logo
ليست رأس الهرم الديني، ماذا نعرف عن "مشيخة العقل" لدى الدروز؟

ليست رأس الهرم الديني، ماذا نعرف عن "مشيخة العقل" لدى الدروز؟

BBC عربيةمنذ 6 أيام
بعد الاشتباكات الدامية الأخيرة في السويداء بسوريا، حيث الكثافة السكانية الدرزية، برز اسما الزعيمين الدرزيين الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حكمت الهجري، وكلاهما يحمل اللقب الديني شيخ العقل، إضافة إلى الشيخ سامي أبو المنى.
فماذا تعني "مشيخة العقل"؟ ومتى نشأت؟ ولماذا؟
العقل لدى الدروز
جاء في كتاب "مناقب الدروز في العقيدة والتاريخ" للدكتور سامي أبو شقرا نقلاً عن الشيخ عبد الغفار تقي الدين قوله: "لقد جعل الله للوجود علة وسبباً يتنزه به عن المباشَرة لإبداع الكائنات بذاته، هذه العلة هي العقل".
ويقول شيخ العقل السابق في لبنان، نعيم حسن، إن العقل بالنسبة للموحدين "هو في المحل الأرفع، يقترن بالشرع الحق ويقود الإنسان بنوره".
وأضاف في كتابه (الدليل إلى التوحيد) أن الدروز يُطلقون لقب "العقّال" على من وَعَوا عن الله أمره ونهيه وعملوا بمراده، وآمنوا أن العقل يجب أن يتوافق مع الشرع.
ويقول سعيد أبو زكي، أستاذ التاريخ والأخلاق بالجامعة اللبنانية الأمريكية، إنه كان يطلق على المتدينين "العُقّال" ومفردها عاقل، على عكس "الجُهّال".
ولا يقتصر لقب العُقال على الرجال، حيث يُطلق أيضاً على المرأة الدرزية المتدينة "العاقلة". وهناك "نساء عاقلات يبرزن بالتقوى والفضيلة الدينية، فيُكرّمن ويُقصدن أحياناً للمشورة، ويطلق عليهن لقب الست"، بحسب أبو زكي الباحث في تاريخ الدروز.
وذكر أبو زكي في حديث خاص لبي بي سي أنه عند وفاة إحدى هؤلاء العاقلات، يُدفنّ بمدفن خاص، وتُنصَب عليه شواهد تذكر بعض فضائلهن، فيصبح مزاراً دينياً، ضارباً مثالاً بالست فاخرة البعيني من قرية مزرعة الشوف في القرن التاسع عشر؛ ومع ذلك فالدرزيات لا يتقلدن مناصب لا روحية ولا قانونية.
ويؤكد أبو زكي، مؤلف كتاب "مشيخة عقل الدروز في لبنان: بحث في أصولها ومعناها وتطورها"، على أن المنصب الديني يرجع إلى "مسلك العقل"، وهو المسلك الديني الروحي لدى الدروز، الذي يُعنى بـ"تنمية وتهذيب الطبيعة العاقلة لدى الإنسان وإيصالها إلى كمالها".
ما الحاجة إلى مشيخة العقل؟
ظهرت فكرة "مشيخة العقل" خلال الحقبة العثمانية في لبنان، في القرن الثامن عشر، وكان يطلق على كل مرجعية دينية في قرية أو منطقة؛ حيث كان جبل لبنان مقسماً إلى مقاطعات بها مجموعة من القرى، وكان في كل قرية مرجعية أو أكثر.
ويقول أبو زكي، وهو أيضاً باحث في تاريخ الدروز، إن لقب "شيخ العُقّال" بدأ يظهر في المصادر اللبنانية للدلالة على المرجعيات الدينية لدى دروز جبل لبنان. وفي القرن التاسع عشر صار يمسى "الرئيس الروحي".
وبعدها حدث تطور سياسي؛ حيث بدأ الدروز يفقدون الحكم في جبل لبنان بعد عام 1825، وحاول الأمير بشير الثاني الشهابي، الذي حكمت سلالته لبنان ما بين (1247-1697)، إدخال نفوذه على الرئاسة الروحية.
وبحسب أبو زكي، كان رد فعل الدروز أنهم أنشأوا "مشيخة عقل" كمنصب له وظائف إدارية محدّدة تختص بالأوقاف والأحوال الشخصية، وحيّدوا الرئاسة الروحية، التي هي الولاية الدينية، عن اللقب.
ويقول المؤرخ اللبناني الدكتور صالح زهر الدين في كتابه (تاريخ المسلمين الموحدين الدروز)، إن "مشيخة العقل من المناصب الكبرى الحساسة والمسؤولة في البلاد؛ حيث كان يهابها الحكام، خاصة الشهابيون؛ لأهميتها وتأثيرها ووزنها الفاعل على كل الصُعد".
ومع ذلك، يقول أبو زكي إن لقب "شيخ العقل" لم يشع استعماله داخلياً لدى الدروز إلا بعد عام 1861، خلال الحكم "المُتصرّفي"، وهو نظام حكم أقرته الدولة العثمانية بعد ما يعرف بالفتنة الطائفية الكبرى بين الدروز والموارنة.
هل هو رأس الهرم الديني؟
يقول الشيخ يوسف جربوع، شيخ عقل الدروز في سوريا، في حديث خاص لبي بي سي إن مشيخة العقل هي رأس الهرم الرّوحي لطائفة الموحدين الدروز، وشيوخها هم أئمة هذه الطائفة، أو بمعنى آخر هم "المرجعية الدينية العليا" لديهم.
في المقابل، يؤكد سعيد أبو زكي، الأكاديمي والباحث المتخصص في تاريخ الدروز، أن مشيخة العقل تأتي حالياً في المرتبة الثالثة في الهرم الديني لدى الدروز؛ فهو "شيخ يُنتدب من قبل رجال الدين".
وتأتي في المرتبة الثانية طبقة من الشيوخ تلبس عباءة خاصة مقلمة باللونين الأبيض والأسود، تميزها عن بقية رجال الدين، ولا يُطلق عليهم لقب بعينه، لأنه بحسب أبو زكي فإن رجال الدين الدروز لديهم "نفور من الألقاب" بشكل عام.
أما رأس الهرم الديني لدى دروز لبنان، ولدى الكثير من الدروز في المنطقة حالياً، فهو الشيخ أمين الصايغ، وليس له لقب رسمي، لكنه يعد فعلياً المرجع الروحي الأعلى.
ويختار الرئيس الروحي الأعلى أو رأس الهرم الروحي هؤلاء الشيوخ من المرتبة الثانية؛ "حيث يقدم في نواحي بلاده بعض الأعيان بآلية بسيطة غير محددة تنسجم مع تعلقهم بالزهد".
وضرب الباحث اللبناني مثالاً كأن يدعو المرجع الأعلى إلى عقد حلقة ذكر في إحدى خلوات البلاد، وعند اكتمال الوفود، يتوجه إليهم بخطاب ديني قصير يبرز فيه فضل واحد أو أكثر من المشايخ الحاضرين، بالاستناد إلى فضيلتهم الدينية.
ويطلب هذا الإمام الأعلى من هؤلاء المُختارين لبس العباءة المقلمة، فتتحقق بذلك فكرة "الإشهار"؛ لكن أبو زكي يقول إن إقناع هؤلاء الشيوخ بقبول العباءة غالباً ما تكون مسألة صعبة؛ لتخوفهم من الجاه الاجتماعي المرافق.
ويعد هؤلاء الشيوخ "مرجعيات عرفية" كما يقول الباحث اللبناني، حيث يثق الناس في تجردهم الديني وحكمتهم، كما يرجع إليهم القادة السياسيون. وتتمحور وظيفتهم حول رعاية النشأة الروحية في مسلك العقل، كل في حيزه الجغرافي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود.
وفي الوقت الذي يُتوارث فيه لقب "شيخ العقل" في عائلات محددة، إلا أن الرئاسة الروحية العليا لا تعرِف الوراثة، كما يقول أبو زكي، كما تغيب عنها الأضواء الإعلامية.
شيوخ العقل في بلاد الشام
بالنسبة للبنان، يتولى منصب مشيخة العقل في الوقت الحالي الدكتور سامي أبو المنى، الذي اختِير للمنصب عام 2012، بعد إعلان من الشيخ نعيم حسن لانتخاب شيخ عقل جديد لطائفة الموحدين الدروز، خلفاً له.‏
وتضم مشيخة العقل في لبنان حالياً شيخ عقل واحد يتمتّع بالحقوق والامتيازات ذاتها التي يتمتّع بها رؤساء الطّوائف اللّبنانيّة الأُخرى، من غير استثناء أو تمييز، بحسب نص القانون الصادر عام 2006.
أما في السابق، فكان هناك شيخا عقل: شيخ للفئة الجنبلاطية، وشيخ للفئة اليزبكية من الدروز، لرعاية الأوقاف الدينية لعُقّال الدروز، وكهيئة إشراف على تطبيق الأحوال الشخصية عند قضاة المذهب، أي كهيئة استئناف، بحسب أبو زكي.
ويُعدّ القبول بمنصب شيخ العقل تنازلاً نهائياً من صاحب المنصب عن أي وظيفة أو مهنة أو حرفة؛ فلا يجوز قانونياً الجمع بين منصب شيخ العقل وأيّ منصب آخر من أيّ نوع كان، باستثناء المناصب الفخرية.
ويتولّى شيخ العقل رعاية شؤون طائفة الموحّدين الدّروز الرّوحيّة، وإدارة مصالحها الدينية والاجتماعية، كما يمثّلها رسمياً لدى السلطات العامة وبقية الطوائف.
وتساعده في تنفيذ مسؤوليّاته هيئة دينية استشارية تتكون من ستة شيوخ، يعينهم شيخ العقل خلال الشهر الأول من تاريخ تسلمه مهام منصبه، على ألا تربطه بأي منهم علاقة ما أو صِلة قربى حتى الدّرجة الرابعة.
ومع ذلك، يقول سعيد أبو زكي إن هذا القانون "يعبر عن الواقع التنظيمي لمنصب شيخ العقل، لكن التنظيم الديني الحقيقي، يقع خارج مجال هذا القانون، فهو تنظيم عرفي روحي. ولا يُسمح لشيخ العقل بالتدخل بالقرارات الدينية التي هي من اختصاص مشايخ البلاد".
أما في سوريا، فيقول الشيخ يوسف جربوع، في حديث خاص لبي بي سي إن الحاجة إلى مشيخة عقل في سوريا ظهرت بعد هجرة بعض الدروز إليها، وتحديداً إلى جبل العرب أو جبل حوران قبل نحو 300 عام.
ومع ذلك، فإن بداية وجود الدروز هناك لم تكن تستدعي وجود مرجعية أو مشيخة، نظراً لقلة عددهم، بحسب شيخ العقل الذي تحدث لبي بي سي.
ويقول الكاتب تيسير أبو حمدان في كتابه "الدروز مسلكاً ومعتقداً" إن الحاجة إلى المرجع الروحي في جبل العرب، ظهرت عندما وجد حاكم الجبل حمدان الحمدان أنه لا بد من وجود من يتولى أمور الطائفة دينياً ويرعى شؤونها الشخصية.
وقد وقع الاختيار على الشيخ ابراهيم الهجري، "لنبوغه وصلاحه وتقواه"، بحسب أبو حمدان، ليصبح مؤسس الرئاسة الروحية في الجبل، وتصبح بلدته (قنوات) المركز الديني للطائفة في الجبل وكان ذلك عام 1803.
وقد ظل الشيخ إبراهيم الهجري الشيخ الروحي الأوحد طيلة حياته؛ لكن بعد وفاته، اختار الدروز عائلتين أخريين هما عائلة جربوع من مدينة السويداء، وعائلة الحناوي من بلدة (سهوة بلاطة)، إلى جانب عائلة الهجري.
حكمت الهجري: المرجع الديني الذي تحوّل إلى خصم للشرع
من هم دروز سوريا؟ ومن أبرز قادتهم؟
من هو قائد الثورة السورية الكبرى ورمز الكفاح ضد الاستعمار؟
وقد توارثت العائلات الثلاثة المشيخة، باختيار الزعماء والحاضرين من هو أصلح من أسرة المتوفي، بإلباسه عمامة وعباءة المشيخة في يوم الوفاة أو بعدها بقليل.
وبحسب أبو زكي، فقد تمركزت مشيخة آل الهجري في قنوات والريف الشمالي والغربي للسويداء، في حين استقرت مشيخة آل حناوي في سهوة البلاط والريف الجنوبي، أما مشيخة آل جربوع فهي في مدينة السويداء والقرى المجاورة.
ويضيف أبو زكي أن دروز جبل حوران، اصطلحوا على تراتبية اجتماعية عرفية تضع مشيخة آل هجري في المقام الأول، ثم مشيخة آل جربوع في المقام الثاني، وبعدها مشيخة آل حنّاوي في المقام الثالث، وهي تراتبية معنوية لا دخل لها في الوظائف الدينية والاجتماعية والسياسية التي يتساوى فيها الثلاثة.
وتشير المصادر التاريخية في القرن التاسع عشر، إلى كون مشيخة آل هجري لها المكانة الأولى بين الثلاثة، وهو ما يفسر اللقب الرسمي الذي يستعمله الشيخ حكمت الهجري في وقتنا الحالي، باعتباره "الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز" وهو لقب لا يستعمله شيخا العقل الآخران، بحسب الباحث اللبناني أبو زكي.
كما عرفت أرض فلسطين التاريخية، الديانة الدرزية قبل نحو 1000 عام، بحسب أبو زكي.
وقد اعترفت إسرائيل بالطائفة الدرزية كطائفة مستقلة عام 1957، فأنشِئت رئاسة روحية بنفس مفهوم شيخ العقل، برئاسة الشيخ أمين طريف، الذي جمع بين هذا المفهوم وبين كونه المرجعية الدينية العليا للدروز هناك، كما يقول الباحث اللبناني أبو زكي، وهو جد الشيخ موفّق طريف، الرئيس الروحي الحالي للدروز في إسرائيل.
وأخيراً هناك الرئاسة الروحية لعدد قليل من الدروز في الأردن، في مناطق مثل الأزرق ووادي السرحان، قبل أن ينتقل بعضهم إلى عمّان والمناطق الحضرية الأخرى مع تَشكُّل الدولة.
ويقول الكاتب اللبناني فاروق غانم خدّاج، في مقال له إن معظم دروز الأردن "جاءوا من جبل الدروز في سوريا ومن فلسطين، بحثاً عن الاستقرار في ظل ظروف سياسية متقلبة".
ويرأس دروز الأردن حالياً الشيخ أبو أشرف عجاج مهنّا عطا، الذي تعد مشيخته مشيخة دينية واجتماعية سياسية، بحسب أبو زكي، الذي أضاف لبي بي سي أنه بحسب الموروث الشفهي المحلي، فإن جده الكبير، كان أول من استوطن الزرقاء في شمال الأردن وأسس لتوطن الدروز هناك في أواخر القرن الثامن عشر.
وهناك تعاون بين مشيخة عقل الدروز في الدول المختلفة، وهو "تعاون ديني عقائدي واجتماعي" مع الحفاظ على استقلال كل منطقة بإدارة شؤونها بنفسها، على حد تعبير الشيخ يوسف جربوع، شيخ عقل سوريا.
وقال الشيخ جربوع لبي بي سي إن "ذلك يرجع إلى كون كل مرجعية تخضع لأنظمة سياسية مختلفة في البلدان الثلاثة"، مؤكداً أن كل مرجعية لم تتدخل في الشؤون السياسية الداخلية للمرجعيات الأخرى، رغم أن البرنامج العقائدي واحد.
ومن أوجه التواصل بين المؤسسات الدرزية في مختلف الدول، ما ذكره أبو زكي أنه في عام 1934، حدثت أزمة في فلسطين ضد الشيخ أمين طريف، جد الشيخ الحالي، فبادر أعيان مشايخ لبنان إلى الصلح وحل الأزمة.
وفي عام 1947، عندما حدث نزاع داخلي بين دروز جبل حوران فيما عُرف بالثورة الشعبية الثانية ضد بيت الأطرش، سافر الشيخ أمين طريف إلى دمشق لحل النزاع وحقن دماء الدروز.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"أنا أقود منظمة حقوق إنسان إسرائيلية بارزة: بلدنا يرتكب إبادة جماعية" - مقال رأي في الجارديان
"أنا أقود منظمة حقوق إنسان إسرائيلية بارزة: بلدنا يرتكب إبادة جماعية" - مقال رأي في الجارديان

BBC عربية

timeمنذ 6 ساعات

  • BBC عربية

"أنا أقود منظمة حقوق إنسان إسرائيلية بارزة: بلدنا يرتكب إبادة جماعية" - مقال رأي في الجارديان

في عرض الصحف اليوم نطالع عدداً من الموضوعات، من بينها مقال يثير تساؤلاً حول إمكانية للناس العاديين أن يتصالحوا مع ما يحدث في غزة. ومقال آخر يناقش مدى سيطرة رئيس السلطة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، على قوات وزارة دفاعه، وأخيراً نتطرق إلى مقال يصنف أقوى خمس زلزال في العالم. اتهمت الإسرائيلية يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لمنظمة بتسيلم، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، إسرائيل "بأنها تركب إبادة جماعية في قطاع غزة". وتساءلت نوفاك في بداية المقال،: كيف يمكن للناس العاديين أن يتسامحوا مع هذه الفظائع؟" . وتوضح نوفاك أنه في خارج إسرائيل، يعرف الملايين الإجابة بالفعل، " لكن الكثيرين منا هنا لا يستطيعون ذلك، أو لا يريدون. ربما لأن الحقيقة تُهدد بهدم كل ما آمنا به عن هويتنا، وما أردنا أن نكون. إن ذكرها يعني الاعتراف بأن المستقبل سيتطلب محاسبة، ليس فقط مع قادتنا، بل مع أنفسنا أيضاً". وتشير الكاتبة إلى أنه بالنسبة للإسرائيليين من جيلها، "كان من المفترض أن تبقى كلمة إبادة جماعية كابوساً من كوكب آخر وكلمة مرتبطة بصور أجدادنا وأشباح الأحياء اليهودية الأوروبية، لا بأحيائنا"، فيما يبدو أنها إشارة إلى الهولوكوست أو المحرقة اليهودية. وتسترسل الكاتبة في الشرح "منذ ما يقرب من عامين، سمعنا مسؤولين إسرائيليين - سياسيين وجنرالات على حد سواء - يصرحون جهاراً بما ينوون فعله: تجويع غزة وتسويتها بالأرض ومحوها. سنقضي عليهم. سنجعلها غير صالحة للسكن. سنقطع الطعام والماء والكهرباء". لم تكن هذه زلات لسان، بل كانت الخطة. ثم نفذها الجيش الإسرائيلي. وحسب التعريف التقليدي، هذه إبادة جماعية: استهداف متعمد لسكان ليس لكونهم أفراداً، بل لانتمائهم إلى جماعة - هجوم مصمم لتدمير الجماعة نفسها". وتقول يولي "ما زلتُ أتذكر أول مرة انفتحت لي فيها الحقيقة. بعد شهرين مما كنتُ لا أزال أسميه حربًا"، وتضيف "حوصر ثلاثة من زملائي في منظمة بتسيلم - وهم عاملون فلسطينيون في مجال حقوق الإنسان عملنا معهم لسنوات - في غزة مع عائلاتهم. أخبروني عن أقارب دُفنوا تحت الأنقاض، وعن عجزهم عن حماية أطفالهم، وعن الخوف الكبير". تقول كاتبة المقال الإسرائيلية "الإبادة الجماع لا تحدث دون مشاركة جماهيرية: شعب يدعمها، أو يمكّنها، أو يغض الطرف عنها". وتستطرد يولي بالقول "لا تحدث الإبادة الجماعية دون مشاركة جماهيرية: شعب يدعمها، أو يُمكّنها، أو يُغض الطرف عنها. هذا جزء من مأساتها. لم تُدرك أي دولة تقريباً ارتكبت إبادة جماعية، في حينها، ما كانت تفعله. القصة هي نفسها دائماً: دفاع عن النفس، حتمية، المستهدفون هم من جلبوا الإبادة على أنفسهم". وتسلط الكاتبة الضوء على الرواية المتداولة في إسرائيل، حول 7 أكتوبر/تشرين الأول،وتقول "عندما حدثت مذبحة حماس ضد المدنيين في جنوب إسرائيل. كان ذلك اليوم رعباً حقيقياً، انفجاراً بشعاً للوحشية الإنسانية: مدنيون يُذبحون، ويُغتصبون، ويُؤخذون رهائن. صدمة وطنية مُركّزة استدعت، لدى العديد من الإسرائيليين، شعوراً عميقاً بالتهديد الوجودي". وترى كاتبة المقال إن ما حدث في السابع من أكتوبر "لم يكن فشلاً عسكرياً فحسب، بل كان انهياراً لخيالنا الاجتماعي: وهماً بأننا نستطيع حصر كل العنف واليأس خلف سياج والعيش بسلام إلى جانبنا. وقد حدث هذا الانهيار في ظل حكومة اليمين الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وهي حكومة يحلم وزراؤها علناً بمحو غزة. وهكذا، في أكتوبر 2023، تلاشت كل أحلامنا في أحلك كوابيسنا". وتختتم يولي نوفاك مقالها داعية إلى مواجهة "الإبادة الجماعية، وهي ترى أنه يجب أن يفهمها الشعب الإسرائيلي أو أن ينظر إليها من منظور البشر الذين يعيشون على هذه الأرض". هل يستطيع الشرع السيطرة على قوات الجيش؟ ونطالع مقالاً آخر في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، لأحمد شعراوي وهو محلل أبحاث في مجموعة "فاونديشن فور ديفنس أوف ديموكراسي (مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات)، ويحمل المقال عنوان "هل يستطيع الرئيس السوري السيطرة على قواته؟" يقول شعراوي إن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب،" وضعت ثقة كبيرة في رئيس السلطة الانتقالية الجديد في سوريا، أحمد الشرع، وإنه "بدأ قوياً عندما سيطر على دمشق بسرعة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن المجازر الأخيرة التي ارتكبتها القوات الحكومية بحق المدنيين كشفت عن حدود سيطرته". ويضيف شعراوي إنه يجب على الولايات المتحدة "الضغط على الشرع لإصلاح الجيش السوري". ويبدأ الكاتب في استحضار ذاكرته، قائلاً إنه بعد إسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في أسبوعين، ظهر الشرع من معقله في مدينة إدلب كالحاكم الفعلي لسوريا. ويستدرك قائلاً:"لقد تمكن (الشرع) من توحيد فصائل مسلحة متعددة، وأعلنه رسمياً حلفاؤه رئيساً مؤقتاً للبلاد في يناير/كانون الثاني الماضي". غير أن كاتب المقال يشير إلى أن جلب الاستقرار إلى سوريا بعد حرب أهلية دامت 14 عاماً، "كان من المؤكد أنه سيشكل تحدياً هائلاً". ويضيف: "لكنه بات واضحاً الآن أن الشرع قلل من شأن تعقيد بناء الدولة، وتشكيل هيكل أمني موحد، وضمان تمثيل جميع شرائح السكان". كما أنه يستعين بتصريحات السفير الأمريكي السابق في دمشق، رايان كروكر، والذي قال خلالها إن "هناك فرقاً كبيراً بين إدارة محافظة واحدة في سوريا، هي إدلب في الشمال، وإدارة بلد بأكمله بكل طوائفه ومجموعاته العرقية والطائفية المتنوعة". فخلال حكم الشرع، وقعت "مذبحتان" بحسب ما يقول أحمد شعراوي، "واحدة ضد العلويين، حيث حددت لجنة تحقيق مستقلة، بتكليف من الدولة أن 298 شخصاً يُشتبه في ارتكابهم انتهاكات ضد أشخاص من الطائفة العلوية". وبحسب ما أورد شعراوي في مقاله،"كان العديد من المستهدفين من عناصر القوات الحكومية، وكان العديد منهم أيضاً جهاديين أجانب قدموا إلى سوريا في مهمة طائفية صريحة: التخلص من نظام الأسد، العلوي الكافر في نظرهم". ويوضح الكاتب أن حكومة الشرع حاولت "أن تنأى بنفسها عن المجازر، مدعية أن مرتكبي تلك الانتهاكات تجاهلوا التوجيهات التي أُعطيت لهم بعدم استهداف المدنيين". في يوليو/تموز 2025، ظهرت أدلة جديدة تُشير إلى تورط القوات الحكومية في انتهاكات ضد الطائفة الدرزية. وأظهرت مقاطع فيديو مُتداولة على الإنترنت جنوداً يقتلون مدنيين في تحدٍ لأمر وزارة الدفاع بـ"تجنب استهداف الأشخاص بناء على طائفتهم" ويطرح شعراوي خلال مقاله سؤالاً: "لماذا تتحدى القوات الحكومية الأوامر؟ ولماذا يُقررالشرع بشكل انتقائي أي من الميليشيات التي يمكن دمجها في الجيش كوحدات سليمة وأيها يجب حلها أولاً؟" ويذكر أيضاً أن الجهود المتسرعة لتوحيد الفصائل المسلحة السورية تركت العديد من الميليشيات المناهضة للأسد تعمل بشكل مستقل تحت قياداتها الأصلية. ويضرب الكاتب مثالاً إذ يقول "دُمجت الجماعات المدعومة من تركيا، مثل عمشات وحمزات، بقيادة أبو عمشة وسيف بولاد، وهما شخصيتان خاضعتان لعقوبات أمريكية لارتكابهما جرائم ضد الأكراد، وسلّم الشرع الرجلين قيادة فرق الجيش. ومع ذلك، طُلب من قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد، الاندماج كأفراد فقط". ويتهم الكاتب رئيس السلطة الانتقالية "بانتهاجه تلك السياسات وخلق ما وصفه باختلال طائفي في الجيش السوري الجديد". كما يرى الكاتب أن ذلك دفع الأكراد وبعضاً من أفراد المجتمع الدرزي إلى الدعوة إلى الفيدرالية واللامركزية، "ما يسمح لكل منهما بإنشاء دولتهم الخاصة والانفصال عن الحكومة المركزية في دمشق". ويختتم الكاتب مقاله، "مقترحاً أنه يجب إجراء تغييرات في الجيش السوري الجديد، تشمل إخراج المقاتلين الجهاديين الأجانب من صفوفه". لكنه يقول إنه في نهاية المطاف، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لمعاقبة الوحدات العسكرية والقادة المسؤولين عن ما وصفه بالـ"المجازر"، في إشارة إلى ما ذكره سالفاً في بداية المقال من أحداث السويداء والانتهاكات التي ارتكبت ضد دروز هناك، وما وصفه أيضاً باستهداف العلويين". أقوى خمسة زلازل في العالم ونطالع مقالاً في مجلة تايم الأمريكية، لجيفري كلوغر محرر المجلة، الذي يُغطي الفضاء والمناخ والعلوم. المقال بعنوان "ما أقوى خمسة زلازل تم تسجيلها على الإطلاق؟" والذي يوضح خلاله أنواع الزلازل المختلفة، في أعقاب حدوث الزلزال الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية في في 30 يوليو/تموز. ويستهل كلوغر مقاله، قائلاً "منذ اللحظة الأولى لوقوعه، دخل الزلزال الهائل الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية، إلى عالم الزلازل، متصدراً قائمة أكبر الزلازل المعروفة". ويوضح أن هذا الزلزال كانت قوته 8.8 درجة على مقياس ريختر، ما جعله يحتل المركز السادس بالتساوي مع زلزال تشيلي الكبير الذي وقع عام 2010، وزلزالي كولومبيا والإكوادور اللذين وقعا عام 1906. ويقول الكاتب أن عدد ضحايا الزلزال أحياناً لا تتناسب مع قوته أو تعكسها، بل إن قوته تُحدد بـ"كثافة السكان في المنطقة التي ضربها الزلزال أيضاً". ووفقاً لكاتب المقال، يُعد زلزال هايتي الذي وقع عام 2010، وبلغت قوته سبع درجات على مقياس ريختر، وخلف أكثر من 316 ألف قتيلاً ومفقوداً، ثالث أشد الزلازل فتكاً منذ عام 1950، غير أنه لا يُدرَج ضمن قائمة أقوى الزلازل استناداً فقط على قوته على مقياس ريختر". و ينطبق الأمر نفسه على زلزال كشمير الذي وقع عام 2005 والذي بلغت قوته 7.6 درجة على مقياس ريختر وأودى بحياة ما لا يقل عن 79 ألف شخص. ويبدأ الكاتب في ذكر أقوى خمسة زلازل مُسجلة وتسببت في أضرار جسيمة ووفيات كثيرة. كامتشاتكا -روسيا: يحتل الزلزال الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا، في 4 نوفمبر/تشرين الأول عام 1952 وكانت قوته تسع درجات على مقياس ريختر، المركز الخامس. وقد لقي ما يُقدر بنحو 10,000 شخص حتفهم في أعقاب الزلزال مباشرةً". ووفقاً للكاتب الذي يعزى ذلك في الغالب إلى تسونامي أعقب الزلزال الأول، وصلت أعالي البحار إلى جزيرة ميدواي وميناء هونولولو، متسببةً في أضرار بلغت مليون دولار في هاواي، أي ما يعادل 12.1 مليون دولار اليوم. زلزال توهوكو باليابان: ويأتي في المركز الرابع، زلزال توهوكو باليابان الذي وقع في 11 مارس/آذار عام 2011، وبلغت قوته 9.1 درجة على مقياس ريختر، ووقع قبالة الساحل الشمالي الشرقي لجزيرة هونشو اليابانية في خندق اليابان بالمحيط الهادئ. وربما يُعرف أكثر باسم زلزال فوكوشيما، نسبةً إلى مفاعلات فوكوشيما داييتشي النووية التي تعطلت جراء تسونامي الذي ضرب الساحل في غضون 30 دقيقة من الهزة الأولى. وقد تسبب في تسرب نووي من مفاعلات فوكشيما. وقد لقى ما لا يقل عن 18 ألف شخص حتفهم في هذا الزلزال والتسونامي الذي أعقبه مباشرة، وفُقدت جثث الآلاف إلى الأبد. المحيط الهندي: أما ثالث أكبر زلزال مسجل، بقوة 9.1 درجة على مقياس ريختر، فكان في المحيط الهندي في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 2004. وكانت احتفالات عيد الميلاد قد انتهت للتو،عندما انفجر قاع المحيط على بعد 150 ميلاً قبالة سواحل سومطرة، مطلقاً طاقة تقدر بما يعادل 23 ألف قنبلة من نوع قنبلة هيروشيما. وقد لقي ما لا يقل عن 230 ألف شخص حتفهم في 13 دولة، وكان إقليم آتشيه في سومطرة مسؤولاً عن 200 ألف حالة وفاة من بين هؤلاء أما الخسائر المادية فتجاوزت 10 مليارات دولار. ألاسكا - الولايات المتحدة: وأتى في المركز الثاني، زلزال ألاسكا الذي بلغت قوته 9.2 درجة على مقياس ريختر في 27 مارس/آذار عام 1964.، فقد اهتزت الأرض لمدة أربع دقائق ونصف الدقيقة، تخللها رعب، ويعد هذا الزلزال الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة. وقد شعر الناس به في مناطق بعيدة، مثل إقليم يوكون ومقاطعة بريتش كولومبيا الكندية، واستمرت الهزات الارتدادية لمدة ثلاثة أسابيع. غير أن عدد الضحايا كان قليلاً نسبياً ووصل إلى 130 شخصاً. بيوبيو تشيلي: ووفقاً لجيفري كلوغر، سُجِّل أكبر زلزال على الإطلاق في منطقة بيوبيو بتشيلي، في 22 مايو/أيار عام 1960،على بُعد حوالي 160 كيلومتراً من ساحل تشيلي، و" بدأ الزلزال عندما اندسَّت صفيحة نازكا تحت صفيحة أمريكا الجنوبية، مطلقةً طاقة تعادل 2.67 جيجا طن، أو مليار طن، من مادة تي إن تي. وبلغت قوة الزلزال ذروتها عند 9.5 درجة على مقياس ريختر. وهزَّت المحيط موجات تسونامي، وصل ارتفاعها إلى 24 متراً على طول ساحل تشيلي". وبعد حوالي 15 ساعة، وصلت أمواج بارتفاع 10 أمتار إلى جزر هاواي، وبعد سبع ساعات، ضربت أمواج بارتفاع 18 متراً جزيرة هونشو اليابانية. لم يُحسب أعداد القتلى بدقة. إذ تراوحت التقديرات بين ألف وستة آلاف قتيل. كما جُرح ثلاثة آلاف شخص إضافيين.

العلاقة السورية الروسية، بين التعاون الحذر و"المصالح البرغماتية"
العلاقة السورية الروسية، بين التعاون الحذر و"المصالح البرغماتية"

BBC عربية

timeمنذ 10 ساعات

  • BBC عربية

العلاقة السورية الروسية، بين التعاون الحذر و"المصالح البرغماتية"

قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إن النظام الجديد في دمشق يرغب في بناء "علاقة صحيحة" مع موسكو، الحليف الوثيق للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. وأكد الشيباني في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن "هناك فرص عديدة لسوريا موحدة وقوية، ونأمل أن تقف روسيا إلى جانبنا في هذا المسار". في المقابل، وجه لافروف دعوة إلى الشرع لحضور القمة الروسية العربية في موسكو في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وقد توجه وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني إلى موسكو، مساء الأربعاء، في أول زيارة رسمية لمسؤول بالحكومة السورية الجديدة إلى روسيا منذ الإطاحة بحليفها بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد وجه دعوة رسمية إلى نظيره السوري في مايو/أيار لزيارة موسكو، لكنها تأجلت لأسباب لم يُعلَن عنها. ماذا يمكن لروسيا أن تقدم للنظام الجديد في سوريا؟ ومع ذلك، يقول الصحفي السوري، حنا حوشان، لبي بي سي إن الاتصال بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو ما "حرك المياه الراكدة". إذ أجرى الرئيس بوتين مكالمة هاتفية، الاثنين، مع نتنياهو، أكد فيها على وحدة أراضي سوريا، بعد أن دفع العنف الطائفي في جنوب سوريا إسرائيل إلى التدخل، وفقاً للكرملين. وأضاف حوشان أن "الثقة بين الجانبين قد ترسخت بشكل أكبر منذ سقوط بشار إلى الآن"، خاصة وأن روسيا "كان لها يد في ما يحدث في سوريا"، وأنها الآن "دخلت على الخط" فيما يتعلق بمشكلة الجنوب السوري والدروز بشكل عام. وتجري روسيا والحكومة السورية الجديدة محادثات بشأن آمال موسكو في مواصلة تشغيل قاعدتيها البحرية والجوية في شمال غرب سوريا. أما فيما يتعلق بمصير عائلة الأسد، فرجح الصحفي السوري ألا يُطرح خلال الزيارة، "ولن يُناقش في العلن". ومع ذلك، فإنه يرى أن موسكو إن وجدت مصالحها مع النظام الجديد، فقد تسمح بتسليم الأسد لسلطات دمشق، "لاسيما وأن لها سوابق بتسليم دكتاتوريين من ساحل العاج وغير ذلك" على حد تعبيره. "سوريا تضع بوتن في ورطة عميقة أمام العالم" – كييف بوست وعقب سقوط النظام السوري السابق، كان محللو الغرب يرون أن سقوط الأسد، "نهاية فصل كبير للوجود الروسي في الشرق الأوسط"، بل إن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نشرت مقالاً بعنوان "إذلال بوتين في سوريا يتردد صداه في روسيا". ومع ذلك، وفي أول مقابلة أجرتها معه بي بي سي في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وصف الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع العلاقات مع روسيا بأنها "استراتيجية". وقد سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى استغلال هذه العبارة آنذاك قائلاً: "تجدر الإشارة إلى أن القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع تحدث مؤخراً إلى بي بي سي، واصفاً العلاقات السورية مع روسيا بأنها قديمة واستراتيجية. ونحن نتفق معه في ذلك. ولدينا الكثير من القواسم المشتركة مع أصدقائنا السوريين". فما شكل وتاريخ العلاقة بين موسكو ودمشق؟ علاقات عسكرية، تسبق نظام الأسد في حديث سابق لبي بي سي، قال تركي الحسن، المحلل العسكري السوري، واللواء المتقاعد، إن إعادة بناء الجيش لسوريا الجديدة، يتطلب إما إعادة تسليح كاملة، أو الاعتماد المستمر على الإمدادات الروسية، وهو ما يفرض وجود نوع من العلاقة بين البلدين. ومن المعروف أن معظم المعدات وأنظمة الأسلحة التي يستخدمها الجيش السوري اليوم، هي من إنتاج الاتحاد السوفييتي أو روسيا. وأوضح الحسن أن التعاون العسكري السوري مع موسكو يسبق نظام الأسد، قائلاً: "لقد كان الجيش السوري منذ تشكيله مسلحاً بأسلحة الكتلة الشرقية، خاصة من الاتحاد السوفييتي، والآن يُجرى تسليحه من روسيا". ففي الفترة من 1956 إلى 1991، حصلت سوريا على نحو 5000 دبابة و1200 طائرة مقاتلة و70 سفينة والعديد من الأنظمة والأسلحة الأخرى من موسكو، بقيمة إجمالية تزيد عن 26 مليار دولار، وفقاً للتقديرات الروسية. ولم يُسدد أكثر من نصف المبلغ عندما انهار الاتحاد السوفييتي، لكن في عام 2005، شطب الرئيس فلاديمير بوتين 73 في المئة من هذا الدين، واستمرت روسيا في توريد الأسلحة إلى دمشق. وهناك أيضاً قاعدتان عسكريتان تقعان تحت تصرف موسكو بموجب عقود إيجار مدتها 49 سنة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا؛ وهما: قاعدة طرطوس البحرية، وقاعدة حميميم الجوية. ويرى المحللون أن القاعدتين العسكريتين السوريتين تشكلان محورين أساسيين لدعم استمرار وجود موسكو في جميع أنحاء أفريقيا. "مصالح براغماتية" وفي مقال نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قال نيكيتا سماغين، خبير سياسة روسيا في الشرق الأوسط، إن موسكو كانت من أوائل الدول التي أقامت اتصالاتٍ مع المسلحين السوريين بعد انهيار نظام الأسد. وأوضح سماغين أن هذا يستند إلى مصالح براغماتية؛ للحفاظ على قاعدتي حميميم الجوية والبحرية في طرطوس، لما لهما من دورٍ رئيسي في العمليات اللوجستية الروسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا. وأضاف المحلل السياسي في المقال الذي نُشر في يونيو/حزيران الماضي، أن وجود روسيا في سوريا مهمٌّ في سياقٍ أوسع "للمساومة المحتملة مع الولايات المتحدة أو كوسيلة ضغط في العلاقات مع تركيا وإسرائيل، ناهيك عن نفوذ روسيا الشامل في الشرق الأوسط". ويرى سماغين أن أول اختبار للعلاقات الروسية السورية المتجددة كان في مارس/آذار، عندما "قمعت" دمشق انتفاضة العلويين في اللاذقية. ولم تتدخل موسكو حينها علناً في التطورات، رغم أنها سمحت لبعض السكان المحليين بدخول قواعدها، "وكان رد فعلها مقبولاً بشكل عام لدى الشرع". تقليص التعاون وبحسب مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بدأت السلطات السورية بالفعل في تقليص تعاملاتها مع روسيا تدريجياً منذ مطلع عام 2025، حين ألغت دمشق عقد إدارة ميناء طرطوس الذي وُقّع مع موسكو عام 2019، مستعيضة عن ذلك بموانئ دبي العالمية، التي وافقت على استثمار 800 مليون دولار في المنشأة. ومن الأمثلة الحديثة الأخرى التي ذكرها نيكيتا سماغين، قرار سوريا التوقف عن طباعة عملتها الوطنية في روسيا. فبمجرد الإعلان عن رفع العقوبات، سارعت دمشق إلى اتخاذ الترتيبات اللازمة لطباعة عملاتها في ألمانيا والإمارات. وفي مارس/آذار، استأنفت روسيا شحنات النفط إلى سوريا، وتبعتها شحنات الحبوب في أبريل/نيسان. ومع ذلك، لا يُرجح سماغين أن يدوم ذلك طويلاً؛ متوقعاً إعادة ربط سوريا قريباً بنظام سويفت الدولي للدفع، الذي لا تملك روسيا إمكانية الوصول إليه.

بعد يومين من عودته من ألمانيا.. وفاة سوري تحت التعذيب في أحد سجون الأمن الداخلي بدمشق
بعد يومين من عودته من ألمانيا.. وفاة سوري تحت التعذيب في أحد سجون الأمن الداخلي بدمشق

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • العربي الجديد

بعد يومين من عودته من ألمانيا.. وفاة سوري تحت التعذيب في أحد سجون الأمن الداخلي بدمشق

توفي الشاب السوري يوسف اللباد من أبناء حي القابون الدمشقي، تحت التعذيب في أحد سجون الأمن الداخلي في العاصمة دمشق بعد يومين فقط من عودته من ألمانيا ، وفق ما أكدت عائلته وناشطون سوريون. وأشارت مصادر مقربة من العائلة إلى أن اللباد اعتُقل من داخل المسجد الأموي ، وسُلّم جثمانه لاحقاً لعائلته وعليه آثار تعذيب واضحة، ما أثار موجة استنكار واسعة واتهامات مباشرة للأمن الداخلي بالتسبب في وفاته. ونقلت صحيفة "الوطن" المقربة من الحكومة السورية عن مصدر خاص في وزارة الداخلية، الأربعاء، أن "الشاب يوسف اللباد توفي داخل أحد السجون التابعة للوزارة في ظروف غامضة"، مشيرة إلى أن "وزير الداخلية (أنس خطاب) وجّه بفتح تحقيق مستعجل لكشف ملابسات الوفاة واتخاذ الإجراءات اللازمة". قضايا وناس التحديثات الحية سورية: أكثر من 112 ألف معتقل ومختفٍ قسراً وفي أول تعليق من العائلة، اتهمت زوجته سندس عثمان، عبر صفحتها في "فيسبوك"، جهاز الأمن العام بالتسبب في وفاته، وقالت إن زوجها "تم اعتقاله من الجامع الأموي في دمشق، وتوفي بعد يومين فقط من عودته إلى البلاد، نتيجة تعرضه للتعذيب خلال فترة احتجازه". وأكدت أن "جثمانه كان مغطى بآثار تعذيب واضحة"، مضيفة: "زوجي ما صرله غير يومين راجع عالبلد، اللي على أساس صار فيها أمان. أنا بطالب بحق زوجي وحق أولادي، وعلى الجميع ممن يمتلك ضمير وإنسانية أن يطالب معنا بكشف الحقيقة ومحاسبة الجناة". ودعت أبناء حي القابون إلى "عدم السكوت عن مقتل أحد أبنائهم"، محذّرة من أن "استمرار الصمت سيجعل الجميع عرضة للانتهاكات". وفي متابعة للحدث، ذكر تلفزيون "العربي"، نقلًا عن مصدر من عائلة يوسف اللباد، أن الشاب "قُتل تحت التعذيب عقب اعتقاله من داخل المسجد الأموي بدمشق على يد دورية تابعة للأمن الداخلي، وذلك بعد رفضه الخروج من المسجد". وأوضح المصدر أن "الجثمان سُلّم لاحقًا إلى العائلة وعليه آثار تعذيب واضحة"، مشيراً إلى أن يوسف كان "منشقًا عن النظام سابقاً، وشارك في صفوف الجيش الحر في حيي القابون وبرزة قبل اتفاق المصالحة، ثم غادر البلاد إلى أوروبا لاجئًا، قبل أن يقرر العودة مؤخراً". واعتبرت عائلة اللباد، بحسب المصدر ذاته، أن "ما جرى يمثل أول حالة وفاة تحت التعذيب في سجون الحكومة السورية الجديدة بعد التغييرات الأخيرة"، مطالبة بـ"توضيح كامل لما جرى ومحاسبة كل من شارك في هذه الجريمة". ويوضح ابن عمة يوسف، بدر كزور على "فيسبوك"، أن "يوسف شاب ملتزم وغيور على دينه وبلده وأهله وعرضه، وأنه عاد إلى الشام قبل أربعة أيام فقط، معاهداً الله تعالى على ترك بلاد الأمان والحضارة والقانون والحريات بمجرد سقوط نظام بشار الأسد، ليكون لبنة في العمل والنهوض مع أبناء جلدته ودينه وبلده". ويقول كزور: "عاد يوسف ليفي بوعده أمام الله، وقضى نذره بالمبيت والاعتكاف في الجامع الأموي فور وصوله إلى أرض الشام. لكننا فُجعنا يوم أمس بخبر وفاته في مشفى المجتهد، بعد أن غلب جسده الذي أنهكته سنوات التهجير وأبشع صور التعذيب الجسدي والتنكيل التي اعتدنا رؤيتها منذ عام 2011، ولكن هذه المرة على يد عصابات النظام المجرم وجزاري الأفرع الأمنية بحق المتظاهرين السلميين". ويتابع: "ترك يوسف وراءه أمه التي كانت تراه الأمان بعد وفاة زوجها منذ أكثر من 18 عاماً، وزوجته الشابة التي باتت أرملة مع ثلاثة من الأبناء الذين تيتموا على أيدي وحوش بشرية تدعي زوراً وعدواناً أنها الأمن العام". وختم كزور حديثه بالتنديد بهذه الجريمة البشعة التي "تنطوي على خيانة إنسانية ووجع عميق في بيت العائلة والمجتمع"، داعياً وزارة الداخلية السورية ووزيرها ومسؤول الأمن العام في دمشق أنس خطاب، وكافة المسؤولين المعنيين إلى التحرك فوراً لكشف ملابسات هذه الوفاة وإحقاق العدالة. في السياق ذاته، قال الصحافي خالد سرحان إن يوسف اللباد "عاد من ألمانيا بنيّة الاستقرار والعيش في بلده بعد سقوط نظام بشار الأسد، لكنه اعتقل خلال وجوده في دمشق، وتوفي تحت التعذيب داخل مخفر الحميدية التابع لجهاز الأمن الداخلي". ووصف سرحان ما جرى بأنه "وصمة عار"، مضيفاً أن "السكوت عن جرائم من هذا النوع ستكون له تبعات كارثية على مستقبل المرحلة الانتقالية في سورية". من جانبه، أشار الصحافي باسل حوى، المقيم في أوروبا، إلى أن الشاب اعتُقل إثر مشادة كلامية مع أحد عناصر الأمن خلال زيارته للجامع الأموي، وقال في منشور على صفحته في "فيسبوك": "شاب سوري عاد من ألمانيا في زيارة قصيرة إلى دمشق، وانتهت حياته بعد أن قُتل تحت التعذيب. الدولة الجديدة مطالبة بموقف واضح وصريح تجاه هذه الجريمة". ووجّه حوى رسالة لوسائل الإعلام والمسؤولين قائلاً: "سأنشر رسالة زوجته لعلها تلامس ضمير من لا يزال صامتاً". وتأتي الحادثة في وقت تحاول فيه السلطات الانتقالية الجديدة في دمشق تعزيز صورة الاستقرار، وسط دعوات حقوقية متزايدة لتوثيق الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز، ومطالبات بمحاسبة المتورطين في التعذيب وغيره من أشكال الانتهاك، لضمان عدم تكرار ما حدث في الحقبة السابقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store