
لماذا توسّع الجزائر مساهمتها في المؤسسات المالية الدولية؟
رسّخت الجزائر في السنوات الأخيرة توجهًا ماليا مغايرًا ضمن محيطها الإقليمي والدولي من خلال توسيع مساهماتها داخل أبرز البنوك التنموية، من دون أن تلجأ إلى الاستدانة منها.
فقد عزّزت حضورها في بنك التنمية الأفريقي عبر مساهمات إضافية، ووقّعت اتفاقيات تعاون واسعة مع البنك الإسلامي للتنمية تمتد بين عامي 2025 و2027.
تجلّى آخر هذه الخطوات في إعلان رئيسة بنك التنمية الجديد ديلما روسيف، الخميس الماضي، انضمام الجزائر رسميًا إلى بنك مجموعة " بريكس" بالتزام مالي يُقدّر بـ1.5 مليار دولار.
كما وافقت الجزائر خلال عام 2024 على زيادة اكتتابها في بنك التنمية الأفريقي بأكثر من 36 ألف سهم لتُصنّف ضمن أبرز المساهمين الإقليميين غير المدينين.
وفي فبراير/شباط 2025، رفعت الجزائر حصتها في رأسمال البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير "أفريكسيم بنك" من خلال الاكتتاب في 2285 سهمًا إضافيا.
وخلال اختتام أشغال الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية المتعددة الأطراف في الجزائر العاصمة، كشف رئيس الهيئة المالية محمد سليمان الجاسر أن إطار التعاون الموقع بين البنك والجزائر يتضمن خدمات تمويلية وتأمينية لصالح الأخيرة بقيمة تصل 3 مليارات دولار خلال الفترة بين 2025 و2027، نافيًا أن يكون ذلك بمثابة قرض أو استدانة خارجية.
ورغم هذه الشراكات الواسعة، فإن الجزائر لا تلجأ إلى الاستدانة، لا من هذه المؤسسات ولا من غيرها، وهو ما بات بمثابة عقيدة راسخة في سياستها الاقتصادية. فمنذ توليه منصب رئيس الجمهورية في ديسمبر/كانون الأول 2019، كرّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رفضه القاطع للاستدانة الخارجية، معتبرًا إياها تهديدًا لسيادة البلاد واستقلال قرارها الوطني.
وقد أعلن الرئيس تبون في 11 يوليو/تموز 2023 أن بلاده "لا مديونية لها"، مؤكدا أنها "حرة في قراراتها السياسية والاقتصادية".
استثمار النفوذ
يرى البروفيسور فارس هباش، أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف، أن توسّع الجزائر في المساهمة بالبنوك التنموية الكبرى لا يُعد مجرد خيار اقتصادي، بل يمثل إستراتيجية سيادية شاملة. فالجزائر لم تعد تكتفي بدور المتلقي، بل تسعى إلى ترسيخ موقعها بوصفها مساهما فعّالا يمتلك صوتًا في توجيه التمويل وصنع القرار.
وأشار هباش إلى أن انخراط الجزائر في هذه المؤسسات يمكّنها من التأثير على أولويات المشاريع وسياسات التمويل، بما يتماشى مع مصالحها الوطنية.
وأضاف أن هذا التموضع يفتح أمام الجزائر آفاقًا لتعزيز شراكات إستراتيجية مع دول الجنوب، والترويج لمشاريع تنموية كبرى في مجالات المياه والطاقة والنقل، مما ينعكس إيجابًا على الاستقرار والتنمية الإقليمية، ويمهّد لدور جزائري أكثر حضورًا وتأثيرًا في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
وفي تقدير فارس هباش، فإن الجزائر تراهن على هذه المنصات البنكية لتكريس موقعها كقوة فاعلة في الجنوب العالمي. فمن خلال مشاركتها في الحوارات التنموية تسعى إلى توجيه التمويل نحو مناطق تتقاطع معها مصالحها السياسية والاقتصادية، والدفع نحو تشكيل نظام مالي عالمي أكثر توازنًا وعدالة.
وأوضح أن الجزائر ستحقق من هذه المساهمات عوائد مالية واستثمارية من خلال المساهمة في مشاريع تنموية واقتصادية مربحة.
كما توقّع أن تواصل الجزائر تعزيز استثماراتها في هذه المؤسسات لمواكبة تطورات الاقتصاد العالمي، والتركيز على تمويل مشاريع مستدامة تندرج ضمن أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
استقلال تمويلي
وأكد الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي أن عضوية الجزائر في البنوك التنموية الدولية تمثل "أداة من أدوات الدبلوماسية الاقتصادية"، ولا تعني بالضرورة رغبتها في الاقتراض، بل تُعد خطوة لتوسيع خياراتها الإستراتيجية مع الحفاظ على سيادتها المالية.
وشدّد الحيدوسي، في حديثه للجزيرة نت، على أن عزوف الجزائر عن الاقتراض من هذه المؤسسات يعود إلى توفر بدائل تمويلية تجعلها في موقف مريح، وعلى رأسها احتياطات النقد الأجنبي التي تتجاوز 70 مليار دولار، إلى جانب احتياطات الذهب التي تتخطى 80 مليار دولار، وهي كافية لتغطية سنوات من الاقتراض، بالإضافة إلى تحقيق الجزائر معدلات نمو مهمة في السنوات الأخيرة من أموالها الخاصة.
وقال إن "الجزائر تتعامل مع الاستدانة كخطر حقيقي على قرارها السيادي"، مستشهدًا بتجربة البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي.
واعتبر أن "الاستقلال المالي ليس شعارًا سياسيا بل خيارا إستراتيجيا نابعا من دروس الماضي، ويستند إلى رؤية تنموية قائمة على تعبئة الإمكانات الوطنية وتجنّب أي تبعية خارجية".
وأضاف الحيدوسي أن الحكومة الجزائرية تركز على التمويل الداخلي وتسعى إلى تعبئة الموارد المحلية من خلال برامج تنموية، حيث تعمل على التوفيق بين متطلبات التمويل ورفض التبعية المالية بالاعتماد على مواردها الذاتية، لا سيما العائدات المحققة من الصادرات، سواء من قطاع المحروقات أو من قطاعات أخرى كالفلاحة والتعدين والطاقة المتجددة.
آفاق مستقبلية
ويرى مدير مؤسسة الدراسات الاقتصادية وتطوير المؤسسات حمزة بوغادي أن الجزائر اليوم تتموضع في موقع قوة نظرًا لما تمتلكه من أرصدة مالية خاصة واحتياطات صرف وقدرات مالية وتشغيلية سنوية مستقرة، إلى جانب مداخيل منتظمة تُعزّز الأرباح السنوية للدولة. كما تتمتع الجزائر بشراكات وعقود طويلة الأمد، وهي كلها عناصر تُعزّز الثقة في قدراتها عند التوجه نحو أي طلب تمويل إن أرادت ذلك.
وأوضح بوغادي، في حديثه للجزيرة نت، أن تمويلات هذه البنوك تُخصص لمشاريع ذات جدوى اقتصادية عالية، كونها تُبنى على شراكات تجارية مدروسة وليست مجرد قروض تقليدية.
وأشار إلى أن هذه المساهمات تُترجم توجّهًا إستراتيجيا نحو تنويع المحفظة المالية والاستثمار خارج الحدود، وهي سياسة تعتمدها العديد من الدول ضمن ما يُعرف بالاستثمار المالي العصري أو "التمويل العصري".
وأضاف بوغادي أن هذه الخطوة تتيح للجزائر توفير وسائل تمويل ذكية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمشاريع تنموية داخلية ذات فائدة كبرى من مثل المشروع الطموح في قطاع السكك الحديدية، والذي من شأنه أن يحوّل الجزائر إلى قطب عالمي في تصدير الحديد والفولاذ ومشتقاته.
وأكد أن بإمكان الجزائر اللجوء إلى التمويل من هذه البنوك متى أرادت كونها شريكة ومساهمة فيها، مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي لهذه المؤسسات هو تمويل مشاريع الدول الأعضاء بطريقة مختلفة تمامًا عن التمويلات التقليدية التي تفرض شروطًا قاسية وتسعى للتدخل في شؤون الدول.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
غوتيريش يدعو للاعتراف بالمظالم التاريخية المرتكبة في أفريقيا
أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمس الجمعة على ضرورة الاعتراف بالمظالم التاريخية الناجمة عن الاستعباد وتجارة الرقيق عبر الأطلسي والاستعمار من أجل تحقيق العدالة للأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي. وشدد غوتيريش في افتتاح سلسلة الحوار الأفريقي لعام 2025 على أهمية العمل على معالجة المظالم التي تعرّض لها الأفارقة من خلال أطر تعويضية شاملة. واعتبر أن الأخطاء التي ارتكبتها بلدان عديدة -من بينها بلده البرتغال- تستمر في "تشويه عالمنا اليوم"، لافتا إلى أن إنهاء الاستعمار "لم يحرر البلدان الأفريقية والمنحدرين من أصل أفريقي من الهياكل والتحيزات الاستغلالية التي أدت إلى تحديات دائمة في واقع ما بعد الاستقلال". وأشار غوتيريش إلى أن أطر العدالة التعويضية "حاسمة لمعالجة الأخطاء التاريخية ومواجهة تحديات اليوم وضمان حقوق وكرامة الجميع"، ودعا إلى نهج شامل لتحقيق المساءلة والتعويض عن العنصرية واستخراج الموارد الأفريقية. كما طالب بـ"شراكات عالمية لإصلاح الحوكمة العالمية تشمل تمثيلا أفريقيا دائما في مجلس الأمن الدولي"، وأشار إلى الحاجة لشراكات من أجل السلام قائمة على العدالة والقانون الدولي ودفع التنمية المستدامة، وأكد على ضرورة معالجة الديون وإصلاح الهيكل المالي الدولي. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أيضا إلى شراكات من أجل العدالة المناخية، معتبرا أن أفريقيا "لم تتسبب في أزمة المناخ، لكنها تعاني بشكل غير متناسب". وأكد على أهمية الاستثمارات الضخمة في الطاقة النظيفة و"إنهاء استغلال الموارد الطبيعية الأفريقية، لضمان حصول القارة على مكانتها المستحقة كقوة طاقة نظيفة عالمية"، حسب تعبيره. وختم غوتيريش كلمته برسالة واضحة دعا فيها إلى عمل مشترك من أجل "شراكات قائمة على الإنصاف، لضمان عدم ترك أي بلد أو قارة خلف الركب"، مشددا على أنه لتحقيق العدالة لأفريقيا والمنحدرين من أصل أفريقي.


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
الكوليرا تفاقم جرائم الدعم السريع والسودان يتمسك بالحياة
بانوراما الجزيرة نت مع دخول الحرب عامها الثالث تتراجع قوات الدعم السريع ميدانيا، في حين تتصاعد الأزمة الإنسانية والانتهاكات. وفي الأثناء، يعود الحراك السياسي ويظهر خطاب جديد للدعم السريع مع تحول في موقف الاتحاد الأفريقي. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
طالب به إيمان خليف.. الاتحاد العالمي للملاكمة يفرض اختبارا لتحديد نوع الجنس
أعلن الاتحاد العالمي للملاكمة -اليوم الجمعة- أنه سيفرض اختبارا إلزاميا لتحديد نوع الجنس على جميع الملاكمين المشاركين في مسابقاته، مؤكدا أن الملاكِمة الجزائرية إيمان خليف بطلة وزن الوسط في أولمبياد باريس لن يُسمح لها بالمشاركة حتى تخضع للاختبار. وقال الاتحاد، الذي سيدير منافسات الملاكمة في أولمبياد 2028 بعد حصوله على اعتراف مؤقت من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، إنه يهدف إلى توفير تكافؤ الفرص التنافسية للرجال والنساء. هل الاتحاد العالمي للملاكمة يستهدف خليف؟ وتأتي السياسة الجديدة بعد أقل من عام واحد من تتويج كل من خليف والتايوانية لين يو-تينغ بميدالية ذهبية في أولمبياد باريس، وسط خلاف حول الأهلية الجنسية. وقال الاتحاد "خليف ربما لا تشارك في فئة السيدات في أي بطولة تابعة للاتحاد حتى تخضع لاختبار نوع الجنس، وفقا لقواعد وإجراءات الاختبارات لدى الاتحاد العالمي". وقال أيضا إنه خاطب الاتحاد الجزائري للملاكمة لإبلاغه بأن خليف لن يُسمح لها بالمشاركة في بطولة كأس أيندهوفن المقررة بين الخامس والعاشر من يونيو/حزيران المقبل حتى تخضع للاختبار. ولم يتسن الوصول إلى الملاكِمة الجزائرية للحصول على تعليق، ولم يستجب الاتحاد الجزائري للملاكمة على الفور عندما اتصلت به رويترز. وانضم الاتحاد الجزائري إلى الاتحاد العالمي في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو واحد من أكثر من 100 اتحاد وطني انضم إلى الاتحاد العالمي منذ تأسيسه عام 2023. وفي حين أن تعديلات قواعد المنافسة تتم عادة خلال الجمعية العمومية للاتحاد العالمي، فإن السياسة الجديدة تم اعتمادها من قبل المجلس التنفيذي للاتحاد الذي يملك سلطة إجراء تعديلات فورية في حالة "الظروف الخاصة أو الطارئة". قواعد الأهلية الجديدة قال الاتحاد العالمي "قواعد الأهلية الجديدة هذه تم تطويرها بهدف واضح وهو حماية الرياضيين في الرياضات القتالية، خاصة في ضوء المخاطر الجسدية المرتبطة بالملاكمة الأولمبية". وأوضح أن جميع الرياضيين الذين تزيد أعمارهم على 18 عاما سيتعين عليهم الخضوع لاختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (بي سي آر) الذي يمكن إجراؤه من خلال مسحة الأنف أو الفم أو اللعاب أو الدم. وأضاف "اختبار تفاعل البوليميراز تقنية مخبرية تستخدم للكشف عن مادة وراثية محددة، وفي هذه الحالة سيكون للتعرف على جين (إس آر واي) الذي يكشف عن الكروموسوم واي، وهو مؤشر على نوع الجنس البيولوجي". وأوضح أن الرياضيين الذين وُلدوا ذكورا، وهو ما يوضحه وجود الكروموسوم واي، أو من لديهم تباين في التطور الجنسي يتمثل في ظهور خصائص ذكورية، سيكونون مؤهلين للمنافسة ضمن فئة الذكور. أما من وُلدن إناثا، أو لديهن تباين في التطور الجنسي مع عدم ظهور خصائص ذكورية، سيسمح لهن بالمنافسة في فئة الإناث. وفي فبراير/شباط الماضي، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يمنع المتحولات جنسيا من المشاركة في منافسات السيدات. وفي مارس/آذار، قالت خليف إنها عازمة على الدفاع عن لقبها في أولمبياد لوس أنجلوس 2028 مضيفة أنها لن تستسلم للرئيس الأميركي لأنها ليست متحولة جنسيا. وقد استبعد الاتحاد الدولي للملاكمة خليف من المشاركة في بطولة العالم 2023، مرجعا السبب في ذلك إلى عدم أهليتها الجنسية وذلك بعد خضوعها لاختبار. لكن الاتحاد الدولي للملاكمة خسر الاعتراف الأولمبي به بسبب قضايا حوكمة، وسمحت اللجنة الأولمبية الدولية لخليف بالمنافسة في باريس، ودافعت بقوة عن موقفها بعد انتقادات شديدة.