
هل تعتمد ليبيا "تجربة رواندا" لنزع السلاح المتفلت؟
أكدت البعثة الأممية للدعم في ليبيا مساء الأحد أن المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، وبالتعاون مع البعثة "شكل لجنة هدنة برئاسة رئيس الأركان محمد الحداد بالبناء على التهدئة الهشة التي جرى التوصل إليها الأسبوع الماضي" بعد الاشتباكات التي شهدتها مدينة طرابلس.
وشدد رئيس المجلس الرئاسي والقائد الأعلى للجيش الليبي محمد المنفي، على ضرورة العمل المشترك بين كل الأطراف العسكرية والأمنية لضمان عدم تكرار الأحداث الأخيرة والحفاظ على الأمن العام، مؤكداً أهمية دور المؤسسة العسكرية في حماية المواطنين وضبط الأوضاع بما يخدم مسار الاستقرار السياسي والأمني، وذلك إثر اجتماع للمجلس الرئاسي مع المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، مساء الأحد، خصص لبحث سبل التعامل مع تداعيات التطورات الأخيرة التي شهدتها العاصمة طرابلس وإطلاق آلية لتثبيت الهدنة ودعم ترتيبات أمنية تفضي إلى تهدئة دائمة وتعزيز الاستقرار.
وشهدت العاصمة طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية اشتباكات مسلحة بين اللواء 444 التابع لحكومة "الوحدة الوطنية" برئاسة عبدالحميد وعناصر من جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب الموالي للمجلس الرئاسي الذي يقوده محمد المنفي، أعمالاً مسلحة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وتدمير في الممتلكات الخاصة والعامة.
نزع السلاح
وللتخلص من الميليشيات المسلحة في ليبيا التي يناهز عددها 300 ميليشيا، في حين يصل عدد قطع السلاح الموجودة خارج الشرعية الأمنية إلى 29 مليون قطعة وفق تقارير أممية، يرى مراقبون أن ليبيا باتت بحاجة إلى تطبيق "تجربة رواندا" التي تبنت برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المعروف ببرنامج DDR.
وأشرفت الأمم المتحدة على تنفيذ عدد من مهام نزع السلاح في دول عدة على غرار رواندا التي عاشت حرباً أهلية في تسعينيات القرن الماضي. ولضمان نجاح خطة حل الميليشيات في ليبيا، يقول المتخصص بالشأن العسكري العميد عادل عبدالكافي، إن "تحقيق هذا الهدف رهن الإرادة الدولية باعتبار أن برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المعروف ببرنامج DDR، لا يمكن أن تنفذه إلا الأمم المتحدة، مؤكداً أن استقرار الدولة وأمنها هما نتيجة جمع السلاح وإدماج جميع التشكيلات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تشكلت بعد انتفاضة فبراير (شباط) عام 2011، فهناك سلاح منتشر وانقسام عسكري داخل الأراضي الليبية أديا إلى حالة من التفلت عند الحدود الليبية".
ويؤكد العميد الليبي لـ"اندبندنت عربية" أن أولى خطوات بناء الدولة تبدأ بعملية إعادة جمع الأسلحة وإدماج العناصر المسلحة، بمؤسسات الدولة، منوهاً بأن هذا الأمر يرتكز على عوامل رئيسة، أولها إعادة التأهيل وبخاصة للعناصر التي لم ترتكب جرائم حرب أو أسهمت في نهب المال العام، لأن هذا الموضوع من اختصاص القضاء وهو الذي يفصل في مثل هذه الأمور.
عقد مصالحة
ويرى أنه في الحال الليبية هناك بعض التشكيلات المسلحة التي فرضت نفسها على بعض الوزارات والوزراء، وتغولت في إدارات الدولة وأصبح لها صلاحيات، مستفيدة من قرارات شرعنتها الصادرة عن المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وهو أمر ينطبق على الشرق والغرب والجنوب.
ويقول عبدالكافي إن أولى الخطوات تكون عبر عقد مصالحة والجلوس مع قادة الميليشيات، ثم تُدمج العناصر الصالحون منهم في مؤسسات الدولة عبر إعادة تأهيل عناصرها من خلال الهيكلية الهرمية للجهاز الأمني أو القوات العسكرية، مضيفاً أن إعادة الإدماج تبدأ بعملية جمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من أجل أن يكون هناك تكوين لوحدات عسكرية وأمنية تعمل بمهنية بعيداً من سطوة السلاح، ويتابع "إذا قبل قادة هذه الميليشيات المسلحة وعناصرها الاندماج الفعلي بإدارات الدولة، سواء كانت أجهزة أمنية أو عسكرية، ثم خضوعهم لعملية إعادة التأهيل التي ستتولاها الأمم المتحدة، وقتها ستنتهي عملية انتشار السلاح وستتفكك هذه التشكيلات".
عقبات
ويقول المحلل السياسي إبراهيم لاصيفر إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج اللبنة الأولى لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا، ويستدرك قائلاً إن عملية دخول السلاح إلى البلد بطريقة غير شرعية على رغم فرض حظر الأسلحة على ليبيا منذ عام 2011 وفق القرار رقم 2292، هي العقبة الكبرى أمام تطبيق برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في ليبيا.
ويؤكد أن عملية "إيرني" فشلت في تطبيق القرار رقم 2292 القاضي بفرض حظر توريد السلاح إلى ليبيا، إذ سبق ووجدت صواريخ "جافلن" في غريان خلال حرب قائد قوات الشرق خليفة حفتر على طرابلس عام 2019، موضحاً أن تركيا وروسيا متورطتان في تزويد أطراف الصراع الليبي بالسلاح وخرق قرار حظر توريد الأسلحة المفروض على ليبيا، معتبراً أن الذهاب نحو نزع السلاح لن ينجح في ظل استمرار دخول الأسلحة إلى ليبيا بطريقة غير شرعية.
ويرى أن "عملية تذويب الميليشيات في ليبيا ضرورة حتمية ليس للعملية السياسية فقط، بل هي واجب إنساني يجب أن يتكفل به المجتمع الدولي، لأن السلاح في ليبيا معضلة دولية قبل أن تكون ليبية، فعملية نزع السلاح هي منظومة كاملة يجب تطبيقها بحذافيرها"، ورأى أنه "من المفترض أن تكون في سياق برنامج متكامل لا ضمن عملية جزئية أو نوعية، لأن أي خلل أو قصور قد يحول المشكلة إلى اجتماعية".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المراحل
ويقول لاصيفر إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج يجب أن تمر بثلاث مراحل مهمة، أولاها تطبيق قرار منع دخول الأسلحة إلى ليبيا لأن ما يحدث الآن وحتى مع قرار مجلس الأمن رقم 2292، القاضي بفرض حظر الأسلحة على ليبيا، ما هو إلا حبر على ورق، فتدفق السلاح لم يتوقف من خارج ليبيا إلى داخلها. أما المرحلة الثانية لنجاح برنامج نزع السلاح فتتمثل بإيجاد جسم تنفيذي عبر تشكيل حكومة غرضها الرئيس نزع السلاح وتكون لها قوات أمنية أقوى من هذه الميليشيات.
ويتابع أن المرحلة الثالثة تتمثل في تغيير مهام بعثة الأمم المتحدة من بعثة للدعم إلى بعثة إدارة أزمة مثلما حدث في رواندا، وتكون البعثة الأممية مزودة بعناصر القبعات الزرقاء وهي قوات فض النزاع، تضبط العنف ويكون الحكم بيد قوة شرعية دولية.
ويوضح لاصيفر أن "المجموعات المسلحة لا تعد فقط حاضنة مسلحة بل أصبحت حاضنة اجتماعية واقتصادية، فهناك أفراد من المجتمع الليبي تعتمد على هذه الميليشيات المسلحة، وليس لها مورد رزق سوى المرتب الذي تحصل عليه من العمل لصالح تلك المجموعات".
ويوصي لاصيفر بمعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لحل هذه الميليشيات، بحيث يجب توفير بدائل وظيفية لعناصر هذه المجموعات المسلحة التي لا تصلح للالتحاق بمؤسسات الدولة مثل دعم المشاريع الصغرى وتنمية الاقتصاد، وهذه مشاريع يجب تمويلها من المجتمع الدولي. "فمن يقاتل في صفوف هذه الميليشيات هو من فئة الشباب العاطل عن العمل، لأن الدولة عاجزة عن استيعاب هذا الكم من الشباب، والقطاع الخاص غير منظم، الأمر الذي دفع كثيراً منهم للتوجه إلى هذه المجموعات المسلحة من أجل لقمة العيش، فما يجري في ليبيا ليس أمراً جديداً على العالم، والمجتمع الدولي نجح في احتواء هذه الظواهر في دول عدة، مثل أنغولا والبوسنة والهرسك ورواندا، وهو يملك الأدوات الضرورية لمعالجة هذا الأمر، لكن ما يحدث بالبلد هو ارتداد للانقسام الدولي حول ليبيا".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الحدث
منذ ساعة واحدة
- الحدث
السعودية تتصدر جهود مكافحة الفساد عالميًا برئاستها لاجتماع "غلوب إي" في أذربيجان
ترأست المملكة العربية السعودية، ممثلة بهيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)، الاجتماع العام السادس لشبكة العمليات العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد (GlobE Network)، والذي عُقد في جمهورية أذربيجان خلال الفترة من 22 إلى 24 ذي القعدة 1446هـ. وقد ترأس الوفد السعودي معالي رئيس الهيئة، الأستاذ مازن بن إبراهيم الكهموس. في كلمته الافتتاحية، أعرب معالي الكهموس عن شكره لأذربيجان على الاستضافة، ولمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ممثلاً بأمانة شبكة GlobE، على جهودهم في دعم أعمال الشبكة. كما أشاد بإسهامات الدول الأعضاء في تحقيق رؤية الشبكة الطموحة وتعزيز فعاليتها في مكافحة الفساد. أكد معاليه على حرص المملكة على تعزيز قنوات التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، بما في ذلك إنشاء آليات مشتركة وتبادل الخبرات لملاحقة الفاسدين، وتتبع واسترداد الأموال المتحصلة من جرائم الفساد. هذا التوجه يعكس التزام القيادة السعودية الراسخ بمبادئ النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، ويدعم دور المملكة المحوري في الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة. ونوّه الكهموس إلى استفادة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد من تعاونها الفعال مع شبكة GlobE في تبادل المعلومات، مما ساهم في سرعة وكفاءة معالجة العديد من القضايا، بالإضافة إلى الاستفادة من برامج بناء القدرات القيمة التي تقدمها الشبكة. ودعا معاليه في ختام كلمته جميع الدول الأعضاء إلى تعزيز التعاون الدولي، مؤكدًا أن التصدي لجرائم الفساد العابرة للحدود يتطلب تضافر الجهود وتكاتفها تحت مظلة الأمم المتحدة ممثلة بشبكة GlobE. من جانبه، ألقى سعادة وكيل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ورئيس اللجنة التوجيهية لشبكة GlobE، الدكتور ناصر بن أحمد أبا الخيل، كلمة أكد فيها أن الشبكة أصبحت جسرًا مهمًا يربط بين 235 جهازًا لمكافحة الفساد ومنظمة دولية في أكثر من 126 دولة. وأشار إلى أن الاجتماع يهدف إلى تعزيز قدرة الحكومات على التصدي للتحديات المستجدة في مجال مكافحة الفساد، وتحسين آليات استرداد الأصول المنهوبة، وتتبع الأموال غير المشروعة العابرة للحدود بفعالية أكبر، ويوفر فرصة لتبادل المعلومات والخبرات. تُعد شبكة GlobE Network مبادرة أطلقتها المملكة العربية السعودية خلال اجتماع قمة مجموعة العشرين (G20) عام 2020، واعتمدتها الأمم المتحدة رسميًا في 17 ديسمبر 2021. وقد حظيت المبادرة بإشادة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لدور المملكة في تأسيسها. انضم للشبكة خلال السنوات الثلاث الماضية 235 جهاز مكافحة فساد ومنظمة دولية وأكثر من 126 دولة، مما يؤكد نجاح المبادرة. تسلّمت المملكة رئاسة شبكة GlobE للفترة (2025-2027) في فبراير 2025 بمقر الأمم المتحدة في فيينا، بعد فوز ممثل المملكة، الدكتور ناصر بن أحمد أبا الخيل، بالإجماع في انتخابات الرئاسة خلال الاجتماع الذي عُقد في بكين سبتمبر 2024. يعكس فوز المملكة توجيهات القيادة بأن تكون نموذجًا رائدًا في مكافحة الفساد، وثقة المجتمع الدولي بجهودها في مكافحة جرائم الفساد العابرة للحدود، والحد من الملاذات الآمنة للفاسدين وأموالهم، وتطوير الأدوات اللازمة لمواجهة أنماط الجرائم المستجدة.


حضرموت نت
منذ 2 ساعات
- حضرموت نت
اخبار اليمن : تحذيرات من مجاعة في اليمن عشية اجتماع ''انساني'' يعقد في بروكسل
ينعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل غدا (21 مايو) الاجتماع السنوي السابع لكبار المسؤولين الإنسانيين بشأن اليمن برئاسة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي لا يزال اليمن يقف على حافة الهاوية. وتهدد التقليصات المفاجئة للمساعدات شريان الحياة الذي يعتمد عليه ملايين اليمنيين، وسط تحذيرات دولية من ظهور جيوب مجاعة وتفشي الفقر والمرض. ولا يزال الصراع والانهيار الاقتصادي والصدمات المناخية تتسبّب باستمرار الاحتياجات، وتتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر لتداعيات الأزمة. وقالت مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالإنابة في اليمن روزاريا برونو في بيان صحفي: 'لا يمكننا أن نستسلم ولن نفعل ذلك.. يجب أن نتكاتف ونعمل معاً- الشركاء اليمنيين في الخطوط الأمامية للاستجابة الإنسانية، والمنظمات غير الحكومية الدولية، ووكالات الأمم المتحدة، والمانحين- لإنقاذ الأرواح'. وأجبرت التقليصات الحادة في التمويل وكالات الإغاثة في اليمن على تقليص مساعدات حيوية. ويدعو مجتمع العمل الإنساني لتوفير 1.4 مليار دولار لدعم 8.8 مليون شخص خلال ما تبقى من العام الجاري. وحتى 13 مايو الجاري، لم تموّل خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن ٢٠٢٥ سوى ٩%، حيث تم استلام ٢٢٢ مليون دولار من إجمالي الاحتياجات البالغة ٢.٥ مليار دولار. وهذا أقل مستوى تغطية تمويلية منذ أكثر من عقد. وتعني تقليصات التمويل أن ملايين اليمنيين لم يعودوا يتلقون المساعدات الإنسانية التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة. وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن في تقرير أنه بدون زيادة التمويل بشكل عاجل، فإن 771 مرفقاً صحياً سيتوقف عن العمل ما سيترك نحو 7 ملايين شخص بدون رعاية صحية أساسية. ومن الممكن أن تضطر خدمات الأمم المتحدة للنقل الجوي الإنساني إلى تعليق عملياتها بحلول أغسطس، ما سيؤثّر على تنقلات العاملين في المجال الإنساني ضمن نطاق اليمن وإليها. وحذّر المكتب الأممي: 'بدون زيادة التمويل بشكل عاجل فإن 6 ملايين يمني سيعانون من الجوع الشديد، ومن الممكن أن تظهر جيوب سكانية تعاني من المجاعة في الأشهر القادمة'. وقد يترك 1.4 مليون طفل مدارسهم، ما يزيد من تعرّض الأطفال لمخاطر تهديدات الحماية ويعرّض مستقبلهم للخطر. وسيحرم نقص التمويل 870 ألف شخص ضعيف من الحصول على المساعدات النقدية، ما سيجبر الأسر على تقليل وجبات الطعام واللجوء إلى استراتيجيات التكيف السلبية الأخرى. وأكدت الأمم المتحدة أنه رغم الصعوبات، يبذل العاملون في المجال الإنساني- خاصةً المنظمات غير الحكومية اليمنية- كل ما في وسعهم بما لديهم من تمويل. وأشارت إلى أنه 'بالدعم المقدم من المانحين، نحن نكافح الجوع وسوء التغذية، والأمراض والنزوح، ونقدم الحماية، والتعليم، والمأوى، والمواد غير الغذائية، والمياه النظيفة'. وشدّدت على الحاجة إلى الدعم العاجل لمواصلة العمل، بما في ذلك التمويل المرن والمنتظم، وأهم من ذلك كله، 'يحتاج اليمنيون إلى فرصة للتعافي، ويحتاجون إلى السلام'.


صحيفة سبق
منذ 3 ساعات
- صحيفة سبق
إنذار أممي كارثي.. 14 ألف طفل يواجهون الموت بغزة خلال 48 ساعة إذا لم تصلهم مساعدات
أطلقت منظمة الأمم المتحدة ناقوس الخطر، محذرة اليوم (الثلاثاء) من كارثة إنسانية وشيكة قد تودي بحياة 14 ألف طفل في قطاع غزة خلال الـ 48 ساعة القادمة، إذا لم تصل المساعدات الضرورية على الفور، وهذا التحذير المروع يأتي في سياق حصار إسرائيلي خانق، أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية ونقص حاد في الغذاء والدواء، مما ينذر بمجاعة واسعة النطاق، وقد دفع الضغط الدولي المتزايد، خصوصًا من الولايات المتحدة، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإعلان عن تخفيف طفيف لهذا الحصار، في محاولة لتجنب أزمة تجويع شاملة تفاقم اجتياح إسرائيل لغزة وتضعها في مواجهة عقوبات محتملة من قوى غربية كبرى. وفي تصريحات صادمة لبرنامج "توداي" على إذاعة بي بي سي راديو 4، كشف توم فليتشر رئيس الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، عن أن الكمية الضئيلة من المساعدات التي سمحت بها إسرائيل بالدخول إلى غزة لا تمثل سوى كمية ضئيلة للغاية من الاحتياجات الهائلة للسكان، وأوضح فليتشر أن خمس شاحنات فقط من المساعدات دخلت غزة يوم أمس، وهو رقم لا يفي بأدنى المتطلبات الملحة لسكان القطاع الذين يعانون نقصًا حادًا في كل شيء، وأكد أن هذه الشاحنات، التي تحمل أغذية ومغذيات للأطفال، بقيت عالقة على الجانب الآخر من الحدود ولم تتمكن من الوصول إلى المدنيين الذين هم بأمس الحاجة إليها، وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية. ولم يتردد فليتشر في التحذير من أن 14 ألف طفل قد يلقون حتفهم في غضون 48 ساعة فقط إذا لم تصل المساعدات إليهم في الوقت المناسب، وقال بلهجة حاسمة : "أريد إنقاذ أكبر عدد ممكن من هؤلاء الـ 14 ألف طفل في الـ 48 ساعة القادمة"، وعند سؤاله عن كيفية توصل الأمم المتحدة إلى هذا الرقم المفزع، أكد أن فرق الأمم المتحدة الميدانية، على الرغم من تعرض الكثير من أفرادها للقتل، لا تزال تعمل بجد في المراكز الطبية والمدارس لتقييم الاحتياجات الإنسانية الملحة. ضغط دولي وتندرج التحذيرات الأممية في إطار تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل، فقد أعلن نتنياهو عن تخفيف طفيف للحصار بعد مخاوف جدية من قِبل حلفاء رئيسيين، على رأسهم أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيون، الذين عبّروا عن قلقهم البالغ من صور الجوع الجماعي، التي تخرج من غزة، ملوحين باحتمال سحب الدعم إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، وفي هذا السياق، تبرز تهديدات المملكة المتحدة وفرنسا وكندا بفرض عقوبات على إسرائيل في حال لم يتم تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ. وفرضت إسرائيل حصارها الشامل على غزة في أوائل مارس، قاطعة جميع الإمدادات بما في ذلك الغذاء والدواء والمأوى والوقود، وقد أدان المجتمع الدولي هذا الإجراء على نطاق واسع باعتباره عقابًا جماعيًا للسكان المدنيين في القطاع، وعلى الرغم من أن إسرائيل زعمت أن الهدف من الحصار هو الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن، إلا أن تداعياته الإنسانية كانت كارثية، فنتيجة لهذا الحصار، أغلقت معظم المطابخ المجتمعية أبوابها، وأصبحت الخضراوات واللحوم إما غير متاحة وإما باهظة الثمن. وأفادت منظمة الصحة العالمية أمس بأن مليوني شخص يتضورون جوعًا في قطاع غزة، بينما تتكدس أطنان من المساعدات الغذائية عند الحدود، دون أن تجد طريقها إلى من هم بأمس الحاجة إليها. وبعد أن سمحت إسرائيل بدخول خمس شاحنات فقط من المساعدات أمس، أكدت الأمم المتحدة اليوم أنها حصلت على إذن لإرسال نحو 100 شاحنة مساعدات إلى غزة، وعلى الرغم من أن هذا العدد يمثل زيادة عن الأيام السابقة، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن المتوسط اليومي الذي كان يدخل القطاع قبل الحرب، والذي بلغ 500 شاحنة. ويُطرح السؤال بإلحاح : هل ستكون هذه الزيادة الطفيفة في أعداد الشاحنات كافية لتجنب كارثة موت 14 ألف طفل في الأيام القادمة، وهل سيكفي الضغط الدولي المستمر لدفع إسرائيل لرفع هذا الحصار الظالم والسماح بتدفق المساعدات بشكل يلبي احتياجات السكان المدنيين اليائسين؟