
الجامعات والحكومة.. أيهما أكثر حاجة للآخر؟
الجامعات والحكومة.. أيهما أكثر حاجة للآخر؟
خلال الأونة الأخيرة، انتشرت مقولة أن الجامعات الأميركية «تعتمد على التمويل الفيدرالي»، وكأنها مستفيدة سلبية من سخاء الحكومة. إلا أن الواقع أقرب إلى العكس: فالحكومة الفيدرالية تعتمد على الجامعات لإجراء البحوث التي تحافظ على صحة وأمان أمتنا الأميركية وقدرتها على التنافس الاقتصادي.
وإذا سبق لك اتباع إرشادات التنقل باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، فقد استفدت من تكنولوجيا طورتها وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بالشراكة مع علماء الجامعات. كما أن أداة تحرير الجينات الثورية «كريسبر»، التي على وشك أن يعالج الأمراض الوراثية، وُلدت من رحم أبحاث جامعية ممولة بمنح من المعاهد الوطنية للصحة. ومن الصحة العامة إلى الابتكارات التكنولوجية المتقدمة ووصولاً إلى الأمن القومي، اتخذت الجامعات الأميركية مساراً هادئاً لتصبح ركائز التقدم والازدهار الوطني.
إلا المزيد من الإنجازات باتت معرضة للخطر، في وقت تستخدم فيه إدارة ترامب التمويل الفيدرالي كأداة لضبط الجامعات في مسائل لا علاقة لها بمهامها البحثية. فقد تم تقليص التمويل الجديد من المعاهد الوطنية للصحة بأكثر من ملياري دولار منذ يناير الماضي، دون احتساب مليارات الدولارات الأخرى في شكل منح مجمدة في عدة جامعات، من بينها جامعة نورثويسترن، حيث أعمل. ويقترح الرئيس دونالد ترامب خفض ميزانية تمويل المعاهد الوطنية للصحة بنسبة 40% العام المقبل، إضافة إلى تخفيض بنسبة 56% لمؤسسة العلوم الوطنية. ولتوضيح حجم التأثير، يُظهر تحليل أجراه اقتصاديون في الجامعة الأميركية أن خفض التمويل الفيدرالي للأبحاث بنسبة 25% فقط قد يؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة مماثل لما حدث خلال فترة الركود الكبير. وإذا استمر هذا النهج، سيكون المجتمع بأسره هو الخاسر الأكبر.
وكانت الشراكة بين الحكومة والجامعات حجر الأساس في الابتكار الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية، حين ساهمت الاستثمارات الفيدرالية في العلوم الأكاديمية في تحقيق إنجازات كالرادار، والمضادات الحيوية، والحاسوب.
ومنذ ذلك الحين، ساهم دعم واشنطن للأبحاث الجامعية في تعزيز التقدم الذي لا تستطيع الصناعة الخاصة تمويله أو لا ترغب في تمويله، حيث إن، المنح الفيدرالية هي التي تجعل الأفكار الجريئة، مثل فك شفرة الجينوم البشري أو علاج السرطان بالخلايا التائية «كار-تي»، والتي تتطلب صبراً واستكشافاً مدفوعاً ممكنة التنفيذ. وكانت بعض المختبرات التابعة للشركات الكبرى، مثل مختبرات بيل، تتابع هذا النوع من الأبحاث الجوهرية، إلا أنها توقفت عن ذلك، لأن المساهمين سئموا من انتظار تحوّل الاكتشافات إلى أرباح.
وإذا لم تواصل الجامعات استكشاف هذه الآفاق، فلن يفعل أحد، وسيكون الوضع أسوأ. ولا يعتبر تمويل الأبحاث الفيدرالي منحة للتعليم العالي، بل إنه استثمار استراتيجي، فالحكومة لا تموّل مختبرات الجامعات لتحسين أوضاعها المالية، بل لدعم أفضل الأفكار والعقول من أجل تلبية الأولويات الوطنية.
وتُمنح هذه التمويلات من خلال عمليات تنافسية للغاية للعلماء الأكثر كفاءة، سواء كانوا يدرسون علاجات السرطان أو مواد طاقة جديدة. أما الاكتشافات الناتجة، فتتخطى حدود الجامعات لتعود بالنفع على المجتمع بأسره، في شكل أدوية جديدة، وشركات ناشئة، وقدرات عسكرية متقدمة. وقد وُصفت هذه الشراكة بأنها من أكثر الشراكات إنتاجية في تاريخ أميركا، لسبب وجيه، فالعوائد الاقتصادية كانت هائلة، من بينها شركة «غوغل»، التي نشأت من مشروع بحثي لطالب دراسات عليا في جامعة ستانفورد، موّلته جزئياً مؤسسة العلوم الوطنية. كما تعود جذور صناعات بأكملها في مجالي التكنولوجيا الحيوية والأدوية إلى إنجازات جامعية مولتها المعاهد الوطنية للصحة.
وفوائد هذه الشراكة للأمن القومي بالغة الأهمية، فقد اعتمدت وزارة الدفاع على باحثين جامعيين لتطوير ابتكارات مثل المواد المتقدمة، ونظارات الرؤية الليلية، والحوسبة الكمومية. ولا يمكن التقليل من شأن تأثير ذلك على مجال الصحة العامة، فالأبحاث الأكاديمية المدعومة من معاهد الصحة الوطنية تمهد الطريق لعلاجات لأمراض، مثل التصلب الجانبي الضموري، والزهايمر، والسرطان. وباختصار، لا يمكن أن تستغني الحكومة الفيدرالية عن الجامعات في المجالات العلمية والتكنولوجية، بل إنها تعتمد على مختبرات الجامعات إلى حد كبير في أبحاث القطاع الخاص وتطويره، إذ أن المختبرات لا تكتفي بتدريب الكفاءات البشرية، بل تقوم أيضاً بالاكتشافات العلمية الأساسية التي تُحوّلها إلى تطبيقات ومنتجات تجارية مربحة.
والمفارقة أن الجامعات، رغم كل هذا العطاء الكبير الناتج عن الأبحاث الممولة فيدرالياً، لا يزداد اعتمادها على أموال الحكومة، بل تُظهر البيانات أن حصة التمويل الفيدرالي على الأبحاث الجامعية انخفضت خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2012، كانت الأموال الفيدرالية تغطي نحو 61٪ من إجمالي الأبحاث في الجامعات الأميركية، أما اليوم، فهي تغطي حوالي 55% فحسب، أي أن الدعم الفيدرالي يتراجع رغم ازدياد الحاجة إلى البحث العلمي، وفي وقت تُكثّف فيه دول منافسة مثل الصين استثماراتها في العلوم.
وعلى النقيض، فإن الحكومة الفيدرالية هي التي تعتمد بشكل متزايد على الأوساط الأكاديمية. وتنفذ حصة متنامية باطراد من أبحاث وتطوير الولايات المتحدة الآن في الجامعات، وأصبح قطاع البحث العلمي، الذي يُعد محرّكًا رئيسيًا لازدهارنا الاقتصادي، يعتمد بشكل كبير على مختبرات الجامعات.
ويحمل هذا التحول تداعيات كبيرة على السياسات العامة، فهو يعني أن تخفيضات التمويل الفيدرالي للأبحاث تُقلّص يُبطئ علاجًا مُحتملًا لمرض باركنسون، أو خلايا شمسية من الجيل التالي، أو التكنولوجيا التي قد تمنحنا ميزة تنافسية على المنافسين. وللأسف، فإن الدعم الفيدرالي للأبحاث والتطوير ظلّ يتراجع لعقود.
فخلال ستينيات القرن الماضي، أنفقت واشنطن ما يقارب 2% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي على البحث العلمي، أما اليوم، فهي تنفق فقط نحو ثلث تلك النسبة. والنتيجة أن كثيرًا من الأبحاث طويلة الأمد والأساسية تواجه مستقبلًا تمويلياً غير مضمون. والأسوأ من ذلك أن إدارة ترامب بدأت تُسيّس تمويل الأبحاث، حيث يهدد هذا النهج قصير النظر بتقويض شراكة أثمرت إنجازات أنقذت أرواحاً وغيّرت العالم. إن تقويض منظومة البحث الجامعي لدينا هو بمثابة التخلي عن ريادتنا في الابتكار، في وقت نحتاج فيها إلى هذه الريادة أكثر من أي وقت مضى.
في النهاية يهدف دعم البحث الجامعي إلى ضمان مستقبل الأمة، لذلك يجب التفكر في كيفية تعزيز الشراكة بين الحكومة والجامعات، لا إضعافها، وهذا يعني صياغة سياسات فيدرالية أكثر ذكاءً تُجدّد التزامنا بالعلم. كما ينبغي على الكونغرس والبيت الأبيض ضمان تمويل متسق وقوي للعلوم، ومقاومة إغراء استخدام أموال البحث كسلاح سياسي. وينبغي عليهما توسيع نطاق البرامج التي تُشجع المواهب الشابة على دخول المجالات العلمية، لا إلغاؤها.
كما يجب عليهما توضيح أن المنح المُقدّمة لعلماء الجامعات ليست إنفاقاً ربحياً، بل استثمار في الصالح العام، استثمار يُؤتي ثماره في الاكتشافات الطبية، وتقنيات تولد فرص العمل، والمزايا العسكرية، والنشاط الاقتصادي، وهي عوائد لا يُمكننا تفويتها. *عالِمة الأحياء التنموية والخلايا الجذعية في جامعة نورث وسترن.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


زهرة الخليج
منذ 8 ساعات
- زهرة الخليج
تنظيف البشرة بالألماس.. سر النجمات لبشرة فاخرة ومشرقة
#بشرة من بين الأسرار الجمالية يبرز تنظيف البشرة بالألماس كخيار فاخر يجمع بين الفعالية والدلال، وهو من أبرز أساليب العناية بالبشرة التي لا تقتصر فوائدها على إزالة الخلايا الميتة فقط، بل تمتد لتشمل تحفيز الكولاجين، وتعزيز الدورة الدموية، وتحقيق إشراقة طبيعية تدوم. فما الذي يجعل الألماس يتربّع على عرش تقنيات التقشير؟ وما السرّ وراء نتائجه المذهلة التي جعلته الخيار المفضل لكثير من المشاهير وخبراء العناية بالبشرة؟ إليكِ أبرز الأسباب: تنظيف البشرة بالألماس.. سر النجمات لبشرة فاخرة ومشرقة من يستفيد من تنظيف البشرة بالألماس؟ يُعد تنظيف البشرة بالألماس فعالاً للبشرة الباهتة والجافة، كما أنه مفيد أيضاً للبشرة المتقدمة في السن، ويمنح نتائج فعالة. وهو معروف بفوائده المضادة لعلامات التقدم في السن، ويمكن تحقيق ذلك عبر: - التقشير: يستخدم الألماس كمقشر فعال، إذ يوفر تأثيراً أطول من غيره من المكونات، وتساعد الجزيئات البلورية الموجودة في هذا العلاج على إزالة خلايا الجلد الميتة من سطح البشرة، ما يسمح بظهور بشرة ناعمة ونضرة، كما يمنح البشرة توهجاً وإشراقة شبابية. - تحسين الدورة الدموية: إن التدليك العميق أثناء هذا العلاج يساعد على تنشيط الدورة الدموية، ما يؤدي إلى تحسين لون البشرة. - علاج عيوب البشرة: إذا كنتِ تعانين جفاف أو اسمرار البشرة، فإن هذا العلاج يعد خياراً ملائماً تماماً، كما يساعد على توحيد لون البشرة ويعد من أفضل العلاجات للتخلص من الرؤوس السوداء. تنظيف البشرة بالألماس.. سر النجمات لبشرة فاخرة ومشرقة - علاج علامات التقدم في السن: لما له من خصائص مضادة للشيخوخة، أصبح تنظيف البشرة بالألماس شائعاً للغاية، فهو يساعد على إزالة السموم من البشرة، ويعمل على تنقيتها وزيادة نسبة الأكسجين فيها، كما ينشط خلايا الجلد الخامدة ويحفز التجدد الخلوي، ما يبطئ من تأثيرات التقدم في السن على البشرة، ويحافظ على مظهرها الشاب.كم تكلفة تنظيف البشرة بالألماس؟ يُعتبر تنظيف البشرة بالألماس من العلاجات الراقية، لذا يلجأ إليها العديد من المشاهير، فهي تعني دلالاً وعناية فاخرة للبشرة. بالطبع يفضل إجراؤه على يد خبير للحصول على أفضل النتائج، وتختلف تكلفة التقشير الماسي باختلاف الهدف من تطبيقه. ولجأت بعض النجمات العالميات إلى هذا النوع من التقشير كوسيلة لتجديد بشرتهن والحفاظ على مظهر مشرق ومتوهج. فالنجمة ميلا كونيس، على سبيل المثال، اختارت هذا الأسلوب المتقدّم لتجديد بشرتها، في جلسة بلغت تكلفتها نحو 7000 دولار، استخدمت خلالها حبيبات دقيقة من الألماس تمنح الوجه نعومة استثنائية وإشراقة واضحة. تنظيف البشرة بالألماس.. سر النجمات لبشرة فاخرة ومشرقة كذلك تُعرف عارضة الأزياء العالمية ميرندا كير بشغفها بالعناية بالبشرة، وقد صرّحت طبيبة الجلدية الخاصة بها، بأن تقشير الألماس يُعد من العلاجات الأساسية في روتينها التجميلي، لما يقدمه من نتائج فورية تعكس إشراقاً طبيعياً وتألقاً دائماً. وبينما يراه البعض نوعاً من الترف، تُدرك النجمات أنه استثمار حقيقي في صحة بشرتهن ومظهرهن المتجدد، هذه الأمثلة تُبرز كيف أصبح الألماس رمزاً للأناقة والعناية الفائقة، يتجاوز دوره الجمالي ليعكس أسلوب حياة مترف ومتفرّد. واليوم أيضاً يمكنكِ شراء مجموعة أدوات تنظيف البشرة بالألماس (DIY) واستخدامها في المنزل، ما يوفر الكثير من المال، ومن أبرز العلامات التجارية التي تقدم هذه الأدوات: VLCC ، Nature's Essence العناية بالبشرة بعد إجراء التقشير الماسي بعد الخضوع لجلسة تقشير ماسي، تصبح البشرة أكثر حساسية وتحتاج إلى عناية دقيقة للحفاظ على نتائج الجلسة وتسريع عملية التعافي. إليكِ أهم الخطوات التي يجب اتباعها في روتين العناية بالبشرة بعد التقشير: - الترطيب المنتظم: تنظيف البشرة بالألماس.. سر النجمات لبشرة فاخرة ومشرقة استخدمي مرطبات خفيفة ذات قوام مائي (جل أو سيروم) للحفاظ على رطوبة البشرة دون التسبب في انسداد المسام. - الابتعاد عن أشعة الشمس المباشرة: تجنّبي التعرّض للشمس دون استخدام واقٍ شمسي مناسب لنوع بشرتكِ، خاصة خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد الجلسة، حيث تكون البشرة أكثر عرضة للتصبغات. - الحد من استخدام مستحضرات التجميل: يُفضل تجنب المكياج أو أي مستحضرات قد تسد المسام وتهيج البشرة لمدة 24-48 ساعة على الأقل بعد الجلسة. - تنظيف البشرة بلطف: اغسلي وجهك مرتين يومياً باستخدام غسول لطيف ومناسب لنوع بشرتك، لتجنّب تراكم الشوائب والملوثات. - استخدام الماء البارد عند الغسيل: اغسلي وجهك بالماء البارد لتقليل الاحمرار وتهدئة البشرة، وابتعدي عن الماء الساخن لأنه قد يزيد من التهيج. - عدم لمس الوجه بالأيدي: أحرصي على غسل يديك جيداً قبل ملامسة وجهك، لتجنب نقل البكتيريا أو الملوثات التي قد تؤدي إلى الالتهابات.


الاتحاد
منذ 17 ساعات
- الاتحاد
الجامعات والحكومة.. أيهما أكثر حاجة للآخر؟
الجامعات والحكومة.. أيهما أكثر حاجة للآخر؟ خلال الأونة الأخيرة، انتشرت مقولة أن الجامعات الأميركية «تعتمد على التمويل الفيدرالي»، وكأنها مستفيدة سلبية من سخاء الحكومة. إلا أن الواقع أقرب إلى العكس: فالحكومة الفيدرالية تعتمد على الجامعات لإجراء البحوث التي تحافظ على صحة وأمان أمتنا الأميركية وقدرتها على التنافس الاقتصادي. وإذا سبق لك اتباع إرشادات التنقل باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، فقد استفدت من تكنولوجيا طورتها وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بالشراكة مع علماء الجامعات. كما أن أداة تحرير الجينات الثورية «كريسبر»، التي على وشك أن يعالج الأمراض الوراثية، وُلدت من رحم أبحاث جامعية ممولة بمنح من المعاهد الوطنية للصحة. ومن الصحة العامة إلى الابتكارات التكنولوجية المتقدمة ووصولاً إلى الأمن القومي، اتخذت الجامعات الأميركية مساراً هادئاً لتصبح ركائز التقدم والازدهار الوطني. إلا المزيد من الإنجازات باتت معرضة للخطر، في وقت تستخدم فيه إدارة ترامب التمويل الفيدرالي كأداة لضبط الجامعات في مسائل لا علاقة لها بمهامها البحثية. فقد تم تقليص التمويل الجديد من المعاهد الوطنية للصحة بأكثر من ملياري دولار منذ يناير الماضي، دون احتساب مليارات الدولارات الأخرى في شكل منح مجمدة في عدة جامعات، من بينها جامعة نورثويسترن، حيث أعمل. ويقترح الرئيس دونالد ترامب خفض ميزانية تمويل المعاهد الوطنية للصحة بنسبة 40% العام المقبل، إضافة إلى تخفيض بنسبة 56% لمؤسسة العلوم الوطنية. ولتوضيح حجم التأثير، يُظهر تحليل أجراه اقتصاديون في الجامعة الأميركية أن خفض التمويل الفيدرالي للأبحاث بنسبة 25% فقط قد يؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة مماثل لما حدث خلال فترة الركود الكبير. وإذا استمر هذا النهج، سيكون المجتمع بأسره هو الخاسر الأكبر. وكانت الشراكة بين الحكومة والجامعات حجر الأساس في الابتكار الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية، حين ساهمت الاستثمارات الفيدرالية في العلوم الأكاديمية في تحقيق إنجازات كالرادار، والمضادات الحيوية، والحاسوب. ومنذ ذلك الحين، ساهم دعم واشنطن للأبحاث الجامعية في تعزيز التقدم الذي لا تستطيع الصناعة الخاصة تمويله أو لا ترغب في تمويله، حيث إن، المنح الفيدرالية هي التي تجعل الأفكار الجريئة، مثل فك شفرة الجينوم البشري أو علاج السرطان بالخلايا التائية «كار-تي»، والتي تتطلب صبراً واستكشافاً مدفوعاً ممكنة التنفيذ. وكانت بعض المختبرات التابعة للشركات الكبرى، مثل مختبرات بيل، تتابع هذا النوع من الأبحاث الجوهرية، إلا أنها توقفت عن ذلك، لأن المساهمين سئموا من انتظار تحوّل الاكتشافات إلى أرباح. وإذا لم تواصل الجامعات استكشاف هذه الآفاق، فلن يفعل أحد، وسيكون الوضع أسوأ. ولا يعتبر تمويل الأبحاث الفيدرالي منحة للتعليم العالي، بل إنه استثمار استراتيجي، فالحكومة لا تموّل مختبرات الجامعات لتحسين أوضاعها المالية، بل لدعم أفضل الأفكار والعقول من أجل تلبية الأولويات الوطنية. وتُمنح هذه التمويلات من خلال عمليات تنافسية للغاية للعلماء الأكثر كفاءة، سواء كانوا يدرسون علاجات السرطان أو مواد طاقة جديدة. أما الاكتشافات الناتجة، فتتخطى حدود الجامعات لتعود بالنفع على المجتمع بأسره، في شكل أدوية جديدة، وشركات ناشئة، وقدرات عسكرية متقدمة. وقد وُصفت هذه الشراكة بأنها من أكثر الشراكات إنتاجية في تاريخ أميركا، لسبب وجيه، فالعوائد الاقتصادية كانت هائلة، من بينها شركة «غوغل»، التي نشأت من مشروع بحثي لطالب دراسات عليا في جامعة ستانفورد، موّلته جزئياً مؤسسة العلوم الوطنية. كما تعود جذور صناعات بأكملها في مجالي التكنولوجيا الحيوية والأدوية إلى إنجازات جامعية مولتها المعاهد الوطنية للصحة. وفوائد هذه الشراكة للأمن القومي بالغة الأهمية، فقد اعتمدت وزارة الدفاع على باحثين جامعيين لتطوير ابتكارات مثل المواد المتقدمة، ونظارات الرؤية الليلية، والحوسبة الكمومية. ولا يمكن التقليل من شأن تأثير ذلك على مجال الصحة العامة، فالأبحاث الأكاديمية المدعومة من معاهد الصحة الوطنية تمهد الطريق لعلاجات لأمراض، مثل التصلب الجانبي الضموري، والزهايمر، والسرطان. وباختصار، لا يمكن أن تستغني الحكومة الفيدرالية عن الجامعات في المجالات العلمية والتكنولوجية، بل إنها تعتمد على مختبرات الجامعات إلى حد كبير في أبحاث القطاع الخاص وتطويره، إذ أن المختبرات لا تكتفي بتدريب الكفاءات البشرية، بل تقوم أيضاً بالاكتشافات العلمية الأساسية التي تُحوّلها إلى تطبيقات ومنتجات تجارية مربحة. والمفارقة أن الجامعات، رغم كل هذا العطاء الكبير الناتج عن الأبحاث الممولة فيدرالياً، لا يزداد اعتمادها على أموال الحكومة، بل تُظهر البيانات أن حصة التمويل الفيدرالي على الأبحاث الجامعية انخفضت خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2012، كانت الأموال الفيدرالية تغطي نحو 61٪ من إجمالي الأبحاث في الجامعات الأميركية، أما اليوم، فهي تغطي حوالي 55% فحسب، أي أن الدعم الفيدرالي يتراجع رغم ازدياد الحاجة إلى البحث العلمي، وفي وقت تُكثّف فيه دول منافسة مثل الصين استثماراتها في العلوم. وعلى النقيض، فإن الحكومة الفيدرالية هي التي تعتمد بشكل متزايد على الأوساط الأكاديمية. وتنفذ حصة متنامية باطراد من أبحاث وتطوير الولايات المتحدة الآن في الجامعات، وأصبح قطاع البحث العلمي، الذي يُعد محرّكًا رئيسيًا لازدهارنا الاقتصادي، يعتمد بشكل كبير على مختبرات الجامعات. ويحمل هذا التحول تداعيات كبيرة على السياسات العامة، فهو يعني أن تخفيضات التمويل الفيدرالي للأبحاث تُقلّص يُبطئ علاجًا مُحتملًا لمرض باركنسون، أو خلايا شمسية من الجيل التالي، أو التكنولوجيا التي قد تمنحنا ميزة تنافسية على المنافسين. وللأسف، فإن الدعم الفيدرالي للأبحاث والتطوير ظلّ يتراجع لعقود. فخلال ستينيات القرن الماضي، أنفقت واشنطن ما يقارب 2% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي على البحث العلمي، أما اليوم، فهي تنفق فقط نحو ثلث تلك النسبة. والنتيجة أن كثيرًا من الأبحاث طويلة الأمد والأساسية تواجه مستقبلًا تمويلياً غير مضمون. والأسوأ من ذلك أن إدارة ترامب بدأت تُسيّس تمويل الأبحاث، حيث يهدد هذا النهج قصير النظر بتقويض شراكة أثمرت إنجازات أنقذت أرواحاً وغيّرت العالم. إن تقويض منظومة البحث الجامعي لدينا هو بمثابة التخلي عن ريادتنا في الابتكار، في وقت نحتاج فيها إلى هذه الريادة أكثر من أي وقت مضى. في النهاية يهدف دعم البحث الجامعي إلى ضمان مستقبل الأمة، لذلك يجب التفكر في كيفية تعزيز الشراكة بين الحكومة والجامعات، لا إضعافها، وهذا يعني صياغة سياسات فيدرالية أكثر ذكاءً تُجدّد التزامنا بالعلم. كما ينبغي على الكونغرس والبيت الأبيض ضمان تمويل متسق وقوي للعلوم، ومقاومة إغراء استخدام أموال البحث كسلاح سياسي. وينبغي عليهما توسيع نطاق البرامج التي تُشجع المواهب الشابة على دخول المجالات العلمية، لا إلغاؤها. كما يجب عليهما توضيح أن المنح المُقدّمة لعلماء الجامعات ليست إنفاقاً ربحياً، بل استثمار في الصالح العام، استثمار يُؤتي ثماره في الاكتشافات الطبية، وتقنيات تولد فرص العمل، والمزايا العسكرية، والنشاط الاقتصادي، وهي عوائد لا يُمكننا تفويتها. *عالِمة الأحياء التنموية والخلايا الجذعية في جامعة نورث وسترن. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»


الاتحاد
منذ 3 أيام
- الاتحاد
مساعدات أممية لـ 2.5 مليون سوري شهرياً
نيويورك (الاتحاد) أعلنت الأمم المتحدة أنها قدمت المساعدات الإنسانية مع شركائها في جميع أنحاء سوريا لما يقرب من 2.5 مليون شخص شهرياً على الرغم من التقليص الحاد للتمويل الإنساني على المستوى الدولي من كبار المانحين. وذكر المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في تصريح صحفي مساء أمس الأول أن 1185 شاحنة تقل مساعدات إنسانية عبرت من تركيا إلى سوريا منذ بداية العام بما يزيد على ست مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ولفت دوجاريك إلى القطاع الصحي في سوريا الذي «لا يزال يرزح تحت ضغوط كبيرة مع نقص الأدوية الأساسية وارتفاع تكلفة العلاج واكتظاظ أماكن الإيواء بما يزيد مخاطر انتشار الأمراض». وبين أن ما يقرب من 16 مليون شخص في سوريا بحاجة عاجلة للدعم الصحي الإنساني وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا». وعلى الصعيد الأمني حذر المتحدث الأممي من أن مخلفات الحرب والعبوات غير المنفجرة ما تزال تهدد سلامة المدنيين في أنحاء البلاد. يأتي ذلك فيما يدعو مجتمع العمل الإنساني إلى تقديم الدعم العاجل لتوسيع جهود التوعية بالمخاطر وعمليات تطهير المتفجرات ومساعدة الناجين. يذكر أن خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا التي تبلغ تكلفة تنفيذها ملياري دولار حتى نهاية يونيو لدعم ثمانية ملايين شخص لم تتلق سوى 11 % فقط من إجمالي المبلغ المطلوب.