logo
لماذا يتكون أسبوع العمل من 5 أيام؟

لماذا يتكون أسبوع العمل من 5 أيام؟

اليوم٢٥-٠٣-٢٠٢٥

ينظم العديد من سكان العالم حياتهم وفق جدول زمنى بسيط وهو خمسة أيام عمل، يتبعها يومان إجازة للترفيه و الأعمال المنزلية ، وللراحة إن حالفهم الحظ، لكن مفهوم أسبوع العمل الاعتيادى من الأحد إلى الخميس يعد تطورًا حديثًا نسبيًا، شكلته عقود من النشاط والتحولات الصناعية، وفى نهاية المطاف التدخل الحكومى، ما نعتبره اليوم جزءًا طبيعيًا من حياتنا كان فى الماضى قضية شاقة، انبثق أسبوع العمل المكون من خمسة أيام، كما نعرفه، تدريجيًا من معركة طويلة - وكثيرًا ما كانت مثيرة للجدل - من أجل حقوق عمالية أكثر عدالة، فكيف بدأ كل شىء، وفقا لما ذكره موقع جريك ريبوت.
العمل الصناعى يعنى ساعات عمل طويلة
على مدى جزء كبير من تاريخ البشرية ، كان العمل تمليه الضرورة لا جدول زمنى ثابت، عمل المزارعون وفقًا للمواسم، وعمل الحرفيون والتجار بوتيرتهم الخاصة وساعات عملهم الخاصة، تغير كل ذلك مع الثورة الصناعية بحلول منتصف القرن التاسع عشر، بلغ هذا التحول الثقافى الشامل ذروته، وحل العمل في المصانع محل الزراعة كشكل العمل السائد في الولايات المتحدة، كان العمال في قطاع التصنيع والقطاعات الصناعية الأخرى يعملون غالبًا لأكثر من 60 ساعة أسبوعيًا على مدار ستة أو سبعة أيام؛ وكان متوسط ساعات العمل من 10 إلى 12 ساعة يوميًا، ولكن غالبًا ما كانت تصل إلى 16 ساعة، حتى بالنسبة للأطفال، كانت الظروف قاسية وغير آمنة في كثير من الأحيان، ربما غيرت الثورة الصناعية الاقتصادات، لكنها دفعت العمال أيضًا إلى أقصى حدود طاقتهم.
الضغط لتقصير يوم العمل
بدأت الدعوة إلى تقليل ساعات العمل اليومية تكتسب زخمًا، وكانت النقابات العمالية الأولى تضرب من أجل ظروف عمل أفضل وأكثر أمانًا في جميع أنحاء البلاد لعقود، وأصبح شعار "ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات راحة، ثماني ساعات لما نريد" شعارًا شائعًا في مسيرات الاحتجاج، وناضلت مجموعات تعرف باسم "رابطات الثماني ساعات الكبرى" لتوحيد ساعات العمل.
وأصبح شعار "ثماني ساعات للعمل، ثماني ساعات للراحة، ثماني ساعات لما نريد" شعارًا شائعًا في مسيرات الاحتجاج؛ وقد نشأت هذه الفكرة في أوائل القرن التاسع عشر مع صانع المنسوجات الويلزي والمصلح الاجتماعي روبرت أوين، كان يؤمن بإمكانية تقسيم يوم العمل المكون من 24 ساعة بالتساوي بين العمل والنوم ومتع الحياة الأخرى، لاحقًا في الولايات المتحدة، ناضلت مجموعات تُعرف باسم "رابطات الثماني ساعات الكبرى" لتوحيد ساعات العمل للسبب نفسه.
أعادت الحرب العالمية الأولى إشعال القضية
لم يحدث أي تحول كبير في حقوق العمال إلا بعد الحرب العالمية الأولى، ومع النقص الكبير في العمالة في الداخل، شعر العمال الحاليون بالقدرة على المطالبة بتخفيض ساعات العمل وأسابيع العمل، وقد غيرت إصلاحات العمل في زمن الحرب مشهد التوظيف بشكل كبير فى العالم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من أمريكا وأوروبا لـ بيروت، كيف تخلص العالم من ورطة الإيجار القديم؟
من أمريكا وأوروبا لـ بيروت، كيف تخلص العالم من ورطة الإيجار القديم؟

فيتو

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • فيتو

من أمريكا وأوروبا لـ بيروت، كيف تخلص العالم من ورطة الإيجار القديم؟

من نيويورك لـ باريس وبيروت، خاضت حكومات مختلفة معارك تشريعية مع الإيجار القديم، ومرات نجحت في الوصول لحلول عادلة، ومرات أخرى انفجرت الأزمة سياسيًا أو اجتماعيًا قبل الوصول إلى نقطة توازن. وفي ظل الجدل المشتعل تحت قبة البرلمان اليوم حول مشروع قانون تعديل الإيجارات القديمة، تتجدد الأسئلة حول كيفية تحقيق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، إذ بينما ترى الحكومة ضرورة تحرير العلاقة الإيجارية، يطالب نواب بضرورة مراعاة الأبعاد الاجتماعية والأمنية، وتقديم حلول تراعي الفئات الأضعف. والسؤال: كيف تعامل العالم مع هذه العقدة التاريخية التي مرت بها دول كثيرة، وحاولت تفكيكها بسياسات تراوحت بين التدريج، والتعويض، وتقديم البدائل. من أين بدأ نظام الإيجار القديم؟ نظام الإيجار القديم أو ما يعرف عالميًا بـ rent control، بدأ لأول مرة بشكل منظم بعد الحرب العالمية الأولى في أوروبا، خصوصًا في دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، كاستجابة لأزمة سكن حادة. والفكرة كانت ببساطة حماية المستأجرين من الاستغلال وقت الاضطرابات الاقتصادية وارتفاع الطلب على السكن، والأسباب كانت واضحة عودة الجنود من الجبهة، ونقص المعروض العقاري مع انهيار اقتصادي وغلاء معيشة. أما في مصر، فالإيجار القديم ظهر لأول مرة في عشرينات القرن الماضي، لكن التطبيق الفعلي والصارم بدأ مع قانون 121 لسنة 1947، ثم تطور مع قوانين لاحقة، خاصة في الستينيات بعد المد الاشتراكي وكانت الدولة تهدف لتثبيت الإيجارات بشكل دائم لحماية المستأجرين، خاصة من الطبقة المتوسطة والفقيرة، واعتبرت أن السكن حق اجتماعي. لكن مع مرور الوقت، ظلت الإيجارات ثابتة رغم التضخم وارتفاع الأسعار، ما تسبب في إشكالية كبيرة بين مستأجر يدفع 5 أو 10 جنيهات في شقة بـ وسط البلد وأرقى مناطق مصر، ومالك لا يستطيع التصرف في ممتلكاته أو تحصيل عائد مناسب، مما جعل القانون القديم عبئًا على السلم الاجتماعي نفسه، لأن الوضع بات مجحفًا للطرفين، فالمستأجر يعيش أحيانًا في ظروف سكنية متردية والمالك لا يستفيد من ممتلكاته ولا يقدر على الترميم أو البيع، ولذلك يعاد فتح الملف حاليًا لمحاولة تحقيق عدالة انتقالية بين المالك والمستأجر. كيف تعاملت دول العالم مع أزمات الإيجار القديم؟ في أوروبا وخصوصًا في ألمانيا وفرنسا، ورثت الحكومات ما بعد الحرب العالمية الثانية قوانين إيجار مشددة تهدف إلى حماية السكان من التهجير، وظلت هذه القوانين لعقود، إلى أن بدأت عمليات تحرير ذكي منذ السبعينيات والثمانينيات، بالاستعانة بثلاث أدوات رئيسية ترصدها فيتو كالتالي: تحرير تدريجي لا يتم إنهاء العقود القديمة بشكل فوري، بل يجري رفع الإيجارات على مراحل، أحيانًا خلال 10 سنوات أو أكثر. الدعم الحكومي تخصص الدولة إعانات مالية للمستأجرين المتأثرين من ذوي الدخل المنخفض، لضمان قدرتهم على الاستمرار في السكن أو الانتقال بسلاسة. الرقابة على السوق ضبط أسعار الإيجارات الجديدة بقوانين تمنع الجشع وتحدد زيادات سنوية لا تتجاوز معدلات التضخم. تجربة أمريكا في الإيجار القديم في الولايات المتحدة وخاصة مدينة نيويورك التي تعد من أشهر النماذج المعالجة جاءت مختلفة، حيث لا تزال عقود الإيجار المستقر سارية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لكنها تحدّث دوريًا من خلال لجان مختصة تقر زيادات محسوبة سنويًا، وتحظر طرد المستأجرين دون مبرر، وهنا النموذج الأميركي لم يلغ الحماية تمامًا، بل جعلها أكثر واقعية ومرتبطة ببيانات الدخل والحي السكني. التجربة اللبنانية في الإيجار القديم لبنان يعتبر من أقرب النماذج في المنطقة إلى الحالة المصرية، سواء من حيث الإرث القانوني أو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فقانون الإيجارات اللبناني ظل ثابتًا لعقود، خصوصًا في العقارات المؤجرة قبل عام 1992، وهو ما خلق طبقة من المستأجرين يدفعون مبالغ رمزية مقابل السكن في أحياء راقية. في عام 2014، أقر البرلمان اللبناني قانونًا جديدًا لتحرير الإيجارات تدريجيًا خلال فترة تمتد لـ9 سنوات، وكان القانون نص على زيادة تدريجية في الإيجار بنسبة 15% سنويًا من قيمة عادلة تحددها لجان متخصصة، مع إنشاء صندوق دعم للمستأجرين القدامى ذوي الدخل المحدود، لكن غياب التمويل الفعلي لهذا الصندوق، وتعقيدات المحاكم، تسببا في تعطيل التنفيذ وعودة الخلافات بين الملاك والمستأجرين. وحتى اليوم، لم ينفذ القانون اللبناني بالكامل، والملف لا يزال مفتوحًا في المحاكم والشارع، مع تحذيرات من تدهور السلم الأهلي في حال الإصرار على التحرير دون ضمانات حقيقية. دروس أزمة الإيجار القديم سواء في أمريكا وأوروبا أو لبنان، كان التحرير دائمًا مشروطًا ومرحليًا ومدعومًا، أما في مصر، فالقضية أكثر حساسية، نظرًا لأن عدد الوحدات المتأثرة يقدر بالملايين، وكثير منها يعيش فيها مستأجرون مسنون أو محدودو الدخل. وبينما تتصاعد الأصوات المطالبة بإنهاء الظلم التاريخي الذي وقع على الملاك، فإن المشرع المصري أمام اختبار بالغ الصعوبة، لتجنب تكرار تجارب فشلت حين غابت عنها العدالة الاجتماعية، والانصراف عن الحلول العنيفة التي قد تخلخل استقرار المجتمع. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الحرب التجارية قد تتحول إلى مواجهة عسكرية!
الحرب التجارية قد تتحول إلى مواجهة عسكرية!

الدستور

time١٥-٠٤-٢٠٢٥

  • الدستور

الحرب التجارية قد تتحول إلى مواجهة عسكرية!

كتب العالم السياسي البارز، جراهام أليسون، في عام 2014، كتابًا مؤثرًا بعنوان (مقدر للحرب: هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من فخ ثوسيديس؟)، حيث أشار العنوان الفرعي إلى مقطع شهير في كتاب (تاريخ الحرب البيلوبونيسية) لثوقيديدس، المؤرخ الإغريقى الشهير، الذي يعد أول المؤرخين الإغريق الذين أعطوا للعوامل الاقتصادية والاجتماعية أهمية خاصة، إذ يقول (كان صعود أثينا، والخوف الذي ألهمه هذا في اسبارطة، هو الذي جعل الحرب حتمية).. وكانت الحرب البيلوبونيسية The Peloponnesian War حربًا طويلة ودموية، استمرت قرابة الثلاثين عامًأ.. وقد دارت رحاها بين أقوى دولتين في اليونان القديمة: أثينا وإسبارطة، وكان لها تأثير عميق على تاريخ وثقافة وسياسة اليونان، وعالم البحر الأبيض المتوسط على نطاق أوسع.. وقد استطلع أليسون تاريخ الخمسمائة عام الماضية، ووجد أن ستة عشرة حالة، أدى فيها صعود دولة كبرى إلى تعطيل موقف الدولة المهيمنة..وفي إثنتا عشرة من هذه الحالات، كانت النتيجة حربًا.. وهذا يشمل اثنين من أكثر الصراعات رعبًا في التاريخ: الحرب العالمية الأولى كان سببها، إلى حد كبير، صعود الإمبراطورية الألمانية، ونجمت الحرب العالمية الثانية عن صعود كل من ألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانية.. لذلك، دق أليسون ناقوس الخطر، من أن صراعًا آخر يختمر، لأن صعود الصين كان يهدد الهيمنة الأمريكية.. وكتب عام 2014، أنه لم يكن هناك شيء حتمي بشأن الصراع بين الولايات المتحدة والصين، لكن الاحتمالات كانت أن يندلع الصراع في النهاية. وربما يسمع أليسون الآن (نفس أصداء) تحذيره، بعدما شن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حربًا تجارية ضد الصي، بل إنه استهدف ـ في البداية ـ العالم بأسره، بما يسمى بتعريفاته المتبادلة، (والتي كانت أعلى بكثير من التعريفات الجمركية التي تفرضها الدول الأخرى على الصادرات الأمريكية)، ولكن بعد هزيمة سوق السندات، خفض معدلات التعريفة الجمركية على معظم البلدان إلى 10%.. وفي الوقت نفسه، صعَّد ترامب التعريفات الجمركية على الصين، ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، إلى 145%.. ولم يتراجع الزعيم الصيني، شي جين بين، بفرض رسوم جمركية بنسبة 125% على السلع الأمريكية. قام ترامب بتخفيف طفيف في التعريفات الجمركية نهاية الأسبوع الماضي، من خلال إعفاء الهواتف الذكية والأجهزة الإليكترونية الأخرى من أعلى المعدلات.. ولكن إذا بقيت بقية التعريفات الجمركية (المتبادلة) سارية المفعول، فإنها ستمنع بشكل أساسي ثلثي صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، وبالتالي تجعل الركود مرجحًا.. وهذا بدوره من شأنه أن يزيد من خطر حدوث سيناريوهات أكثر كارثية، مثل الكساد العالمي أو حتى حرب فعلية، لأن (الخبر السار، هو أن معظم الحروب الجمركية أو الاقتصادية لا تصبح حروبًا ساخنة.. النبأ السيئ هو أن البعض يفعل ذلك.. وإذا قارنت احتمالات الحروب الساخنة في الحالات التي لم تكن فيها حرب تجارية بحالات الحرب التجارية، ففي الحالة الأخيرة ترتفع الاحتمالات.. والواقع، أن التاريخ مليء بأمثلة على الحروب التجارية التي تحولت إلى حروب إطلاق نار. كانت الحروب البحرية الأنجلو ـ هولندية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، نتيجة للمنافسة التجارية بين بريطانيا وهولندا.. ساعدت المنافسة الاستعمارية على الموارد، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، في اندلاع الحرب العالمية الأولى.. بدأ الطريق الطويل إلى بيرل هاربور بإعلان الولايات المتحدة سياسة (الباب المفتوح)، التي منعت المنتجات اليابانية على الصين، من خلال الإصرار على أن جميع الدول يجب أن تتمتع بوصول متساو إلى سوقها.. عندما بدأت اليابان في غزو الصين عام 1931، ردت الولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية، مستهدفة أولًا صادرات الخردة المعدنية ووقود الطائرات إلى اليابان، تليها المواد الخام، مثل الحديد والنحاس والنحاس، وأخيرًا النفط. وكما لاحظ أليسون، كان الحظر النفطي، الذي هدد بخنق الاقتصاد الياباني، هو الذي دفع اليابان إلى مناورة يائسة لمهاجمة الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور.. تم تصميم هذه الضربة الوقائية لمنع الولايات المتحدة من التدخل في حملة الغزو اليابانية في شرق آسيا، بما في ذلك جزر الهند الشرقية الهولندية الغنية بالموارد، والهند الصينية الفرنسية.. وفي كتابه، رسم أليسون سيناريو (غير مرجح ولكنه ليس مستحيلًا)، لكيفية انتهاء الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين بحرب نووية.. يبدأ برئيس ـ ترامب ـ مصمم على منع الصين من تجاوز الولايات المتحدة اقتصاديًا.. تشمل شكاواه (الغش الصيني في الاتفاقيات التجارية، والعملة، والملكية الفكرية، والإعانات الصناعية، وصادرات الأدوية الرخيصة بشكل مصطنع).. ولتكافؤ الفرص، يصف هذا الرئيس الصين بأنها متلاعبة بالعملة ويهدد بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50%. ترد الصين بمنع بعض الصادرات الأمريكية إلى الصين، والتدخل في عمليات المصانع الأمريكية في الصين، وبيع بعض سندات الخزانة الأمريكية التي تحتفظ بها بقيمة تريليون دولار.. يُصعد الرئيس الأمريكي بالمطالبة بسداد 1.23 تريليون دولار، مقابل الملكية الفكرية الأمريكية التي سرقتها الصين.. مع تصاعد الصراع، تُنشط الصين البرامج الضارة التي تؤدي إلى انهيار سوق الأسهم الأمريكية، وتمحو ملايين الحسابات في البنوك الأمريكية.. ولمنع المزيد من الضرر، أرسل الرئيس الأمريكي طائرة بدون طيار خفية، لمهاجمة مقر وحدة جيش التحرير الشعبي، النسخة الصينية من وكالة الأمن القومي.. لكن الصين اكتشفت الهجوم، وردت بإطلاق صواريخ على القاعدة الجوية الأمريكية في اليابان، التي أطلقت الطائرة بدون طيار. من السهل رفض هذا السيناريو الخيالي باعتباره بعيد المنال، ولكن حتى الأسبوع الماضي، كان من المستبعد أيضًا تخيل رئيس أمريكي يفرض رسومًا جمركية بنسبة 145% على الصين).. في أسوأ سيناريو لأليسون، فإن التعريفات الجمركية هي 50% فقط.. وقدرة الصين على تنفيذ هجمات إليكترونية حقيقية للغاية، إذ ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال)، أن مسؤولًا صينيا اعترف ضمنيًا لنظرائه الأمريكيين في ديسمبر، بأن بكين كانت وراء عمليات الاقتحام لشبكات الكمبيوتر في (الموانئ الأمريكية ومرافق المياه والمطارات وأهداف أخرى)، ردًا على (زيادة دعم السياسة الأمريكية لتايوان). ليأتي السؤال: ما الذي يمكن أن تفعله الصين الآن، ردًا على التعريفات الجمركية الأمريكية التي تهدد رفاهيتها الاقتصادية؟. لدى الصين كل الحوافز لتوسيع نطاق استجاباتها، إلى ما هو أبعد من رفع تعريفاتها الجمركية، لأنها تستورد سلعا من الولايات المتحدة أقل بكثير من واردات الولايات المتحدة من الصين.. هذه أزمة غير مسبوقة، ومن المستحيل التنبؤ بكيفية إنتهائها، ولكن من المهم أن نتذكر كيف أدت الحسابات الخاطئة المأساوية إلى الحرب من قبل.. لم يرغب أي من المقاتلين في الحرب العالمية الأولى، في خوض حرب طويلة ومُكلِّفة، لكنهم مع ذلك (ساروا أثناء النوم) ـ كما وصفها أحد المؤرخين ـ في حرب أغسطس 1914.. إذ بحلول عيد الميلاد في ذلك العام، أصبحت الجبهة الغربية في طريق مسدود.. كان على الجهات الفاعلة العقلانية من كلا الجانبين، إنهاء المذبحة بدلًا من السماح لها بالاستمرار لمدة أربع سنوات أخرى.. لكن بحلول تلك المرحلة، عانى كلا الجانبين من خسائر فادحة، لدرجة أن التراجع كان أمرًا لا يمكن تصوره.. وكما هو الحال في العديد من الصراعات، تتراكم المظالم، ويُثار الشرف الوطني، وتستمر الحرب لفترة أطول بكثير، وتتسبب في خسائر أكبر بكثير مما أراده أو توقعه أي شخص.. وحتى لو ظل الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين باردًا، فمن المرجح أن تسود ديناميكية مماثلة.. فكلما زادت الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها الجانبان، قل احتمال تراجعهما.. ومن المحتمل أن تشعر كل من واشنطن وبكين بأنهما مضطرتان للاستمرار، حتى يتمكنتا من المطالبة بنوع من (النصر)، وكلما كان الصراع أكثر تكلفة، زاد التعويض الذي سيتم المطالبة به كجزء من أي تسوية. إن المطلوب الآن هو ضبط النفس البطولي، من النوع الذي مارسه الرئيس الأسبق جون كينيدي، والزعيم السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.. كان كينيدي، على وجه الخصوص، مدركًا تمامًا لمخاطر الحرب العرضية، بعد أن كان قرأ لتوه كتاب باربرا توكمان (بنادق أغسطس)، حول اندلاع الحرب العالمية الأولى.. فصمم صفقة سرية، من شأنها أن تجعل الاتحاد السوفيتي يزيل صواريخه النووية من كوبا، مقابل وعد بإزالة صواريخ كوكب المشتري الأمريكية القديمة من تركيا.. تم تجنب الحرب العالمية الثالثة.. واليوم، نحن في حاجة ماسة إلى اتفاق مماثل، لحفظ ماء الوجه بين ترمب وشي، (ربما على غرار الاتفاق الذي توصلوا إليه خلال فترة ولاية ترامب الأولى)، قبل أن تتصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وتلحق ضررًا بالعالم بأسره، لا يمكن إصلاحه.. كلا الزعيمين رجلان فخوران بقدراتيهما، لا يمكن رؤيتهما على أنهما يستسلمان.. لكن كلاهما لديه مصلحة في إنهاء هذا الصراع غير الضروري، قبل فوات الأوان. ●●● وبما أن الرئيس دونالد ترامب هو الذي أطلق هذه الكارثة المحتملة، فمن العدل أن نتساءل عما إذا كان لديه استراتيجية؟.. وكيف يرى النتيجة النهائية؟. فكعادته، يُرتجل ترامب.. لم يتبع تصعيده المُذهل للرسوم الجمركية على الصين أي صيغة مُجدية.. إنه يتصرف، كعادته، كمضارب عقارات مُحترف، رافعًا الرهانات إلى مستويات لا تُطاق، سعيًا وراء النفوذ.. هذا أحدث تجليات (نظرية الرجل المجنون)، التي يلجأ فيها ترامب إلى أقصى الظروف لمحاولة تخويف خصومه.. ربما ينجح الأمر، وتسارع الصين ـ التي لا ترغب في تدمير اقتصاد لم يعد يُحقق أرقام نمو مبهرة ـ إلى طاولة المفاوضات.. حيث يعتقد العديد من خبراء الشئون الصينية، أن بكين لا ترغب في الوصول إلى حافة الهاوية أكثر من ترامب.. وقد لا تترك العواقب المحتملة لحرب تجارية شاملة على كلا الجانبين، خيارًا سوى التراجع.. لكن، بعد رفع ترامب للعقوبات، بتأكيده أن الرسوم الجمركية على السلع الصينية ستصل الآن إلى 145%، ردّ الرئيس الصيني شي جين بينغ برفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية الداخلة إلى الصين إلى 125%.. وقال شي، إن الصين (ليست خائفة). ظهرت أيضًا دلائل جديدة، على أن فريق ترامب لا يُدرك العوامل التي تُحرك حسابات الصين في بكين.. أفادت كايلي أتوود، مراسلة شبكة CNN، أن الإدارة الأمريكية حذرت الصينيين سرًا من الرد على الرسوم الجمركية الأمريكية، وأن على شي جين بينج طلب مكالمة هاتفية مع ترامب، وفقًا لمصدر مُطلع على المناقشات.. كانت هذه الخطوة ستُوحي بأن الرئيس الصيني مُستَجدٍ للرئيس الأمريكي الذي بدأ المواجهة، وهو احتمالٌ لا تُحتمله بكين.. وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية السابقة، جانيت يلين، (نحن الآن في حرب تجارية طاحنة مع الصين، والتعريفات الجمركية المفروضة عليها باهظة.. وستكون لها آثار هائلة على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.. لا أحد يعلم إلى أين تتجه هذه السياسات؟). وتفترض تكتيكات ترامب، أن التهديد بعواقب وخيمة، سيجبر الصين على التفاوض كما حدث في ولايته الأولى، عندما توصل الجانبان إلى اتفاق تجاري لم يتم تنفيذه بالكامل، حتى قبل أن تؤدي جائحة كورونا إلى إغلاق العلاقات الأمريكية مع بكين بشكل فعال.. لكن إجبار الصين قد يأتي بنتائج عكسية، نظرًا لثقلها الاقتصادي، الهائل وحساسيتها تجاه إهانات القوى الغربية، التي تعتبرها محاولةً لإحباط صعودها.. ومن غير المرجح أن يستجيب الشعب الصيني جيدًا للتهديدات، بعد سنوات من السياسات القومية والدعاية التي تهدف إلى التفوق على الولايات المتحدة. بؤكد ترامب أن انسجامه الشخصي مع شي سيكون حاسمًا.. وقال في اجتماع وزاري(لقد كان، بكل معنى الكلمة، صديقًا لي منذ زمن طويل)!!.. وفي كثير من الأحيان، يتذكر ترامب بحنين، زيارة قام بها شي إلى منتجعه (مار إيه لاجو)، خلال فترة ولايته الأولى، عندما تناول الاثنان (أجمل قطعة كعكة شوكولاتة رأيتها على الإطلاق)، وأبلغ ضيفه المذهول عن الضربات العسكرية التي أمر بها للتو في سوريا.. لكن من غير المرجح أن تنجح دبلوماسية الكعكة في ولاية ترامب الثانية.. فليس من عادات شي جين بينج الود.. فالصين تُفضّل إجراء المفاوضات بدبلوماسية رسمية مُرهقة على مستوى أدنى.. وتُعدّ اجتماعات القادة مُعدّة سلفًا، بعيدًا عن سيناريو اجتماع القادة في غرفة واحدة، ومناقشة القضايا الخلافية الذي يُفضّله ترامب. تقول زونج يوان زوي ليو، الباحثة البارزة في دراسات الصين بمجلس العلاقات الخارجية، إن (الرئيس شي جين بينج ليس مفاوضًا.. دوره ليس الانخراط في مفاوضات تجارية؛ بل إن مستوى العمل، أي البيروقراطيين والمسئولين، هم من يتفاوضون على الاتفاق.. ومن هذا المنظور، أرى بعض التحديات اللوجستية قصيرة المدى، رغم أن نية التهدئة قد لا تزال قائمة في الصين).. كما أنه من المستحيل أن تُعرّض الصين زعيمها لجلسةٍ مُنفتحة في المكتب البيضاوي، في حين أن أي شيءٍ وارد.. يكفي أن تسأل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بعد توبيخه في وقتٍ سابق من هذا العام.. أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي فوجئ الأسبوع الماضي بتصريح ترامب، بأنه قد لا يرفع الرسوم الجمركية، مقابل قيام الدولة اليهودية بتقليص عجزها التجاري مع الولايات المتحدة.. لكن مع تطور الحرب التجارية العالمية بسرعة خلال الأيام القليلة الماضية، خطرت للإدارة الأمريكية فكرة جديدة: استخدام اتفاقيات التجارة مع الحلفاء لعزل الصين والضغط عليها.. إلا أن هذا يبدو مستبعدًا، إذ أبعد الرئيس ترامب الدول التي يحتاجها لتحقيق ذلك، بما في ذلك كندا ودول الاتحاد الأوروبي.. لقد قرر أصدقاء أمريكا أن الولايات المتحدة شريك غير موثوق، وعليهم أن يسلكوا طريقهم الخاص. ●●● سًئِل ترامب عن (موعده النهائي مع الصين).. هز رأسه عندما سُئل عما إذا كان ينتظر من شي جين بينج أن يتراجع، ولم يستطع تحديد كيفية حلّ هذه المواجهة.. قال ترامب، (انظروا، لقد تعرضنا لسنوات للخداع والاستغلال من قبل الصين ودول أخرى، بكل إنصاف، ولكن.. هذه هي المشكلة الكبرى).. وهذا موقف غير مبالٍ إلى حد مذهل، نظرًا لتداعيات الصراع بين أكبر اقتصادات العالم، والتي قد تكون لها عواقب لا يمكن التنبؤ بها. أحد الأسباب التي قد تجعل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ذات تأثير مدمر، هو أن الاقتصادين أصبحا متشابكين إلى حد كبير.. لقد ساعدت سنوات من التكامل كلا البلدين.. تمتع المستهلكون الأمريكيون بفرصة شراء الملابس والأحذية والإليكترونيات، مثل هواتف آيفون، وغيرها من السلع الاستهلاكية بأسعار معقولة، مما حسّن مستوى معيشة الطبقة المتوسطة.. استخدمت الصين التجارة الأمريكية لتوسيع نطاق التصنيع وانتشال عشرات الملايين من شعبها من براثن الفقر.. وقد ضُخّت الأرباح في الصناعات التكنولوجية المتقدمة والجيش الصيني المتنامي.. في الولايات المتحدة، كان الجانب السلبي لهذا الترتيب، هو أن السلع الرخيصة القادمة من الصين، ألحقت ضررًا بالغًا بالصناعات الأمريكية، من صناعة الصلب في منطقة حزام الصدأ، إلى صناعة الأثاث في ولاية كارولينا الشمالية.. ولم يُفلح المنطق القديم وراء سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، القائل بأن التنمية الاقتصادية ستُخفف حتمًا من قبضة القادة الشيوعيين في بكين.. ويجادل صقور الصين في واشنطن الآن، بأن الولايات المتحدة قد بنت فعليًا عدوها الأعظم في القرن الحادي والعشرين، من خلال إدمانها على السلع الاستهلاكية الرخيصة. وكان محللو السياسة الخارجية يعتقدون أن الطبيعة المتشابكة للعلاقات الصينية ـ الأمريكية، ستوفر جدار حماية ضد الصراع العسكري.. لكن الحديث يدور الآن حول فك الارتباط، أي عملية فك تكامل الاقتصادين الأمريكي والصيني، القوتين الواقعتين على جانبي أخطر تنافس جيوسياسي في العالم.. إذا اندثرت التجارة بين الولايات المتحدة والصين، فستكون العواقب وخيمة.. فقد ترتفع أسعار السلع التي تُشكل جزءًا حيويًا من الحياة الأمريكية ارتفاعًا حادًا.. وهذا قد يُفاقم التضخم، ويؤدي إلى تدهور جودة حياة الملايين، ويؤثر سلبًا على ثقة المستهلك، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى حالة ركود.. وفي الصين، قد تُلحق حرب تجارية مطولة، ضررًا بالغًا بالشركات الصغيرة، التي تُعدّ قاطرة اقتصادها.. وقد ترتفع معدلات البطالة، وهو أمرٌ يُثير قلقًا دائمًا في دولةٍ مُهووسة بكبح جماح الاضطرابات.. غالبًا ما يغفل المراقبون الغربيون، أنه في حين يقمع النظام الاستبدادي في الصين المعارضة، إلا أن له شكلًا خاصًا من السياسة الداخلية لا يُمكن لقادته تجاهله.. وهذا يعني، أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تصبح اختبارًا صعبا للشعوب، التي تستطيع تحمل أكبر قدر من الألم الاقتصادي. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

باري آيكنجرين يكتب: هل يواجه الدولار مصير الجنيه الإسترليني؟
باري آيكنجرين يكتب: هل يواجه الدولار مصير الجنيه الإسترليني؟

البورصة

time١٢-٠٤-٢٠٢٥

  • البورصة

باري آيكنجرين يكتب: هل يواجه الدولار مصير الجنيه الإسترليني؟

قد يكون البناء مهمة بطيئة وشاقة تمتد لسنوات. أما التدمير فربما يكون فعلا طائشا لا يستغرق أكثر من يوم واحد. في أبريل من عام 1925، أي قبل مائة عام بالتمام والكمال، اتخذ ونستون تشرشل، بصفته وزيرا للخزانة، القرار المصيري بإعادة الجنيه الإسترليني إلى معيار الذهب بسعر الصرف المعمول به قبل الحرب العالمية الثانية. كان تشرشل آنذاك، مثله كمثل وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت الآن، حائراً بين هدفين. فمن ناحية، كان يريد الحِـفاظ على وضع الجنيه الإسترليني بصفته العملة الرئيسية التي يدور حولها النظام النقدي الدولي، وصيانة مكانة لندن باعتبارها المركز المالي الدولي الرائد. ومن ناحية أخرى، كان تشرشل، أو على الأقل الأصوات المؤثرة من حوله، يرى ميزة في سعر صرف أكثر تنافسية ــ بمعنى 'خفض قيمة الجنيه الإسترليني' ــ والذي قد يعزز التصنيع والصادرات البريطانية. لا أحد يستطيع أن يُـجزِم لماذا اختار تشرشل المسار الأول؟ كان ثِـقَـل التاريخ ــ التفوق الاقتصادي البريطاني في ظل معيار الذهب قبل الحرب العالمية الأولى ــ يشير إلى استعادة الوضع النقدي السابق. وكانت مدينة لندن، أي القطاع المالي هناك، تمارس الضغوط لفرض العودة إلى سعر صرف ما قبل الحرب مقابل الذهب والدولار. ولم يكن أكثر المعارضين وضوحاً، جون ماينارد كينز، مُـوَفَّـقا عندما أتيحت له الفرصة لعرض حُـجّـته على وزير الخزانة. جاءت التأثيرات متفقة إلى حد كبير مع التوقعات. فقد استعاد الجنيه الإسترليني وضعه كعملة دولية رئيسية، واستعادت المدينة مكانتها كمركز مالي. ولكن عند تلك اللحظة بات لزاماً على الإسترليني ومدينة لندن مُـغالَبة نيويورك والدولار الذي اكتسب أهمية بسبب الارتباكات التي شهدتها أوروبا نتيجة الحرب وإنشاء نظام الاحتياطي الفيدرالي لدعم الأسواق المالية الأمريكية. وكما كان متوقعًا أيضا، رَكَـدَت الصادرات البريطانية. فبالأسعار الجارية آنذاك، كانت الصادرات في الفترة 1928-1929 أقل مما كانت عليه في الفترة 1924-1925، عندما اتُّـخِـذ قرار تثبيت سعر الصرف. وهنا، من الواضح أن قوة الجنيه الإسترليني وأسعار الفائدة المرتفعة المطلوبة للدفاع عن سعر صرفه لم تكنا مفيدة. ولكن من قبيل التسرع إلى الاستنتاج أن نعزو أداء الاقتصاد البريطاني الضعيف بالكامل إلى سعر الصرف. فمن ناحية، أصبحت صناعات التصدير التي اعتمدت عليها بريطانيا تقليديا ــ المنسوجات، والصلب، وبناء السفن ــ خاضعة لمنافسة شديدة من جانب الدول التي انتهجت التصنيع بعد بريطانيا والتي كانت تمتلك منشآت أكثر حداثة، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان. لم يكن الوضع مختلفاً عن المنافسة التي يستشعرها قطاع التصنيع الأمريكي حاليا من جانب الصين وغيرها من الأسواق الناشئة. في ذلك الوقت كما هي الحال الآن، لم يكن من الواضح أن سعر الصرف الأضعف قد يُـحدث فارقا كبيرا، نظرا لظهور هذه القوى الصاعدة. كما أن التعريفات الجمركية التي فرضتها المملكة المتحدة في ثلاثينيات القرن العشرين لم تنجح في إنعاش صناعاتها القديمة. علاوة على ذلك، واجهت بريطانيا صعوبة في تطوير الصناعات الجديدة التي شكلت الحدود التكنولوجية آنذاك ــ الهندسة الكهربائية، والمركبات ذات المحرك، والسلع الاستهلاكية المنزلية المعمرة ــ حتى بعد خفض قيمة الجنيه الإسترليني في عام 1931. وكانت الولايات المتحدة وبلدان أخرى أسرع في تبني التكنولوجيات وأساليب الإنتاج الجديدة، مثل خط التجميع. وتسبب التشدد النقابي في تثبيط الاستثمار. وكان المعروض من العمال من ذوي المهارات وأخلاقيات العمل المطلوبة منقوصا. ومرة أخرى، لا تختلف هذه الشكاوى عن تلك التي نسمعها اليوم من مشغلي مصنع أشباه الموصلات الجديد التابع لشركة 'تايوان لصناعة أشباه الموصلات' في أريزونا أو مصانع 'سامسونج' لصناعة الرقائق الإلكترونية في تكساس. وبطبيعة الحال، لم يكن من المفيد أن ثلاثينيات القرن العشرين تميزت بالحروب التجارية والكساد الذي دام عقداً من الزمن. رغم هذه المشكلات، صمد وضع الجنيه الإسترليني كعملة دولية خلال الثلاثينيات. الواقع أن الجنيه الإسترليني استعاد بعضا من مكانته كعملة احتياطية وعملة مدفوعات والتي خسرها لصالح الدولار في العقود السابقة. في حين نجحت بريطانيا على نطاق واسع في صيانة الاستقرار المصرفي والمالي، عانت الولايات المتحدة ثلاث أزمات مصرفية ومالية منهكة. وحافظت المملكة المتحدة على علاقات تجارية مستقرة مع دول الكومنولث والإمبراطورية في ظل نظام تفضيل إمبراطوري أبطل تأثيرات التعريفات الجمركية التقييدية. وظلت على علاقات طيبة مع الشركاء التجاريين والحلفاء السياسيين خارج نطاق الكومنولث والإمبراطورية، بما في ذلك في الدول الإسكندنافية، والشرق الأوسط، ودول البلطيق، حيث واصلت السلطات النقدية ربط عملات بلدانها بالجنيه الإسترليني. الدروس التي يجب أن يستوعبها أولئك الذين يسعون إلى الحفاظ على مكانة الدولار كعملة عالمية واضحة. تجنّب زعزعة الاستقرار المالي، وهذا يعني في السياق الحالي عدم السماح للمشكلات في مجال العملات الرقمية بالامتداد إلى بقية النظام المصرفي والمالي. الحد من اللجوء إلى التعريفات الجمركية، لأن استخدام الدولار الواسع الانتشار على المستوى الدولي مستمد في جزء كبير منه من علاقات أمريكا التجارية مع بقية العالم. والحفاظ على تحالفات أمريكا الجيوسياسية، خاصة أن شركاء أمريكا في التحالف هم الذين من المرجح أن ينظروا إلى الولايات المتحدة باعتبارها راعية جديرة بالثقة لأصولهم الأجنبية وأن يحتفظوا بعملتها كدليل على حسن النية. الواقع أن الولايات المتحدة، كما تشير كل المظاهر، تسير في الطريق المعاكس، حيث تخاطر بالاستقرار المالي، وتفرض الرسوم الجمركية طوعا أو كرها، وتستعدي شركاءها في التحالف. وكل ما تحقق على مدى فترة طويلة بات من الممكن هدمه في غمضة عين ــ أو بجرة قلم رئيس. كان تشرشل مدركا للمخاطر. وعلى حد تعبيره: 'قد يكون البناء مهمة بطيئة وشاقة تمتد لسنوات. أما التدمير فربما يكون فعلا طائشا لا يستغرق أكثر من يوم واحد'. بقلم: باري آيكنجرين، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي المصدر: موقع 'بروجكت سنديكيت' : الجنيه الإسترلينىالدولار

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store