
هل ينجح فيدان في كسر الجمود الأوروبي عن عضوية تركيا؟
أنقرة- وصل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ، اليوم الخميس، إلى العاصمة البولندية وارسو للمشاركة في الجلسة المصغرة التي تُعقد على هامش الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ، بمشاركة نظرائه من دول الاتحاد الـ27 والدول المرشحة للعضوية، وفي مقدمتها تركيا.
وتأتي هذه الدعوة الأوروبية لتكرّس مسار التقارب التدريجي بين أنقرة وبروكسل، بعد سنوات من الجمود؛ إذ تُعد المشاركة الحالية استكمالا لحضور مماثل في أغسطس/آب الماضي، حين شارك فيدان للمرة الأولى بعد انقطاع استمر خمس سنوات، في خطوة وُصفت حينها بأنها مؤشر على إعادة فتح قنوات الحوار بين الجانبين.
زخم جديد
بعد سنوات من الفتور والشد والجذب، تشهد العلاقات التركية الأوروبية اليوم محاولات متجددة لإعادة تنشيط قنوات التواصل، في ظل تحولات إقليمية ودولية فرضت واقعية جديدة على الطرفين.
فعلى الرغم من أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي انطلقت رسميا في عام 2005، إلا أنها دخلت في حالة جمود منذ عام 2018، بفعل خلافات مزمنة تتعلق بحقوق الإنسان، وأزمات إقليمية أبرزها ملف شرق المتوسط وقبرص.
وبلغ التوتر ذروته عام 2019 عندما صعّد الاتحاد الأوروبي لهجته ضد أنقرة ملوّحا بعقوبات وتعليق بعض آليات الحوار، عقب المواجهات البحرية بين تركيا واليونان.
غير أن عام 2021 شكّل نقطة تحول نسبية مع عودة الاتصالات الدبلوماسية رفيعة المستوى، ما مهد الطريق لدعوة أنقرة إلى المشاركة في اجتماعات الاتحاد الأوروبي عام 2024 لأول مرة منذ خمس سنوات.
أهمية أمنية
تأتي مشاركة فيدان في اجتماع وارسو غير الرسمي "جيمنيتش" في وقت تعيد فيه أوروبا رسم معادلات أمنها الإقليمي على وقع الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التحديات العالمية.
وبحسب مصادر دبلوماسية تركية تحدثت لوكالة الأناضول، سيعبر فيدان عن استعداد تركيا لتحمل مسؤولية أمن القارة، مشددا على ضرورة إشراك الحلفاء من خارج الاتحاد – مثل تركيا – في مبادرات الأمن الأوروبي، بما فيها تلك الممولة من صندوق الاتحاد الجديد لصناعة الدفاع البالغة قيمته 150 مليار يورو.
وفي هذا السياق، شددت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، التي تتولاها بولندا، على أهمية إشراك تركيا في نقاشات الأمن الإقليمي، مشيرة إلى أن أنقرة، بصفتها ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو ودولة مطلة على البحر الأسود ، تمثل ركيزة يصعب تجاوزها في هندسة المعادلة الأمنية الأوروبية الجديدة.
من جهتها، لا تفوّت أنقرة فرصة تأكيد أن أمن أوروبا "لا يُبنى بدون تركيا"، وهي رسالة كررها الرئيس رجب طيب أردوغان أخيرا حين شدد على أن عضوية الاتحاد لا تزال هدفا إستراتيجيا لبلاده.
تنسيق مشترك
يتصدر ملف الأمن الإقليمي جدول أعمال اجتماع "جيمنيتش" الذي يضم وزراء خارجية الدول الأعضاء والمرشحة. وبحسب المصادر الدبلوماسية، يرى الجانبان في هذا اللقاء فرصة لإعادة تفعيل الحوار واتخاذ خطوات عملية في العلاقات الثنائية، بما يشمل تحريك ملف انضمام تركيا المتعثر.
ومن المنتظر أن يشهد الاجتماع نقاشات معمقة في التحديات الأمنية الخارجية للاتحاد الأوروبي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية ، مع تركيز خاص على سبل تعزيز الجاهزية لمواجهة التهديدات الهجينة، بما فيها الهجمات السيبرانية وحملات التضليل.
وفي هذا السياق، يستعد الوزير التركي هاكان فيدان لطرح ملف "مكافحة الإرهاب" كإحدى ركائز التنسيق بين تركيا وأوروبا، مبرزا كيف تسهم بعض التهديدات الإرهابية في تأجيج الهجمات الهجينة وزعزعة الاستقرار عبر الحدود.
ووفق ذات المصادر، سيؤكد فيدان خلال اللقاء أن بلاده قدّمت مساهمات فعالة في التصدي للتنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن المشترك، وأنها تنتظر من شركائها الأوروبيين مواقف أكثر تجاوبا في هذا المضمار.
ومن المرتقب أن يدعو فيدان إلى تعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية بين أنقرة وبروكسل، ورفع مستوى التنسيق بين الناتو والاتحاد الأوروبي لمجابهة التحديات المتنامية في الفضاء الإلكتروني.
مطالب أنقرة
لا تقتصر أجندة أنقرة في اجتماع وارسو على القضايا الأمنية، بل تتجاوزها إلى المطالبة بخطوات أوروبية ملموسة لإعادة إنعاش مفاوضات الانضمام المجمدة منذ سنوات.
ومن المتوقع أن ينقل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رسالة صريحة إلى نظرائه الأوروبيين مفادها أن استمرار الجمود في مسار العضوية غير مبرر، وأن إعادة بناء الثقة السياسية تتطلب قرارات جريئة تعكس إرادة حقيقية في التعامل مع تركيا كشريك كامل وليس فقط طرفا وظيفيا في الملفات الأمنية.
وتتمثل أبرز المطالب التركية في ثلاثة ملفات رئيسية تعتبرها أنقرة ضرورية لإعادة تحريك العلاقات:
استئناف الحوار المؤسسي.
تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركية.
تسهيل التأشيرات.
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي التركي علي فؤاد جوكش، أن دعوة أنقرة للمشاركة مجددا في اجتماعات الاتحاد الأوروبي لا تعكس تحولا جوهريا في موقف بروكسل من ملف انضمام تركيا، بل تندرج في إطار مقاربة وظيفية تركز على الشراكة الأمنية دون التقدم نحو العضوية الكاملة.
ويوضح جوكش في تصريحات للجزيرة نت، أن هذه المشاركة لا ينبغي أن تُفهم كمؤشر على نية أوروبية حقيقية لإحياء مفاوضات الانضمام، بل هي تعبير عن رغبة الاتحاد في الاستفادة من القدرات العسكرية والدور الجيوسياسي لتركيا، وخاصة في ما يتعلق ببناء الهيكل الأمني الأوروبي.
ويشير جوكش إلى أن هذا النمط من الدعوات يعكس في جوهره محاولة أوروبية لضبط دور تركيا ضمن إطار أمني محدد، وليس لإعادة تقييم علاقتها الإستراتيجية بالاتحاد. ويختم "لا أتوقع أي تطور فعلي في مسار الانضمام، لأن النظرة الأوروبية لا تزال تقتصر على البُعد الأمني دون الانفتاح على شراكة سياسية شاملة".
رهان إستراتيجي
من جانبه، يرى المحلل السياسي مصطفى يتيم، أن مساهمة تركيا في أمن أوروبا ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى عقود طويلة من الشراكة الإستراتيجية في ملفات إقليمية حساسة. ويؤكد أن الدور التركي في مواجهة التهديدات الممتدة من سوريا والعراق إلى شرق المتوسط، وفي مجال مكافحة الإرهاب، يجعل من أنقرة فاعلا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة أمنية أوروبية.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح يتيم أن موقع تركيا الجيوسياسي واكتسابها قوةَ ردع عسكرية معتبرة، إضافة إلى تطورات مثل الحرب الروسية الأوكرانية، واحتمالات تراجع التزامات واشنطن الأمنية في إطار " الناتو"، كلها عوامل تعزز من أهمية تركيا حليفا إستراتيجيا.
وبرأيه، فإن العقبات الحقيقية التي تعرقل تقدم تركيا نحو العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي لا تتعلق فقط بالمعايير الديمقراطية أو سيادة القانون، بل تتصل أيضا باعتبارات سياسية داخل الاتحاد نفسه، في مقدمتها نفوذ اليونان وقضية قبرص، إضافة إلى ما يعتبره "قصورا بنيويا" في قدرة بروكسل على تطوير رؤية إستراتيجية طويلة الأمد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الحرب على غزة مباشر.. إصابة جنود بحدثين أمنيين ومخاوف بإسرائيل من عزلة دولية
في اليوم الـ65 من استئناف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة ، زادت الضغوط الأوربية على إسرائيل فيما يتخوف سياسيون إسرائيليون من عزلة دولية.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
اقتراح أوروبي بتخفيف قيود إعادة طالبي اللجوء
اقترحت المفوضية الأوروبية ، اليوم الثلاثاء، تخفيف قيودها بشأن إعادة طالبي اللجوء، استجابة لدعوات متكررة من الدول الأعضاء لتشديد سياستها المتعلقة بالهجرة. وينص القانون الأوروبي حاليا على أنه يمكن إعادة طالبي اللجوء إلى بلدان لم يأتوا منها، لكنها مصنفة "آمنة" بالنسبة للبلدان الأوروبية المعنية، في حين يتطلب الاقتراح الجديد حتى يدخل حيز التنفيذ، حصوله على موافقة البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك "رابط" كافٍ بين الشخص المعني والبلد الثالث، إذ يجب أن يكون أحد أفراد الأسرة مقيما هناك، أو أن يكون طالب اللجوء -مثلا- قد عمل سابقا في هذا البلد، في حين يقترح الاتحاد الأوروبي حاليا إلغاء شرط "الرابط" هذا، ما من شأنه تسريع عملية الإرجاع. وتثير هذه القضية قلق منظمات غير حكومية ترى أن الإجراء المقترح غير ذي جدوى، إذ تحذر من أنه في حال إرسال طالبي اللجوء إلى بلد ليس لديهم ارتباط به، فإنهم قد يحاولون العودة إلى أوروبا مجددا. وحذرت سارة تشاندر من "مبادرة إكينوكس للعدالة العرقية"، في بيان، من أن " الاتحاد الأوروبي يشوه مفهوم "الأمان" ليناسب أهدافه القمعية"، فيما وصفت جوزفين سولانكي من معهد "ترانسناشونال" هذا المفهوم بأنه "خيال سياسي". وترى هذه المنظمات أن الحكومات الأوروبية ستتعرض هي الأخرى للابتزاز من جانب هذه الدول، التي قد تضع جملة مطالب سياسية ومالية في مقابل استقبال طالبي اللجوء هؤلاء. وترفض المفوضية هذه الانتقادات، مؤكدة أن الهدف الرئيسي من هذا الاقتراح هو تسريع معالجة طلبات اللجوء، وأن البلدان التي ستتم إعادتهم إليها تحترم الحقوق الأساسية. وتتعرض بروكسل لضغوط من الدول الأعضاء لتشديد سياستها المتعلقة بالهجرة، في ظل صعود اليمين بأنحاء القارة. وتتخذ المفوضية الأوروبية خُطا سريعة في هذا الشأن، إذ كشفت في منتصف مارس/آذار الماضي عن تدابير أولية لتسريع عملية طرد المهاجرين غير النظاميين. وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت إطارا قانونيا لإنشاء مراكز للمهاجرين خارج حدودها، أُطلق عليها اسم "مراكز العودة". وتأتي الدعوات إلى فرض سياسة أكثر صرامة بشأن الهجرة في الاتحاد الأوروبي، في وقت انخفض عدد المهاجرين غير النظاميين عبر حدود الاتحاد بشكل كبير. وفي العام 2024، وصل عدد هؤلاء إلى أدنى مستوى له منذ عام 2021، عندما كانت تدفقات الهجرة لا تزال ضعيفة بسبب جائحة كورونا، وفق بيانات الوكالة الأوروبية "فرونتكس"، ووكالة الصحافة الفرنسية.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
3 نجاحات استثنائية لأردوغان
شهدت تركيا في الأسبوع الماضي حركة غير مسبوقة في تاريخها. فقد أمضى الدبلوماسيون والصحفيون ورجال الأمن والمسؤولون الرسميون ليالي بلا نوم، وعانوا من إرهاق شديد أنهك قواهم. وبصفتي صحفيًا حاول أن يواكب كل ما جرى، ويكتب المقالات، ويُفسّر الأحداث التي عرضت على الشاشات ليل نهار، نالني نصيبي من هذا الأسبوع المذهل على هيئة تعبٍ شديد. كانت التطورات سريعة إلى حد أن ما نكتبه من مقالات، أو ما ننشره من مشاركات، كان يفقد راهنيته في غضون ساعات قليلة. لعل هذا ما دفع القنوات التلفزيونية إلى التخلّي عن إعداد التقارير الخبرية، واللجوء عوضًا عن ذلك إلى البثّ المباشر المتواصل، حيث راحوا يربطون المراسلين بالأحداث ليرووها لحظة بلحظة. كيف شارك أردوغان في اجتماع الرياض؟ كان العالم بأسره يترقب زيارة ترامب التاريخية لثلاث دول خليجية، وكان الإعلام التركي يغطي التطورات على رأس كل ساعة. لكن عندما أُعلن فجأة عن لقاء سيُعقد بين ترامب وأحمد الشرع، تحوّلت الأنظار كلها إلى الرياض. وكأنّ ذلك لم يكن كافيًا، فقد أُعلن أيضًا عن انضمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وترامب، والشَرع، مما جعل من هذا الحدث محور اهتمام عالمي. في تلك الأثناء، كانت وزارات خارجية 32 دولةً عضوًا في حلف الناتو تعقد اجتماعًا في أنطاليا، وحين وصل خبر اللقاء الرباعي إلى هواتفهم المحمولة، كتب المساعدون ملاحظات خاصة وأبلغوا الوزراء به. فبدأت مئات القنوات التلفزيونية، المتواجدة هناك، بتحويل تغطيتها من أنطاليا إلى الرياض. سألتُ مسؤولًا رفيع المستوى يتابع مجريات اللقاء عن كيفية انضمام أردوغان للاجتماع، فأجابني: "ولي العهد السعودي هو من دعا أردوغان إلى الاجتماع. في الواقع، كان أردوغان يودّ الحضور إلى الرياض شخصيًا، لكن لأسبابٍ لوجيستية لم يكن ذلك ممكنًا، فشارك عبر نظام الاتصال المرئي". اللقاء الرباعي يُغضب إسرائيل بشدة يحمل هذا الاجتماع الرباعي في الرياض أهمية مصيرية لمستقبل سوريا. فالرجل الذي كان رأسه مطلوبًا سابقًا، بات يجلس أمام ترامب بوصفه رئيس دولة، وقد أصبح فاعلًا جديدًا في معادلة متغيرة بالمنطقة، وهذا التحول قد تمّ تثبيته بالفعل. في الحقيقة، من منح الشرع هذا الموقع الفريد، وأوصله إلى موقع الندّ لترامب، هما القائدان المشاركان في الاجتماع: محمد بن سلمان، ورجب طيب أردوغان. فلو لم تقدّم السعودية وتركيا هذا القدر من الدعم لسوريا، لما وافق ترامب على اللقاء. ومن هذا نفهم أنّ تحالف السعودية وتركيا قادر على حلّ مشاكل المنطقة. وقد انعكست أصداء هذا اللقاء بهتافات فرح في سوريا، وفخر في تركيا والسعودية، وغضب في إسرائيل. إذ تلقّت إسرائيل، التي كانت تخطّط لتقسيم سوريا وابتلاعها تدريجيًا، كلمات ترامب بشأن الشرع كصفعة مدوّية: "شاب، وسيم، حازم، ومقاتل…". وخلال اللقاء، قال ترامب للقادة الثلاثة: "سأطلب من إسرائيل أن تكف عن سلوكها العدائي تجاه سوريا وأن تلتزم التهدئة". أما الإعلام الإسرائيلي، فقد أفاض في نشر كل الكلمات القاسية التي كان نتنياهو يتمنّى لو قالها لترامب. ويا للأسف، فقد صبّت إسرائيل غضبها من هذا اللقاء في غزة، حيث قتلت مئات الفلسطينيين الأبرياء، وبدأت من جديد عملية احتلال مادي للأرض. عجز مليشيا YPG سيصيب إسرائيل بالذعر أكثر ما كانت تتحسّس منه تركيا هو رفض مليشيا YPG تسليم أسلحتها داخل سوريا، وإخلالها بالاتفاق المبرم مع دمشق. والسبب الوحيد وراء رفض YPG التخلي عن السلاح بينما يتخلى عنه حزب العمال الكردستاني (PKK)، هو الدعم الإسرائيلي لهم. وفي الاجتماع الرباعي، التفت ترامب إلى الشرع قائلًا: "تسلّم أنت السيطرة على سجون ومخيمات الدواعش، وسيد أردوغان، نرجو منكم دعم دمشق في هذا الأمر". مع أنّ هذا الموضوع لم يكن مطروحًا ضمن أجندة الاجتماع، إلا أنّ ترامب فتحه بنفسه. والمعنى من ذلك أنّ ذريعة دعم قوات سوريا الديمقراطية (YPG)، بالسلاح والمال، كانت محاربة تنظيم الدولة. فالمليشيا كانت تتولى إدارة تلك السجون والمخيمات، وتحصل بذلك من الولايات المتحدة على 142 مليون دولار سنويًا من الأموال والأسلحة. ومع زوال هذه المهمة، ستصبح YPG بلا دور، وستنقطع عنها المساعدات الأميركية، ولن تجد بدًا من الاندماج في الدولة السورية. وقد استقبل كلّ من أردوغان والشرع هذا التفاهم بارتياح كبير. وختم المسؤول التركي الذي قدّم هذه المعلومات قائلًا: "ستحزن إسرائيل كثيرًا من هذا، ونحن بدورنا نتحلى بالحذر. وغالبًا ما تكون اللوبيات الإسرائيلية قد بدأت العمل بالفعل لتغيير هذا القرار". لماذا لم يأتِ بوتين؟ فيما كنا نتابع المباحثات المتعلقة بسوريا في الرياض، دخل الرئيس الأوكراني زيلينسكي الأجواء التركية على متن طائرة خاصة متجهًا مباشرة إلى أنقرة. وكان ترامب في ذلك الوقت يصرّح من الرياض والإمارات قائلًا: "إن حضر بوتين، فأنا أيضًا سأحضر". وقد بذلت تركيا جهودًا كبيرة لإقناع بوتين بالحضور، لكنه أصرّ كعادته على موقفه، ورفض المشاركة في الاجتماع الذي فُرض عليه فرضًا من قبل زيلينسكي. وقد التقى زيلينسكي بأردوغان في أنقرة، ثم قرّر عدم المشاركة في المباحثات الروسية- الأوكرانية في إسطنبول، قبل أن يُقنعه أردوغان والمسؤولون الأتراك بالعدول عن قراره. فاجتمعت الوفود في قصر دولما بهتشه بإسطنبول، بعد أن أُنهك وزير الخارجية هاكان فيدان من اجتماعات أنطاليا، وانضم إليه رئيس الاستخبارات إبراهيم كالن، الذي كان لاعبًا رئيسًا في كواليس كل هذه الأحداث. لم يُتوصل إلى وقف إطلاق النار خلال الاجتماع، لكن تمّ الاتفاق على تبادل ألف أسير بين الطرفين، وهو ما ستساهم تركيا في إنجازه. وقد هيّأ هذا الاجتماع الأرضية المناسبة للقاء القادة لاحقًا. سألتُ مسؤولًا مطّلعًا: لماذا لم يأتِ بوتين؟ فقال: "بصراحة، شعرنا ببعض الانزعاج لعدم حضوره. فقد بذلنا جهودًا كبيرة لحلّ هذه الأزمة. لكن بوتين لا يريد لقاء زيلينسكي، بل يريد التوصل إلى اتفاق مع الغرب. وسيبدأ ذلك بالاجتماع مع ترامب أولًا، ثم التوافق على شروط الاتفاق مع الغرب، وبعدها يبحث السلام مع أوكرانيا. ولو حضر إلى إسطنبول ووجد ترامب هناك، لكان مضطرًا لتوقيع اتفاق لا يريده. كما أنّ فرض زيلينسكي للأمر الواقع قد أغضبه كثيرًا". غزة.. الحزن الوحيد المتبقي بينما لم تكن المباحثات بين أوكرانيا وروسيا قد انتهت بعد، انطلقت في إسطنبول مباحثات أخرى بشأن البرنامج النووي الإيراني داخل مبنى القنصلية الإيرانية التاريخي، وشاركت فيها وفود من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيران، لمناقشة التهديدات التي كان ترامب يوجّهها لإيران من حين لآخر. لكن وسط كل هذه التطورات المتسارعة، بقيت هذه المباحثات في الظل. وبعد انتهاء جولته الخليجية، عاد ترامب إلى أميركا حاملًا في جعبته اتفاقات جعلته سعيدًا، وصرّح قائلًا: "طلب مني أحد القادة الثلاثة في الخليج أن أتدخّل، لأن الناس يموتون جوعًا في غزة". في تركيا، سعيت لمعرفة إن كان اجتماع أردوغان في الرياض قد أسفر عن قرار بخصوص غزة. وقد علمت أنّ أردوغان طرح موضوع غزة، لكن ترامب لم يصدر قرارًا واضحًا بشأنها. وما إن انتهت زيارة ترامب، حتى بدأت إسرائيل عدوانًا شاملًا على غزة بكل وحشيتها، متحدّية بذلك ترامب والعالم بأسره. ويا للأسى، فقد كانت غزة، وسط كل تلك اللقاءات الرامية للسلام، الموضوع الحزين الوحيد الذي بقي بلا حلّ.