logo
لعيد البشارة في تلاقي الصوم والصيام معنىّ آخر هذه السنة

لعيد البشارة في تلاقي الصوم والصيام معنىّ آخر هذه السنة

ليبانون 24٢٥-٠٣-٢٠٢٥

ما يُقال عن المعني التوحيدية لعيد بشارة العذراء مريم ليس شعرًا، بل واقع معيوش في لبنان ، أقّله مرّة واحدة في السنة. هو يوم كافٍ للتأسيس عليه لمستقبل أفضل يتوق إليه المخلصون، الذين خبروا في حياتهم الشخصية والعامة أهمية ما يجمع بين اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين من قيم إنسانية وقواسم وطنية مشتركة، وهم يعملون في تعاطيهم اليومي على أساس أن ما يجمع بين أبناء الواحد أكثر بكثير مما يفرّق بينهم. والأمثلة كثيرة على ما يقوم به هؤلاء المسؤولون لكي تأتي أفعالهم متطابقة مع ما يؤمنون به، وذلك من خلال عدم التمييز في ما يقدمون عليه من أعمال خير تشمل جميع الذين هم أقّل حظًّا من غيرهم، إلى أي طائفة أو مذهب انتموا، وهم موجودون في كل المناطق، التي تُعتبر محرومة من الخدمات الحكومية ، وهي لا تزال تنتظر أن يطالها الانماء المناطقي المتوازن، وهو بند أساسي في اتفاق الطائف لم يُطّبق حتى الآن.
فما توافق عليه اللبنانيون يوم قرروا مجتمعين، وبملء إرادتهم وبوعي وجداني جماعي، أن يكرّسوا عيد البشارة في 25 آذار من كل سنة يومًا وطنيًا، يختصر بمعانيه الروحانية مسيرة عمرها في الزمن الحديث مئة وخمس سنوات، هي مسيرة التعايش بين المسيحيين والمسلمين، على رغم الخلافات الموسمية، التي تنشب بين اللبنانيين من حين إلى آخر، بفعل تأثيرات وعوامل خارجية.
فلبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي يعيّد فيه أبناؤه، مسيحيين ومسلمين، هذا العيد – الرمز، الذي له ابعاد وطنية تتخطّى برقّيها أي اعتبارات أخرى. فقدر اللبنانيين أن يعيشوا معًا. ليس لهم بلد آخر يلجأون إليه، وإن هاجروه مضطّرين ومكرهين، يعيشونه حيث هم بكل جوارحهم وأحاسيسهم ووجدانهم.
في هذا العيد يتلاقى جميع اللبنانيين على صِلات تميزّهم عن غيرهم من شعوب الأرض، سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين. ففي الغرب المسيحي قلما يسمع المسيحي آذان المؤذّن، صبحًا وظهرًا ومساء، تدعو إلى الصلاة والفلاح. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسلم في البلاد المسلمة، التي ليس فيها اختلاط أو عيش مشترك، فهو لا يسمع، كما يسمع المسلم اللبناني، أصوات أجراس الكنائس.
مَن مِن اللبنانيين المسيحيين لا يحفظ سورة الفاتحة وآيات كثيرة من القرآن الكريم؟ ومَن مِن اللبنانيين المسلمين لا يعرف أكثر من مثل من أمثال الانجيل. فالقرآن الكريم لدى المسيحيين كتاب مقدّس أنزله الله على رسوله. والإنجيل لدى المسلمين كتاب مقدس فيه سيرة السيد المسيح وآياته واعاجيبه.
يلتقي الإسلام والمسيحية في حدث البشارة لمريم العذراء عند ظهور الملاك جبرائيل عليها وتبشيرها بحبلها بيسوع من الروح القدس. الرواية ذكرها القديس لوقا في الإنجيل (1: 26-37)، وفي القرآن الكريم، سورة آل عمران (44-48)، مع بعض الفوارق.
في عيد بشارة مريم العذراء، الذي أصبح يومًا وطنيًا، يجتمع اللبنانيون، مسلمون ومسيحيون، وهم على ثقة بأن صلاتهم المشتركة إلى من ذكرها القرآن الكريم ثلاثين مرّة دون سائر نساء العالمين، وهي أصفاهن، وإلى "مسكن الله"، ستكون مستجابة، وهم يعانون ما يعانونه نتيجة انكفاء عدالة الارض، ولم يعد لهم ملجأ سوى عدالة السماء.
في هذا اليوم تلتقي الصلوات وتتعانق آذان الصبح مع صوت الأجراس القديمة علّ السماء ترأف بهذا الشعب، الذي لم يعد له سوى الدعاء، بعدما سُدّت في وجهه سبل الخلاص الأرضي.
إنه يوم التلاقي للتعبير عمّا يجمع بين اللبنانيين من صِلات تميزّهم عن غيرهم من شعوب الأرض، سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين.
في عيد التلاقي التبشيري يصوم المسيحيون الذين يتبّعون التقويمين الغربي والشرقي، فيما يستعدّ المسلمون لاستقبال عيد الفطر المبارك بعد شهر من صيام مبارك، حيث جمعت الصلاة والصوم والصيام وأعمال البرّ والخير واسترضاء خالق السماوات والأرض جميع اللبنانيين، كبارًا وصغارًا.
إنها أيام مباركة عسى أن تكون بداية طريق خلاص اللبنانيين من عذاباتهم ليشهدوا قيامة وطنهم المنهك، على رغم ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات استفزازية كل يوم خارقة اتفاق وقف النار، فيما تلوح بوادر أمل جديد مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مفهوم التعددية وتطبيقاته عند الامام الشيرازي
مفهوم التعددية وتطبيقاته عند الامام الشيرازي

شبكة النبأ

timeمنذ 10 دقائق

  • شبكة النبأ

مفهوم التعددية وتطبيقاته عند الامام الشيرازي

شكل السيد محمد الشيرازي علامة فارقة في الفكر الإسلامي المعاصر، لا سيما في تناوله لمفهوم التعددية بمستوياته المختلفة، وقد استطاع أن يقدم رؤية إسلامية عقلانية وإنسانية للتعدد، تنبع من القرآن والسنة، وتدعو إلى احترام الاختلاف، وتغليب الحوار، وتكريس الشورى، ونبذ الاستبداد والتسلط، وتعزيز ثقافة الحوار ودعم الافكار الداعية لنشر... تعد التعددية من أبرز المفاهيم التي يتم تناولها بشكل متعمق ومفصل، لما تمثله من فكرة محورية تنبثق من حتمية التنوع الكوني والانساني، وقد غابت عن تناول الكثير من المفكرين والإسلاميين ولم يكن هناك سعي مستدام لتأصيل هذا المفهوم ضمن الإطار الإسلامي، بما ينسجم مع قيم الإسلام وتعاليمه التي دعت الى الحرية ورفع الاكراه وتمكين الارادة، وقد برز المرجع الديني الراحل والمجدد الإسلامي البارز الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي، كأبرز المنظرين في هذا المجال. لقد خص الشيرازي (رحمه الله) مفهوم التعددية باهتمام بالغ في مختلف مؤلفاته وكتاباته ومحاضراته، حيث قدم رؤية إسلامية أصيلة تنسجم مع الفطرة الانسانية، وتؤكد على احترام التعدد والاختلاف، وتدعو إلى التعايش السلمي بين المذاهب والأديان والثقافات. نهدف في هذا المقال إلى استعراض وتحليل مفهوم التعددية في فكر السيد محمد الشيرازي، من خلال التطرق إلى أبعاده الفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية، والوقوف على المنطلقات التي أسس عليها رؤيته. مفهوم التعددية التعددية (Pluralism) هي مصطلح يشير إلى القبول والاعتراف بوجود تنوع في الآراء والأفكار والمعتقدات والثقافات والمذاهب ضمن مجتمع أو نظام معين، مع الاعتراف بحق هذا التعدد في الوجود، وضرورة التفاعل والتعايش معه بشكل سلمي. تطرح التعددية في سياقات مختلفة، مثل التعددية الدينية، والسياسية، والفكرية، والمذهبية، والعرقية، وهي على النقيض من الأحادية والتفرد أو الإقصاء او التهميش والابعاد، حيث يفترض في التعددية احترام الآخر المختلف وعدم فرض الرأي أو المعتقد الواحد على الجميع. التعددية في المنظور الإسلامي من منظور إسلامي، يمكن القول إن التعددية ليست فكرة غريبة عن الإسلام، بل هي موجودة في صلب تعاليمه، فالقرآن الكريم يؤكد على خلق الله للناس مختلفين، ويقر بحرية العقيدة، ويعترف بوجود أديان وشعوب متعددة، يقول الله تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" (هود: 118) كما يؤكد الباري (عز وجل) على التنوع والتعددية في قولة: "وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا" (الحجرات: 13) ويقول تعالى: "لكم دينكم ولي دين" (الكافرون: 6) إلا أن التحدي يكمن في كيفية تفسير هذه الآيات وتطبيقها في الواقع الاجتماعي والسياسي والديني والمذهبي، حتى لا تحرّف عن سياقاتها الطبيعية، او يستهدفها الافراط والتفريط، ومع كثرة التفسيرات والتجاذبات في حدود وانواع ومفاهيم وابعاد التعددية، برزت الافكار التي طرحها الامام الراحل كمفهوم اسلامي اصيل يراعي التناغم الانساني ويحفظ كرامة الفرد والمجتمع. التعددية في فكر الشيرازي يمثل السيد الشيرازي صوتًا بارزًا في الدفاع عن التعددية داخل المنظومة الإسلامية، وقد قدم رؤية متكاملة تضع التعددية كضرورة عقلية واجتماعية يقرها الشارع المقدس، ويمكن تحليل هذا المفهوم عنده في عدة مستويات: 1. التعددية الدينية والمذهبية: يرى السيد الشيرازي أن الإسلام دين يعترف بالتعددية والتنوع والاختلاف، ويحترم أتباع الأديان الأخرى، فهو لا ينادي بفرض الإسلام بالقوة، ويرفض استخدام العنف والاكراه في قبول الافكار والمعتقدات، بل بالدعوة السلمية والحوار الهادئ والتعايش السلمي، وقد أكد في كتاباته عن آداب الحوار على ضرورة احترام أتباع الديانات الأخرى، خصوصا أهل الكتاب. كما كان من دعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وأكد على أهمية احترام المذاهب الإسلامية المختلفة، ودعا إلى التفاهم بدل التكفير، والحوار بدل الصراع، وكان يعتبر أن وحدة الأمة لا تعني إلغاء المذاهب، بل تعني تعايشها في ظل الاحترام المتبادل. 2. التعددية السياسية: تبنى الامام الشيرازي في كتابه "السبيل إلى إنهاض المسلمين" نظام الشورى كبديل عن الاستبداد، ورأى أن الإسلام لا يعارض التعددية الحزبية أو السياسية، طالما أن هذه الأحزاب تعمل ضمن إطار سلمي وتحترم القيم الإسلامية العامة، ورفض مبدأ القمع والإقصاء والتسلط. ولا يمكن ضمان التعددية في ظل نظام دكتاتوري مستبد لذلك يحارب الامام الراحل كل اشكال الاستبداد اينما ظهرت من اجل ضمان الاستقامة والحياة الكريمة: "لا دكتاتورية في الإسلام، لا في الحكم ولا في المرجعية الدينية، ولا في الأحزاب والحركات والتنظيمات، فالإسلام دين الحريات والعدالة الاجتماعية". 3. التعددية الفكرية والثقافية: في كتابه "الحرية الاسلامية"، دعا السيد الشيرازي إلى حرية التعبير وحرية التفكير، ورفض الرقابة على الفكر أو الحجر على الآراء المختلفة، حتى وإن خالفته، وكان يرى أن النقد البناء ضروري لتطور الأمة، وأن الاجتهاد لا يجوز أن يتوقف، وكان يرى انه: "من اللازم إطلاق الحريات، وتوفير شرائطها من ناحية، وتحديدها بحدود الصلاح والحكمة، من ناحية أخرى، وهذا هو شأن القيادة الصحيحة للفرد والجماعة، وقد لاحظ الإسلام الناحيتين، ووضع الخطط العامة، للسير بالبشرية نحو التقدم والرقي، بدقة وإتقان". وكان الشيرازي يؤمن إن: "الإنسان مطوي على أكبر قدر من الطاقات الوثابة، فإذا وجد الحرية الكاملة والظروف المناسبة تقدم تقدماً مدهشاً". 4. التعددية الاجتماعية والعرقية: في كتاب "الصياغة الجديدة"، دعا إلى المساواة بين الأعراق والقبائل والشعوب، واعتبر أن الإنسان مكرم بإنسانيته، لا بعرقه أو قوميته، وكان يؤمن أن الإسلام جاء لإزالة الحواجز العنصرية والقبلية حيث قال: "تقوم الأديان السماوية على مصلحة الإنسان، لذلك فإن للأديان وخصوصاً الإسلام القدرة على اقتلاع جذور الأفكار الضيقة المبنية على مصلحة القوم أو الفئة أو العرق أو اللغة أو الجغرافية، وبالدين تكونت أمم عامرة وقامت حضارات زاهرة". المنطلقات الفكرية للتعددية - القرآن الكريم: انطلق السيد الشيرازي في رؤيته من نصوص قرآنية تؤكد على الاختلاف والتنوع كقانون كوني. - السيرة النبوية: استشهد بسيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في تعامله مع اليهود والمشركين والمنافقين في المدينة، حيث اعتمد أسلوب الحوار والمعاهدات من اجل بناء ثقافة التعددية والتعايش السلمي. - العقل والبرهان: رأى أن العقل يقتضي احترام التعدد وقبول الاخر المختلف، لأن القمع لا يؤدي إلا إلى الفتنة والانفجار، والعنف لا يولد الى المزيد من العنف المقابل. - الواقع الاجتماعي والسياسي: اعتبر أن التعددية أصبحت ضرورة اجتماعية وسياسية في ظل تداخل المجتمعات وتنوعها. تطبيقات التعددية ا. دعوته إلى تأسيس منظمات المجتمع المدني. ب. دعوته إلى إنشاء "مجالس شورى محلية" في البلاد الإسلامية. ج. تبنيه لمبدأ اللاعنف كوسيلة للتغيير السياسي والاجتماعي. د. دعمه للمؤسسات الثقافية التي تنشر الفكر المعتدل وتقبل الحوار. الخاتمة لقد شكل المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي علامة فارقة في الفكر الإسلامي المعاصر، لا سيما في تناوله لمفهوم التعددية بمستوياته المختلفة، وقد استطاع أن يقدم رؤية إسلامية عقلانية وإنسانية للتعدد، تنبع من القرآن والسنة، وتدعو إلى احترام الاختلاف، وتغليب الحوار، وتكريس الشورى، ونبذ الاستبداد والتسلط، ومن هذا الاساس يمكن ذكر جملة من التوصيات التي تسهم في زيادة الوعي الاجتماعي في نشر ثقافة التعددية وتطبيقها: 1. تعزيز ثقافة الحوار بين الاديان السماوية من اجل ضمان تقارب المجتمعات الانسانية، فضلاً عن ترسيخ مبدأ الحوار والتفاهم والانسجام بين المذاهب الإسلامية لتعزيز روح الاخوة الاسلامية. 2. إدراج مفاهيم التعددية السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية ضمن المناهج التعليمية لتنشئة اجيال مؤمنة بأهمية التعددية. 3. دعم الافكار الداعية لنشر الحرية والشورى والتعايش السلمي والايمان بالتعددية والحوار وغيرها من القيم الاسلامية الاصيلة. 4. إنشاء مؤسسات بحثية تعنى بالبحث في مضمار التعددية وتطبيقاتها العملية. 5. نشر مؤلفات الامام الشيرازي المتعلقة بالتعددية بشكل موسع في المكتبات والجامعات. 6. الدعوة الى تعزيز العمل المؤسسي والشوروي في المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية. 7. تشجيع النقاشات الحرة والبناءة في المجتمعات الإسلامية.

قبلنا قالها المتنبي العظيم
قبلنا قالها المتنبي العظيم

شبكة النبأ

timeمنذ ساعة واحدة

  • شبكة النبأ

قبلنا قالها المتنبي العظيم

ومع ان العالم غابة، لكن السياسية تحتم عليك التعامل معها، وليس عزل نفسك بما يجعلك هدفا سهلا، فكر كيف تعيد نفسك للغابة لتؤدي دورا فاعلا لنفسك، عليك ان تبدو مثل أهل الغابة، وان مس ذلك بعض ثوابتك، كن مرنا في التعاطي مع الأعداء لكسب الوقت وتجنب ما يحتمل من أخطار، كن واقعيا وغادر الشعارات... رحم الله المتنبي وأسكنه فسيح جناته، فقد أتحفنا بالكثير من الحكم، فهو شاعر الحكمة بلا منازع، البصير في الظلمة، والخبير في صناعة المعاني، والمبتكر لصور لا تخطر لك على بال، فقد خبر عميق الحياة حتى تقول في نفسك: يا لهذه العبقرية الفذة، ففي بيت واحد يختصر لك ما يعادل أياما من الكلام، ومن نكد الدنيا أن ينزوي هذا العظيم الذي لن يتكرر في نهاية زقاق مطل على نهر دجلة وليس في قلب بغداد، زاوية لا يراه فيها الا من يوصفون بالمثقفين الذين يبددون يومهم الاسبوعي في سماع كلمات المجاملة وتقليب الكتب القديمة، والتفرج على المارة، وينتهي بهم المطاف الى تناول وجبة من (الگص) بالشحم الزائد في مطعم الاخلاص. لا أدري ما الذي جعلني أردد في هذا الصباح المبارك الذي تشير اليه الكثير من رسائل الواتساب التي تصلني مع خيوط فجر يوم الجمعة، بيت المتنبي الذي يقول فيه: (ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى… عدوا له ما من صداقته بد)، ربما يأتي ذلك باللاوعي الذي دارت فيه على مدى يومين ماضيين صور الاستقبال الفخم للرئيس ترامب في السعودية وقطر والامارات، مع انهم يعرفون كغيرهم ان ما تمر به الأمة من نكبات، وما تتعرض له أرضنا من احتلال، وما تكابده مجتمعاتنا من تخلف سببه الفاسدون من حكامنا أولا وبعدهم تأتي أمريكا التي تنظر لنا بعيون صهيونية. لذا لابد أن يعم الخراب هذه المنطقة بلدا بعد آخر، ولا يُستثنى منها أحد بضمنها التي استقبلته بالتهليل وحالة الزهو البائنة، وكأن ترامب فضلهم على كل البشرية، وليس للأموال التي يسيل لها كل لعاب، صدقوني ان مكة والمدينة هما الهدف الأخير بعد ان تتساقط البلدان التي يشعرون انها تشكل تهديدا لكيانهم، او التي يمكن لها أن تتعافى في أقصر وقت، وأولها العراق الذي يجب أن يظل عليلا، لا هو بالميت، ولا هو بالصاحي، يجب أن تهدر ثرواته، وتدمر عوامل النهوض فيه ويُسلط الفاسدون عليه. فجميعنا نحن المسلمين هدفا للتدمير، ووصل الدور لايران وبعدها تركيا ومصر وغيرها، حتى وان كانت لحكوماتها راهنا أوثق العلاقات مع الصهاينة، لأنهم يتحسبون للمستقبل، فقد يتوافر لهذه البلدان يوم ما قادة وطنيون يغيرون المعادلات الظالمة، وستذكر الأجيال ما أكتبه جازما. فعندما تتأمل ما يجري تجد ان العالم ليس كما يوصف (أسرة دولية)، بل غابة، قويها يأكل ضعيفها، وغنيها يسحق فقيرها، وان المنظمات المكلفة باشاعة الأمن والسلام، هي كذبة الكبار على الصغار، فلا حق مغتصب يرجع من خلالها، ولا وقفة تصد لظالم متعجرف تتحقق عبرها. ومع ان العالم غابة، لكن السياسية تحتم عليك التعامل معها، وليس عزل نفسك بما يجعلك هدفا سهلا، فكر كيف تعيد نفسك للغابة لتؤدي دورا فاعلا لنفسك، عليك ان تبدو مثل أهل الغابة، وان مس ذلك بعض ثوابتك، كن مرنا في التعاطي مع الأعداء لكسب الوقت وتجنب ما يحتمل من أخطار، كن واقعيا وغادر الشعارات البراقة، فلا جدوى منها، لا تكن واضحا مع الأعداء، عليك بالمراوغة لتحفظ شعبك وعقيدتك وأهدافك، الناس أمانة في عنقك فلا تذهب بهم الى الهاوية، سيأتي اليوم الذي تكون فيه قادرا على أخذ حقك واعادة المجد لأمتك ان كنت قائدا غيورا. فدنيا اليوم نكد، ونكدها يوجب على الأحرار مسايرة الأعداء، فدعونا نتحاور مع وحوش الغابة، فلا سبيل أمامنا سواه، ولا تعيبون علينا دعوة من يوصفون بالاخوان والأصدقاء لبيتنا، وان كنا غير مقتنعين ببعضهم، نعم ما زال دخان المفخخات يزكم انوفنا، وما زال بريق سيوف الارهاب أمام الأنظار، لكن هكذا هي السياسة، وعلينا التكيف مع الغابة الى حين ميسرة.

أفقر رئيس في العالم
أفقر رئيس في العالم

شبكة النبأ

timeمنذ ساعة واحدة

  • شبكة النبأ

أفقر رئيس في العالم

كيف يحارب الدكتاتورية ويأتي بمثلها؟ وقال في إحدى تصريحاته التي ترتقي الى مستوى الحكمة، الفقر من أشكال العبودية الحديثة وأنا غني لأنني لا أحتاج إلى الكثير وقد اخترت حياة بسيطة لأنني أؤمن أن السعادة لا تُشترى ومن هذه الرؤية الثاقبة دعم العمال والفلاحين وحارب تجار المخدرات وسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية... بهدوء يشبه ملامح وجهه كثيراً رحل أفقر رئيس دولة في العالم والفلّاح الذي حكم أورغواي، يوم الثلاثاء الماضي وحيث العالم مشغول بأزماته وحروبه واجتماعات الرؤساء غادر رئيس الأورغواي السابق خوسيه موخيكا هذه الدنيا الى مثواه الأخير راضياً مرضياً غير متبوعٍ باللعنات وغير آسف على سيارته الشخصية القديمة نوع فولكسواگن ولا على القصر الرئاسي الذي رفض الإقامة فيه ولا على راتبه الشهري الذي تبرّع به للفقراء ولمشروع إسكان اجتماعي واكتفى بعشرة بالمئة منه فقط وعاش في مزرعته الشخصية، أي في بيت طابو زراعي، وحكم بلاده خمس سنوات ( 2010-2015) وكان مناهضاً للإفراط في الاستهلاك أي مناهضاً للتبذير والهدر في المال الخاص والعام، (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) منسجماً مع هذه الآية الكريمة التي تمر علينا نحن المسلمين مراراً وتكراراً منذ نزول القرآن الكريم. والرئيس الذي خلفه قال في برقية التعزية سنفتقدك كثيراً ايها الناشط والمرشد والقائد والعجوز العزيز، أما شخصية هذا الرئيس الفقير فهي خليط من القسوة والمعارضة المسلحة والتعذيب والسجن والوصول لسدة الحكم والسلطة. فقد تزعم حرب عصابات وانضم لحركة يسارية وحمل السلاح ضد الديكتاتورية، ولم تفقده السلطة توازنه ولم يتنكّر لأيام الفقر والحرمان بل حنّ اليها لأنها هي التي صنعت منه الرجل الشجاع الرافض للملذات والاستبداد، فكيف يحارب الدكتاتورية ويأتي بمثلها؟ وقال في إحدى تصريحاته التي ترتقي الى مستوى الحكمة (الفقر من أشكال العبودية الحديثة وأنا غني لأنني لا أحتاج إلى الكثير وقد اخترت حياة بسيطة لأنني أؤمن أن السعادة لا تُشترى) ومن هذه الرؤية الثاقبة دعم العمال والفلاحين وحارب تجار المخدرات وسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وقاد تحولات كبرى في بلاده ووضعها في مقدمة الدول الديمقراطية المستقرة في امريكا اللاتينية. لكن التقييم النهائي يبقى لسكان البلاد الذين عاشوا تحت حكمه خمس سنوات، مع أنه خرج من قصره ودنياه كأفقر رئيس في العالم وختم حياته بكلمات لاينطق بها إلا حكيم زاهد، جسدي الواهن لم يعد يتحمّل العلاج ومن الواضح أنّني أموت ويستحق المحارب أن يستريح وقد وصفوه وشبّهوه بغاندي ومانديلا لكنه خوسيه موخيكا وحسب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store