logo
تجريف الأيديولوجيا.. حين تتحول الحرب إلى معول

تجريف الأيديولوجيا.. حين تتحول الحرب إلى معول

صحيفة الخليجمنذ 21 ساعات

حسن إبراهيم النعيمي*
في لحظة كانت الأنظار فيها تتجه نحو مسقط، ترقّباً لانعقاد جولة مفصلية من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، باغتت إسرائيل الجميع بشن هجوم عسكري مبكّر على الأراضي الإيرانية. لم تتأخر طهران في الرد، واستمرت الحرب اثني عشر يوماً، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً، مُسدلة الستار على مشهد أوحى للجميع وكأنه ترتيب مسرحي وليس صداماً حربياً تقليدياً.
لكن خلف ضجيج التحليلات ودوامات التفسير، كان ثمة ما هو أخطر: مشروع صامت لتجريف الوعي الجمعي، وتجريد الإنسان من انتمائه الأيديولوجي. فالحرب هنا ليست فقط أداة عسكرية، بل وسيلة لإعادة تشكيل الإدراك، ضمن سياق أوسع لما يمكن تسميته ب«مشروع تجريف الأيديولوجيا».
هذا المشروع ليس وليد اللحظة، بل امتداد لتطورات تاريخية متلاحقة. فمنذ نهاية الحرب الباردة، ومع سقوط الاتحاد السوفييتي، بدأ ترسيخ سردية «نهاية التاريخ»، باعتبار الليبرالية الغربية النموذج النهائي لتطور الإنسان. ثم جاءت انتكاسات الربيع العربي لتُسرّع وتيرة الانسحاب من المشروعات الفكرية الكبرى، فتم تحميل الحركات الإسلامية والقومية واليسارية مسؤولية الفوضى، ودُفع الشباب نحو الحياد واللا موقف كخيار خلاص.
من خلال هذا، جرى تفكيك الهوية الجمعية للإنسان العربي والإسلامي، ونُزع المعنى من وعيه، وأُعيد إنتاجه ككائن فردي، استهلاكي، لا يؤمن إلا بنجاته الشخصية، ويخشى الحلم بالتغيير. تم ذلك عبر أدوات متعددة: التعليم، الإعلام، المنصات الرقمية، والسياسات النيوليبرالية العابرة للحدود.
وفي هذا السياق، تُمثّل إيران - رغم الملاحظات الكثيرة على سياساتها - آخر معاقل المشروع الأيديولوجي في الشرق الأوسط. فهي تحمل تصوراً دينياً- سياسياً فتم النظر إليها في الغرب وإسرائيل ليس فقط كخطر نووي، بل كخطر فكري ممانع لمشروع تفريغ المنطقة من أي بديل أيديولوجي.
تُمارس إسرائيل، رغم أيديولوجيتها الصهيونية، سياسة نزع الأيديولوجيا في محيطها: بالحرب، بالتطبيع، وبفرض معادلات «الأمن مقابل الصمت». وتُشيطن كل مشروع مقاوم، وتربطه بإيران حتى لو لم يكن مرتبطاً بها، بهدف قتل الفكرة لا فقط الجغرافيا.
إن الحرب هنا تتحوّل إلى أداة لتفكيك كل مشروع تغييري، عبر ربط الأيديولوجيا بالعنف والفوضى، وتقديم الحياد كقيمة عليا، وإقناع الشعوب أن لا جدوى من المقاومة. لكن، رغم ذلك، لم تُقتل الأسئلة الكبرى بعد: من نحن؟ ولماذا نحيا؟ وما الذي يستحق أن نؤمن به؟
يبقى الأمل في بلورة مشروع فكري معاصر، عادل، إنساني، غير طائفي، يعيد المعنى إلى الوجود العربي، ويقاوم اختزال الإنسان في وظيفة أو سلعة أو رقم.
الخاتمة:
الحرب الكبرى اليوم ليست على الحدود... بل على وعي الإنسان. فكل مشروع يُجهض، وكل هوية تُمسخ، وكل فكرة تُربك، ما هي إلا فصول من معركة كبرى تسعى لجعل الإنسان بلا فكرة... وبلا مقاومة.
ولأن الإنسان بلا قضية، هو إنسان يسهل تطويعه، فإن معركتنا ليست فقط في ميادين الصراع... بل في أعماق الوعي ذاته.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب لإيران: اجنحي للسلم نرفع العقوبات
ترامب لإيران: اجنحي للسلم نرفع العقوبات

البيان

timeمنذ 5 دقائق

  • البيان

ترامب لإيران: اجنحي للسلم نرفع العقوبات

وأضاف، مستبعداً أن تستأنف إيران برنامجها النووي: «إنهم منهَكون... لقد تلقّوا ضربات لم يتلقّها أحد من قبل. لقد دمّرنا قدراتهم النووية، وليس بمقدورهم المُضيّ قدماً أكثر من ذلك». لقد دمّروا فعلاً المكان. لكننا اضطررنا لتحمُّل الأخبار الكاذبة من (سي إن إن) وصحيفة (نيويورك تايمز) اللتين قالتا إنه ربما لم يُدمَّر بالكامل، ثم اتضح أنه دُمّر بالكامل، وبطريقةٍ لم يشهدها أحدٌ من قبل، وهذا يعني نهاية طموحاتهم النووية، على الأقل لفترة من الزمن». وكرّر ترامب تأكيده أنه لم يجرِ نقل اليورانيوم المخصب، وأن المنشآت الثلاث دُمّرت بالكامل. وقال في المقابلة التي بُثّت مساء الأحد، «نسمع أن واشنطن تريد التحدث معنا»، مضيفاً «لم نتفق على تاريخ محدد. ولم نتفق على الآليات». وقال «يمكن مناقشة المستوى، ويمكن مناقشة القدرة، ولكن القول.. يجب أن يكون مستوى التخصيب لديكم صفراً، وإذا لم توافقوا فسوف نقصفكم، فهذه هي شريعة الغاب».

الإمارات تتضامن مع تنزانيا وتعزّي في ضحايا تصادم مروري
الإمارات تتضامن مع تنزانيا وتعزّي في ضحايا تصادم مروري

صحيفة الخليج

timeمنذ 6 دقائق

  • صحيفة الخليج

الإمارات تتضامن مع تنزانيا وتعزّي في ضحايا تصادم مروري

أعربت دولة الإمارات عن خالص تعازيها وتضامنها مع جمهورية تنزانيا المتحدة في ضحايا حادث تصادم مروري في مقاطعة كليمنجارو وأسفر عن مقتل وإصابة عشرات الأشخاص. وأعربت وزارة الخارجية، في بيان لها، عن خالص تعازيها ومواساتها لأهالي الضحايا ولحكومة جمهورية تنزانيا المتحدة ولشعبها الصديق في هذا المصاب الأليم، وتمنياتها بالشفاء العاجل لجميع المصابين. (وام)

ترامب يوقع على أمر تنفيذي بإنهاء العقوبات عن سوريا
ترامب يوقع على أمر تنفيذي بإنهاء العقوبات عن سوريا

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 18 دقائق

  • سكاي نيوز عربية

ترامب يوقع على أمر تنفيذي بإنهاء العقوبات عن سوريا

وينص الأمر على رفع العقوبات عن سوريا مع الإبقاء على العقوبات المفروضة على بشار الأسد ومعاونيه ومنتهكي حقوق الإنسان ومهربي المخدرات والأشخاص المرتبطين بأنشطة الأسلحة الكيميائية وتنظيم داعش أو فروعه، والوكلاء الإيرانيين. وحسب نص القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية ، فإن واشنطن تلتزم بـ"دعم سوريا مستقرة وموحدة، تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها. إن سوريا موحدة، لا توفر ملاذا آمنا للمنظمات الإرهابية، وتضمن أمن أقلياتها الدينية والعرقية، ستدعم الأمن والازدهار الإقليميين". وأشار النص إلى أن الظروف التي أدت إلى فرض العقوبات على سوريا قد تغيرت خلال الأشهر الستة الماضية، وذلك في أعقاب ما وصفه بـ"الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع". وقد اتخذ وزير الخارجية ووزير الخزانة خطوات أولية نحو هذا الهدف من خلال إصدار الترخيص العام رقم 25 في 23 مايو 2025 وإعفاء من العقوبات بموجب قانون قيصر. وبموجب القرار، تم إلغاء عدد من الأوامر التنفيذية السابقة التي شكلت الأساس القانوني للعقوبات على سوريا، بما في ذلك الأوامر الصادرة بين عامي 2004 و2011 والتي استهدفت الحكومة السورية ومسؤوليها وكبار داعميها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store