
الخرطوم تعود رغم التحديات!
بعد فترة طويلة خيم فيها الصمت على المدينة، وطغت مناظر الشوارع المهجورة، والدمار الواسع، ومخلفات الحرب في الطرقات، بدأت الخرطوم تلتقط أنفاسها وتخطو تدريجياً لاستعادة حياتها متحدية الصعوبات، ومؤكدة أن إرادة الحياة والبناء تبقى أقوى.
من حملات النظافة وإزالة مخلفات الحرب من الشوارع وإصلاحها، إلى مشاريع إنارة بعض الشوارع في مدينة بحري بالطاقة الشمسية، إلى عودة فتح عدد من الأسواق، تشهد المدينة حركة نشطة تعكس عزم القيادات والمواطنين على إعادة البناء لكي تنهض العاصمة من جديد، إذ ابتعدت قليلاً عن صخب معارك السياسة، وأجواء الإشاعات وإثارة الإحباط في ساحات وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك الكثير من الخطوات والتحركات الإيجابية في سبيل استعادة الحياة وإعادة الإعمار، ربما بخطوات صغيرة، لكنها واثقة ومتحفزة لمواجهة التحديات، وهي كثيرة بلا شك.
قبل أيام أعلنت إحدى عشرة جامعة وكلية سودانية أنها سوف تستأنف العملية التعليمية من مقارها في ولاية الخرطوم بعد عيد الأضحى المبارك. هذه الخطوة فيها الكثير من الدلالات الرمزية والعملية، فهي لا تقتصر على استعادة النشاط الأكاديمي فحسب، بل ستساهم في عودة الأسر التي اضطرت للنزوح، إلى منازلها، لكي يلتحق أبناؤها بالدراسة، وبذلك ترسل أيضاً إشارة قوية إلى أن عاصمة البلاد بدأت خطوات استعادة عافيتها.
إلى جانب المؤسسات التعليمية، بدأت بعض الوزارات والهيئات الحكومية خطوات العودة لاستئناف عملها في الخرطوم، ما يعزز وجود الدولة ويُسرع عملية إعادة الأعمار. عودة هذه المؤسسات لن تكون مجرد خطوة إدارية، بل رسالة طمأنة للمواطنين وللمجتمع الدولي بأن العاصمة تعود إلى دورها الطبيعي بوصفها مركزاً للقرار والإدارة في السودان.
من الأخبار المبشرة في مسيرة التعافي، الإعلان عن الاستعدادات لتشغيل مطار الخرطوم لاستقبال طائرات الشحن بوصفها مرحلة أولى، وهي خطوة لها دلالات معنوية وعملية كبيرة. فمن الناحية الرمزية، يعود المطار جزئياً بوابة للعاصمة نحو العالم، مما يعزز الثقة في عودة الحياة الطبيعية. أما عملياً، فإن تشغيل المطار يعني تسهيل وتسريع نقل البضائع والأدوية والمواد الإغاثية التي تحتاج إليها العاصمة والمناطق المحيطة بها.
المطار ليس مجرد منشأة لوجيستية، بل هو شريان أساسي للحياة، وتشغيله يمثل رسالة بأن الخرطوم لن تبقى معزولة عن العالم، وأنها قادرة على استعادة دورها، وضخ الحياة في منافذها الحيوية.
في قلب هذه التحولات، يذكر كثيرون دور والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، الذي ظل هو وطاقمه يعملون بكد وإصرار، وبدعم من الحكومة من أجل إعادة الحياة إلى العاصمة. لم يغادر الوالي المدينة رغم التحديات، وظل يتابع الملفات المختلفة، من إصلاح البنية التحتية إلى تنسيق الجهود بين المؤسسات الحكومية والجهات المحلية وأحياناً الدولية. وكلما حرر الجيش منطقة، ترى الوالي يسارع إلى زيارتها لبحث كيفية ضخ الحياة فيها، والتعاون مع المواطنين والجهات المختصة لاستعادة الخدمات الضرورية.
هناك بالطبع عدد كبير من القيادات ومن المواطنين الذين لم يغادروا الخرطوم بمحلياتها المختلفة، على الرغم من قسوة الأوضاع، وهو ما ساعد على بقاء النسيج الاجتماعي حياً ومتماسكاً، وشجع كثيرين على العودة.
اليوم ترى رحلات العائدين من مراكز النزوح واللجوء متواصلة، بينما تسمع أن كثيرين يحزمون حقائبهم استعداداً للعودة إلى ديارهم تزامناً مع فترة العيد. فالناس يعرفون أن الملاجئ لا يمكن أن تصبح وطناً، وأن إعادة البناء والإعمار تتحقق بسواعد السودانيين، وتنشط بعودتهم إلى ديارهم.
كل المناطق التي عاد إليها أهلها بدأت تتعافى تدريجياً وتدب فيها الحياة. من مدينة مدني، حاضرة ولاية الجزيرة، إلى مدينتي بحري وأم درمان في ولاية الخرطوم. في هذا الصدد تبقى محلية كرري في أم درمان شاهداً على معنى صمود الناس، وبقائهم في بيوتهم رغم كل التحديات. ففي هذه المحلية بدأت مظاهر الحياة تدب منذ وقت طويل، وتدريجياً عادت أسواقها تنبض بالحركة، واكتظت شوارعها بالناس، واستعادت حركة المواصلات نشاطها.
هذا التعافي يقدم نموذجاً على قدرة العاصمة على التعافي الذاتي، ويمنح باقي المحليات دفعة للمضي في المسار ذاته.
الخرطوم لا تزال تواجه تحديات كبيرة، بعضها أمني، وآخر خدمي، لكن ما يجري على الأرض، يؤشر إلى بداية تحول حقيقي. فمع كل خطوة نحو إصلاح البنية التحتية وتحسين الخدمات، تشرع الخرطوم أبوابها أكثر لاستقبال العائدين، وتخطو نحو استعادة دورها بوصفها عاصمة نابضة بالحياة. العودة التدريجية للجامعات والوزارات، وتشغيل المطار تدريجياً، وحملات إزالة مخلفات الحرب، وصمود المواطنين، كلها خطوات تؤكد أن العاصمة تسير على طريق العودة إلى الحياة الطبيعية، واستعادة دورها.
الخرطوم في كل خطوة تخطوها نحو التعافي، لا تعود فقط بوصفها عاصمة جغرافية أو إدارية، بل تعود بوصفها رمزاً لصمود شعب عانى كثيراً من جراء هذه الحرب، ومدينة تأبى أن تنكسر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

صحيفة سبق
منذ 3 ساعات
- صحيفة سبق
الكلية التقنية برماح تودّع عميدها "عمار بن إبراهيم" بعد مسيرة 4 أعوام
ودّع منسوبو الكلية التقنية برماح عميد الكلية عمار بن إبراهيم رده، بعد أن أمضى أربعة أعوام في منصب العمادة، تاركًا أثرًا بارزًا في مسيرة الكلية وتطورها. ويُعد عمار من المؤسسين الأوائل للكلية منذ إنشائها عام 1436هـ، حين كانت فرعًا تابعًا للكلية التقنية بالرياض. وقد تنقّل خلال هذه الرحلة في عدد من المناصب القيادية، بدءًا من رئاسة أحد الأقسام، ثم وكيلاً للكلية، حتى أصبح مشرفًا عامًا على الفرع. وفي عام 1442هـ، تحققت نقلة نوعية في تاريخ الكلية، إذ أصبحت مستقلة بعد نجاح خطط التوسع وتحقيق معايير التحويل المعتمدة، وذلك تحت إشراف ودعم مباشر من الأستاذ عمار. كما عُرف عمار بدعمه للأنشطة المجتمعية، حيث ساهم في إطلاق وتنفيذ برامج متعددة تهدف إلى خدمة المجتمع المحلي وتعزيز الشراكة المجتمعية. ويتقدّم منسوبو الكلية بخالص الشكر والتقدير لعمار بن إبراهيم رده على ما قدّمه من جهود مخلصة، متمنين له دوام التوفيق والسداد في مسيرته القادمة.


صحيفة سبق
منذ 4 ساعات
- صحيفة سبق
وزير التعليم يرعى حفل تخرج معهد العاصمة النموذجي لعام 1446هـ
رعى وزير التعليم رئيس مجلس إدارة معهد العاصمة النموذجي الأستاذ يوسف بن عبدالله البنيان، الحفل الختامي ومسيرة الخريجين لمعهد العاصمة النموذجي للعام 1446هـ، والذي أُقيم مساء أمس الخميس في مقر الوزارة بمدينة الرياض، بحضور مدير عام المعهد الأستاذ عادل الطخيم، وعدد من القيادات التعليمية، وأولياء أمور الطلبة. وشهد وزير التعليم والحضور مسيرة الطلبة الخريجين، إلى جانب عرض مرئي عن منجزات المعهد خلال العام الدراسي الحالي. وألقى مدير عام المعهد كلمة بهذه المناسبة، وجه فيها الشكر لوزير التعليم على رعايته ودعمه لمسيرة المعهد؛ مشيرًا إلى تخريج الدفعة الـ67 من طلابه هذا العام، ليستكملوا رحلتهم العلمية وخدمة وطنهم. وتضمّن الحفل أوبريتاً وطنياً بعنوان: 'ملوك البلاد ومعهد الأمجاد' من كلمات الدكتور محمد الخليف، وأداء طلاب وأطفال المعهد، إضافة إلى مشاركات طلابية وفنية متنوعة، فيما اُختتم الحفل بالتقاط صورة جماعية للخريجين مع معالي وزير التعليم، وبعدها العرضة السعودية.


العربية
منذ 4 ساعات
- العربية
في طريقهم إلى ليبيا.. وفاة 12 سودانيا في حادث مروري
قالت السلطات الليبية، الجمعة، إن 12 لاجئا سودانيا لقوا مصرعهم في حادث تصادم "مروّع"، عندما كانوا في طريقهم إلى مدينة الكفرة جنوب البلاد، في حادثة جديدة تعكس حجم التهديدات التي تواجه آلاف السودانيين الفارّين من الحرب في بلادهم. ووفقا لجهاز الإسعاف والطوارئ بمدينة الكفرة، نتج الحادث عن تصادم بين سيارة وشاحنة كبيرة على الطريق العام شمال المدينة، ممّا أدّى إلى وفاة 12 شخصا من بينهم أطفال ونساء وإصابة اثنين بجروح، وجميعهم يحملون الجنسية السودانية، وقد تم نقل الجثامين والمصابين إلى المستشفى. ويأتي هذا الحادث، بعد أسبوع من تسجيل وفاة 11 لاجئا سودانيا جراء العطش، بعد أن تعطلت مركبتهم في عمق الصحراء الكبرى الليبية، وهي حوادث تسلط الضوء على الواقع القاسي الذي يعيشه اللاجئون السودانيون الذين يسلكون طرقا وعرة محفوفة بالمخاطر، والتهديدات التي تواجههم في محاولتهم الوصول إلى ليبيا، بحثا عن الأمان وهربا من المعارك المستمرّة في بلادهم. ومنذ اندلاع الحرب في السودان، تشهد مدينة الكفرة تدفق مئات السودانيين بشكل كبير، حيث قدّرت السلطات المحليّة، دخول أكثر من 1000 لاجئ سوداني يومياً، بينما كشفت المنظمة الدولية للهجرة، أنّ عدد السودانيين يمثلون 18 في المئة من إجمالي المهاجرين في ليبيا.