logo
الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة

الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة

سعورسمنذ 6 أيام

هذا المفهوم يلتقي بوضوح مع ما تناولته في عدد من مقالاتي المنشورة في صحيفة الرياض ، مثل "المنظمات المتعلمة: من الجودة إلى الريادة العالمية" و"نحو عصر جديد من التميز". حيث شددتُ فيها على أن الريادة المؤسسية لا تنبع فقط من الالتزام بمعايير الجودة، بل من الجرأة على التجديد والتجريب، حتى وإن كان ذلك على حساب النجاحات التقليدية.
إن النجاح المؤسسي قد يكون خطرًا، هذا ما يرى كريستنسن أن المؤسسات الناجحة تسقط أحيانًا لأنها تركز على تحسين منتجاتها القائمة لخدمة عملائها الحاليين، بينما تنشغل شركات ناشئة بابتكار منتجات أبسط، أقل تكلفة، وتستهدف فئات لم تكن السوق تهتم بها من قبل. هذه الابتكارات تبدأ صغيرة، لكنها سرعان ما تتطور و تُنهي الكبار. هكذا حدث مع Netflix التي قضت على Blockbuster، ومع Uber التي غيّرت وجه النقل، ومع Tesla التي قلبت موازين سوق السيارات. وسبق أن تكلمنا في مقال " آليات التقييم المؤسسي: التأثير و تقرير المصير " عن شركة نوكيا ومصيرها كشركة هواتف تقليدية أمام صعود الهواتف الذكية، وشركة كوداك التي كانت رائدة في صناعة التصوير الفوتوغرافي، فشلت في التكيف مع ثورة التصوير الرقمي.
ليست المشكلة في ضعف هذه الشركات الكبرى، بل في أنها – وفق كريستنسن – تتبع منطقًا عقلانيًا يقودها إلى التركيز على الابتكار المستدام، الذي يحسّن المنتجات الحالية، بينما تتجاهل الابتكار الهدّام الذي يخلق أسواقًا جديدة ويعيد تعريف القواعد. يصنف كريستنسن الابتكار إلى ثلاثة أنواع رئيسية. الأول، "الابتكار المستدام" ويمثل تحسين تدريجي للمنتجات الحالية، يرضي العملاء الحاليين، لكنه لا يوسع السوق ولا يخلق وظائف جديدة. لذا فهو يحسّن من المنتجات القائمة دون أن يخلق نموًا حقيقيًا. والثاني، "الابتكار الهدّام" والذي يبدأ من فئات غير مخدومة، بمنتجات بسيطة، ثم يتحول إلى منافس قوي يغير قواعد اللعبة. مما يجعله يخلق أسواقًا جديدة ويوسّع القاعدة الاقتصادية ويوفر وظائف، والامثله على ذلك كثيره منها ماذكرنا التصوير الرقمي، الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية. أما الثالث فهو "ابتكار الكفاءة" والذي يخفض التكاليف ويزيد الإنتاجية، لكنه غالبًا ما يؤدي إلى تقليص الوظائف.
وبحسب كريستنسن، فإن المشكلة تكمن في أن العقلية المالية التي ترسخت في الكليات الإدارية خلال العقود الماضية دفعت الشركات للتركيز على "التحسين وابتكار الكفاءة" والتي تركز على كفاءة العمليات والربحية قصيرة الأجل، على حساب الاستثمار في الابتكار الهدّام الذي قد يبدو مكلفًا وغير مضمون في بداياته، لكنه يحمل في طياته النمو المستقبلي الحقيقي. ويحذر كريستنسن من تكرار تجربة التسعينيات، حين ركّزت الشركات على تحسين الكفاءة وتقليص النفقات، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وفقدان الريادة. وهو ما بدأنا نلاحظه اليوم في الأسواق، التي تتردد في تبني التقنيات الجديدة خشية المخاطرة، في مقابل صعود شركات ناشئة تتبنى الفشل كجزء من عملية التعلم.
هذا النموذج يتناغم مع ما تناولته في مقالي "المنظمات المتعلمة". فالتعلم المؤسسي الحقيقي لا يقتصر على اكتساب المهارات أو تبادل المعلومات، بل يشمل القدرة على تغيير التفكير، والتجريب، وتقبّل المخاطرة، بل أحيانًا كسر المسلّمات.
إن الدرس للمنظمات السعودية هو "لا تكتفِ بالجودة ولا حتى التميز، ابحث عن الإبتكار في الفرصة الصغيرة" حين ننظر إلى ما تحقق في جامعات المملكة من تقدم ملموس، كما ناقشت في مقالي "جامعات سعودية حققت مراكز متقدمة علميًا... فماذا بعد ذلك؟"، ندرك أن المرحلة المقبلة تتطلب التوجه نحو ما أسميه "التميز الذكي". وهذا لا يتحقق فقط عبر رفع التصنيفات، بل عبر التفاعل مع البيئة الرقمية، وتبنّي نماذج عمل جديدة، واستكشاف الأسواق غير المستغلة، وهو ما يشكل جوهر الابتكار الهدّام.
كما أن الدعوة التي طرحتها سابقًا لتأسيس مركز وطني للتميز المؤسسي، كما ورد في مقال "نحو عصر جديد من التميز"، يمكن أن تُثري بما اقترحه كريستنسن، من خلال جعل الابتكار جزءًا من تقييم الأداء المؤسسي، وتشجيع الشركات على تخصيص حاضنات داخلية لتجريب أفكار غير تقليدية، حتى وإن كانت تخالف النموذج الربحي السائد.
هذه الأفكار تتقاطع بوضوح مع ما طرحته سابقًا في مقالاتي المنشورة، حول ضرورة الانتقال من ثقافة الجودة التقليدية إلى ثقافة التميز المؤسسي والتعلم المستمر. فليس المطلوب من المنظمات السعودية فقط أن ترفع تصنيفاتها أو تحسن من منتجاتها الخدمية وغير الخدمية أو تحقيق مؤشرات الأداء، بل أن تتبنى نموذجًا ذكيًا للابتكار، يقوم على استكشاف الفرص الصغيرة، وتبني نماذج عمل جديدة، والتفاعل بذكاء مع التحولات الرقمية، بل وخلق مساحات آمنة لتجريب الأفكار الخارجة عن المألوف.
خاتمًا، لا تَخَف من فشل صغير... بل من نجاح كبير يمنعك من التغيير. ما يجعل كتاب "معضلة المبتكر" مهمًا ليس فقط فيما يطرحه من مفاهيم، بل توقيته. فنحن اليوم، في المملكة، في خضم تحول وطني كبير يقوده الطموح ويُحفزه الابتكار. ونجاحاتنا في تحقيق رؤية 2030 لن يكون فقط بتحقيق الأهداف الكمية، بل بتبني فكر جديد، يرى في التغيير فرصة لا تهديدًا، وفي الأفكار الصغيرة بذورًا لتحولات كبرى.
إن المنظمات التي تنجح في القرن الحادي والعشرين ليست تلك التي تعرف كيف تحسّن ما لديها، بل تلك التي تجرؤ على أن تخلق شيئًا جديدًا حتى لو بدا في البداية غير ناضج. وكما يقول كريستنسن: "المنتجات الضعيفة اليوم قد تصبح أعمدة السوق غدًا". ويبقى السؤال الحقيقي لكل قائد وكل منظمة: هل نحن مستعدون حقًا لنكون صُنّاعًا للمستقبل، أم سنظل نعيش على أمجاد الماضي ونكتفي بما حققناه في الحاضر؟
*قسم الإحصاء وبحوث العمليات – كلية العلوم – جامعة الملك سعود
البريد الإلكتروني:

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دومينغوس أوليفيرا: العمل الشاق سر موسم الاتحاد
دومينغوس أوليفيرا: العمل الشاق سر موسم الاتحاد

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

دومينغوس أوليفيرا: العمل الشاق سر موسم الاتحاد

أكد دومينغوس أوليفيرا، الرئيس التنفيذي لنادي الاتحاد، أن تتويج الفريق بلقب كأس خادم الحرمين الشريفين جاء تتويجًا لموسم مليء بالتحديات والضغوط، مشددًا على أن 'الوحدة والشغف' كانا عنوان المرحلة، إلى جانب العمل الجماعي حتى اللحظات الأخيرة. | دومينغوس اوليفيرا الرئيس التنفيذي لنادي #الاتحاد بعد التتويج بكأس الملك:- العمل الشاق هو السر .ويتجاهل الرد على سؤال « الشرق الأوسط » حول استمرار لوران بلان. — الشرق الأوسط - رياضة (@aawsat_spt) May 30, 2025 وقال أوليفيرا عقب اللقاء: «عشنا لحظات صعبة هذا الموسم، لكننا تميزنا بالوحدة والشغف، وهو ما قادنا إلى هذه اللحظة. أما السر؟ فهو العمل الشاق.. العمل الشاق». وفي الوقت الذي حاول فيه مراسل «الشرق الأوسط» توجيه سؤال حول مستقبل المدرب الفرنسي لوران بلان مع الفريق، فضّل أوليفيرا عدم التعليق، متجاهلًا الرد.

بلانيس لـ«الشرق الأوسط»: لوران بلان مستمر مع الاتحاد
بلانيس لـ«الشرق الأوسط»: لوران بلان مستمر مع الاتحاد

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

بلانيس لـ«الشرق الأوسط»: لوران بلان مستمر مع الاتحاد

أكد رامون بلانيس، المدير الرياضي لنادي الاتحاد، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن العمل الذي بدأ منذ وصوله في فبراير الماضي كان مبنيًا على تحليل دقيق للدوري السعودي، مبينًا أن الفريق خاض صيفًا حافلًا بالتغييرات التي أثمرت عن خلق بيئة فريدة داخل غرفة الملابس، مشيرًا إلى استمرار المدرب لوران بلان مع الفريق، مع بدء التفكير في الموسم المقبل خلال أيام. قال بلانيس في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «عملت بجد خلال الصيف الماضي، أعتقد أنني استفدت من وصولي في فبراير، وخلال هذا الشهر حللتُ الدوري وحللتُ كرة القدم في السعودية، وعلمت أننا بحاجة إلى تغيير الكثير من الأمور». ️| رامون بلانيس المدير الرياضي لنادي #الاتحاد في حديث خاص لـ « الشرق الأوسط »-لوران بلان بالطبع سيكمل معنا ولديه عقد.ماذا عن الثلاثي مروان الصحفي و فيصل الغامدي و أحمد الغامدي ؟️| بلانيس: في اليومين هذه نريد أن نستمتع بعد ذلك سنفكر في فريق الموسم القادم — الشرق الأوسط - رياضة (@aawsat_spt) May 30, 2025 وأضاف: «لقد بذلت جهدًا كبيرًا مع فريقي في الصيف بتشكيلة جديدة، وأعتقد أن طريقة قيادتنا للاعبين الجدد والقدامى معًا خلقت جوًا فريدًا في غرفة الملابس». وعن مستقبل المدرب، قال: «نعم، بالطبع، بلان لديه عقد، وقد قام بعملٍ ممتاز وأدار الفريق بشكل ممتاز». وفيما يخص مستقبل اللاعبين مروان، وفيصل، وأحمد، أوضح بلانيس: «فكرتنا الآن هي أن نستمتع بهذا الفوز ونهاية الموسم، ولكن في غضون يومين نبدأ بالتفكير في الموسم المقبل وتحسين الفريق».

الهلال يتحرك لضم قائد ميلان في صفقة مدوية
الهلال يتحرك لضم قائد ميلان في صفقة مدوية

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

الهلال يتحرك لضم قائد ميلان في صفقة مدوية

بدأ نادي الهلال المنافس في الدوري السعودي تحركاً جدياً للتعاقد مع نجم وقائد ميلان الإيطالي، الفرنسي ثيو هيرنانديز، وفقاً لما كشف عنه الصحافي الإيطالي بموقع «سبورت إيطاليا» جيانلويجي لونغاري. الهلال، الذي لا يزال يوجه أنظاره نحو الدوري الإنجليزي، بدأ في توسيع رقعة استهدافاته لتشمل الدوري الإيطالي، وتحديداً أحد أبرز الأسماء فيه. وتشير التقارير إلى أن هيرنانديز منفتح على الاستماع للعروض، في ظل تزايد الغموض بشأن مستقبله داخل ملعب «سان سيرو». ثيو، البالغ من العمر 27 عاماً، يُعد من أكثر الأظهرة ديناميكية وتأثيراً في أوروبا، وقد ارتدى قميص ميلان منذ انتقاله من ريال مدريد قبل ست سنوات. وخلال تلك الفترة، خاض 262 مباراة بقميص الروسونيري، سجل خلالها 34 هدفاً وصنع 45، ولعب دوراً محورياً في تتويج الفريق بلقب الدوري الإيطالي موسم 2021 - 2022، كما ساهم هذا الموسم في حصد السوبر الإيطالي تحت قيادة سيرجيو كونسيساو. ورغم أن عقد هيرنانديز مع ميلان يمتد حتى يونيو (حزيران) 2026، إلا أن المفاوضات بشأن تمديده تراوح مكانها منذ قرابة عام، وهو ما قد يدفع النادي الإيطالي إلى التفكير في بيعه هذا الصيف لتفادي خسارته مجاناً لاحقاً. إدارة ميلان، رغم تمسكها بقائد الفريق، لا تمانع فكرة البيع في حال تلقي العرض المناسب، خاصة أن القيمة السوقية للاعب قد تتراجع مع اقتراب نهاية عقده. وتتحدث بعض المصادر عن إمكانية رحيله مقابل 45 إلى 50 مليون يورو، فيما ألمحت تقارير أخرى إلى إمكانية انخفاض المبلغ إلى 30 مليوناً فقط. في المقابل، لا تُعد القيمة المالية عائقاً أمام الهلال؛ إذ إن أندية دوري روشن السعودي تملك القدرة على دفع مبالغ ضخمة، ويكمن التحدي الحقيقي في إقناع النجم الفرنسي بعرض مغرٍ من الناحية الشخصية والمالية. وبحسب المعلومات الواردة، فقد كثف الهلال مفاوضاته خلال الأسابيع الأخيرة، حيث عقد وكيل هيرنانديز اجتماعات مباشرة مع مسؤولي ميلان، وسط مفاوضات غير معلنة جارية منذ نحو شهر. وتشير المصادر إلى أن اللاعب أعطى الضوء الأخضر لدراسة عرض الهلال بشكل كامل، في وقت تسعى فيه إدارة النادي السعودي لحسم الصفقة قبل انطلاق كأس العالم للأندية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store