
بين انحناء العامل واستواء السوق: قراءة في وهم التكافؤ
ما قيمة عالم مسطّح إذا ظلَّ ظهر العم چاسب منحنياً؟ وإن كان كذلك، فمن الذي يسير فوق هذا السطح بأقدامٍ ثابتة، ومن الذي ما زال ينحني ليعيش؟ وهل تكافؤ الفرص بات حقيقة أم مجرد وهم؟ انه خطاب سطح العولمة الذي سيبقى متجاهلاً في قاعها ملايين الأجساد المنحنية يتقدمها جسد العم چاسب...
طوى العم چاسب سنوات حياته التي قاربت الثمانين وطعن في السن لدرجة أصبح ظهره المتحدب لا يقوى على تحمل دفع عربته الخشبية للحصول على رزقه اليومي مكابداً الحياة في أزقة الحي التجاري في مدينتنا بغداد، وهو يقول في سره.. لقد مات الماضي وما زال يطاردني بلارحمة.. فمصائر الرزق تتقرر في هذا الحي بفضل الإرادات المتنافسة او المتصارعة والقوى المجهولة.. ثم تتقدس في أبدية الثراء!!
استدرك العم چاسب، بعد أن جثم الفتور في أعماق قلبه حتى اليأس، ليذعن لقوته المتبقية ثانية وبلا احتراس، مهادناً آماله المستقبلية الملحة وبقوة اليأس نفسه، قائلاً: لن أحزن ولن أطير نحو المجهول ولن أرجع خطوة الى الوراء طالما دواليب عربتي تتحرك نحو الأمام! وان شح النقود لم يؤلمنيِ ولم يخل بميزان حياتي.. لقد تقوّس ظهري وعليّ أن أدفع عربتي في عالم تسطح كله، ولكنه لا يصلح أن يكون ساحة ألعاب مستوية جداً لممارسة لعبة الحياة في العمل والتجارة، حيث يمتلك جميع اللاعبين على سطح العولمة فرصة الكسب المتساوية نفسها في عالم تسطح حقاً وبظهور مستوية، طالما ظل ظهري مقوساً في عالم محدب..!
فالعم چاسب رجلٌ لا يعرف 'المنصات'، ولا يقرأ خرائط التحول الرقمي، يعمل بيديه، وظهره منحنٍ منذ سنوات طويلة من الجهد في سوقٍ لا يعرف إلا العمل العضلي. وبينما يتحدث العالم عن الاقتصاد المعرفي والذكاء الاصطناعي، ما زال چاسب يصحو مع الفجر، ويعود منهكًا مع الغروب، دون أن تتغير ملامح يومه أو تتبدل فرصه.
استخدم توماس فريدمان الكاتب الصحفي الشهير في صحيفة نيويورك تايمز عبارته المجازية (العالم مسطح) لتكون عنواناً لكتابه The World is Flat الذي صدر في العام 2005، وهو يقصد بالتسطيح ان العالم بات متناهي الصغر، إذ تبرز أهمية الفرد الذي يستطيع في العالم المسطح تجاوز أنواع المعوقات والعراقيل كافة والتواصل مع أي شخص او أي مكان في هذا العالم الذي أمسى قرية صغيرة. فظهور العولمة الأولى في الفترة ما بين 1492 وحتى العام 1800 جسدها الفتح الاستعماري واستخدام القوة في السيطرة على المستعمرات.
في حين اتسمت المرحلة الثانية من العولمة التي امتدت بين العام 1800 وحتى 2000 بسعي الشركات المتعددة الجنسية في الحصول على الأسواق الخارجية وتقوية مراكزها الاقتصادية من خلال الهيمنة على أسواق العمل الرخيصة لمصلحة المركز الرأسمالي وانتعاشه. وشهد العالم خلالها تعاقب ثلاث ثورات صناعية ابتدأت بالاختراعات الحديثة من القطارات والهواتف وانتهت بثورة الكومبيوتر والبرامجيات.
أما المرحلة الثالثة من العولمة حسب فريدمان والتي ابتدأت من العام 2000 وحتى وقت قريب، فهي التي برزت فيها أهمية الأفراد كما يقول فريدمان، وان العالم غدا منفتحاً على جميع أجناسه وأطيافه الإنسانية. وعلى الرغم من ذلك، فقد تعرضت العولمة ومعتقداتها الى انتقادات واسعة الانتشار. فغالباً ما تتعرض الاجتماعات التي تعقدها المنظمات الدولية المتعددة الأطراف والمعنية بالعولمة الى الاحتجاجات والتظاهرات التي يحتشد فيها آلاف الأشخاص المناهضين لها.
ولا ننسى ذلك الاجتماع الذي عقدته منظمة التجارة العالمية في "كانكون - المكسيك في العام 2003 الذي جسده ذلك المزارع الكوري الجنوبي عندما أحرق نفسه احتجاجاً على رفع الدعم الزراعي عن المحاصيل الزراعية الكورية. اذ جسد لفيف من العلماء والشخصيات المشهورة وهم من أشد المعارضين للعولمة وشعاراتها الليبرالية الجديدة، وهم نعوم جومسكي وجوزيف ستكلتز، اضافة الى الكاتبة الكندية نعومي كلاين، مؤكدين ان العولمة في الجانب الاقتصادي لم تجلب سوى تركز الثروات واللامساوة في الدخل العالمي كما يرى ذلك المناوئون للعولمة.
أما على صعيد حقوق الانسان فانها كرست ظاهرة ما يسمى (بـ"سويت شوبس" Sweatshops) وهي تعبير عن مكانات العمل الاستغلالية التي يقضي فيها العمال ساعات طويلة بظروف إنسانية فقيرة للغاية ولاسيما في دول جنوب شرق آسيا، وهم ينضحون عرقاً من اجسادهم! غالبًا ما توفّر تلك المكانات ظروف عمل قاسية، مع أجور متدنية، وساعات عمل طويلة، وفي أحيان كثيرة دون ضمانات صحية أو قانونية.
أما على المستوى الثقافي فينتقد أولئك المناوئون للعولمة دور الشركات المتعددة الجنسية التي أخذت تفرض علاماتها التجارية التي لا تنسجم وثقافات الشعوب في الاستهلاك او الاستعمال مما سيقضي تدريجياً على الهوية الوطنية والثقافة المجتمعية واستقلالهما عاجلاً أم آجلاً.
فعندما نشر توماس فريدمان كتابه 'العالم مسطح' في العام 2005 كما ذكرنا، كانت فكرته الرئيسة تدور حول تغير شكل الاقتصاد العالمي بفضل العولمة والتكنولوجيا. حيث لم تعد الجغرافيا عائقًا، ولم يعد المركز يحتكر المعلومة أو الفرصة، وبات بالإمكان أن يعمل مهندس في الهند لصالح شركة في تكساس وأن يتلقى طالب في المنامة دروسًا من جامعة في لندن. فالتقدم الرقمي والعولمة الثقافية والاقتصادية جعلت من العالم مكانًا 'مسطّحًا' — متكافئًا، مفتوحًا، وسريع الوصول .
وهنا قد لا يعرف العم چاسب ماذا تعني 'ثورة البيانات'، ولا يعنيه كثيرًا إن كان الاقتصاد العالمي قد دخل 'المرحلة الرابعة' من الثورة الصناعية التي تقوم على استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لدمج الأنظمة الفيزيائية والرقمية والبيولوجية و التي ظهرت بشكل واضح بعد العام 2010 فكل ما يعرفه أن جسده لم يعد كما كان، وأن عمل اليوم لا يختلف عن عمل الأمس، سوى بمزيد من التعب.
وفي حين يتسابق العالم نحو أفقٍ رقمي بلا حدود، ما زال الملايين مثل العم چاسب يكدّون في الواقع، تحت الشمس، في مهن لم تصلها موجات 'التسطيح' المزعوم. فحين نحتفي بعالم مفتوح ومتصل نغض الطرف عن أولئك الذين ما زالوا مقيدين بالجغرافيا، والفقر، والعمل اليدوي الذي لا يُرَى؟
ربما لم يخطئ فريدمان تمامًا حين قال إن العالم أصبح مسطحًا. لكنه، من حيث لا يدري، قدّم وصفًا دقيقًا لحقيقة أعمق: أن تسطيح العالم تمّ من الأعلى، لا من الأسفل، وأن من يقف على القمة يرى الأرض مسطّحة، أما من ينحني على ترابها، مثل العم چاسب وعموم كادحي الشرق وعالم الجنوب، فيدرك أنها ما زالت مليئةً بالمرتفعات والمنخفضات، فبين هذا وذاك، يبقى السؤال مفتوحًا: ما قيمة عالم مسطّح إذا ظلَّ ظهر العم چاسب منحنياً؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
منذ 2 أيام
- شبكة النبأ
بين انحناء العامل واستواء السوق: قراءة في وهم التكافؤ
ما قيمة عالم مسطّح إذا ظلَّ ظهر العم چاسب منحنياً؟ وإن كان كذلك، فمن الذي يسير فوق هذا السطح بأقدامٍ ثابتة، ومن الذي ما زال ينحني ليعيش؟ وهل تكافؤ الفرص بات حقيقة أم مجرد وهم؟ انه خطاب سطح العولمة الذي سيبقى متجاهلاً في قاعها ملايين الأجساد المنحنية يتقدمها جسد العم چاسب... طوى العم چاسب سنوات حياته التي قاربت الثمانين وطعن في السن لدرجة أصبح ظهره المتحدب لا يقوى على تحمل دفع عربته الخشبية للحصول على رزقه اليومي مكابداً الحياة في أزقة الحي التجاري في مدينتنا بغداد، وهو يقول في سره.. لقد مات الماضي وما زال يطاردني بلارحمة.. فمصائر الرزق تتقرر في هذا الحي بفضل الإرادات المتنافسة او المتصارعة والقوى المجهولة.. ثم تتقدس في أبدية الثراء!! استدرك العم چاسب، بعد أن جثم الفتور في أعماق قلبه حتى اليأس، ليذعن لقوته المتبقية ثانية وبلا احتراس، مهادناً آماله المستقبلية الملحة وبقوة اليأس نفسه، قائلاً: لن أحزن ولن أطير نحو المجهول ولن أرجع خطوة الى الوراء طالما دواليب عربتي تتحرك نحو الأمام! وان شح النقود لم يؤلمنيِ ولم يخل بميزان حياتي.. لقد تقوّس ظهري وعليّ أن أدفع عربتي في عالم تسطح كله، ولكنه لا يصلح أن يكون ساحة ألعاب مستوية جداً لممارسة لعبة الحياة في العمل والتجارة، حيث يمتلك جميع اللاعبين على سطح العولمة فرصة الكسب المتساوية نفسها في عالم تسطح حقاً وبظهور مستوية، طالما ظل ظهري مقوساً في عالم محدب..! فالعم چاسب رجلٌ لا يعرف 'المنصات'، ولا يقرأ خرائط التحول الرقمي، يعمل بيديه، وظهره منحنٍ منذ سنوات طويلة من الجهد في سوقٍ لا يعرف إلا العمل العضلي. وبينما يتحدث العالم عن الاقتصاد المعرفي والذكاء الاصطناعي، ما زال چاسب يصحو مع الفجر، ويعود منهكًا مع الغروب، دون أن تتغير ملامح يومه أو تتبدل فرصه. استخدم توماس فريدمان الكاتب الصحفي الشهير في صحيفة نيويورك تايمز عبارته المجازية (العالم مسطح) لتكون عنواناً لكتابه The World is Flat الذي صدر في العام 2005، وهو يقصد بالتسطيح ان العالم بات متناهي الصغر، إذ تبرز أهمية الفرد الذي يستطيع في العالم المسطح تجاوز أنواع المعوقات والعراقيل كافة والتواصل مع أي شخص او أي مكان في هذا العالم الذي أمسى قرية صغيرة. فظهور العولمة الأولى في الفترة ما بين 1492 وحتى العام 1800 جسدها الفتح الاستعماري واستخدام القوة في السيطرة على المستعمرات. في حين اتسمت المرحلة الثانية من العولمة التي امتدت بين العام 1800 وحتى 2000 بسعي الشركات المتعددة الجنسية في الحصول على الأسواق الخارجية وتقوية مراكزها الاقتصادية من خلال الهيمنة على أسواق العمل الرخيصة لمصلحة المركز الرأسمالي وانتعاشه. وشهد العالم خلالها تعاقب ثلاث ثورات صناعية ابتدأت بالاختراعات الحديثة من القطارات والهواتف وانتهت بثورة الكومبيوتر والبرامجيات. أما المرحلة الثالثة من العولمة حسب فريدمان والتي ابتدأت من العام 2000 وحتى وقت قريب، فهي التي برزت فيها أهمية الأفراد كما يقول فريدمان، وان العالم غدا منفتحاً على جميع أجناسه وأطيافه الإنسانية. وعلى الرغم من ذلك، فقد تعرضت العولمة ومعتقداتها الى انتقادات واسعة الانتشار. فغالباً ما تتعرض الاجتماعات التي تعقدها المنظمات الدولية المتعددة الأطراف والمعنية بالعولمة الى الاحتجاجات والتظاهرات التي يحتشد فيها آلاف الأشخاص المناهضين لها. ولا ننسى ذلك الاجتماع الذي عقدته منظمة التجارة العالمية في "كانكون - المكسيك في العام 2003 الذي جسده ذلك المزارع الكوري الجنوبي عندما أحرق نفسه احتجاجاً على رفع الدعم الزراعي عن المحاصيل الزراعية الكورية. اذ جسد لفيف من العلماء والشخصيات المشهورة وهم من أشد المعارضين للعولمة وشعاراتها الليبرالية الجديدة، وهم نعوم جومسكي وجوزيف ستكلتز، اضافة الى الكاتبة الكندية نعومي كلاين، مؤكدين ان العولمة في الجانب الاقتصادي لم تجلب سوى تركز الثروات واللامساوة في الدخل العالمي كما يرى ذلك المناوئون للعولمة. أما على صعيد حقوق الانسان فانها كرست ظاهرة ما يسمى (بـ"سويت شوبس" Sweatshops) وهي تعبير عن مكانات العمل الاستغلالية التي يقضي فيها العمال ساعات طويلة بظروف إنسانية فقيرة للغاية ولاسيما في دول جنوب شرق آسيا، وهم ينضحون عرقاً من اجسادهم! غالبًا ما توفّر تلك المكانات ظروف عمل قاسية، مع أجور متدنية، وساعات عمل طويلة، وفي أحيان كثيرة دون ضمانات صحية أو قانونية. أما على المستوى الثقافي فينتقد أولئك المناوئون للعولمة دور الشركات المتعددة الجنسية التي أخذت تفرض علاماتها التجارية التي لا تنسجم وثقافات الشعوب في الاستهلاك او الاستعمال مما سيقضي تدريجياً على الهوية الوطنية والثقافة المجتمعية واستقلالهما عاجلاً أم آجلاً. فعندما نشر توماس فريدمان كتابه 'العالم مسطح' في العام 2005 كما ذكرنا، كانت فكرته الرئيسة تدور حول تغير شكل الاقتصاد العالمي بفضل العولمة والتكنولوجيا. حيث لم تعد الجغرافيا عائقًا، ولم يعد المركز يحتكر المعلومة أو الفرصة، وبات بالإمكان أن يعمل مهندس في الهند لصالح شركة في تكساس وأن يتلقى طالب في المنامة دروسًا من جامعة في لندن. فالتقدم الرقمي والعولمة الثقافية والاقتصادية جعلت من العالم مكانًا 'مسطّحًا' — متكافئًا، مفتوحًا، وسريع الوصول . وهنا قد لا يعرف العم چاسب ماذا تعني 'ثورة البيانات'، ولا يعنيه كثيرًا إن كان الاقتصاد العالمي قد دخل 'المرحلة الرابعة' من الثورة الصناعية التي تقوم على استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لدمج الأنظمة الفيزيائية والرقمية والبيولوجية و التي ظهرت بشكل واضح بعد العام 2010 فكل ما يعرفه أن جسده لم يعد كما كان، وأن عمل اليوم لا يختلف عن عمل الأمس، سوى بمزيد من التعب. وفي حين يتسابق العالم نحو أفقٍ رقمي بلا حدود، ما زال الملايين مثل العم چاسب يكدّون في الواقع، تحت الشمس، في مهن لم تصلها موجات 'التسطيح' المزعوم. فحين نحتفي بعالم مفتوح ومتصل نغض الطرف عن أولئك الذين ما زالوا مقيدين بالجغرافيا، والفقر، والعمل اليدوي الذي لا يُرَى؟ ربما لم يخطئ فريدمان تمامًا حين قال إن العالم أصبح مسطحًا. لكنه، من حيث لا يدري، قدّم وصفًا دقيقًا لحقيقة أعمق: أن تسطيح العالم تمّ من الأعلى، لا من الأسفل، وأن من يقف على القمة يرى الأرض مسطّحة، أما من ينحني على ترابها، مثل العم چاسب وعموم كادحي الشرق وعالم الجنوب، فيدرك أنها ما زالت مليئةً بالمرتفعات والمنخفضات، فبين هذا وذاك، يبقى السؤال مفتوحًا: ما قيمة عالم مسطّح إذا ظلَّ ظهر العم چاسب منحنياً؟


سيدر نيوز
منذ 6 أيام
- سيدر نيوز
عاصفة تصفيق في كان لفيلم هندي يروي صداقةً تتجاوز الطائفة والطبقة
أطل المخرج الهندي نيراج غايوان على مهرجان كان السينمائي للمرة الأولى عام 2010 بفيلمه 'ماسان'؛ حكاية مؤثرة عن الحب والفقدان وسط قبضة نظام الطبقات القاسي في الهند، تدور أحداثها في مدينة فاراناسي المقدسة. جسد البطولة في الفيلم فيكي كوشال، الذي أدى دور شاب من طبقة تكلف عادة بإحراق الجثث على ضفاف نهر الغانج، وهي من أدنى الطبقات في النظام الطبقي الهندوسي الصارم. وقد عرض الفيلم ضمن قسم 'نظرة ما'، الذي يعنى بالأفلام ذات الأساليب غير التقليدية أو التي تروي قصصاً خارجة عن النمط السائد. وفاز بجائزتي الاتحاد الدولي لنقاد السينما وجائزة 'أفينير' المعروفة أيضاً بجائزة المستقبل الواعد. مهرجان كان السينمائي: كيف بدت المشاركة العربية في نسخة هذا العام؟ منذ ذلك الحين، واصل غايوان البحث عن قصة تنصف المجتمعات المهمشة في الهند. وخلال جائحة كوفيد 19، اقترح عليه صديقه سومين ميشرا، رئيس قسم التطوير الإبداعي في شركة 'دارما للإنتاج' بمومباي، قراءة مقال رأي بعنوان 'Taking Amrit Home' (إعادة أمريت إلى الوطن)، نشرته صحيفة نيويورك تايمز وكتبه الصحفي بشارات بير. Dharma Productions ما جذب غايوان إلى مقال بير كان تتبعه لمسارات ملايين الهنود الذين ساروا مئات، بل آلاف الكيلومترات، للعودة إلى ديارهم خلال فترة الإغلاق الصارمة في البلاد. لكن ما شده أكثر كان جوهر القصة: صداقة طفولية بين شابين، أحدهما مسلم والآخر من الداليت – الطبقة التي كانت تعرف سابقاً بـ'المنبوذين'. فيلم 'العودة إلى الوطن'، المستوحى من مقال بير، عرض هذا الأسبوع في قسم 'نظرة ما' بمهرجان كان السينمائي، واختتم بعاصفة تصفيق استمرت تسع دقائق. شوهد كثيرون من الحاضرين وهم يمسحون دموعهم، فيما عانق غايوان المنتج الرئيسي كاران جوهر بحرارة. ثم انضم إلى طاقم التمثيل الشاب – إيشان خاتر، فيشال جيثوا، وجانفي كابور – في عناق جماعي مؤثر. وباعتباره الحدث الأبرز لجنوب آسيا في مهرجان كان 2025، حضر عدد من كبار الأسماء السينمائية دعماً للفيلم. فقد عبرت ميرا نايّر، الفائزة بجائزة الكاميرا الذهبية عام 1988 عن فيلم 'سلام بومباي'، صفين من المقاعد لمصافحة جوهر. كما شوهد صيام صادق، الحائز على جائزة لجنة تحكيم 'نظرة ما' عام 2022 عن فيلم 'جوي لاند'، يوثق الأجواء في القاعة في مقطع نشره لاحقاً على إنستغرام. Dharma PRoductions نال الفيلم دعماً غير متوقع من المخرج العالمي مارتن سكورسيزي، الذي انضم كمنتج منفذ الشهر الماضي بعد أن تعرف على العمل من خلال المنتجة الفرنسية ميليتا توسكان دو بلانتير. وهذه هي المرة الأولى التي يدعم فيها سكورسيزي فيلماً هندياً معاصراً؛ إذ اقتصر دعمه سابقاً على الأفلام الهندية الكلاسيكية المرممة. لماذا اختير 'الجميع يعرفون' لافتتاح مهرجان كان 2018؟ مهرجان كان السينمائي: فيلم 'تيتان' يفوز بالسعفة الذهبية قال سكورسيزي في بيان: 'شاهدت فيلم نيراج الأول، ماسان، عام 2015 وأحببته. وعندما أرسلت لي ميليتا مشروع فيلمه الثاني، شعرت بالفضول. لقد أحببت القصة والثقافة، وكنت مستعداً للمساعدة. نيراج قدم فيلماً رائعاً يشكل مساهمة كبيرة في السينما الهندية'. بحسب غايوان، لم يكتف سكورسيزي بالدعم المعنوي، بل قدم توجيهات تحريرية خلال مراحل المونتاج، وسعى لفهم السياق الثقافي للقصة، مما أتاح تبادلاً إبداعياً مثمراً. Dharma Productions تدور القصة حول الصداقة بين محمد شعيب علي (خاتر) وتشاندان كومار (جيثوا)، وهما شابان يتشاركان تاريخاً طويلاً من التمييز على يد الطبقات العليا في الهندوسية، لكنهما يحملان أهدافاً متشابهة للارتقاء الاجتماعي، تتمثل بانضمامهما إلى قوة الشرطة في ولايتهما. غايوان، الذي صرح علناً أنه ولد لعائلة داليت، يعيش منذ الطفولة تحت وطأة هذا الانتماء الطبقي. رغم أنه لم يتعرض للتمييز المباشر خلال دراسته في إدارة الأعمال أو عمله في شركة بمدينة غورغاون قرب دلهي، إلا أنه بقي واعياً تماماً لموقعه داخل التسلسل الاجتماعي. يقول: 'أنا الشخص الوحيد من طبقة الداليت المعترف به كمخرج يعمل خلف الكاميرا وأمامها في تاريخ السينما الهندية. هذه هي الفجوة التي نعيش فيها'. ويضيف أن السينما الهندية نادراً ما تتناول حياة القرى، رغم أن غالبية السكان يعيشون فيها، وغالباً ما تختصر المجتمعات المهمشة بأرقام وإحصاءات. 'لكن ماذا لو اخترنا شخصاً واحداً من تلك الإحصاءات وتتبعنا مسار حياته؟ كيف وصل إلى هذه اللحظة؟ شعرت أن القصة تستحق أن تروى'. عندما بدأ كتابة السيناريو، اختلق الخلفيات الدرامية للشخصيتين حتى اللحظة التي شرعتا فيها برحلتهما خلال الجائحة – وهي نقطة الانطلاق في مقال بير. وقد استوحى الكثير من صداقته في طفولته مع شاب مسلم يدعى أصغر في مدينة حيدر أباد، ما جعله يشعر بارتباط شخصي عميق مع العلاقة بين علي وكومار. يقول: 'ما شدني أكثر هو الجانب الإنساني، العلاقة الشخصية، والعمق الداخلي في الصداقة'، مشيراً إلى أنه استرجع من خلالها ذاكرته في حيدر أباد. تألق 'العودة إلى الوطن' بين يدي غايوان كما تتألق شمس الشتاء، بتصوير أخاذ في ريف شمال الهند، يلتقط ببراعة لحظات الفرح البسيطة والمعاناة اليومية لأبطاله المسلمين والمنبوذين. وتؤدي جانفي كابور دور امرأة من الداليت، تحب أحد الشابين. يمضي السيناريو بمعظم فتراته في إبقاء المشاهدين في حالة ترقب، ويلمح مبكراً لما ستؤول إليه الجائحة، منبهاً إلى أن الأزمات الكبرى لا تميز بين طبقة أو طائفة أو عرق. بمزجه الواقعي العميق مع الخيال، يعد 'العودة إلى الوطن' وثيقة إنسانية واجتماعية عامة، تجذر شخصياته في واقع أصيل، وتفتح الباب أمام نقاشات هادفة، وربما فهماً أعمق لأولئك الذين يعيشون في الظل.


النهار
٢٣-٠٥-٢٠٢٥
- النهار
جورج كلوني يعود إلى شعره الشائب مجدداً
قرر النجم جورج كلوني العودة إلى لون شعره الشائب مجدداً، بعدما صبغه بالأسود الداكن من أجل دوره "الصحافي إدوارد ر. مورو" في مسرحية Good Night, And" Good Luck" على مسرح برودواي. ولم تكن زوجته أمل كلوني أو جمهوره راضين عن هذا التحول الجذري في شعره، إذ طالبوه بإعادة شعره الرمادي الطبيعي، الذي لطالما ارتبط به في أذهان محبيه. وحضر كلوني، الذي ظهر بشعره الجديد للمرة الأولى في آذار/مارس، غداء المرشحين لجوائز "توني"، وقد ظهرت خصلات شعره الرمادية الطبيعية تحت قبعة البيسبول. وعلى رغم أن المسرحية تستمر حتى 8 حزيران/يونيو، يبدو أن كلوني (64 عاماً) يعود ببطء إلى إطلالته الشهيرة. وكان قد أعرب سابقاً عن رأيه في الصبغة الداكنة، ساخراً منها خلال الكشف عن رسمه الكاريكاتوري في مطعم "سارديز" في مانهاتن. وعلّق مازحاً: "أعجبني لون الشعر. إنه أفضل بكثير من لون شعري الحالي". لم تلقَ الصبغة استحسان المعجبين أيضاً. فقد كتب أحد مستخدمي منصة "إكس": "جورج كلوني يبدو أصغر سناً بشعره الرمادي. لا أعرف كيف أشرح ذلك، لكنه لم يكن بحاجة إلى صبغه". ووافقه آخر، قائلاً: "قد يكون كلوني الرجل الوحيد على قيد الحياة الذي يبدو، بطريقة ما، أكبر سنًا حين يصبغ شعره". وفي الوقت نفسه، كان كلوني يعلم أن أمل لن توافق على خصلات شعره الداكنة الجديدة أيضاً. فقال لصحيفة "نيويورك تايمز": "زوجتي ستكره ذلك، فلا شيء يجعلك تبدو أكبر سناً مثل صبغ شعر رجل مسن".