logo
كرات وسحب غريبة.. خبراء يشرحون كيف وصلت آثار الصواريخ الإيرانية لمصر

كرات وسحب غريبة.. خبراء يشرحون كيف وصلت آثار الصواريخ الإيرانية لمصر

الجزيرةمنذ يوم واحد

في مشهد نادر ومثير للدهشة، استرعى انتباه المصريين خلال اليومين الماضيين ظهور كرات ضوئية ملونة وسحب متعرجة تتحرك في السماء بشكل غير مألوف، وذلك بالتزامن مع التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل.
هذا التزامن أثار مخاوف البعض من احتمال دخول صواريخ إلى الأجواء المصرية أثناء الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي، وهو ما نفاه خبراء في مجالات البيئة والطاقة النووية والتكنولوجيا العسكرية في تصريحات لـ"الجزيرة نت".
وأوضح الخبراء أن هذه الظواهر الجوية، التي رُصدت في سماء مصر، ناتجة عن انفجارات عالية الطاقة وقعت في طبقات الجو العليا، بعيدا عن الحدود المصرية، وأكدوا أن تكنولوجيا الحرب الحديثة قادرة على ترك بصماتها الجوية حتى على بُعد آلاف الكيلومترات.
سحابة "الفطر".. نقطة الانطلاق
البداية كانت مع الدكتور ثيودور بوستول، أستاذ الهندسة والتكنولوجيا وسياسة الأمن القومي في برنامج العلوم والتكنولوجيا والمجتمع في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي طلب تزويده بصور ومقاطع فيديو لتلك الظواهر حتى يتمكن من تقديم تحليل دقيق. وبعد نحو ساعتين من الدراسة، أرسل عبر البريد الإلكتروني شرحا علميا استهله بالإشارة إلى ظهور "سحابة على شكل فطر" في بعض الصور.
إعلان
وقال بوستول إن هذه السحابة ناتجة عن تحرر سريع وكبير للطاقة في الجو، مشابه لما يحدث في انفجار وقود-هواء، أي أنه ليس انفجارا تقليديا بسيطا، بل عملية احتراق سريعة لجزيئات عالقة في الهواء أدت إلى تسخين حجم كبير من الهواء.
وأوضح: "عندما يسخن حجم كبير من الهواء بسرعة، يرتفع هذا الهواء الساخن لأعلى، كما يحدث في البالونات الهوائية، وخلال صعوده، يتشكل ما يشبه "سحابة الفطر" بفعل قوى السحب الهوائي على الأطراف، وهذه ظاهرة معروفة، حتى في الانفجارات النووية".
وأضاف: "الصعود لا يتطلب بالضرورة انفجارا نوويا، بل فقط مصدرا يطلق طاقة كبيرة بسرعة، كاحتراق صاروخ أو انفجار في الغلاف الجوي".
سحب متعرجة وألوان براقة
ما يميز هذا النوع من الانفجارات -كما يوضح بوستول- أن الطاقة المنبعثة لا تسخن نقطة واحدة فقط كما في الانفجارات التقليدية، بل تسخن حجما واسعا من الهواء، وهو أمر غير مألوف.
ويضيف أن الجسيمات التي لم تحترق بالكامل تسهم في تكوين سحابة دقيقة، تنعكس عليها أشعة الشمس المنخفضة (عند الشروق أو الغروب) فتظهر بألوان لامعة ومتعددة، كما أن السحب تظهر متعرجة بسبب اختلاف سرعات الرياح في طبقات الجو المختلفة.
ويخلص بوستول إلى أن ما رُصد في سماء مصر وربما بعض دول الجوار، قد يكون نتيجة انفجار جوي ناتج عن صواريخ باليستية أطلقتها إيران أو اعتراضها من قِبل أنظمة الدفاع الجوي، وهو ما أدى إلى تسخين طبقات من الهواء العلوي وظهور سحب فطرية ومتعرجة بألوان مبهرة.
أما عن سبب إمكانية رؤيتها في مصر رغم بعد المسافة، فيشير بوستول إلى أن الصواريخ الباليستية تعمل على ارتفاعات شاهقة، وهو ما يسمح بملاحظة آثارها من مناطق بعيدة.
ويختم بأن ما شوهد في السماء المصرية، ربما يعود أيضا إلى تفعيل نظام دفاعي مصري بشكل خاطئ (إنذار كاذب)، مما أدى إلى إطلاق صواريخ دفاعية، وقال: "هذا مجرد احتمال، لكنه غير مستبعد".
لا خطر إشعاعيا
من جانبه، وصف الدكتور يسري أبو شادي، كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا، تلك المشاهد بأنها "طبيعية" ضمن سياق الصراع المشتعل في المنطقة، مؤكدا أنه "لا توجد أي مؤشرات على حدوث تسرب إشعاعي".
إعلان
وقال أبو شادي: "أطمئن المصريين وسكان المنطقة أن منشأة نطنز التي استُهدفت تحتوي على يورانيوم طبيعي وآخر مخصب بنسبة محدودة، يمكن التعامل معه بأمان، وأنا شخصيا تعاملت معه دون أي إجراءات أمن مشددة".
وأوضح أن الخطر الحقيقي كان سيظهر لو تم استهداف مفاعل بوشهر النووي القريب من الخليج، لأنه في تلك الحالة كان يمكن ربط الظواهر الجوية بتسرب إشعاعي فعلي. لكنه استبعد حدوث ذلك بسبب تداعياته الإقليمية الواسعة، مؤكدا أن الظواهر التي رُصدت مرتبطة على الأرجح بنشاط الصواريخ الباليستية أو اعتراضها.
كرات ضوئية وسحب تكاثف صاروخية
أما عن الكرات الضوئية الملونة، فيقول مجدي علام، مستشار مرفق البيئة العالمي والأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب، إنها ناتجة عن تفاعلات حرارية في طبقات الجو الباردة، وتتشابه ظاهريا مع السحب الناتجة عن الطائرات النفاثة، لكن ما يميز تلك الناتجة عن الصواريخ هو طبيعة البلورات ومكان تكونها.
ويشرح علام: "عند احتراق الوقود في محرك الصاروخ، تنبعث غازات ساخنة محملة ببخار الماء، وعندما تخرج هذه الغازات إلى طبقات الجو العليا الباردة (على ارتفاع بين 20 و80 كيلومترا)، يبرد البخار سريعا ويتكاثف على شكل بلورات ثلجية دقيقة، وتعمل الجزيئات غير المحترقة كمراكز تكاثف تساعد على تشكل هذه السحب".
ويضيف أن هذه الظواهر تشبه إلى حد ما آثار الطائرات النفاثة، لكن الأخيرة تحدث في ارتفاعات أقل (10–12 كيلومترا)، وتكون بلورات أكبر حجما وأكثر كثافة. كما أن آثار الصواريخ قد تُرى من مسافات بعيدة بسبب ارتفاعها الشاهق في طبقة الستراتوسفير أو حتى الميزوسفير، خاصة إذا صادف الحدث توقيت الشروق أو الغروب، حين تكون أشعة الشمس منخفضة وتضيء طبقات الجو العليا فقط، فتظهر السحب بألوان زاهية في سماء البلدان المجاورة.
ورغم رسائل الطمأنة التي استبعدت وجود مخاطر نووية، شدد علام على ضرورة عدم تجاهل الأثر البيئي الناتج عن هذه الظواهر.
وقال: "قد تترك آثار تكاثف الصواريخ واعتراضها في طبقات الجو العليا بصمة بيئية، من خلال إطلاق جسيمات دقيقة غير محترقة تؤثر على نقاء الغلاف الجوي، وقد تسهم بعض المواد الكيميائية في الوقود الصاروخي في استنزاف طبقة الأوزون، كما قد تُحدث هذه السحب تعديلا مؤقتا في الإشعاع الأرضي، مما يُشبه تأثير السحب الرقيقة على المناخ المحلي".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بالإنفوغراف.. تعرّف على صواريخ إيران المواجهة للدفاعات الإسرائيلية
بالإنفوغراف.. تعرّف على صواريخ إيران المواجهة للدفاعات الإسرائيلية

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

بالإنفوغراف.. تعرّف على صواريخ إيران المواجهة للدفاعات الإسرائيلية

في ظل الحرب المستمرة بين إسرائيل و إيران وتصاعد التوتر في الشرق الأوسط ،، برزت مكانة إيران الصاروخية، كلاعب رئيسي، معتمدة على برامج تطوير امتدت لعقود، بحسب تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "سي أس آي أس". وتمتد الترسانة الإيرانية من أنظمة قصيرة المدى وصولا إلى صواريخ بعيدة المدى عالية الدقة، مستفيدة من الخبرات المحلية والتقنيات المستوردة سابقا. وبدأت إيران تطوير برنامجها الصاروخي في الثمانينيات خلال حربها مع العراق، حيث ظهر أول صاروخ شهاب-1، الذي استنسخ بشكل رئيسي من الصاروخ السوفيتي سكود- بي (Scud-B). ورغم بساطته التقنية مقارنة بالجيل اللاحق، إلا أن شهاب-1 ما زال يشكل جزءا من منظومة الردع التكتيكي بفضل سهولة نشره من منصات متحركة وبنيته القابلة للتخزين طويل الأمد. وفي خطوة تطويرية لرفع سرعة الإطلاق وتقليل الاعتماد على الوقود السائل، برز صاروخ فاتح-110 الذي يمثل انتقال إيران إلى استخدام الوقود الصلب، ما يتيح له الجاهزية السريعة والتشغيل الآمن. وقد طُورت منه نسخ حديثة مزودة بأنظمة تصحيح مسار باستخدام الأقمار الصناعية، لتقليص هامش الخطأ في الإصابة الميدانية. ولاحقا، جاء صاروخ شهاب-2، الذي وفر لطهران نطاق تغطية أوسع للأهداف القريبة من حدودها الإقليمية، مع تطوير محدود في أنظمة الملاحة. ويمتلك هذا الطراز قدرة حمل أنواع متعددة من الرؤوس التقليدية وشبه الخارقة للتحصينات، لاستخدامه ضد منشآت محصنة بدقة منخفضة نسبيا. أما ذو الفقار، فقد أدخل بعدا جديدا إلى ساحة العمليات التكتيكية الإيرانية، إذ يمتلك تقنيات انفصال متأخر للرأس الحربي، مما يزيد من صعوبة اعتراضه من الأنظمة الدفاعية مثل القبة الحديدية الإسرائيلية أو باتريوت الأميركي. كما أنه يستخدم بشكل متكرر في المناورات الحية للحرس الثوري لاستعراض دقة الإصابة في الأهداف الثابتة. إعلان وفي المقابل، يتميز صاروخ قيام-1 بإلغاء الزعانف الجانبية الخارجية، ما يقلل بصمته الرادارية ويجعله أقل عرضة للرصد المبكر. وهو مصمم للضربات البرية الدقيقة ضد القواعد العسكرية والبنى التحتية الحيوية، مع إمكانيات تعديل ميدانية لنوع الرأس الحربي حسب طبيعة الهدف. وفي الشريحة متوسطة إلى بعيدة المدى، يشكل كل من شهاب-3 ونسختيه المطورتين قدر (Ghadr) وعماد (Emad) نواة القدرات الإستراتيجية البعيدة لإيران. ويتميز شهاب-3 بإمكانية التزود بأنظمة تشويش إلكترونية مدمجة، تتيح له محاولة خداع أنظمة الدفاع الصاروخي. فيما يضيف قدر تحسينات في مادة بدن الصاروخ باستخدام سبائك الألمنيوم والصلب خفيفة الوزن، ما يمنحه مدى أطول مع خفض وزن الإطلاق. أما عماد، فقد أدخل تقنيات الرأس الحربي القابل للمناورة خلال العودة، وهو ما يقلل احتمالية اعتراضه خلال المراحل الأخيرة من الطيران، ويرفع من دقته في ضرب النقاط المحصنة داخل العمق المعادي. ويمثل صاروخ سجيل (Sejjil) التحول الأهم في اعتماد الوقود الصلب بعيد المدى ثنائي المرحلة، ما يمنحه مرونة كبيرة في الحركة والإطلاق، مع خفض زمن الاستعداد مقارنة بصواريخ الوقود السائل. أما الصاروخ الأكثر تطورا حتى الآن في الترسانة الإيرانية فهو خرمشهر (Khorramshahr)، الذي يتمتع ببصمة تقنية متقدمة عبر تقليل مدة الطيران الإجمالية بفضل سرعات تتراوح بين8 إلى 16 ماخ، بحسب النسخة المطورة. وقد أضيفت إليه أنظمة تحكم متقدمة بالحركة النهائية (Terminal Phase Control)، مما يصعّب على الأنظمة الدفاعية من اعتراضه في المسار الأخير. وعلى صعيد صواريخ كروز، يبرز صاروخ سومار (Soumar) الذي استنسخ تقنيا من الصاروخ السوفيتي كي إتش-55 (Kh-55)، لكنه خضع لتحسينات في المدى ودقة الملاحة. ويتمتع هذا النظام بمرونة طيران منخفض الارتفاع، ما يقلل من إمكانية كشفه عبر الرادارات البعيدة، كما يستفيد من تقنيات التخفي الصوتي. وفي خطوة تعكس التطور النوعي في دقة التوجيه وتقنيات المناورة، طوّرت إيران صاروخ خيبر شكن (Kheibar Shekan) ليشكل طفرة ضمن فئة الوقود الصلب متوسطة المدى، حيث جرى تصميمه بهيكل خفيف يتيح له تخطي أنظمة الدفاع الجوي عبر تنفيذ مسارات طيران منحنية معقدة. ويعتمد الصاروخ في إصابة أهدافه على نظام ملاحة داخلي محصن ضد التشويش، مع قدرة على تحديث المسار خلال الطيران، ما يمنحه مرونة عالية في ضرب الأهداف المحصنة والمنقولة على حد سواء. ويعد صاروخ قاسم سليماني، تطويرا إيرانيا حديثا، ويصنف ضمن الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وهو نسخة محسنة من صاروخ قيام-1، مع تعزيزات في دقة الإصابة والقدرة على المناورة لتجاوز أنظمة الدفاع الجوي المتطورة. وبهذه التركيبة والتقنيات الحربية المتطورة، تواصل إيران توسيع هامش قوتها الصاروخية لتشكل عاملا رئيسيا، في مواجهة خصومها الإقليميين والدوليين في بيئة استراتيجية تتسم بالتقلب الدائم.

عقول مستهدفة وأمن مخترق: لعبة الموساد الخطرة في إيران!
عقول مستهدفة وأمن مخترق: لعبة الموساد الخطرة في إيران!

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

عقول مستهدفة وأمن مخترق: لعبة الموساد الخطرة في إيران!

شهدت الأيام الماضية تطورًا استثنائيًّا في توازن القوى بالشرق الأوسط، تمثل في الضربة الإسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت العمق الإيراني، وأصابت مراكز قيادية وعلمية نووية، ما اعتبره كثيرون لحظة فاصلة في الصراع القائم. لكن في الحقيقة أن دولة إسرائيل لم تستهدف المنشآت النووية الإيرانية بقدر ما ركزت على العقول، بل أن الرسالة واضحة: من يمتلك العلم يصبح خصمًا حقيقيًّا، وهذا ما تجلى في خسارة إيران تسعة علماء نوويين في يوم واحد! بمعنى أن إسرائل تعلم جيدًا بأن إيران تستطيع تعويض قادتها العسكريين، لكن ليس بإمكانها تعويض علماء الذرة المقتولين على المدى القصير، أي إن هدف إسرائيل هو تفريغ إيران من علمائها الحقيقيين، الذين بإمكانهم إحداث نقلة نوعيّة لديها في مجال العلوم التجريبية عمومًا، والمجال النووي تحديدًا. كيف استطاعت إسرائيل قتل عقول إيران؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتجلى في الهجوم الأخير على إيران، حيث تم الكشف عن حجم الاختراق الاستخباراتي العميق الذي وصل إليه الموساد داخل البنية الإيرانية وبالتالي فإن كافة المراقبين والقائمين على المراكز البحثية يؤكدون أن إستراتيجية الأمن القومي لإسرائيل تعتمد على بوصلة استباقية، في سلوكها مع أي دولة أو جماعة أو فرد يمثل تهديدًا لأمنها القومي، فلا تقبل وجود أي تهديد من أي نوع ومن أي جهة. وقد بدا واضحًا لإسرائيل بعد الضربة السابقة لإيران أنها غير قادرة على حماية مجالها الجوي وقدراتها العسكرية، لذلك كانت إسرائيل أحرص الناس على منع إيران من امتلاك هذه القوة النووية، عن طريق تدمير العقل البشري الذي يتجلى في علماء الذرة، وهذا يرجع إلى سبب بسيط، هو أن إسرائيل تعلم أيضًا أن سر بقائها هو سلاحها النووي، الذي قد يكون -في المقابل- هو نفسه سبب فنائها إذا امتلك عدوها هذا السلاح الفتاك. وبالتالي نطرح التساؤل: كيف استطاعت إسرائيل قتل عقول إيران؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتجلى في الهجوم الأخير على إيران، حيث تم الكشف عن حجم الاختراق الاستخباراتي العميق الذي وصل إليه الموساد داخل بنية الاتصالات الإيرانية، فقد بات من الواضح أن تل أبيب لم تعتمد فقط على الأقمار الصناعية أو الطائرات المسيّرة، بل امتلكت قدرة مباشرة على رصد تحركات القادة في الحرس الثوري، والعلماء النوويين، والقيادات العسكرية العليا، عبر تتبع المكالمات والرسائل وبيانات المواقع الجغرافية. هذا النوع من الاختراق السيبراني ليس سابقة، فقد استخدمته إسرائيل سابقًا ضد حزب الله في لبنان، ما أدى إلى استهداف دقيق لقيادات الحزب، وتفكيك شبكته العملياتية. واليوم يتكرر السيناريو ذاته في إيران، مع فرق جوهري يتمثل في أن بنية الدولة الإيرانية أُصيبت في عمقها، دون أن تتمكن من صد أو حتى توقع الضربة. ففي زمن الحروب غير التقليدية، لم يعد اختراق المجال الجوي هو الأخطر، بل اختراق الهواتف والشبكات وأنظمة الاتصالات، وهو ما مكن العدو من تنفيذ عملية اغتيال معقدة ومنسقة دون خسائر تُذكر من جانبه. هذه الأهداف -رغم أهميتها- لا تعني أن المعادلة الإقليمية تغيّرت.. الرد الإستراتيجي الحقيقي يتطلب ضربات نوعية ومكلفة لإسرائيل، وإعادة رسم خطوط حمراء جديدة، وهو ما لم يحدث بعد إذًا، فالهجوم الإسرائيلي على إيران شكّل صدمة إستراتيجية، كشفت ثغرات استخباراتية وأمنية كبيرة في طهران، وأدى إلى خسائر فادحة شملت قادة عسكريين وعلماء نوويين، ما يضع النظام الإيراني أمام لحظة حرجة؛ فإما رد واسع محفوف بالخطر في ظل اصطفاف غربي مع إسرائيل، أو رد محدود يُفقده هيبته داخليًّا وإقليميًّا، حيث إن توقيت الضربة يعكس أهدافًا متعددة، من تعطيل التقدم النووي الإيراني إلى كبح التحركات الدولية بشأن القضية الفلسطينية. ومع أن إسرائيل كسبت الجولة الأولى، فإن مآلات الحرب لا تزال مفتوحة، وقد تحدد مصير النظامين في طهران وتل أبيب على السواء. هذا يجعلنا نطرح التساؤل الثاني: أغيَّر الرد الإيراني المعادلة، أم كان مجرد حفظ لماء الوجه؟ رغم أن إيران سارعت لتوجيه ضربات إلى إسرائيل بعد الهجوم الذي طال قادتها وعلماءها النوويين، فإن طبيعة هذا الرد تُظهر أنه أقرب إلى رد معنوي محدود، وليس تغييرًا فعليًّا في قواعد اللعبة؛ فالضربات لم تُحدث خسائر إستراتيجية لإسرائيل، ولم تُجبرها على تغيير نهجها الأمني أو التراجع عن سياساتها. بمعنى أوضح: لم يتغير ميزان القوى، وما فعلته إيران حتى الآن يخدم أهدافًا داخلية بالدرجة الأولى، مثل: ترميم صورتها المهزوزة أمام الرأي العام. طمأنة قواعدها الشعبية ومؤسساتها السياسية. الإيحاء بأن هيبتها لم تنهَر بالكامل. لكن هذه الأهداف -رغم أهميتها- لا تعني أن المعادلة الإقليمية تغيّرت.. الرد الإستراتيجي الحقيقي يتطلب ضربات نوعية ومكلفة لإسرائيل، وإعادة رسم خطوط حمراء جديدة، وهو ما لم يحدث بعد. لهذا، ما جرى هو رسالة معنوية أكثر من كونه ردًّا ردعيًّا حقيقيًّا، وما زالت إسرائيل حتى اللحظة صاحبة اليد العليا في توقيت ومكان وشكل المواجهة. إن الحرب الكبرى قد لا تبدأ بإعلان، بل بخطأ في التقدير، أو عملية تنفلت من حدود "التوازن المحسوب".. وعندها، لن تبقى نيرانها محصورة بين طهران وتل أبيب، بل ستمتد لتشعل الإقليم بأكمله خلاصة القول: نرى أن إيران تدرك أن قدراتها الحالية لا تضمن لها النصر في مواجهة مفتوحة ضد إسرائيل المدعومة أميركيًّا؛ وإسرائيل تدرك أن إشعال حرب شاملة قد يفتح عليها جبهات متعددة (لبنان، سوريا، العراق، اليمن)، في لحظة لا تتحمل فيها المنطقة مزيدًا من الانفجار. ومع ذلك، فإن الاستنزاف المتبادل سيستمر عبر الاغتيالات، والحروب السيبرانية، وضربات محسوبة النطاق، وهو ما يجعل كل جولة أشد خطورة من سابقتها. لكن في حال أقدمت إيران على رد نوعي يفوق التوقعات، كاستهداف قادة إسرائيليين بارزين، أو تنفيذ هجوم يضر ببرنامج إسرائيل النووي، فإن احتمال اندلاع حرب واسعة سيصبح واردًا جدًّا، وربما مفاجئًا. في النهاية، فإن الحرب الكبرى قد لا تبدأ بإعلان، بل بخطأ في التقدير، أو عملية تنفلت من حدود "التوازن المحسوب".. وعندها، لن تبقى نيرانها محصورة بين طهران وتل أبيب، بل ستمتد لتشعل الإقليم بأكمله.

تحليل رقصة صواريخ إيران التي أرهقت خورازميات "ثاد"
تحليل رقصة صواريخ إيران التي أرهقت خورازميات "ثاد"

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

تحليل رقصة صواريخ إيران التي أرهقت خورازميات "ثاد"

في ليلة الـ16 من يونيو/حزيران 2025، لم تكن السماء فوق تل أبيب مسرحا لمعركة تقليدية، بل خشبة رقص قاتلة. صواريخ فرط صوتية انطلقت من عمق إيران، لا تصيح ولا تزمجر، بل تنساب بسرعة تتحدى الإدراك، وتؤدي حركاتها المعقدة بين طبقات الغلاف الجوي كراقص محترف يتفادى كل يد تمتد لإيقافه. أمام هذا الأداء التقني الفائق، بدت خوارزميات" ثاد" -أكثر منظومات الدفاع الأميركية تقدما- كأنها تراقب رقصة لا تفهم خطواتها، ولا تعرف متى ولا أين ستنتهي. إن ما يجعل تلك الصواريخ ترقص بهذا التمرّد ليس سرعتها الخارقة فحسب، بل قدرتها على كسر كل قواعد الاشتباك المعروفة. فهي لا تتبع مسارا ثابتا، ولا تكتفي بالتحليق بسرعة تفوق 5 أضعاف سرعة الصوت، بل تتحول رؤوسها الحربية إلى أجسام انزلاقية مناورة، تغيّر اتجاهها وارتفاعها كما يشاء مصمّموها، متجنبة أي نقطة اعتراض محتملة. فهذا النمط الجديد من الحركة لا يمنح منظومات مثل "ثاد" سوى ثوانٍ قليلة للتعامل مع تهديد لا يسير وفق منطق الخوارزميات، بل يراوغها كما لو كان يعرف كيف تفكّر. رقصة الصواريخ الإيرانية التي استطاعت التغلب على خوارزميات "ثاد" لديها خصائص محددة مكنتها من أن تؤدي رقصتها الليلة باقتدار. – الرقص في المنطقة العمياء كان من المفترض أن يُغطي رادار "إيه إن/تي بي واي- 2" (AN/TPY-2) التابع لمنظومة "ثاد" السماء كما تغطي العين المدربة ساحة المعركة، بدقة تتجاوز الألف كيلومتر، لكن الرادار الأميركي، رغم قوته، صُمم لينظر إلى الأعلى، لا إلى الزوايا المائلة للغلاف الجوي. والصواريخ الإيرانية لم تأتِ من العلو، بل انزلقت في ارتفاعات ماكرة تتراوح بين 30-50 كيلومترا، وهي المنطقة الرمادية التي تُعرف تقنيا بـ"تحت أفق الكشف" (underflying detection horizon). وهناك، بين صمت الرادار وتأخر القرار، وجدت هذه الصواريخ مساحتها الحرة للرقص بعيدا عن أعين الخوارزميات. – مناورة داخل المتاهة الخوارزمية الرادار قد يراك، لكن هل يعرف أين ستذهب؟ هنا يبدأ الرقص الحقيقي. فالصواريخ الفرط صوتية الإيرانية لا تندفع بخط مستقيم وهو ما يفسر الرقصات التي كنا نشاهدها في سماء حيفا وتل أبيب، بل تُراوغ كأنها تدرك مسبقا كيف يفكر النظام المعادي. ففي كل ثانية، تُغير اتجاهها وارتفاعها، مما يُربك خوارزميات التتبع التي صُمّمت أصلا للتعامل مع أهداف تسلك مسارا شبه ثابت. وتعتمد منظومة "ثاد" على خوارزميات مثل "كالمان فلتر" (Kalman Filter)، التي تحاول باستمرار تقدير موقع الهدف وسرعته عبر سلسلة من الحسابات اللحظية. ومع كل مناورة مفاجئة، تبدأ الخوارزمية بإعادة الحساب. فإذا أضيف إلى ذلك وجود احتماليات متعددة للمسار -كما في خوارزمية (Multi-Hypothesis Tracking)- يصبح النظام منشغلا بمطاردة أشباح الحركة أكثر من الهدف الحقيقي نفسه. – اللحظة التي تنهار فيها الحسابات السرعة هنا ليست مجرّد رقم، بل عدوّ زمني للخوارزميات. حين تنطلق الصواريخ الإيرانية بسرعة تتجاوز ماخ 13 (Mach 13) -أي أكثر من 4 كيلومترات في الثانية- تتحول نافذة اتخاذ القرار داخل منظومة "ثاد" إلى لحظات خاطفة، بالكاد تكفي للرصد، فضلا عن التحليل أو إصدار أمر اعتراض. إعلان خوارزميات مثل "تتبع وأنت تمسح" (Track-While-Scan)، والمخصصة لمتابعة أهداف متعددة لحظيا، تجد نفسها في سباق مع سيل من البيانات المتغيرة، حيث لا يكفي أن ترصد، بل يجب أن تتوقع، وأن تفعل ذلك أسرع من سرعة الحركة نفسها. وفي تلك الثواني القليلة، تتجمّد المنظومة في حالة أشبه بـ"شلل رقمي"، تفقد فيه القدرة على الإمساك بمسار ثابت للهدف، لأن الهدف نفسه لا يملك مسارا واحدا. وأشار تقرير رسمي صادر عن مكتب تقييم الأداء في وزارة الدفاع الأميركية (DOT&E) في عام 2023 إلى هذا العجز بوضوح، إذ ذكر "تُشكّل الصواريخ الأسرع من الصوت تحديا للجداول الزمنية الحالية لأجهزة الاستشعار والصواريخ الاعتراضية، مما يتطلب إعادة النظر بشكل كامل في تسلسل الاشتباك" . – الرقص بين الطبقات… حيث لا أحد يرى تُصمم الأنظمة الدفاعية الحديثة على شكل طبقات متداخلة: طبقة عليا تعترض الصواريخ في الفضاء، مثل "إس إم-3" (SM-3)، وطبقة متوسطة مثل "ثاد"، وأخرى منخفضة مثل "باتريوت". ومن الناحية النظرية، يخلق هذا التدرج حزاما متعدد المراحل من الحماية. ولكن عند التطبيق، توجد بين هذه الطبقات فجوات تشغيلية تُعرف في العقيدة الدفاعية بـ"defense layer seams"، وهي مناطق يختلط فيها من يتولى مسؤولية الرصد، ومن يصدر أمر الاعتراض، ومن يمتلك القدرة على التنفيذ. كما صُمّمت الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية لتضرب بدقة داخل هذه المنطقة الرمادية. فهي لا ترتفع كثيرا لتواجه "إس إم-3″، ولا تهبط مبكرا كي تُعالج بفعالية من باتريوت، بل تبقى في النطاق الزمني والمكاني الذي يربك التوزيع الوظيفي بين الأنظمة. وهذه الفجوات ليست مجرد مساحات خالية في السماء، بل مساحات خالية في القرار، حيث يمر الصاروخ، لا لأنه أسرع فقط، بل لأن الأنظمة تتردّد فيمن يرد أولا. – سحابة التشويش: عندما تتجاوز الضوضاء سرعة القرار في ساحة الحرب الحديثة، لم يعد التحدي فقط في اعتراض صاروخ واحد ذكي، بل في التمييز بين الحقيقي والوهمي ضمن عاصفة من الإشارات. هذا ما يُعرف عسكريا باسم "الإغراق الدفاعي" (Saturation Attack)، وهو تكتيك يقوم على إطلاق عدد كبير من الأهداف -صواريخ، طائرات مسيرة، شراك إلكترونية- في وقت متزامن لتجاوز طاقة المعالجة القصوى لمنظومات الدفاع الجوي. ووفق دراسة لمؤسسة راند (RAND) نشرت عام 2022، فإن الإغراق الدفاعي الفعال لا يكتفي بإرباك الرادار، بل يصيب مركز القرار بالشلل اللحظي، إذ تشير الدراسة إلى أنه "يمكن أن تؤدي هجمات التشبع إلى إرباك ليس فقط أجهزة استشعار الرادار، ولكن أيضا دورات صنع القرار البشرية والخوارزمية التي يجب أن تحدد التهديدات الحقيقية وتعطي الأولوية لها وتتعامل معها". – الراقص الذي يقرر خطوته القادمة وحده لم تعد المناورة في الجيل الجديد من الصواريخ الفرط صوتية، مجرد استجابة مُبرمجة مسبقا، بل خيار لحظي يتخذه الرأس الحربي بناء على ما "يراه" في السماء. فبعض التقارير الغربية -منها تقرير لمركز راند حول "الاستقلالية القتالية في الذخائر التفاعلية"- تُشير إلى أن دولا مثل إيران والصين بدأت بتجريب خوارزميات ذكاء اصطناعي داخل أنظمة التوجيه، لاتخاذ قرارات حركة ذاتية في الزمن الحقيقي. وبهذا المفهوم، لا يعود الرأس الحربي مجرد مقذوف موجه، بل يتحول إلى راقص منفرد على مسرح السماء، يغيّر خطوته مع كل نبضة رادارية، لا لأنه مبرمج على الحركة، بل لأنه أصبح يفهم ما يدور حوله ويتصرّف بناء على ذلك. عندما تكسر الرقصة التوقعات تكون النهاية ما يجعل الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية بهذا القدر من الخطورة، ليس امتلاكها لميزة واحدة، بل تراكب 5 طبقات من التهديد: سرعة خارقة، مناورة لحظية، مسارات منخفضة، شراك تشويشية، وخوارزميات ذكاء اصطناعي تجعل من الرأس الحربي كيانا مستقلا في اتخاذ القرار. فكل واحدة من هذه الطبقات تُربك خوارزميات "ثاد"، لكن اجتماعها معا يجعل من كل محاولة اعتراض، أشبه بمحاولة الإمساك براقص قرر ألا يتبع الموسيقى التي تعرفها. أمام هذا النوع من التهديد، لا يعود السؤال: "هل يستطيع النظام اعتراض الصاروخ؟"، بل يصبح: "هل يفهم النظام أساسا ما يراه؟". الخطر الحقيقي لم يعد في الصاروخ، بل في اللحظة التي تصبح فيها الخوارزمية نفسها، هي الطرف الأبطأ في المعركة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store