
أعيادنا.. وذكرى النكسة
لعلها المرة الأولى التي تصادف ذكرى نكسة يونيو 1967 مع عيد الأضحى المبارك، وأياً كان الأمر فقد تعودنا طوال 68 عاماً من النكسة أن نجمد أفراحنا على المستويين الرسمي والمؤسسي المدني خلال الأعياد التي تصادف ذكرى النكسة، ولم يكن ذلك في تقديري صحيحاً، فالأفراح سُنة فطرية إنسانية طبيعية لابد من إحيائها لتجديد الطاقات ورفع المعنويات، وحتى الفلسطينيون أنفسهم، ومنهم أهلنا في غزة، لم يجمدوا أفراحهم حينما كان أهالي المدينة تحت الحصار قبل السابع من أكتوبر 2023، بل كانوا يتبادلون التهاني ويأخذون أطفالهم إلى المتنزهات والبحر ويحضّرون أشهى الحلويات الفلسطينية المعروفة، وهذا كان قبل تعرض أهالي غزة لحرب الإبادة التي ما فتئ الاحتلال يمعن فيها أمام تفرج المجتمع الدولي. ومع أن هناك دروسا وعِبرا عديدة يمكن الاستفادة منها في هزائمنا، إلا أننا مازلنا ندفن رؤوسنا في الرمال ونخشى الإقدام على مراجعات شجاعة تتيح استخلاص تلك العِبر والدروس، بذريعة لم يحن وقتها بعد لكي لا يستفيد العدو من ذلك.
قبل نحو شهر من الآن تابعت تسجيلاً صوتياً نادراً لحديث دار بين الزعيم العربي والرئيس المصري جمال عبدالناصر والقائد الليبي العقيد معمر القذافي، وكان الحديث بعد عام وبضعة أشهر من الانقلاب الذي نفذه الأخير في سبتمبر 1969 وأطلق عليه "ثورة الفاتح"، حيث تبنى شعارات قومية ناصرية، ولقي تأييداً ودعماً من عبدالناصر، وكان القذافي حينئذ دون الثلاثين من عمره في أوج حماسه الثوري، ويعتبر عبدالناصر قدوته النضالية العليا. وفي ذلك التسجيل أبدى عبدالناصر شكواه المريرة من مواقف قيادات الدول العربية التي تشاركه في الفكر القومي الواحد؛ بسبب مزايداتها غير الواقعية لتحرير فلسطين ولإثبات أنها الأكثر ثورية ومبدئية منه.
حتى بالرغم مما تلقته مصر والدول العربية التي شاركت في الحرب من هزيمة ماحقة قاصمة في حرب يونيو 67. وكان عبدالناصر قد اتخذ مواقف أكثر واقعية بعد الحرب، مثل قبوله قرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة ومبادرة روجرز، جنباً إلى جنب مع تحضيره لحرب تحرير سيناء، ووجهت تلك الدول القومية (سوريا والعراق اللتان يحكمهما جناحان لحزب البعث) وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية بجميع فصائلها سهامها ضد عبدالناصر ووصفت مواقفه الواقعية بالاستسلام. وانتقد عبدالناصر شعار "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" الذي نادت به المنظمة وسوريا والعراق. ومفاد قوله: إذا كانوا يريدون تحرير فلسطين من النهر فليتفضلوا ويباشروا مهمتهم. وكان هذا على ما يبدو رداً من عبدالناصر على تساؤل للقذافي حول موقفه من تلك الشعارات الثورية. وفي الواقع أن هذا التسجيل الذي أثار لغطاً كبيراً في وسائل الإعلام العربية، حتى حاول البعض الغمز بأن توقيته مغرض لدفع ما يسمى بـ "محور المقاومة" للاستسلام كان تسجيلاً حقيقياً بثته قناة Nasser TV نقلاً بعد أن استعارته هذه القناة من تسجيلات تم إيداعها في مكتبة الإسكندرية.
والحال أن عبدالناصر - كما كتبنا مرات عديدة - كان من أسباب تورطه في حرب يونيو وجود زعامات لأنظمة قومية يخشى من مزاحمتها له في تفرده بالزعامة القومية على امتداد العالم العربي، وذلك من خلال شعاراتها القومية الثورية البراقة، كالنظام السوري الذي كان يحكمه حينئذ جناح شديد التطرف يقوده صلاح جديد ونور الدين الأتاسي.
والحق فإن عبدالناصر نفسه قبل الهزيمة لم يمانع من بث البيانات المضللة في إذاعاته وصحافته، رغم علمه بأن الحرب قد حُسمت لصالح إسرائيل من اليوم الأول لتمكنها من ضرب سلاح الطيران وهو رابض على الأرض في قواعده الجوية، وهذا ما أكده الكاتب والصحافي المقرب منه محمد حسنين هيكل في كتابه "حرب الثلاثين سنة 1967 الانفجار"! كما أن عبدالناصر هو نفسه صاحب شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة" لقمع أية أصوات شبابية أو قوى سياسية تبدي انتقادها لاستمرار الأخطاء التي أفضت للهزيمة. ولكتمل الكوميديا السوداء فإن إبراهيم الزبيدي وهو من أشهر مذيعي الإذاعة العراقية يؤكد في كتابه "دولة الإذاعة.. سيرة ومشاهدات 1956 - 1974" بأن مبعوثاً من الاستخبارات العسكرية كان يداوم في استوديو الإذاعة أيام الحرب، ولا يتردد بأن يفبرك بيانات عسكرية من نسج خياله بذريعة دعم المعنويات ويطلب منهم إذاعتها، ومنها بيان يفيد بأن القوات العراقية خلال الحرب قصفت إحدى المدن في فلسطين المحتلة وأوقعت خسائر كذا وكذا، وعادت إلى قواعدها سالمة. والطريف أنه بعد أقل من ربع ساعة - كما يؤكد الزبيدي - في كتابه (ص 179) أذاعت صوت العرب البيان المفبرك نقلاً عن راديو بغداد! أي إذاعة الدولة نفسها التي زايدت على ما أبداه عبدالناصر بعدئذ من مواقف واقعية بينما كانت شريكاً له في إعلام صناعة الأكاذيب.
وللأسف لا يبدو أن فلسطينيي السابع من أكتوبر وحلفاءهم اللبنانيين الذين زجوا وطنهم بكامله في أوج انقساماته السياسية وأزماته المالية والاقتصادية المحتدمة ولا من سايرهم من مختلف التيارات الثورية العربية من إسلامية وقومية ويسارية في وارد الاستفادة من نتائج مغامرة السابع من أكتوبر، إذ ستظل مثل هذه المراجعات مغيبة مادام العقل السياسي يعيش في غيبوبته المديدة مستمتعاً بتجدد أحلامه الثورية خلالها ويمقت من يقض مضجعه منها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 7 ساعات
- البلاد البحرينية
تطبيق رسوم ترامب سيؤدي إلى ارتفاع التضخم والأسعار بالسوق الاستهلاكية الأميركية
دور مهم تلعبه مملكة البحرين في مسار التنمية الدولية عبر الأطر متعددة الأطراف القرارات الأميركية تجاه الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة ليست وليدة اللحظة أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرارات بفرض مجموعة من الرسوم الجمركية في بداية توليه سدة الحكم بالولايات المتحدة الأميركية، على واردات من دول عدة، بما في ذلك دول الخليج والصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وذلك قبل أن يجمد تطبيقها لفترة ستة أشهر تقريبًا. وتتراوح هذه الرسوم بين 10 % على جميع الواردات و60 % على السلع الصينية؛ ما أثار قلقًا واسعًا بشأن تأثير هذه السياسات على الاقتصاد العالمي. ليس هذا فحسب، ولكن أيضًا من السياسات الاقتصادية المجحفة التي اتبعها ترامب، وقف التمويل عن بعض منظمات الأمم المتحدة كمنظمة الصحة العالمية، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا'؛ ما كان له تأثير مباشر على قطاع اللاجئين والنازحين والمتأثرين بالكوارث الطبيعية والحروب في العالم. التأثيرات الاقتصادية العالمية للرسوم الجمركية 1. تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي: توقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.8 % في العام 2025، أي أقل بنسبة 0.5 % عن التوقعات السابقة؛ نتيجة للرسوم الجمركية الجديدة. كما خفضت وكالة فيتش توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي إلى 2.3 % في العام نفسه. ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الأميركي تباطؤا ملحوظا، إذ يُتوقع أن ينمو بنسبة 1.8 % فقط في 2025، مقارنة بـ 2.8 % في العام السابق. 2. زيادة التضخم وارتفاع الأسعار: من المتوقع أن يؤدي فرض الرسوم الجمركية إلى زيادة الأسعار على السلع المستوردة؛ ما يساهم في ارتفاع معدل التضخم. وتتوقع بعض التقديرات أن يصل التضخم في الولايات المتحدة إلى 5 % بحلول سبتمبر 2025. وهذا الارتفاع في الأسعار قد يؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمستهلكين، خصوصا في الدول النامية. 3. تأثيرات سلبية على الدول النامية: أشارت تقارير من مركز التجارة الدولية، إلى أن الدول النامية قد تواجه تأثيرات كارثية نتيجة لهذه الرسوم، إذ يُتوقع أن تنكمش التجارة العالمية بنسبة تصل إلى 7 %؛ ما يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.7 %. الدول مثل مدغشقر وكمبوديا وميانمار قد تكون الأكثر تضررًا، إذ تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الصادرات. 4. تزايد التوترات التجارية والحمائية: الرسوم الجمركية الجديدة قد تؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة ودول أخرى؛ ما يهدد بتفشي سياسات الحمائية على نطاق أوسع. منظمة التجارة العالمية حذّرت من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى انخفاض بنسبة 1.5 % في حجم التجارة العالمية للسلع في العام 2025، خصوصا في حال تنفيذ رسوم متبادلة بين الدول. 5. تأثيرات على الأسواق المالية والاستثمار: شهدت الأسواق المالية تقلبات كبيرة نتيجة للسياسات التجارية الجديدة، إذ تراجع مؤشر داو جونز بنسبة 2.5 % في اليوم التالي لإعلان الرسوم. الشركات العالمية تواجه تحديات في التكيف مع التغيرات في سلاسل الإمداد وارتفاع التكاليف؛ ما قد يؤثر على قرارات الاستثمار والنمو الاقتصادي على المدى الطويل. تأثيرات وقف التمويل عن المنظمات الأممية إن وقف التمويل من قِبَل الولايات المتحدة لبعض منظمات الأمم المتحدة، مثل منظمة الصحة العالمية 'WHO'، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا'، كان له تأثيرات كبيرة على المستويين الإنساني والسياسي. وبالرجوع إلى العام 2020، أعلن ترامب وقف تمويل الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية في جائحة 'كوفيد 19'، متهمًا المنظمة بسوء إدارة الأزمة والتحيُّز للصين. فالولايات المتحدة كانت أكبر ممول فردي للمنظمة، ووقف التمويل فجأة أضر بقدرة المنظمة على تمويل برامج الصحة في الدول الفقيرة، لاسيما حملات التطعيم ومكافحة الأمراض المعدية مثل الحصبة والملاريا. سياسيًا، وقف التمويل زاد من التوترات الجيوسياسية داخل منظومة الأمم المتحدة، ومنح الصين فرصة لتعزيز نفوذها داخل 'WHO' بزيادة مساهماتها الطوعية. وقد أثار هذا مخاوف من تسييس الصحة العالمية، كما قوّض الثقة في استقرار دعم الدول الكبرى للمنظمات الدولية. أما بالنسبة لوكالة 'الأونروا' (UNRWA)، ففي العام 2018، أوقفت إدارة ترامب جميع المساعدات المالية لها، ووصفت الوكالة بأنها 'معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه'، في إطار توجهاتها لتقليص الدعم للقضية الفلسطينية. فـ 'الأونروا' تقدم خدمات لنحو 5.7 مليون لاجئ فلسطيني في التعليم والصحة والإغاثة. وتقليص الدعم سبب أزمات مالية كبرى أثرت على المدارس والعيادات والبرامج الغذائية، خصوصًا في غزة ولبنان وسوريا. أما سياسيًا، فعُدّ وقف التمويل خطوة ضمن خطة ترامب (صفقة القرن) لإنهاء قضية اللاجئين. وزادت التوترات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية. كما دفعت بعض الدول إلى محاولة سد العجز المالي، ولكن دون تعويض كامل. لقد زعزعت هذه السياسة استقرار تمويل 'الأونروا'، التي كانت تعتمد بشكل كبير على التمويل الأميركي، ووضعت ضغطًا أكبر على المجتمع الدولي لتأمين تمويل بديل. ولتسليط مزيد من الضوء على قضيتي الرسوم الأميركية ووقف التمويل الأميركي للمنظمات الأممية، توجهت 'البلاد' ببعض الاستفسارات لخبيرين اقتصاديين في مملكة البحرين، رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية د. عمر العبيدلي، والخبير في شؤون المنظمات الأممية د. فيصل عبدالقادر. سياسة متقلبة من الصعب التكهن بتأثيراتها فقد أكد رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية د. عمر العبيدلي، أنه 'من الصعب تحليل الأثر الاقتصادي لقرارات ترامب بدقة، وذلك لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُغيِّر مستوى التعرفات الجمركية ونطاق تطبيقها بشكل شبه يومي. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أحدث التصريحات والتوجهات، فإن تطبيق هذه السياسات سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار في السوق الاستهلاكية الأميركية'. وأوضح 'هذا الارتفاع قد يتسبب في زيادة التضخم في الاقتصاد الأميركي على المدى المتوسط، بشرط استمرار هذه السياسات في وضعها الحالي. ومع ذلك، هناك احتمال كبير أن يتراجع الرئيس ترامب عن بعض هذه التعرفات الجمركية'. ويعود ذلك إلى الضغوط السياسية الداخلية، بالإضافة إلى الصفقات التي يعقدها مع الدول الكبرى على الساحة الدولية. وبسؤال د. العبيدلي عن كيف يمكن للدول الصديقة للولايات المتحدة تفادي آثار هذه السياسة السلبية؟ فقال 'لا تملك الدول الصديقة لأميركا وسائل فعالة لتحصين نفسها، باستثناء ممارسة الضغط الدبلوماسي لإقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتراجع عن هذه السياسة'. وعن تأثير وقف التمويل لبعض منظمات الأمم المتحدة من جانب الرئيس الأميركي، قال رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية 'فيما يتعلق بالمنظمات الدولية، فمن المؤكد أنها تتأثر سلبًا نتيجة تراجع التمويل. فعلى المدى القصير والمتوسط، سيظهر ذلك من خلال تراجع واضح في أدائها. أما على المدى الطويل، فستسعى هذه المنظمات إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة، وقد يرافق ذلك تحول في رسالتها أو طبيعة أنشطتها. لكن التأثير السلبي على المدى القصير لا شك فيه'. وتابع العبيدلي قائلا 'في أي مكان في العالم، يؤدي قطع التمويل إلى تأثير سلبي مباشر على عمل المنظمات'. نظرة إيجابية من جهته، ذكر الخبير الاقتصادي د. فيصل عبدالقادر، أنه ينظر دائمًا إلى السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من زاوية إيجابية، بحيث يتناول الأمر بالنقاش من منظور متعدد، خصوصًا في ظل التحولات الجارية في النظام العالمي، مؤكدًا أن المسألة الأهم في الوقت الحالي تدور حول التحولات في العلاقات الدولية متعددة الأطراف، أو ما يمكن تسميته بـ 'التعددية' (Multilateralism). وتابع 'هذا التغير في النظام العالمي أثّر بشكل مباشر على أهمية العلاقات متعددة الأطراف'، مشيرًا إلى الفهم الخاطئ السائد لدور الأمم المتحدة، خصوصًا في مجالات التنمية المستدامة، وأهمية تعزيز العمل المشترك في إطار هذه المنظمة الدولية. وتحدث د. عبدالقادر عن الفرق بين العلاقات الثنائية والعلاقات متعددة الأطراف، وكيف أن العلاقات التي تنظمها القوانين الدولية، كالعلاقات متعددة الأطراف، تمثل بُعدًا أساسيًا في تسيير العلاقات بين الدول، مقارنة بالعلاقات الثنائية التي قد تحكمها مصالح آنية أو استثنائية. وتطرق الخبير الاقتصادي إلى دور دول الخليج، وتحديدًا مملكة البحرين، في مسار التنمية الدولية، وأهمية حضورها الفاعل في الأطر متعددة الأطراف، ليس فقط سياسيًا، بل أيضًا فيما يتعلق بالتمويل ودعم التنمية في الدول الأقل نموًا. أهمية دعم التعددية الدولية وشدد على أهمية دعم التعددية الدولية (Multilateralism)؛ كونها ركيزة من ركائز استقرار النظام العالمي، وتحقيق التنمية المستدامة، وبناء شراكات عادلة بين الدول. وقال د. عبدالقادر إنه حينما ظهرت فكرة التنمية المستدامة، خصوصا بعدما بدأ يظهر تسييس للجانب التنموي في الفترات الأخيرة، برز بشكل واضح ما يسمى بـ 'الجنوب العالمي' أو 'Global South'، موضحًا أن مصطلح 'الجنوب العالمي' يشير إلى مجموعة من الدول، ليس فقط الدول النامية، لكن يشمل أيضًا بعض الدول التي ليس بالضرورة أن تكون فقيرة، إذ إن بعض الدول الغنية كدول الخليج تنضوي تحت هذا المفهوم. المقصود هنا ليس 'الجنوب' بالمعنى الجغرافي، فهو في الأساس تجمع افتراضي (virtual grouping). في هذا التجمع يتحدث الجميع عن قضايا التنمية وأهمية التعددية الدولية (multilateralism)، لافتًا إلى أنه من الناحية الاقتصادية، هناك شيء يعرف بـ 'عقد التنمية' أو 'Development Decade'. وأوضح 'هذه الفكرة هي التي أسست الجانب التنموي داخل الأمم المتحدة. عقد التنمية مبني على نظرية اقتصادية كلية بسيطة، تقول إن كل دولة يجب أن تخرج نسبة معينة من دخلها القومي. الدخل القومي الإجمالي، أو Gross National Product، هو المؤشر الذي يحدد الدول الغنية من الدول الفقيرة. وطبعًا أميركا من أغنى الدول، وبعدها تأتي دول كبيرة أخرى كالدول الأوروبية والصين'. واستطرد الخبير الاقتصادي قائلا 'لكي تحافظ الدول الكبرى على معدل نموها الاقتصادي، لابد أن تخصص نسبة معينة من دخلها القومي. فهذه العملية ليست اختيارية؛ لأن النمو الاقتصادي نفسه لهذه الدول الكبرى يعتمد على إخراج هذه النسبة من الدخل القومي'، مبينًا أن هذا يعد شرطًا للحفاظ على مستوى النمو، وكذلك لضمان استمرار الطلب على منتجات الدول الكبرى. وأضاف 'لأنه ببساطة، لو أنت تنتج منتجات في أميركا أو الصين أو غيرها، فلابد أن يكون هناك من يشتري منك هذه المنتجات. فليس هناك دولة تنتج لكي تبيع لنفسها. يجب على السوق العالمية الشراء منك، وهذا المنطق الاقتصادي الذي يحكم كل القضية الاقتصادية'. وقال د. عبدالقادر 'إذا نظرنا من خلال تحليل أعمق، وبالرجوع لفترة ترامب، حينما قرر وقف الدعم لمنظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات، صحيح هذا القرار أثّر على المنظمة، لكن أيضًا كان ترامب يحاول التحكم في النسبة التي تستخرجها أميركا من الدخل القومي التي أشرنا لها آنفًا. فبدلا من أن تذهب هذه النسبة لمنظمات متعددة الأطراف وتتوزع حسب أولويات الأمم المتحدة، فإن ترامب يريد أن يديرها بشكل مباشر. لذلك نرى أنه ألغى وكالة USAID (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) وسرَّح الموظفين فيها، وبدأ يحول المسار التنموي الأميركي لصالح رؤية خاصة، بحيث يدير بنفسه النسبة المرتبطة بعقد التنمية، لكن من خلال جهات بديلة'. مقر الأمم المتحدة وميزان المدفوعات الأميركي وأوضح الخبير الاقتصادي، أن القرارات الأميركية تجاه الأمم المتحدة ومنظماتها العالمية العاملة ليست وليدة اللحظة ولا تقتصر على فترة ترامب هذه، فقد شهدت أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر توجهات مماثلة بيد أنها لم تنفذ، ففي تلك الفترة، قررت 'أميركا طرد الأمم المتحدة من أراضيها'، وكأنها تقول في تلك الفترة 'اخرجوا، أنتم غير مرحب بكم هنا'. وكان هناك نوع من التهكم والاستهانة بالمنظمة الدولية. وتابع 'كنت من الذين شهدوا هذه المواقف، وكنت عضوًا في فريق عمل Task Force، في عهد المرحوم الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي، وقمنا بإعداد دراسة متكاملة حول مسألة نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك. بدأنا في تنفيذ هذه الدراسة، وقد عرضت علينا إحدى الدول الأوروبية استضافة المنظمة الدولية وقدمت لنا مباني ومرافق حكومية بالمجان، بل وأبدت استعدادها لزيادة مساهمتها في الميزانية الأساسية للأمم المتحدة'. وأضاف 'عندها، أصيبت أميركا بالذعر، إذ اكتشفت أن مساهمات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تُدفع بالعملة المحلية وتُحوّل للدولار تدخل ضمن ميزان المدفوعات الأميركي وتُشكّل دخلًا هائلًا، حتى من دول صغيرة مثل سريلانكا'. واستطرد د. عبدالقادر قائلا 'فعلى سبيل المثال، عندما تدفع دولة صغيرة مساهمتها، تدفع بعملتها المحلية، التي تُحوّل إلى الدولار؛ ما يحقق فائدة مباشرة لأميركا. من جهة أخرى، لذلك كان عمدة نيويورك آنذاك حزينًا جدًا على احتمال رحيل الأمم المتحدة من المدينة. هذا الكلام موثق باللغتين العربية والإنجليزية. وفي نهاية المطاف، اضطرت أميركا إلى زيادة مساهمتها آنذاك في الأمم المتحدة لضمان بقاء المقر في نيويورك. ولو سألت ترامب اليوم، سيخبرك أن ذلك القرار شكّل لحظة فارقة في علاقة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة'. أهمية اللامركزية وتابع د. عبدالقادر 'ثم جاء الأمين العام الأسبق كوفي عنان ليكمل ولاية المرحوم بطرس غالي. قدم عنان، في أول سنة له، للجمعية العامة مقترحًا حول أهمية اللامركزية داخل منظومة الأمم المتحدة، وهي معلومات قد لا يعرفها كثيرون'. صدر قرار من الجمعية العامة يقضي بضرورة تطبيق اللامركزية؛ حتى لا تكون الدولة المضيفة قادرة على التأثير المباشر على المقر أو على سياسات التنمية. وبموجب هذا القرار، رُفعت مكانة اللجان الاقتصادية والاجتماعية الأممية في الدول، وأصبح يترأسها نائب الأمين العام للأمم المتحدة، وتم توسيع مكاتب هذه اللجان. كما تم تغيير تسميات اللجان الاقتصادية والاجتماعية، وتم تطوير وظائفها وآليات عملها. البرامج لدى بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة، مثل اليونيسف، والتي تختلف عن المنظمات المتخصصة، بدأت أيضًا في تطبيق سياسة اللامركزية. فبدلا من وجود مساعدين للأمين العام في نيويورك فقط، تم توزيع المكاتب إقليميًا لدعم الدول بشكل مباشر. وتابع 'تم نقل الخبراء من نيويورك إلى المكاتب الإقليمية. على سبيل المثال، تم إرسال خبراء إلى اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب إفريقيا، وآخرين إلى اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، التي نحن أعضاء فيها. وبدلا من وجود مساعد للأمين العام في نيويورك، تم تحويل تلك المهام إلى مكاتب إقليمية تستوعب الخبرات وتعمل ميدانيًا. فعلى سبيل المثال: عندما انتقلت من البحرين، توليت منصب مدير إقليمي، وكذلك بعد عودتي من جنوب المحيط الهادئ، كنت مديرًا إقليميًا مسؤولًا عن 14 دولة'. وأضاف د. عبدالقادر 'عندما أنهيت مهمتي هنا في العام 2002، أصبحت مديرًا إقليميًا للدول العربية، وكان معي فريق فني من الخبراء، بالإضافة إلى المكاتب الإقليمية للبرامج الأخرى مثل اليونيسف، واليونيفيم، ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها'. وفيما يخص مملكة البحرين، فقد كانت من أولى الدول التي نفذت قرار الجمعية العامة المتعلق باللامركزية، ووافقت الحكومة على ذلك. وكان هناك قرار بأن يكون هناك قائد واحد يمثل الأمم المتحدة في الدولة، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون هناك ممثل لـ 'اليونيدو' يرفع علمًا مستقلًا، أو يتصرف ككيان مستقل عن باقي منظومة الأمم المتحدة. الخلاصة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب في فترته الحالية، وسياسة وقف التمويل للمنظمات الأممية، تهدد بتقويض النمو الاقتصادي العالمي، وزيادة التضخم، وتعميق الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية. وفي حين أن بعض الدول قد تسعى إلى الرد بفرض رسوم مماثلة، فإن التصعيد المستمر في السياسات التجارية قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية تؤثر على الجميع. ومن جهة أخرى، فإن قرار ترامب بوقف التمويل لم يكن مجرد قرار مالي، بل حمل أبعادًا استراتيجية وسياسية عميقة، وترك فراغًا مؤسسيًا وإنسانيًا حاولت منظمات أخرى والمجتمع الدولي التعامل معه، لكن ليس بالتأثير والقدرة اللذين كانت توفرهما الولايات المتحدة.


البلاد البحرينية
منذ يوم واحد
- البلاد البحرينية
أعيادنا.. وذكرى النكسة
لعلها المرة الأولى التي تصادف ذكرى نكسة يونيو 1967 مع عيد الأضحى المبارك، وأياً كان الأمر فقد تعودنا طوال 68 عاماً من النكسة أن نجمد أفراحنا على المستويين الرسمي والمؤسسي المدني خلال الأعياد التي تصادف ذكرى النكسة، ولم يكن ذلك في تقديري صحيحاً، فالأفراح سُنة فطرية إنسانية طبيعية لابد من إحيائها لتجديد الطاقات ورفع المعنويات، وحتى الفلسطينيون أنفسهم، ومنهم أهلنا في غزة، لم يجمدوا أفراحهم حينما كان أهالي المدينة تحت الحصار قبل السابع من أكتوبر 2023، بل كانوا يتبادلون التهاني ويأخذون أطفالهم إلى المتنزهات والبحر ويحضّرون أشهى الحلويات الفلسطينية المعروفة، وهذا كان قبل تعرض أهالي غزة لحرب الإبادة التي ما فتئ الاحتلال يمعن فيها أمام تفرج المجتمع الدولي. ومع أن هناك دروسا وعِبرا عديدة يمكن الاستفادة منها في هزائمنا، إلا أننا مازلنا ندفن رؤوسنا في الرمال ونخشى الإقدام على مراجعات شجاعة تتيح استخلاص تلك العِبر والدروس، بذريعة لم يحن وقتها بعد لكي لا يستفيد العدو من ذلك. قبل نحو شهر من الآن تابعت تسجيلاً صوتياً نادراً لحديث دار بين الزعيم العربي والرئيس المصري جمال عبدالناصر والقائد الليبي العقيد معمر القذافي، وكان الحديث بعد عام وبضعة أشهر من الانقلاب الذي نفذه الأخير في سبتمبر 1969 وأطلق عليه "ثورة الفاتح"، حيث تبنى شعارات قومية ناصرية، ولقي تأييداً ودعماً من عبدالناصر، وكان القذافي حينئذ دون الثلاثين من عمره في أوج حماسه الثوري، ويعتبر عبدالناصر قدوته النضالية العليا. وفي ذلك التسجيل أبدى عبدالناصر شكواه المريرة من مواقف قيادات الدول العربية التي تشاركه في الفكر القومي الواحد؛ بسبب مزايداتها غير الواقعية لتحرير فلسطين ولإثبات أنها الأكثر ثورية ومبدئية منه. حتى بالرغم مما تلقته مصر والدول العربية التي شاركت في الحرب من هزيمة ماحقة قاصمة في حرب يونيو 67. وكان عبدالناصر قد اتخذ مواقف أكثر واقعية بعد الحرب، مثل قبوله قرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة ومبادرة روجرز، جنباً إلى جنب مع تحضيره لحرب تحرير سيناء، ووجهت تلك الدول القومية (سوريا والعراق اللتان يحكمهما جناحان لحزب البعث) وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية بجميع فصائلها سهامها ضد عبدالناصر ووصفت مواقفه الواقعية بالاستسلام. وانتقد عبدالناصر شعار "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" الذي نادت به المنظمة وسوريا والعراق. ومفاد قوله: إذا كانوا يريدون تحرير فلسطين من النهر فليتفضلوا ويباشروا مهمتهم. وكان هذا على ما يبدو رداً من عبدالناصر على تساؤل للقذافي حول موقفه من تلك الشعارات الثورية. وفي الواقع أن هذا التسجيل الذي أثار لغطاً كبيراً في وسائل الإعلام العربية، حتى حاول البعض الغمز بأن توقيته مغرض لدفع ما يسمى بـ "محور المقاومة" للاستسلام كان تسجيلاً حقيقياً بثته قناة Nasser TV نقلاً بعد أن استعارته هذه القناة من تسجيلات تم إيداعها في مكتبة الإسكندرية. والحال أن عبدالناصر - كما كتبنا مرات عديدة - كان من أسباب تورطه في حرب يونيو وجود زعامات لأنظمة قومية يخشى من مزاحمتها له في تفرده بالزعامة القومية على امتداد العالم العربي، وذلك من خلال شعاراتها القومية الثورية البراقة، كالنظام السوري الذي كان يحكمه حينئذ جناح شديد التطرف يقوده صلاح جديد ونور الدين الأتاسي. والحق فإن عبدالناصر نفسه قبل الهزيمة لم يمانع من بث البيانات المضللة في إذاعاته وصحافته، رغم علمه بأن الحرب قد حُسمت لصالح إسرائيل من اليوم الأول لتمكنها من ضرب سلاح الطيران وهو رابض على الأرض في قواعده الجوية، وهذا ما أكده الكاتب والصحافي المقرب منه محمد حسنين هيكل في كتابه "حرب الثلاثين سنة 1967 الانفجار"! كما أن عبدالناصر هو نفسه صاحب شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة" لقمع أية أصوات شبابية أو قوى سياسية تبدي انتقادها لاستمرار الأخطاء التي أفضت للهزيمة. ولكتمل الكوميديا السوداء فإن إبراهيم الزبيدي وهو من أشهر مذيعي الإذاعة العراقية يؤكد في كتابه "دولة الإذاعة.. سيرة ومشاهدات 1956 - 1974" بأن مبعوثاً من الاستخبارات العسكرية كان يداوم في استوديو الإذاعة أيام الحرب، ولا يتردد بأن يفبرك بيانات عسكرية من نسج خياله بذريعة دعم المعنويات ويطلب منهم إذاعتها، ومنها بيان يفيد بأن القوات العراقية خلال الحرب قصفت إحدى المدن في فلسطين المحتلة وأوقعت خسائر كذا وكذا، وعادت إلى قواعدها سالمة. والطريف أنه بعد أقل من ربع ساعة - كما يؤكد الزبيدي - في كتابه (ص 179) أذاعت صوت العرب البيان المفبرك نقلاً عن راديو بغداد! أي إذاعة الدولة نفسها التي زايدت على ما أبداه عبدالناصر بعدئذ من مواقف واقعية بينما كانت شريكاً له في إعلام صناعة الأكاذيب. وللأسف لا يبدو أن فلسطينيي السابع من أكتوبر وحلفاءهم اللبنانيين الذين زجوا وطنهم بكامله في أوج انقساماته السياسية وأزماته المالية والاقتصادية المحتدمة ولا من سايرهم من مختلف التيارات الثورية العربية من إسلامية وقومية ويسارية في وارد الاستفادة من نتائج مغامرة السابع من أكتوبر، إذ ستظل مثل هذه المراجعات مغيبة مادام العقل السياسي يعيش في غيبوبته المديدة مستمتعاً بتجدد أحلامه الثورية خلالها ويمقت من يقض مضجعه منها.


البلاد البحرينية
منذ 2 أيام
- البلاد البحرينية
سليم مصطفى بودبوس البحرين وجهود السلام في مجلس الأمن الجمعة 06 يونيو 2025
حظيت مملكة البحرين من جديد بثقة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتمثيلها في مجلس الأمن الدولي؛ فقد جرى يوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 انتخاب خمسة أعضاء جدد لشغل مقاعد غير دائمة بمجلس الأمن الدولي في الفترة ما بين 1 يناير 2026 وحتى 31 ديسمبر 2027، وهذه الدول هي البحرين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبريا ولاتفيا وكولومبيا، وقد حصلت البحرين على 186 صوتا من أصل 187 شاركوا في التصويت. ويعكس انتخاب مملكة البحرين للمرة الثانية في تاريخها لعضوية مجلس الأمن ما تحظى به من ثقة واحترام على الساحة الإقليمية والدولية، كما يبرهن ذلك فاعلية نهجها الدبلوماسي الذي تعزز بفضل رؤى وتوجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه. ويتأكّد هذا الاستحقاق نظرا لدور مملكة البحرين، خلال عضويتها السابقة ومبادراتها الدولية المتلاحقة، في دعم جهود السلم والأمن الدوليين. كما يُعَدُّ انتخابُها امتدادًا طبيعيّا لدورها والتزامها بتعزيز التعاون الدولي، من أجل بناء نظام عالمي يسوده السلم والاستقرار والازدهار، استنادا إلى سياستها الخارجية التي تقوم على مبادئ الاعتدال والانفتاح، ونصرة القضايا العادلة، والدفع بأطر التعاون الدولي نحو مزيد من الفاعلية والمسؤولية المشتركة. ويمثّل الحضور في أهم أجهزة الأمم المتحدة المسؤولة عن حفظ السلام والأمن الدوليين في هذا السياق العالمي بالذات وما يشهده من مخاطر عسكريّة وبيئيّة تهدّد الأمن والسّلام، تحدّيا كبيرا لتمثيل الدول العربية والآسيوية وكذلك الدول الجزريّة والدفاع عن مصالحها الاستراتيجيّة، وبما يسهم في صياغة سياسات عالميّة تدعم التنمية المستدامة، كما يُعدُّ حضورها فرصة ثمينة للاقتراب أكثر من مراكز صنع القرارات الدولية عبر بوّابة مجلس الأمن من أجل إدراك أكبر للمعادلات الدوليّة وكيفيّة التعامل مع القضايا الإقليميّة والدوليّة. لئن شكّل انتخاب مملكة البحرين من جديد عضوا غير دائم في مجلس الأمن إجماعًا دوليًّا واعترافًا بدور الدبلوماسيّة البحرينيّة النشيطة والفاعلة في أروقة الأمم المتّحدة في تكريس قيم السّلم والعدل والحريّة والتّعاون والتّضامن، فإنّ هذا الانتخاب يمثّل تكليفاً لها من الدّول الأعضاء في الأمم المتّحدة، وبالأخصّ الدول العربية والإسلامية ومجموعة دول آسيا والمحيط الهادئ التي زكّت هذا الترشح، لمواصلة البذل والعمل بنفس الالتزام والعزيمة بهدف كسب الرهانات السياسية والاقتصادية والبيئية العادلة وفي مقدّمتها القضية الفلسطينيّة. كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية