
المنظور الاستراتيجي للصراع الاقتصادي العالمي
د. طارق عشيري **
مع تسارع الاحداث التي تحدث على مدار الساعة وان لم تتطلع عليها ستجد نفسك بعيدا عن تفاصيل عديدة قد تجد بعدا في المعلومات ان لم تدرك الوقت الذي تجمع من خلاله المعلومة فان سابق العصر قد يرحل وانت تلاحق عصفك الذهني لكتابة مقال يَواكب تطورات المرحلة ويتماشى مع المصطلحات والمفردات التي تبرز في الساحة سواء كان ذلك على المستوي السياسي او الاعلامي يأتي هدا المقال مواكبا لمجريات الأوضاع.
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، بات الصراع الاقتصادي العالمي أحد المحاور الأساسية التي تحدد شكل العلاقات بين الدول ومراكز القوى. هذا الصراع لا يُدار فقط عبر المؤسسات الاقتصادية أو الاتفاقيات التجارية، بل أصبح ساحة حقيقية تُستخدم فيها أدوات الضغط المالي، الحروب التجارية، التنافس على التكنولوجيا، السيطرة على سلاسل الإمداد، والهيمنة على الموارد الطبيعية، خاصة في ظل عالم يزداد ترابطه وتداخله.
تتصدر هذا المشهد الولايات المتحدة الأمريكية والصين، في سباق محموم نحو الزعامة الاقتصادية والتكنولوجية، حيث تسعى كلٌ منهما لترسيخ نفوذها عالميًا عبر تحالفات اقتصادية ومبادرات استراتيجية، مثل "الحزام والطريق" من جانب الصين، وسياسات "أمريكا أولاً" من الجانب الأمريكي. كما أن الحرب في أوكرانيا، وما تبعها من عقوبات اقتصادية، كشفت عن أهمية الأمن الاقتصادي كجزء من الأمن القومي، وأبرزت هشاشة الاعتماد على مصادر الطاقة والغذاء من مناطق النزاع.
في المقابل، بدأت قوى إقليمية ودول الجنوب العالمي تلعب أدوارًا متزايدة في هذا الصراع، ساعيةً لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي، عبر أطر جديدة مثل مجموعة "البريكس"، وصعود التكتلات الإفريقية والآسيوية.
إن هذا الصراع الاقتصادي العالمي لا يؤثر فقط على ميزان القوى بين الدول الكبرى، بل يمتد أثره إلى الاقتصادات الهشة والدول النامية التي تجد نفسها في موقع المتأثر بما يدور من تجاذبات، دون أن تكون طرفًا فاعلًا فيه.
يتسم الصراع الاقتصادي العالمي أيضاً بقدر كبير من التعقيد والتشابك، حيث لم تعد أدوات النفوذ تقتصر على التجارة والطاقة فقط، بل أصبحت التكنولوجيا المتقدمة والبيانات والمجال السيبراني من أبرز ساحات التنافس. فالشركات الكبرى، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، والاتصالات، باتت تؤدي دورًا يُشبه دور الدول في التأثير على السياسات الاقتصادية والجيوسياسية.
من جهة أخرى، تسعى الدول الكبرى إلى تأمين مصالحها الاقتصادية عبر إعادة تشكيل سلاسل التوريد، ونقل الصناعات الحيوية إلى الداخل أو إلى دول حليفة أكثر موثوقية، في توجه يعرف بـ"إعادة التوطين" أو Reshoring، وذلك بعد الدروس القاسية التي فرضتها جائحة كورونا وحرب أوكرانيا.
هذا التحول يصاحبه أيضاً سباق على النفوذ في مناطق جديدة وغنية بالموارد، مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ حيث تتسابق القوى الكبرى للاستثمار في مشاريع البنية التحتية، الموانئ، والاتصالات، في محاولة لكسب حلفاء اقتصاديين جدد وتأمين مصادر المواد الخام النادرة التي تُعد أساسًا للصناعات التكنولوجية المستقبلية.
أما المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، فقد أصبحت جزءاً من هذا التنافس؛ حيث تتهم بعض الدول هذه المؤسسات بخدمة أجندات القوى الغربية، مما دفع دولاً عديدة للبحث عن بدائل تمويلية وتحالفات اقتصادية موازية.
وفي ظل هذه المعادلات المعقدة، تبدو الدول النامية، خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، في وضع صعب، إذ تجد نفسها مرهونة لتقلبات الأسواق العالمية، ومتأثرة بقرارات لا تملك فيها صوتاً فاعلاً. لذلك، بدأت بعض هذه الدول تُعيد النظر في سياساتها الاقتصادية، وتبحث عن تنويع شراكاتها الاستراتيجية، وتطوير قدراتها الذاتية لمجابهة تداعيات هذا الصراع.
الصراع الاقتصادي العالمي هو تنافس بين الدول، خاصة القوى الكبرى، على النفوذ والسيطرة في مجالات مثل التجارة، الطاقة، التكنولوجيا، والعملات. ما نشهده الآن لم يعد مجرد تبادل تجاري بسيط، ولكن أصبح صراعًا معقدًا يشمل الحصار الاقتصادي، والعقوبات، والحروب التجارية، وحتى التنافس على سلاسل الإمداد والمواد الخام.
وأهم ملامح الصراع الاقتصادي العالمي يمكن رصدها فيما يلي:
1. أمريكا والصين: الصراع الأكبر حالياً. أمريكا تحاول تحد من صعود الصين اقتصادياً وتكنولوجياً، بينما الصين تسعى لتقوية نفوذها عبر مبادرة "الحزام والطريق".
2. الطاقة والموارد: الصراع على النفط، الغاز، والمعادن النادرة دخل في قلب السياسة الدولية، خصوصاً بعد حرب أوكرانيا وتأثيرها على الطاقة في أوروبا.
3. الحروب التجارية: فرض الرسوم الجمركية والعقوبات الاقتصادية بات سلاحًا فعالًا، مثل ما حدث بين أمريكا والصين، أو أمريكا وروسيا.
4. التكنولوجيا: سباق في الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وشبكات الاتصالات (5G)، وأي دولة تتفوق فيها تحظى بميزة استراتيجية.
5. تأثير الجنوب العالمي: الدول النامية بدأت تتحرك وتخلق تحالفات جديدة (مثل بريكس) بهدف تحقيق التوازن ومحاولة الانعتاق من الهيمنة الغربية.
** أكاديمي سوداني

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (2)
د. سلام محمد سفاف ** ماذا ستفعل لو انخفضت مبيعاتك 40% فجأةً؟ كيف ستواجه أزمة غير متوقعة كجائحة كورونا؟ في سوق عُمان الذي يشهد تحولات متسارعة - من تقلبات أسعار النفط إلى التغيرات الديموغرافية - لم يعد السؤال هل ستواجه أزمة؟ بل متى؟ وكيف ستكون استجابتك؟ في المقالة الأولى، ناقشنا كيف نبني تخطيطاً استراتيجياً فعالاً أما اليوم سنكتشف كيف نجعل هذه الخطة قادرة على النجاة حتى في أسوأ الظروف، ولابد من الاعتراف بأنَّ الشركات التي تزدهر في الأزمات لا تعتمد على الحظ فقط، بل تبني ما يُسمى بـ "الصمود الاستراتيجي" (Resilience)، فكيف تحول مؤسستك إلى منظمة لا تنجو من الأزمات فحسب، بل تخرج منها أقوى؟" وبداية دعنا نجيب عن الإشكالية التالية: لماذا تفشل معظم الاستراتيجيات أثناء الأزمات؟ باختصار لأنها تعتمد على التخطيط للاستقرار وتمتلك بنية تنظيمية جامدة بشكل يُعارض السمة الرئيسية للأسواق العالمية والمحلية المتغيرة باستمرار، لذلك تجدها تعتمد ثقافة "إطفاء الحرائق" في مواجهة المتغيرات أو الأزمات كبرت أم صغرت، والحقيقة الصادمة أن الأزمات لا تعرف سوى قانونين: 1- الاستعداد للأسوأ ليس تشاؤمًا، بل استراتيجية. 2- الشركات التي تنتظر الأزمة لتتغير.. تنقرض. ونحن نميز بين ثلاثة أنواع من المنظمات في إطار استجابتها للأزمات، وهي: المنظمة الهشة (Fragile)، وهي تتفكك عند مواجهة الصدمات، وتفشل في التكيف بسبب عدم وجود خطط طوارئ، وهيكل صلب غير مرن، واعتماد كلي على ظروف السوق المستقرة، ولنا مثال في ذلك بعض شركات السياحة في صلالة خلال جائحة كورونا، لم يكن لديها سيناريوهات لمُواجهة تراجع معدلات الحجوزات الفندقية بطريقة مفاجئة، وكانت النتيجة أن عددًا منها واجه خطر الإغلاق بحلول عام 2021. المنظمة المقاومة (Resilient)، وهي تنجو من الأزمات لكن دون تحسن أدائها عبر خطط طوارئ تفاعلية، وهيكل تنظيمي قابل للتعديل المؤقت، وقدرة على العودة للحالة الأصلية بعد انقضاء الأزمة، وتقع غالبية المصارف المحلية ضمن هذه المنطقة، خفضت تكاليف التشغيل بنسب محددة بشكل مؤقت وحافظت على الاستقرار خلال جائحة كورونا لكنها لم تطور خدمات رقمية جذرية. أما النوع الثالث فهو محط اهتمامنا اليوم وهي المنظمة المضادة للكسر (Antifragile)، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المنظمات التي لا تصمد أمام الصدمات والتقلبات وعدم اليقين فحسب، بل تستفيد منها بالفعل وتتحسن نتيجةً لذلك، وتتمتع بالقدرة على التكيف والتعلم والنمو بقوة استجابةً للضغوط، فمثلًا تعرضت المطاعم لخسائر كبيرة خلال جائحة كورونا بسبب إغلاقها غير أن بعضها استجاب للأزمة بطريقة مغايرة حيث خصصت 20% من مساحتها لإنشاء مطابخ الظل (Cloud Kitchens)، وأطلقت تطبيق توصيل خاص بها، مما زاد مبيعاتها 25% عن فترة ما قبل الجائحة، ودخلت أسواقًا جديدة (التوصيل للمنازل)، وحافظت على هذه الخدمة حتى بعد انتهاء الجائحة. في عالم معقد وغير متوقع، لا يكفي أن تكون المنظمة متينةً ومرنةً، بل يجب أن تسعى جادةً لتكون منظمة مضادة للكسر من خلال تقبل حالة عدم اليقين وتطوير الأنظمة والأدوات للتعامل معها كفرصة للنمو والتطور. والآن، كيف تبني منظمة مضادة للكسر؟ أنشئ "فِرَق الأزمات" الدائمة بحيث تعقد اجتماعًا شهريًا لاختبار سيناريوهات الأزمات. استخدم مبدأ الحد الأدنى من التكيف القابل للتطبيق (Minimum Viable Adaptation) من خلال تخصيص 10% من ميزانيتك لمشاريع تجريبية خلال الأزمات. حوّل الموظفين إلى "كاشفي فرص" وقدم مكافأة للموظفين الذين يقدمون أفكارًا للاستفادة من الأزمات. نفذ اختبارات الضغط الاستراتيجي (Stress Testing) من خلال بناء ثلاثة سيناريوهات لأزمات محتملة، واختبر استجابة كل قسم لها، ثم عدل استراتيجيتك بناءً على النتائج. صمم نموذج "الهوية المرنة" (Flexible Core) من خلال الاحتفاظ بـ 80% من هويتك الأساسية مثل الجودة وتغيير 20% منها لتتلاءم مع الأزمات مثل قنوات التوزيع. مؤسسة الزبير: نموذج عُماني للريادة الاستراتيجية في الأزمات نمت من شركة عائلية عام 1967 لمؤسسة عالمية تضم اليوم أكثر من 30 شركة في قطاعات الصناعة والطاقة والخدمات، وتصنف ضمن أكبر 5 مجموعات أعمال في عُمان حسب تصنيف فوربس الشرق الأوسط. وخلال نموها المضطرد واجهت أزمات كبيرة استجابت لها بذكاء وصمود استراتيجي، فأمام أزمة انخفاض أسعار النفط (2014-2016) عملت على زيادة الاستثمار في الصناعة التحويلية ودخول مشاريع الطاقة المتجددة، وكانت النتيجة نمو إيرادات القطاع الصناعي بنسبة 18% رغم الأزمة. "الميزة التنافسية لمجموعة الزبير لم تكن في حجمها، بل في قدرتها على رؤية الفرص حيث يرى الآخرون مخاطر." أخيرًا.. في عالمٍ مزدحم؛ حيث الأزمات ليست استثناءً؛ بل قاعدةً، تظهر الشركات الحقيقية ليس عندما تكون الرياح مواتية؛ بل عندما تَعصفُ العواصف. مؤسسة الزبير وغيرها من النماذج العُمانية الناجحة علمتنا أن المرونة الاستراتيجية ليست خيارًا؛ بل ضرورة وجودية، وأنها لم تصل إلى القمة بمحض الصدفة فالأزمات تصنع الفرص لمن يستعد لها. "لا تنتظر العاصفة لتتعلم كيف تبني سفينة.. الأذكياء يبنونها أثناء الشمس". ************* ** سلسلة مقالات تحوّل المفاهيم النظرية إلى أدوات عملية، تنقلك من أساسيات التخطيط الذكي إلى فنون الصمود أمام العواصف الاقتصادية، وصولًا إلى استشراف المستقبل بجرأة، نقدم لك خلاصة الخبرة الاستراتيجية لتحول التحديات إلى فرص نمو واعدة . نأمل أن تكون هذه المقالات دليلًا عمليًا لكل قائد يُريد أن يصنع مستقبله بيده في السوق العُماني الواعد . ** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم ** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا


الشبيبة
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- الشبيبة
ارتفاع قياسي في أسعار السيارات الأمريكية
الشبيبة - العمانية أظهرت بيانات صدرت اليوم تسجيل ارتفاع ملحوظ في أسعار السيارات بالولايات المتحدة خلال شهر أبريل الماضي في إشارة إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت تؤثر على سوق السيارات. وكشف تقرير صادر عن "كيلي بلو بوك" التابعة لشركة "كوكس أوتوموتيف"، أن متوسط السعر الفعلي الذي دفعه المستهلكون بعد احتساب الخصومات والعروض الترويجية ارتفع بنسبة 2.5 بالمائة مقارنة بشهر مارس الماضي وهو ما يزيد على ضعف الزيادة المعتادة البالغة 1.1 بالمائة التي تشهدها هذه الفترة من العام عادة. ويعد هذا الارتفاع ثاني أكبر زيادة شهرية خلال العقد الماضي بعد القفزة التي سجلت في أبريل 2020 بنسبة 2.7 بالمائة التي جاءت نتيجة إغلاق المصانع بسبب جائحة كورونا. وارتفعت أسعار السيارات المستعملة بالجملة في أبريل، وفقًا لمؤشر "كوكس" لقيمة السيارات المستعملة، حيث ارتفعت بنسبة 4.9 بالمائة لتصل إلى 208.2 نقطة مقارنة بالعام الماضي، بزيادة قدرها 2.7 بالمائة عن مارس. وتسعى شركات صناعة السيارات للتكيف مع الرسوم الجمركية الأمريكية البالغة 25 بالمائة على واردات السيارات من عدد من الدول من بينها المكسيك وكندا وهما من أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.


جريدة الرؤية
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
أهمية الثقافة المالية
خلفان الطوقي كتبت عدة مقالات في بداية جائحة كورونا وتحديداً بعد أسبوعين من بدايتها، ومن هذه المقالات مقال بعنوان "كورونا وما بعد كورونا"، ومقال آخر بعنوان "دروس كورونا.. لا بُد أن نستفيد منها"، كما كنت أردد جملة في وسائل التواصل الاجتماعي أقول فيها "عُمان قبل كورونا ليست كما بعدها"، والواقع هو أنَّ العالم كله قبل كورونا ليس كما بعد الجائحة، وهذه المقالة أيضاً كانت الحافز لاستذكار التاريخ، واستعراض عدة دروس وأهمها: أهمية الثقافة المالية أو الوعي المالي. الثقافة المالية دائمًا مُهمة، ولكن تكمن وتتضح أهميتها بعد كل أزمة مالية عالمية أو محلية، وهذه الأزمات لا تتوقف، وخاصة مع الأجواء الجيوسياسية المحيطة والتي تؤثر على حياتنا كأفراد ومجتمعات، ومدى التأثير يكون نسبيا، فكلما كان الاستعداد لأي أزمة قادمة مبكرا وبوعي ونضج، فإنَّ الأثر يكون بسيطاً وأخف ألما ووجعا، والعكس بالعكس. ما حدث للعالم بعد جائحة كورونا من تسريحات من الوظائف أو تعثر وارتباك في الأعمال التجارية أو تأثر في الملاءة المالية لا بُد أن يبقى حاضرًا في الذاكرة، لأنه يمكن أن يتكرر بصورة أخرى، خاصةً وأن العالم مليء بالعناصر المحفزة للأزمات التي سوف تؤثر علينا بطريقة أو بأخرى. والأحرى القول إنها تؤثر على مجتمعاتنا ودولنا، وبالتالي فإن التأثير سوف يصل إلينا، والحقيقة المحزنة أنَّ أكثر الدول أو المجتمعات أو الأفراد غير المستعدة للعواصف والأزمات بكل أشكالها تعتبر هشة وسوف تتألم وتكون أكثر المتضررين جراء ما يحدث. وعليه، فإنه من الضروري الاستعداد المبكر، ويكون ذلك من خلال التثقيف الشخصي، ويكون على مستوى الأفراد؛ فالقادم لن يكون سهلًا؛ حيث إنَّ نمط الحياة العصرية أصبح مُختلفًا، والمغريات كثيرة، والأولويات لم تَعُد كالماضي، وطرق التسويق للاستهلاك أصبحت ذكية وممنهجة، ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في الاستهلاك المبالغ فيه، كل ذلك يستدعي الوعي والنضج وتحديد الأولويات الاستهلاكية، والتثقيف الشخصي لمعنى الادخار والاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكيم والمخطط له، وبالرغم من صعوبته للبعض، إلا أنه ضرورة ملحة لقادم الأيام. من ناحية أخرى، هناك دور آخر على الحكومة ألا تتوقف عن القيام به، فبالرغم من جهود الحكومة في نشر الوعي والثقافة المالية وخاصة في عام 2024، وبعض المبادرات من هنا وهناك، إلّا أن الجهود وحملات التوعية العصرية لابُد أن تتضاعف في قادم الأيام المصاحبة لموجات التضخم والأجواء الجيوسياسية المحيطة، وتقليل الدعم الحكومي في بعض الخدمات الحكومية، وانتشار الاستثمارات الوهمية والاستغلالية والتلاعب بمشاعر وعواطف البسطاء من الناس، وأولئك الذين يبيعون أحلام الثراء السريع. لذلك لا بُد ألا تقل البرامج التوعوية بالثقافة المالية ولا يخفت بريقها، ويمكن لوزارة المالية ووزارة الاقتصاد والبنك المركزي العُماني ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وهيئة الخدمات المالية ووزارة الإعلام وغرفة تجارة وصناعة عُمان ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووحدة تنفيذ ومتابعة رؤية عُمان 2040 وبرنامج استدامة، تصميم وتنفيذ برامج توعوية جاذبة وعصرية تصل لكل أفراد المجتمع، وخاصةً فئة الشباب. وأخيرًا.. إنَّ استعدادنا المبكر والمُمنهَج سوف يزيد من صلابتنا الفكرية ونضجنا ووعينا وثقافتنا المالية، ويُقلِّل من الصدمات المالية والنفسية غير المُتوقَّعة، ويُقلِّل من أي هدر مالي أو استثمارات وهمية خارج نطاق حلقة الاقتصاد الوطني.