
أقاديشٌ رتَّلَ بيبي؟
في حضرة كبار القادة والساسة، تلا هو وأفراد عائلته صلاة "قاديش" اليهودية، سائلين الغفران والرحمة، كأنّ السماء لا تعرف ما تصنعه أيديهم في الأرض.
أيُّ صلاة تلك التي ترتفع من فم رجلٍ خاض العشرات من حروب القتل والتهجير والتدمير لكل معالم الحياة في فلسطين ولبنان؟ كيف لابتهالٍ أن يُسمع، إذا تردَّد صداه من بين أنقاض البيوت المُهدّمة على رؤوس ساكنيها في غزة والضفة وجنوب لبنان وضاحية عاصمته بيروت؟
هل يستجيب الربّ لصلوات تُتلى فوق رماد المدارس والمستشفيات ودور العبادة من كنائس ومساجد؟ كيف يمكن لقاتلٍ أن يطلب السلام، وهو من أشعل النيران في كل زاوية من غزّة، وفي كل بيتٍ في جنين، وفي كل شارعٍ من نابلس، وفي كل زقاق من خان يونس؟
أراد نتنياهو لقبر أخيه أن يكون مَعلمًا للبطولة، لكن البطولة كانت – وما زالت – على الجانب الآخر، في وجه من قاوم وحدات الكوماندوز الاسرائيلي ، بأجساد المقاومين في "عنتيبي".
"عنتيبي"، أو كما أصرّت الرواية الصهيونية على تسميتها بـ"عملية تحرير الرهائن"، لم تكن بطولة كما زعمت آلة الدعاية العسكرية، بل كانت فصلًا من فصول التعتيم على الحقيقة.
في السابع والعشرين من حزيران عام 1976، اختُطفت طائرة فرنسية كانت متجهة من تل أبيب إلى باريس، على متنها صهاينة وغربيون، في محاولة من الفدائيين الفلسطينيين وبالتعاون مع رفاقهم من "الخلايا الثورية" الألمانية، لإيصال صرخة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال إلى مسامع العالم الغربي الصمّاء.
لم يكن الخطف هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة للضغط من أجل الإفراج عن العشرات من المعتقلين السياسيين، رجالًا ونساءً، يقبعون خلف القضبان بلا محاكمات في المعتقلات الاسرائيلية.
حُوّل مسار الطائرة إلى مطار عنتيبي في أوغندا، حيث تم فصل الركاب الإسرائيليين واحتجازهم، بينما أُطلق سراح غيرهم، تأكيدًا على أن الرسالة سياسية، لا عشوائية ولا انتقامية.
لكن "إسرائيل"، كعادتها، اختارت الدم على التفاوض. أرسلت قوة نخبة بقيادة يوني نتنياهو، ونفذت عملية عسكرية خاطفة انتهت باستشهاد جميع الخاطفين، وعدد من الجنود الأوغنديين، ومقتل رهينة فرنسية لاحقًا، أُعدمت انتقامًا.
الرواية الإسرائيلية حوَّلت مقتل يوني إلى أسطورة قومية، ومُسحت تمامًا الخلفيات السياسية والإنسانية للفعل المقاوِم، وضُيّعت أسماء الأسرى ومطالبهم كما تُضيع الحقيقة في دخان المدافع. اليوم 08:12
5 تموز 10:10
"عَنتيبي" لم تُروَ قصتها في كُتُب الصهاينة، ولم تُتلَ في صلوات نتنياهو وسارة ويائير وأفنير.
أما الجبل، فليس كما وسَموه. "جبل هرتسل" لم يكن دومًا بهذا الاسم. مقزز كيف أن الصهاينة يسرقون أسماء وأمكنة الجبال والسهول والأنهر. خطفوا العناوين الفلسطينية إلى سجلات رواياتهم.
"هرتسل" جبل فلسطيني، مسيحيّ الجذور، يعرفه الحجّاج الأوائل باسم "جبل القديسين"، حيث كانت تقام الصلوات منذ القرون الأولى للميلاد. بُنيت على سفحه كنائس بيزنطية، واحتضن في ترابه رهبانًا ونسّاكًا، ونُقشت على صخوره رموز دينية ما زال بعضها ظاهرًا حتى اليوم، رغم محاولات الطمس والتغيير.
هذا الجبل كان شاهدًا على عبادة الله قبل أن يُنسب إلى مشروع استيطاني.
المؤرخون الحقيقيون يعرفون "هرتسل". ساعدتهم على المعرفة الحفريات القديمة التي كشفت عن قبور تعود لرهبان سريان ومسيحيين من الفلسطينيين الأوائل، ممن عاشوا حياة الزهد والصلاة، وارتبطت حياتهم وسِيَرُهم بطقوس أسبوع الآلام والصعود المقدّس.
نتنياهو حوّل مكانًا روحيًا مقدّسًا إلى مسرحٍ للاحتفاء بمجرم حرب. هكذا كان شقيقه، وهذا ما هو عليه من يصلّي عليه اليوم. صلاة محوَّرة من فم رجلٍ مزوَّر في أرضٍ يزوّرون تاريخها. تزوير وتَحويرٌ لا يصمدان أمام ذاكرة الأرض.
في هذا المشهد، يلتقي الزيف بالتاريخ. أراد نتنياهو أن يُشيّد " قاديش" على مذبحة. نسي أن المجازر لا تُمحى بصلاة، وأن المجد لا يُصنَع من دخان المدافع.
يضع نتنياهو الزهر على قبر شقيقه بيد، فيما دماء الأبرياء تنهمرُ من يده الأخرى. كلتا يديه دماء. قصف المدارس. قصف الخيم. قصف المعابد. قصف الحياة. أهذا تأبينٌ أم تجاهلٌ متعمَّد لكل من سقط بفعل جيشٍ هو ربيب داعش؟
لنا أن نسأل، لا بمرارة، بل بدهشة إنسانية صافية: هل تُبارَك ذكرى يشارك فيها من يتحمل مسؤولية خنق الحياة في غزة؟ هل يسمع الله الصلاة، إذا خرجت من فمٍ لم يعرف غير إعطاء أوامر القتل؟
النسيان للأفراد. الشعوب لا تنسى. ومن حُفر اسمه فوق أجساد الأبرياء، لن يجد له مقامًا في ضمير الأرض. أما التراب، فإن سُرق على غفلة، فهو يحنّ لأصحابه كلّ حين. البطولة، كل البطولة، هي لمن صمد... لا لمن قصف، ولأن الأرض تحفظ أسماء من ماتوا لأجلها، فإنها لا تفتح ذراعيها للغزاة، مهما أقاموا فوقها النُصُب والمزارات والصلوات.
تلك الحجارة التي حاولوا أن يصنعوا منها سردية بطولة، ترتجف كلما مرّت فوقها أقدام طفلٍ ناجٍ من المجازر، لأن الحقيقة أثقل من الرُكام، وأصدق من أفلام التوثيق.
لم تكن "عملية عنتيبي" إلا واحدة من محطات القهر، حيث أُريد للعالم أن يرى وجهًا واحدًا للحكاية، بينما وُئدت الروايات الأخرى في ليلٍ طويل. لكن الليل لا يدوم. وكل دعاء خرج من تحت الأنقاض سيجد صداه، يوماً، في عدالة لا تتبدّل، وإن طال انتظارها. لأن ما يُكتب بالدم لا يُمحى بالحبر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
غزة: عشرات الشهداء والجرحى وقصف إسرائيلي مركّز على شمال وشرق القطاع
أفاد مراسل الميادين باستشهاد 48 فلسطينياً منذ فجر اليوم الأحد، من جراء اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ الفجر. "ما لا يقل عن 22 شهيداً في #غزة منذ ساعات الفجر الأولى."التفاصيل مع مراسل #الميادين، أكرم دلول #الميادين التفاصيل، ارتقى العديد من الشهداء والجرحى، في قصف إسرائيلي استهدف خيمة تؤوي نازحين، في مواصي مدينة خان يونس، جنوبي القطاع. وذكر مراسلنا أن 16 شهيداً، بينهم أطفال، وسيدة حامل، وصلوا مستشفى ناصر، في خان يونس، منذ ساعات الفجر. كما استشهد 3 مواطنين فلسطينيين وأصيب آخرون، من جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلاً في حي التفاح شمال شرقي مدينة غزة، إضافة إلى جرحى أصيبوا في قصف الاحتلال على شارع كشكو، بحي الزيتون، جنوب شرقي المدينة. وقرب مركز مساعدات، شمال رفح، قضى 3 شهداء بنيران "جيش" الاحتلال، حسبما أفاد المراسل. مخيم الشاطئ شهد أيضاً ارتقاء عدد من السهداء والجرحى، في استهداف إسرائيلي لمدرسة أبو عاصي، وفقاً لمراسل الميادين. 6 تموز 6 تموز ويتواصل القصف الإسرائيلي على شرق القطاع وشماله، وقد أُفيد بسقوط قذيفة مدفعية إسرائيلية، في محيط مسجد حمزة في حي الدرج، بمدينة غزة. "قصف إسرائيلي متواصل على شرق وشمال قطاع #غزة، وعالقون تحت أنقاض منزل في حي الزيتون"التفاصيل مع، مراسل الميادين، أكرم دلول 👇#فلسطين غضون ذلك، تنسف قوات الاحتلال عدداً من منازل المواطنين شرقي مدينة غزة. قصفٌ إسرائيليٌّ وحشيّ على مختلف مناطق غزة، وسقوط عشرات الشهداء والجرحى، وسط أوضاع إنسانية متدهورة يوماً بعد يوم.المزيد من التفاصيل مع مراسل #الميادين، أكرم دلول. الاحتلال الإسرائيلي، قد ارتكب أمس السبت، مجزرة بحق مجموعة من المواطنين في منطقة "المخيم 2" بالنصيرات، حيث أفادت مصادر طبية في مستشفى العودة وسط القطاع، بوصول 8 شهداء بينهم 5 أطفال، و18 إصابة جُلّهم من الأطفال. وزارة الصحة في قطاع غزة، كشفت عن وصول 80 شهيداً و304 إصابات، إلى مستشفيات القطاع، خلال الـ24 ساعة الماضية، مشيرةً إلى بقاء عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم. وترتفع بذلك حصيلة حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على غزة إلى 57,418 شهيداً و 136,261 جريحاً منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. كما ذكرت الوزارة في بيانها، أن عدد الشهداء بلغ الـ 6,860، فيما بلغ عدد الجرحى الـ 24,220، منذ استئناف الحرب على غزة في آذار/مارس الفائت. من جهته، أدان المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع، ضلوع مجموعة "بوسطن الاستشارية" و"غزة الإنسانية" في مخطط أميركي إسرائيلي لتهجير الشعب الفلسطيني.


صدى البلد
منذ 3 ساعات
- صدى البلد
المنتدى الإستراتيجي للفكر: التهدئة في قطاع غزة دخلت مرحلة الحسم
أكد محمد أبو شامة، مدير المنتدى الاستراتيجي للفكر، على أن المفاوضات الجارية بشأن التهدئة في قطاع غزة دخلت مرحلة الحسم، خاصة بعد الرد الإيجابي من حركة حماس على المقترح المطروح، مع بعض التعديلات، يقابله رفض إسرائيلي لهذه التعديلات، مشيرًا إلى أن وفدًا إسرائيليًا وصل بالفعل إلى الدوحة للمشاركة في مفاوضات غير مباشرة مع قيادة حماس. ضغوطًا مباشرة على نتنياهو وقال أبو شامة، خلال مداخلته في برنامج "ملف اليوم"، المذاع على قناة القاهرة الإخبارية، وتقدمه الإعلامية آية لطفي، إن الوساطة الدولية تسعى حاليًا لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، لكن الحسم الحقيقي قد يكون في واشنطن، وليس في الدوحة، حيث من المتوقع أن يمارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطًا مباشرة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما المرتقب. وأوضح أن أجندة الاجتماع في البيت الأبيض تشمل ملفات معقدة، من أبرزها مستقبل الحرب في غزة، الملف الإيراني، تسليح إسرائيل بعد استنزاف قدراتها العسكرية، وحتى مستقبل نتنياهو السياسي نفسه. وأشار إلى أن نتنياهو يسعى للخروج الآمن سياسيًا من أزمته الداخلية، وأن ترامب قد يكون طرفًا فاعلًا في تقديم ضمانات تتيح التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بل وربما إنهاء الحرب في غزة بشكل كامل. وأضاف أبو شامة أن الهدنة لا تزال معلقة منذ عدة جولات تفاوضية سابقة، وغالبًا ما كانت تفشل في اللحظات الأخيرة بسبب خلافات تتعلق بالمطالب الفلسطينية، وعلى رأسها الانتقال من هدنة مؤقتة إلى إنهاء دائم للحرب، وضمانات أمريكية تردع عودة إسرائيل إلى التصعيد العسكري كما حدث بعد اتفاق يناير الماضي. وختم بتأكيد أن الضمانات الدولية، وخاصة الأمريكية، ستكون حاسمة لتجنب تكرار سيناريوهات انهيار التفاهمات السابقة، ووقف الإبادة الجماعية بحق المدنيين في غزة، بما في ذلك منع دخول المساعدات الإنسانية، وهي إحدى أدوات الضغط التي تستخدمها إسرائيل.


صدى البلد
منذ 3 ساعات
- صدى البلد
وزير الخارجية الإيراني: الهجوم الصهيوني قا.تل للدبلوماسية
قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال حضور قمة البريكس اليوم الأحد في البرازيل بإن الهجوم الصهيوني على طهران كان قاتل للدبلوماسية. وطالب المجتمع الدولي بمحاسبة إسرائيل على إنتهاك سيادة الدولة الإيرانية لمخالفتها المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة،وأشار عراقجي بإن الضربات الإسرائيلية دمرت البنية التحتية الإيرانية وتسببت في إصابة،وقتل ما يقارب من 6000 إيراني. وترددت الأنباء بالوقت الحالي بوسائل الإعلام الإسرائيلية عن سعي نتنياهو لتوجيه ضربة عسكرية جديدة لإيران عقب لقاء ترامب بالبيت الأبيض للحصول على الضمانات الأمريكية حالة دخول حرب جديدة مع إيران. وعرض ستيف ويتكوف مسؤول المفاوضات النووية مع إيران شروط جديدة لعقد اتفاق أمريكي إيراني بالإضافة لتخلى طهران عن تخصيب اليورانيوم تخليها عن برنامجها الصاروخي الباليستي،وهي نفس دعوات نتنياهو التي قد يشن حربا جديدة بسببها على إيران حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.