logo
باري آيكنجرين يكتب: هل يواجه الدولار مصير الجنيه الإسترليني؟

باري آيكنجرين يكتب: هل يواجه الدولار مصير الجنيه الإسترليني؟

البورصة١٢-٠٤-٢٠٢٥

قد يكون البناء مهمة بطيئة وشاقة تمتد لسنوات. أما التدمير فربما يكون فعلا طائشا لا يستغرق أكثر من يوم واحد.
في أبريل من عام 1925، أي قبل مائة عام بالتمام والكمال، اتخذ ونستون تشرشل، بصفته وزيرا للخزانة، القرار المصيري بإعادة الجنيه الإسترليني إلى معيار الذهب بسعر الصرف المعمول به قبل الحرب العالمية الثانية.
كان تشرشل آنذاك، مثله كمثل وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت الآن، حائراً بين هدفين.
فمن ناحية، كان يريد الحِـفاظ على وضع الجنيه الإسترليني بصفته العملة الرئيسية التي يدور حولها النظام النقدي الدولي، وصيانة مكانة لندن باعتبارها المركز المالي الدولي الرائد.
ومن ناحية أخرى، كان تشرشل، أو على الأقل الأصوات المؤثرة من حوله، يرى ميزة في سعر صرف أكثر تنافسية ــ بمعنى 'خفض قيمة الجنيه الإسترليني' ــ والذي قد يعزز التصنيع والصادرات البريطانية.
لا أحد يستطيع أن يُـجزِم لماذا اختار تشرشل المسار الأول؟
كان ثِـقَـل التاريخ ــ التفوق الاقتصادي البريطاني في ظل معيار الذهب قبل الحرب العالمية الأولى ــ يشير إلى استعادة الوضع النقدي السابق.
وكانت مدينة لندن، أي القطاع المالي هناك، تمارس الضغوط لفرض العودة إلى سعر صرف ما قبل الحرب مقابل الذهب والدولار.
ولم يكن أكثر المعارضين وضوحاً، جون ماينارد كينز، مُـوَفَّـقا عندما أتيحت له الفرصة لعرض حُـجّـته على وزير الخزانة.
جاءت التأثيرات متفقة إلى حد كبير مع التوقعات.
فقد استعاد الجنيه الإسترليني وضعه كعملة دولية رئيسية، واستعادت المدينة مكانتها كمركز مالي.
ولكن عند تلك اللحظة بات لزاماً على الإسترليني ومدينة لندن مُـغالَبة نيويورك والدولار الذي اكتسب أهمية بسبب الارتباكات التي شهدتها أوروبا نتيجة الحرب وإنشاء نظام الاحتياطي الفيدرالي لدعم الأسواق المالية الأمريكية.
وكما كان متوقعًا أيضا، رَكَـدَت الصادرات البريطانية. فبالأسعار الجارية آنذاك، كانت الصادرات في الفترة 1928-1929 أقل مما كانت عليه في الفترة 1924-1925، عندما اتُّـخِـذ قرار تثبيت سعر الصرف.
وهنا، من الواضح أن قوة الجنيه الإسترليني وأسعار الفائدة المرتفعة المطلوبة للدفاع عن سعر صرفه لم تكنا مفيدة. ولكن من قبيل التسرع إلى الاستنتاج أن نعزو أداء الاقتصاد البريطاني الضعيف بالكامل إلى سعر الصرف.
فمن ناحية، أصبحت صناعات التصدير التي اعتمدت عليها بريطانيا تقليديا ــ المنسوجات، والصلب، وبناء السفن ــ خاضعة لمنافسة شديدة من جانب الدول التي انتهجت التصنيع بعد بريطانيا والتي كانت تمتلك منشآت أكثر حداثة، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان.
لم يكن الوضع مختلفاً عن المنافسة التي يستشعرها قطاع التصنيع الأمريكي حاليا من جانب الصين وغيرها من الأسواق الناشئة.
في ذلك الوقت كما هي الحال الآن، لم يكن من الواضح أن سعر الصرف الأضعف قد يُـحدث فارقا كبيرا، نظرا لظهور هذه القوى الصاعدة.
كما أن التعريفات الجمركية التي فرضتها المملكة المتحدة في ثلاثينيات القرن العشرين لم تنجح في إنعاش صناعاتها القديمة.
علاوة على ذلك، واجهت بريطانيا صعوبة في تطوير الصناعات الجديدة التي شكلت الحدود التكنولوجية آنذاك ــ الهندسة الكهربائية، والمركبات ذات المحرك، والسلع الاستهلاكية المنزلية المعمرة ــ حتى بعد خفض قيمة الجنيه الإسترليني في عام 1931.
وكانت الولايات المتحدة وبلدان أخرى أسرع في تبني التكنولوجيات وأساليب الإنتاج الجديدة، مثل خط التجميع.
وتسبب التشدد النقابي في تثبيط الاستثمار.
وكان المعروض من العمال من ذوي المهارات وأخلاقيات العمل المطلوبة منقوصا.
ومرة أخرى، لا تختلف هذه الشكاوى عن تلك التي نسمعها اليوم من مشغلي مصنع أشباه الموصلات الجديد التابع لشركة 'تايوان لصناعة أشباه الموصلات' في أريزونا أو مصانع 'سامسونج' لصناعة الرقائق الإلكترونية في تكساس.
وبطبيعة الحال، لم يكن من المفيد أن ثلاثينيات القرن العشرين تميزت بالحروب التجارية والكساد الذي دام عقداً من الزمن.
رغم هذه المشكلات، صمد وضع الجنيه الإسترليني كعملة دولية خلال الثلاثينيات.
الواقع أن الجنيه الإسترليني استعاد بعضا من مكانته كعملة احتياطية وعملة مدفوعات والتي خسرها لصالح الدولار في العقود السابقة.
في حين نجحت بريطانيا على نطاق واسع في صيانة الاستقرار المصرفي والمالي، عانت الولايات المتحدة ثلاث أزمات مصرفية ومالية منهكة.
وحافظت المملكة المتحدة على علاقات تجارية مستقرة مع دول الكومنولث والإمبراطورية في ظل نظام تفضيل إمبراطوري أبطل تأثيرات التعريفات الجمركية التقييدية.
وظلت على علاقات طيبة مع الشركاء التجاريين والحلفاء السياسيين خارج نطاق الكومنولث والإمبراطورية، بما في ذلك في الدول الإسكندنافية، والشرق الأوسط، ودول البلطيق، حيث واصلت السلطات النقدية ربط عملات بلدانها بالجنيه الإسترليني.
الدروس التي يجب أن يستوعبها أولئك الذين يسعون إلى الحفاظ على مكانة الدولار كعملة عالمية واضحة.
تجنّب زعزعة الاستقرار المالي، وهذا يعني في السياق الحالي عدم السماح للمشكلات في مجال العملات الرقمية بالامتداد إلى بقية النظام المصرفي والمالي.
الحد من اللجوء إلى التعريفات الجمركية، لأن استخدام الدولار الواسع الانتشار على المستوى الدولي مستمد في جزء كبير منه من علاقات أمريكا التجارية مع بقية العالم.
والحفاظ على تحالفات أمريكا الجيوسياسية، خاصة أن شركاء أمريكا في التحالف هم الذين من المرجح أن ينظروا إلى الولايات المتحدة باعتبارها راعية جديرة بالثقة لأصولهم الأجنبية وأن يحتفظوا بعملتها كدليل على حسن النية.
الواقع أن الولايات المتحدة، كما تشير كل المظاهر، تسير في الطريق المعاكس، حيث تخاطر بالاستقرار المالي، وتفرض الرسوم الجمركية طوعا أو كرها، وتستعدي شركاءها في التحالف.
وكل ما تحقق على مدى فترة طويلة بات من الممكن هدمه في غمضة عين ــ أو بجرة قلم رئيس.
كان تشرشل مدركا للمخاطر. وعلى حد تعبيره: 'قد يكون البناء مهمة بطيئة وشاقة تمتد لسنوات. أما التدمير فربما يكون فعلا طائشا لا يستغرق أكثر من يوم واحد'.
بقلم: باري آيكنجرين، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي
المصدر: موقع 'بروجكت سنديكيت' : الجنيه الإسترلينىالدولار

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اعتراف رسمي أمريكي بهزيمة محرجة للقوات البحرية والجوية في اليمن
اعتراف رسمي أمريكي بهزيمة محرجة للقوات البحرية والجوية في اليمن

يمني برس

timeمنذ 2 ساعات

  • يمني برس

اعتراف رسمي أمريكي بهزيمة محرجة للقوات البحرية والجوية في اليمن

أعلن نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، خلال مشاركته في حفل تخرج دفعة من الأكاديمية البحرية الأمريكية، أن عصر الهيمنة الأمريكية في المجالات الجوية والبحرية والفضائية قد انتهى، مؤكداً أن الولايات المتحدة بحاجة إلى التكيف مع التغيرات الجيوسياسية والتكنولوجية المتسارعة. وأوضح فانس أن إدارة ترامب غيرت المسار باتجاه استراتيجية الواقعية، مشيراً إلى أن الصراع الذي خاضته الولايات المتحدة مع 'الحوثيين' كان قائماً على هذا الأساس. وأضاف أن على القوات الأمريكية مواكبة واقع جديد أصبحت فيه الطائرات المسيرة الرخيصة وصواريخ كروز المتوفرة قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالأصول والقوات المنتشرة حول العالم. وفي سياق حديثه عن تدخل واشنطن في اليمن، بين نائب الرئيس أن الهدف منه كان دبلوماسياً بالدرجة الأولى، مشدداً على أن بلاده لا تسعى للتورط في صراع طويل الأمد في المنطقة. من جانبها، أكدت مجلة 'ناشيونال إنترست' أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمه الرئيس ترامب مع 'الحوثيين' مثل هزيمة عسكرية نكراء لأمريكا، مشيرة إلى أن المهمة في البحر الأحمر كانت أعنف عملية قتالية تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. كما كشفت المجلة عن تعرض القوات الأمريكية لهزائم تكتيكية محرجة خلال الحملة الجوية في اليمن، وأشارت إلى أن طائرة 'F-35' واجهت خطر الموت في أجواء اليمن رغم تقنيات التخفي من الجيل الخامس، فيما أعلنت عن تغيير قائد حاملة الطائرات 'ترومان' عند وصولها إلى نورفولك في ولاية فيرجينيا خلال الأسابيع المقبلة.

مجلة أمريكية تفضح القوات البحرية الأمريكية وتكشف ماحدث لها خلال المواجهة مع اليمن
مجلة أمريكية تفضح القوات البحرية الأمريكية وتكشف ماحدث لها خلال المواجهة مع اليمن

يمني برس

timeمنذ 4 ساعات

  • يمني برس

مجلة أمريكية تفضح القوات البحرية الأمريكية وتكشف ماحدث لها خلال المواجهة مع اليمن

أكدت مجلة ناشونال إنترست الأمريكية أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمه الرئيس ترامب مع 'الحوثيين' يمثل هزيمة عسكرية نكراء لأمريكا. وتشير إلى أن المهمة في البحر الأحمر ضد 'الحوثيين' كانت أعنف عملية قتالية تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. كما أعلنت عن تغيير قائد حاملة الطائرات ترومان عند وصولها إلى نورفولك في ولاية فيرجينيا خلال الأسابيع المقبلة.

أخبار العالم : "حماس": دعوة نائب أمريكي لقصف غزة نوويا تحريض على الإبادة وجريمة ضد الإنسانية
أخبار العالم : "حماس": دعوة نائب أمريكي لقصف غزة نوويا تحريض على الإبادة وجريمة ضد الإنسانية

نافذة على العالم

timeمنذ 5 ساعات

  • نافذة على العالم

أخبار العالم : "حماس": دعوة نائب أمريكي لقصف غزة نوويا تحريض على الإبادة وجريمة ضد الإنسانية

السبت 24 مايو 2025 12:30 صباحاً نافذة على العالم - أعربت حركة "حماس" عن إدانتها لتصريحات عضو الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري راندي فاين، التي دعا فيها إلى قصف غزة بالسلاح النووي. واعتبرت الحركة هذه "الدعوة المتطرفة جريمة مكتملة الأركان، ودليلا على العنصرية الفاشية التي تحكم تفكير بعض الساسة الأمريكيين، وهو ما يستوجب الإدانة من الإدارة الأمريكية ومن الكونغرس، الذي بات منصة لتبرير جرائم الاحتلال وتشجيعها، عندما استقبل مجرم الحرب نتنياهو". وأضافت: "تمثل هذه التصريحات انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، وتحريضا علنيا على استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أكثر من مليوني مدني". وأكد أنه "ورغم هذه الدعوات الوحشية، فإنها لن تُضعف عزيمة شعبنا، ولا إيمانه بعدالة قضيته، بل تفضح مجددا الوجه الحقيقي للاحتلال وداعميه". ووصف فاين في وقت سابق القضية الفلسطينية بـ "الشريرة". وقال: "في الحرب العالمية الثانية، لم نتفاوض على استسلام مع النازيين، ولم نتفاوض مع اليابانيين. لقد استخدمنا القنابل النووية مرتين ضد اليابان من أجل تحقيق استسلام غير مشروط". وأضاف: "ينبغي أن يكون الموقف ذاته في هذا السياق، فهناك خلل عميق جدًا في هذه الثقافة ويجب القضاء عليه".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store