
لُغز الغاز بين مصر واسرائيل!وليد عبد الحي
وليد عبد الحي
رسائل عديدة للغاية وصلتني من القراء والمتابعين وتمحورت حول سؤال محدد وهو: كيف نفهم ان مصر التي كانت تبيع الغاز لاسرائيل اصبحت تستورده من اسرائيل، بل وعقدت معها اتفاقية لاستيراد الغاز من اسرائيل حتى 15 سنة قادمة وبقيمة تصل الى 35 مليار دولار؟
من الضروري توضيح الحالة أولا ،ثم تقديم تصور عن اسباب التطورات الجديدة، وهي اسباب سياسية واقتصادية وادارية وتقنية:
أولا: الجانب الاقتصادي والتقني:
1- كانت مصر مكتفية ذاتيا من الغاز خلال الفترة من 2018 الى 2021، وما ساعد على هذه النقلة هو الاكتشافات بخاصة في حقل 'ظهر' الذي رفع الانتاج الى 3 مليار قدم مكعب يوميا. لكن هذه الطفرة انطوت على مسالتين قلبتا المعادلة لاحقا وهما: الاستخدام المفرط للحقل ،والانصراف عن توظيف بعض عائدات الحقل لتطويره هو وغيره من الحقول، وهو ما أدى الى تراجع الانتاج اليومي مع عام 2023 الى 1.9 مليار قدم 3(أي بتراجع 1.1 مليار قدم 3).
2- اتساع الفارق وبشكل متواصل بين حجم الانتاج وحجم الاستهلاك المصري، فمجموع الانتاج المصري هو 4 مليار قدم 3 بينما ارتفع الاستهلاك الى 6.8 مليار قدم 3، وهنا ظهرت الفجوة بحوالي 2.8 مليار قدم مكعب.
3- مع وقوع ازمة أوكرانيا عام 2022، وبلوغ الحاجة الاوروبية لغاز بديل عن الغاز الروسي افرط المصريون في التصدير لاوروبا، وهو ما قاد الى التأثير على مستويات الضغط الجيولوجي بشكل أثر على عمر الحقل الانتاجي الأكبر واستنزفه.
4- إذا استبعدنا بعض الحقول الغازية الهامشية(الدلتا والبُرُلس)، فان مصر لم تكتشف حقول جديدة منذ 8 سنوات.
5- تمتلك مصر محطات لإسالة الغاز(تحويله من غاز الى سائل وهو ما يؤدي لتقليص حجمه وسهولة نقله بخاصة للمناطق البعيدة) اهمها محطتي داكو ودمياط، ورأت اسرائيل –التي لا تمتلك مثل هذه المحطات- ان تعتمد على مصر في هذا الجانب، فاصبحت اسرائيل ترسل غازها لمحطات التسييل المصرية ،ثم تصدره من هناك الى اوروبا ، وهنا لا بد من الملاحظة وهي ان تكلفة استيراد الغاز من اسرائيل (لتسييله) هو 7.75 دولار للمليون وحدة، بينما الغاز المسال يصل سعره الى اقل قليلا من ضعف ثمن الغاز بعد خروجه من المحطات المصرية.
ولا تبدو اسرائيل مهتمة بانشاء محطات تسييل نظرا لانها تحتاج استثمارات ضخمة للغاية ،كما انها تنطوي على مخاطر امنية (اذا تسرب الغاز ولامس الماء، او إذا انخفضت درجات الحرارة بشكل كبير للغاية…الخ).
6- وقعت مصر عددا من العقود طويلة الاجل مع بعض الدول الاوروبية لتصدير الغاز لهذه الدول الاوروبية، وتلتزم مصر بتغطية حاجات هذه الدول، لكن مصر لم تستطع الوفاء بما تعاقدت عليه من كميات ،فتضطر لاستكمال ما تعهدت بتصديره لاوروبا من خلال استقطاع ما هو مخصص اساسا للسوق المحلي المصري، فوقع العجز في السوق المحلي فاضطرت مصر للاستيراد، وهو ما يكشف قدرا واضحا من الارتجال في التخطيط.
ثانيا: الجانب السياسي: ويتمثل في:
1- أدى طوفان الاقصى منذ اكتوبر 2023 وحتى الآن الى تعليق متقطع لصادرات اسرائيل للغاز الى مصر، وهو ما تسبب في اضطراب التزود بالكهرباء في مصر ، لكنه نبه الى ان مصر رهنت نفسها لمصدر غازي غير مستقر ، وهو ما خلق اشكالية مصرية، تتمثل في التوجه المصري لعقد صفقة مع اسرائيل بقيمة 35 مليار دولار ،وهو ما يضمن لمصر امدادات غازية لفترة حوالي 15 سنة، لكنه سيجعل التبعية المصرية لاسرائيل عالية للغاية في هذا الجانب، اضافة ان الاسعار التي تم الاخذ بها ارتفعت بمعدل 20% ،وهو ما يعني ثقل جديد على الموازنة المصرية وبالتالي المستهلك المصري، وهو ما يترتب عليه:
أ- دلالات سياسية بعقد صفقات تجارية كبرى مع اسرائيل دون مراعاة أن ذلك يتم في الوقت الذي تنحر فيه غزة.
ب- دليل قاطع على الاهمال-المتعمد او غير المتعمد- في قطاع تطوير الحقول الموجودة او في توسيع دائرة التنقيب.
2- ثمة جانب مريب للغاية وهو ان اغلب شركات الوساطة في صفقات الغاز مع اسرائيل هي شركات مرتبطة باجهزة الامن ومسجلة في ملاذات ضريبية مرتبطة بالمخابرات المصرية( مثل شركة غاز شرق المتوسط، وهي شركة يتصدر مالكيها رجل اعمال مصري هو حسين سالم ومعه مساهمين من شركة ميرهاف الاسرائيلية وشركة امبال وهي شركة اسرائيلية امريكية وشركة 'بي بي تي' التايلندية ورجل اعمال امريكي هو سام زيل.)، كما ان ديون مصر لصالح شركات التنقيب الاجنبية قلصت الاستثمار في هذا الجانب،مما زاد من تراجع الانتاج المحلي، وبشكل يبدو ان الهدف منه ايصال مصر الى وضع حرج وضاغط.
3- ويتضح الفساد بشكله الأوضح في ما نشرته مؤسسات اعلامية مصرية عن ان مصر باعت الغاز باسعار اقل من السوق العالمي ،مع تقديم تخفيضات ضريبية للشركات الاسرائيلية دون غيرها، فشركة الغاز الاسرائيلية تلقت اعفاء ضريبيا مصريا لمدة 3 سنوات من 2005-2008,
4- والغريب ان القضاء الاداري في مصر قرر وقف التصدير لاسرائيل الا ان الحكومة المصرية الغت القرار، الى جانب ان كل ذلك جرى دون اي دور للبرلمان المصري
5- من الواضح ان اسرائيل تستخدم الغاز كاداة لتكييف السياسة المصرية لصالح معركة اسرائيل في غزة، فاصبح الغاز ورقة ضغط بيد اسرائيل.
6- ان الصفقة الاخيرة (حتى عام 2040) تعني سياسيا أن مصر مصرة على الذهاب مع سياسات التطبيع مع اسرائيل بغض النظر عن اية مشاكل او حروب او تعقيدات معها خاصة في غزة وسوريا ولبنان، وما يثير الشك هو ان الصفقة تمت في أسوا مراحل الصراع في غزة واعنفها ،وبعد استشهاد وجرح ما يقارب 200 الف فلسطيني.
هل اتضحت الصورة..ربما.
2025-08-11
The post لُغز الغاز بين مصر واسرائيل!وليد عبد الحي first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 9 ساعات
- وكالة الصحافة المستقلة
هدده بالقضاء..ترامب يصعّد هجومه على رئيس الاحتياطي الفدرالي
المستقلة/-أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، أنه قد يسمح برفع دعوى قضائية ضد رئيس البنك المركزي الأميركي (الاحتياطي الفدرالي) جيروم باول، مكرراً انتقاداته لطريقة إشرافه على أعمال تجديد مقر المؤسسة في واشنطن. وكتب ترامب على منصته 'تروث سوشال' أن 'الضرر الذي أحدثه بتأخره الدائم لا يُحصى'، في إشارة إلى باول، مضيفاً أنه يدرس السماح برفع دعوى قضائية بهذا الشأن، من دون تقديم مزيد من التفاصيل. ويأتي ذلك في ظل انتقادات متكررة من ترامب لرئيس الاحتياطي الفدرالي هذا العام، بعد قرارات الإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة منذ آخر خفض في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ويراقب صناع السياسة النقدية تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الاقتصاد الأميركي، وسط نقاش حول توقيت أي خفض جديد للفائدة. ولم تحسم هيئة المحافظين ما إذا كانت الرسوم الأخيرة ستؤثر على التضخم بشكل مؤقت أو طويل الأمد، فيما يواصل ترامب الدعوة لخفض الفائدة مستشهداً بأرقام اقتصادية إيجابية. وعقب صدور بيانات حكومية أظهرت استقرار معدل تضخم أسعار المستهلكين عند 2.7% في يوليو/تموز، كتب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي مطالباً باول بـ 'خفض معدل الفائدة فوراً'، واصفاً أسلوب قيادة الاحتياطي الفدرالي بأنه 'متساهل'. كما طرح ترامب فكرة إقالة باول، منتقداً ما اعتبره تجاوزاً لتكاليف أعمال التجديد، إذ ذكر أن التكلفة بلغت 3.1 مليارات دولار، وهو رقم قال باول إنه يدمج بين تكلفة المشروع الحالي المقدرة بـ 2.5 مليار دولار وأعمال أُنجزت سابقاً في مبنى آخر. واختتم ترامب تصريحاته بالقول إن إشراف باول على مشروع تجديد مقر الاحتياطي الفدرالي كان 'سيئاً'. المصدر: يورونيوز


شفق نيوز
منذ 9 ساعات
- شفق نيوز
صدور بيانات التضخم في الولايات المتحدة، وآثارها الاقتصادية
أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل، الثلاثاء 12/8/2025، أنمعدل التضخم الإجمالي،أو ما يُسمّى ب مؤشر أسعار المستهلك (CPI)، قد ارتفع بنسبة 2.7% على أساس سنوي في تموز الماضي، وهو ما يطابق قراءة حزيران، وأدنى من توقعات الاقتصاديين التي أشارت إلى زيادة قدرها 2.8%. أما على أساس شهري،فقد ارتفعت الأسعار في تموزبنسبة 0.2%، مقارنة بزيادة 0.3% في حزيران، متماشية مع توقعات المحللين. وجاء التراجع الشهري مدفوعًا بانخفاض أسعار البنزين وتراجع نسبي في تضخم أسعار الغذاء. أما معدل التضخم الأساسي (كافة السلع ما عدا الغذاء والطاقة)، فقد أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل أنه قد ارتفع بنسبة 3.1% على أساس سنوي في شهر تموز الماضي، مقارنة بـ 2.9% في حزيران، بينما ارتفع معدل التضخم الأساسي بنسبة 0.3% على أساس شهري في شهر تموز، في حين كانت الزيادة الشهرية بنسبة 0.2% في شهر حزيران الماضي، وكان الاقتصاديون يتوقعون أن يرتفع التضخم الأساسي بنسبة 3.0% على أساس سنوي و0.3% على أساس شهري. وتفاعلت الأسواق مع هذه البيانات الصادرة، الثلاثاء، فقد ارتفعت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية خلال تعاملات الثلاثاء، حيث تنفس المستثمرون الصعداء بعد تقرير التضخم الذي جاء أقل من المتوقع، وارتفعت العقود الآجلة المرتبطة بمؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.6%، وارتفعت العقود الآجلة لمؤشر ناسداك 100 بنسبة 0.8%، وتداولت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بارتفاع بنسبة 0.6%. وتراجعت العقود الآجلة للذهب الثلاثاء بنسبة 0.1% إلى 3401 دولار للأونصة، بينما صعدت العقود الفورية للذهب بنسبة 0.31% إلى 3353 دولار للأونصة، أما عقود مؤشر الدولار فقد تراجعتبنحو 0.3%. من المفروض أن يكون التراجع في معدل التضخم الإجمالي، لشهر تموز، محفزا للبنك الفدرالي الأمريكي لخفض سعر الفائدة، إلا أنني أتوقع أن يستمر جيروم بأول، رئيس البنك الفدرالي، على إصراره في عدم خفض سعر الفائدة في أيلول القادم، متحججا بالزيادة المحدودة في معدل التضخم الأساسي، وانتظار تأثيرات رفع الرسوم الجمركية من قبل ترامب، إلا إذا ضغطت الأسواق والإدارة الأمريكية بقوة لخفض سعر الفائدة.


موقع كتابات
منذ 13 ساعات
- موقع كتابات
كاشفًا الحل الأمثل .. 'إيكو عراق' يؤكد إعادة تشغيل خط 'كركوك-بانياس' يتكلف أكثر من 400 مليون دولار
وكالات- كتابات: أكد مرصد (إيكو عراق)؛ المتخصص بالاقتصاد، اليوم الثلاثاء، أن إصلاح خط أنبوب 'كركوك-بانياس' لغرض تشّغيله تتجاوز: (400) مليون دولار، فيما بيّن أن 'العراق' و'سورية' لا يملكان الإمكانيات المالية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع. وقال المرصد في بيان؛ إن: 'من مصلحة العراق تنويع طرق تصدير الطاقة والانفتاح على الدول العربية، ومنها سورية والأردن، ومثل خط (كركوك-بانياس)، الذي يربط حقول كركوك بميناء بانياس السوري'، مبينًا أن: 'طول الأنبوب البالغ: (800 كم)، وأن الجزء الأكبر منه يقع داخل الأراضي السورية، متوقف منذ عام 2003'. وذكر أن: 'الخط تعرض للتخريب، فيما مرت مناطق مسّاره بأحداث وحروب ألحقت أضرارًا جسيمة به'، لافتًا إلى أن: 'إجراء فحص للأنبوب باستخدام تقنية القشط الذكي لتحديد مواقع الصدأ والتآكل والأضرار سيُكلف نحو (05) ملايين دولار، بينما تتراوح تكاليف الإصلاح بين (400 و600) مليون دولار'. وبيّن أن: 'العراق وسورية غير قادرين على تمويل إصلاح الأنبوب أو استبداله بالكامل'، معتبرًا أن: 'الحل الأمثل هو إنشاء خط جديد بطاقة استيعابية أكبر عبر الاستثمار أو من خلال التعاقد مع دولة ثالثة تمتلك الخبرة والقدرة التمويلية'. ويُعدّ خط أنبوب 'كركوك-بانياس' واحدًا من أهم مشاريع تصدير النفط العراقي في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ ربط حقول 'كركوك'؛ الغنية بالنفط، بميناء (بانياس) السوري، على 'البحر المتوسط'، ما منح 'العراق' منفذًا استراتيجيًا لتسويق نفطه نحو الأسواق الأوروبية. إلا أن هذا الشريان الحيوي متوقف عن العمل منذ عام 2003، وتعرض على مدار عقدين للتخريب والتآكل بفعل الحروب والنزاعات.