
بين قنبلة إسرائيل وقنبلة إيران المرتقبة.. أين يكمن الاستقرار؟
«The Spread of Nuclear Weapons: More May Be Better»، ما ترجمته: «انتشار الأسلحة النووية: الكثير منها قد يعني الأفضل».
لا زلت أستذكر واليوم قبل أي يومٍ مضى.. تلك المحاضرة في أواخر عام 2012، التي حضرتها في
Centre Européen de Recherches Internationales & Stratgégiques -المركز الأوروبي للبحوث والدراسات الدولية والإستراتيجية (CERIS)، -الذي أرأسه اليوم إقليمياً في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا- أحد أهم المراكز الفكرية والأكاديمية في أوروبا والعالم.. عندما كان الضيف المتحدث الرئيسي كينيث والتز (الذي بالمناسبة كان أستاذ أوباما في جامعة شيكاغو إبان كان تلميذاً فيها)، كانت المحاضرة تدور حول مقاله المذكور، حيث لخّص نظرته الجيوسياسية المعتمدة على نظريته «السياسة الواقعية الجديدة- neorealism»، من أن حصول إيران على القنبلة النووية سيعني بالضرورة موازنة خطر النووي الإسرائيلي وردع بلطجة إسرائيل في المنطقة ودرء الفوضى المترتبة على تصدر إسرائيل لقوى المنطقة نووياً.
وأنا استمع له يومها كانت الأسئلة تغلي بداخلي من مثل.. هل فعلا بأن موازنة إيران لإسرائيل نووياً سيبعد عن المنطقة شبح الحروب والفوضى؟ تختلف أم تتفق مع والتز، فهو ممن بنى نظرته الجيوسياسية هذه على سياسة واقعية تدعى Realpolitik أي السياسة الواقعية العملية التي تتجرد من العواطف وتنظر للوسائل -مهما وكيفما كانت- التي تحقق الغايات. يذكر بأن كينيث والتز نشر مقالته المذكورة قبيل وفاته بأشهر قليلة (توفي عام 2013)، وكانت المقالة بمثابة «وصية» إلى تلميذه الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما، الذي بدا بأنه سعى لتحقيقها، ففي فترة رئاسته، ولدت وازدهرت وتقدمت المفاوضات النووية الإيرانية مع مجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس أمن الأمم المتحدة+ألمانيا) لصالح إيران، فيما عرف بـ«صفقة إيران»!
طبعاً أنا شخصياً اختلف تماماً مع طرح والتز، ولدي أفضلية كوني أولاً، ابن المنطقة وعرفت وشهدت ديناميكية الصراعات فيها وطبيعتها عن قرب بخلاف والتز الذي اكتفى بالتنظير من على بعد آلاف الأميال دون العيش في منطقة الشرق الأوسط والفهم عن قرب لإرهاصات وتداعيات الصراعات وأجندة القوى فيها. فمثلاً، طرح والتز تجاهل الدوافع الأيديولوجية للنظام الإيراني، كما غفل عن الطبيعة غير المتوقعة لانتشار الأسلحة النووية.
فعلى عكس نظرية والتز، فإن إيران نووية ستُصعّد الصراعات، وتدفع المنطقة إلى سباق تسلح خطير. ومن هنا ففكرة والتز القائلة بأن «المزيد من القنابل تعني المزيد من السلام» هي فكرة ساذجة إلى حد الخطورة، خصوصاً في منطقة تتغلغل فيها الفصائل غير الحكومية (المليشيات) والدوافع الأيديولوجية التي تُقوّض مبدأ الردع القائم على العقلانية، كما كان الحال في الحرب الباردة. لقد أدى انغماس والتز في التنظير الأكاديمي، وهو بعيد كل البعد عن واقع الشرق الأوسط، إلى تغافله عن حقيقة أساسية: إن السلاح النووي في يد إيران وحتى إسرائيل التي تملك بالفعل ترسانة نووية، لا يجلب الاستقرار، بل يقود إلى الفوضى، ولا أدل من الفوضى التي تشهدها المنطقة اليوم من الحرب الإسرائيلية الإيرانية، التي قصّت شريطها إسرائيل، وتلاها الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة من جانب إيران، ورد إسرائيل وتدخل أمريكا بجانبها مؤخراً بعمليات عسكرية على منشآت نووية، والذي أعقبه الرد الإيراني الأخير بقصف صاروخي ضد دولة خليجية.. قطر الشقيقة.
كل هذه الفوضى أوصلت المنطقة إلى حافة الانفجار، ولم تزل دول فيها معرّضة لخطر وجودي، وأعني تحديدًا دول الخليج العربي.. هذه الست دول.. الحدائق وسط حرائق!
ناهيك عن أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيعني بالضرورة حصول سباق تسلح، فدول مثل السعودية وتركيا ستسعى حينها لامتلاك أسلحة نووية خاصة بها. كما سيؤدي ذلك إلى شلل المسار الدبلوماسي- المشلول أساساً!- ففكرة الردع (بمعنى وجود إيران كقوة نووية رادعة لإسرائيل) لن تنجح، لأن أيديولوجيا إسرائيل تقوم على الاحتلال والتوسع تحت مثل شعار «إسرائيل الكبرى.. من النهر إلى البحر».
قبل الختام، الحل لاستقرار الشرق الأوسط لا يكمن في انتشار القنابل النووية، سواء تلك الإيرانية المرتقبة أو الإسرائيلية الموجودة. فإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، رغم كونه هدفاً مثالي النزعة وبعيد المدى، إلا أنه يجب أن يبقى طموحاً إقليمياً مستمراً. أما على المدى القصير، فأنجع حل منطقي وواقعي وممكن التنفيذ ويفضي إلى بناء الثقة والاعتراف المتبادل هو في قبول مبدأ التعايش دون الخضوع للهيمنة الأيديولوجية، وذلك ضمن ترتيب يُعرف بــ «modus vivendi»، وهو مبدأ في العلاقات الدولية قائم على التعايش المؤقت كأمر واقع بين أطراف متنازعة (إيران- إسرائيل) دون اتفاق نهائي، وقطعاً لن يتحقق ذلك الاتفاق النهائي دون أن تحل أولاً القضية الفلسطينية، القضية المركزية في الشرق الأوسط وأساس أو «قميص عثمان» صراعاته، وذلك عبر قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية 2002.
يقول نيكولا مكيافيللي:
«الحروب تبدأ حينما تشاء، لكنها لا تنتهي حينما ترغب».
وأزيد على قول مكيافيللي، بأن الحروب لا تنتهي حينما ترغب، وأيضاً.. أينما ترغب، فهي لا تنحصر بعدها في الغالب بين طرفين بل تتعداهما جيوسياسياً، ليتسع ضررها البشري والمادي.
رسالة ختامية عبر هذا المنبر السعودي على أرض الشقيقة الكبرى لباقي دول الخليج العربية الشقيقة، بلسان شاعر من أرض الشقيقة الكبرى:
أخاك أخاك إنّ من لا أخاً لهُ
كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاحِ
وفهمكم يكفي!
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 23 دقائق
- العربية
"اتفاق غزة".. ترامب يحدد موعد رد حماس
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، اليوم الجمعة، إنه من المرجح معرفة رد حركة حماس على اقتراح وقف إطلاق النار مع إسرائيل في غزة خلال الـ 24 ساعة القادمة. ويأتي ذلك بعد إعلان حركة حماس أنها ستسلم قرارها النهائي بشأن مقترح وقف إطلاق النار في غزة للوسطاء بعد انتهاء المشاورات. وذكرت في بيان على منصة التواصل الاجتماعي " تليغرام" أنها تجري مشاورات مع قادة القوى والفصائل الفلسطينية بشأن العرض الذي تسلمته من الوسطاء". وأضافت أنها ستسلم القرار النهائي للوسطاء بعد انتهاء المشاورات، وستعلن ذلك بشكل رسمي. وعقدت حماس وإسرائيل عدة جولات مفاوضات غير مباشرة على مدار الأشهر الماضية، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار، ففي المحادثات السابقة، طالبت حماس بإنهاء كامل للحرب، بينما أصرت إسرائيل على وقف إطلاق نار مؤقت. وخلال الحرب المستمرة طيلة 21 شهراً بين إسرائيل وحماس، لم يستمر وقف إطلاق النار سوى تسعة أسابيع فقط. ودخل وقف إطلاق النار الأول حيز التنفيذ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، لكنه لم يستمر سوى أسبوع، خلال ذلك الوقت، أُطلق سراح 105 رهائن من غزة، مقابل عشرات الأسرى الفلسطينيين. ولم يُبرم وقف إطلاق نار ثانٍ حتى يناير 2025، قبيل عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في غضون ما يزيد قليلاً عن 8 أسابيع، وهي المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، حيث أفرجت حماس عن 33 رهينة، فيما أطلقت إسرائيل سراح حوالي 50 أسيراً فلسطينياً مقابل كل إسرائيلي. وبموجب المرحلة الثانية المخطط لها، كان من المفترض أن توافق إسرائيل على وقف إطلاق نار دائم، لكن إسرائيل استأنفت هجومها في 18 مارس، بحجة الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن المتبقين. وقالت سلطات الصحة في غزة، الخميس، إن ما لا يقل عن 6572 فلسطينيا قتلوا، وأصيب 23 ألفا و132 آخرون منذ أن جددت إسرائيل ضرباتها المكثفة، ليرتفع إجمالي عدد القتلى منذ أكتوبر 2023 إلى 57 ألفا و130، والإصابات إلى 135 ألفا و173.


الشرق الأوسط
منذ 27 دقائق
- الشرق الأوسط
إيران ملتزمة معاهدة حظر الانتشار النووي
أبدت إيران أمس تمسّكها بمعاهدة حظر الانتشار النووي واتفاق الضمانات، رغم مصادقتها في اليوم السابق على قرار بتعليق التعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وقال وزير خارجيتها عباس عراقجي إن التعاون سيستمر عبر المجلس الأعلى للأمن القومي لدواعٍ أمنية، لكن النائب المتشدد أمير حسين ثابتي قال إن طهران ستطرد مفتشي الوكالة الدولية قريباً. وصدّق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على قانون يقضي بتعليق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية، ويشترط موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي على أي تفتيش نووي، في خطوة وصفتها واشنطن بـ«غير المقبولة». إلى ذلك، هددت فرنسا بتفعيل آلية «سناب باك» إذا لم تسقط إيران تهم «التجسس للموساد» بحق اثنين من رعاياها «الرهائن» منذ أكثر من ثلاث سنوات. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيتواصل مع نظيره الإيراني، مهدداً باتخاذ إجراءات مضادة، واصفاً الخطوة بأنها «استفزاز وعدوان غير مقبولَيْن».


الشرق الأوسط
منذ 27 دقائق
- الشرق الأوسط
البنتاغون: الغارات الأميركية أعادت برنامج إيران النووي للوراء نحو عامين
قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الأربعاء، إن الغارات الجوية التي نفّذتها الولايات المتحدة على المواقع النووية الإيرانية أدت إلى تراجع برنامج طهران النووي للوراء لما يصل إلى عامين. وقدّم شون بارنيل، المتحدث باسم البنتاغون، هذا التقدير في إفادة صحافية، مضيفاً أن التقدير الرسمي «ربما يكون أقرب إلى عامين». نفّذت قاذفات أميركية ضربات على ثلاث منشآت نووية إيرانية في 22 يونيو (حزيران)، مستخدمة أكثر من 12 قنبلة خارقة للتحصينات زنة 13600 كيلوغرام. ونتائج هذه الضربات محط مراقبة شديدة لمعرفة مدى تأثيرها على البرنامج النووي الإيراني بعد أن قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه تم القضاء عليه. وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، مطلع الأسبوع، إن إيران قد تنتج اليورانيوم المخصب في غضون بضعة أشهر، مما أثار الشكوك إزاء مدى فاعلية الضربات الأميركية في تدمير برنامج طهران النووي.