
الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
تمثل تجربة الشاعر مالك مسلماوي نموذجًا لافتًا في مشهد الشعر العراقي الحديث، إذ تتضافر في منجزه الشعري والنقدي عناصر التجريب الفني، والوعي الثقافي، والتحول الجمالي. وُلِد الشاعر في ناحية المشخاب بمحافظة القادسية عام 1950، وتكوّنت بداياته التعليمية والثقافية في سياق اجتماعي ريفي تقليدي، انتقل لاحقًا إلى مدينة الحلة التي أصبحت حاضنته الثقافية وفضاءه الإبداعي.
تخرج من قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة بغداد سنة 1975، وعمل مدرسًا لسنوات طويلة، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه من الجامعة الحرة، تخصصًا في اللغة والنقد الأدبي، ما أضفى على نصوصه بعدًا معرفيًا وتجريبيًا في آن واحد.
ينتمي مالك مسلماوي إلى جيلٍ من الشعراء الذين تجاوزوا الصيغ الشعرية التقليدية، وانخرطوا في أفق قصيدة النثر بوصفها فضاءً مفتوحًا للبوح والتأويل والانتهاك البنيوي للأنماط الموروثة. في مجموعاته الكثيرة، التي تربو على خمس عشرة مجموعة شعرية، تتجلى نزعة متمردة على النمط، تبحث عن القصيدة في هوامش اليومي، وفي فجوات اللغة، وفي ما يسميه النقاد بـ'جماليات القلق'.
عناوين مجموعاته مثل 'شاعر رديء'، 'يوميات نعال'، 'علبة فارغة في شارع الحمرا'، تمثل إعلانات صريحة عن اشتغاله على تفكيك بلاغة البطولة والذات المركزية، إذ يُقدِّم الشاعر ذاته بوصفها كائنًا هامشيًا مأزومًا، ويعكس في شعره حواريةً مع الواقع، لكن لا على نحو مباشر، بل من خلال ترميز كثيف ومجازات مركبة وسخرية وجودية.
ما يميز تجربة المسلماوي أنه لم يقف عند حدود الإنتاج الشعري، بل مارس النقد بوصفه فعلًا تفسيريًا وأداة تأويلية، تستبطن الشعر من داخله وتعيد قراءته وفق آليات تحليلية حداثية. في كتبه مثل 'قصيدة النثر العراقية: العودة إلى الذات' و'تدجين اللغة الهاربة' و'جدل الاختلاف: اندحار الوعي وأزمة الذات'، نجد محاولة واعية لفهم تحولات الشعر العراقي، من خلال تتبّع البنية الأسلوبية، وتحليل آليات الخطاب، ومساءلة جدلية اللغة والهوية والذات.
ولعلّ هذا التوازي بين الإبداع والتنظير مكّن الشاعر من صياغة نص شعري لا يقوم على الانفعال وحده، بل يتأسس على معمار لغوي ومعرفي يتطلب قارئًا مؤهّلًا للتفاعل معه.
ويمكننا القول إنه يمثل امتدادًا لخطاب شعري حداثي بدأ مع الستينيات، لكنه لا يستعيد ذلك الخطاب بنسخته الأولى، بل يقدمه بصيغة أكثر تشتتًا، وأكثر تأملًا في أزمة المعنى وغربة الذات وتشظي اللغة. فهو لا يكتب من موقع اليقين، بل من موقع الالتباس، ولا يسعى إلى إنتاج الدهشة فقط، بل إلى توليد السؤال، وزعزعة سلطة الشكل والمحتوى.
إن شعره هو شعر تأمل في الخراب اليومي، واستنطاق للمهمل، واحتفاء بالشخصي العابر بوصفه تمثيلًا للكوني العميق. وهو، في هذا السياق، يُعدّ من الأصوات التي أنجزت مشروعًا شعريًا متكاملًا يتقاطع فيه الحس الجمالي مع البعد الفلسفي، ويتجاور فيه القلق الوجودي مع توتر اللغة، ويترسّخ فيه حضور الذات ككائن هشّ في مواجهة عالم مفكك.
ختاما فهو ليس شاعرًا تقليديًا ولا تجريبيًا بالمطلق، بل هو شاعر يحفر في اللغة بحثًا عن ذاته وذواتنا، ويكتب من موقع الالتباس ليصوغ نصوصًا شديدة التوتر والدلالة. وقد مكّنه هذا التوازن بين الرؤية الإبداعية والاشتغال النقدي من أن يكون حاضرًا وفاعلًا في المشهد الشعري العراقي المعاصر، بوصفه أحد أبرز كتّاب قصيدة النثر، الذين لم يفرطوا بالجوهر الشعري، بل أعادوا صياغته بما يليق بعصر مفتوح على الانكسار. ونختار من شعره (القصيدة الضائعة) لتحليلها وابراز خصائصها الفكرية والجمالية.
عنوان القصيدة يشير إلى فقدان الأصل، وغياب المرجع، وانهيار اليقين الشعري. القصيدة ليست فقط نصًا مفقودًا، بل هي تجربة ذاتية مشتتة تبحث عن تماسك داخل ذات تمزقها الأسئلة والمفارقات. وهي تنتمي إلى قصيدة النثر التأملية، وتتحرك في مناخ من القلق الوجودي والتشكيك المعرفي، وتُبنى على مناجاة بين الشاعر و'الإله'، الذي يتحول تدريجيًا إلى 'الذات' و'اللا أحد'. وهي بنية تنزاح من الخطاب الصوفي نحو خطاب وجودي معاصر.
وأبرز المحاور الكبرى للنص تتمثل في مفارقة المعلِّم واليتيم،'يا من علّمني كل شيء ، وتركَني وحيدًا في اللاشيء'. فهو هنا يبدأ بمرثية للمعرفة، حيث التعليم لم ينتج خلاصًا، بل عزلة وجودية في فراغ رمزي (اللاشيء). المعرفة، بدل أن تكون نورًا، صارت عبئًا.
ويجد أن الشعر فعل خلاص ومحنة: 'علّمني الشعر… كي لا أَحترق وأتلاشى'. هنا تبرز الجدلية بين الشعر والاحتراق: الشعر ليس ترفًا ولا زينة، بل فعل نجاة روحي، وربما وهم نجاة. إنه شكل من أشكال الصراع مع العدم.
ويرى القراءة كعاهة وجودية: 'اشفني من القراءة والكتابة…لأعود أميًا مثل قطتي'. هنا ذروة في المفارقة الشعرية: الشاعر، الذي يعيش على اللغة، يرى فيها مصدر ألمه. اللغة فقدت قدرتها على إنقاذه، فتحوّلت إلى عائق أمام البراءة، وأمام تلقّي العالم بتلقائية. يتمنى أن يكون 'قطًا' لا يعرف سوى المواء.
ورمزية القطة والأشياء الجامدة ترتسم خيالا في قوله: 'أقرأ لها شعرًا… فتشيح بهدوئها عني'. فالقطة تمثل الكائن الطبيعي غير الملوث بالوعي، الرافض للخطاب الرمزي، بما يرمز إلى رفض الكون غير البشري للمنجز الشعري. كما أن الجمادات (الأحجار التي يتعثر بها منذ صباه) تصبح شهودًا على العجز الشعري، بل على التاريخ الشخصي المعطل.
ونجد في هذه القصيدة تحولات أسلوبية وصوت الشعري:فالضمير الثاني (أنت) يتحوّل تدريجيًا إلى ضمير المتكلم (أنا)، مما يعكس حركة الانطواء. واستخدام التكرار ('علمني الشعر') بوصفه لحنًا داخليًا يعمق الإلحاح والضياع. وتداخل الخطاب الصوفي بـ'جحيمية' حديثة: النار، النبذ، الحيرة، لغة القصيدة تجمع بين البساطة التعبيرية والعمق الفلسفي، وألفاظ تميل إلى التجريد: الشيء، اللاشيء، النار، الصحو، الجغرافيا، الحزن… فيما تستخدم المفردات الحسية ('يدي'، 'لساني'، 'قميصي') لنقل الإفلاس الوجودي الكامل، حتى أدوات التعبير خانته.
أما مسك الختام فيها فهو يوحي بكثير من الدلالات التي يمكن استجلائها: 'علمني أن أكون شاعرًا… عاريًا .. من التاريخ.. والجغرافيا.. والحزن…' هذه الخاتمة تلخّص مشروع الشاعر الفني: التخلص من كل إرث، من كل سياق، من كل شعور، من أجل الوصول إلى شاعرية عارية، غير مثقلة بالماضي، ولا متورطة بالحزن. لكنه لا يصل، بل يظل 'مبلّلًا بأخطائه' و'قصيدته الضائعة'.
لذلك فإن 'القصيدة الضائعة' هي مرآة قلقة لذات تبحث عن خلاص شعري روحي، لكنها تصطدم بجدار اللغة، وببرود العالم، وبتشظي المعنى. فهو هنا يكتب الشعر لا بوصفه صناعة، بل بوصفه سؤالًا وجوديًا فادحًا، متجردًا من كل مظاهر التجميل والتزويق، ومشبَعًا بألم المعرفة واحتراق الدلالة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
تمثل تجربة الشاعر مالك مسلماوي نموذجًا لافتًا في مشهد الشعر العراقي الحديث، إذ تتضافر في منجزه الشعري والنقدي عناصر التجريب الفني، والوعي الثقافي، والتحول الجمالي. وُلِد الشاعر في ناحية المشخاب بمحافظة القادسية عام 1950، وتكوّنت بداياته التعليمية والثقافية في سياق اجتماعي ريفي تقليدي، انتقل لاحقًا إلى مدينة الحلة التي أصبحت حاضنته الثقافية وفضاءه الإبداعي. تخرج من قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة بغداد سنة 1975، وعمل مدرسًا لسنوات طويلة، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه من الجامعة الحرة، تخصصًا في اللغة والنقد الأدبي، ما أضفى على نصوصه بعدًا معرفيًا وتجريبيًا في آن واحد. ينتمي مالك مسلماوي إلى جيلٍ من الشعراء الذين تجاوزوا الصيغ الشعرية التقليدية، وانخرطوا في أفق قصيدة النثر بوصفها فضاءً مفتوحًا للبوح والتأويل والانتهاك البنيوي للأنماط الموروثة. في مجموعاته الكثيرة، التي تربو على خمس عشرة مجموعة شعرية، تتجلى نزعة متمردة على النمط، تبحث عن القصيدة في هوامش اليومي، وفي فجوات اللغة، وفي ما يسميه النقاد بـ'جماليات القلق'. عناوين مجموعاته مثل 'شاعر رديء'، 'يوميات نعال'، 'علبة فارغة في شارع الحمرا'، تمثل إعلانات صريحة عن اشتغاله على تفكيك بلاغة البطولة والذات المركزية، إذ يُقدِّم الشاعر ذاته بوصفها كائنًا هامشيًا مأزومًا، ويعكس في شعره حواريةً مع الواقع، لكن لا على نحو مباشر، بل من خلال ترميز كثيف ومجازات مركبة وسخرية وجودية. ما يميز تجربة المسلماوي أنه لم يقف عند حدود الإنتاج الشعري، بل مارس النقد بوصفه فعلًا تفسيريًا وأداة تأويلية، تستبطن الشعر من داخله وتعيد قراءته وفق آليات تحليلية حداثية. في كتبه مثل 'قصيدة النثر العراقية: العودة إلى الذات' و'تدجين اللغة الهاربة' و'جدل الاختلاف: اندحار الوعي وأزمة الذات'، نجد محاولة واعية لفهم تحولات الشعر العراقي، من خلال تتبّع البنية الأسلوبية، وتحليل آليات الخطاب، ومساءلة جدلية اللغة والهوية والذات. ولعلّ هذا التوازي بين الإبداع والتنظير مكّن الشاعر من صياغة نص شعري لا يقوم على الانفعال وحده، بل يتأسس على معمار لغوي ومعرفي يتطلب قارئًا مؤهّلًا للتفاعل معه. ويمكننا القول إنه يمثل امتدادًا لخطاب شعري حداثي بدأ مع الستينيات، لكنه لا يستعيد ذلك الخطاب بنسخته الأولى، بل يقدمه بصيغة أكثر تشتتًا، وأكثر تأملًا في أزمة المعنى وغربة الذات وتشظي اللغة. فهو لا يكتب من موقع اليقين، بل من موقع الالتباس، ولا يسعى إلى إنتاج الدهشة فقط، بل إلى توليد السؤال، وزعزعة سلطة الشكل والمحتوى. إن شعره هو شعر تأمل في الخراب اليومي، واستنطاق للمهمل، واحتفاء بالشخصي العابر بوصفه تمثيلًا للكوني العميق. وهو، في هذا السياق، يُعدّ من الأصوات التي أنجزت مشروعًا شعريًا متكاملًا يتقاطع فيه الحس الجمالي مع البعد الفلسفي، ويتجاور فيه القلق الوجودي مع توتر اللغة، ويترسّخ فيه حضور الذات ككائن هشّ في مواجهة عالم مفكك. ختاما فهو ليس شاعرًا تقليديًا ولا تجريبيًا بالمطلق، بل هو شاعر يحفر في اللغة بحثًا عن ذاته وذواتنا، ويكتب من موقع الالتباس ليصوغ نصوصًا شديدة التوتر والدلالة. وقد مكّنه هذا التوازن بين الرؤية الإبداعية والاشتغال النقدي من أن يكون حاضرًا وفاعلًا في المشهد الشعري العراقي المعاصر، بوصفه أحد أبرز كتّاب قصيدة النثر، الذين لم يفرطوا بالجوهر الشعري، بل أعادوا صياغته بما يليق بعصر مفتوح على الانكسار. ونختار من شعره (القصيدة الضائعة) لتحليلها وابراز خصائصها الفكرية والجمالية. عنوان القصيدة يشير إلى فقدان الأصل، وغياب المرجع، وانهيار اليقين الشعري. القصيدة ليست فقط نصًا مفقودًا، بل هي تجربة ذاتية مشتتة تبحث عن تماسك داخل ذات تمزقها الأسئلة والمفارقات. وهي تنتمي إلى قصيدة النثر التأملية، وتتحرك في مناخ من القلق الوجودي والتشكيك المعرفي، وتُبنى على مناجاة بين الشاعر و'الإله'، الذي يتحول تدريجيًا إلى 'الذات' و'اللا أحد'. وهي بنية تنزاح من الخطاب الصوفي نحو خطاب وجودي معاصر. وأبرز المحاور الكبرى للنص تتمثل في مفارقة المعلِّم واليتيم،'يا من علّمني كل شيء ، وتركَني وحيدًا في اللاشيء'. فهو هنا يبدأ بمرثية للمعرفة، حيث التعليم لم ينتج خلاصًا، بل عزلة وجودية في فراغ رمزي (اللاشيء). المعرفة، بدل أن تكون نورًا، صارت عبئًا. ويجد أن الشعر فعل خلاص ومحنة: 'علّمني الشعر… كي لا أَحترق وأتلاشى'. هنا تبرز الجدلية بين الشعر والاحتراق: الشعر ليس ترفًا ولا زينة، بل فعل نجاة روحي، وربما وهم نجاة. إنه شكل من أشكال الصراع مع العدم. ويرى القراءة كعاهة وجودية: 'اشفني من القراءة والكتابة…لأعود أميًا مثل قطتي'. هنا ذروة في المفارقة الشعرية: الشاعر، الذي يعيش على اللغة، يرى فيها مصدر ألمه. اللغة فقدت قدرتها على إنقاذه، فتحوّلت إلى عائق أمام البراءة، وأمام تلقّي العالم بتلقائية. يتمنى أن يكون 'قطًا' لا يعرف سوى المواء. ورمزية القطة والأشياء الجامدة ترتسم خيالا في قوله: 'أقرأ لها شعرًا… فتشيح بهدوئها عني'. فالقطة تمثل الكائن الطبيعي غير الملوث بالوعي، الرافض للخطاب الرمزي، بما يرمز إلى رفض الكون غير البشري للمنجز الشعري. كما أن الجمادات (الأحجار التي يتعثر بها منذ صباه) تصبح شهودًا على العجز الشعري، بل على التاريخ الشخصي المعطل. ونجد في هذه القصيدة تحولات أسلوبية وصوت الشعري:فالضمير الثاني (أنت) يتحوّل تدريجيًا إلى ضمير المتكلم (أنا)، مما يعكس حركة الانطواء. واستخدام التكرار ('علمني الشعر') بوصفه لحنًا داخليًا يعمق الإلحاح والضياع. وتداخل الخطاب الصوفي بـ'جحيمية' حديثة: النار، النبذ، الحيرة، لغة القصيدة تجمع بين البساطة التعبيرية والعمق الفلسفي، وألفاظ تميل إلى التجريد: الشيء، اللاشيء، النار، الصحو، الجغرافيا، الحزن… فيما تستخدم المفردات الحسية ('يدي'، 'لساني'، 'قميصي') لنقل الإفلاس الوجودي الكامل، حتى أدوات التعبير خانته. أما مسك الختام فيها فهو يوحي بكثير من الدلالات التي يمكن استجلائها: 'علمني أن أكون شاعرًا… عاريًا .. من التاريخ.. والجغرافيا.. والحزن…' هذه الخاتمة تلخّص مشروع الشاعر الفني: التخلص من كل إرث، من كل سياق، من كل شعور، من أجل الوصول إلى شاعرية عارية، غير مثقلة بالماضي، ولا متورطة بالحزن. لكنه لا يصل، بل يظل 'مبلّلًا بأخطائه' و'قصيدته الضائعة'. لذلك فإن 'القصيدة الضائعة' هي مرآة قلقة لذات تبحث عن خلاص شعري روحي، لكنها تصطدم بجدار اللغة، وببرود العالم، وبتشظي المعنى. فهو هنا يكتب الشعر لا بوصفه صناعة، بل بوصفه سؤالًا وجوديًا فادحًا، متجردًا من كل مظاهر التجميل والتزويق، ومشبَعًا بألم المعرفة واحتراق الدلالة.


موقع كتابات
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- موقع كتابات
'فرج ياسين'.. قصصه تقرأ الحياة الواقعية كما يجب أن تكون
خاص: إعداد- سماح عادل 'فرج ياسين محمد' هو كاتب وشاعر وقاص عراقي معروف. حياته.. مواليد 1945 في مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، كتب الشعر والقصة القصيرة والنقد الأدبي، درس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب – جامعة بغداد، ونال درجة الماجستير في القصة القصيرة، ودرجة الدكتوراه في الأدب الحديث والنقد. نشأ لا يحب المدرسة، لكنه كان يلتقط الورقة الملقاة في الطريق ويقرأ ما فيها، وفي الصف الرابع الابتدائي انتزع من مرسم المدرسة ورقتين تحتويان على قصة وقصيدة من مجلة أهل النفط التي أصبحت تسمى بعد ذلك العاملون في النفط . وبعد سنين طويلة اعتذر من معلم الرسم، فأطرى تلك السرقة حيث كانت الأولى والأخيرة. توفى والده وهو في سن الخامسة عشرة، كانت أول أبيات شعرية نشرت له، وهو طالب في الصف الرابع الثانوي. منذ أواسط الستينيات ثم السبعينيات اهتم بالقراءة في مجالات (الماركسية والوجودية وأدب المقاومة و بزوغ صفحة ما بعد الحداثة) راصدا التطورات في فنون الشعر والرواية والقصة والفن التشكيلي والمسرح والسينما، وكان أحد الشعراء الذين قدمتهم مجلة 'الكلمة' في عددين من أعدادها بوصفهم شعراء ما بعد الستينيات والسبعينيات، وحين انتقل من بغداد للعمل في سلك التعليم الثانوي في إحدى قرى تكريت منذ عام 1975 بدأت علاقته مع القصة. عمل أستاذ مساعد في كلية التربية للبنات / جامعة تكريت، وكان عضو اتحاد الأدباء العراقيين، وعضو مؤسس لاتحاد الأدباء فرع صلاح الدين، وأول رئيس له، عضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب، عضو الهيئة الاستشارية للتأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة العراقية. عضو الهيئة الاستشارية لمجلة إمضاء الفصلية. رئيس الهيئة الاستشارية لقصر الثقافة والفنون في محافظة صلاح الدين. حوار آخر (1981)، دار الرشيد للطباعة والنشر، بغداد، العراق. عربة بطيئة (1986) ، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق. واجهات براقة (1995)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق. رماد الأقاويل (2006)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق. ذهاب الجعل إلى بيته (2010)، ثلاث قصص طويلة (ذهاب الجعل إلى بيته، هو الذي خسر كل شيء، الصبي 56)، دار تموز، دمشق، سوريا. بريد الأب (2013)، دار الروسم، بغداد، العراق. قصص الخميس (2016)، دار إمضاء، بغداد، العراق. الأعمال القصصية الكاملة (2022)، عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. توظيف الأسطورة في القصة العراقية الحديثة (2000)، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد العراق. أنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية (2006)، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد العراق. توظيف الأسطورة في القصة العراقية الحديثة (2020)، ط2، دار كفاءة المعرفة، عمان، الأردن. طفولة.. في حوار معه أجراه 'سلام كاظم فرج' يقول 'فرج ياسين' عن نفسه: 'فرج ياسين: هذا هو اسم الشهرة الذي اتخذته منذ أول أبيات شعرية نشرت لي، وأنا طالب في الصف الرابع الثانوي، منزها نفسي عن أي انحياز يميل بي عن الصفة الإنسانية، كالانحياز إلى المدينة أو لقب العائلة أو العشيرة . ولدت في لحظة تاريخية هي نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدء صفحة الرعب جراء إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناكازاكي، وكان والدي قد منحني هذا الاسم قبل ولادتي بيوم واحد حين سجل اسمي في قائمة العائلة وكان وكيل تموين، مستشرفا حالة يكتنفها التشوف والرجاء والتفاؤل، لأن الأسرة رزقت بأربع إناث قبلي، وكانت هذه التسمية تشكل تماهيا عادلا مع حلمه الأبوي . نشأت فتى حالما مدلّلا خجولا عليلا، لا أحب المدرسة. توفى والدي وأنا في سن الخامسة عشرة، فنعمت برعاية ثلاثة أعمام وأخت كبرى أصبحت معلمة منذ عام 1959 وفي تلك الفترة أورقت بوادر التشكل النفسي الأول، إذ جعل صدى ارتطامي بالعالم في النمو . وقوف شخص على درابزين نادي الموظفين في تكريت وهو يرفع يده بقطعة لحم آدمي وينادي هذا لحم الوصي عبد الآله من يريد أن (يشيش ويشوي) جعلني أرتد إلى منطقة السلام والحب والفضيلة في أعماقي، فما احتقرت شيئا كاحتقاري للعنف وتدمير الروح الإنساني، ثم انسحب ذلك على السياسة فلم اشتغل بها ولم أنتم إلى حزب، ولم أستجب لوعد ما، وصدق حدسي إذ كان الساسة العراقيون أحد فئتين، أما هواة أنصاف متعلمين محمولين على غواية السلطة والوجاهة، وأما مناضلين حقيقيين عصاميين واعدين ولكن من دون جماهير حقيقية . نظرية نقدية عراقية.. ويجيبب 'فرج ياسين' عن سؤال هل ما زلنا نسعى لتأسيس نظرية نقدية عراقية، أم أن هذا الهدف قد تحقق: 'من الخطير جدا طرح هذا السؤال ولاسيما وأنه ينصب على استجلاء نظرية نقدية عراقية وليس عربية، وأخي العزيز يعلم أن كل ما وصلنا من مقدمات ومبادئ ومرجعيات أسلوبية حديثة جاء عن طريق الغرب، وها نحن نتبنى المناهج السياقية كما تبلورت عندهم، أقصد المنهج التاريخي والاجتماعي والنفسي والانطباعي والأسطوري، وكذلك المناهج النصية بأنواعها البنيوية والتفكيكية ومنهج القراءة والتلقي … الخ . وقد بذلت جهود لايستهان بها لإيجاد مقتربات تعامل المعطى المصدر بروح لا تضيع جهود تلك المفاتيح التي ابتكرها نقادنا القدماء وأضاعتها حقب التخلف والنكوص، وأنموذج هذه الرؤية هي نظرية النظم للجرجاني ورؤيتها الرائدة، لكن المشكلة في التراث النقدي العربي أنه لم يكن يشكّل حلقات مترابطة تؤدي إحداها إلى الأخرى، بل أن كل ناقد سجل جهده باسمه ورحل. أما في الوقت الحاضر فمن الخطير جدا القول بأن هناك مناهج عربية واضحة الحدود والسبب يعود إلى أن العرب لم يسجلوا منجزات فكرية خاصة بهم، ولم يطرحوا فلسفات ولم ينتجوا أدبا يستطيع اجتراح رؤية منهجية كما حصل على سبيل المثال في أدب أمريكا اللاتينية، إذ أضاف إلى المدرسة الواقعية اتجاهين جديدين هما الواقعية السحرية والواقعية الخيالية، والمنهج في هذه الحالة يولد من خلال سيرورة المنطلقات العلمية والمنجزات الأدبية . الواقعية الاجتماعية.. وعن توجه قصصه نحو الواقعية الاجتماعية وهل هو انحياز للاجتماعي والالتزام على حساب التفكير بأنماط سردية جديدة يقول 'فرج ياسين': 'دعني اتفق معك إلى حد ما، على أن قصصي أرادت أن تقرأ الحياة الواقعية ليس كما هي ولكن كما يجب أن تكون، وعلى وفق هذه الدعامة الأرسطية، وجدت أننا مازلنا بحاجة إلى الموجه الانتقادي لأن التجديد الذي حصل منذ أواسط الثمانينيات أشتغل على الموجهات الفنية، وفي غمرة ذلك تم تناسي مايجد ويتغير ويتحول في الحياة الاجتماعية، لكنني لم أكن في منأى عن كل ذلك . جربت أشكالا سردية كثيرة، ولعل مقالات وبحوث الملف سوف تجيب على كل ذلك . الشعر.. وعن البدايات في الكتابة والنشر والنص الأول والأصداء التي لقيها لدى الأصدقاء والنقاد يقول: 'البداية كانت مع الشعر ومنذ المرحلة الابتدائية، أما مع النشر فقد بدأت مع ملحق جريدة الجمهورية الأدبي 1967 – 1968، إذ كانوا ينشرون لي قطعا شعرية في بريد القراء (وقد أشار سامي مهدي في كتابه الموجة الصاخبة إلى أن بعض الذين كانت تظهر أسماؤهم في بريد القراء أصبحوا من أدباء العراق المعروفين)، وحين كنت طالبا في كلية الآداب أرسلت قصيدتين إلى مجلة ألف باء وبعد قرابة شهر ذهبت إلى المجلة فاستقبلني رئيس القسم الثقافي الذي عرفت بعد ذلك أنه فاضل العزاوي وقال لي أن قصيدتي (وجه القوة) ستنشر في الأسبوع القادم أما الأخرى فأني لا أعرف معنى كلمة فيها وهي (السعوط) فشرحتها له قائلا أنه (النشوق)، وهو مسحوق التبغ الذي يوضع في الأنف، فضحك وأكد لي أنها ستنشر لاحقا أيضا . حين شاهدت قصيدة وجه القوة على صفحة مجلة ألف باء، أخذني الزهو وخيل إلي أن كل الناس قد قرؤا قصيدتي وتعرفوا علي . ثم نشرت لي بعدها مجلة الإذاعة والتلفزيون وصوت الطلبة وألف باء لعدة مرات ومجلة الكلمة في عددين ومجلة الأقلام ضمن ملف الشعراء السبعينين وجريدة الجمهورية والطليعة الأدبية وكتاب شعراء الطليعة العربية الذي أعده الشاعر علي جعفر العلاق . وفي عام 1974 اشتركت مع صديقي غالب المطلّبي في كتابة مسرحية عنوانها المسد نشرتها مجلة الأديب المعاصر، ومن بوابتها دخلت حوزة السرد، بعد عامين كتبت قصتي الأولى الصرّة وأرسلتها بالبريد إلى غالب فقدمها إلى مجلة الأديب المعاصر ونشرتها في عددها الجاهز للطبع، فلقيت استحسانا كبيرا من مجموعة أصدقاء ومعارف مقهى البرلمان . وبعد شهرين نشرت مجلة ألف باء ومجلة الإذاعة والتلفزيون قصتي (الحبل والرجل )، وما أن حل عام 1981 حتى أصدرت دار الشؤون الثقافية العامة مجموعتي القصصية البكر (حوار آخر)، وقد اخترت منذ ذلك الحين أن أتفرغ لكتابة القصة من دون أن أفرّط بقوة الشعر الحيوية في لغتي أو حياتي. رماد الأقاويل.. في مقالة بعنوان 'الأسطورة والواقع في المجموعة القصصية رماد الأقاويل لـ فرج ياسين' كتب 'فيصل عبد الوهاب: 'القاص فرج ياسين نوع نادر من الأدباء الذين دأبوا على ارتياد مناهل الحقيقة وكرسوا حياتهم لخدمة قضية الفن الكبرى كالمتصوفة الزاهدين الذين لا يرون من الحياة قشورها ولا يقتنصون منها إلا لباب الجوهر . صدرت له الكتب التالية: وآخر ما صدر له المجموعة القصصية (رماد الأقاويل 2006) . تطالعنا قصة (حافات السنين المدببة) حيث يخيل للمرء عندما يقرأ بداياتها أنه في الطريق إلى تسجيل قصة وفاء أسطورية على نمط ملحمة الاوديسا عندما تنتظر بنيلوبة زوجها المغامر اوديسيوس حفنة من السنين ريثما يعود وربما لا يعود ولكن القاص هنا يصدمنا بالنهاية التي تنزلنا من عالم الأساطير إلى عالم الواقع لأن المرأة العجوز (روفة) التي صبرت على ذكرى خطيبها الغريق كل هذه السنين فجرت صبرها بنزوة كان يمكن أن ترتكبها مع الصبي الذي تخيلته خطيبها المعشش في ذاكرتها. إن القاص هنا يتعمد كسر الأسطورة بطريقة تخبرنا بضرورة الانصياع لمتطلبات الجسد أو أنه لا مفر من ذلك وفق الفلسفة الحتمية'. في مقالة بعنوان (بيت فرج ياسين) كتب 'محمد صابر عبيد': 'تدلف إلى بيت فرج ياسين في مدينة تكريت 'حيّ الأربعين' من الباب الخارجي فتستقبلك الحديقة على يسارك، مربعة الشكل تقريبا، تحيط بها أشجار البرتقال والليمون والنارنج وكأنها تحرس النجيل الأخضر المهيمن عليها، هذه الحديقة هي وطن الضيوف في المساءات الصيفيّة الجميلة الرائقة. تعلّمَ في بيت فرج ياسين معنى جديداً للكرم لطالما فكّرَ فيه وبحث عنه وحارَ في معناه، فالكرم عنده إحساسٌ لطيفٌ وكاملٌ وآنيٌّ بالآخر، وليس موائد باذخة ذات طبيعة احتفاليّة تُعنى بالسُمعة والدعاية والإشهار أكثر من عنايتها بإسعاد الضيف وفهمه، ثمّة روحيّة بالغة الخصوصيّة إذا ما توفّرت في صاحب البيت حضر الكرمُ بأعلى تمثيلاته الحيّة والغزيرة والخصبة، وكان هذا البيت، بيت فرج ياسين، كامل الروحيّة، بحيث لا تغيب ولو لحظة واحدة عن الحال حتّى وإن كانت الظروف أحياناً غير مواتية، وما زال هذا البيت مع بُعدِ المسافة وصعوبة الظَرف حاملاً لهذه الروحيّة في الوجدان والذاكرة والحلم'. توفي يوم 23 أبريل 2025.


موقع كتابات
٠٩-٠٤-٢٠٢٥
- موقع كتابات
'جواد محسن'.. ركز علي جودة الفن وعمقه وأصالته
خاص: إعداد- سماح عادل 'جواد محسن' فنان عراقي.. التعريف به.. ولد في خمسينيات القرن العشرين، حاصل علي دبلوم الموسيقى من معهد الدراسات النغمية وبكالوريوس من كلية الفنون الجميلة، من جامعة بغداد، وشهادة الدكتوراه عن الموسيقى التصويرية في المسرح العراقي. واحد من جيل غنائي بارز يضم 'كاظم الساهر' و'محمود أنور' وفنانين عراقيين مميزين. اختار نمطا غنائيا مغايرا للنمط الحداثي، والتزم بغناء القصائد لكبار الشعراء، مثل 'مظفر النواب ومحمود درويش'. كما أعاد تقديم أغانٍ قديمة بأسلوب جديد أجرى فيه بعض التحديثات، مثل أغان للفنان الراحل 'ياس خضر'. من أغانيه المعروفة بين جمهوره أغاني 'قطار العمر' و'غلطنا'، بجانب تقديمه لأغان عربية معروفة، بينها 'من غير ليه' للموسيقار 'محمد عبد الوهاب'. وقدم أغاني دينية ووطنية وعاطفية ورياضية، عبر فرقة الإنشاد العراقية، منذ نهاية السبعينيات وظل نشطا في الوسط الفني والغناء حتى آخر أيامه. محمود درويش.. في حوار معه أجراه 'عبد الجبار العتابي' يقول 'جواد محسن' عن سر اختياره لقصائد محمود درويش للغناء: 'هزني خبر رحيل الشاعر الكبير محمود درويش الذي يشكل بالنسبة إلي صوتا شعريا مهما، وسبق لي أن لحنت بعض قصائده في مسرحية تحمل عنوان (الانتظار) للمخرج الراحل خضير الساري عام 1978، من ضمنها قصيدة (نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل وحبوب سنبلة تجف ستملأ الدنيا سنابل)، هذه القصيدة كنت أغنيها دائما وكانت محط إعجاب المسرحيين والفنانين، وبعد وفاته لحنت خمس قصائد، حاولت فيها أن أصل إلى جزء من ذرى هذا الرجل، فمثلا في قصيدة (أتذكر السياب) هناك وجع عراقي، ربما لا يستطيع أن يكتبه حتى العراقي نفسه. ومحمود درويش اختزل الألم الفلسطيني بالألم الجديد المضاف إلى العراق وأنتج قصيدة كبيرة فيها محبة هائلة للعراق، واستطعت لحنيا أن أكون بمستوى النص، فلحنت هذه القصيدة بطريقة أشعر أنني وجدت كثيرا من التساؤلات التي أتحدث عنها في خضم لحنية هذه القصيدة، أما قصيدة (ريتا وعيونها بندقية) ففيها يجمع محمود درويش بين المرأة ونقيضها السلاح . وعن المرأة يواصل: 'عندي قصائد وجدانية منها قصيدة للشاعر الصافي النجفي بعنوان (ريبة) وهي وجدانية تقترب من الأنثى بفهم عميق لسايكولوجية الحب، ولكنني أجد نفسي أحيانا أفهم الحب ليس باعتباره عاطفة بين امرأة ورجل وإنما باعتباره عاطفة بين الإنسان والكون، والتي تكون المرأة أحيانا نقطة ارتكاز هذه المحبة وليست المحبة كلها' . الغناء.. وعن فنه وعدم شهرته يقول: 'أنا لا أشعر أنني في الظل، بل في أكثر الأماكن سطوعا، لدى الآخرين على الأقل الذين يسألون عني ويحترمون تجربتي، ومفهوم الظل هو نسبي، فالآن نحن جميعا في منطقة الظل، لكنه ظل زائل.. بل وسريع الزوال. لست بعيدا وما زلت أغني وقد سجلت في المدة الأخيرة أغنية وطنية هي في مقام النشيد الوطني في تكوينها الموسيقي الميلودي وطاقتها الانتقالية ترقى إلى نشيد وطني جديد للعراق، ولا ننسى أن سيد درويش في أغنية (بلادي .. بلادي) التي هي ذات طابع ميلودي بسيط. أصبحت السلام الجمهوري المصري، وأنا اشعر أن أغنيتي فيها بساطة ولكن فيها عمق لحني، وقد أعطيتها للفضائيات العراقية لكنها لم تبث ولا اعرف السبب!، كما أنني قدمت قبل مدة أغنية رياضية واعتقد أنها جميلة، إذن .. أنا أتحرك ولكن الواقع لا يعطي ملامح حقيقية عني كفنان. ليس بالكثرة يحقق الفنان حضوره، فربما هناك عمل واحد ويطبع الفنان على ملامحه لمدة طويلة، ومع ذلك. فأنا أعد مفاجأة كبيرة للجمهور من خلال تقديم أعمال نوعية تعوض فترة الكساد القديم'. وعن عدم إصدار البوم يحكي 'الألبوم في العراق من الصعب إصداره حاليا، والفنان الناجح هو الذي يقدم أغنيته من خلال الفضائيات وتقدمه إلى الناس بصورة صحيحة. وعن الغناء خارج العراق يقول: 'أنا أخطأت في هذا الجانب، هو خطأ العمر، في عدم السفر، وقد اقتنعت بمكاسب صغيرة وآنية في الداخل، فلو أنني سافرت في التسعينات لكان لي حضور أقوى وأهم ولكن بقيت هنا في بغداد وصرت جزءا من لعبة الإعلام السيئ في العراق وارتضيت بانجازات معينة وكان يفترض بي أن أطورها، علما أن أكبر فنان في الداخل يهمش ويقصى، والآن هناك تفكير جدي بالسفر لكن ظروفا شخصية بحتة تمنعني، ولكن مجرد أن ارتب وضعي سيكون هناك كلام آخر، وقد سجلت مجموعة أعمال، فانا لا أريد أن أعيش مثل بعض الفنانين وضعا صعبا ولا أكون هامشيا ولا أعيد ما تعرضت له داخل العراق'. وعن التمثيل يقول: 'لقد قدمت للمسرح مسرحية (قيامة شهرزاد) تأليف د. خزعل الماجدي وحميد قاسم وإخراج غانم حميد عام 1995 وأثار العمل تساؤلات كبيرة وأحسست به كبيرا ولم أتوقع أن أقدم للمسرح مستوى موسيقيا وصوتيا بهذا الشكل كما كانت لي تجربة مع حيدر منعثر في مسرحية (وين الحكومة) عام 2002 والذي استطاع أن يخلق مني ممثلا، ومازالت عندي رغبة وحنين إلى التمثيل سواء على صعيد المسرح أو التلفزيون إذا وجدت الدور المناسب' . اشتاق.. وفي حوار ثان يقول 'جواد محسن' عن أغنية جديدة: 'إعادة تسجيل أغنية 'تعال لحبك أنا اشتاق' للملحن العراقي الكبير 'طالب القره غولي'، وهذه الأغنية من الأغاني الجميلة التي اشتهرت في سبعينات القرن الماضي بصوت المطرب المعروف 'ياس خضر' وأنا سوف أقوم بتقديمها من جديد ولكن بنوع من الحداثة . وعن موافقة 'القره غولي' على غنائها من جديد يقول: 'هناك شبه موافقة من الملحن طالب القره غولي، لأنني لم أتصل ولم ألتق به لكونه يعيش حاليا في سوريا، لكن من خلال طرف آخر أتصل به علمت أنه لم يمانع في إعادة تسجيل هذه الأغنية بصوتي . أنا أشعر أن هذه الأغنية لم تأخذ حصتها بالانتشار، لأنها بقيت محافظة على نمطها القديم، حيث غنيتها قبل مدة قليلة في برنامج تلفزيوني وكذلك في حفلة وقد وجدت أن الجمهور قد تفاعل معها بشكل كبير جدا . لذلك أرى أنني سأضيف شيئا جديدا إلى هذه الأغنية، لأنني وبعد أن سمعها الجمهور بصوتي وجدت أن أدائي لها كان مقنعا وعليه أتوقع أن تضيف لي شيئا جديدا في مسيرتي الغنائية . وعن إصراره على العودة إلى الأغنية السبعينية يقول: 'أنا من بين المطربين الذين يتحركون دائما في إطار هذه الأغنية لأنها تمثل الأساس المتين للغناء العراقي وأعتقد أن الأغنية العراقية ما تزال حتى الآن منتمية إلى روحية الأغنية السبعينية التي كانت أغنية متكاملة من جميع الجوانب، وكذلك أرى أن الأغنية السبعينية أسهمت في تحديث الأغنية العراقية بكل أطوارها . كانت الأغنية العراقية في عقد الستينات من القرن الماضي تراوح ما بين ثلاثة أشكال غنائية وهي الأغنية البغدادية التي تأثرت كثيرا بالأغنية المصرية والأغنية الريفية والمقام العراقي، لذلك ظهرت الأغنية السبعينية بلون عراقي جديد يمتلك حداثة وهذه الحداثة لا تزال تمثل القمة في الغناء العراقي حتى الآن' . وعودة إلي نشأته فنيا يقول: 'هناك قضية مهمة أنني في عام 1986 قدمت أغنية ذات إيقاع سريع، لذلك فأنا من جيل ضم محمود أنور، وكاظم الساهر، وأحمد نعمة، وكريم محمد، وعلي جودة، حيث إن هذا الجيل هو الذي بدأ الأغنية السريعة والدخول في إيقاع العصر وعليه فأنا لست ضد دخول الموجة بشكل كامل، لكني ضد بعض الأخطاء التي رافقت هذه الموجة . إن من أبرز الأخطاء الفادحة التي وقع فيها المطربون الشباب عدم تركيزهم على كلمات الأغاني، لأن الكثير من الأغاني التي تقدم الآن هي تحمل كلمات بذيئة جدا لا تتماشى مع الخلق والذوق العام . كذلك فإن الملحنين أيضا انساقوا مع هذه الكلمات، لذلك ظهرت الأغاني والألحان وكأنها هجينة. بينما لو عدنا إلى الأغاني السريعة التي قدمت في سبعينات القرن الماضي ومنها أغنية 'هلو واحنا نهل' للمطرب فاضل عواد لوجدنا أن هذه الأغنية جميلة وتطلب في الحفلات حتى الآن، لأن كلماتها فيها ذوق جميل، وعليه أنا أدعو إلى أن تكون هناك موازنة ما بين الحداثة والأصالة . ومن هذا المنطلق أرى أن المطرب الحقيقي هو الذي يمسك العصا من الوسط ومن يستطيع القيام بهذا الفعل سيكون مطربا ناجحا. وعن الأغنية العراقية اليوم يقول: 'أراها تعاني عدم وجود توازن فيها، إذ إن دخول الألحان التركية والخليجية على الأغنية العراقية شوه هويتها . لذلك نجد أن بعض المطربين العراقيين باتوا الآن يعتمدون على المفردات الخليجية في محاولة منهم لفرض نمط سائد أو إرضاء حالة اجتماعية معينة . وهذا الأمر يعود إلى الوضع السياسي في البلد، لأن الكثير من المطربين العراقيين الآن يوجدون في البلدان الخليجية لذلك يحاولون التعايش مع المجتمع الذي يعيشون فيه من خلال تقديمهم بعض الأغاني باللهجة الخليجية وحتى باللهجة السورية بالنسبة للمطربين الذين يعيشون في سوريا' .