logo
المقالالمملكة والتوترات الإقليمية

المقالالمملكة والتوترات الإقليمية

الرياضمنذ 12 ساعات

في خضم الأزمات الجيوسياسية المتصاعدة، لا سيما التوتر القائم بين إيران وإسرائيل، تشهد الأسواق العالمية حالة من عدم الاستقرار والقلق، وتتزايد معها أسعار النفط بفعل المخاوف من تعطل الإمدادات في منطقة تُعد من أهم مصادر الطاقة في العالم. والمملكة العربية السعودية، باعتبارها أحد أكبر منتجي ومصدّري النفط عالميًا، تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بهذه التطورات، سواء من ناحية الفرص الاقتصادية التي تتيحها أو التحديات التي تفرضها.
ارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى زيادة كبيرة في الإيرادات، مما يعزز من الفائض في الميزانية ويفتح المجال أمام الحكومة لتوسيع الإنفاق على مشاريع التنمية والبنية التحتية ضمن رؤية المملكة 2030، وتعزيز الإنفاق على قطاعات التعليم، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، لكن على الرغم من الإيجابيات قصيرة المدى، فإن استمرار الاعتماد على أسعار النفط المرتفعة يمثل مخاطرة على المدى الطويل، لا سيما في ظل التحول المتسارع للاقتصاد العالمي نحو الطاقة النظيفة وتراجع الاعتماد على الوقود الأحفوري.
في المقابل، فإن الأزمة بين إيران وإسرائيل تُنذر بتهديد مباشر لأمن الملاحة البحرية في الخليج ومضيق هرمز، وهو ما قد ينعكس سلبًا على حركة التجارة العالمية، بما في ذلك على صادرات المملكة نفسها، وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن أي إغلاق مضيق هرمز قد يرفع أسعار النفط إلى مستويات تصل إلى 150 دولارًا للبرميل. ومع أن هذه القفزة قد تعني مكاسب مالية ضخمة على المدى القريب، إلا أنها في الوقت ذاته تُعزز من حالة عدم اليقين وتزيد من درجة التذبذب في الأسواق المالية، ما قد يدفع المستثمرين الأجانب إلى توخي الحذر قبل دخول الأسواق الناشئة.
في هذا السياق، تسعى المملكة إلى بناء قدر أكبر من الحصانة الاقتصادية والاستراتيجية عبر تعزيز أمن الطاقة الداخلي وتنويع قنوات التصدير، وتقليص الاعتماد على منطقة الخليج كممر وحيد لصادراتها. كما توسّع المملكة استثماراتها في مصادر الطاقة البديلة، خاصة الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030، ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتقلبات الجيوسياسية.
وتواصل الحكومة السعودية تبني سياسة مالية انضباطية مدروسة رغم ارتفاع الإيرادات، بهدف تجنب العودة إلى نمط الاعتماد الأحادي على النفط، وهو الدرس الذي استُخلص من أزمات سابقة شهدت تقلبات حادة في السوق النفطية، هذا الانضباط يُعزز من ثقة المستثمرين العالميين في متانة الاقتصاد السعودي واستدامة مساره الإصلاحي.
من جهة أخرى، فإن أحد أبرز أوجه القوة التي تتمتع بها المملكة يتمثل في قيادتها السياسية، التي لطالما سعت إلى تهدئة التوترات الإقليمية، واحتواء التصعيد، والحفاظ على التوازن الاستراتيجي في منطقة شديدة التعقيد.،وقد أثبتت القيادة السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –حفظهما الله– أنها قادرة على توجيه دفة السياسة السعودية بحكمة، حيث تجمع بين الحزم السياسي والانفتاح الدبلوماسي. وتُوظف المملكة قوتها الاقتصادية والنفطية ليس لتعزيز موقعها المالي فقط، بل أيضًا لترسيخ مكانتها كركيزة للاستقرار في المنطقة.
كما أن ما يميّز النهج السعودي اليوم هو السعي الحثيث إلى جعل المملكة وجهة آمنة ومفضلة للاستثمار العالمي، وهو ما يتجلى في سلسلة الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية التي تم تنفيذها، وتحديث بيئة الأعمال، وتوفير حوافز استثمارية غير مسبوقة، إلى جانب تأسيس مدن اقتصادية كبرى ذات طابع عالمي تُدار بكفاءة عالية، وتتبنى أحدث الممارسات في الحوكمة والشفافية.
المملكة العربية السعودية اليوم لا تتعامل مع الأزمات بوصفها تهديدات فقط، بل فرصًا لإعادة التموضع، وإبراز مرونتها الاقتصادية، وقدرتها على قيادة التحول الاقتصادي والسياسي في المنطقة، وبينما تختبر التوترات الإقليمية تماسك الأسواق وثقة المستثمرين، تقدم المملكة نموذجًا مختلفًا: دولة تنمو بثقة، وتبني اقتصادًا متنوعًا، وتوازن بين مصالحها الوطنية وواجباتها الإقليمية والدولية.
وفي خضم هذه المرحلة الحساسة من التاريخ، تتجلى حكمة القيادة السعودية التي تُدير بحنكة ملف التوازن بين المكاسب النفطية وتحقيق الاستقرار الاستثماري، وتجعل من الأمن السياسي ركيزة للتنمية، ومن التنمية سبيلاً لتحقيق الريادة العالمية. نسأل الله العلي القدير أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ لنا قيادتنا الرشيدة، ويجعلها ذخراً للإسلام والمسلمين، وسندًا للوطن وأبنائه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الذهب يتراجع وسط تصعيد إسرائيلي - إيراني يهز أسواق النفط
الذهب يتراجع وسط تصعيد إسرائيلي - إيراني يهز أسواق النفط

عكاظ

timeمنذ 41 دقائق

  • عكاظ

الذهب يتراجع وسط تصعيد إسرائيلي - إيراني يهز أسواق النفط

شهدت الأسواق العالمية تقلبات حادة اليوم (الإثنين)، حيث تراجع الذهب قليلاً بعد أن اقترب من مستوى قياسي مدفوعاً بالتوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، فيما قفزت أسعار النفط بفعل مخاوف من تعطل إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط. وأدى التصعيد العسكري الذي شمل تبادل هجمات صاروخية وغارات بطائرات مسيرة خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى اندفاع المستثمرين نحو الأصول الآمنة مثل الذهب، مع ارتفاع أسعار الخام إلى مستويات لم تشهدها منذ أشهر. وارتفع الذهب الفوري في التعاملات المبكرة اليوم إلى 3450 دولاراً للأونصة، مقترباً من ذروته التاريخية المسجلة في أبريل عند 3500 دولار، قبل أن يتراجع بنسبة 0.4% ليستقر عند 3446.77 دولار بحلول الساعة 7:10 صباحاً. يأتي هذا التراجع بعد قفزة بنسبة 1.4% الجمعة، مدعومة ببيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة عززت التوقعات بخفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاحقاً هذا العام. وشهد الذهب ارتفاعاً مذهلاً بنسبة تزيد على 30% خلال عام 2025، مدفوعاً بعدة عوامل، منها التوترات الجيوسياسية، السياسات التجارية العدوانية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وتزايد مساعي البنوك المركزية لتنويع احتياطياتها بعيداً عن الدولار. ويستفيد الذهب عادة من انخفاض أسعار الفائدة، حيث لا يدر عائداً، ما يجعله ملاذاً جذاباً في أوقات عدم اليقين. في سياق متصل، قفزت أسعار النفط بشكل ملحوظ بعد هجمات متبادلة بين إسرائيل وإيران، واستهدفت إسرائيل حقل جنوب بارس الغازي الإيراني الضخم، ما تسبب في حريق وإغلاق منصة إنتاج، بينما ردت إيران بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة. وألغت طهران محادثات نووية مقررة مع الولايات المتحدة في سلطنة عمان، ما زاد من حدة التوتر. وارتفع خام برنت بنسبة تصل إلى 5.5% في التعاملات الآسيوية، ليتداول فوق 76 دولاراً للبرميل، بينما اقترب خام غرب تكساس من 34 دولاراً. يأتي هذا بعد ارتفاع 13% الجمعة، مدفوعاً بمخاوف من تعطل إمدادات النفط، خصوصاً مع الحديث عن إمكانية إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو خُمس إنتاج النفط العالمي يومياً. وأدى التصعيد إلى حالة من الذعر في الأسواق المالية، مع تزايد الطلب على الأصول الآمنة، فيما استقر سعر الفضة، بينما سجل البلاتين والبلاديوم مكاسب طفيفة. ويتوقع المحللون استمرار تقلبات الأسواق مع تصاعد التوترات، فيما يظل الذهب ملاذاً آمناً مفضلاً، خصوصاً إذا استمرت الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية. في الوقت نفسه، تراقب أسواق النفط أي تطورات حول مضيق هرمز، مع احتمال ارتفاع الأسعار بشكل أكبر إذا تفاقم الوضع. أخبار ذات صلة

آر بي سي: الأسهم الأمريكية قد تهبط 20% في حال ارتفاع التضخم
آر بي سي: الأسهم الأمريكية قد تهبط 20% في حال ارتفاع التضخم

أرقام

timeمنذ 42 دقائق

  • أرقام

آر بي سي: الأسهم الأمريكية قد تهبط 20% في حال ارتفاع التضخم

يتوقع خبراء "آر بي سي" احتمالية تراجع الأسهم الأمريكية بحوالي 20% في حال ارتفاع التضخم مع زيادة أسعار النفط، وحددوا سيناريوهات محتملة. وأوضح الخبراء الاستراتيجيون في مذكرة حسبما نقلت "بلومبرج" أنه كلما اتسع الصراع في الشرق الأوسط وطال أمده، كلما زادت الآثار السلبية على الأسهم الأمريكية. وفي أسوأ السيناريوهات، يتوقع الخبراء عودة مؤشر الأسهم الأمريكية "إس أند بي 500" إلى مستوياته المتدنية المسجلة في أبريل، حال أدت الهجمات في الشرق الأوسط لارتفاع أسعار الطاقة، أما في سيناريو أقل حدة، قد يتراجع المؤشر 13%. وأشاروا إلى أنه من المحتمل أن يولد الصراع قلقًا إضافية بشأن الاستهلاك والاقتصاد بشكل عام، ومسار الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما يؤثر بالتالي على أسعار الأسهم. وتوقعوا احتمالية تراجع المؤشر إلى 4800 نقطة، أي أقل 20% تقريبًا عن المستويات الحالية بحلول نهاية العام في حالة ارتفاع التضخم إلى 4%، واستقرت الأرباح مقارنة بالعام الماضي، مع خفضين فقط في الفائدة، على أن تظل عوائد سندات الخزانة العشرية عند مستوياتها الحالية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store