logo
هل يجب على دمشق رفض دفع ديون الأسد «البغيضة»؟

هل يجب على دمشق رفض دفع ديون الأسد «البغيضة»؟

الشرق الأوسطمنذ 4 ساعات

تسعى سوريا للاندماج من جديد في الاقتصاد العالمي، بعد عقود من العزلة تحت حكم بشار الأسد، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة في دمشق ستصبح ملزمة بسداد الديون الضخمة التي تكبدها النظام السابق أثناء الحرب.
وأعلن دونالد ترمب، الثلاثاء الماضي، أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات عن سوريا، وجاء هذا الإعلان قبل لقائه برئيس البلاد الجديد أحمد الشرع، الذي تولى فيما سبق قيادة جماعة «هيئة تحرير الشام»، الجماعة المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد في ديسمبر (كانون الأول).
وفي خضم محاولات الحكومة الجديدة إعادة بناء الاقتصاد السوري المنهك، يبرز ملف الديون السيادية الضخمة، باعتباره من القضايا التي يتعين التعامل معها. فنظام الأسد اقترض مبالغ ضخمة، معظمها من روسيا، وإيران، بعد اندلاع الحرب الأهلية في مارس (آذار) 2011.
توقيع مذكرة تفاهم مايو 2023 بين الأسد وإبراهيم رئيسي في دمشق لخطة التعاون الشامل الاستراتيجي طويل الأمد مع طهران (سانا)
عندما أثار الصحافيون الإيرانيون، ديسمبر الماضي، موضوع «ديون سوريا لإيران بمبلغ 50 مليار دولار» خلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، نفى الأخير أن يكون المبلغ «50 مليار دولار»، دون أن ينفي وجود ديون على سوريا. ودعا الحكم الجديد في دمشق إلى الالتزام بتعهداته وفقاً للاتفاقيات والعقود المبرمة مع نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وذلك في الوقت الذي يشوب الغموض العلاقات بين سوريا وإيران التي وقفت إلى جانب الحكم السابق منذ 2011 بالعديد، والعدة، والمال، والميليشيات.
وفي مارس (آذار) الماضي كشفت مصادر دبلوماسية عن محادثات تجري بين دمشق وموسكو بشأن الديون السورية المستحقة للحكومة الروسية، والتي تتراوح بين 20 و23 مليار دولار.
سوريون خارج البنك التجاري السوري في دمشق 14 مايو بعد إعلان الرئيس الأميركي إنه سيأمر برفع العقوبات عن سوريا (رويترز)
بيد أن التساؤل الأكبر اليوم، هل يمكن للحكومة السورية الجديدة أن ترفض سداد هذه الديون، بحجة أن الأموال، بشكل مباشر أو غير مباشر، كانت تُستخدم في محاولة قمع الثورة التي فرضت كلمتها في النهاية؟ الحقيقة، هذه ليست مسألة بسيطة؟ يثير تقرير في «رويترز» هذا التساؤل على لسان اثنين من المتخصصين يحاضران ويكتبان بانتظام عن ديون الدول السيادية، وهما لي سي بوشيت، أستاذ فخري في كلية الحقوق بجامعة إدنبره، وميتو غولاتي، أستاذ في كلية الحقوق بجامعة فرجينيا.
شقة تم ترميمها (أعلى الوسط) في بناية سكنية متضررة بشدة في حي الوعر بحمص فترة الحرب السورية (أ.ب)
تُعد مسألة «خلافة الحكومات»، أو تعاقبها، من أشد القواعد صرامة في القانون الدولي. إذ يُفترض أن ترث الحكومات الجديدة في أي دولة الحقوق والالتزامات التي خلفتها الإدارات السابقة، بغض النظر عن اختلاف الآيديولوجيات السياسية فيما بينها، فالالتزامُ بسداد الديون التي تكبدتها تلك الأنظمة السابقة التزام مطلقٌ، أو يكاد يكون كذلك. سواءً كان البلاشفة قد استبدلوا القيصر في روسيا عام 1917، أو كورازون أكينو أطاحت بـفرديناند ماركوس في الفلبين عام 1986، أو ترمب حلّ محل جو بايدن عام 2025، فإن المبدأ القائم يظل واحداً: كل حكومة جديدة ترث التزامات السابقة، حتى لو اعتبرتها فاسدة، أو غير مدروسة.
في الواقع، ما من استثناءات كثيرة لهذه القاعدة، لكن الاستثناء الأكثر إثارة للجدل، خاصة على الصعيد القانوني، ما يعرف بـ«الديون البغيضة». تخيل ديكتاتوراً فاسداً يقترض أموالاً باسم بلد ما، ثم يسرق تلك الأموال ويهرب إلى الريفييرا الفرنسية. هل من العدل أو القانون أن يُطلب من المواطنين المقهورين سداد تلك القروض التي لم يستفيدوا منها بأي صورة من الصور؟
لقد ناقش علماء القانون هذه المسألة لأكثر من قرن دون التوصل إلى إجماع، ويرجع ذلك في الغالب إلى عجزهم عن الاتفاق حول ما يجعل ديناً ما (أو مديناً ما) مقيتاً لدرجة اعتباره «بغيضاً» من المنظور القانوني.
وعليه، بحسب الخبيرين، من غير المرجح أن تتمكن الحكومة السورية الجديدة من استغلال هذه الحجة بنجاح للتنصل من ديون الأسد.
صورة ضخمة لبشار الأسد على الأرض داخل القصر الرئاسي في دمشق (أ.ب)
رغم ذلك، هناك نمط واحد من الديون يتفق معظم الناس على أنه لا ينبغي أن يُلزم الحكومة الجديدة؛ وهو ما يعرف بـ«ديون الحرب». ويتمثل السيناريو الكلاسيكي هنا في أن ثواراً يقاتلون النظام الحاكم من أجل فرض السيطرة على البلاد، والنظام يقترض المال لشراء الأسلحة، وقمعهم. إذا انتصر الثوار، فهل من المنطقي أن يُجبروا على سداد تلك الأموال التي استُخدمت في الأساس لمحاربتهم، وإقصائهم عن الحكم؟
في هذا الصدد، ثمة سوابق تاريخية: عام 1883، رفضت الحكومة المكسيكية سداد ديون كان قد اقترضها الإمبراطور ماكسيميليان من هابسبورغ، في خضم محاولته التشبث بالسلطة. وبعد اشتعال حرب البوير عام 1899، اتخذت بريطانيا موقفاً مفاده بأنها ستعترف فقط بالديون التي تكبدتها حكومة جنوب أفريقيا قبل بداية الحرب، وليس بعدها. أما الحجة التي ساقتها لتبرير ذلك، فكان هنا أن الطرف المنتصر في حرب ما ليس ملزماً بسداد الديون التي تكبدها الطرف المهزوم بعد بدء القتال.
وفي السبعينات، رفضت كمبوديا سداد ديون للولايات المتحدة تعود إلى عامي 1974 - 1975، حين كان نظام لون نول، المدعوم من واشنطن، يقاتل في حرب أهلية خسرها أمام «الخمير الحمر». وإذا ما اعتبرنا أن «ديون الحرب» تشكل بالفعل استثناءً قانونياً معترفاً به لمبدأ خلافة الحكومات، فقد تستطيع الحكومة السورية الجديدة استغلال هذا الأساس القانوني، خاصة أن الأسد اقترض أموالاً أثناء القتال.
ورغم ذلك، تبقى هناك تساؤلات أشد تعقيداً: هل يجب التفرقة بين الأموال الجديدة التي جرى إقراضها بعد بداية الحرب، والأخرى القديمة التي استُحق سدادها أثناء القتال، لكن جرى إرجاء سدادها باتفاق طوعي؟ كل من النمطين أسهم في تمويل الحرب.
والأمر المؤكد أن تسوية ملف ديون سوريا ستكون عملية معقدة، لكن قد تكون لدى الحكومة الجديدة ورقة رابحة قانونياً في يدها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تعاون بين «الصندوق العربي للطاقة» و«ستون بيك» لتعزيز البنية التحتية في الشرق الأوسط
تعاون بين «الصندوق العربي للطاقة» و«ستون بيك» لتعزيز البنية التحتية في الشرق الأوسط

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

تعاون بين «الصندوق العربي للطاقة» و«ستون بيك» لتعزيز البنية التحتية في الشرق الأوسط

أعلن «الصندوق العربي للطاقة»، المعروف سابقاً باسم «أبيكورب»، والمختص في الاستثمار في قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دخوله في شراكة استراتيجية بقيمة مليار دولار مع «ستون بيك» الأميركية، أكبر شركة مستقلة عالمياً في مجال الاستثمار في البنية التحتية، وذلك بهدف الاستثمار في مشاريع البنية التحتية للطاقة في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط. وبحسب بيان للصندوق، الاثنين، تهدف الاتفاقية إلى التركيز على الاستثمارات في قطاع الطاقة، بما يسهم في بناء بنية تحتية استراتيجية تدعم احتياجات المنطقة المستقبلية. وقال الرئيس التنفيذي لـ«الصندوق العربي للطاقة»، خالد الرويّغ: «تُشكّل هذه الشراكة الاستراتيجية خطوة مفصلية في سعينا لحشد رؤوس الأموال العالمية لدعم مشهد الطاقة المتغير في المنطقة. ومن خلال شراكتنا مع (ستون بيك)، نهدف إلى تسريع تطوير منظومة طاقة مرنة ومواكبة للمستقبل، تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وأمن الطاقة في منطقة الشرق الأوسط». بدوره، قال الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة والمؤسس الشريك لـ«ستون بيك»، مايك دوريل: «أولت دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، أهمية كبرى لتنويع مصادر الطاقة، وحددت أهدافاً طموحة في هذا الإطار. ويسرّنا أن نتعاون مع الصندوق العربي للطاقة للمساهمة في بناء وتطوير شركات تركز على هذا القطاع الحيوي».

الإسكان: ضاحية الفرسان غير مشمولة في قرارات النزع وحجوزات الوحدات مستمرة
الإسكان: ضاحية الفرسان غير مشمولة في قرارات النزع وحجوزات الوحدات مستمرة

مباشر

timeمنذ ساعة واحدة

  • مباشر

الإسكان: ضاحية الفرسان غير مشمولة في قرارات النزع وحجوزات الوحدات مستمرة

الرياض - مباشر: أوضحت وزارة البلديات والإسكان، أن مشاريع ضاحية الفرسان الواقعة في شمال شرق مدينة الرياض غير مشمولة في عمليات النزع المعلن عنها مؤخرًا. وأوضح وكيل الوزارة لتحفيز المعروض السكني والتطوير العقاري عبدالرحمن الطويل، أنه يجري العمل على تنفيذ المزيد من المشاريع السكنية في الضاحية، بالتعاون مع المطورين العقاريين المحليين والدوليين بإشراف الذراع التنفيذي للوزارة NHC، بما يسهم في تحفيز المعروض السكني وتحقيق التوازن العقاري المناسب حسب التوجيهات الكريمة لتلبية تطلعات المواطنين، وفقا لوكالة أنباء السعودية "واس"، اليوم الاثنين. وأشار، إلى أن خدمة حجز الوحدات السكنية في مشاريع الضاحية مستمرة عبر القنوات الرسمية، وأن عمليات التسليم للوحدات السكنية تتم فور اكتمالها. ولفت الطويل النظر، إلى أن "ضاحية الفرسان" تُعد من أكبر المشاريع العمرانية التي يتم تنفيذها، حيث تمتد على مساحة 35 مليون متر مربع، وتوفر أكثر من 50 ألف وحدة سكنية تستوعب أكثر من 250 ألف نسمة، وتتميز بوجود أكثر من 190 مرفقًا حيويًا تشمل مرافق تعليمية وصحية ورياضية وترفيهية وغيرها، داعيًا إلى ضرورة استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال أبل ستور أو جوجل بلاي

الخريف يبحث تعزيز التعاون الصناعي مع وزير الاستثمار والتجارة الماليزي
الخريف يبحث تعزيز التعاون الصناعي مع وزير الاستثمار والتجارة الماليزي

مباشر

timeمنذ ساعة واحدة

  • مباشر

الخريف يبحث تعزيز التعاون الصناعي مع وزير الاستثمار والتجارة الماليزي

الرياض - مباشر: التقى وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر بن إبراهيم الخريف، بمقر الوزارة اليوم الاثنين، وزير الاستثمار والتجارة والصناعة الماليزي تنكو داتوك، وبحث معه سبل تعزيز العلاقات الثنائية الاقتصادية، وتطوير التعاون المشترك بين البلدين في قطاع الصناعة، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات المتبادلة. واستعرض اللقاء مستهدفات رؤية المملكة 2030 لتنويع الاقتصاد الوطني، إلى جانب التعريف بالإستراتيجية الوطنية للصناعة، ودورها في تعزيز القدرات التصنيعية للمملكة، وتنمية المحتوى المحلي، وأبرز القطاعات الصناعية الواعدة التي تركز على المملكة توطينها وتطويرها، وفقا لوكالة أنباء السعودية "واس". وأكد اللقاء مقومات المملكة الإستراتيجية التي تجعلها وجهة عالمية جاذبة للاستثمارات، ومنها الموقع الجغرافي الذي يربط بين 3 قارات، ووفرة الموارد الطبيعية، وسهولة الإجراءات الحكومية، وتنافسية أسعار الطاقة، والبنية التحتية المتطورة، وبحث اللقاء سبل تنمية الاستثمارات المشتركة بين المملكة وماليزيا، والممكنات والحوافز المقدمة لتسهيل رحلة المستثمرين، إضافة إلى الفرص الاستثمارية النوعية المتاحة في المملكة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store