
من السجن إلى رفض جائزة الدولة… سيرة الأديب المتمرّد صنع الله إبراهيم
أعماله الروائية تتميّز ببعدها التوثيقي لمراحل مفصلية في التاريخ المصري المعاصر.
توفّي اليوم الأديب المصري صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عاماً، بعد إصابته بالتهاب رئوي.
وكان الراحل قد أمضى مدة في المستشفى في منتصف عام 2025 إثر نزيف داخلي وكسور في الحوض.
ويُعتبر صنع الله إبراهيم من أهم الأدباء العرب المعاصرين، حيث شكّلت تجربته الروائية الممتدة لأكثر من خمسة عقود، مشروعاً روائياً فريداً قائماً على التجريب من جهة والالتزام السياسي الواضح من جهة أخرى.
"مؤرّخ اللحظة"
يقول المفكّر الفرنسي ألبير كامو إن "الصحفي هو مؤرخ اللحظة".
ويمكن القول إن صنع الله إبراهيم الذي بدأ مسيرته المهنية كصحفي في وكالات للأنباء (وكالة أنباء الشرق الأوسط ثم وكالة الأنباء الألمانية في ألمانيا الشرقية)، ظلّ وفيّاً طيلة رحلته الأدبية للصحفي الذي كانه.
إذ إن أعماله الروائية تتميّز ببعدها التوثيقي لمراحل مفصلية في التاريخ المصري المعاصر، حتى أن بعض رواياته تضمنت أجزاء مستقلّة من قصاصات صحفية وإعلانات تأخذ القارئ إلى يوميات الحقبة التاريخية التي تجري فيها أحداث الرواية.
لذلك ظلّت أعمال إبراهيم تحمل بصمة "الصحفي المؤرخ"، حيث تتداخل السرديات الشخصية مع المراجع الواقعية، ما يجعل من رواياته أرشيفاً حيّاً للّحظة التاريخية، وشهادة على زمنها لا تقلّ أهمية عن التأريخ الرسمي.
Getty Images
"السجن جامعتي"
وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937 حيث وجد نفسه يحمل اسماً فريداً كان سبباً للمتاعب في طفولته بين رفاقه في المدرسة.
وقد اختار والده هذا الاسم عندما فتح المصحف ووضع أصابعه على إحدى السُّوَر، فوقع على آية "صُنع الله الذي أتقن كل شيء" من سورة النمل، فسمّاه صنع الله.
ولعلّ فرادة الاسم كانت نذيراً بفرادة الحياة التي سيعيشها الكاتب الذي سيلمع في عالم الأدب العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.
يقول صنع الله في إحدى المقابلات إن الاتجاه اليساري الذي اعتنقه باكراً "بدأ من المنزل": "كان الوالد من عائلة بورجوازية، وبعد وفاة زوجته الأولى بسبب مرضها، تزوّج من الممرضة (والدة صنع الله) التي رفضتها العائلة لأسباب طبقية".
انخرط إبراهيم في العمل السياسي في سنّ مبكرة، أثناء دراسته في كلية الحقوق في جامعة القاهرة، حيث انضمّ إلى "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" (حدتو)، الشيوعيّة السرّية.
وفي عام 1959، اعتقلته السلطات ضمن حملة قمع واسعة شنّها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ضد الشيوعيين، وقضى ما يقارب ستّ سنوات في السجون، من بينها سجون القلعة، وأبو زعبل، والواحات.
في تلك الزنازين، نضج مشروع صنع الله إبراهيم الأدبي، حيث كان يقرأ بنهم أعمال فرجينيا وولف وجورج لوكاش وغيرهما، كما تفاعل مع تيارات فكرية متعدّدة، وهي التجربة التي دوّنها لاحقاً في كتابه "يوميات الواحات".
وصف إبراهيم السجن بأنه "جامعته" الحقيقية، حيث ترسّخت قناعته بأن الكتابة ليست مهنة فحسب، بل "شكلاً من أشكال المقاومة".
بين كافكا والأرشيف
في كثير من الأحيان يُقارَن أسلوب إبراهيم بأسلواب الروائي التشيكي فرانز كافكا، نظراً لأجوائه الكابوسية، وشخصياته المأزومة، والبنية الغرائبية والعبثية لعالمه الروائي.
واستطاع بلُغة وُصفت بـ"الاقتصاد إلى درجة التقشّف" أن يمزج بين العوالم الغرائبية وبين الواقع الموثّق بعناية بواسطة البحث في الأرشيف.
روايته الأولى "تلك الرائحة" (1966) أحدثت صدمة عند صدورها، إذ تناولت حالة الاغتراب والفراغ الوجودي لشاب خرج من السجن ليجد نفسه تائهاً في مجتمع فاقد للبوصلة. رُفضت الرواية من قبل الرقابة وصودرت بدعوى "البذاءة"، ولم تُنشر بنسختها الكاملة إلا بعد 20 عاماً، لكنّها اليوم تُعتبر لحظة مفصلية في تطور الرواية العربية الحديثة.
وإلى حينها، ظلت رواية اللجنة (1981) تعتبر أولى رواياته، وهي من دون شك أشهر أعماله وأكثرها رمزية. "رفعتُ يدي المصابة إلى فمي وبدأتُ آكل نفسي" هي الجملة التي اختتم بها الرواية التي تحكي قصة رجل يُستدعى للتحقيق من قبل لجنة مجهولة. الرواية ترصد، من خلال رمزية مكثفة، اغتراب الفرد في زمن "الانفتاح" الذي اتسم به عهد الرئيس الأسبق أنور السادات. وفي جَوٍ كابوسي خانق، يظهر السرد الحياة في مجتمع استبدادي على وقع تغوُّل العولمة والشركات الكبرى. حتى أن إحدى شخصيات الرواية ليست سوى زجاجة "كوكاكولا".
في رواية "ذات" (1992) التي استند إليها المسلسل المصري "بنت اسمها ذات" (2013)، يتناول صنع الله إبراهيم قصة امرأة مصرية من الطبقة الوسطى، تتقاطع حياتها الشخصية مع تحوّلات الدولة المصرية في عهد عبد الناصر، والسادات، ومبارك. تتداخل الحكاية مع قصاصات صحفية واقعية لكون بطلة الرواية تعمل في قسم الأرشيف، ما خلق سرداً توثيقياً يُجسّد تآكل الطبقة الوسطى وتحوُّل الدولة من اشتراكية إلى نيوليبرالية.
بعد "اللجنة"، نشر إبراهيم رواية "بيروت بيروت" (1984) والتي جاءت نتيجة المدة القصيرة التي أمضاها في العاصمة اللبنانية خلال واحدة من هدنات الحرب الأهلية. يقول ابراهيم في إحدى المقابلات الصحفية: "أمضيت في بيروت حوالي شهر، وخلالها نشأت قصة حب. كنت قد انتهيت لتوّي من كتابة اللجنة وتلك الرائحة، وقلت لنفسي: كفى من هذا… أريد أن أكتب قصّة حب. ولكن ما إن بدأت أكتب، حتى وجدت نفسي غارقاً في الحرب الأهلية اللبنانية، وقلت لنفسي: أليس من المفترض أن أحاول فهم ما يحدث هنا بالضبط؟ فبدأت أُجري أبحاثاً. وجدت أفلاماً، ووثائق، وما إلى ذلك، وذهبت إلى الأرشيفات".
وفي "وردة" (2000)، انتقل إبراهيم إلى سلطنة عُمان، مستعيداً تاريخ ثورة ظفار من خلال مذكرات مناضلة يسارية. وكالعادة، تتداخل الوثائق مع السرد الذاتي، مما يجعل من الرواية تأملاً في حدود التاريخ الرسمي، وفي النسيان المتعمّد للثورات المغدورة.
وبين أعماله الأخرى نجد روايات "أمريكانلي"، و"شرف"، و"برلين 69"، و"التلصص"، و"نجمة أغسطس"، ورواية "العمامة والقبعة" التي تتمحور حول الحملة الفرنسية في مصر (1798–1801) وتتناول مواضيع السلطة، والاستعمار، وصدام الحضارات.
رفض جائزة الرواية العربية
في لحظة استثنائية شهيرة عام 2003، رفض صنع الله إبراهيم تسلُّم جائزة الرواية العربية، معلناً أن السبب هو أنها "صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد".
وفي الكلمة التي ألقاها على مسرح دار الأوبرا المصرية خلال حفل تسليم الجائزة، انتقد صنع الله أيضاً سياسة القاهرة الخارجية، وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل، متهمًا الأخيرة بـ"القتل وتشكيل تهديد فعلي لحدودنا الشرقية". كما ندد بـ"الإملاءات الأمريكية، والعجز في السياسة الخارجية المصرية، وسائر مناحي الحياة".
وبعد نحو عقد من الزمان، علّق إبراهيم على ثورة يناير قائلاً إن ما جرى في ميدان التحرير "لم يكن ثورة بالتأكيد، فالثورة لها برنامج وهدف: تغيير كامل للواقع أو إزاحة طبقة اجتماعية بأخرى. ما حدث كان انتفاضة شعبية مطلبها الأساسي هو تغيير النظام، رغم أن معنى هذا لم يكن واضحاً، باستثناء الإطاحة بأبرز رموز النظام القديم".
وقد أعادت فترة مرض صنع الله الأخيرة الأديب الذي كان قد اقترب من عامه التسعين إلى الأضواء، لا سيما بعد مناشدة عدد من الأشخاص للدولة المصرية في شهر مارس/آذار الماضي بالتدخل والمساعدة في تغطية تكاليف علاجه.
ورغم التدخل الحكومي، الذي وصفه منتقدون بالمتأخر، فقد أعاد مشهد مرض إبراهيم فتْح النقاش حول ما يعتبره معارضون إهمالاً حكومياً للأدباء والمثقفين، خصوصاً أولئك الذين أصبحوا رموزاً في التاريخ الثقافي المصري والعربي، على غرار صنع الله إبراهيم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 18 ساعات
- الوسط
كيف وأين ولماذا قتل بيليه الفلسطيني؟ أسرة سليمان العبيد تروي لبي بي سي تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياته
BBC "قبل أن يغادر سألته: ستقطع كل هذه المسافة سيراً على قدميك؟ قال نعم.. لدينا أطفال أريد أن أطعمهم، ثم نهض لصلاة الفجر واستمع لسورة الكهف مرتين، واصطحب سبحته وهمّ بالمغادرة، شعرت بنخزة في قلبي فبدلاً من أن أقوله له: الله يسهل عليك، قلت له: سليمان متروحش"، لكنه كان مصمماً، وغادر. هذه تفاصيل المحادثة الأخيرة التي دارت بين لاعب الكرة الشهير سليمان العبيد وزوجته قبل مقتله بساعات قرب نقطة توزيع مساعدات، إذ تضيف الزوجة في حديثها مع برنامج "يوميات الشرق الأوسط" المذاع عبر راديو بي بي سي: "بعدها بساعات وصلني خبر أنه مصاب إصابة خطرة، لم يريدوا إخباري بنبأ مقتله دفعة واحدة، لكنني شعرت". وتروي الزوجة: "لم تقو قدماي على حملي، أصبحت ثقيلة ثقل الخبر الذي أشعر به يحوم حولي، ظللت أردد: بدي أروح أشوف جوزي.. أشوف أبو عيالي، راح يجيب لقمة عيش، واستشهد! ليش؟"، ثّمّ انفجرت باكية قبل أن تلتقط أنفاسها وتختم حديثها: "أنا بناشد محمد صلاح ياخدنا يسفرنا برة، ولادي يتعلموا ويصيروا مثل أبوهم، وابني نسيم يخلفه في الملاعب". قنبلة كواد كابتر طراد العبيد شقيق اللاعب الراحل كان معه في لحظات حياته الأخيرة وشهد مقتله بعينيه، ويقول: "في الخامسة فجراً تحركنا معاً لنقطة توزيع المساعدات الأمريكية، كنا عشرة أشخاص أنا وسليمان وابن عمي وأبناء أخي، وفور وصولنا اتخذنا كل الإجراءات الأمنية المطلوبة والتي اعتدنا عليها، اتخذنا من جبل صغير ساتراً يحمينا، فوجئنا بطائرة كواد كابتر تقترب منا بشدة وقامت بتصويرنا ثم انصرفت، قبل أن تعود إلينا لتداهمنا من خلف الجبل وأسقطت قنبلة كواد كابتر على سليمان مباشرة". ويضيف: "أُصِبت بشظية في رقبتي، وأصبحت أنزف فقمت بسحب الشظية وربطت قطعة من ملابسي على الجرح كي يتوقف النزيف، وتحركت باتجاه سليمان فوجدت إصابته الرئيسية في صدره والدم ينفجر منه، فضلاً عن إصابة أخرى في قدمه، ما أدى لمقتله على الفور، وأُصيب أيضاً في نفس الواقعة أربعة من أبناء أخي ونقلوا إلى المستشفى المعمداني لتلقي العلاج". ومضى يستذكر بلسان مثقل: "في هذه اللحظة لم يصبني انهيار، هذه كلمة مرفهة للغاية مقارنة بما شعرت به". ويصف: "صرت أطلع فيه مش مستوعب أنه استشهد.. صرت أصرخ فيه يا خو قوم.. يا خو بدنا نشرد، صح إن الموت مفيش عليه كبير، بس لسه بدري عليك يا سليمان.. بدري عليك.. رحمة الله عليك يا سليمان". طراد العبيد لم يتوقف عند حد استذكار لحظات مقتل شقيقه أمام عينيه، بل ذهب لأبعد من ذلك بكثير، لذكريات طفولتهما معاً قائلاً: "أنا اللي علمت سليمان مهارات لعب كرة القدم، أراه أمامي الآن.. حينما كنت أصحبه إلى الملعب وأضع له الحواجز باستخدام الحجارة وأدربه على الركض والترقيص من بينها، وكيف نسدد الهدف من زوايا مختلفة، وما هو البلانتي وكيف يرفعه، وكيف يشوط الفاول، علمته هذه المهارات واحدة تلو الأخرى ويوما بعد يوم حتى أصبح بيليه الفلسطيني هنا من قلب ملعب كلية غزة، وفي نفس الملعب سأعلم ابنه كما علّمته، وكما أخرجت للملاعب بيليه الفلسطيني، سأخرج لهم أسطورة من ظهر الأسطورة إن شاء الله". "محمولاً على الأكتاف" ميرفت سليمان العبيد، شقيقة اللاعب الراحل تحدّثت في تصريحات لبرنامج الشرق الأوسط المذاع عبر راديو بي بي سي كيف حولت الحرب حياة شقيقها رأساً على عقب، من لاعب كرة مرفه ميسور الحال لنازح يبحث عن مساعدات إنسانية ليفي بأبسط متطلبات الحياة لأبنائه الخمسة. وقالت: "لم يهتم بحاله أحد، الغلاء والعمولات كانا يلتهمان مرتب شقيقي مطلع كل شهر وساءت الأمور أكثر وأكثر مع امتداد عمر الحرب، وارتفاع الأسعار والعمولات أكثر أصبح راتبه يكفي أطفاله طعاماً فقط ليوم واحد. سليمان مرّت عليه فترات قهرية غاية في الصعوبة دفعته لاستبدال الركض في الملاعب بالركض في سبيل الحصول على مساعدات، وبدلاً من أن كان يحمل على الأعناق بعد تحقيقه لبطولة رياضية أو إحرازه لهدف، حمل على الأكتاف قتيلاً غارقاً في دمه". واختتمت تصريحاتها قائلة: "بالرغم من كل هذا لم يترك مجال كرة القدم، لأن الكرة هي معشوقته، وروحه معلقة بالبقاء في الملاعب، كان يتدرب مع نفسه ولم ينس أبداً أنه لاعب كرة، لكن كل هذا التفاني والإخلاص وكل هذه الشهرة والنجومية لم تنفع بشئ ولم تدفع عنه شر الاحتياج، لماذا وصل أخي لهذا الحد من العوز؟ سليمان كان كبير وعزيز النفس، وكان لا يعتمد على أحد سوى على الله، لم يكن هذا أبدا المصير الذي يستحق". "أبوي مماتش" نسيم العبيد نجل اللاعب الراحل تحدث إلينا عن كل ما تبقى له من والده قائلا: "لم يتبق لي منه سوى حلمه بأن أصبح خليفته في الملاعب، لاعب كرة مشهور يشار له بالبنان، كان يتمنى أن أسافر معه واتفوق تعليمياً ورياضياً. سأعيش طوال حياتي المقبلة كي أحقق له ما كان يتمناه، سأكمل مسيرته حتى يقولوا اللي خلف مماتش، لكن هذا لا يعني أنني استوعبت وهضمت فكرة أنه لم يعد موجوداً، وكثيراً ما أردد: أبوي مماتش". وأضاف: "عقلي فقد القدرة على الاستيعاب، لم استوعب أبداً ما حصل لوالدي، والدي نجم الكرة الشهير الذي لعب مباريات في الكثير من دول العالم قتل بهذه الطريقة! والدي الذي كان يركض في الملاعب مات وهو يركض خلف حفنة من المساعدات! والدي الذي لم أفوت له مباراة طوال حياتي، كنت أحضر معه كل مبارياته، واهتف باسمه بعد كل هدف يحققه، واحتفل معه بكل بطولة يحرزها لم يبق لي منه سوى ذكريات أنه ذهب لنقطة توزيع مساعدات كي لا أموت أنا وإخوتي جوعا! نحن لا نريد شيئا نريد فقط أن نراه واقفا على قدميه.. يتنفس ويتحدث.. أن يكون بخير". عماد هاشم مدرب ومحاضر فلسطيني تابع للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يقول: "قمت بتدريب سليمان مرتين؛ الأولى في نادي غزة الرياضي والثانية في نادي خدمات الشاطئ، وبالنسبة لي هو الوحيد الذي يستحق لقب اللاعب المثالي من بين كل من قمت بتدريبتهم من لاعبين، كان شخصية فريدة الطراز، محب وعاشق لكرة القدم لدرجة التفاني، هو وبحق بيليه الفلسطيني، لأنه كان هدّافاً بالفطرة، كانت الكرة تحبه وتطاوعه، ورغم كبر سنه حاز المركز الأول في الاختبارات البدنية عندما أجريناها في نادي خدمات الشاطئ آخر مرة، وعلى المستوى الشخصي كان سليمان اجتماعياً وخدوماً، وطوال الحرب كان يقدم خدماته في مساعدة الناس على النزوح بمنطقة دير البلح". ويضيف: "خبر استشهاده كان فاجعة لنا كرياضيين، لكنني أحمد الله أنه مكننا من أن نواري جثمانه الثرى ونشيعه بطريقة تليق به، لأن الحصول على مقبرة في هذه الأيام أمر ليس بالسهل، فالأمر مكلف جداً من الناحية المادية كما أن المقابر امتلأت عن بكرة أبيها ولم يعد هناك متّسع لجثة جديدة. وأكمل المدرب قبل أن يفصح عن مكان دفن الجثمان قائلاً: "تم دفنه في مقبرة الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة، لأنه لا يوجد متسع في المقبرة الرئيسية لمدينة غزة والموجودة شرقاً". تغريدة صلاح وتطرق هاشم لتغريدة اللاعب العالمي محمد صلاح عن مقتل سليمان العبيد قائلاً: "هذه التدوينة هي التي عرفت العالم بما تعرض له سليمان، الكل نعاه دون أن يذكر السبب، وحده صلاح فعلها فعرف العالم كيف وأين ولماذا قتل اللاعب الفلسطيني سليمان العبيد". واستدرك قائلاً: "لكن ما نأمله ونطمح له هو أن تكون تغريدة صلاح سبباً في أن يلتفت العالم لمعاناة الرياضيين في غزة، وأن تفعل الاتحادات الرياضية شيئاً من أجلنا حتى لا يلقى أحدنا نفس المصير، فجميعنا من مدربين ولاعبين لم يعد يشغلنا سوى هم تأمين لقمة العيش لأطفالنا، أنا شخصياً لو كلفني الذهاب لنقطة توزيع المساعدات أن أضحي بحياتي من أجل توفير الطحين لأبنائي سأفعل كما فعل العبيد". وبالعودة للحديث عن بيليه الفلسطيني وطموحاته وأحلامه قال المدرب: "سليمان كان يحلم بأن يكون مدرباً فذاً كما كان لاعباً ماهراً، وكثيراً ما كان يحلم بأن يشهد الموسم الكروي 2023 – 2024 وداعه للملاعب كهداف كي يبدأ مسيرته في التدريب. لم يكن يعلم أنه سيودع الدنيا بأكملها، ولكنني أعده في حال انتهت الحرب وأنا من بين الأحياء سأقيم له حفل تأبين ضخم يليق بفخامة اسمه وجميل ذكراه". وبحسب أحدث البيانات الرسمية، فقد بلغ عدد ضحايا مجتمع الرياضة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 نحو 808 رياضيين، وفق ما أعلن عنه اتحاد الإعلام الرياضي الفلسطيني، من بينهم 421 لاعب كرة قدم، ونحو نصفهم من الأطفال. وكانت اللجنة الأولمبية الفلسطينية قد أفادت أن شهر يونيو/ حزيران وحده شهد مقتل 115 رياضياً، ليرتفع الإجمالي في حينه إلى 615. وتشير جمعية الإعلام الرياضي الفلسطيني إلى تدمير ما لا يقل عن 273 منشأة رياضية خلال الحرب، وهو ما يعكس الأثر العميق للنزاع على البنية التحتية الرياضية في غزة وعلى مستقبل آلاف الشبان من مختلف الفئات الرياضية. وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قد قال، إنه لم يتم العثور على سجلات تتعلق بسليمان العبيد، المعروف بـ"بيليه الفلسطيني"، مشيراً إلى أن الجيش يطلب مزيداً من المعلومات والتفاصيل للتحقق من ملابسات وفاته. ويأتي هذا الرد في أعقاب التدوينة التي نشرها النجم المصري محمد صلاح، التي أثارت جدلاً واسعاً حول ظروف مقتل اللاعب الفلسطيني.


الوسط
منذ يوم واحد
- الوسط
من السجن إلى رفض جائزة الدولة… سيرة الأديب المتمرّد صنع الله إبراهيم
BBC أعماله الروائية تتميّز ببعدها التوثيقي لمراحل مفصلية في التاريخ المصري المعاصر. توفّي اليوم الأديب المصري صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عاماً، بعد إصابته بالتهاب رئوي. وكان الراحل قد أمضى مدة في المستشفى في منتصف عام 2025 إثر نزيف داخلي وكسور في الحوض. ويُعتبر صنع الله إبراهيم من أهم الأدباء العرب المعاصرين، حيث شكّلت تجربته الروائية الممتدة لأكثر من خمسة عقود، مشروعاً روائياً فريداً قائماً على التجريب من جهة والالتزام السياسي الواضح من جهة أخرى. "مؤرّخ اللحظة" يقول المفكّر الفرنسي ألبير كامو إن "الصحفي هو مؤرخ اللحظة". ويمكن القول إن صنع الله إبراهيم الذي بدأ مسيرته المهنية كصحفي في وكالات للأنباء (وكالة أنباء الشرق الأوسط ثم وكالة الأنباء الألمانية في ألمانيا الشرقية)، ظلّ وفيّاً طيلة رحلته الأدبية للصحفي الذي كانه. إذ إن أعماله الروائية تتميّز ببعدها التوثيقي لمراحل مفصلية في التاريخ المصري المعاصر، حتى أن بعض رواياته تضمنت أجزاء مستقلّة من قصاصات صحفية وإعلانات تأخذ القارئ إلى يوميات الحقبة التاريخية التي تجري فيها أحداث الرواية. لذلك ظلّت أعمال إبراهيم تحمل بصمة "الصحفي المؤرخ"، حيث تتداخل السرديات الشخصية مع المراجع الواقعية، ما يجعل من رواياته أرشيفاً حيّاً للّحظة التاريخية، وشهادة على زمنها لا تقلّ أهمية عن التأريخ الرسمي. Getty Images "السجن جامعتي" وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937 حيث وجد نفسه يحمل اسماً فريداً كان سبباً للمتاعب في طفولته بين رفاقه في المدرسة. وقد اختار والده هذا الاسم عندما فتح المصحف ووضع أصابعه على إحدى السُّوَر، فوقع على آية "صُنع الله الذي أتقن كل شيء" من سورة النمل، فسمّاه صنع الله. ولعلّ فرادة الاسم كانت نذيراً بفرادة الحياة التي سيعيشها الكاتب الذي سيلمع في عالم الأدب العربي في النصف الثاني من القرن العشرين. يقول صنع الله في إحدى المقابلات إن الاتجاه اليساري الذي اعتنقه باكراً "بدأ من المنزل": "كان الوالد من عائلة بورجوازية، وبعد وفاة زوجته الأولى بسبب مرضها، تزوّج من الممرضة (والدة صنع الله) التي رفضتها العائلة لأسباب طبقية". انخرط إبراهيم في العمل السياسي في سنّ مبكرة، أثناء دراسته في كلية الحقوق في جامعة القاهرة، حيث انضمّ إلى "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" (حدتو)، الشيوعيّة السرّية. وفي عام 1959، اعتقلته السلطات ضمن حملة قمع واسعة شنّها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ضد الشيوعيين، وقضى ما يقارب ستّ سنوات في السجون، من بينها سجون القلعة، وأبو زعبل، والواحات. في تلك الزنازين، نضج مشروع صنع الله إبراهيم الأدبي، حيث كان يقرأ بنهم أعمال فرجينيا وولف وجورج لوكاش وغيرهما، كما تفاعل مع تيارات فكرية متعدّدة، وهي التجربة التي دوّنها لاحقاً في كتابه "يوميات الواحات". وصف إبراهيم السجن بأنه "جامعته" الحقيقية، حيث ترسّخت قناعته بأن الكتابة ليست مهنة فحسب، بل "شكلاً من أشكال المقاومة". بين كافكا والأرشيف في كثير من الأحيان يُقارَن أسلوب إبراهيم بأسلواب الروائي التشيكي فرانز كافكا، نظراً لأجوائه الكابوسية، وشخصياته المأزومة، والبنية الغرائبية والعبثية لعالمه الروائي. واستطاع بلُغة وُصفت بـ"الاقتصاد إلى درجة التقشّف" أن يمزج بين العوالم الغرائبية وبين الواقع الموثّق بعناية بواسطة البحث في الأرشيف. روايته الأولى "تلك الرائحة" (1966) أحدثت صدمة عند صدورها، إذ تناولت حالة الاغتراب والفراغ الوجودي لشاب خرج من السجن ليجد نفسه تائهاً في مجتمع فاقد للبوصلة. رُفضت الرواية من قبل الرقابة وصودرت بدعوى "البذاءة"، ولم تُنشر بنسختها الكاملة إلا بعد 20 عاماً، لكنّها اليوم تُعتبر لحظة مفصلية في تطور الرواية العربية الحديثة. وإلى حينها، ظلت رواية اللجنة (1981) تعتبر أولى رواياته، وهي من دون شك أشهر أعماله وأكثرها رمزية. "رفعتُ يدي المصابة إلى فمي وبدأتُ آكل نفسي" هي الجملة التي اختتم بها الرواية التي تحكي قصة رجل يُستدعى للتحقيق من قبل لجنة مجهولة. الرواية ترصد، من خلال رمزية مكثفة، اغتراب الفرد في زمن "الانفتاح" الذي اتسم به عهد الرئيس الأسبق أنور السادات. وفي جَوٍ كابوسي خانق، يظهر السرد الحياة في مجتمع استبدادي على وقع تغوُّل العولمة والشركات الكبرى. حتى أن إحدى شخصيات الرواية ليست سوى زجاجة "كوكاكولا". في رواية "ذات" (1992) التي استند إليها المسلسل المصري "بنت اسمها ذات" (2013)، يتناول صنع الله إبراهيم قصة امرأة مصرية من الطبقة الوسطى، تتقاطع حياتها الشخصية مع تحوّلات الدولة المصرية في عهد عبد الناصر، والسادات، ومبارك. تتداخل الحكاية مع قصاصات صحفية واقعية لكون بطلة الرواية تعمل في قسم الأرشيف، ما خلق سرداً توثيقياً يُجسّد تآكل الطبقة الوسطى وتحوُّل الدولة من اشتراكية إلى نيوليبرالية. بعد "اللجنة"، نشر إبراهيم رواية "بيروت بيروت" (1984) والتي جاءت نتيجة المدة القصيرة التي أمضاها في العاصمة اللبنانية خلال واحدة من هدنات الحرب الأهلية. يقول ابراهيم في إحدى المقابلات الصحفية: "أمضيت في بيروت حوالي شهر، وخلالها نشأت قصة حب. كنت قد انتهيت لتوّي من كتابة اللجنة وتلك الرائحة، وقلت لنفسي: كفى من هذا… أريد أن أكتب قصّة حب. ولكن ما إن بدأت أكتب، حتى وجدت نفسي غارقاً في الحرب الأهلية اللبنانية، وقلت لنفسي: أليس من المفترض أن أحاول فهم ما يحدث هنا بالضبط؟ فبدأت أُجري أبحاثاً. وجدت أفلاماً، ووثائق، وما إلى ذلك، وذهبت إلى الأرشيفات". وفي "وردة" (2000)، انتقل إبراهيم إلى سلطنة عُمان، مستعيداً تاريخ ثورة ظفار من خلال مذكرات مناضلة يسارية. وكالعادة، تتداخل الوثائق مع السرد الذاتي، مما يجعل من الرواية تأملاً في حدود التاريخ الرسمي، وفي النسيان المتعمّد للثورات المغدورة. وبين أعماله الأخرى نجد روايات "أمريكانلي"، و"شرف"، و"برلين 69"، و"التلصص"، و"نجمة أغسطس"، ورواية "العمامة والقبعة" التي تتمحور حول الحملة الفرنسية في مصر (1798–1801) وتتناول مواضيع السلطة، والاستعمار، وصدام الحضارات. رفض جائزة الرواية العربية في لحظة استثنائية شهيرة عام 2003، رفض صنع الله إبراهيم تسلُّم جائزة الرواية العربية، معلناً أن السبب هو أنها "صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد". وفي الكلمة التي ألقاها على مسرح دار الأوبرا المصرية خلال حفل تسليم الجائزة، انتقد صنع الله أيضاً سياسة القاهرة الخارجية، وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل، متهمًا الأخيرة بـ"القتل وتشكيل تهديد فعلي لحدودنا الشرقية". كما ندد بـ"الإملاءات الأمريكية، والعجز في السياسة الخارجية المصرية، وسائر مناحي الحياة". وبعد نحو عقد من الزمان، علّق إبراهيم على ثورة يناير قائلاً إن ما جرى في ميدان التحرير "لم يكن ثورة بالتأكيد، فالثورة لها برنامج وهدف: تغيير كامل للواقع أو إزاحة طبقة اجتماعية بأخرى. ما حدث كان انتفاضة شعبية مطلبها الأساسي هو تغيير النظام، رغم أن معنى هذا لم يكن واضحاً، باستثناء الإطاحة بأبرز رموز النظام القديم". وقد أعادت فترة مرض صنع الله الأخيرة الأديب الذي كان قد اقترب من عامه التسعين إلى الأضواء، لا سيما بعد مناشدة عدد من الأشخاص للدولة المصرية في شهر مارس/آذار الماضي بالتدخل والمساعدة في تغطية تكاليف علاجه. ورغم التدخل الحكومي، الذي وصفه منتقدون بالمتأخر، فقد أعاد مشهد مرض إبراهيم فتْح النقاش حول ما يعتبره معارضون إهمالاً حكومياً للأدباء والمثقفين، خصوصاً أولئك الذين أصبحوا رموزاً في التاريخ الثقافي المصري والعربي، على غرار صنع الله إبراهيم.


الوسط
منذ يوم واحد
- الوسط
رحيل صاحب «نجمة أغسطس» صنع الله إبراهيم عن 88 عاما
توفي، اليوم الأربعاء، الروائي المصري الكبير صنع الله إبرهيم عن 88 عاما إثر إصابته بالتهاب رئوي، نُقل على أثره إلى أحد مستشفيات القاهرة. ويعد الأديب الراحل صنع الله إبراهيم أحد أبرز رواد الأدب فى مصر. كما أنه علامة من علامات الأدب المصرى، وله مجموعة متنوعة من الأعمال المميزة، ودخلت بعضها فى قائمة أفضل مئة رواية عربية. ولد «صنع الله» في القاهرة العام 1937، وكان لوالده أثرٌ كبير على شخصيته، حيث زوَّده بالكتب والقصص وحثَّه على الاطِّلاع، فبدأت شخصيتُه الأدبية في التكوين منذ الصِّغَر. وهو روائيٌّ مصري يساري، يُغرِد خارج السِّرب، إذ رفض تسلم جائزةٍ من الدولة المصرية. درس صنع الله إبراهيم الحقوق، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة. انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية «حدتو»، فاعتُقِل العام 1959، وظل في السجن خمس سنوات حتى العام 1964. - - - وبعد خروجه من السجن، اشتغل صنع الله في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية العام 1967، ثم عمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية العام 1968 حتى العام 1971، وبعدها اتَّجه إلى موسكو، لدراسة التصوير السينمائي، والعمل على صناعة الأفلام، ثم عاد إلى القاهرة العام 1974 في عهد الرئيس السادات، وتفرغ للكتابة الحُرة كليًّا عام 1975. تَميَّز إنتاج صنع الله إبراهيم الأدبي بالتوثيق التاريخي، والتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالَم العربي، فضلًا عن سرده الكثيرَ من حياته الشخصية. كثير من الإبداع والجدل من أشهر أعماله: رواية «شرف» التي تحتلُّ المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مئة رواية عربية، و«اللجنة»، و«ذات»، و«الجليد»، و«نجمة أغسطس»، و«بيروت بيروت»، و«النيل مآسي»، و«وردة»، و«العمامة والقبعة»، و«أمريكانلي»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالم الأدب. وقد أُثير حول صنع الله الكثير من الجدل بسبب رفضه تسلم «جائزة الرواية العربية»، التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، العام 2003، بينما ال العديد من الجوائز العربية المهمة، مثل «جائزة ابن رشد للفكر الحر» العام 2004، و«جائزة كفافيس للأدب» العام 2017.