
الحرب تُبرمج: الذكاء الاصطناعي يربك قواعد القانون الدولي
في عالم تُدار فيه المعارك بخوارزميات، وتُتخذ فيه قرارات إطلاق النار دون تدخل بشري، تظهر أنظمة قتالية ذاتية، تحلل وتختار وتنفّذ الهجوم خلال أجزاء من الثانية.. لم تعد الآلة تطيع، بل بدأت تأمر! وهكذا تنتقل حياة الإنسان من أن تكون مسؤولية سياسية أو عسكرية إلى أن تصبح ناتجًا لخوارزمية لا تملك ضميرًا، ولا تحاسب على خطأ.
في هذا الواقع المتسارع، يقف القانون الدولي حائرًا أمام سؤال مصيري: من يحاسَب حين ترتكب الآلة مجزرة؟ ولفهم خطورة هذا التحول، لا بد من العودة إلى المفهوم الجوهري الذي بات يتصدر هذا الجدل القانوني والأخلاقي.
أولًا: ما المقصود بالأسلحة الذاتية القاتلة؟
الأسلحة الذاتية القاتلة (LAWs) قد تكون قادرة على تحديد الهدف، وتقييم الخطر، وتنفيذ الهجوم، كل ذلك خلال أجزاء من الثانية، وبلا مراجعة بشرية، تشمل هده الفئة طائرات بدون طيار، وروبوتات برية مسلحة، وأنظمة بحرية ذاتية التشغيل. ويختلف ذلك عن "الأسلحة الموجهة" التي تحتاج لتأكيد بشري في لحظة إطلاق النار.
ثانيًا: من يتحمّل المسؤولية القانونية؟
وفقًا للقانون الدولي الإنساني، يخضع استخدام القوة لمبادئ أساسية مثل التمييز، والتناسب، والضرورة العسكرية. لكن عندما تكون الآلة هي التي تتخذ قرار القتل، تظهر أسئلة شائكة :
من يتحمل المسؤولية عند ارتكاب مجزرة؟ أهو المبرمج، أم القائد العسكري، أم الدولة؟ كيف يمكن التحقيق في "نية" الخوارزمية؟ هل يمكن أن تُحاكم آلة على "قراراتها" القتالية؟
ماذا عن القائد العسكري؟ في القانون الدولي، القائد مسؤول عن الأوامر التي يصدرها. لكن ماذا لو لم يكن هو من أعطى الأمر النهائي، بل كانت "الخوارزمية"؟
ماذا عن المبرمج أو الشركة المصنّعة؟ يمكن تحميلهما مسؤولية مدنية، لكن من الصعب إثبات "النية الجنائية" أو "القصد"، وهما عنصران أساسيان في القانون الجنائي الدولي.
ماذا عن الدولة المستخدمة؟ هذه أقوى الاحتمالات؛ إذ إن القانون الدولي الإنساني يُحمّل الدولة المسؤولية عن أعمال قواتها أو أدواتها. لكن في حالة العمليات ذاتية القرار، قد تحاول الدولة التنصل بحجة "خطأ تقني" أو "سلوك غير متوقع".
النتيجة: نحن أمام فراغ قانوني خطير؛ فالقانون لا يحدد بعد من هو الفاعل القانوني حين تكون الآلة هي من قررت القتل.
القانون الجنائي يعتمد على الركن المعنوي (القصد أو الإهمال)، لكن الخوارزمية ليست كائنًا عاقلًا.. فكيف يمكن مساءلتها؟ أيُعدُّ الخطأ في البرمجة جريمة؟
ثالثًا: هل يمكن محاكمة خوارزمية؟
قانونيًّا، لا يمكن محاكمة خوارزمية، لأنها ببساطة ليست كيانًا قانونيًّا؛ فهي ليست شخصًا طبيعيًّا يمكن مساءلته جنائيًّا، ولا شخصًا معنويًّا يملك ذمة قانونية مستقلة، كما أنها لا تملك نية أو وعيًا، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها أو تمثيل ذاتها أمام محكمة. وبالتالي، فإنها لا تخضع لأي من المبادئ الأساسية للمسؤولية الجنائية الفردية المعروفة في القانون الدولي أو الوطني.
وعليه، لا تحاسَب الخوارزمية نفسها، وإنما يُوجَّه النظر نحو من صمّمها أو شغّلها أو أمر باستخدامها. لكن الإشكال القانوني الخطير يظهر عندما لا تتوفر نية إجرامية مباشرة، أو تقصير واضح من قبل أي عنصر بشري، فتدخل المساءلة في منطقة رمادية يصعب ضبطها قانونيًّا.
لهذا السبب، يطالب كثير من الخبراء القانونيين والحقوقيين بإعادة التفكير في قواعد المسؤولية، واقتراح مفاهيم جديدة مثل "النية الآلية"، أو على الأقل فرض مبدأ دائم يُلزم بوجود "إشراف بشري هادف" (Meaningful Human Control) في كل قرار تتخذه الأنظمة القتالية الذاتية. وبدون ذلك، سيبقى القانون في موقع المتفرج أمام "قتل آلي" بلا محاسبة.
رابعًا: كيف نقيّم "نية" الآلة؟
القانون الجنائي يعتمد على الركن المعنوي (القصد أو الإهمال)، لكن الخوارزمية ليست كائنًا عاقلًا.. فكيف يمكن مساءلتها؟ أيُعدُّ الخطأ في البرمجة جريمة؟ أم إن انحياز الخوارزمية في تحديد الأهداف هو نتيجة لبيانات منحازة؟ هذا يعقّد مسألة المسؤولية الفردية، ويُظهر الحاجة لإعادة تعريف النية في سياق الذكاء الاصطناعي.
هل يمكن للقانون الدولي أن يُخضع التكنولوجيا لأحكامه؟ أم سنشهد ميلاد حروب بلا قانون؟
القانون الدولي، عبر تاريخه، أثبت قدرته على التطور بعد الكوارث لا قبلها.. تأسس ميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وجاءت اتفاقيات جنيف ردًّا على الجرائم الجماعية، وتم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بعد فظائع البوسنة ورواندا. لكن ذلك كان دائمًا رد فعل أكثر مما هو استباق.
اليوم، الذكاء الاصطناعي لا يمنحنا هذه "الرفاهية الزمنية"؛ فالآلة التي تتخذ قرار القتل دون بشر تُعيد تعريف الحرب، والمسؤولية، والنية، والعدالة. وهي تفعل ذلك قبل أن يتشكل لها إطار قانوني ناظم.
إذًا، نعم، يستطيع القانون الدولي أن يُطوّر نفسه، لكنه لم يفعل ذلك بعد. وحتى الآن، معظم ما يُطرح هو توصيات غير ملزمة، وجدل فلسفي أكثر منه أدوات ضبط حقيقية.
هل نشهد ميلاد "حروب بلا قانون"؟
جزئيًا.. نعم، حين تُستخدم طائرات مسيرة في اغتيال خارج ساحة المعركة، دون إعلان حرب، وبلا مسؤولية قانونية واضحة، وحين تبرمَج خوارزميات لتحديد "أنماط التهديد"، فتستهدف أشخاصًا بسبب حركتهم أو صورتهم الحرارية، فنحن عمليًّا ندخل منطقة رمادية جديدة: حروب بلا قانون، وبلا قاضٍ، وبلا مدنيين محميين فعليًّا.
القانون لم يختفِ لكنه لم يعد يسيطر، والذكاء الاصطناعي صار في بعض الحالات أقوى من كل المواثيق.
نحن في عصر تتسارع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصبح حاسمة في ساحات الحرب، يقف القانون الدولي أمام تحدٍّ وجودي
سادسًا: معركة القانون.. أم معركة الكرامة الإنسانية؟
إنها الاثنتان معًا، لكنها في الجوهر معركة على جوهر إنسانيتنا.
من يُقرر القتل؟ في القانون، الإنسان هو من يُقرر.. وفي التكنولوجيا، القرار انتقل إلى الخوارزمية! إننا نُخاطر بأن نُعطي الحق في إنهاء الحياة لكيان لا يعي معنى "الحياة" أصلًا.
إعلان
من يُحاسب؟ لا أحد.. كل طرف يشير إلى الآخر: القائد يقول "اتّبعنا البرمجة"، والمبرمج يقول "نفذنا الأوامر"، والدولة تقول "الآلة أخطأت". وإذا استمر كل طرف يُحمّل الآخر المسؤولية -القائد للبرمجة، والمبرمج للدولة، والدولة للآلة- فإن النتيجة الحتمية هي القتل بلا مساءلة.
ختامًا، نحن في عصر تتسارع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصبح حاسمة في ساحات الحرب، يقف القانون الدولي أمام تحدٍّ وجودي. إما أن يتطور ليضبط هذا الواقع الجديد، أو نشهد ولادة حروب بلا ضوابط، حيث تُتخذ قرارات القتل بلا ضمير، وتغيب المحاسبة.
الإنسانية لا تحتمل أن يُترك مصيرها لمعادلات رقمية، والقانون لا بد أن يظل الحصن الحامي لكرامتها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
أطفال غزة بين الموت جوعا وأكل الرمال
بينما تكاد حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة تقفل عامها الثاني يعيش القطاع فصلا أكثر كارثية لا يفرق بين رضيع ومسن يتمثل بسلاح صامت هو التجويع. فمنذ فجر أمس الأحد بلغت تبعات التجويع أشدها مع إعلان أكبر عدد من الوفيات بين صفوف الفلسطينيين الجائعين في غزة، سواء نتيجة مضاعفات سوء التغذية بحد ذاتها أو بالرصاص الإسرائيلي الذي يلقاه المجوعون في مناطق توزيع المساعدات الأميركية الإسرائيلية. وتناقل نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مشاهد مروعة تعكس المرحلة الكارثية من التجويع التي يعيشها الفلسطينيون في غزة جراء الحصار الإسرائيلي الخانق المفروض على القطاع، وتنوعت بين من يموت جوعا ومن يأكل ما تيسر له حتى لو كان حفنة تراب. وفي مشهد مؤلم، تداول ناشطون مشهدا مصورا لطفلة بجانب خيمة نزوح في مدينة غزة شمال القطاع وهي تأكل الرمال من شدة الجوع. ووفق ما يبدو من المشهد، غالبا لا يتجاوز عمر الطفلة 5 سنوات، تجلس وسط ركام وتتناول الرمل من الأرض بواسطة حجر يناسب حجم أناملها الصغيرة، ليتحول الحجر إلى ملعقة والرمل غذاء في زمن الإبادة. مجازر المجوعين وفي مشهد مؤلم آخر تداوله ناشطون على مختلف المنصات يظهر والد مفجوع في منطقة زكيم شمال قطاع غزة وهو يبكي بحرقة ابنه الذي استشهد بالرصاص الإسرائيلي وهو جائع يحاول الحصول على مساعدات. وفي المشهد يبدو الطفل مضرجا بدمائه وقد استسلم للموت هزيلا جراء التجويع الذي حكمت به إسرائيل على الفلسطينيين في القطاع معتمدة إياه سلاحا إضافيا يسرّع الإبادة الجماعية بحقهم. ولم يكتفِ الجيش الإسرائيلي بتجويعه وغيره من فلسطينيي القطاع، بل قتله بالرصاص بالقرب من إحدى نقاط توزيع المساعدات التابعة لما تسمى " مؤسسة غزة الإنسانية". "جرائم نازية" كما أكد ناشطون وفاة المعاق محمد السوافيري جراء سوء التغذية الناتجة عن الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة. وعلقت على ذلك المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين فرانشيسكا ألبانيزي، حيث شبهت تعّمد إسرائيل تجويع مليوني إنسان وقتل الأطفال في قطاع غزة بالجرائم النازية. وقالت ألبانيزي عبر منصة إكس "جيلنا تربى على أن النازية كانت الشر الأعظم، وهي كذلك، وأن جرائم الاستعمار ما كان ينبغي أن تُنسى". وأضافت "أما اليوم فهناك دولة (إسرائيل) تُجوّع الملايين وتطلق النار على الأطفال من أجل المتعة تحت حماية الديمقراطيات والدكتاتوريات على حد سواء، وهذه هي هاوية الوحشية الجديدة، كيف سننجو من هذا؟". الغزيون ينهارون جوعا بدوره، نشر المرصد الأورومتوسطي على حسابه في إكس صورة لرضيع متوفى برزت ضلوعه من الجوع. وعلق المرصد على الصورة بالقول "طفل آخر يموت جوعا في غزة.. يحيى البالغ من العمر 3 أشهر فقط هو الطفل رقم 75 الذي تقتله سياسة التجويع الإسرائيلية". كما نشر رامي عبده مؤسس ورئيس المرصد الأورومتوسطي مشاهد مؤلمة تظهر فلسطينيي غزة ينهارون على الأرض من شدة الجوع بسبب اشتداد حصار الاحتلال واستمرار عدوانه. وفي وقت سابق أمس الأحد، قالت وزارة الصحة في غزة إن سياسة التجويع التي ترتكبها إسرائيل في القطاع أسفرت عن استشهاد 86 فلسطينيا -منهم 76 طفلا- جراء سوء التغذية الناتج عن منع دخول المساعدات إلى القطاع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأوضحت أن ذلك يعد مجزرة صامتة بحق الفلسطينيين في القطاع المحاصر منذ سنوات. ومنذ الثاني من مارس/آذار 2025 تغلق إسرائيل جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، مما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
صحيفة إسرائيلية: الجيش يشكو من نقص في قادة قواته البرية
قالت صحيفة معاريف إن الجيش الإسرائيلي يشكو حاليا من نقص يقدر بـ300 ضابط في مناصب قادة فصائل القوات البرية، وذلك في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة. وأوضحت الصحيفة أن نقص الضباط يتركز في سلاح الهندسة الذي يعاني من نقص حاد في قادة الفصائل وفرق الهندسة والتفكيك. وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن الجيش يقر بصعوبة إقناع الجنود ممن وصفتهم بذوي الكفاءة بالالتحاق بدورة الضباط. وليست هذه المرة الأول التي يتحدث فيها الإعلام الإسرائيلي عن نقص في صفوف قوات الجيش مع مواصلته الحرب على غزة وتعرض قواته لهجمات من مقاتلي المقاومة الفلسطينية في مختلف محاور التوغل في القطاع. فقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن الجيش الإسرائيلي في وقت سابق أن لديه نقصا بنحو 10 آلاف جندي بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة وعدم فاعلية مساعي تجنيد اليهود المتشددين (الحريديم). وقالت الصحيفة إن الجيش الإسرائيلي بدأ إجراء تعديل يلزم الجنود بالبقاء بعد انتهاء خدمتهم النظامية بسبب نقص العدد، وأوضحت أن الأمر العسكري يفرض على الجنود النظاميين الخدمة في الجيش 4 أشهر إضافية. كما دفع جيش الاحتلال في أوقات سابقة بجنود لم يكملوا تدريبهم إلى غزة للمشاركة في حربه على غزة، نظرا لنقص الأعداد في صفوفه، وفق ما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية. وفي الأشهر الماضية، تحدث الجيش عن نقص في الجنود النظاميين بسبب عدم تجنيد الحريديم، وعزوف ما بين 30% و40% من جنود الاحتياط عن الخدمة لأسباب بينها الإرهاق من طول الحرب، حسب إعلام إسرائيلي. ويُتهم جيش الاحتلال بإخفاء خسائره الحقيقية في غزة، رغم إقراره من حين لآخر بمقتل وإصابة ضباط وجنود له، وذلك ضمن حربه المدمرة المستمرة على القطاع. وقد تصاعدت عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال في محاور التوغل، إذ قُتل 39 جنديا وضابطا في غزة -وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية- منذ استئناف إسرائيل الحرب على غزة في 18 مارس/آذار الماضي، بعد تنصلها من اتفاق يناير/كانون الثاني 2025 لوقف إطلاق النار. ومؤخرا خصصت وسائل إعلام إسرائيلية مساحة لتصاعد مقتل الجنود في غزة في المواجهات أو بالانتحار بفعل ضغوط الحرب عليهم، بينما تحاول الحكومة تمرير قانون التجنيد الذي يعفي عشرات الآلاف من الحريديم من الخدمة العسكرية.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
فلسطينيو 48 في مواجهة العاصفة من جديد
يعاني فلسطينيو 1948 مزيدا من القمع العنصري والترهيب ومصادرة الأراضي وهدم المنازل بحماية من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية)، وزادت هذه الممارسات بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وشكلت محاولة الائتلاف الحكومي لتمرير مشروع قانون إقصاء النائب أيمن عودة، رئيس تحالف الجبهة والعربية للتغيير من الكنيست أجلى صورة لهذه الممارسات، وطالب 73 عضوا من الائتلاف وأطراف في المعارضة بطرده، لكنهم لم يتمكنوا من تأمين 90 صوتا من أصل 120، وهي الأغلبية المطلوبة قانونيا لإقصاء نائب منتخب. ويثير هذا التطور -بحسب محللين- تساؤلات جوهرية عن مستقبل فلسطينيي 48 ومشاركتهم السياسية في الكنيست، ويعيد الحديث عن التحديات والمخاوف التي تواجههم في ظل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة. يبلغ تعداد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر نحو 2.1 مليون ويمثلون ما يقارب 21% من عدد سكان إسرائيل. وتم حصر وجودهم في مناطق معينة نتيجة للحكم العسكري الذي استمر من (1948-1966)، والذي قيّد حركتهم وصادر أراضيهم، إضافة للمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في 1948 وهدفت إلى تهجيرهم من مناطقهم. ومنذ عام 1948، صودر أكثر من 90% من أراضي الفلسطينيين في الداخل بموجب "قوانين الغائبين" و"أملاك الدولة"، والتي بموجبها يتم منع توسع البلدات العربية ورفض طلبات البناء حتى الآن. ويقول رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي وعضو الكنيست السابق سامي أبو شحادة للجزيرة نت، إن إسرائيل تعاملت مع المواطنين العرب داخلها كأعداء منذ النكبة وليس فقط منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومنذ قيام دولة الاحتلال سنت الحكومة الإسرائيلية مجموعة من القوانين التي ضيقت بها الخناق على فلسطينيي 1948 وسلبت فيها حقوقهم، ومن أبرزها: إعلان قوانين أملاك الغائبين (1950): التي صودرت بموجبها أراضي وممتلكات مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين ومهجّري الداخل، إذ يمتلك الفلسطينيون فقط 9% فقط من الأراضي داخل إسرائيل رغم أنهم يشكلون 21% من عدد السكان. قانون لجان القبول (2011): الذي يسمح لليهود في المستوطنات الصغيرة برفض سكن العرب بينهم بدعوى "عدم الملاءمة الاجتماعية والثقافية". قانون إقصاء أعضاء الكنيست (2016): يتيح طرد أي عضو كنيست يُتهم بدعم "الإرهاب" أو إنكار "يهودية الدولة"، وهو موجّه بالأساس ضد النواب العرب. قانون الولاء في الثقافة (2018): يهدد بقطع التمويل عن مؤسسات ثقافية إذا "أنكرت وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية". قانون القومية اليهودية الذي سن في عام 2018: ذروة قوانين الفصل العنصري إذ ينص القانون على أن حق تقرير المصير في البلاد حصري للشعب اليهودي، كما يدعم الاستيطان اليهودي كقيمة وطنية، ويخفض مكانة اللغة العربية من لغة رسمية إلى "لغة ذات مكانة خاصة". ويُقصي المواطنين العرب ويكرّس التمييز البنيوي ضدهم. وهناك قوانين تقييد الحقوق السياسية لفلسطينيي الداخل، ومن الأمثلة عليها قوانين ترفع نسبة الحسم في الانتخابات، مما يصعّب على الأحزاب العربية اجتيازها. View this post on Instagram A post shared by الجزيرة نت (@ إضافة إلى عدة قوانين تشجع تهجير البدو في النقب ، كـ "خطة برافر" التي جُمّدت لاحقًا بفعل الاحتجاجات، كما سنت قوانين تستهدف حرية التعبير والتنظيم لفلسطينيي الداخل ومنها: قانون مقاطعة المستوطنات (2011): الذي يفرض غرامات ويتيح مقاضاة من يدعو لمقاطعة المستوطنات أو إسرائيل، إضافة إلى قيود على ذكر النكبة وتمويل الفعاليات التي تحييها. قانون الجمعيات (2016): يستهدف منظمات المجتمع المدني، وغالبًا ما يلاحق الجمعيات الحقوقية الفلسطينية. قوانين تسهيل هدم منازل الفلسطينيين بذريعة "البناء غير المرخص"، مع تعقيد كبير في منح التراخيص للعرب. كما تتصاعد إجراءات التمييز في ميزانيات التعليم، والخدمات البلدية، والبنية التحتية، مما يكرّس الفجوة بين اليهود والعرب. ويضاف إلى ذلك، القانون الذي يهدف للتأثير على التوازن الديموغرافي لفلسطينيي 1948، ويطلق عليه قانون المواطنة (لمّ الشمل)، ويمنع لمّ شمل عائلات فلسطينية إذا كان أحد الزوجين من الضفة الغربية أو غزة. ويصف الأكاديمي وعضو الكنيست السابق جمال زحالقة في تصريح خاص للجزيرة نت، "التعامل العنصري مع فلسطينيي 1948، بأنه جزء من بنية النظام، وليس مجرد سياسة لهذه الحكومة أو تلك، ويتجلّى ذلك في مجموعة من القوانين الرسمية التمييزية وفي السياسات والممارسات، التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية منذ إقامة الدولة الصهيونية. وأضاف أن كثيرا من القوانين تطبق تطبيقا عنصريًا، ومنها قوانين مصادرة الأراضي، التي تبدو ظاهريا محايدة ولا تتطرق إلى اليهود وإلى العرب، لكنّها تطبّق باتجاه واحد، وهو سلب الأراضي من العرب ومنحها اليهود، في إجراءات مركّبة، لكنّها واضحة الاتجاه. القمع بعد "السابع من أكتوبر" شهدت إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 موجة جديدة من القوانين والممارسات العقابية الموجهة ضد المواطنين العرب، تحت شعار "حفظ الأمن" أو "منع دعم الإرهاب"، لكنها فعليا زادت من التضييق والتمييز. وقد شهد شهر أكتوبر 2023 أكثر الإجراءات قسوة وعنصرية، وتم إقرار تعديلات على "قانون مكافحة الإرهاب" وشُددت العقوبات على أي تعبير عن الرأي، بمزاعم التأييد للإرهاب، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي. ووسع تعريف "التحريض" ليشمل حتى التعبيرات الرمزية، مثل رفع العلم الفلسطيني في مظاهرة، وقد سجلت كثير من حالات عديدة لفصل موظفين عرب من أماكن عملهم بسبب منشورات أو تعبيرات اعتُبرت مؤيدة للإرهاب. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 دفع الائتلاف الحكومي بمشاريع قوانين لتسهيل سحب الجنسية أو الإقامة من مواطنين عرب متهمين بدعم "الإرهاب" أو مخالفة الولاء للدولة، حتى دون محاكمة، بدعوى أن "مصلحة الدولة العليا" تبرر ذلك. في المقابل هددت إدارات الجامعات الإسرائيلية الطلاب الفلسطينيين بالفصل بسبب منشورات أو مشاركة في مظاهرات، كما شجعت وزارة التعليم الإسرائيلية المدارس على "مراقبة" المعلمين والطلاب العرب والتبليغ عن أي مواقف "مشبوهة". ووسعت صلاحيات الشرطة والمخابرات عبر الدفع بقوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود في البلدات العربية بغطاء "منع الشغب" إضافة إلى حملات تفتيش جماعية، حملات اعتقال، وإنشاء وحدات خاصة للتجسس على شبكات التواصل الاجتماعي في المجتمع العربي. وفي يناير/كانون الثاني 2024 طرح مقترحات تقييد تمويل أو حتى حظر أحزاب عربية بتهمة "دعم الإرهاب" أو "التشكيك في يهودية الدولة" والذي يهدف الى ملاحقة جمعيات أهلية عربية بدعوى تلقي أموال من جهات "معادية". وكان آخر هذه القوانين ما أقرته الهيئة العامة للكنيست 9 يوليو/تموز العام الماضي بالقراءتين الثانية والثالثة، الذي يمنع منح مكانة مدنية في إسرائيل لأقارب منفذي العمليات، وبموجب القانون، سيُمنع أفراد عائلات منفذي العمليات من دخول إسرائيل ضمن إجراءات لمّ شمل العائلات، وسيتم ترحيل من حصلوا بالفعل على إقامة مؤقتة. وبحسب المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل "عدالة" فقد اعتقل مئات الفلسطينيين داخل إسرائيل بسبب التعبير عن الرأي، ومنها معارضة استهداف الهجمات الإسرائيلية للمدنيين الأبرياء، التعبير عن التعاطف مع أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، الحديث عن العقوبات الجماعية وجرائم الحرب وتناقل الأخبار عمّا يحدث في غزة. ويشير رئيس قائمة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير عضو الكنيست أيمن عودة في تصريح خاص للجزيرة نت، إلى أن ما تقوم به إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول هي مخططات مبيتة مسبقًا وتستغل إسرائيل السابع من أكتوبر/تشرين الأول من أجل تمريرها. وأضاف أن "المخطط ضد غزة ونقل سكانها إلى سيناء كانت قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ورئيس الوزراء السابق إسحاق رابين كان يتمنى غرق غزة في البحر، والحكومة الإسرائيلية تستغل الأمر لتمرير سياسات ضد الشعب الفلسطيني". وقال إنه وتوازيا يتم استغلال الحرب ضد فلسطينيي 1948 من أجل إعادتهم الى مربع الحكم العسكري والذي يعني أن يصبحوا مواطنين غير شرعيين في العمل السياسي، "وأن نحبط من إمكانية التأثير، بالتالي تنخفض نسبة تصويتنا من أجل أن يبقى اليمين المتطرف في الحكم، مع سحب كل المكتسبات -وهي دائما كانت حقوق منقوصة- على مستوى حرية التعبير التي أنجزناها بنضالنا عبر عشرات السنين". الإهمال والفوضى ويعاني الفلسطينيون في إسرائيل من الفوضى والإهمال وانتشار الجريمة، وبحسب التقرير النصفي لعام 2025 لمركز "أمان" المركز العربي لمجتمع آمن، وهو مركز متخصص في حقوق الإنسان لفلسطينيي 1948، فقد ارتفعت للسنة الثالثة على التوالي أعداد ضحايا العنف والجريمة في المجتمع العربي منذ تولّي حكومة نتنياهو الحالية السلطة. وبحسب مسح جديد لبرنامج كونراد أديناور للتعاون اليهودي العربي في مركز موشيه ديان، لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب نشر مطلع هذا الشهر، أفاد 75.4% من المشاركين يشعرون بعدم الأمان الشخصي وانخفاض الحالة المزاجية، ويرجع ذلك أساساً إلى العنف في المجتمعات العربية والحرب المستمرة في غزة. ويقول زحالقة إنه منذ انتخاب حكومة نتنياهو الجديدة، زاد عدد القتلى على خلفية تفشي الجريمة بضعفين ونصف، وتصل معدلات القتل السنوية عند الفلسطينيين في إسرائيل إلى أكثر من 10 أضعاف المعدلات عند اليهود في إطار الدولة نفسها والشرطة هي الشرطة ذاتها، وهي تزيد عن نسبة جرائم القتل في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، والشعب هو الشعب نفسه والمجتمع هو المجتمع ذاته. وأضاف أن السبب لانفلات الجريمة، هو سياسات الدولة عموما وهذه الحكومة بالذات، التي لا تفعل شيئا يُذكر لمكافحة الجريمة ما يجعل المجرمين وعصابات الإجرام يفرضون حالة من انعدام الأمان وحتى الرعب في المجتمع الفلسطيني في الداخل. القمع السياسي منذ عام 1948 وحتى منتصف الستينيات، نشطت إسرائيل في تطبيق نظام قمعي ممنهج ضد الفلسطينيين يشمل الحكم العسكري، المصادرة، التحديات القانونية، التهجير، وتجريف القرى، بهدف اختزالهم إلى مجتمع محدود الحقوق ومقطع سياسياً تحت سيطرة الدولة. وقد فرض الحكم العسكري على فلسطينيي 1948 حتى عام 1966، مما حرمهم من حرية الحركة وأخضعهم لإجراءات استثنائية تتضمن الإقامة الجبرية، وتفتيش المنازل دون إذن قضائي، وفرض حظر تجوال متكرر إضافة لاستغلال قوانين الطوارئ لتنفيذ اعتقالات احتياطية بدون محاكمة والرقابة على النشاط السياسي، مع إمكانية الإبعاد أو منع العودة. وقد شكل التمثيل السياسي لفلسطينيي الداخل تهديدًا لإسرائيل، فتعقّبت القادة، وحرصت على تفكيك الأحزاب وتعزيز الفرقة بين القوى السياسية العربية ويقول زحالقة، إن هذه الحكومة تقوم بالملاحقة السياسية وتعمل على قمع الناشطين، الذي يحتجون على الحرب وعلى جريمة الإبادة الجماعية في غزة. لقد اعتقل المئات، وجميعهم تعرّضوا للتحقيق والسجن بتهمة التعبير عن الرأي، وتجري الاعتقالات بحجج واهية وتهدف إلى تكميم الأفواه ومنع الاحتجاج على جرائم الاحتلال والحرب. وأضاف أن الكنيست الإسرائيلي يسن عشرات القوانين العنصرية الهادفة إلى قمع العمل السياسي عند فلسطينيي الداخل، بالأخص في الجامعات، كما تقوم المؤسسة الإسرائيلية بتضييق الخناق على الأحزاب السياسية وعلى الجمعيات الأهلية. وجرت أخيرا محاولة لإبعاد عضو الكنيست أيمن عودة عن الكنيست، لمجرّد أنّه فرح لإطلاق سراح الأسرى "سواء كانوا إسرائيليين أم فلسطينيين" واتهم بارتكاب "جريمة المساواة بين المختطفين الإسرائيليين والمخربين الفلسطينيين"، وفق الوصف الإسرائيلي. من جهته، يصف شحادة أوضاع فلسطينيي 1948 بعد السابع من أكتوبر، "إن إسرائيل وجدت فرصة لزيادة محاصرة الأقلية الفلسطينية، وهناك ملاحقات سياسية واقتصادية ومنع لحرية التعبير عن الرأي، ومنع الحق في التظاهر وكل ذلك ازداد بشكل كبير جدا. وأضاف شحادة تتعامل الحكومة الإسرائيلية منذ بداية الحرب مع المواطنين الفلسطينيين على أساس أننا أعداء، فمنذ السابع من أكتوبر، أعلن نتنياهو أن فلسطينيي 1948 جبهة رابعة في الحرب، حينما قال، إن الجبهة الرابعة هي الجبهة الداخلية، وعلى هذا الأساس يتعامل نتنياهو ووزراؤه المتطرفون مع العرب الفلسطينيين منذ بداية الحرب. وأشار عودة الى مخططات حكومة نتنياهو من خفض نسبة الحسم والتي ستؤثر على الصوت العربي في الانتخابات القادمة وهي عامل مؤثر للأحزاب الفاعلة داخل الجمهور الفلسطيني داخل إسرائيل، فكلما كانت نسبة الحسم مرتفعة أكثر يساعد ذلك على توحيد كل القوى بينما عندما تهبط هذه النسبة فهناك من يفكر بأنه يستطيع أن يعبرها وحده، وهذا يؤدي الى تفتيت الصوت العربي.