logo
العالم نحو اقتصاد أكثر عزلة والأسواق تعيد ترتيب الأولويات

العالم نحو اقتصاد أكثر عزلة والأسواق تعيد ترتيب الأولويات

Independent عربية١١-٠٤-٢٠٢٥

تعد تداعيات قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على نحو 60 دولة في العام مؤشراً واضحاً على أن الأسواق تتجه نحو تقوقع اقتصادي، إذ يتوقع أن تتراجع مستويات عولمة التجارة بصورة كبيرة، وما يجرى تداوله حالياً ما هو إلا نتاج عقود سابقة جرى التحوط لها مسبقاً. ومع استمرار هذا المسار، فإن التضخم سيواصل الارتفاع بوتيرة متسارعة، وسط تحذيرات من أزمة اقتصادية أوسع نطاقاً.
وسواء نجحت هذه الرسوم في تقليص العجز التجاري الأميركي أم لا، فإن آثارها الأعمق تتجاوز الأرقام، فهي تعيد صياغة المنطق الذي تأسست عليه التجارة الدولية، وتدخل العالم في عصر جديد تتراجع فيه العولمة أمام المد الإقليمي.
وتشهد الأسواق العالمية اليوم تحولاً عميقاً مع تسارع تراجع العولمة وتزايد التوجه نحو التركيز الإقليمي، في أعقاب السياسات الحمائية التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرضها بقوة على الساحة الاقتصادية.
شكلت الرسوم الجمركية الجديدة صدمة قوية للنظام التجاري العالمي، وأشعلت موجة من التقلبات في الأسواق المالية، دفعت بعديد من الدول والشركات إلى إعادة النظر في استراتيجياتها العابرة للحدود.
ويقول محللون، إن هذه الرسوم لم تحدث فقط اضطراباً في الأسواق، بل أسهمت في تسريع اتجاه قائم بالفعل وهو تراجع العولمة، فبدلاً من بناء شبكات إمداد دولية معقدة، بدأت الشركات تميل نحو تبسيط عملياتها والتركيز على سلاسل توريد محلية أو إقليمية أكثر أماناً واستقراراً.
ويبدو أن المفهوم الذي ساد خلال العقود الثلاثة الماضية، بأن العالم "قرية واحدة، يتآكل تدريجاً لمصلحة أنماط جديدة من التفاعل التجاري تقوم على الجغرافيا والثقة السياسية، لا الكفاءة أو الكلفة وحدها".
من جانبه دافع ترمب عن هذه السياسات بوصفها "إعادة تصحيح للمسار"، مؤكداً أن العجز التجاري مع شركاء كبار كالصين والاتحاد الأوروبي "لم يعد مقبولاً". وقال من على متن طائرته الرئاسية، "إما أن نحقق فائضاً، أو في الأقل التوازن... نحن لا نقبل الخسارة".
في المقابل، حذر اقتصاديون كبار مثل وزير الخزانة الأميركي السابق لاري سامرز، من أن هذه الإجراءات تشكل "جرحاً ذاتياً غير مسبوق" للاقتصاد الأميركي، مع تقديرات بخسائر للمستهلكين الأميركيين قد تتجاوز 30 تريليون دولار.
ورفع "جيه بي مورغان" توقعاته لاحتمال حدوث ركود عالمي إلى 60 في المئة، مشيراً إلى أن الأسواق باتت أكثر هشاشة أمام أي صدمة مفاجئة.
وبدأت الانعكاسات تظهر فعلياً، فشركات عالمية مثل "نينتندو" و"ستيلانتيس" أعلنت تأجيلات وتسريحات مفاجئة، وأسواق آسيا تهاوت، وسوق "وول ستريت" فقدت 6.6 تريليون دولار في يومين، في أكبر خسارة منذ عقود.
ضربة قاصمة لمنظمة التجارة
وقال المتخصص البحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية محمد الصياد إن العولمة ارتبطت بالتدويل العميق لأسواق المال وتكاملها، سواء من خلال تبادل تسجيل الشركات أو طرح الأوراق المالية (كالأسهم والسندات وشهادات الاستثمار في صناديق التحوط والاستثمار)، إلى جانب ارتباطها بتحول العالم من صيغة تعاون أدنى في التجارة العالمية تمثلت في "الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة" (GATT) لعام 1947، إلى صيغة أكثر شمولاً وعمقاً، وهي "منظمة التجارة العالمية" التي تأسست عام 1995 لتحل محل اتفاقية "الغات".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف الصياد أن هاتين القاعدتين الأساسيتين للعولمة، كما عرفهما العالم طوال العقود الثلاثة الماضية، لن تعودا كما كانتا، مشيراً إلى أن منظمة التجارة العالمية تلقت ضربة قاصمة، قد يصعب عليها النهوض منها إلا إذا تغيرت النظرة السائدة داخل النظام السياسي الأميركي، الذي يتجه نحو الانعزال والمواجهة مع بقية أسواق العالم. وأكد الصياد أن رد فعل الأسواق الأولية كانت طبيعية جداً، نظراً إلى حجم وعمق الحدث، في إشارة إلى الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، سواء من حيث مستواها المرتفع أو نطاقها الواسع. وقال إن "العوامل التقنية" التي تؤثر في أداء البورصات، لا سيما العامل النفسي، ستظهر بسرعة وبقوة، إذ تؤدي إلى حال من القلق لدى المستثمرين، إلى جانب "الأساسيات الاقتصادية" التي تلقت صدمة عنيفة تجعل من الصعب إدراك تداعياتها على المدى القريب. وتابع الصياد "لكن الأسواق، وبعد استيعاب الصدمة، ستبدأ بالتقاط أنفاسها وتعود بحذر، خصوصاً الأسواق المحلية والإقليمية. ويرجح أن يتفادى المستثمرون المراكز المالية الكبرى التي اعتادوا متابعة بياناتها اليومية، ويتجهوا بصورة أكبر نحو الأسواق الناشئة في بلدانهم وضمن الجوار الإقليمي".
وفي سياق متصل، أشار الصياد إلى خطوة لافتة أقدمت عليها الصين وسط هذه الأجواء الاقتصادية الملبدة، إذ أصدرت في الثاني من أبريل (نيسان) الجاري في لندن، أول سندات خضراء خارجية مقومة بالرنمينبي بقيمة 6 مليارات يوان (نحو 822 مليون دولار)، مما يمهد الطريق أمام عولمة عملتها. وأوضح أن بكين، وبعدما بدأت بإصدار سندات مقومة بالدولار الأميركي، ها هي اليوم تصدر سندات خضراء بعملتها الوطنية، متجاهلة وكالات التصنيف الائتماني، في رسالة واضحة مفادها أنها لم تعد تولي تلك الوكالات أي أهمية تذكر.
تراجع كبير يهدد الاقتصاد وعولمة التجارة
من جانبه قال المحلل المصرفي حسن الريس للصحيفة، إن الاقتصاد العالمي ومفهوم عولمة التجارة يواجهان أخطاراً كبيرة في المرحلة الراهنة، زادت حدتها بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً فرض رسوم جمركية شاملة على واردات من نحو 60 دولة، في خطوة أثارت قلق الأسواق العالمية وأشعلت مخاوف من الدخول في دوامة ركود اقتصادي عالمي. ورأى الريس أن السياسات الحمائية التي تعهد بها ترمب وبدأ تنفيذها فعلياً ستؤدي بلا شك إلى تراجع شهية الحكومات والصناعات للاستمرار في أنشطة الأعمال بالشكل المعتاد، بخاصة أن بيئة التجارة العابرة للحدود باتت أكثر تقلباً وكلفة. وأضاف "في ظل حال عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، سترتفع الكلف المرتبطة بأي تجارة دولية، وغالباً ما تنقل هذه الكلف في نهاية المطاف إلى المستهلكين، الذين تبقى دخولهم ثابتة من دون تغيير، ما يزيد من الضغط على القدرة الشرائية ويؤجج مشاعر عدم الاستقرار".
وقال الريس "استناداً إلى تجارب سابقة، ندرك أن السلع الكمالية ستكون أول من يتأثر بهذه التداعيات. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك عوامل أخرى مقلقة تستدعي الانتباه، وأبرزها صعود النزعة الحمائية، التي غالباً ما تظهر في مثل هذه السيناريوهات". وتابع المحلل المصرفي "تبدأ الحمائية عادة من السلع الأساسية مثل الرز والحبوب والفول، إذ يؤدي شح الإمدادات إلى ارتفاع الأسعار، مما ينعكس على رفوف المتاجر، وقد يصل إلى حد عدم توفر بعض المنتجات، إذ تلجأ الدول المنتجة إلى الاحتفاظ بهذه السلع لاستخدامها المحلي فحسب، أو لاستخدامها كورقة ضغط وأداة تفاوض في علاقاتها التجارية".
وبينما تسعى بعض الحكومات للرد بالمثل عبر تعريفات انتقامية، يبدو أن الضرر الأوسع قد طال النظام الاقتصادي الدولي برمته، فالعولمة التي بنيت على حرية تنقل السلع والاستثمارات بدأت تتلاشى تحت وطأة السياسة، والنتيجة هي عودة العالم إلى "دوائر الثقة" الجغرافية، إذ تسود التجارة مع الجيران على حساب العابر للحدود. وحذر المحللون من أن هذه التطورات ستقود إلى تراجع العولمة، مع انخفاض في العروض العابرة للحدود وتشكيل تكتلات تجارية جديدة تركز على الجوار الجغرافي بدل الانفتاح العالمي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مصدر أمني يمني: مقتل 9 من "القاعدة" بغارات على جنوب البلاد
مصدر أمني يمني: مقتل 9 من "القاعدة" بغارات على جنوب البلاد

Independent عربية

timeمنذ 42 دقائق

  • Independent عربية

مصدر أمني يمني: مقتل 9 من "القاعدة" بغارات على جنوب البلاد

قُتل تسعة عناصر من تنظيم "القاعدة" بغارات نسبت إلى الولايات المتحدة على مناطق في جنوب اليمن، بحسب ما أفاد مصدر أمني يمني اليوم السبت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال مصدر أمني في محافظة أبين المجاورة لمقر الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في عدن، إن الضربات أسفرت عن مقتل تسعة أعضاء من الجماعة بينهم قيادي محلي. وأضاف المسؤول الأمني الذي ذكر في وقت سابق أن الهجوم وقع مساء أمس الجمعة في شمال مديرية خبر المراقشة، أن الضربات استهدفت مواقع عدة في المنطقة الجبلية التي تعرف بنشاط تنظيم "القاعدة" فيها. وقال مسؤول قبلي في المنطقة للوكالة الفرنسية، "شاهدت خمس جثث متفحمة في موقع واحد استُهدف وسيارة محترقة، بينما بقية القتلى في مكان آخر". وفي وقت سابق، أكد مسؤول أمني آخر حصيلة أولية لخمسة قتلى من أعضاء تنظيم "القاعدة" نتيجة الضربات، وقال إنه في حين أن أسماء القتلى غير معروفة، يعتقد بأن أحد القادة المحليين للجماعة من بين القتلى. ووفّرت الحرب في اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، موطئ قدم لجماعات متطرفة، بينها "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" الذي تعتبره واشنطن أخطر أذرع التنظيم، لكن وتيرة هجماته تراجعت كثيراً خلال الأعوام الأخيرة. وحذر تقرير أممي نشر العام الماضي من التعاون "المتزايد" بين الحوثيين وجماعات مثل تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" الذي يتحالفون معه ضد قوات الحكومة اليمنية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأعلن في السادس من مايو (أيار) الجاري اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين بوساطة عمانية، بعيد حديث الرئيس دونالد ترمب عن وقف الغارات الأميركية التي استمرت أسابيع في اليمن واستهدفت مناطق سيطرة المتمردين. وتأسس تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" عام 2009، وبرز خلال الفوضى التي أنتجتها الحرب في اليمن، في وقت كان المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران يقاتلون في وجه التحالف العسكري الذي تقوده السعودية منذ عام 2015. وفي مارس (آذار) 2024، أكد تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" وفاة زعيمه خالد باطرفي، وأعلن سعد بن عاطف العولقي خلفاً له.

الهلال يقدم عرضًا ضخمًا لضم فيرنانديز
الهلال يقدم عرضًا ضخمًا لضم فيرنانديز

صدى الالكترونية

timeمنذ ساعة واحدة

  • صدى الالكترونية

الهلال يقدم عرضًا ضخمًا لضم فيرنانديز

تسعى إدارة الهلال، لعقد صفقات جديدة في الفترة الحالية لتدعيم صفوف الفريق للدخول بقوة في مونديال الأندية، بالإضافة إلى رفع مستوى الفريق للمنافسة على البطولات والألقاب في الموسم الجديد. وكشفت مصادر صحفية أن نادي الهلال قدم عرضًا للبرتغالي لبرونو فيرنانديز قائد فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي بعقد لمدة 3 مواسم مقابل 50 مليون دولار في الموسم مع إضافات ضخمة. وتواصلت إدارة الزعيم مع وكيل برونو فيرنانديز في الأيام الماضية وتم الاستفسار عن إمكانية التعاقد معه بشكل رسمي هذا الصيف، وفقًا لـ 365Scores. ‎وأعطى الهلال مهلة لـ فيرنانديز للرد على العرض المقدم لضيق الوقت، وذلك قبل التوجه إلى التفاوض مع خيار بديل لمشاركته في مونديال الأندية مع الفريق. اقرأ أيضًا :

أردوغان: أيام أكثر إشراقًا وسلامًا بانتظار سوريا
أردوغان: أيام أكثر إشراقًا وسلامًا بانتظار سوريا

المناطق السعودية

timeمنذ 2 ساعات

  • المناطق السعودية

أردوغان: أيام أكثر إشراقًا وسلامًا بانتظار سوريا

عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم السبت، اجتماعا رسميا مع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، في قصر 'دولمة بهجة' بإسطنبول، حيث بحث الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات الإقليمية والدولية الراهنة. وأكد أردوغان خلال اللقاء تفاؤله بمستقبل سوريا، مشيرا إلى أن 'أياما أكثر إشراقا وسلاما تنتظر البلاد، مع استمرار دعم تركيا لسوريا كما جرت العادة'. وأشار أردوغان إلى أن 'تركيا ترحب برفع العقوبات المفروضة على سوريا من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي'، مشددا على 'أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وحكم البلاد والجيش من مركز واحد'، وفقا لبيان من دائرة الاتصال في الرئاسة التركية. كما أدان الرئيس التركي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، مؤكدا 'رفض تركيا لهذا العدوان واستمرار معارضتها له على كافة المنابر الدولية'. وشدد أردوغان على أن 'التعاون بين البلدين سيشهد تطورا في مجالات عدة، من بينها الطاقة والدفاع والنقل'، مشيرا إلى أن تركيا ستواصل الوفاء بالتزاماتها تجاه علاقات الجوار والأخوة'. من جهته، أعرب الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال اللقاء عن شكره وتقديره للدعم التركي والجهود الحاسمة التي بذلتها أنقرة للمساهمة في رفع العقوبات. وحضر الاجتماع إلى جانب أردوغان عدد من كبار المسؤولين، منهم وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، ووزير الدفاع التركي، يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركي، إبراهيم كالين، ورئيس الصناعات الدفاعية التركي، هالوك غورغون، بالإضافة إلى المستشارين الرئيسيين للشؤون الخارجية والأمن. يشار إلى أنه في فبراير/ شباط الماضي 2025 كان أول لقاء يجمع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في العاصمة التركية أنقرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store