحركة الطلابية، حيث كانت الأحزاب تتنافس على توجيه سياستها والتأثير فيها وسيادة افقها عبر الانتخابات الطلابية. ان الأحزاب الإسلامية التي تدير السلطة اليوم في العراق تدرك جيدًا أن مفتاح أسلمة المجتمع يكمن في أسلمة الجامعات العراقية. وفي هذا السياق، أصدرت قرارًا يصب في إطار ترسيخ استبداد السلطة السياسية ونهج الأسلمة، يقضي بمنع تشكيل أي تنظيمات طلابية. ويشرف على تنفيذ هذا القرار، إن لم يكن صادرًا عنه مباشرة، وزير التعليم العالي نعيم العبودي، المنتمي إلى ميليشيات عصائب أهل الحق. ويجدر بالذكر أن قانون الأحزاب السياسية في العراق يمنع مشاركة الجماعات المسلحة في الانتخابات أو الترشح لها. لكن العراق، كما هو معتاد، يشكل استثناءً لكل القواعد، حيث يكون الخاسر في الانتخابات هو من يشكل الحكومة، وحيث يتمكن من يملك مقعدًا أو مقعدين في البرلمان من أصل 328 مقعدًا من توجيه دفة السلطة والسيطرة على مفاصلها. بالتزامن مع القرار الذي منع تشكيل أي منظمة طلابية، وأدى إلى حل الاتحاد العام لطلبة العراق، قامت الأحزاب الإسلامية بتشكيل اتحاد جديد، يمثله طلاب الحوزة العلمية في النجف، الذين يجوبون الجامعات لإلقاء المحاضرات الدينية. ولم تتوقف هذه الإجراءات عند هذا الحد، بل امتدت إلى تحويل المناسبات الجامعية، مثل حفلات التخرج، إلى استعراضات طائفية، تُرفع فيها صور قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين اغتيلا في يناير 2021 على يد القوات الامريكية، ويجري خلالها التمجيد بميليشيات الحشد الشعبي. بالتوازي مع ذلك، تم إصدار عدد من القرارات في مختلف الجامعات، مثل فصل الذكور عن الإناث، كما حدث في جامعة تكريت بمحافظة صلاح الدين، وفرض اللباس على الطالبات تحت مسمى 'اللباس المحتشم'، إلى جانب تنظيم عشرات المناسبات الطائفية داخل الجامعات وعلى المستوى الاخر، تمكنت الأحزاب الإسلامية الشيعية وميليشياتها من استغلال سياسة الخصخصة التي كانت جزء من سياسة الاحتلال، لتمهيد الطريق نحو خلق بيئة مواتية للأسلمة، من خلال الجيل الجديد في الجامعات، الذي يجري تأهيله وفق التصورات والأفكار والأيديولوجيا الإسلامية. تسير سياسة الخصخصة في العراق بوتيرة متسارعة، وتشمل جميع الميادين، حيث تتنصل الدولة من مسؤولياتها، ويبرز قطاع التعليم في مقدمة تلك المجالات. إن تدهور التعليم، كنظام علمي وأكاديمي في المدارس، ليس مجرد نتيجة للفساد، بل إن الفساد ذاته هو أداة ممنهجة تهدف إلى إعداد جيل غير متعلم، مشوش الفكر، فاقد للبوصلة، وغير مسلح بسلاح العلم، ليكون بيئة خصبة لبناء منظومة خاوية من كل شيء سوى الخرافات الدينية والأفكار الغيبية. ويتم، من خلال هذه المنهجية، إغراق العقل الفردي والعقل الجمعي في مستنقع الطائفية، لمنع التفكير النقدي والبحث عن أسباب التدهور الاجتماعي والفقر المدقع، وإجهاض أي محاولة لكسر الجدار الطائفي الذي يُبنى بعناية، وإقامة ستار يحجب الهوية الإنسانية الجامعة التي تربط البشر في جغرافية تسمى العراق. وعلى الجانب الآخر، تساهم سياسة خصخصة التعليم في حرمان أبناء العمال والكادحين غير القادرين على دفع تكاليف التعليم الجامعي من الوصول إلى الجامعات. وفي الوقت نفسه، تصبح هذه الجامعات إقطاعيات دينية لا يدخلها إلا الميسورون من الطبقة البرجوازية حديثي النعمة، مما يؤدي إلى إنتاج جيل متعلم ليكون أداةً لنشر الطائفية والخرافات والكراهية الدينية والتمييز الجنسي في المجتمع، بهدف ترسيخ النظام السياسي الطائفي والميليشياتي الفاسد، والمُمعِن في ارتكاب الجرائم بحق جماهير العراق. وتجتمع هذه العوامل لتحقيق استراتيجية أسلمة المجتمع. وبالرغم من وجود مقاومة داخل الجامعات ضد سياسات فصل الذكور عن الإناث، وفرض الزي على الطلاب الاناث، ومقاطعة المناسبات الدينية، إلا أن هذه المقاومة قد يتم إجهاضها إذا لم تُواجه بحراك اجتماعي، وجماهيري، وتنظيمي، وإعلامي واسع. وذلك على غرار ما قام به النظام البعثي سابقًا، حين فرض اتحاد طلبة وحيد داخل الجامعات، وعاقب بالسجن والأحكام المشددة، بما في ذلك الإعدام شنقًا، كل من روج لإنشاء تنظيم طلابي مستقل عن اتحاد الطلبة البعثي. إن الدفاع عن علمانية الجامعات يشكل أحد عوامل صمام الأمان لإفشال مخطط تقسيم المجتمع وفرض السياسة الطائفية عليه. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال توعية الطلبة بمخاطر سياسة الأسلمة في الجامعات من جهة، ومن جهة أخرى اتخاذ خطوة عملية بتشكيل إطار تنظيمي مستقل يرتكز على مجموعة من المطالب العادلة، أهمها: الدفاع عن علمانية الجامعات، ومنع تنظيم المناسبات الطائفية أو تمجيد قادة الميليشيات، والتصدي لسياسة الخصخصة، وضمان مجانية التعليم الجامعي. إضافةً إلى ذلك، ينبغي المطالبة بتوفير مخصصات مالية للطلبة، أسوةً بما كان معمولًا به في النظام السابق، وتهيئة أقسام داخلية مجهزة بجميع الخدمات الضرورية لطلبة المحافظات. معجب بهذه: إعجاب تحميل...

علمانية الجامعات في العراق على المحك
علمانية الجامعات في العراق على المحك

موقع كتابات

time٢١-٠٢-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

علمانية الجامعات في العراق على المحك

في الوقت الذي يُجمَّد فيه قانون فرض الحجاب على النساء، وحديث رئيس البرلمان الإيراني الحالي محمد باقر قاليباف عن عدم إمكانية استمرار القانون المذكور، اذ حمل تصريحاته في طياتها دلالات على التحولات الكبيرة في المنطقة، إلى جانب الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي تمر بها الجمهورية الإسلامية، والاحتقان الاجتماعي المستمر، الذي تفجّر في إحدى محطاته قبل سنتين، وأدى إلى انطلاق حركة تطالب بإسقاط النظام السياسي، وذلك إثر مقتل مهسا أميني في معتقلات النظام بسبب عدم ارتدائها الحجاب. وبينما تتهاوى أركان 'قلعة الإسلام السياسي' هناك، تشهد الساحة العراقية خطوات متسارعة لأسلمة المجتمع العراقي وحسم هوية الدولة السياسية، وسط تداعيات التحولات الإقليمية التي تثير قلق القوى الإسلامية من الأحزاب والمليشيات في العراق بتقويض مكانتها في السلطة. غير أن هذه المساعي تصطدم بموجة مقاومة كبيرة، تتجلى في اعتراضات واحتجاجات اجتماعية آخذة في التبلور نحو حركة علمانية مدنية وحضارية. وإلى جانب ذلك، لم تنجح الأحزاب الإسلامية الشيعية، حتى الآن، في حسم الصراع على السلطة أو إقصاء معارضيها نهائيًا. سقوط نظام الأسد، الذي أعقب مباشرة الضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله في لبنان وتقزيمه عسكريًا وسياسيًا، و اعتلاء أحد أجنحة الإسلام السياسي السني، ممثلًا بهيئة تحرير الشام، السلطة في دمشق، أربك جميع الحسابات الاستراتيجية لحلفاء إيران في المنطقة، وخاصة ما تبقى من القطع الدومينو المتساقطة هي في العراق. إذ تعتمد معادلة السلطة في العراق التي تهيمن عليها الأحزاب الإسلامية الشيعية على دعامة النفوذ الإيراني. صحيح أن مساعي أسلمة المجتمع العراقي أخذت منحًى تصاعديًا منذ الغزو واحتلال العراق، وشهدت تذبذبًا في بعض المراحل، إلا أن حسم هوية الدولة ككيان طائفي وديني، وفرض الاستبداد السياسي، انطلقت قاطرته بشكل قانوني وسياسي ممنهج منذ تعيين محمد شياع السوداني رئيسًا للوزراء من قبل تحالف تلك الأحزاب الإسلامية الذي يسمى بالاطار التنسيقي. وقد تجلى ذلك في سلسلة من القوانين، مثل قانون مكافحة البغاء والمثلية، وقانون عيد الغدير، وآخرها تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يشرعن التقسيم الاجتماعي الطائفي والديني للمجتمع العراقي. وإذا دققنا في هذه القوانين، إلى جانب قرارات أو مشاريع قوانين موازية ومتناسقة معها، مثل اعتقال أي شخص بتهمة الترويج لمحتوى 'هابط'، ومسودة قانون حرية التعبير، وقانون الحريات النقابية، يتضح بشكل لا لبس فيه أن عملية أسلمة المجتمع العراقي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بترسيخ سلطة استبدادية. أي، بعبارة أخرى، لا أسلمة للمجتمع مع وجود الحريات، فالأسلمة كسياسة ممنهجة ترتبط ارتباطًا عضويًا بالاستبداد السياسي. وفي هذا السياق، تأتي المحاولات المستمرة لانتزاع صفة العلمانية من الجامعات العراقية. وإذا عدنا إلى التاريخ، وتحديدًا في أواسط القرن العشرين وبعد النصف الثاني منه، نجد أن هناك حركتين اجتماعيتين ساهمتا في رسم المشهد السياسي العراقي: الحركة الطلابية والحركة العمالية. وكانت الأحزاب السياسية، التي مثلت تيارات وميول مختلفة داخل تلك الحركات هي مدنية الطابع، على سبيل المثال حزب الاستقلال وحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب قومية أخرى. وقد نشأ معظم كوادر وقيادات هذه الأحزاب وتعلموا داخل الجامعات، وساهموا بفاعلية في الحركة الطلابية، حيث كانت الأحزاب تتنافس على توجيه سياستها والتأثير فيها وسيادة افقها عبر الانتخابات الطلابية. ان الأحزاب الإسلامية التي تدير السلطة اليوم في العراق تدرك جيدًا أن مفتاح أسلمة المجتمع يكمن في أسلمة الجامعات العراقية. وفي هذا السياق، أصدرت قرارًا يصب في إطار ترسيخ استبداد السلطة السياسية ونهج الأسلمة، يقضي بمنع تشكيل أي تنظيمات طلابية. ويشرف على تنفيذ هذا القرار، إن لم يكن صادرًا عنه مباشرة، وزير التعليم العالي نعيم العبودي، المنتمي إلى ميليشيات عصائب أهل الحق. ويجدر بالذكر أن قانون الأحزاب السياسية في العراق يمنع مشاركة الجماعات المسلحة في الانتخابات أو الترشح لها. لكن العراق، كما هو معتاد، يشكل استثناءً لكل القواعد، حيث يكون الخاسر في الانتخابات هو من يشكل الحكومة، وحيث يتمكن من يملك مقعدًا أو مقعدين في البرلمان من أصل 328 مقعدًا من توجيه دفة السلطة والسيطرة على مفاصلها. بالتزامن مع القرار الذي منع تشكيل أي منظمة طلابية، وأدى إلى حل الاتحاد العام لطلبة العراق، قامت الأحزاب الإسلامية بتشكيل اتحاد جديد، يمثله طلاب الحوزة العلمية في النجف، الذين يجوبون الجامعات لإلقاء المحاضرات الدينية. ولم تتوقف هذه الإجراءات عند هذا الحد، بل امتدت إلى تحويل المناسبات الجامعية، مثل حفلات التخرج، إلى استعراضات طائفية، تُرفع فيها صور قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين اغتيلا في يناير 2021 على يد القوات الامريكية، ويجري خلالها التمجيد بميليشيات الحشد الشعبي. بالتوازي مع ذلك، تم إصدار عدد من القرارات في مختلف الجامعات، مثل فصل الذكور عن الإناث، كما حدث في جامعة تكريت بمحافظة صلاح الدين، وفرض اللباس على الطالبات تحت مسمى 'اللباس المحتشم'، إلى جانب تنظيم عشرات المناسبات الطائفية داخل الجامعات وعلى المستوى الاخر، تمكنت الأحزاب الإسلامية الشيعية وميليشياتها من استغلال سياسة الخصخصة التي كانت جزء من سياسة الاحتلال، لتمهيد الطريق نحو خلق بيئة مواتية للأسلمة، من خلال الجيل الجديد في الجامعات، الذي يجري تأهيله وفق التصورات والأفكار والأيديولوجيا الإسلامية. تسير سياسة الخصخصة في العراق بوتيرة متسارعة، وتشمل جميع الميادين، حيث تتنصل الدولة من مسؤولياتها، ويبرز قطاع التعليم في مقدمة تلك المجالات. إن تدهور التعليم، كنظام علمي وأكاديمي في المدارس، ليس مجرد نتيجة للفساد، بل إن الفساد ذاته هو أداة ممنهجة تهدف إلى إعداد جيل غير متعلم، مشوش الفكر، فاقد للبوصلة، وغير مسلح بسلاح العلم، ليكون بيئة خصبة لبناء منظومة خاوية من كل شيء سوى الخرافات الدينية والأفكار الغيبية. ويتم، من خلال هذه المنهجية، إغراق العقل الفردي والعقل الجمعي في مستنقع الطائفية، لمنع التفكير النقدي والبحث عن أسباب التدهور الاجتماعي والفقر المدقع، وإجهاض أي محاولة لكسر الجدار الطائفي الذي يُبنى بعناية، وإقامة ستار يحجب الهوية الإنسانية الجامعة التي تربط البشر في جغرافية تسمى العراق. وعلى الجانب الآخر، تساهم سياسة خصخصة التعليم في حرمان أبناء العمال والكادحين غير القادرين على دفع تكاليف التعليم الجامعي من الوصول إلى الجامعات. وفي الوقت نفسه، تصبح هذه الجامعات إقطاعيات دينية لا يدخلها إلا الميسورون من الطبقة البرجوازية حديثي النعمة، مما يؤدي إلى إنتاج جيل متعلم ليكون أداةً لنشر الطائفية والخرافات والكراهية الدينية والتمييز الجنسي في المجتمع، بهدف ترسيخ النظام السياسي الطائفي والميليشياتي الفاسد، والمُمعِن في ارتكاب الجرائم بحق جماهير العراق. وتجتمع هذه العوامل لتحقيق استراتيجية أسلمة المجتمع. وبالرغم من وجود مقاومة داخل الجامعات ضد سياسات فصل الذكور عن الإناث، وفرض الزي على الطلاب الاناث، ومقاطعة المناسبات الدينية، إلا أن هذه المقاومة قد يتم إجهاضها إذا لم تُواجه بحراك اجتماعي، وجماهيري، وتنظيمي، وإعلامي واسع. وذلك على غرار ما قام به النظام البعثي سابقًا، حين فرض اتحاد طلبة وحيد داخل الجامعات، وعاقب بالسجن والأحكام المشددة، بما في ذلك الإعدام شنقًا، كل من روج لإنشاء تنظيم طلابي مستقل عن اتحاد الطلبة البعثي. إن الدفاع عن علمانية الجامعات يشكل أحد عوامل صمام الأمان لإفشال مخطط تقسيم المجتمع وفرض السياسة الطائفية عليه. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال توعية الطلبة بمخاطر سياسة الأسلمة في الجامعات من جهة، ومن جهة أخرى اتخاذ خطوة عملية بتشكيل إطار تنظيمي مستقل يرتكز على مجموعة من المطالب العادلة، أهمها: الدفاع عن علمانية الجامعات، ومنع تنظيم المناسبات الطائفية أو تمجيد قادة الميليشيات، والتصدي لسياسة الخصخصة، وضمان مجانية التعليم الجامعي. إضافةً إلى ذلك، ينبغي المطالبة بتوفير مخصصات مالية للطلبة، أسوةً بما كان معمولًا به في النظام السابق، وتهيئة أقسام داخلية مجهزة بجميع الخدمات الضرورية لطلبة المحافظات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store