logo
الحاكمية كعقيدة سياسية مغلقة.. من الشعار إلى السلاح

الحاكمية كعقيدة سياسية مغلقة.. من الشعار إلى السلاح

البوابةمنذ 16 ساعات
يأتي كتاب "متاهة الحاكمية" للباحث هاني نسيرة كإضافة نوعية إلى سلسلة الدراسات الفكرية التي تسعى إلى تفكيك البنية العقائدية والتنظيرية للجماعات الجهادية المعاصرة، من خلال نقد إحدى أهم الركائز التي اعتمدت عليها في بناء مشروعها السياسي والديني، وهي مفهوم الحاكمية. هذا المفهوم، الذي بدأ كشعار قرآني في سياقات تاريخية محددة، أعيد توظيفه عبر القرون ليصبح أداة أيديولوجية للصدام والتكفير، وصولًا إلى موقعه المركزي في خطاب الحركات الجهادية في القرن العشرين والحادي والعشرين.
الكتاب، في بنيته ومنهجه، لا يكتفي بمجرد عرض الأفكار أو تتبع الأصول التاريخية، بل يتجاوز ذلك إلى مساءلة الأسس النصية والتاريخية التي استندت إليها هذه الجماعات، وإعادة قراءة النصوص المؤسسة التي اقتبستها، وخاصة تراث ابن تيمية، في ضوء ظروفها وسياقاتها السياسية والاجتماعية. كما يحرص نسيرة على كشف آليات الانتقاء والاجتزاء التي استخدمها الخطاب الجهادي لإعادة صياغة هذه النصوص بما يخدم رؤيته الصدامية.
وفي هذه القراءة التحليلية الموسعة للكتاب، سنتوقف عند خمسة محاور أساسية:
أولًا، الجذور الأولى للحاكمية منذ الخوارج وحتى المودودي وسيد قطب، وكيف تحولت من مبدأ فقهي إلى أيديولوجيا تكفيرية.
ثانيًا، إعادة قراءة تراث ابن تيمية بعيدًا عن الاستخدام الانتقائي، مع إبراز الارتباط الوثيق بين فتاواه والظروف السياسية لعصره.
ثالثًا، النقد المزدوج الذي يوجهه نسيرة، في مواجهة القراءة الجهادية من جهة، وقصور الفكر الإسلامي السائد من جهة أخرى.
رابعًا، تحليل تحول الحاكمية إلى عقيدة سياسية مغلقة، وفهم علاقتها بظاهرة التغريب عن الواقع.
وأخيرًا، تقييم قيمة الكتاب وأهميته في مشروع المراجعة الفكرية، مع عرض بعض الملاحظات النقدية على منهجه.
بهذا، لا تقتصر أهمية الكتاب على كشف الخلل في خطاب الجهاديين، بل تمتد إلى دعوة أوسع لإعادة بناء العلاقة مع التراث على أسس أكثر وعيًا وانفتاحًا، وهو ما سنسعى إلى تفصيله في عرضنا هذا.
أولًا: الحاكمية… من الجذور الأولى إلى القراءات الحديثة
يبدأ هاني نسيرة تحليله بإرجاع مفهوم "الحاكمية" إلى جذوره التاريخية الأولى في خطاب الخوارج بعد معركة صفين، حيث رفعوا شعار "إن الحكم إلا لله" لا باعتباره عبارة دينية محضة، بل كسلاح سياسي في مواجهة خصومهم، وكذريعة لتكفيرهم. في هذا السياق، خرج النص القرآني من إطاره التفسيري الطبيعي، وتحول إلى أداة للصراع السياسي والإقصاء، وكأنه إعلان بأن أي حكم بشري يُعد تعديًا على حق الله في التشريع.
هذا التسييس المبكر للنصوص وضع البذرة الأولى لفكرة الحاكمية بوصفها معيارًا للفصل بين "مؤمن" و"كافر"، أو بين "شرعي" و"غير شرعي". ومع مرور الزمن، ظل هذا المعنى كامنًا في الذاكرة الفكرية لبعض التيارات، حتى جاء القرن العشرون، فأعاد أبو الأعلى المودودي إحياء المصطلح ضمن مشروعه الفكري الذي سعى إلى صياغة نموذج سياسي إسلامي معاصر.
المودودي منح الحاكمية بعدًا مؤسساتيًا، معتبرًا أن السيادة في الدولة يجب أن تكون لله وحده، وأن دور البشر يقتصر على تنفيذ أحكام شريعته. ورغم الطابع الراديكالي للفكرة، فإن المودودي ظل يطرحها ضمن إطار تنظيري سياسي واسع، ولم يمنحها البعد الوجودي المطلق الذي ستأخذه لاحقًا على يد سيد قطب.
سيد قطب، وخاصة في كتابيه "معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن"، ذهب بمفهوم الحاكمية إلى أقصى مداه، إذ اعتبر أن المجتمعات المعاصرة كلها تعيش في جاهلية جديدة لأنها لم تطبق الشريعة كما يتصورها. وبهذا، تحولت الحاكمية من مبدأ فقهي ينظم العلاقة بين التشريع والسلطة، إلى أيديولوجيا تكفيرية شاملة، ترى الصراع بين الإيمان والكفر ممتدًا في كل مكان وزمان، الأمر الذي مهد الطريق أمام الجماعات الجهادية المعاصرة لتبنيها كعقيدة قتالية ضد الدول والمجتمعات الحديثة.
ثانيًا: ابن تيمية بين النص والسياق
يُبرز هاني نسيرة في كتابه أن الجزء الأكثر أهمية في النقاش حول الحاكمية يتمثل في إعادة قراءة تراث ابن تيمية بعيدًا عن الانتقائية التي مارستها الجماعات الجهادية. فهذه الجماعات كثيرًا ما اقتطعت أقواله وفتاواه من سياقها الزمني والسياسي لتوظفها في بناء منظومتها التكفيرية المعاصرة. بينما، عند العودة إلى نصوص ابن تيمية في إطارها التاريخي، يظهر بوضوح أنه كان يتعامل مع قضايا الحكم والسياسة ضمن واقع معقد، مليء بالصراعات الداخلية، ومهدد بغزوات خارجية.
لقد عاش ابن تيمية في زمن تميّز بوجود خطرين كبيرين يهددان كيان الأمة الإسلامية: الأول هو الخطر الخارجي المتمثل في التتار (المغول) والصليبيين، والثاني هو الانقسامات الداخلية بين القوى الإسلامية نفسها. هذا الوضع المضطرب دفعه إلى إصدار فتاوى تستجيب لحاجات عاجلة، وتخاطب أوضاعًا محددة بعينها، كان الهدف منها في المقام الأول حماية الجماعة الإسلامية واستقرارها في مواجهة الأخطار المحدقة بها.
من هنا، يرى نسيرة أن فتاوى ابن تيمية لم تكن أحكامًا مطلقة تصلح للتطبيق في كل زمان ومكان، بل كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالظروف السياسية والعسكرية والاجتماعية التي صدرت فيها. على سبيل المثال، فتواه الشهيرة في قتال التتار جاءت في سياق غزو خارجي حقيقي، وكانت موجهة لتحشيد الصف الإسلامي ضد عدو يهدد وجود الدولة والمجتمع.
لكن الجماعات الجهادية المعاصرة تعاملت مع هذه الفتوى وكأنها قاعدة عامة وأبدية، فقامت باقتطاعها من سياقها، وأسقطتها على أوضاع المجتمعات الإسلامية الحديثة، معتبرة أن أي حكومة أو نظام لا يطبق الشريعة وفق فهمها الخاص هو بمثابة "تتار" يجب مقاتلته. هذا الاستخدام المجتزأ أدى إلى تشويه مقصد ابن تيمية، وتحويل فتاواه من أدوات دفاعية ظرفية إلى مبررات أيديولوجية للعنف الدائم والصراع المفتوح.
ثالثًا: النقد المزدوج
يطرح هاني نسيرة في كتابه ما يمكن تسميته بـ "النقد المزدوج"، وهو نقد يتجه في مسارين متوازيين. المسار الأول يواجه القراءة الجهادية التي جعلت من مفهوم الحاكمية معيارًا شاملًا للتكفير، بحيث تم توظيفه كأداة لفرز المجتمعات والحكومات بين مؤمنة وكافرة على أساس ضيق ومغلق. هذا التوظيف أفرغ المفهوم من أي أبعاد إصلاحية أو سياسية مرنة، وحوله إلى عقيدة صدامية مطلقة لا تعترف بالتنوع ولا بالاجتهاد.
أما المسار الثاني من النقد فيتوجه إلى القصور العميق في الفكر الإسلامي الوسيط والمعاصر، الذي لم يطوّر أدوات نقدية أو رؤى تجديدية كافية للتعامل مع التحديات الجديدة. هذا القصور خلق فراغًا فكريًا وروحيًا استغلته الجماعات المتطرفة، فملأته بخطاباتها الحادة التي تدّعي أنها تمثل الإسلام الصحيح، بينما هي في الحقيقة تقدم قراءة مشوهة ومنتقاة للنصوص والتراث.
ينتقد نسيرة بوضوح المنهجية السائدة لدى هذه التيارات في التعامل مع النصوص، والتي تقوم على منطق الجزئية والانتقائية؛ إذ يتم اقتطاع آية أو حديث أو فتوى من سياقها التاريخي والمعرفي، ثم تُحمّل بمعانٍ وأحكام لم تكن مقصودة أصلًا عند صدورها. ويرى أن هذا الأسلوب لا يقتصر على الجماعات المتطرفة، بل يمتد أحيانًا إلى الخطاب الديني التقليدي الذي يفتقر إلى القراءة الشمولية المتوازنة.
ومن هنا يؤكد المؤلف على ضرورة إعادة النظر في التراث برؤية مقاصدية، تجمع بين النص ومقتضيات الواقع، بحيث يُقرأ النص في ضوء غايته ومقاصده الكبرى لا في ضوء جزئياته المجتزأة فقط. هذا التوجه، في رأيه، هو السبيل لتجاوز التفسيرات المتطرفة، واستعادة التوازن بين الثابت الديني والمتغير الزمني، بما يسمح للفكر الإسلامي أن يتفاعل مع العصر دون أن يفقد هويته.
رابعًا: الحاكمية كعقيدة سياسية مغلقة
يفصّل هاني نسيرة في تحليله لكيفية تحول مفهوم الحاكمية من مبدأ شرعي أصيل هدفه تحقيق العدل وضبط العلاقة بين السلطة والنص، إلى عقيدة سياسية مغلقة تضع الدين في حالة صدام دائم مع المجتمع والدولة. هذا التحول، في نظره، أفرغ الفكرة من مضمونها الإصلاحي، وجعلها أداة أيديولوجية تحكم على الأنظمة والمجتمعات من منظور الإيمان والكفر، بدلًا من تقييمها بمعايير العدل والصلاح.
ويرى نسيرة أن خطورة هذا التحول تكمن في أنه يقصي أي شكل من أشكال الاجتهاد البشري أو التعددية الفقهية، ويكرّس فكرة أن هناك نموذجًا معياريًا واحدًا للحكم والدولة هو وحده الموافق للدين، وما عداه يعد خيانة أو انحرافًا. وبهذا المنطق، تصبح كل محاولة لتطوير النظم السياسية أو التكيف مع متغيرات العصر خروجًا عن الدين، وهو ما يفتح الباب أمام الصراع المستمر بدلًا من البناء المشترك.
كما يربط المؤلف هذا الانغلاق الذهني بظاهرة يسميها "التغريب عن الواقع"، وهي حالة من الانفصال بين الفكر والواقع المعاش، حيث يتم التعامل مع النصوص بوصفها كيانات معزولة عن سياقها الاجتماعي والسياسي. في هذا الإطار، يتم تجاهل التعقيدات الحقيقية للمجتمعات الحديثة، لصالح إسقاط أحكام جاهزة على واقع مغاير تمامًا للبيئة التي صدرت فيها النصوص.
هذا التغريب عن الواقع، كما يوضح نسيرة، جعل خطاب الجماعات الجهادية عاجزًا عن تقديم حلول عملية للمشكلات الفعلية، ومحصورًا في ترديد شعارات صدامية. وهو ما أدى في النهاية إلى إنتاج عقلية سياسية مغلقة، ترى التغيير فقط من خلال المواجهة والقطيعة، لا من خلال الإصلاح والتجديد، وهو ما يفاقم حالة الاستقطاب ويعزل الدين عن الحياة العامة.
خامسًا: قيمة الكتاب وأهميته
تتمثل قيمة كتاب "متاهة الحاكمية" في كونه لا يكتفي بمهمة تفكيك الخطاب الجهادي وفضح أسسه الفكرية، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تقديم شخصية ابن تيمية بوصفها شخصية فكرية مركبة ومعقدة، بعيدة كل البعد عن الصورة الأحادية التي رسمتها لها الجماعات المتطرفة. فابن تيمية، كما يقدمه نسيرة، ليس مجرد "شيخ السيف" الذي يبرر القتال، بل مفكر عاش في سياق تاريخي خاص، وله مواقف متعددة ومتباينة تبعًا للظروف التي واجهها.
هذه المقاربة تعيد الاعتبار للقراءة التاريخية للنصوص التراثية، إذ تمنح القارئ الأدوات اللازمة لفهم السياق الذي أنتج تلك النصوص، وتكشف كيف يمكن أن يؤدي اقتطاعها من بيئتها الأصلية إلى تحريف مقاصدها. وهنا تكمن إحدى نقاط قوة الكتاب، فهو يسلح القارئ بوعي نقدي يمكنه من مواجهة محاولات الاستغلال الأيديولوجي للتراث التي تمارسها الجماعات المتطرفة.
كما أن الكتاب يُعد خطوة مهمة في إطار مشروع فكري أوسع يهدف إلى مراجعة المنظومات التفسيرية التي سيطرت على الفكر الإسلامي في القرون الأخيرة، والتي اتسمت بدرجة كبيرة من الجمود والانغلاق. هذا الجمود، كما يشير نسيرة، لم يترك فقط مساحة خالية أمام الفكر الجهادي ليتغلغل، بل ساهم أيضًا في إضعاف قدرة المجتمعات الإسلامية على إنتاج خطاب ديني معاصر قادر على الاستجابة للتحديات.
وبهذا المعنى، فإن "متاهة الحاكمية" ليس مجرد دراسة نقدية لخطاب العنف، بل هو دعوة مفتوحة لإعادة بناء العلاقة مع التراث على أسس أكثر وعيًا وانفتاحًا، بما يسمح ببعث الفكر الإسلامي في صيغة متجددة تحترم النصوص وتفهم مقاصدها، وفي الوقت نفسه تنفتح على الواقع وتتعامل معه بمرونة وإبداع.
سادسًا: ملاحظات نقدية
على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يتمتع بها كتاب "متاهة الحاكمية"، فإن هناك بعض الملاحظات النقدية التي يمكن تسجيلها عليه. أول هذه الملاحظات تتعلق باعتماده في بعض المواضع على العرض السردي أكثر من التحليل التفكيكي العميق، خاصة عند تناوله للجذور التاريخية لمفهوم الحاكمية قبل العصر الحديث. فالقارئ يلمس أن هذه المرحلة التاريخية عُرضت بأسلوب موجز ومباشر، في حين كان بالإمكان تقديم قراءة تحليلية أعمق لهذه الجذور، وربطها بتطور المفهوم في المراحل اللاحقة على نحو أكثر تفصيلًا.
كما أن الكتاب، رغم وضوح هدفه المعلن في إعادة الاعتبار للسياق التاريخي للنصوص والفتاوى، يميل أحيانًا إلى الدفاع عن ابن تيمية أكثر من مساءلته نقديًا. ففي بعض المواضع، يظهر ابن تيمية في صورة منزهة إلى حد ما من الأخطاء أو الإشكالات الفكرية، وهو ما قد يضعف من حدة المراجعة النقدية التي يطمح إليها المؤلف. إذ كان من الممكن أن يتبنى نسيرة موقفًا أكثر توازنًا، يجمع بين إبراز الظلم الذي لحق بابن تيمية من القراءات الجهادية، وبين تقييم نقدي لمحدودية بعض أفكاره أو إشكالاتها في ضوء متطلبات العصر.
ومن الملاحظ أيضًا أن الكتاب كان بإمكانه توسيع دائرة المقارنة بين مفهوم الحاكمية في المدرسة السلفية التي ركز عليها، وبين مفاهيم الحكم والسلطة في مدارس الفكر الإسلامي الأخرى، مثل المدرسة المقاصدية، أو الفكر السياسي عند فقهاء المذاهب المختلفة، أو حتى الاجتهادات المعاصرة التي حاولت صياغة نماذج أكثر مرونة. هذا التوسع كان سيمنح التحليل عمقًا إضافيًا ويبرز تنوع الرؤى داخل التراث الإسلامي نفسه.
وأخيرًا، يمكن القول إن هذه الملاحظات لا تقلل من قيمة العمل، لكنها تفتح المجال أمام تطويره في طبعات لاحقة أو في أبحاث مكملة. إذ إن معالجة مفهوم إشكالي مثل الحاكمية تحتاج إلى مقاربة متعددة الأبعاد، تجمع بين التحليل النصي، والقراءة التاريخية، والمقارنة الفكرية الواسعة، حتى يتم تفكيكه وإعادة بنائه في سياق أكثر وعيًا وارتباطًا بمتغيرات العصر.
خاتمة
يظل كتاب "متاهة الحاكمية" للباحث هاني نسيرة محطة بارزة في سياق معركة الوعي ضد الفكر المتطرف، لأنه لا يكتفي بمجرد نقد فكرة أو رد شبهة، بل يغوص في البنية العميقة للمفهوم، محللًا جذوره التاريخية، وكاشفًا عن مسارات تطوره، وموضحًا كيف جرى استغلاله أيديولوجيًا لخدمة مشاريع سياسية عنيفة. هذا التوجه يمنح الكتاب بعدًا استراتيجيًا في مواجهة التطرف، لأنه يتعامل مع المسببات الفكرية لا مع النتائج فقط.
أهمية العمل أيضًا تكمن في أنه يعيد وصل التراث بسياقاته الحقيقية، فلا يترك النصوص التراثية في فراغ أو في أيدي من يقتطعها من تاريخها، بل يعيد وضعها في إطارها الزمني والاجتماعي والسياسي، مما يحميها من التوظيف المشوه. فالكتاب يوضح أن كثيرًا من الفتاوى والأحكام التي تُستحضر اليوم لتبرير العنف كانت في الأصل استجابات ظرفية لمواقف محددة، وليست قواعد أبدية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.
كما يقدم الكتاب دعوة صريحة للتحرر من أسر القراءات الانتقائية التي تعتمد على الاجتزاء وتجاهل السياق، وهي قراءات لا تقتصر على الجماعات الجهادية، بل تمتد أحيانًا إلى الخطاب الديني التقليدي نفسه. هذه الدعوة تنفتح على ضرورة تبني منهجية علمية نقدية، تجمع بين النص ومقاصده، وبين العقل وأدواته التحليلية، وبين الواقع ومتطلباته، بحيث يصبح الدين مصدر إلهام للتعايش والإصلاح، لا ذريعة للانقسام والصراع.
وفي المحصلة، يقدّم "متاهة الحاكمية" أكثر من مجرد دراسة نقدية لمفهوم إشكالي؛ إنه مشروع لإعادة التوازن بين النص والعقل والواقع، ولتحرير الخطاب الإسلامي من قبضة الأيديولوجيا المغلقة. ومن هنا، يمكن اعتباره لبنة أساسية في بناء وعي جديد قادر على مواجهة التطرف فكريًا وثقافيًا، وفتح الطريق أمام قراءة أكثر وعيًا ومرونة للتراث، بما يخدم نهضة المجتمعات الإسلامية في الحاضر والمستقبل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المنظمة العالمية لخريجي الأزهر تصدر عددًا جديدًا من مجلة «منبر الوافدين» تحت عنوان: «شرائع الأديان سلام الأوطان»
المنظمة العالمية لخريجي الأزهر تصدر عددًا جديدًا من مجلة «منبر الوافدين» تحت عنوان: «شرائع الأديان سلام الأوطان»

صدى مصر

timeمنذ ساعة واحدة

  • صدى مصر

المنظمة العالمية لخريجي الأزهر تصدر عددًا جديدًا من مجلة «منبر الوافدين» تحت عنوان: «شرائع الأديان سلام الأوطان»

المنظمة العالمية لخريجي الأزهر تصدر عددًا جديدًا من مجلة «منبر الوافدين» تحت عنوان: «شرائع الأديان سلام الأوطان» كتب – محمود الهندي أصدرت المنظمة العالمية لخريجي الأزهر العدد الجديد من مجلتها الشهرية «منبر الوافدين»، في إطار إصداراتها الإعلامية الهادفة إلى تثقيف وتوعية الطلاب الوافدين. وتصدّر غلاف العدد صورة تجمع فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا تواضروس الثاني، تحت العنوان الرئيس: «شرائع الأديان سلام الأوطان». كما تضمن العدد مقالًا لفضيلة الإمام الأكبر بعنوان: «الأوطان تشتاق إلى سلام دائم وعيش لا عنف فيه ولا إرهاب» . وفي مقاله، أكد الإمام الأكبر أن عالم اليوم يمر بظروف حرجة وأزمة أخلاقية عاصفة، حتى غدت معاني المحبة والسلام استثناءً في ظل سيطرة الأنانية والكراهية والصراع، مشيرًا إلى أنه: «لا يكاد يوجد وطن إلا وهو يشتاق إلى سلام دائم وعيش لا عنف فيه ولا إرهاب». وأعرب فضيلته عن أسفه الشديد لاتهام الأديان زورًا بأنها مصدر الإرهاب، مشددًا على أن السلام لن يعمّ العالم إلا إذا تعاونت المؤسسات الدينية وقادتها يدًا بيد على صناعته، مذكرًا بنداء الأزهر منذ أكثر من سبعين عامًا بضرورة إحلال السلام بين رجال الأديان أنفسهم، ثم بينهم وبين المفكرين وأصحاب القرارات المصيرية، قبل نشره بين الناس كافة كما ضم العدد مقالًا لفضيلة أ.د/ عباس شومان، رئيس مجلس إدارة المنظمة، أوضح فيه أن إرادة الله تعالى اقتضت اختلاف البشر في أديانهم ومعتقداتهم ومذاهبهم، ومنح الإنسان حرية الاختيار ليحاسب كل فرد أمام خالقه. وأكد فضيلته أن القرآن الكريم والسنة النبوية وجّها البشرية إلى العيش في إطار وحدة إنسانية قائمة على المساواة والعدل والتقوى، بعيدًا عن أي تمييز عرقي أو ديني. وأضاف أن القيم الإنسانية العليا (كالعدل والرحمة والتسامح والوفاء بالعهد وحب الأوطان) ليست حكرًا على فئة بعينها، مشددًا على أن الالتزام بتعاليم الأديان الحقة يعزز قيم المواطنة ويحقق الانسجام المجتمعي، لتظل راية الوطن مرفوعة بسواعد جميع أبنائه مسلمين وغير مسلمين، في ظل عدالة تصون الحقوق وتُعلي الواجبات . وتناول فضيلة أ.د/ سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، في مقاله مفهوم المواطنة في المجتمع متعدد الديانات، مبينًا أنها تقوم على دمج جميع أفراد المجتمع – على اختلاف معتقداتهم – في نسيج الوطن الواحد، بما يتيح لهم المشاركة الفاعلة في الحياة العامة والمساهمة في تنمية مجتمعاتهم. وأشار فضيلته إلى جهود الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر في نشر قيم الوسطية والاعتدال وتصحيح المفاهيم المغلوطة، مستشهدًا بـ«وثيقة الأخوة الإنسانية» التي وقّعها الإمام الأكبر مع الراحل قداسة البابا فرنسيس واعتمدتها الأمم المتحدة، فضلًا عن تأسيس بيت العائلة المصرية بالتعاون مع الكنيسة المصرية . كما نشرت أ.د/ نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر وعميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين، مقالًا أوضحت فيه أن الرسالات السماوية جاءت لإطفاء نيران الصراع، وأن شرائعها وضعت نظامًا متكاملًا للسلام يبدأ من العقيدة ويتجسد في السلوك، مؤكدةً أن الأديان لم تكن يومًا سببًا في إراقة الدماء، بل كانت صوتًا يدعو إلى الرحمة والتعقل والعدل . واختُتم العدد بمجموعة من المقالات التي خطّها الطلاب الوافدون، عبّروا فيها عن جوهر وسطية الشرائع السماوية ورسالتها في إرساء التعايش المشترك، والعمل معًا على ترسيخ قيم السلام والعدل والمحبة بين الشعوب على اختلاف أديانها وثقافاتها، مؤكدين أن رسالة الأديان تقوم على بناء الإنسان ونشر الطمأنينة والوئام، بما يجسد رؤية الأزهر في تعزيز الحوار الحضاري وترسيخ أسس التفاهم بين الأمم .

بعد توسيع الحصار البحري والجوي.. ما السيناريوهات القادمة بين "أنصار الله" وإسرائيل؟
بعد توسيع الحصار البحري والجوي.. ما السيناريوهات القادمة بين "أنصار الله" وإسرائيل؟

سبوتنيك بالعربية

timeمنذ 3 ساعات

  • سبوتنيك بالعربية

بعد توسيع الحصار البحري والجوي.. ما السيناريوهات القادمة بين "أنصار الله" وإسرائيل؟

بعد توسيع الحصار البحري والجوي.. ما السيناريوهات القادمة بين "أنصار الله" وإسرائيل؟ بعد توسيع الحصار البحري والجوي.. ما السيناريوهات القادمة بين "أنصار الله" وإسرائيل؟ سبوتنيك عربي رغم الضربات الأمريكية والإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، لا تزال مجموعة "أنصار الله" اليمنية تمثل الرقم الصعب للمعادلة في المنطقة، فلم تتوقف تهديداتها الحقيقية... 11.08.2025, سبوتنيك عربي 2025-08-11T16:19+0000 2025-08-11T16:19+0000 2025-08-11T16:19+0000 حصري تقارير سبوتنيك أخبار اليمن الأن الحرب على اليمن أنصار الله إسرائيل أخبار إسرائيل اليوم العالم العربي أخبار العالم الآن الولايات المتحدة الأمريكية ماهي نهاية تلك الحالة بعد الاستهداف المستمر واليومي من جانب "أنصار الله" اليمنية للسفن في البحر الأحمر والمناطق الحساسة والاستراتيجية في قلب إسرائيل.. هل تمتلك إسرائيل وأمريكا سيناريوهات جديدة للرد أم أن الحل يبدأ من غزة؟بداية يقول، الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني من العاصمة صنعاء، العميد عبد السلام سفيان: "إن الدواعي التي فرضت هذا الموقف هو ما نراه من إجرام غير مسبوق تجاه شعبنا الفلسطيني والإبادة التي تمارسها إسرائيل بحق قطاع غزة، وقد كانت المراحل التي بدأنا بها متدرجة، لكننا ذاهبون إلى مراحل أكثر تصعيد".الحصار مستمروأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "السيناريوهات القادمة إن لم يتوقف الكيان الإسرائيلي عن جرائمه، فإننا نتعامل اليوم مع كل السفن الذاهبة إليه بغض النظر عن جنسيتها ونعتبرها هدف مشروع، لأنها تتعامل مع الكيان في الذي فرضنا عليه حصارا بحريا، وقد حاول الجانب الأمريكي كثيرا كي يجعلنا نتوقف عن عملياتنا البحرية وإطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل وفشل في ذلك ووقعت الهدنة مع صنعاء، ولا أعتقد أن واشنطن يمكن أن تعود مجددا للمربع الذي كانت فيه خلال الفترة الماضية".وتابع سفيان: "الأمريكي أدرك بأن موقفنا ثابت لا يتغير وغير قابل للمساومة، نحن ننطلق من مبادئ وعقيدة تحتم علينا أن نكون في هذا المكان، وأدرك أيضا أننا فاعلون في التأثير وأن قدراتنا تشكل تهديدا متزايدا على هذا الوجود الأمريكي، يدنا هي العليا في تلك المنطقة الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن وحتى المحيط الهندي، ربما في الفترة القادمة نحن ذاهبون إلى ما هو أبعد من تلك المنطقة الجغرافية، مشيرا إلى أن الأمريكي والإسرائيلي ما زالا يستشعران حجم القلق والمخاطر التي نمثلها عليهما، خاصة ونحن الجبهة الوحيدة التي تقف اليوم بقوة إسنادا للشعب الفلسطيني والذي كان يفترض أن تحمله الأمة جمعاء".السيناريوهات القادمةوقال الخبير العسكري: "نحن نتوقع أن يمارس العدو الكثير من الأساليب والوسائل عبر الاستهداف من الداخل وتجنيد خلايا مرتزقة وعبر الخيانات واستغلال الظرف الاقتصادي، نحن نعد العدة لكل الاحتمالات، خاصة فيما يتعلق بموضوع الخيانة من الداخل وسوف نتعامل معها بحسم كما نتعامل مع العدو، هذا دليل على قراءة دقيقة تتنبأ بالمستقبل وما يمكن أن يحدث في قادم الأيام وربما نسمع في الفترة القادمة عن خطوات أكثر تأثيرا وفاعلية، نحن اليوم نريد أن نضيق الخناق على العدو بحيث لا يكون أمامه سوى خيار القبول بشروط المقاومة ووقف العدوان والإبادة والقبول بصفقة تبادل كما تريدها المقاومة لا كما يريدها الكيان".ولفت سفيان إلى أن "اليمن أعلن منذ اللحظة الأولى أن عملياته ضد العدو في الأراضي المحتلة سوف تتوقف عندما تعلن المقاومة أنها قبلت وقفا لإطلاق النار وفقا لشروطها، نحن ملتزمون بهذا ووضعنا قدراتنا وقرارنا وفقا لما يحدث وتتفق عليه قوى المقاومة الفلسطينية، وحتى عندما تتوقف الحرب سوف نظل في جاهزية كاملة وتظل صواريخنا مستعدة للإنطلاق في أي لحظة إذا ما نكص العدو بأي اتفاق".العمليات البريةمن جانبه يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اليمني، لطفي نعمان، "إن التضاريس في اليمن لا تساعد أبدا على دخول أي عملية عسكرية برية لأي جهة خارجية كانت".وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أنه كان هناك اكتفاء بالعمليات العسكرية التي تركز على الغارات الجوية، هذا ما لوحظ منذ بدء العمليات الإسرائيلية، ومرورا بتحالف "حارس الازدهار"، والعمليات الأمريكية في عهد الرئيس ترامب، حيث استهدفت هذه الغارات مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء والحديدة، التي يعتقد أنها منصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة نحو تل أبيب".وأكد نعمان "أن دخول جماعة الحوثي (أنصار الله) على خط المواجهة يجب أن ينظر إليه كهروب من استحقاقات ومسؤوليات السلام الداخلي في اليمن، وتنفيذ خارطة الطريق التي كانت مطروحة منذ نهاية عام 2023 ،وتابع أن الجماعة صرفت النظر عن هذا الأمر بالذهاب إلى العمليات في البحر الأحمر لدعم جماعة حماس أو نصرة الشعب الفلسطيني في غزة".تأثير القرارات الملاحيةوأشار إلى أن "القرارات الأخيرة التي أصدرتها الجماعة بحق الشركات الملاحية يظل تأثيرها محدودا، متسائلا من يكترث لهذه القرارات، ورجح أن هذه الشركات قد تتفادى المرور في مناطق سيطرة الحوثيين أو تبحث عن طرق أخرى بديلة، وربما تستمر في عملها بحماية من القوات الدولية المرابطة هناك".وختم بالقول: "إن العمليات في البحر الأحمر ستستمر على الأرجح لأن الحوثيين يجدون فيها متنفسا لهم وزيادة لشعبيتهم لدى الرأي العام العربي".وأضاف البيان: "نفذت قوات الطائرات المسيرة التابعة للقوات المسلحة اليمنية (أنصار الله) عمليات عسكرية، استهدفت خلالها ثلاثة أهداف للعدو الإسرائيلي بثلاث طائرات مُسيّرة. الأولى استهدفت مطار اللد (بن غوريون) في يافا (تل أبيب)، والطائرتان المسيرتان الأخريان - أهدافا مهمة للعدو في بئر السبع وعسقلان".وأعلنت جماعة "أنصار الله" اليمنية، يوم 5 أغسطس/ آب الجاري، أن "القوة الصاروخية (التابعة للجماعة) نفذت عملية عسكرية استهدفت مطار بن غوريون في منطقة يافا، بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع "فلسطين 2".وقالت القوات المسلحة التابعة لـ"أنصار الله"، إن "العملية حققت هدفها بنجاح بفضل الله وتسببت في هروع الملايين إلى الملاجئ وتوقف حركة المطار".وأكدت أن "العملية انتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه، وردا على جرائم الإبادة والتجويع في غزة، وردا على اقتحام الصهاينة للمسجد الأقصى". إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 2025 سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 الأخبار ar_EG سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 1920 1080 true 1920 1440 true 1920 1920 true سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 سبوتنيك عربي حصري, تقارير سبوتنيك, أخبار اليمن الأن, الحرب على اليمن, أنصار الله, إسرائيل, أخبار إسرائيل اليوم, العالم العربي, أخبار العالم الآن, الولايات المتحدة الأمريكية

اغتيال خمسة من صحافيي قناة الجزيرة من بينهم أنس الشريف ومحمد قريقع
اغتيال خمسة من صحافيي قناة الجزيرة من بينهم أنس الشريف ومحمد قريقع

اخبار الصباح

timeمنذ 4 ساعات

  • اخبار الصباح

اغتيال خمسة من صحافيي قناة الجزيرة من بينهم أنس الشريف ومحمد قريقع

اغتال الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس الأحد، خمسة من صحافيي قناة الجزيرة في غارة إسرائيلية استهدفت خيمة للصحافيين قرب مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة. والشهداء هم المراسلان أنس الشريف ومحمد قريقع، والمصورون إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومساعد المصور محمد نوفل، والصحافي في منصة ساحات محمد الخالدي، الذي استشهد صباح اليوم متأثراً بجراحه. وقد استهدفت الغارة منطقة معروفة بأنها مركز للنشاط الإعلامي الميداني في المدينة، حيث كان الصحافيون يتابعون التطورات الميدانية في ظل القصف الإسرائيلي المكثف. جيش الاحتلال أقر رسمياً بتنفيذ الغارة، لكنه برر استهداف الشريف باتهامه بأنه "إرهابي" و"قائد خلية في حركة حماس" و"ينتحل صفة صحافي"، وزعم أنه كان مسؤولاً عن "هجمات صاروخية على المدنيين الإسرائيليين". هذه الاتهامات، التي لم يقدم الجيش أي أدلة ملموسة لدعمها، رُفضت من قبل قناة الجزيرة ومنظمات حماية الصحافيين التي وصفتها بأنها ذريعة لتبرير اغتيال أنس الشريف. توقيت العملية جاء بعد ساعات من مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عرض فيه خطته العسكرية للسيطرة على ما تبقى من مدينة غزة والمخيمات الوسطى، تمهيداً لاحتلال القطاع بالكامل. بينما رأى مراقبون فلسطينيون وصحافيون أن استهداف خيمة الصحافيين في هذا التوقيت يعكس نية إسرائيل القضاء على ما تبقى من الأصوات الميدانية التي تنقل وقائع الحرب للعالم. أنس الشريف ولد أنس الشريف في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1996 في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة. نشأ في بيئة فقيرة ومكتظة، وعاش طفولته تحت وطأة الحروب الإسرائيلية المتكررة. تلقى تعليمه في مدارس الأونروا ومدارس وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، قبل أن يلتحق عام 2014 بجامعة الأقصى لدراسة الإذاعة والتلفزيون، وتخرج عام 2018. بدأ الشريف مسيرته الإعلامية متطوعاً في شبكة الشمال الإعلامية، حيث اكتسب خبرة ميدانية في التصوير وإعداد التقارير، ثم انتقل إلى العمل مراسلاً لقناة الجزيرة في غزة. خلال سنوات الحصار، تبنى نهج التغطية المباشرة من قلب الحدث غير آبه بالمخاطر. تمركز في شمال القطاع ووسط مدينة غزة، ووثق بالصوت والصورة مشاهد الدمار والمجاعة التي اجتاحت المنطقة، خصوصاً في فترات انقطاع الكهرباء والاتصالات، حيث كان يضطر لتسلق أسطح المباني بحثاً عن إشارة إنترنت لبث التقارير. تغطياته تضمنت مشاهد لأطفال يصرخون من الجوع، وأمهات يفتشن بين الركام عن الطعام، ومدارس تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين وسط ظروف صحية قاسية. قال في أحد تقاريره: "أكثر ما يؤلم هنا ليس القصف وحده، بل أن ترى طفلاً ينام وهو يبكي جوعاً لأنه لم يجد وجبة واحدة طوال اليوم". وفي 2024، حصل على جائزة "المدافع عن حقوق الإنسان" من منظمة العفو الدولية في أستراليا تقديراً لشجاعته في توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية. وفي وصيته الأخيرة التي نشرت عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ساعات، قال الشريف: "إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي. بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة (المجدل) لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ... أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم. أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران. أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة. أُوصيكم بأهلي خيرًا...". التحريض الإسرائيلي على أنس الشريف وتعرض الشريف خلال الأشهر الماضية لحملات تحريض متكررة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، قادها المتحدث العسكري للإعلام العربي أفيخاي أدرعي. منذ يوليو/تموز 2024، نشر أدرعي مقاطع فيديو عدة اتهم فيها الشريف بالانتماء لكتائب القسام منذ 2013، وبأنه يستخدم عمله الصحافي للتغطية على "أنشطة إرهابية"، كما بث لقطات لبكائه أثناء تغطيته لمجاعة غزة، واصفاً إياها بـ"دموع التماسيح" وبأنها "جزء من دعاية حماس". في يوليو/تموز 2025، أصدرت لجنة حماية الصحافيين بياناً حذرت فيه من أن هذه الاتهامات تمثل "محاولة لصناعة قبول عام لاغتياله". المديرة الإقليمية للجنة سارة القضاة قالت إن "النمط الذي تنتهجه إسرائيل في وصف الصحافيين بأنهم مسلحون، من دون تقديم أدلة، يثير تساؤلات خطيرة حول احترامها لحرية الصحافة". الشريف رد على هذه الحملات بقوله: "أنا صحافي بلا انتماءات سياسية. مهمتي الوحيدة نقل الحقيقة من أرض الواقع كما هي، دون تحيز. الاحتلال يريد اغتيالي معنوياً تمهيداً لاغتيالي جسدياً". ردات فعل على اغتيال الشريف وقريقع أدانت نقابة الصحافيين الفلسطينيين عملية اغتيال الصحافيين في غزة، ووصفتها بأنها "جريمة بشعة" و"استهداف مقصود لإسكات الحقيقة". المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قال إن العملية تمت "مع سبق الإصرار والترصد" وهي جزء من خطة لتغطية "المذابح الماضية والقادمة". شبكة الجزيرة أصدرت بياناً حملت فيه الجيش الإسرائيلي والحكومة المسؤولية الكاملة، واعتبرت الاغتيال "هجوماً متعمداً على حرية الصحافة". المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير إيرين خان اعتبرت أن اتهام الصحافيين بالإرهاب هو "استراتيجية لقمع الحقيقة"، ودعت إلى محاسبة المسؤولين. استهداف الصحافيين في المستشفيات منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كثف الجيش الإسرائيلي استهدافه لخيم الصحافيين الموجودة في باحات المستشفيات، حتى أنه اغتال صحافيين داخل المستشفيات أثناء تلقيهم العلاج. فقد سبق أن قصفت طائرة مسيّرة إسرائيلية في شهر يونيو/ حزيران الماضي ساحة المستشفى المعمداني بمدينة غزة، ما أدى لاستشهاد المصورَين احمد قلجة (متعاون مع التلفزيون العربي)، وإسماعيل بدح وسليمان حجاج (قناة فلسطين اليوم)، والمحرّر سمير الرفاعي (وكالة شمس نيوز)، وإصابة مراسل قناة فلسطين اليوم عماد دلول بجراح خطيرة، ومراسل التلفزيون العربي إسلام بدر بجراح طفيفة. هذا النمط تكرر مرات عدة أبرزها: 13 مايو/أيار 2024: اغتيال حسن اصليح داخل مجمع ناصر الطبي أثناء تلقيه العلاج. إبريل/نيسان 2024: استشهاد أحمد منصور وحلمي الفقعاوي قرب مستشفى ناصر. ديسمبر/كانون الأول 2023: مقتل خمسة صحافيين أمام مستشفى العودة في النصيرات. نوفمبر/تشرين الثاني 2023: استشهاد هيثم حرارة عند مدخل مجمع الشفاء الطبي. الحصار الإعلامي الإسرائيلي على غزة ويفرض الاحتلال حصاراً إعلامياً كاملاً على غزة منذ بداية العدوان، مانعاً دخول معظم الصحافيين الأجانب باستثناء قلة تحت إشراف عسكري مباشر. هذا الوضع دفع 129 مؤسسة إعلامية وصحافية وحقوقية، بينها "العربي الجديد" ووكالات كبرى مثل "فرانس برس" و"أسوشييتد برس" و"بي بي سي"، لتوجيه رسالة مفتوحة تطالب بالسماح بدخول "فوري وغير مقيد" للصحافيين الدوليين، وحماية الصحافيين المحليين الذين يواصلون عملهم تحت الحصار. وإلى جانب منع دخول الصحافيين الأجانب، فإن الاحتلال يضيّق على التغطية، من خلال قتل الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة بشكل متكرر وممنهج، ليصبح عدد الصحافيين الشهداء في غزة هو الأعلى في تاريخ الحروب الحديثة، بحسب بيانات المنظمات الحقوقية الدولية. نمط ممنهج وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قُتل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ما لا يقل عن 238 صحافياً، وأصيب نحو 400، واعتُقل 40، ودُمّرت غالبية المقرات الإعلامية، وأُجبرت الإذاعات المحلية على الإغلاق. منظمات مثل "مراسلون بلا حدود" و"لجنة حماية الصحافيين" أكدت أن إسرائيل تتبع سياسة ممنهجة لاتهام الصحافيين بالانتماء لجماعات مسلحة لتبرير استهدافهم، كما حدث مع عدة مراسلين لقناة الجزيرة وغيرهم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store