
من البرلمان الأوروبي… رسالة ملكية إلى العالم: لا عدالة مؤجلة، ولا كرامة تُباع
في لحظة مفصلية من عمر الإنسانية، وبينما يعاني العالم من انحدارٍ أخلاقي يتجسّد يوميًا في مشاهد الموت والخذلان، ارتفع صوت جلالة الملك عبدالله الثاني من على منبر البرلمان الأوروبي، ليعيد التذكير بما تناساه الكثيرون: أن العدالة لا تسقط بالتقادم، وأن الكرامة لا تخضع لمساومات المصالح، وأن البوصلة الأخلاقية يمكن لها أن تستقيم متى ما توفرت الشجاعة.
بكلماتٍ عميقة الرؤية، محكمة البناء، وقف جلالة الملك مخاطبًا الأوروبيين – والعالم أجمع – لا بلغة المجاملة، بل بمنطق القيم ونداء المبادئ. أعاد جلالته ترتيب المشهد الدولي الذي تهاوى تحت وطأة الأزمات والحروب والمعلومات المضللة، من أوكرانيا إلى غزة، ومن اختلال التوازن الأمني إلى تصدّع الحقيقة.
ولم يكن الحديث في السياسة المجردة، بل في وجدان الإنسان وضميره، حيث قال:
"نحن نعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات دون توقف، فلا عجب أننا نشعر بأن عالمنا قد فقد بوصلته الأخلاقية.'
في واحدة من أقوى رسائل الخطاب، وضع جلالة الملك المجتمع الدولي أمام مرآة الواقع المؤلم: 700 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في غزة وثّقتها منظمة الصحة العالمية، وأطفال يُحاصَرون بالجوع، وصحفيون يُستهدفون، ومدنيون يُذبحون تحت سمع العالم وبصره. تساءل جلالته بمرارة:
"كيف يعقل لإنسانيتنا أن تسمح بأن يصبح ما لا يمكن تصوره أمرا اعتياديا؟'
بهذا التساؤل الأخلاقي العميق، عرّى الخطاب تهافت العالم أمام أبسط مقومات العدالة، مؤكدًا أن التغاضي ليس حيادًا، بل تواطؤ، وأن الصمت عن المجازر إعادة تعريفٍ شائنة للإنسانية.
قيمٌ لا تذبل… وموقفٌ لا يتغيّر
ما يميز هذا الخطاب أنه لم يكن انفعاليًا، بل مؤصّلًا في عمق القيم التي يعتز بها الأردن: قيم الوئام، والوصاية الهاشمية، واحترام التعدد الديني، والتزامٍ تاريخي بحماية القدس والمقدسات فيها.
جلالة الملك لم يتحدث عن التعايش بوصفه شعارًا، بل واقعًا أردنيًا حيًّا، حين قال:
"بلدنا المسلم هو موطن لمجتمع مسيحي تاريخي، وجميع مواطنينا يتشاركون في بناء وطننا.'
لم يأتِ حديث جلالة الملك عن القدس من منطلق سياسيٍ فقط، بل من عمق تاريخي وأخلاقي راسخ. فقد ذكّر العالم بوعدٍ مضيء في سجل الإنسانية: العهدة العمرية، التي أمر فيها الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أهل القدس المسلمين باحترام كنائس المدينة وعدم إيذاء كاهن أو طفل أو امرأة أو شيخ. هذا التعهد لم يكن لحظة استثناء، بل صار مع مرور القرون ميثاقًا أخلاقيًا حيًّا في وجدان الأمة.
ولم يغفل جلالته أن يُبيّن كيف أن تلك المبادئ الإسلامية الإنسانية التي نصّت عليها العهدة العمرية قبل عدة قرون هي نفسها التي اعتمدتها اتفاقيات جنيف الحديثة كأساسٍ لحماية المدنيين في زمن الحرب. إنها رسالة صريحة إلى العالم: لا جديد في حماية الأبرياء، بل هو تجديدٌ لما هو راسخ في ضمير الحضارات الحيّة. لكن الأحداث الأخيرة – كما قال جلالته – وضعت هذه القيم في موضع الشك، وعلينا جميعًا أن نثبت أنها لم تكن كلمات عابرة في كتب القانون، بل مسؤوليات حقيقية في زمن المحنة.
في لمحةٍ عابرة لكنها شديدة الدلالة، أشار جلالة الملك إلى التطوّر المتسارع في الصراع بين إسرائيل وإيران، واصفًا الهجمات الإسرائيلية الأخيرة بأنها "تهدد بتصعيد خطير في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.' هذه العبارة، وإن جاءت ضمن سياق أوسع، تحمل تحذيرًا واضحًا من منزلق جديد قد يتجاوز حدود الجغرافيا إلى عواقب دولية فادحة.
لم يكتفِ جلالة سيدنا بوصف الوضع، بل لفت الانتباه إلى خطورة التمدد العسكري غير المحسوب، قائلاً:
"والآن مع توسيع إسرائيل هجومها ليشمل إيران، لا يمكن معرفة أين ستنتهي حدود هذه المعركة.'
هذا التنبيه ليس تحليلاً سياسيًا عابرًا، بل موقف استراتيجي يصدر عن زعيم يُدرك تمامًا أن أي اشتعال إضافي في المنطقة لن يكون محصورًا بين طرفين، بل سيمتد ليقوّض ما تبقى من استقرار هش في الشرق الأوسط، ويُربك الحسابات الدولية بأسرها.
لقد قدّم صاحب الجلاله رؤيةً واضحة لمرحلة ما بعد النزيف: تنميةٌ تزرع الأمل في الشرق الأوسط، وخطواتٌ حاسمة لإيقاف نزيف فلسطين وإنهاء أطول صراع دموي شهدته الإنسانية.
في جوهر الرسالة الملكية، دعوة صريحة لاختيار الطريق الأخلاقي، لا طريق الهيمنة، طريق العدالة لا التفوق؛ طريق الاعتراف المتبادل لا الإلغاء.
شكرًا لجلالة سيدنا ، الذي واجه العالم من منبره الأوروبي بكلمة حق، مدفوعة بضميرٍ لا يلين، وعقلٍ يدرك أن الصمت تواطؤ، وأن التغاضي خيانة للأخلاق. لقد قلتها بوضوح:
"إذا ما استمرت الجرافات الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين وبساتين الزيتون… فإنها ستهدم أيضًا الحدود الأخلاقية.'
وما أشرتَ إليه من خطر تصعيد المواجهة بين إسرائيل وإيران، ليس تحذيرًا سياسيًا فقط، بل دعوة مفتوحة للعقلاء في هذا العالم أن ينهضوا قبل أن ينهار كل شيء.
وفي زمنٍ تتشابك فيه الوقائع، وتضيع فيه الحقيقة بين الضجيج، يبقى صوتك، يا جلالة الملك، مرشدًا أخلاقيًا نحتاجه أكثر من أي وقتٍ مضى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 2 ساعات
- عمون
الملك بالبرلمان الأوروبي يجدد الضمير!
ما دامت حرب تل أبيب طهران والفتق توسع وسال صديده، بما يحمل من ملوثات كارهة فتكون الاعتداءات الإسرائيلية على طهران قاسية ومدمرة، وهدفها تمرير حرب التجويع والإبادة سابقا واستمرأ المماطلة والتسويف التفاوضي، في عواصم تبلدت وليس بيديها الا أضعف ايمانها الدعوة بالحسنى للتهدئة وخفض التصعيد والعمل جمعا لصنع أفق سياسي لتحقيق السلام العادل والشامل. وفي حين تحقق حلم تلمودي دفع مع تراكم مجموعة معطيات إيرانية اهمها التوجه علميا وفكرا ومختبرا ومصنعا باجهاض التقدم بدلا من التراجع والستاتيكو بدلا من التجديد!. يكون الأردن وكما هو معهود به، من يقرع الجرس تنبيها وتحذيرا من فتح جبهة الصراع الدموي بين اسرائيل وايران، كمحط أنظار الكل ، ومولد مخاوف واخطرها التعمية على كارثة غزة وبالكاد سمح للأردن بتوزيع وجبات غداء ساخنة بما يقدر ب ١٥٠٠ وجبة من أصل ٨٤٠ الف وجبة انخفضت بفعل الحصار والسرقة لنحو ٢٦٠ الف بما نسبته ٧٠٪"انخفاضا، وحلوى عيد الأضحى واضحيات كسوة العيد وإجلاء أطفال ومرضى للعلاج في مستشفيات الأردن وعلى دفعات واعادة أطفال أنهوا فترة علاج.. بنجاح سجل للكوادر الطبية الأردنية بالتميز والفرادة واعلى درجات الانسانية بأسمى قيمها ونبلها بالشعور المتواتر بالآلام الاخرين وهم من نسل عروبي وعقيدة موحدة. دراما الأردن، في التعامل مع مخلفات الحروب، الصراعات ليس اثارتها من قبيل المنية وتحميل الجميلة بقدر ما ان الأردني يرضعها من ثدي امه ويتناولها مغموسة مختلطة مع لقمة عيشه وتدفع بصاحب القرار الأولى بمستوى سياسي رفيع، نحو اعلاء الشأن الإنساني من أهم واخطر المنابر التمثيلية، وهو خارج للتو من غبار الهدم وانين واوجاع بشر نختلف سياسا وفكريا ومشاريع معه لكنه من لحم ودم وعظم ومشاعر. ألم يخرج القرآن الكريم ونبيه العربي الأمين بما يصف هكذا أوضاع كارثية تنعدم فيها الادمية، أرقى مراحل الانسانية.. حين نطق روحيا ونصا ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ اي حرم الله سفك الدماء وازهاق الأرواح تحريما شديدا الا ما استثناه الشرع وهذا يشمل المسلم والكافر والمعاهد والمستأمن واهل الذمة. فصول الدراما الاردنية انطلقت غداة ٧ اوكتوبر بحرب عزة التي شكلت كما صدح الملك من تحت قبة البرلمان الاوووبي وهو يخاطب الأعضاء والضيوف، بحرقة واسف إنساني حضاري متفاعل واصفا اياها "بالانحدار الأخلاقي فنكتشف اننا امام نسخة مخزية من انسانيتنا التي تدهورت ليس فقط وتعمق هذا الانحدار إلى أسفل الدرجات" بما هو مشاهد وبندية وتساوق في تل أبيب وطهران فعظم تفكيك قيمنا العالمية وهذا ماثل للعصيان في غزة والان في طهران وفلسطين المحتلة وفي عتمة الليل في الضفة وسورية. يبدع الملك وهو يخاطب رواد التشريع والمساءلة حين يصيغ معادلة القانون او حكم القوة والتراجع او التجديد وهي من سنن البشرية والطبيعة وقد تكون أمرا مقبولا لكن احيانا سلوكيات الإنسان، صاحب القرار السياسي يراها تنفلت من عقالها فنتحكم للتكرار لعل فيه منفعة للمؤمن او نصبح اسيري شريعة الغاب . يتمسك الملك في عمان وترحاله في عواصم القرار بالادانة وبكل شجاعة وجرأة وخلفها قاعدة سياسية دبلوماسية لا ترضى لصديق وجار وتاريخ توارى ان يصيبه الاذى والخراب معتقدا انه واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على إيران وبالهمجية المتوحشة من الطرفيين يوسع من دائرة التوتر والصراع، ومن الواجب التحرك الفوري لخفض التصعيد منعا من كارثة تعقب كارثة وتتوالد مع مظاهر مشاهدة بأم العين بنزوح إيرانيين نحو العراق ومستوطنيين بالقوارب للجوار.. وكأن متوالية اللجوء والنزوح ستطولنا مجددا . تجاوز الملك سياسة" ضياع الطاسة بين مؤسسات دولة أمنية عسكرية استخبارية ومؤسسات رقابة دولية تشريعة لا علم لها بأحداث مؤلمة، الا لماما حتى لا تدخل في تعسف ما يصلها ويتوارد لها من معلومات مضللة مفترية فكأن الملك مطلوب منه وهو الاكثر تعاملات وقوفا بصلابة في مواجهة دفن قيم الحق والخير والجمال بامتلاك دراما الخطاب السلمي التوافقي وبخطاب اصلاحي لخطاب الانسانية وخطاب قيم العدالة والحقوق المتساوية وضرورة، تطبيق بلا هوادة لشرعة حقوق الإنسان بكل مفاصل أبوابها فهي منجاتنا من سيادة شريعة الغاب ومحاولة تسيد فلسفتها الغاشمة الطاردة . من سواد الإقليم وسلبياته العابرة، والغضب الذي يعمه ينطلق صوت أردني هاشمي يحاول جاهدا ان يعيد التوازنات والاستقامة للسياسة والحكم والعلاقات الدولية قبل أن تغرق في رمال مصالحها ونزواتها فانحدار قيمي مناقبي لا مثيل له.


جفرا نيوز
منذ 2 ساعات
- جفرا نيوز
الملك في البرلمان الأوروبي .. "نداء ضمير "
جفرا نيوز - بقلم اللواء المتقاعد حسان عناب في لحظةٍ يتراجع فيها الضمير العالمي وتتآكل القيم تحت وطأة القوة والمصالح، أطلّ جلالة الملك عبدالله الثاني، من على منبر البرلمان الأوروبي، ليخاطب العالم بلغة لا تهادن، بلغةٍ تستنفر الإنسانية وتعيد البوصلة الأخلاقية إلى وجهتها. لم يكن خطاب الملك مجرد عرضٍ سياسي أو موقف دبلوماسي، بل كان صرخة ضمير عالمية، ترفض أن يُغلف القتل بالصمت، وأن تُجمّل الوحشية بالشعارات. جاء الخطاب في توقيت بالغ الحساسية. العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ أكثر من 20 شهراً، تصعيد إقليمي مقلق مع إيران، صعود اليمين المتطرف في أوروبا، تغيّر المزاج الدولي تجاه إسرائيل بعد انكشاف المجازر.وفي هذه اللحظة المفصلية، أعاد جلالة الملك تذكير العالم بأن السكوت عن الظلم هو سقوط أخلاقي، وأن القيم التي تنادي بها الحضارات تُختبر في الميدان، لا في البيانات. أعاد جلالة الملك أوروبا إلى لحظة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين اختارت أن تبني على أساس الكرامة لا الانتقام، ودعاها اليوم إلى أن تختار، إما أن تنحاز إلى القيم التي قامت عليها، أو تخسر مكانتها الأخلاقية أمام التاريخ. ولم يغفل الخطاب عن تحميل المجتمع الدولي مسؤولية "تطبيع الوحشية' في غزة، وسأل بأسى وجرأة، كيف أصبح استهداف المستشفيات وتجويع الأطفال أمرًا مقبولًا؟ كيف تحوّلت الهمجية إلى مشهدٍ مألوف؟ الخطاب أكد أن لا أمن بلا عدالة، ولا سلام بلا دولة فلسطينية مستقلة، ولا سلام بلا وصاية هاشمية تحمي هوية القدس. وأن الأردن سيبقى صوت الاتزان والعقل في إقليمٍ تتقاذفه الغرائز والصراعات. وفي زمنٍ تتكلم فيه الطائرات، كان الصوت الهاشمي هو من أعاد المعنى، ووضع المعيار الأخلاقي، وأعاد للسياسة وجهها الإنساني. ام يكن هذا الخطاب ليس مجرد كلمة عابرة في محفل دولي، بل هو جرس إنذار عالمي، يحمل شجاعة الموقف، وسمو الرسالة، ونُبل المقصد. في زمن يعلو فيه الصراخ وتغيب فيه البوصلة، أعاد الخطاب الهاشمي تذكير العالم بأن لا أمن بلا عدالة،ولا قيمة لأي حضارة إذا سقطت أمام معاناة طفل في غزة. جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه لم يدعُ أوروبا لتقف مع فلسطين فقط، بل دعاها لتقف مع ذاتها، مع قيمها، ومع إنسانيتها.


خبرني
منذ 2 ساعات
- خبرني
خطاب الملك عبدالله الثاني: الخطاب الأقوى من قلب الشرق الأوسط
خبرني - في الأردن، لا نسمع فقط صوت الصواريخ الإيرانية المتجهة نحو إسرائيل، بل نسمع أيضًا صوتًا خافتًا من بعيد يعلن عن تدخلات إقليمية ودولية لا تبشر بالخير. واليوم يخترق غبار الصراع خطاب ملك الأردن في البرلمان الأوروبي. لن أتحدث عن السياسة أو الحرب، وانما ما استحوذ على انتباهي هو جودة الخطاب وقوته. لم يكن خطابًا سياسيًا بحتًا، ولا شعبويًا، ولا دينيًا، ولا شعاراتيًا. ولهذا، وكمتخصص في التواصل، حاولت أن أضع جانبًا حبي لجلالته واعتزازي به كأردني، وأن أركز على مكونات الخطاب الناجح. المتغير الأول لنجاح الخطاب هو الافتتاح بالاتصال والهيبة، والبدء بتحية رسمية تحترم القيم والسياق الثقافي للجمهور. فبدأ جلالته خطابه بقوله: "بسم الله الرحمن الرحيم... السيد الرئيس، السادة الأعضاء المحترمون..." فأسس بذلك فورًا لعمق ثقافي ونبرة رسمية مؤثرة. المتغير الثاني هو استخدام السرد القصصي والقيم المشتركة. على سبيل المثال، استشهد جلالته بالعهدة العمرية، حيث أمر الخليفة عمر بن الخطاب المسلمين بحماية كنائس القدس وعدم إيذاء قسيس أو قتل طفل أو امرأة أو شيخ عند استلام إدارة المدينة. كما أشار إلى اتفاقيات جنيف، ليرسخ خطابه في مبادئ إنسانية تشترك فيها البشرية منذ قرون. المتغير الثالث هو بناء الإطار من خلال أسئلة "ماذا لو؟". ومن خطابه أقتبس: "ماذا لو بقيت القدس موضع نزاع؟ ماذا لو انهارت سوريا أو ليبيا؟ ماذا لو تُرك الشباب بلا أمل؟" وهي أسئلة تجبر المستمع على التفكير العميق واتخاذ موقف ذهني فعّال. المتغير الرابع هو العمق العاطفي والوضوح الأخلاقي، وكانت غزة المثال الأبرز، حيث قال: "خلافًا للقانون الدولي والمعايير الأخلاقية والقيم المشتركة..." ليقدم نداءً إنسانيًا صادقًا ومؤلمًا. المتغير الخامس هو تحقيق التوازن بين الواقعية والأمل. لم يتجنب جلالته الحديث عن اضطرابات المنطقة، لكنه أكد أن: "الأمن الحقيقي يكمن في القيم المشتركة، لا في الجيوش..." وأن: "هناك دائمًا نسخة أفضل وأكثر اتحادًا منّا في كل زاوية قادمة." المتغير السادس هو النداءات الموثوقة والتوقفات الاستراتيجية. تكرار عبارة "ماذا لو..." متبوعة بتصريحات حاسمة مثل: "الصبر صعب... لكن القيادة تتطلب..." جاء بها ليعكس عزيمة موزونة لا تعرف الانفعال. المتغير السابع والأخير هو الخاتمة بنداء للوحدة والعمل المشترك. فقد ختم جلالته خطابه مستشهدًا بحكمة والده الراحل الملك الحسين بن طلال: "صنع السلام هو الطريق الأصعب، لكنه الطريق الأسمى..." ثم وجّه دعوة للتعاون مع أوروبا قائلاً: "معًا، يمكننا أن نبلغ المستقبل الذي يستحقه شعوبنا." لقد كان خطاب جلالة الملك نداءً جريئًا للعدالة والسلام، وتنبيهًا حادًا بالمخاطر الإقليمية والعالمية، ورسالة قوية ضد كراهية الإسلام ودعوة للتعايش الإنساني. ومن منظور خبير في الاتصال، فإن هذا الخطاب هو الخطاب الأقوى من قلب الشرق الأوسط، لأنه جمع بين القيادة العاطفية والرسائل الاستراتيجية. حيث تميز أسلوب جلالته بالتالي بالأصالة ووزن أخلاقي راسخ، فطنة ثقافية تلتقي بمنطق عالمي، هيكلية تضع الجمهور في مركز الرسالة، ومزيج بين الإلحاح والأمل. لقد ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني خطابًا قد يُعتبر بحق الأقوى في الشرق الأوسط المعاصر ودرسًا متكاملًا في فن الإلقاء والخطاب السياسي. رسّخ رسالته في الإرث والقيم الأخلاقية، واصطحب جمهوره في سردٍ مقنع انتقل بهم من القلق إلى اليقين، وتحدث بوضوح عن تعقيدات الجغرافيا السياسية بينما لامس مشاعر الإنسان بعمق. والأهم، أنه أنهى خطابه بنداء موحد، يتطلع إلى الأمام، يستند إلى الهوية، والاحترام المتبادل، والمسؤولية المشتركة. إنه خطاب يشكل نموذجًا حقيقيًا لكيف يمكن للكلمات عندما تتناغم مع السياق والهدف والأسلوب بأن تتجاوز البروتوكول، وتصبح أدوات للتغيير والإلهام