logo
أميركا وإسرائيل تريدان إضعاف سوريا لكنهما مختلفتان على الطريقة

أميركا وإسرائيل تريدان إضعاف سوريا لكنهما مختلفتان على الطريقة

الجزيرةمنذ 5 أيام
يبدو إضعاف سوريا الجديدة هدفا أميركيا إسرائيليا مشتركا، لكن الخلاف حاليا على طريقة تحقيق هذا الهدف، حيث تريد واشنطن بناء بلد مرهون بالدعم الخارجي طيلة الوقت بينما إسرائيل تسعى إلى أن تصبح سوريا بلدا مفككا على أسس طائفية ومذهبية.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ضرورة دعم استقرار حكومة دمشق ومساعدتها في بناء نهضة البلاد، يعمل (رئيس الحكومة الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – بدأب على تفكيك سوريا اعتمادا على ما فيها من أقليات، وخصوصا الدروز.
فقد اتخذت إسرائيل من حماية الدروز ذريعة لتدخلها العسكري ورفضها أي وجود أمني لحكومة لدمشق جنوب البلاد كله، لكن وكالة "أسوشيتد برس" نقلت عن المبعوث الأميركي توم براك أن إسرائيل "تفضل سوريا مجزأة على دولة مركزية قوية تسيطر على البلاد".
ولا تعكس هذه المسافة -في الموقفين الأميركي والإسرائيلي- خلافا على شكل سوريا المستقبلية وإنما على طريقة الوصول إليه، بحيث تظل دمشق سائرة في ركب الرؤية طويلة الأمد التي تهدف لتطويع المنطقة كلها بيد إسرائيل.
تفكيك المنطقة كلها
فرؤية الأميركيين، والجمهوريين تحديدا، لا تقف عند حد إضعاف سوريا -التي يمثل نهوضها خطرا على إسرائيل- لكنها تمتد إلى إضعاف كافة دول المنطقة، كما يقول رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي.
ومن هذا المنطلق، فإن الخلاف الأميركي الإسرائيلي في سوريا يتلخص في تعامل واشنطن مع مشكلة السويداء كأزمة طارئة تتطلب حلا عاجلا، بينما تتعامل معها إسرائيل كمسألة استراتيجية.
وحسب ما قاله الشوبكي خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر" فقد حاول نتنياهو تقرير مستقبل قطاع غزة منفردا استنادا لوثيقة أميركية قديمة صدرت في التسعينيات وتعطي إسرائيل حرية التصرف بالمنطقة. ولتعويض هذا الفشل، حاول تحقيق نجاح في سوريا، عبر بناء جسور مع الأقليات.
وعلى هذا، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتان على إضعاف سوريا، لكنهما تختلفان في الطريقة، ففي حين يسعى نتنياهو لتفكيكها جغرافيا، يحاول ترامب رهن استقرارها السياسي والاقتصادي بالدعم الخارجي حتى يجبرها على السير في خططه المستقبلية للمنطقة.
ويتفق الباحث السياسي السوري ياسر النجار مع الطرح السابق، لكنه يعتقد أن إدارة ترامب سمحت لإسرائيل بالتحرك مع الدروز الملاصقين للجولان السوري المحتل بينما لم تسمح لها بأي عمل في المناطق التي توجد بها واشنطن بشكل مباشر كما هي الحال مع الأكراد في الشمال.
كما تحاول واشنطن ضم دمشق لقطار التطبيع، بينما تريد إسرائيل إلزامها بعدم الوجد الأمني والعسكري في الجنوب السوري كله وليس بمنطقة فض الاشتباك فقط، فضلا عن تنازلها رسميا عن الجولان المحتل.
وكانت إسرائيل قد خرقت حدود فض للاشتباك كان منصوصا عليها باتفاقية 1974، فور سقوط نظام بشار الأسد ، وتوغلت فيما بعد الجولان المحتل إلى قلب الجنوب السوري.
لكن الحكومة السورية الجديدة لا يمكنها التنازل عن الجنوب ولا حتى عن الجولان المحتل، فضلا عن أنها لن تتمكن من توقيع اتفاقية تطبيع دون وجود مجلس تشريعي يقر هذه الاتفاقية، كما يقول النجار.
لذلك، فإن الموقف الأميركي الإسرائيلي في سوريا يبدو تكامليا أكثر من كونه متباينا لأن الولايات المتحدة تمارس الدبلوماسية وتترك لإسرائيل ممارسة الفعل العسكري لإخضاع حكومة دمشق التي يبدو أنها أبدت خالفت توقعات ترامب ونتنياهو منها.
ولعل هذه الترتيبات التي كان متوقعا الإعلان عنها خلال زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، وهو ما لم يحدث، هي التي جعلت رئيس الوزراء الإسرائيلي يرجع بضوء أخضر للتحرك عسكريا في سوريا، برأي الشوبكي.
وقف عربدة نتنياهو
ورغم هذا الضوء الأخضر، فقد تدخلت واشنطن سريعا لوقف عربدة نتنياهو الذي تصرف بشكل جنوني في سوريا، على حد وصف مسؤولين أميركيين لموقع "أكسيوس" الإخباري.
غير أن هذا التدخل الأميركي لكبح جماح إسرائيل لن يتجاوز نقطة الضغوط الدبلوماسية لما هو أبعد من ذلك، برأي كبير الباحثين بالمجلس الأميركي للسياسة الخارجية جيمس روبنز الذي يعتقد أن ترامب يريد إنهاء هذه الاضطرابات سلميا حتى يتمكن من تحقيق الازدهار الاقتصادي الذي يريده بالمنطقة.
ولمنع تكرار التدخلات الإسرائيلية، سيكون على الحكومة السورية الوقوف على مسافة واحدة من كل الأقليات، والتعامل بحياد لفض أي نزاع، حتى لا تتعرض للمحاسبة، كما يقول روبنز.
ولا يريد ترامب أن يكون الجولان المحتل عائقا أمام تحسين العلاقات السورية مع إسرائيل، بينما تبدي الأخيرة تمسكا بالبقاء فيه وفرض سيادة عليه وتريد من دمشق الاعتراف بهذه السيادة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب: فرصة جيدة لتوقيع اتفاق تجري مع الاتحاد الأوروبي
ترامب: فرصة جيدة لتوقيع اتفاق تجري مع الاتحاد الأوروبي

الجزيرة

timeمنذ 11 دقائق

  • الجزيرة

ترامب: فرصة جيدة لتوقيع اتفاق تجري مع الاتحاد الأوروبي

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، الجمعة، إن الاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي سيكون كبيرا، وإن هناك "فرصة جيدة بنسبة 50%" لإبرامه، مشيرا بذلك لوجود احتمال مماثل لعدم تحقق الاتفاق. وأضاف للصحفيين "مع الاتحاد الأوروبي.. لدينا فرصة جيدة بنسبة 50%.. سيكون هذا أكبر اتفاق على الإطلاق إذا أبرمناه". وأوضح ترامب لدى مغادرته البيت الأبيض متجها إلى أسكتلندا -في زيارة جمعت بين ممارسة الغولف والدبلوماسية- أن بروكسل"ترغب بشدة في إبرام اتفاق". ولدى سؤاله مرة أخرى بشأن احتمالات إبرام اتفاق، أجاب "هذا هو الأهم الآن.. أعتقد أن الاتحاد الأوروبي لديه فرصة جيدة جدا للتوصل إلى اتفاق الآن". موقف المفوضية الأوروبية من الاتفاق التجاري مع أميركا وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، الجمعة، إنها ستلتقي دونالد ترامب في أسكتلندا لإجراء محادثات بشأن الرسوم الجمركية. وكتبت فون دير لاين على موقع إكس"بعد مكالمة جيدة مع الرئيس الأميركي، اتفقنا على الاجتماع في أسكتلندا الأحد لمناقشة العلاقات التجارية عبر الأطلسي، وكيف يمكننا الحفاظ عليها قوية". وأعلنت المفوضية الأوروبية ، الخميس، أن التوصل إلى حل تجاري عبر التفاوض مع الولايات المتحدة أصبح في المتناول، حتى مع تصويت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتأييد لفرض رسوم جمركية مضادة على سلع أميركية بقيمة 93 مليار يورو (109 مليارات دولار) حال انهيار المحادثات. وقالت المفوضية مرارا إن تركيزها ينصب على إبرام اتفاق لتجنب فرض رسوم جمركية 30%، أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة ستطبقها في الأول من أغسطس/آب المقبل. ويقول دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي إن واشنطن وبروكسل تتجهان، على ما يبدو، نحو إبرام اتفاق محتمل يقضي بفرض رسوم جمركية شاملة 15% على واردات سلع التكتل إلى الولايات المتحدة، على غرار الاتفاق الإطاري الذي أبرمته واشنطن مع اليابان. لكن البيت الأبيض قال إن المناقشات حول الاتفاق تندرج تحت بند "التكهنات"، وقال المستشار التجاري للبيت الأبيض بيتر نافارو لوكالة بلومبيرغ إن التعامل مع التقرير الوارد من الاتحاد الأوروبي يجب أن يتسم بالحذر. وليست هناك معلومات تذكر عما قد يعرضه الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة للتوصل لاتفاق، وقال دبلوماسي في التكتل إن الاتحاد الأوروبي لا يبحث مسألة التعهد باستثمارات في الولايات المتحدة كما فعلت اليابان. الأسهم الأميركية عند أعلى مستوى في الأثناء سجل المؤشران ستاندرد آند بورز 500 وناسداك أعلى مستوياتهما على الإطلاق عند الإغلاق أمس الجمعة، مدعومين بتفاؤل حيال إمكانية توصل الولايات المتحدة قريبا إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي. المؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفع بما يعادل 0.42% إلى 6390.08 نقطة. المؤشر ناسداك المجمع زاد 0.26% إلى 21111.90 نقطة. المؤشر داو جونز الصناعي ارتفع 0.48% إلى 44907.65 نقطة.

فيدان: رصدنا تحركات انفصالية في سوريا ونساعد الحكومة على بناء جيشها
فيدان: رصدنا تحركات انفصالية في سوريا ونساعد الحكومة على بناء جيشها

الجزيرة

timeمنذ 11 دقائق

  • الجزيرة

فيدان: رصدنا تحركات انفصالية في سوريا ونساعد الحكومة على بناء جيشها

كشف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن بلاده رصدت تحركات في سوريا بعد الصراع الذي جرى بين عشائر البدو والدروز بمحافظة السويداء جنوب البلاد، ما دفعها إلى إطلاق تحذير للأطراف الانفصالية، مؤكدا أهمية سوريا بالنسبة للأمن القومي التركي. وأشار فيدان، في لقاء تلفزيوني أمس الجمعة، لـ قناة "إن تي في" التركية المحلية، إلى أنّ تركيا حذرت من أنها ستتدخل لمنع تقسيم سوريا بعد رصدها استغلال مجموعات ما جرى في السويداء، قائلا: "وجب علينا إطلاق تحذير وفعلنا، لأننا نريد وحدة سوريا وسلامتها". ولفت فيدان إلى أن تركيا ودول عدة أكدت مرات عدة على ضرورة احترام الحكومة السورية هوية كافة أطياف الشعب ومراعاة حقوقهم، مبينا أنه لا يجب لأي جهة أن تحمل السلاح خارج سلطة الدولة. وأضاف أن تركيا بعثت الرسائل نفسها إلى إسرائيل عبر قنوات استخبارية ومحادثات مع محاورين آخرين، مشيرا الى أنه "لا يجوز لأحد المساس بسلامة أراضي سوريا ولا ينبغي أن تُشكل تهديدا لأي دولة في منطقتها، ولا ينبغي لأي دولة أن تُشكل تهديدا لها". وعن الاشتباكات التي اندلعت في السويداء في 13 يوليو/تموز، قال فيدان "بصراحة، نرى أن إسرائيل تعرقل جهود الحكومة المركزية للتدخل بشكل محايد في الصراع بين البدو والدروز. وكان اعتراضنا الإستراتيجي على ذلك على وجه الخصوص". وفي 13 يوليو/تموز الجاري، اندلعت اشتباكات مسلحة بين عشائر بدوية ومجموعات درزية بالسويداء، أعقبتها تحركات للقوات الحكومية نحو المنطقة لفرض الأمن، لكنها تعرضت لهجمات من مجموعات درزية مسلحة خارجة على القانون أسفرت عن مقتل عشرات الجنود. وأوضح الوزير التركي، أن الرئيس السوري أحمد الشرع طبّق سياسة شاملة تجاوزت التوقعات، مؤكدا ضرورة عدم انحياز الحكومة المركزية لأي طرف في النزاعات المحتملة بين الجماعات، بل عليها التدخل، ومعاقبة المسؤولين عند ثبوت تورطهم. وأشار إلى أنّ سوريا تشهد انطلاق عملية بدعم من تركيا ودول المنطقة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، مضيفا "كنا نرى دائمًا أن هناك جهات يمكن أن تستفيد من تقسيم سوريا، ومن عدم استقرارها، ومن عدم تعافيها، وأنهم يرغبون في أن تظل سوريا تتخبط في حفرة اليأس والإحباط والسلبية". ولفت فيدان، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، صرح أنه ليس لديه رأي إيجابي للغاية بشأن استقرار سوريا. وفي إطار مساعيها لاحتواء الأزمة، أعلنت الحكومة السورية 4 اتفاقات لوقف إطلاق النار بالسويداء، كان آخرها في 19 يوليو/تموز الجاري. ولم تصمد اتفاقات وقف إطلاق النار الثلاثة الأولى طويلا، إذ تجددت الاشتباكات يوم 18 يوليو/تموز، إثر قيام مجموعة تابعة لحكمت الهجري ، وهو أحد مشايخ عقل الدروز في السويداء، بتهجير عدد من أبناء عشائر البدو وممارسة الانتهاكات عليهم. واستغلت إسرائيل الاضطرابات في السويداء، وصعدت عدوانها على سوريا، حيث شنت غارات مكثفة على 4 محافظات، تضمنت مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي في دمشق. الاتفاق مع الكرد وعن توقيع الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي اتفاقا في 10 مارس/آذار الماضي أكد وزير الخارجية التركي أن بلاده تنتظر تنفيذ الاتفاق. وقال "نريد أن يسير الأمر في أجواء إيجابية. نريد أن يخطو الأكراد خطوة نحو سوريا جديدة، يشعر فيها الجميع بالمساواة، دون سفك دماء أو معاناة، وتُصان فيها هويتهم وحقوقهم، وخاصة ممتلكاتهم ومواطنتهم وثقافتهم". وفي 10 مارس/آذار الماضي، وقّع الرئيس الشرع، ومظلوم عبدي، اتفاقا لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وتأكيد وحدة أراضي سوريا، ورفض التقسيم. التعاون الدفاعي وعن التعاون المحتمل بين تركيا وسوريا في مجال الدفاع، أوضح فيدان أنه "لا يوجد شيء أكثر طبيعية من التعاون بين البلدين في مجال الدفاع، وخاصة في مكافحة الإرهاب"، وأكد أن سوريا تحتاج إلى دعم ومساعدة فنية جدية في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة الأساسية، وخاصة القوات المسلحة. وأشار فيدان إلى أنه من غير الممكن توفير الأمن والنظام والخدمات إذا لم يتم إعادة هيكلة مؤسسات الدولة في سوريا، وقال إن هناك مشكلات في الصحة، والتعليم والنقل والطاقة وأن أنقرة تسعى، بالتعاون مع دول المنطقة، إلى معالجتها شيئا فشيئا. وأضاف الوزير التركي، على القوات المسلحة السورية الوصول إلى مستوى معين من القدرة في مرحلة ما لحماية حدودها، ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ومكافحة الإرهاب، ومنع التهديدات الأخرى في المنطقة؟ والأربعاء أعلنت وزارة الدفاع التركية، أن الحكومة السورية طلبت دعما رسميا من أنقرة لتعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة.

رسالة من داخل غزة عن معركة ما بعد انتهاء الحرب
رسالة من داخل غزة عن معركة ما بعد انتهاء الحرب

الجزيرة

timeمنذ 41 دقائق

  • الجزيرة

رسالة من داخل غزة عن معركة ما بعد انتهاء الحرب

مع فجر يوم جديد من أيام محرقة غزة، تسللت الشمس من بين سحب الدخان والغبار والنار، حاملة معها ما ظننّاه بصيص أمل يُنير ليل محنتنا العميقة. لكن خلف ذلك الضوء الخافت، ظل الألم والحصار والدمار والقتل مستمرًا بلا هوادة. أمامي، كانت مئات عناصر العصابات الإجرامية تحاصر الحي، والآليات العسكرية تنتشر في المباني المجاورة التي تحولت إلى نقاط مراقبة وتدمير، في ظل قصف لا يتوقف، يُمطرنا بقذائف تهدم كل ما حولنا. تحصّنا معًا في أماكن ضيقة، نتلو الأذكار والدعاء، نحاول كبح موجة الرعب التي تعلو مع كل انفجار يهدم عمارة، ليسحق معها أحلامنا وطموحاتنا. ولم يقتصر الدمار على الحجر فقط، بل تعدّاه إلى إحراق المباني وتحويل المساجد والمدارس إلى مراكز تعذيب وتحقيق، عقب طرد النازحين منها بالقتل والتشريد، مما عمّق شعورنا بالعزلة والظلم. مع تصاعد القصف والاشتباكات، أصبح منزلنا أنقاضًا تحوَّلت إلى ثكنة تتعرض للقصف من كل الاتجاهات. نعيش لحظات رعب مستمر وسط ظلام دامس بسبب قطع الكهرباء ومنع المحروقات، فضلًا عن نقص الغذاء، في محاولة لإبادة "الحيوانات البشرية" كما أعلن كبيرهم الذي علّمهم السحر. من شقوق الركام والخراب، رأيت- أنا وأولادي الذين استشهدوا تباعًا بعد ذلك- نساءً وأطفالًا يخرجون ملوّحين بالرايات البيضاء، بينما كان الرجال، وأحيانًا النساء، يواجهون مصير الإعدام أو الاعتقال. تبعناهم بتردد، رغم الخطر المحدق، في لحظات نادرة أمطرت فيها السماء، وأخفقت طائرات الاستطلاع في اصطياد كل متحرّك. ومع اتساع رقعة الدمار الممنهج، تحوّل النزوح إلى حالة دائمة. وعندما عدنا إلى ما كانت شقتنا في عمارة سكنية، بدا المشهد كابوسيًا: إبادةً تامة، وركامًا متراكمًا، وأطلالًا بدت وكأنها اجتُثّت بأمواج تسونامي. غرقنا جميعًا في بحر من الألم والهمّ، وسط صمت عالمي مريب، وانعدام تام لأي موقف فعلي، حتى بدا أن هذه المحنة الأشد في تاريخنا لن تجد سبيلًا إلى النهاية. من موقع المسؤولية، خضنا مرارًا تجربة إعمار غزة بعد كل عدوان صهيوني، حيث واجهتنا عقبة كبرى تمثلت في منع الاحتلال دخول الأسمنت ومواد البناء الأساسية. دفعنا ذلك إلى البحث عن حلول بديلة، فكان الركام المنتشر في كل مكان فرصة مؤلمة لكنها بداية جديدة. قمنا بإعادة تدوير أنقاض المنازل المدمرة وتحويلها إلى حجارة بناء باستخدام آلات بسيطة وجهد يدوي، كما عدنا إلى استخدام البناء الطيني (لم يصمد طويلًا مع المطر) في بعض المناطق، مستلهمين من تراثنا المعماري أدوات مقاومة صامدة في وجه الحصار والعدوان. كانت هذه التجربة مريرة ولا توفر حلًّا شاملًا، لكنها أسست لنهج إعمار بديل لا يعتمد على شروط الاحتلال، بل على إرادة الحياة. ظهرت بذلك بدائل محلية وإبداعية تعتمد على مواد بناء محلية ومعاد تدويرها، وإستراتيجيات بناء مستدامة تقلل الاعتماد على الموارد المحظورة. وشملت هذه البدائل تقنيات صديقة للبيئة، ومشاريع منخفضة التكلفة تلبي الاحتياجات الإسكانية والمجتمعية، معززة روح المقاومة والابتكار رغم كل العراقيل. لم تكن معركة الإعمار أقل قسوة من الحرب ذاتها، فهي لم تكن مجرد إعادة بناء ما تهدم من منازل ومرافق، بل مجابهة شاملة لدمار البنية التحتية والنسيج الاجتماعي، وسط حصار خانق يمنع دخول مواد البناء، وتوترات سياسية داخلية تعيق التنسيق وتعرقل المبادرات. ورغم هذه المعوقات، شهدنا جهودًا محلية ودولية صبورة لترميم المنازل، ومشاريع عربية خففت جزئيًا العبء، ساهمت في خلق فرص عمل وإنعاش محدود للاقتصاد. ويبقى الأثر الأعمق للإعمار هو أن كل جدار يُعاد بناؤه، وكل مدرسة تُفتتح، تأكيد على حقنا في الحياة ورفضنا للفناء. فأصبح الإعمار فعل مقاومة يتجاوز الحجر إلى إرادة شعبية صلبة وتخطيط مستدام يُصر على الانبعاث من بين الركام. لكن مع الأسف يومها، تحوّل ملف إعمار غزة إلى ساحة صراع نفوذ بين أطراف عربية ودولية، والسلطة الفلسطينية، ليست بدافع إنساني بحت، بل للاستحواذ على عوائد مالية ضخمة ومكاسب سياسية محتملة. هذا التنافس أفضى إلى تعقيد الإجراءات، وفرض اشتراطات سياسية، وتباطؤ في التنفيذ، ما ضاعف معاناة الناس وعمّق فجوة الثقة بين السكان والمؤسسات الرسمية والدولية. الدمار اليوم في غزة ليس كسابقاته؛ إنها إبادة شبه كاملة للحجر، حيث تجاوزت كمية المتفجرات المستخدمة قنابل نووية، مع تدمير ممنهج يشجع المقاولين الصهاينة على هدم المنازل مقابل مكافآت مالية، ما أوجد حالة تنافسية في التخريب تصل إلى حد الإبادة العمرانية. وقد وثّقت التقارير الأممية ومنظمات حقوق الإنسان حجم الدمار الهائل الذي ناهز 75% من بنيان غزة، مؤكدين أن إعادة الإعمار واجب قانوني يقع على الاحتلال باعتباره المسؤول الأول وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وقرارات الأمم المتحدة. ولا بد أن تتم عملية الإعمار خارج إطار الرقابة أو الاشتراطات السياسية التي يفرضها الاحتلال، لضمان العدالة والسرعة وكرامة الفلسطينيين الذين واجهوا حرب إبادة ببسالة وصبر. في محرقة غزة المستمرة، الإعمار أكثر من بناء منازل أو مرافق؛ هو صمام أمان يحفظ وجود الفلسطينيين على أرضهم ويحول دون تفريغهم القسري. كل منزل يُعاد وكل مدرسة تُصلح يعني استمرار الحياة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، في ظل سياسة الاحتلال التي تستهدف التهجير بالقوة عبر التدمير الممنهج والضغط الاقتصادي. يُعتبر الإعمار وسيلة عملية لمواجهة هذا المخطط، إذ يحد من موجات النزوح ويعزز فرص البقاء. كما أن بناء المؤسسات التعليمية والصحية يعزز ثقة السكان بمستقبلهم ويدفعهم لرفض التهجير القسري. في هذا الإطار، يتحول الإعمار إلى إستراتيجية مقاومة حيوية تثبت حق الفلسطينيين في العيش بكرامة على أرضهم. يمثل إعمار غزة تحديًا متجددًا يعكس عمق المأساة الإنسانية والسياسية؛ فالدمار لا يطال فقط البنية التحتية بل يمتدّ إلى روح الجماعة ومقومات الصمود، حيث أُلحِق ضرر واسع بالمنازل، المستشفيات، المدارس، وشبكات المياه والكهرباء. ومع كل جولة عدوان، تتفاقم الكارثة مع دمار غير مسبوق وشمولي، مخلفة كارثة إنسانية تمسّ ملايين الفلسطينيين، نصفهم أطفال. هذه المعركة ليست هندسية أو إنشائية فقط، بل هي صراع متعدد الأبعاد: سياسي، اقتصادي، إنساني، ومجتمعي، يقوم على مقاومة التهجير والتدمير عبر إرادة البناء والتجدد. أصبح الإعمار رمزًا للصمود وتعبيرًا عن الإرادة الجماعية في مواجهة الإبادة البطيئة. ورغم التحديات، مطلوب أن تظهر غزة مرونة كبيرة بتبني إستراتيجيات متنوعة، تشمل مساعدات إنسانية، مبادرات محلية، ومشاريع بأموال عربية، وغيرها. ومع ذلك، هناك عقبات هيكلية ستعيق الإعمار، أبرزها استمرار الحصار المتوقع تشديده والذي يقيّد دخول مواد البناء ويشل الحركة التجارية، إلى جانب الانقسام السياسي الفلسطيني الذي يعرقل التنسيق الموحد. على الصعيد الدولي، التمويل محدود ولا يرقى إلى حجم الكارثة، مما يجعل الاستجابة دون المستوى المطلوب. في ظل هذه الظروف، من الضروري فتح أفق الإبداع نحو إعمار مستدام، عبر استخدام تقنيات صديقة للبيئة ومواد بديلة تقلل الاعتماد على الموارد المحظورة. هذه التحولات تنعكس إيجابيًا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي من خلال خلق فرص عمل وتحسين البيئة المعيشية. إعمار غزة ليس مجرد استجابة إنسانية، بل معركة قانونية وأخلاقية ووجودية تتطلب شراكة دولية جريئة تضع حدًا للتقاعس وتكف يد الاحتلال عن تعطيل الإعمار. لا يمكن النظر إلى هذا الملف كإجراء تقني معزول، بل كقضية إنسانية نضالية تستدعي حشدًا فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا لتحرير الإعمار من الحسابات السياسية، ومنحه بُعده الحقيقي كحق لشعب يستحق الحياة والكرامة. إن إعمار غزة هو فعل مقاومة وتجديد لعقد الحياة وسط الموت، ورسالة وطنية تتحدى محاولات السحق والتغييب. مشروع جامع يتطلب إرادة فلسطينية موحدة، إدارة مهنية شفافة، وتكاملًا بين المؤسسات الرسمية، المجتمع المدني، والدول الصديقة، على قاعدة العدالة والكرامة الوطنية. نجاحه مرهون بتكثيف الضغط الدولي على الاحتلال وتحميله المسؤولية القانونية والمالية عن جرائمه. هذه الوثيقة تمثل إستراتيجية لإعادة إعمار غزة، ترتكز على مبادئ العدالة والكرامة، وتحمل الاحتلال المسؤولية، وتدعو إلى شراكة دولية فاعلة تعيد الحياة لغزة وتؤسس لمرحلة جديدة من التعافي والبناء، تليق بتضحيات أهلها، وتحافظ على جذوة البقاء مشتعلة في وجه آلة الإبادة. في قلب هذه الأرض التي عانت، وعلى أنقاض مدينة صمدت رغم المحن، ينبثق نور الأمل من بين ركام الدمار. غزة، المدينة التي لم تنكسر رغم كل العواصف، تقف اليوم على مفترق طرق بين الموت والبقاء، بين الخراب والنهضة. طريق إعمار غزة ليس مجرد مشروع بناء حجارة وأسمنت، بل ملحمة تُكتب فيها فصول جديدة من الصمود والعزيمة، وتحكي قصة وطن لا يقبل أن يُمحى من الذاكرة. هذا الطريق يتطلب أكثر من الإرادة؛ يحتاج رؤية متكاملة تجمع بين العدالة والتنمية، بين التحدي والتخطيط، بين الحقوق والقوة. إنه مسار يستند إلى حقوق مشروعة وأحلام كبيرة لشعب يستحق الحياة والكرامة. إعلان من خلال هذه الرؤية، نرسم خارطة طريق لإحياء غزة، ليس فقط كمدينة تُبنى من جديد، بل كرمز حي للمقاومة وأيقونة للبقاء في وجه محاولات الطمس والتهجير. معًا، سننطلق على هذا الطريق، مدفوعين بإيمان راسخ بأن إعادة إعمار غزة هي انتصار للإنسانية وتجسيد لإرادة لا تنكسر مهما طال الظلام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store