logo
ماذا تكشف لوحات فان غوخ النادرة بشأن اضطرابه الداخلي؟

ماذا تكشف لوحات فان غوخ النادرة بشأن اضطرابه الداخلي؟

النهار٢٠-٠٢-٢٠٢٥

يعرض معرض كورتولد في لندن لوحتين لفنسنت فان غوخ، رسمهما خلال واحدة من أكثر الفترات اضطراباً في حياته، وذلك في أول خروج لهما من سويسرا منذ أكثر من قرن. تحمل اللوحتان عنوان "جناح المستشفى في آرل" و"فناء المستشفى في آرل"، وكلاهما رسم عام 1889، وتقدّمان لمحة نادرة عن حياة الفنان أثناء تعافيه بعد أن قطع أذنه في 23 كانون الأول/ديسمبر 1888.
أثارت هذه الفترة الكثير من التكهنات بين مؤرخي الفن حول الحالة الذهنية لفان غوخ في ذلك الوقت، وطُرحت العديد من الأسباب المحتملة لانهياره النفسي على مدار السنوات. هل أصيب بالاضطراب بسبب خطوبة شقيقه ثيو، كما ورد في رسالة تلقاها في ذلك اليوم؟ أم أنه كان يحاول إسكات الهلوسات السمعية التي وصفها بأنها "لا تُحتمل"؟ أم أنه كان يعاني أعراض انسحاب الكحول؟
كان العام الذي سبق الحادثة عاماً حافلاً بالإنتاج الفني؛ فقد رسم فان غوخ العديد من أشهر لوحاته بعد انتقاله إلى مدينة آرل جنوب فرنسا في شباط/فبراير 1888. ومع ذلك، شهدت تلك الفترة أيضاً تدهور علاقته مع زميله الفنان بول غوغان، بالإضافة إلى نوبات متكررة من الذهان انتهت بفعل التشويه الذاتي لأذنه، وهو الحدث الذي لم يتذكره بعد وقوعه.
في اليوم التالي، 24 كانون الأول/ديسمبر، أُدخل فان غوخ إلى مستشفى "أوتيل ديو سان إيسبري"، حيث مكث في البداية لمدّة أسبوعين، ثم خضع لفترات علاج أخرى لاحقاً. وفي أيار/مايو، قرر إدخال نفسه طوعاً إلى مستشفى للأمراض النفسية في سان ريمي دي بروفانس، حيث بقي لمدة عام كامل. خلال فترة التعافي الأولى قبل انتقاله إلى سان ريمي، رسم فان غوخ بعض البورتريهات الذاتية، وصوراً لطبيبه وأصدقائه، بالإضافة إلى لوحات عدّة للطبيعة الصامتة ومشاهد للطبيعة المحلية.
"جناح في مستشفى آرل" (1889) بريشة فان غوخ.
كما أنجز لوحتين لمحيطه داخل المستشفى، وهما فريدتان في تقديمهما نظرة على تجربته أثناء العلاج. كان من المهم شخصيّاً للفنان أن يواصل العمل أثناء علاجه، وقد أعرب عن إحباطه في رسالة إلى شقيقته فيليمين قائلاً: "لم تكن حياتي هادئة بما يكفي، كل هذه الانتكاسات والمضايقات والتغييرات تعني أنني لا أتطور بشكل عضوي وكامل في مسيرتي الفنية".
إحدى هاتين اللوحتين، "جناح المستشفى في آرل"، تصوّر الجناح الذي أقام فيه فان غوخ داخل مستشفى "أوتيل ديو سان إيسبري"، وقد رسمها بين منتصف وأواخر نيسان/أبريل 1889. تُظهر اللوحة الممرّ الطويل المبطّن بالأسرّة، ويبالغ فان غوخ في تمديد المساحة، مما يجعل الأرضية تبدو وكأنها تميل إلى الأعلى، وهو أسلوب معروف لديه لإحداث تأثير بصري غير مستقر، وفق ما أورد تقرير لـ" آرت نت".
يركّز المشهد الرئيسي في مقدمة اللوحة على مجموعة من الرجال متجمعين حول موقد، بينما تقترب راهبتان ممرضتان من الخلف. ولكن هذا الجزء من التكوين أُضيف لاحقاً عندما أعاد فان غوخ العمل على اللوحة بعد ستة أشهر، في تشرين الأول/أكتوبر. هناك كرسي فارغ في الجانب الأيسر، وهو صدى لعملين آخرين من عام 1888، أحدهما كرسي فان غوخ المعروض في المعرض الوطني بلندن، والآخر غرفة نومه في آرل الموجودة في متحف فان غوخ بأمستردام.
بُني مستشفى "أوتيل ديو سان إيسبري" عام 1573، وكان يحتوي على أروقة على الطراز القوطي وحديقة مزهرة لفتت انتباه فان غوخ بعد دخوله المستشفى، وفق "آرت نت". وعلى الرغم من أنّ "فناء المستشفى في آرل" تصور مشهداً خارجيّاً على عكس جناح المستشفى، إلا أنّ المساحة المسوّرة تمنح إحساساً مماثلاً بالاحتواء. ويمكن رؤية راهبة تمشي على أطراف الحديقة، بينما يتجمّع المرضى الآخرون في الشرفات العلوية.
في رسالة إلى شقيقته فيليمين، وصف فان غوخ فناء المستشفى في آرل بأنه مليء بـ"الخضرة الربيعية"، لكنه أشار أيضاً إلى دلالة قاتمة، كاتباً: "ثلاثة جذوع أشجار داكنة وحزينة تمرّ عبر اللوحة كالأفاعي، وفي المقدّمة أربعة شجيرات داكنة وكئيبة".
ومن اللافت أن فان غوخ لم يرسل هاتين اللوحتين إلى شقيقه ثيو كما كان يفعل عادةً، بل أخذها معه عند انتقاله إلى مستشفى سان ريمي في أيار/مايو. وقد تكهن القيمون على معرض كورتولد بأنّ الفنان ربما كان يأمل في تزيين غرفته الجديدة هناك، أو إظهار للأطباء أنه سُمح له بمواصلة الرسم أثناء إقامته في المستشفى. انفصلت اللوحتان عن بعضهما عام 1894، ثم اجتمعتا مجدّداً عام 1925 عندما اشترى أوسكار راينهارت لوحة الجناح، بعد أن كان قد اقتنى الفناء قبل ذلك بثلاث سنوات.
لم تُعرض هاتان اللوحتان على المستوى الدولي قط، ولم تغادرا سويسرا منذ أكثر من قرن. لكن نظراً لأعمال الترميم التي تُجرى حاليّاً في متحف "Am Römerholz" في مدينة فينترتور قرب زيورخ، تتاح الآن فرصة نادرة لرؤيتهما في بيئة جديدة. وبالنسبة لهاتين اللوحتين على وجه التحديد، قد لا يكون هناك موقع أكثر ملاءمة من كورتولد في لندن، حيث تعرضان بجوار لوحة بورتريه ذاتي مع أذن مضمدة (1889)، التي رسمها فان غوخ قبل أشهر قليلة بينما كان لا يزال يتعافى من إصابته.
تنضم هاتان اللوحتان إلى العديد من الأعمال الفنية البارزة من مجموعة أوسكار راينهارت، التي تضم أعمالاً لفنانين مثل غويا ورينوار ومونيه وسيزان، ضمن معرض "من غويا إلى الانطباعية"، الذي يستمر في كورتولد حتى 26 أيار/مايو.
وعلى الرغم من أنّ المعرض صغير، إلا أنه مليء بالنوادر الفنية والتاريخية. فعلى سبيل المثال، تحتوي إحدى الجدران المجاورة على نصف مشهد لمقهى رسمه مانيه عام 1878، بينما النصف الآخر معروض على بعد مسافة قصيرة في المعرض الوطني بلندن. وبعد انتهاء معرض كورتولد، سيتم لم شمل العملين موقتاً. كما يُعرض بجوار لوحة مانيه بورتريه لبيكاسو يعود لعام 1901، من بدايات مرحلته الزرقاء، حيث كشفت أبحاث حديثة أجراها فريق ترميم كورتولد عن وجود لوحة مخفية لامرأة غامضة تحت سطح اللوحة، مما يثبت أن بيكاسو أعاد استخدام قماش قديم لإنجاز هذا العمل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عن هوس موندريان بـ"سنو وايت": عزاء فنّان في زمن الحرب
عن هوس موندريان بـ"سنو وايت": عزاء فنّان في زمن الحرب

النهار

time١٢-٠٤-٢٠٢٥

  • النهار

عن هوس موندريان بـ"سنو وايت": عزاء فنّان في زمن الحرب

لم يكن بييت موندريان يخطّط للسفر إلى لندن قط. كانت نيويورك، المدينة العمودية المفعمة بالحداثة، عاصمة الموضة وعزف الجاز الذي عشقه، هي الحلم الحقيقي. في داخله شعور بأنّ لوحاته ستجد هناك موطنها الطبيعي، خصوصاً وأنّ الذائقة الأميركية أبدت انفتاحاً واضحاً على أعماله منذ وقت مبكر. لكن للتاريخ مساراته القسرية. في عام 1937، اعتبر النازيون لوحات موندريان من "الفن المنحط"، وعُرضت في المعرض الشهير في ميونيخ الذي ضمّ أعمالاً لفنانين حديثين وُضِعوا على اللائحة السوداء. ومع تصاعد التوتر في أوروبا واقتراب الحرب من باريس، حيث كان موندريان يقيم بشكل متقطع منذ عام 1912، بدأ يبعث برسائل إلى أصدقائه عبر الأطلسي بحثاً عن مخرج. وجاءه الردّ أولاً من لندن. وصل إليها على مضض، لكنه ما لبث أن وجد في حي هامبستد الأخضر الفسيح ما يريحه. الهواء النقي أنعش رئتَيه المرهقتين، وسرّه اتساع الشوارع وخلوها من الاكتظاظ. وعلى الرغم من نفوره من سلالم المترو الكهربائية الطويلة، إلا أنه استأنس برموز المدينة الكبرى، مثل كاتدرائية القديس بولس وبرج لندن، وأُعجب برباطة جأش سكانها وهم يتهيّأون لحرب وشيكة. حتى أنه بدأ يصف باريس بـ"مدينة الألعاب" مقارنة بها. كان موندريان في السادسة والستين من عمره عندما غادر العاصمة الفرنسية، إلا أنّ الانتقال جرى بسلاسة بفضل شبكة من الفنانين المتضامنين. فقد رافقته الرسامة وينيفريد نيكولسون في رحلته من باريس، واستقبله النحات الروسي ناوم غابو وسجّله في فندق، فيما ساعده بن نيكولسون على استئجار شقة صغيرة. وسرعان ما انضوى في مجتمع فني متماسك وصفه أحد النقاد بـ"العشّ الهادئ للفنانين"، وكان يضمّ هنري مور، بول ناش، وزوجة نيكولسون الثانية، والنحاتة باربرا هيبزوورث. لم تكن هذه الجماعة له مصدر دفء إنساني فحسب، بل كذلك منبع إلهام إبداعي، وفق ما أورد موقع " آرت نت". وكما اعتاد في باريس، أعاد تشكيل شقته الجديدة لتكون امتداداً لروحه الفنية. طلى الجدران باللون الأبيض، وعلّق على الحائط مستطيلات كرتونية ملوّنة تتناغم مع ألوان قطع الأثاث. فصل ستارٌ بين مساحة النوم والمرسم، لتغدو الشقة لوحة ثلاثية الأبعاد حيّة من توقيع موندريان. شرع في العمل فوراً، فأنجز لوحات مثل تركيب بالأصفر والأزرق والأحمر (1937–1942)، وبدأ يندمج تدريجياً في المشهد الفني اللندني. لكنّه ظلّ يشعر بالغربة. لم يكن ناسكاً بالمعنى التقليدي، لكنّه تحلّى بقدر كبير من التحفّظ، ما جعل علاقاته الشخصية محدودة. قال عنه غابو ذات مرة إنّه "رجل يصعب أن تقام معه علاقة حميمة". كما أنّ فارق العمر بينه وبين معظم أفراد حلقة هامبستد، الذين كانوا أصغر سناً بجيلٍ كامل، عمّق العزلة. ومع ذلك، عبّر موندريان عن امتنانه بطريقته الخاصة، لا مباشرة، بل عبر رسائل شديدة الخصوصية لأخيه كاريل في هولندا. كان يستخدم صوراً طريفة واستعارات حنونة. ففي مطلع عام 1938، شاهد مع أخيه فيلم ديزني "سنو وايت والأقزام السبعة" (Snow White and the Seven Dwarfs) في باريس، وتعلّق به بشدّة. جمع بطاقاته البريدية، واشترى أسطوانته الموسيقية، ورسم مشاهد منه حين نفدت المطبوعات. وجد في الحكاية انعكاساً لوضعه: روح نقية تهيم في غابة غريبة، وتجد في مخلوقات الغابة خير معين. فألبس أصدقاءه البريطانيين أدوار تلك الكائنات. أصبحت نيكولسون وهيبزوورث طيوراً تحمله إلى برّ الأمان. وجاء آل غابو إليه بـ"لحاف أزرق جديد". أما مالك العقار، فكان سنجاباً طلى جدران الشقة بذيله. جيرانه؟ الأقزام السعداء، يصدح راديوهم بأغنية "هاي-هو، هاي-هو". ووقّع موندريان رسائله بـ"النعسان"، في حين كان شقيقه "العطّاس"، تقمّصاً لشخصيات الفيلم. في رسالة مؤرخة في 2 تشرين الأول/أكتوبر 1938، كتب: "كان من اللطيف أن تمرّ لزيارتي. شكراً أيضاً على رسائلك اللطيفة. أنا سعيد هنا حالياً. لقد نظّفَتْ سنو وايت الشقة، والسنجاب طلى الجدران بذيله. سأكتب لك قريباً. في الوقت الحالي، يبدو أن الشّريرة (الحرب) قد ابتعدت، هاها". لكن فترة الهدوء لم تطل. ففي منتصف عام 1940، عاد شبح الحرب بقوة. كان معظم الأصدقاء قد غادروا لندن تحسّباً للغارات الجوية. وبعد شهرين من القصف، لم يعد أمام موندريان خيار سوى الرحيل من جديد. وهذه المرة، أخيراً، إلى نيويورك.

ماذا تكشف لوحات فان غوخ النادرة بشأن اضطرابه الداخلي؟
ماذا تكشف لوحات فان غوخ النادرة بشأن اضطرابه الداخلي؟

النهار

time٢٠-٠٢-٢٠٢٥

  • النهار

ماذا تكشف لوحات فان غوخ النادرة بشأن اضطرابه الداخلي؟

يعرض معرض كورتولد في لندن لوحتين لفنسنت فان غوخ، رسمهما خلال واحدة من أكثر الفترات اضطراباً في حياته، وذلك في أول خروج لهما من سويسرا منذ أكثر من قرن. تحمل اللوحتان عنوان "جناح المستشفى في آرل" و"فناء المستشفى في آرل"، وكلاهما رسم عام 1889، وتقدّمان لمحة نادرة عن حياة الفنان أثناء تعافيه بعد أن قطع أذنه في 23 كانون الأول/ديسمبر 1888. أثارت هذه الفترة الكثير من التكهنات بين مؤرخي الفن حول الحالة الذهنية لفان غوخ في ذلك الوقت، وطُرحت العديد من الأسباب المحتملة لانهياره النفسي على مدار السنوات. هل أصيب بالاضطراب بسبب خطوبة شقيقه ثيو، كما ورد في رسالة تلقاها في ذلك اليوم؟ أم أنه كان يحاول إسكات الهلوسات السمعية التي وصفها بأنها "لا تُحتمل"؟ أم أنه كان يعاني أعراض انسحاب الكحول؟ كان العام الذي سبق الحادثة عاماً حافلاً بالإنتاج الفني؛ فقد رسم فان غوخ العديد من أشهر لوحاته بعد انتقاله إلى مدينة آرل جنوب فرنسا في شباط/فبراير 1888. ومع ذلك، شهدت تلك الفترة أيضاً تدهور علاقته مع زميله الفنان بول غوغان، بالإضافة إلى نوبات متكررة من الذهان انتهت بفعل التشويه الذاتي لأذنه، وهو الحدث الذي لم يتذكره بعد وقوعه. في اليوم التالي، 24 كانون الأول/ديسمبر، أُدخل فان غوخ إلى مستشفى "أوتيل ديو سان إيسبري"، حيث مكث في البداية لمدّة أسبوعين، ثم خضع لفترات علاج أخرى لاحقاً. وفي أيار/مايو، قرر إدخال نفسه طوعاً إلى مستشفى للأمراض النفسية في سان ريمي دي بروفانس، حيث بقي لمدة عام كامل. خلال فترة التعافي الأولى قبل انتقاله إلى سان ريمي، رسم فان غوخ بعض البورتريهات الذاتية، وصوراً لطبيبه وأصدقائه، بالإضافة إلى لوحات عدّة للطبيعة الصامتة ومشاهد للطبيعة المحلية. "جناح في مستشفى آرل" (1889) بريشة فان غوخ. كما أنجز لوحتين لمحيطه داخل المستشفى، وهما فريدتان في تقديمهما نظرة على تجربته أثناء العلاج. كان من المهم شخصيّاً للفنان أن يواصل العمل أثناء علاجه، وقد أعرب عن إحباطه في رسالة إلى شقيقته فيليمين قائلاً: "لم تكن حياتي هادئة بما يكفي، كل هذه الانتكاسات والمضايقات والتغييرات تعني أنني لا أتطور بشكل عضوي وكامل في مسيرتي الفنية". إحدى هاتين اللوحتين، "جناح المستشفى في آرل"، تصوّر الجناح الذي أقام فيه فان غوخ داخل مستشفى "أوتيل ديو سان إيسبري"، وقد رسمها بين منتصف وأواخر نيسان/أبريل 1889. تُظهر اللوحة الممرّ الطويل المبطّن بالأسرّة، ويبالغ فان غوخ في تمديد المساحة، مما يجعل الأرضية تبدو وكأنها تميل إلى الأعلى، وهو أسلوب معروف لديه لإحداث تأثير بصري غير مستقر، وفق ما أورد تقرير لـ" آرت نت". يركّز المشهد الرئيسي في مقدمة اللوحة على مجموعة من الرجال متجمعين حول موقد، بينما تقترب راهبتان ممرضتان من الخلف. ولكن هذا الجزء من التكوين أُضيف لاحقاً عندما أعاد فان غوخ العمل على اللوحة بعد ستة أشهر، في تشرين الأول/أكتوبر. هناك كرسي فارغ في الجانب الأيسر، وهو صدى لعملين آخرين من عام 1888، أحدهما كرسي فان غوخ المعروض في المعرض الوطني بلندن، والآخر غرفة نومه في آرل الموجودة في متحف فان غوخ بأمستردام. بُني مستشفى "أوتيل ديو سان إيسبري" عام 1573، وكان يحتوي على أروقة على الطراز القوطي وحديقة مزهرة لفتت انتباه فان غوخ بعد دخوله المستشفى، وفق "آرت نت". وعلى الرغم من أنّ "فناء المستشفى في آرل" تصور مشهداً خارجيّاً على عكس جناح المستشفى، إلا أنّ المساحة المسوّرة تمنح إحساساً مماثلاً بالاحتواء. ويمكن رؤية راهبة تمشي على أطراف الحديقة، بينما يتجمّع المرضى الآخرون في الشرفات العلوية. في رسالة إلى شقيقته فيليمين، وصف فان غوخ فناء المستشفى في آرل بأنه مليء بـ"الخضرة الربيعية"، لكنه أشار أيضاً إلى دلالة قاتمة، كاتباً: "ثلاثة جذوع أشجار داكنة وحزينة تمرّ عبر اللوحة كالأفاعي، وفي المقدّمة أربعة شجيرات داكنة وكئيبة". ومن اللافت أن فان غوخ لم يرسل هاتين اللوحتين إلى شقيقه ثيو كما كان يفعل عادةً، بل أخذها معه عند انتقاله إلى مستشفى سان ريمي في أيار/مايو. وقد تكهن القيمون على معرض كورتولد بأنّ الفنان ربما كان يأمل في تزيين غرفته الجديدة هناك، أو إظهار للأطباء أنه سُمح له بمواصلة الرسم أثناء إقامته في المستشفى. انفصلت اللوحتان عن بعضهما عام 1894، ثم اجتمعتا مجدّداً عام 1925 عندما اشترى أوسكار راينهارت لوحة الجناح، بعد أن كان قد اقتنى الفناء قبل ذلك بثلاث سنوات. لم تُعرض هاتان اللوحتان على المستوى الدولي قط، ولم تغادرا سويسرا منذ أكثر من قرن. لكن نظراً لأعمال الترميم التي تُجرى حاليّاً في متحف "Am Römerholz" في مدينة فينترتور قرب زيورخ، تتاح الآن فرصة نادرة لرؤيتهما في بيئة جديدة. وبالنسبة لهاتين اللوحتين على وجه التحديد، قد لا يكون هناك موقع أكثر ملاءمة من كورتولد في لندن، حيث تعرضان بجوار لوحة بورتريه ذاتي مع أذن مضمدة (1889)، التي رسمها فان غوخ قبل أشهر قليلة بينما كان لا يزال يتعافى من إصابته. تنضم هاتان اللوحتان إلى العديد من الأعمال الفنية البارزة من مجموعة أوسكار راينهارت، التي تضم أعمالاً لفنانين مثل غويا ورينوار ومونيه وسيزان، ضمن معرض "من غويا إلى الانطباعية"، الذي يستمر في كورتولد حتى 26 أيار/مايو. وعلى الرغم من أنّ المعرض صغير، إلا أنه مليء بالنوادر الفنية والتاريخية. فعلى سبيل المثال، تحتوي إحدى الجدران المجاورة على نصف مشهد لمقهى رسمه مانيه عام 1878، بينما النصف الآخر معروض على بعد مسافة قصيرة في المعرض الوطني بلندن. وبعد انتهاء معرض كورتولد، سيتم لم شمل العملين موقتاً. كما يُعرض بجوار لوحة مانيه بورتريه لبيكاسو يعود لعام 1901، من بدايات مرحلته الزرقاء، حيث كشفت أبحاث حديثة أجراها فريق ترميم كورتولد عن وجود لوحة مخفية لامرأة غامضة تحت سطح اللوحة، مما يثبت أن بيكاسو أعاد استخدام قماش قديم لإنجاز هذا العمل.

المرأة الغامضة التي أخفاها بيكاسو: اكتشاف جديد بعد قرن وربع
المرأة الغامضة التي أخفاها بيكاسو: اكتشاف جديد بعد قرن وربع

النهار

time١١-٠٢-٢٠٢٥

  • النهار

المرأة الغامضة التي أخفاها بيكاسو: اكتشاف جديد بعد قرن وربع

كشف مؤرخون فنيون يدرسون لوحة لبابلو بيكاسو عن صورة غامضة لامرأة كانت مخفية تحت سطحها. وقد ضاعت صورة المرأة عندما قام بيكاسو بالرسم فوقها، على الأرجح بعد بضعة أشهر، في عام 1901، ليصوّر صديقه النحات ماتيو فيرنانديز دي سوتو جالساً على طاولة بدرجات من الأزرق والأخضر. لكن، وبعد نحو 125 عاماً، كشف معهد كورتولد للفنون في لندن عن معالم الصورة الأصلية، عندما فحص الخبراء اللوحة باستخدام تقنيات التصوير بالأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية استعداداً لعرضها في معرض فني. قال بارنابي رايت، نائب رئيس معرض كورتولد، إنّ صورة المرأة "ظهرت أمام أعيننا حرفيّاً… قطعةً قطعة"، وذلك بسبب الطريقة الفسيفسائية التي تمسح بها الكاميرا بالأشعة تحت الحمراء الصورة. وأضاف أنّه رغم أنّ الخبراء "كانوا مقتنعين إلى حدّ ما بوجود شيء كامن تحت السطح، لأن (…) ضربات الفرشاة كانت واضحة (…) ولكنها لا تتعلّق حقاً بالصورة النهائية"، إلا أنّهم لم يكونوا يعرفون ما الذي سيجدونه عند بدء الفحص، وفقاً لما قاله لشبكة " سي إن إن". لا يزال الباحثون غير متأكّدين من هوية المرأة، رغم أنّها تشبه العديد من النساء اللواتي رسمهنّ بيكاسو في باريس عام 1901، إذ تتميّز بتسريحة الكعكة المميزة التي كانت رائجة في العاصمة الفرنسية آنذاك. وقال رايت: "قد تظلّ إلى الأبد مجرّد موديل مجهولة"، مضيفاً أنهم يعملون على تحديد هويتها. "ربما كانت مجرّد شخصية جالسة كنموذج لبيكاسو (…) ربما كانت عشيقة، ربما كانت صديقة". كان بيكاسو يبلغ من العمر 19 عاماً فقط عندما وصل إلى باريس في عام 1901، لكنّه كان قد بدأ بالفعل في اكتشاف طرق مختلفة لرسم موضوعاته. من خلال التخلي عن هذه الصورة المبكرة ورسم لوحة جديدة فوقها، كان بيكاسو على الأرجح "لا يغيّر الموضوع فحسب، بل يغيّر أيضاً أسلوبه أثناء تطوره نحو أسلوبه الشهير في الفترة الزرقاء"، بحسب رايت. خلال فترته الزرقاء، استخدم بيكاسو ألواناً أكثر كآبة لرسم موضوعاته، مبتعداً عن أسلوبه الانطباعي المبكر، وهو تحول تأثّر جزئياً بانتحار صديقه المقرّب كارلوس كاساجيماس. وتشير صور الأشعة السينية إلى أنّ بيكاسو أعاد العمل على هذه اللوحة ربما ثلاث أو أربع مرات، ليس فقط لأنه لم يكن قادراً بسهولة على شراء مواد جديدة، ولكن أيضاً لأنّه "من الواضح أنّه كان يستمتع بعملية تحويل صورة إلى أخرى"، وفقاً لرايت. وأضاف: "لم يكن يغطي اللوحة باللون الأبيض بين كلّ تغيير لموضوعها ليحصل على سطح نظيف. لقد رسم صورة صديقه مباشرة فوق المرأة… إحدى الشخصيات تظهر من الأخرى، محولةً إياها إلى شكل جديد". ومع ذلك، لا تزال بقايا صورة المرأة مرئية للعين المدربة. قال رايت: "بمجرد أن تعرف ما يوجد تحت السطح من خلال هذه الصور التقنية، وعندما تعود إلى اللوحة النهائية، يمكنك رؤية بعض تلك العلامات بوضوح: عينها وأذنها وشعرها". وأضاف: "هذا الحضور الشبحي للمرأة ليس فقط مخفيّاً تحت السطح، بل هو في الواقع يبدو وكأنّه يضغط على السطح نفسه". وسيتم عرض لوحة "بورتريه ماتيو فيرنانديز دي سوتو" في معرض كورتولد في لندن من 14 شباط/فبراير حتى 26 أيار/مايو.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store