
رحيل رأس الكنيسة الكاثوليكية وطقوس الفاتيكان: 10 أسئلة
عند رحيل بابا الفاتيكان لا تعامل الوفاة بوصفها مجرد حدث بيولوجي، بل ترافقها طقوس بالغة الدقة والرمزية، تعود في بعض جوانبها إلى قرون مضت. فالبابا ليس فقط رئيساً لدولة الفاتيكان الصغيرة، بل هو الحبر الأعظم، خليفة القديس بطرس، وقائد أكثر من مليار كاثوليكي حول العالم. ومع كل وفاة لبابا، تفتح صفحة من الطقوس الفريدة التي تجمع بين التقاليد الدينية، والاعتبارات السياسية، والرمزية العقائدية. من إعلان الوفاة بطرق استثنائية إلى تنظيم الجنازة، مروراً بمرحلة الحداد التي تختتم بانتخاب خليفة جديد داخل أسوار كنيسة السيستين تمضي الكنيسة الكاثوليكية وفق تقاليد صارمة وتوازن بين إرثها العريق والتحديات المعاصرة.
في هذا التقرير نستعرض عبر سلسلة من الأسئلة والأجوبة أبرز المراسم التي تشهدها الفاتيكان عند وفاة البابا، بدءاً بإعلان الوفاة والحداد الرسمي، وصولاً إلى انتخاب خليفة جديد، ونسلط الضوء على أبرز المرشحين المحتملين ونتناول ملامح الانقسام داخل الكنيسة الكاثوليكية بين التيارين التقدمي والمحافظ، وهو الانقسام الذي طبع بابوية فرنسيس منذ لحظاتها الأولى.
ما الطقوس التي تُجرى عند وفاة بابا الفاتيكان؟ وكيف يعلن رسمياً موته؟
عند وفاة البابا لا تعلن الوفاة مباشرة كما في الحالات العادية، بل يتم اتباع طقوس دقيقة تعود إلى العصور الوسطى، هدفها التأكد النهائي من الوفاة ومراعاة الجوانب الرمزية والروحية المرتبطة بمنصب البابا.
التقليد القديم يتضمن اقتراب الحاجب البابوي الخاص من جثمان البابا، حيث ينادي اسمه في المعمودية ثلاث مرات متتالية. بعد ذلك، يستخدم مطرقة صغيرة مصنوعة من الفضة، ويطرق بها بلطف جبهة البابا ثلاث مرات، فإذا لم يكن هناك رد فعل، يعلن رسمياً أمام الحاضرين: "البابا مات حقاً" (Vere Papa Mortuus Est).
ثم يتلو المزمور 130 المعروف بـ"مزمور التوبة": "من الأعماق صرخت إليك يا رب"، ويركع الجميع للصلاة. بعدها، يغطى وجه البابا بحجاب أبيض، ويستدعى الكهنة لمراقبة الجثمان.
هذا الطقس كان ضرورياً قديماً لغياب وسائل الطب الحديثة، إذ كانت هناك حوادث كثيرة دفن فيها أشخاص وهم على قيد الحياة. لذا كان الحرص مضاعفاً مع الحبر الأعظم، رئيس الكنيسة الكاثوليكية.
هل يتم تحنيط البابا بعد وفاته؟
التحنيط كان يجرى قديماً بعد 24 ساعة من الوفاة، حيث يفتح جسد البابا لاستخراج الأعضاء الداخلية، ويتم دفنها في أوعية فخارية بمدينة تريفي. ثم تجرى عملية التحنيط الكاملة ويلبس الجثمان ثوباً أبيض من الصوف ووشاحاً أحمر، إضافة إلى القبعة الحمراء "الكامورو".
بعد ذلك يعرض الجثمان في غرفة المجلس السري بالقصر الرسولي، حيث يتلى عليه المزامير والصلوات دون انقطاع، ويتاح للناس إلقاء النظرة الأخيرة حتى مساء اليوم الثاني بعد الوفاة، لكن طقس التحنيط هذا لم يعد معتمداً حالياً. فالبابا يوحنا الـ23 الذي توفي عام 1965، كان آخر بابا خضع للتحنيط التقليدي. وقد ألغيت هذه العادة لاحقاً بفضل استخدام مواد حديثة مثل الفورمالين التي تحقن في الجسم لتمنع التحلل طوال فترة الجنازة.
كيف تنظم مراسم جنازة البابا وما المدة التي يعلن خلالها الحداد؟
بعد انقضاء اليومين الأولين ينقل جثمان البابا إلى بازيليك القديس بطرس (الكاتدرائية البابوية الكبرى)، حيث يعرض لثلاثة أيام إضافية وسط تدفق الحشود من جميع أنحاء العالم لتوديعه.
في اليوم الرابع وحتى اليوم التاسع تقام طقوس صلاة يومية تعرف بـ"النوفيمدياليس"، وهي فترة الحداد الرسمية التي تستمر تسعة أيام. وتختتم هذه الفترة بالقداس الجنائزي الكبير الذي يقام عادة في ساحة القديس بطرس، لإتاحة مشاركة أكبر عدد من المشيعين. هذه الصلاة يترأسها عميد مجمع الكرادلة، وفي حال البابا فرنسيس، سيتولاها الكاردينال الإيطالي جيوفاني باتيستا ري، البالغ من العمر 91 سنة.
عقب الصلاة ينقل النعش إلى المقبرة البابوية، حيث يدفن قرب قبر القديس بطرس، إلا إذا أوصى البابا بموضع آخر.
هل غير البابا فرنسيس هذه الطقوس قبل وفاته؟
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أصدر البابا فرنسيس توجيهات جديدة لتعديل الطقوس التقليدية المرتبطة بجنازات البابوات، وتمت الموافقة الرسمية عليها في أبريل (نيسان) 2024. تهدف هذه التعديلات إلى تبسيط المراسم والتركيز على قيم الفقر والتواضع، ومن أبرز ما نصت عليه:
ألغيت ممارسة استخدام ثلاثة توابيت (من خشب السرو والرصاص والبلوط)، ليعتمد بدلاً منها تابوت واحد مصنوع من الخشب والزنك. كما سمح بأن يدفن البابا خارج كاتدرائية القديس بطرس، وهو ما شكل سابقة منذ أكثر من 300 عام.
وقد أوصى البابا فرنسيس بدفنه في كاتدرائية "مريم الكبرى" في روما، وهي كنيسته المفضلة التي اعتاد زيارتها قبل وبعد كل رحلة رسولية.
كيف ينتخب البابا الجديد؟ ومن يملك حق التصويت والترشح؟
بعد فترة حداد تمتد من 15 إلى 20 يوماً، يعقد مجمع الكرادلة (الكونكلاف) داخل كنيسة السيستين بمشاركة جميع الكرادلة الذين لم يبلغوا سن الـ80، ويفترض ألا يتجاوز عددهم 120.
يعزل الكرادلة عن العالم الخارجي منعاً لاستخدام الهواتف أو الإنترنت، وتجرى جولات من التصويت يومياً.
يحتاج المرشح إلى ثلثي الأصوات للفوز خلال الأيام الثلاثة الأولى، وإذا تعذر ذلك، تعتمد الغالبية البسيطة لاحقاً.
وفي حال فشل دورتين انتخابيتين متتاليتين يجمع الاقتراع ويحرق، فإذا تصاعد دخان أسود من المدخنة، فهذا يدل على عدم التوصل إلى قرار، أما إذا كان الدخان أبيض، فيعلن عن انتخاب البابا الجديد، الذي يختار اسمه البابوي ويطل من الشرفة المركزية في ساحة القديس بطرس ليتلو صلاة "أوروبي إت أوروبي".
من هم الكرادلة؟ وما دورهم في الكنيسة الكاثوليكية؟
الكرادلة هم "أمراء الكنيسة الكاثوليكية" يأتون من قارات العالم المختلفة، ويعرفون بزيهم الأحمر وقبعاتهم المربعة. ويشكلون الهيئة العليا التي تنتخب البابا في حال شغور الكرسي الرسولي. لا يتجاوز عددهم 120 كاردينالاً ناخباً، ويجب أن يكونوا دون سن الـ80 للمشاركة في الانتخاب. يجتمعون في كنيسة السيستين خلال ما يعرف بـ"الكونكلاف"، ويعزلون عن العالم الخارجي إلى حين اختيار البابا الجديد. البابا فرنسيس عين نحو 80 في المئة منهم، ما يعكس تأثيره في تركيبة المجمع وانتخاب خلفه.
من أبرز المرشحين لخلافة البابا فرنسيس؟
برزت أسماء قوية عدة من التيارات المختلفة داخل الكنيسة الكاثوليكية يتصدرهم الكاردينال الفيليبيني لويس أنطونيو تاجلي (67 سنة)، المدعوم من التيار التقدمي المؤيد لأجندة البابا فرنسيس، ثم الكاردينال الغاني بيتر توركسون (76 سنة)، المعروف بمواقفه الداعمة للعدالة الاجتماعية وحقوق المهاجرين.
ويبرز بعدهما الكاردينال الإيطالي بييترو بارولين (70 سنة)، وزير خارجية الفاتيكان منذ عام 2013، الذي يعد مرشحاً معتدلاً يتمتع بتأثير واسع في الدوائر الدبلوماسية. كما يظهر الكاردينال المجري بيتر إردو (72 سنة) كممثل للصوت المحافظ في أوروبا الشرقية، فيما يعد الكاردينال الإيطالي أنجيلو سكولا (83 سنة) من أبرز الشخصيات التقليدية المخضرمة في الكنيسة.
كيف عكست بابوية فرنسيس الصراع بين التيار التقدمي والمحافظ داخل الكنيسة الكاثوليكية؟
تمتع فرنسيس باحترام كبير على الصعيد العالمي، سواء لدعواته إلى العدالة الاجتماعية أو لمبادراته السياسية التي لم تخلُ من المخاطرة.
سعى البابا فرنسيس إلى جعل الكنيسة الكاثوليكية أكثر انفتاحاً وأقل ميلاً لإدانة المخالفين، متجنباً مظاهر الأبهة التقليدية المرتبطة بالبابوية، وهو ما أثار استياء المحافظين الذين اعتبروا توجهاته قطيعة مع تقاليد الكنيسة القديمة. وقد أدى انتخابه كأول بابا غير أوروبي منذ 1300 عام إلى تعميق الفجوة بين التيارين المحافظ والتقدمي، بخاصة في الولايات المتحدة، حيث تداخلت الكاثوليكية المحافظة مع الإعلام والسياسة اليمينية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما أبرز القرارات والمواقف التي فجَّرت الانقسام داخل الكنيسة الكاثوليكية خلال حبرية البابا فرنسيس؟
طوال سنواته الـ12 على رأس الكنيسة أثار البابا فرنسيس موجة انتقادات غير مسبوقة، لا سيما من المحافظين داخل الفاتيكان وخارجه. وفي عام 2021، أصدر مرسوماً بعنوان "حراس التقاليد" قلص بموجبه استخدام القداس اللاتيني المعروف بـ"التريدنتيني"، مما أثار غضب المدافعين عن الطقوس القديمة. كما شكل موقفه المنفتح من الهجرة نقطة صدام حادة، إذ اتهمته جهات كاثوليكية قومية بـتهديد "الهوية المسيحية" لأوروبا.
في المقابل واجه البابا تمرداً غير معلن من بعض الكرادلة، وهاجم عام 2017 من وصفهم بـ"الخونة" الذين يعارضون الإصلاحات. لاحقاً كشف عن أن الكاردينال الأسترالي جورج بيل كتب مذكرة سرية وصف فيها حبريته بـ"الكارثة"، بينما أصدر الكاردينال الألماني غيرهارد مولرن كتاباً اتهم فيه البابا بإشاعة "الارتباك العقائدي".
وفي صيف 2023، قبيل انعقاد سينودوس محوري في شأن مستقبل الكنيسة، أعرب خمسة كرادلة عن "شكوكهم" علناً في شأن قضايا مثل المثلية الجنسية وسيامة النساء، مما كشف عن عمق الانقسام العقائدي داخل الفاتيكان.
كيف تفاعل فرنسيس مع موجة المعارضة الداخلية، ومن أبرز الشخصيات التي تصادمت معه؟
بعد وفاة سلفه البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر اتهم سكرتيره الشخصي البابا فرنسيس بـ"تحطيم قلبه" من خلال تقييد القداس اللاتيني، مما فتح الباب أمام حملة مضادة يقودها رموز التيار المحافظ.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أقال البابا أحد أبرز منتقديه، الأسقف الأميركي جوزيف ستريكلاند، بسبب مواقفه المتشددة حيال الإجهاض والمثليين.
أما في يوليو (تموز) 2024 فقرر فرض الحرم الكنسي على الأسقف الإيطالي كارلو ماريا فيغانو، الذي اتهم البابا بالاستبداد و"الهرطقة"، ورفض علناً سلطته، في موقف غير مسبوق من شخصية كنسية شغلت سابقاً منصب سفير الفاتيكان لدى واشنطن. وفي ختام العام نفسه أصدر الفاتيكان وثيقة تقر بمباركة الأزواج المثليين، مما فجر عاصفة من الغضب داخل الأوساط المحافظة، مما اضطر الكرسي الرسولي إلى نشر توضيح رسمي ينفي فيه أي خروج عن العقيدة الكاثوليكية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الشرق السعودية
العالم يترقب اجتماع كونكلاف 2025 لاختيار خليفة لبابا الفاتيكان الراحل
بدءاً من بعد ظهر يوم السابع من مايو، تدخل الكنيسة الكاثوليكية مرحلة حسّاسة وحاسمة من تاريخها الحديث، إذ ينطلق كونكلاف 2025 لاختيار خليفة للبابا فرنسيس، في لحظة تتشابك فيها التقاليد الروحية القديمة مع تحوّلات العالم المعاصر وتحدياته. فراغٌ ثقيل وتطلعات متناقضة ليس هذا الكونكلاف وانتخاب البابا الجديد ترجمةً حرفيّة للشعار الروماني اللاأبالي: "مات البابا، فلنصنع بابا آخر!…"، بل هو بالضبط ما وثقه فيلم "Conclave" للمخرج إدوارد بيرغِر: "مات البابا، فالعرش شاغرٌ!" وبصرف النظر عن توجّهات القادم الجديد، فإنّ ذلك العرش بحاجة إلى من يُملأ فراغ الشغور فيه بذات المستوى والثِقَلْ، وبالذات اليوم، لإنّ ما تركه البابا فرانسيس، الذي رحل بعد عقدٍ ونيف من البابوية، فراغٌ كبير داخل الكنيسة الكاثوليكية. فقد كان أول بابا من الأميركيتين، وأول يسوعي يتبوأ هذا المنصب، وقد تميّزت حبريته بخطاب رعوي واجتماعي غير مسبوق، داعم للفقراء والمهمّشين، وناقد للمنظومة الرأسمالية والسلطوية داخل الكنيسة. لكن هذا النهج أثار أيضاً موجات من الجدل، لاسيّما بين صفوف الكرادلة المحافظين، وأعاد إلى الواجهة أسئلة قديمة حول توازن السلطة بين العقيدة والانفتاح، وبين المركزية الرومانية والكنائس المحلية. الغرفة المغلقة في زمن الذكاء الاصطناعي قبل دخول الكرادلة قاعة السيستين، تُتلى الصيغة اللاتينية التقليدية: "Cum clave, extra omnis"، أي "بالمزلاج، الغرباء إلى الخارج". يُغلق الباب الكبير، ويبدأ الطقس السرّي لانتخاب البابا الجديد. لكن في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، لم تعد السرّية الكنسية أمراً بديهياً. لهذا، اتّخذ الفاتيكان سلسلة إجراءات غير مسبوقة لضمان العزلة التامة: أجهزة تشويش إلكترونية، حظر تام على الهواتف والساعات الذكية، رقابة مشدّدة على جناح الضيافة، وقَسَمٌ خاص يؤدّيه كل من يشارك في الخدمات اللوجستية للكرادلة. بين المحافظين والإصلاحيين.. ومراكز القوى أظهرت الجلسات العامة التي سبقت الكونكلاف انقساماً عميقاً بين تيارين داخل الكنيسة: تيار يسعى إلى مواصلة نهج البابا فرانسيس في الانفتاح الاجتماعي واللاهوتي، وآخر يدعو إلى استعادة الانضباط العقائدي وهيبة المؤسسة الكنسية. كما سُجّلت تدخلات غير مباشرة من أطراف سياسية، لا سيّما في الولايات المتحدة، حيث ضغطت أسقفيات محافظة لدعم مرشحين يميلون إلى إعادة الكنيسة إلى "الثوابت التقليدية". وبرز في هذا السياق الدور المتصاعد لجماعات من اليمين المسيحي الأميركي، ترى في الكنيسة معقلاً أخلاقياً ينبغي استعادته. الاسم..أول الإشارات هل سيحمل البابا القادم اسم بولص، يوحنّا، بينيديكتوس أم فرانسيس،؟ أسماءٌ رمزية ومسارات استراتيجية. أربعة أسماء قد لاتعني، في حدّ ذاتها، اكثر من كونها أسماءَ عَلَمْ، لكنها تعني الكثير لأنّها اسماء حواريّ المسيح او قدّيسي الكنيسة الكاثوليكية، وهي، اضافةً إلى ذلك كلّه، اختزالٌ لأربعة اتّجاهات حكمت الكنيسة منذ الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية ولطالما كان الاسم الذي يختاره البابا الجديد رسالة سياسية وروحية. فـ"بولص" يذكّر بالانفتاح الدبلوماسي بعد المجمع الفاتيكاني الثاني ( 1962- 1965) وخلال حبرية البابا يوحنا الثالث والعشرون؛ و"يوحنّا بولص" يُعيد إلى الأذهان المواجهة مع الشيوعية. أما "بندكتوس"، فهو رمز الصرامة اللاهوتية، في حين أن "فرانسيس" جسّد روح الفقراء والبيئة. فهل يعود الكرسي الرسولي إلى اسم مألوف، أو يكسر التقاليد باسم غير مسبوق يفتح عهداً جديداً؟ الاسم، هذه المرة، ليس مجرّد رمز… بل إعلان مبكر عن الاتجاه المقبل للكنيسة. المرشحون الأوفر حظاً في ظل غياب إجماع تام، تُتداول أسماء 5 كرادلة بارزين: بييترو بارولين (إيطاليا): أمين سر الدولة، شخصية دبلوماسية بارعة، يجمع بين التوازن والواقعية، ويمثل خياراً مؤسساتياً للتيار الوسطي. أمين سر الدولة، شخصية دبلوماسية بارعة، يجمع بين التوازن والواقعية، ويمثل خياراً مؤسساتياً للتيار الوسطي. ماتيو تزوبي (إيطاليا): رئيس أساقفة بولونيا، عضو في جماعة سانت إيجيديو، معروف بانخراطه في قضايا السلام، ويُعتبر امتداداً معتدلاً لخط فرنسيس. رئيس أساقفة بولونيا، عضو في جماعة سانت إيجيديو، معروف بانخراطه في قضايا السلام، ويُعتبر امتداداً معتدلاً لخط فرنسيس. لويس أنطونيو تاغلي (الفلبين): لاهوتي ذو حضور عالمي، يوصف بـ"فرانسيس الآسيوي"، ويُمكن أن يكون أول بابا من القارة الآسيوية. لاهوتي ذو حضور عالمي، يوصف بـ"فرانسيس الآسيوي"، ويُمكن أن يكون أول بابا من القارة الآسيوية. فريدولين أمبونغو (الكونغو): رئيس أساقفة كينشاسا، مدافع عن العدالة البيئية والاجتماعية، يُمثّل وجه إفريقيا الصاعدة داخل الكنيسة. رئيس أساقفة كينشاسا، مدافع عن العدالة البيئية والاجتماعية، يُمثّل وجه إفريقيا الصاعدة داخل الكنيسة. بيتر إردو (المجر): كاردينال بودابست، محافظ متزن، يحظى بدعم من يسعون إلى تشديد الانضباط اللاهوتي وإعادة الهيبة للمؤسسة. من شرفة بطرس إلى قلب العالم حين يُطلّ عميد المجمع الكردينال من شرفة كاتدرائية القديس بطرس ليعلن: "Habemus Papam – لدينا بابا"، سيبدأ فصل جديد من التاريخ الكاثوليكي. فخيارات الاسم والانتماء الجغرافي والنبرة اللاهوتية، ستُفسّر فوراً كرسائل ضمنية فـ: "فرنسيس الثاني" سيعني الاستمرار لمسار الانفتاح والرعاية الاجتماعية. "بندكتوس السابع عشر"؟ يعني عودة إلى صرامة الفكر والتقليد. اسم جديد كلياً؟ وهو ما سيفتح باب الاحتمالات والتحوّلات.، وسيكون العالم والكنيسة في انتظار ما سيضعه البابا الجديد من استراتيجيّات. قائد في مرحلة مفصلية أياً يكن، فإن البابا الجديد لن يكون فقط قائداً روحياً، بل أيضاً إدارياً، وسياسياً بنحو غير مباشر. عليه أن يواجه تحديات كبرى: تراجع الثقة في الكنيسة في الغرب، تنامي الحضور الكاثوليكي في إفريقيا وآسيا، مطالب الشفافية بعد قضايا الاعتداءات الجنسية المقترفة من قبل رجال دين في مستويات رفيعة، الفساد المالي داخل الفاتيكان، وصدامات ثقافية حول الأخلاق والدور الاجتماعي للدين. وعليه أيضاً أن يتفاعل مع ملفات كبرى مثل الذكاء الاصطناعي، والتغير المناخي، والهجرة، وأن يُجدّد أدوات الحوار مع الأديان الأخرى وسط تصاعد الخطابات المتطرفة. الكونكلاف.. تاريخ من الغرائب على مدى قرون، عرف الكونكلاف لحظات نادرة وغريبة: عام 1268، امتد انتخاب البابا لأكثر من عامين في مدينة فيتربو، حتى اضطر السكان إلى خلع سقف القاعة لتسريع التصويت! في 1513، انتُخب ليو العاشر وهو لم يتجاوز الـ45، في زمن كانت فيه الكنيسة مركز الثروة والسلطة. عام 1978، توفي يوحنّا بولص الأول بعد 33 يوماً فقط من انتخابه، وهو ما فجّر تكهنات واسعة وأدخل الكنيسة في سنة الـ "الباباوات الثلاثة". واليوم، رغم كل التكنولوجيا، يبقى المشهد كما هو: غرفة مغلقة، دخان أبيض أو أسود، وقلوب المؤمنين تترقّب. الكلمة الفصل الكونكلاف ليس مجرد انتخاب ديني، بل لحظة استفتاء عالمي على مستقبل الكنيسة الكاثوليكية. فكل بابا جديد هو، في الجوهر، مشروع جديد. وقد يأتي التغيير من حيث لا يتوقعه أحد. هل سيكون مفاجأة جغرافية؟ أم لاهوتية؟ أم رمزية؟ الأكيد أن الملايين سينتظرون العبارة ذاتها، التي تُعلن في كل مرة فتح فصل جديد من الإيمان والتاريخ: Habemus Papam "لدينا بابا".


العربية
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- العربية
العربية.نت: طه عبد الناصر رمضان
خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر، عرف مجال التصوير السينمائي تقدما تكنولوجيا لافتا للانتباه. فعقب العديد من التحديثات التكنولوجية التي تم إدخالها على آلات التصوير، تمكن البشر لأول مرة من تصوير مقاطع فيديو طويلة بعض الشيء. ويعود الفضل في هذا التقدم التكنولوجي لعدد من المبتكرين بمجال التصوير السينمائي من أمثال توماس إديسون ولويس لو برانس والأخوين لوميار. إلى ذلك، بلغ التصوير السينمائي الفاتيكان أواخر القرن التاسع عشر. فبتلك الفترة، تم تصوير فيديو للبابا ليو الثالث عشر (Leo XIII) الذي أصبح أول بابا يتم تصويره بهذه التكنولوجيا. تأثيرات ليو الثالث عشر على الصعيد الدولي يصنف البابا ليو الثالث عشر كصاحب رابع أطول فترة بابوية بتاريخ الكنيسة الكاثوليكية حيث استمرت حبريته ما بين 20 شباط/فبراير 1878 و20 تموز/يوليو 1903 وهو تاريخ وفاته. إلى ذلك، ولد هذا البابا يوم 2 آذار/مارس 1810 وفارق الحياة عن عمر ناهز 93 سنة. وخلال فترة حياته، عاصر الأخير العديد من الأحداث كالسنوات الأخيرة من حكم نابليون بونابرت وصعود لويس نابليون بونابرت وتوليه لمنصب الإمبراطور الفرنسي والحرب الأهلية الأميركية والحرب الفرنسية البروسية والوحدة الألمانية والوحدة الإيطالية. وأثناء فترة بابويته، تابع البابا ليو الثالث عشر العديد من التغييرات على الساحة العالمية كالهزائم العثمانية على يد الروس ومؤتمرات اقتسام القارة الأفريقية بين القوى الأوروبية وتصاعد التوتر بالساحة الأوروبية عقب تولي فيلهلم الثاني لمنصب الإمبراطور الألماني وبداية تشكل التحالفات العسكرية التي تسببت في اندلاع الحرب العالمية الأولى عقب تفعيلها عام 1914. وإضافة لكل ذلك، صنفت فترة بابوية ليو الثالث عشر كواحدة من أهم الفترات بالتاريخ الحديث. فأثناء سنوات تسييره لشؤون الفاتيكان، دان البابا الماركسية وشبهها بالطاعون كما انتقد في الآن ذاته كل من كارل ماركس وفريدريش إنجلز (Friedrich Engels) بسبب أفكارهما الساعية لإنهاء الملكية الخاصة وحديثهما عن صراع الطبقات. وبالآن ذاته، انتقد البابا ليو الثالث عشر الليبرالية والعبودية وتواصل استغلال البشر بعدد من المناطق. وعلى الصعيد الدولي، حافظ ليو الثالث عشر على علاقات جيدة مع معظم الدول. وفي الأثناء، واجه البابا بعض المصاعب والخلافات مع المستشار الألماني أوتو فون بسمارك (Otto Von Bismarck) واضطر بسبب ذلك لقطع العلاقات مع برلين بأكثر من مناسبة. من ناحية أخرى، عبر البابا عن قلقه من ظهور تحالف ألماني نمساوي إيطالي بأوروبا. ولهذا السبب، استغل ليو الثالث عشر نفوذه ليقرب بين روسيا وفرنسا وهو ما أدى لخلق تحالف بين الدولتين لاحقا. أول فيديو للبابا خلال العام 1896، أصبح الإيطالي المختص بمجال التصوير السينمائي فيتوريو كالسينا (Vittorio Calcina) ممثلا للأخوين لوميار الذين ساهما بشكل هائل في ابتكار التصوير السينمائي. وعقب تقربه للبابا، عرض فيتوريو كالسينا تصوير ليو الثالث عشر بمقطع فيديو بسيط لتخليد صورة الأخير. وبنفس السنة، تم تصوير مقطع فيديو، تجاوزت مدته الدقيقة، للبابا ليو الثالث عشر بحديقة الفاتيكان ضمن ما قيل إنه قداس قدمه البابا بذلك المكان. وبفضل ذلك، دخل ليو الثالث عشر التاريخ ليصبح أول بابا يتم تصويره اعتمادا على التصوير السينمائي لينضم بذلك للبابا بيوس التاسع (Pius IX) الذي مثل أول بابا تلتقط له صورة فوتوغرافية.


Independent عربية
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
رحيل رأس الكنيسة الكاثوليكية وطقوس الفاتيكان: 10 أسئلة
عند رحيل بابا الفاتيكان لا تعامل الوفاة بوصفها مجرد حدث بيولوجي، بل ترافقها طقوس بالغة الدقة والرمزية، تعود في بعض جوانبها إلى قرون مضت. فالبابا ليس فقط رئيساً لدولة الفاتيكان الصغيرة، بل هو الحبر الأعظم، خليفة القديس بطرس، وقائد أكثر من مليار كاثوليكي حول العالم. ومع كل وفاة لبابا، تفتح صفحة من الطقوس الفريدة التي تجمع بين التقاليد الدينية، والاعتبارات السياسية، والرمزية العقائدية. من إعلان الوفاة بطرق استثنائية إلى تنظيم الجنازة، مروراً بمرحلة الحداد التي تختتم بانتخاب خليفة جديد داخل أسوار كنيسة السيستين تمضي الكنيسة الكاثوليكية وفق تقاليد صارمة وتوازن بين إرثها العريق والتحديات المعاصرة. في هذا التقرير نستعرض عبر سلسلة من الأسئلة والأجوبة أبرز المراسم التي تشهدها الفاتيكان عند وفاة البابا، بدءاً بإعلان الوفاة والحداد الرسمي، وصولاً إلى انتخاب خليفة جديد، ونسلط الضوء على أبرز المرشحين المحتملين ونتناول ملامح الانقسام داخل الكنيسة الكاثوليكية بين التيارين التقدمي والمحافظ، وهو الانقسام الذي طبع بابوية فرنسيس منذ لحظاتها الأولى. ما الطقوس التي تُجرى عند وفاة بابا الفاتيكان؟ وكيف يعلن رسمياً موته؟ عند وفاة البابا لا تعلن الوفاة مباشرة كما في الحالات العادية، بل يتم اتباع طقوس دقيقة تعود إلى العصور الوسطى، هدفها التأكد النهائي من الوفاة ومراعاة الجوانب الرمزية والروحية المرتبطة بمنصب البابا. التقليد القديم يتضمن اقتراب الحاجب البابوي الخاص من جثمان البابا، حيث ينادي اسمه في المعمودية ثلاث مرات متتالية. بعد ذلك، يستخدم مطرقة صغيرة مصنوعة من الفضة، ويطرق بها بلطف جبهة البابا ثلاث مرات، فإذا لم يكن هناك رد فعل، يعلن رسمياً أمام الحاضرين: "البابا مات حقاً" (Vere Papa Mortuus Est). ثم يتلو المزمور 130 المعروف بـ"مزمور التوبة": "من الأعماق صرخت إليك يا رب"، ويركع الجميع للصلاة. بعدها، يغطى وجه البابا بحجاب أبيض، ويستدعى الكهنة لمراقبة الجثمان. هذا الطقس كان ضرورياً قديماً لغياب وسائل الطب الحديثة، إذ كانت هناك حوادث كثيرة دفن فيها أشخاص وهم على قيد الحياة. لذا كان الحرص مضاعفاً مع الحبر الأعظم، رئيس الكنيسة الكاثوليكية. هل يتم تحنيط البابا بعد وفاته؟ التحنيط كان يجرى قديماً بعد 24 ساعة من الوفاة، حيث يفتح جسد البابا لاستخراج الأعضاء الداخلية، ويتم دفنها في أوعية فخارية بمدينة تريفي. ثم تجرى عملية التحنيط الكاملة ويلبس الجثمان ثوباً أبيض من الصوف ووشاحاً أحمر، إضافة إلى القبعة الحمراء "الكامورو". بعد ذلك يعرض الجثمان في غرفة المجلس السري بالقصر الرسولي، حيث يتلى عليه المزامير والصلوات دون انقطاع، ويتاح للناس إلقاء النظرة الأخيرة حتى مساء اليوم الثاني بعد الوفاة، لكن طقس التحنيط هذا لم يعد معتمداً حالياً. فالبابا يوحنا الـ23 الذي توفي عام 1965، كان آخر بابا خضع للتحنيط التقليدي. وقد ألغيت هذه العادة لاحقاً بفضل استخدام مواد حديثة مثل الفورمالين التي تحقن في الجسم لتمنع التحلل طوال فترة الجنازة. كيف تنظم مراسم جنازة البابا وما المدة التي يعلن خلالها الحداد؟ بعد انقضاء اليومين الأولين ينقل جثمان البابا إلى بازيليك القديس بطرس (الكاتدرائية البابوية الكبرى)، حيث يعرض لثلاثة أيام إضافية وسط تدفق الحشود من جميع أنحاء العالم لتوديعه. في اليوم الرابع وحتى اليوم التاسع تقام طقوس صلاة يومية تعرف بـ"النوفيمدياليس"، وهي فترة الحداد الرسمية التي تستمر تسعة أيام. وتختتم هذه الفترة بالقداس الجنائزي الكبير الذي يقام عادة في ساحة القديس بطرس، لإتاحة مشاركة أكبر عدد من المشيعين. هذه الصلاة يترأسها عميد مجمع الكرادلة، وفي حال البابا فرنسيس، سيتولاها الكاردينال الإيطالي جيوفاني باتيستا ري، البالغ من العمر 91 سنة. عقب الصلاة ينقل النعش إلى المقبرة البابوية، حيث يدفن قرب قبر القديس بطرس، إلا إذا أوصى البابا بموضع آخر. هل غير البابا فرنسيس هذه الطقوس قبل وفاته؟ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أصدر البابا فرنسيس توجيهات جديدة لتعديل الطقوس التقليدية المرتبطة بجنازات البابوات، وتمت الموافقة الرسمية عليها في أبريل (نيسان) 2024. تهدف هذه التعديلات إلى تبسيط المراسم والتركيز على قيم الفقر والتواضع، ومن أبرز ما نصت عليه: ألغيت ممارسة استخدام ثلاثة توابيت (من خشب السرو والرصاص والبلوط)، ليعتمد بدلاً منها تابوت واحد مصنوع من الخشب والزنك. كما سمح بأن يدفن البابا خارج كاتدرائية القديس بطرس، وهو ما شكل سابقة منذ أكثر من 300 عام. وقد أوصى البابا فرنسيس بدفنه في كاتدرائية "مريم الكبرى" في روما، وهي كنيسته المفضلة التي اعتاد زيارتها قبل وبعد كل رحلة رسولية. كيف ينتخب البابا الجديد؟ ومن يملك حق التصويت والترشح؟ بعد فترة حداد تمتد من 15 إلى 20 يوماً، يعقد مجمع الكرادلة (الكونكلاف) داخل كنيسة السيستين بمشاركة جميع الكرادلة الذين لم يبلغوا سن الـ80، ويفترض ألا يتجاوز عددهم 120. يعزل الكرادلة عن العالم الخارجي منعاً لاستخدام الهواتف أو الإنترنت، وتجرى جولات من التصويت يومياً. يحتاج المرشح إلى ثلثي الأصوات للفوز خلال الأيام الثلاثة الأولى، وإذا تعذر ذلك، تعتمد الغالبية البسيطة لاحقاً. وفي حال فشل دورتين انتخابيتين متتاليتين يجمع الاقتراع ويحرق، فإذا تصاعد دخان أسود من المدخنة، فهذا يدل على عدم التوصل إلى قرار، أما إذا كان الدخان أبيض، فيعلن عن انتخاب البابا الجديد، الذي يختار اسمه البابوي ويطل من الشرفة المركزية في ساحة القديس بطرس ليتلو صلاة "أوروبي إت أوروبي". من هم الكرادلة؟ وما دورهم في الكنيسة الكاثوليكية؟ الكرادلة هم "أمراء الكنيسة الكاثوليكية" يأتون من قارات العالم المختلفة، ويعرفون بزيهم الأحمر وقبعاتهم المربعة. ويشكلون الهيئة العليا التي تنتخب البابا في حال شغور الكرسي الرسولي. لا يتجاوز عددهم 120 كاردينالاً ناخباً، ويجب أن يكونوا دون سن الـ80 للمشاركة في الانتخاب. يجتمعون في كنيسة السيستين خلال ما يعرف بـ"الكونكلاف"، ويعزلون عن العالم الخارجي إلى حين اختيار البابا الجديد. البابا فرنسيس عين نحو 80 في المئة منهم، ما يعكس تأثيره في تركيبة المجمع وانتخاب خلفه. من أبرز المرشحين لخلافة البابا فرنسيس؟ برزت أسماء قوية عدة من التيارات المختلفة داخل الكنيسة الكاثوليكية يتصدرهم الكاردينال الفيليبيني لويس أنطونيو تاجلي (67 سنة)، المدعوم من التيار التقدمي المؤيد لأجندة البابا فرنسيس، ثم الكاردينال الغاني بيتر توركسون (76 سنة)، المعروف بمواقفه الداعمة للعدالة الاجتماعية وحقوق المهاجرين. ويبرز بعدهما الكاردينال الإيطالي بييترو بارولين (70 سنة)، وزير خارجية الفاتيكان منذ عام 2013، الذي يعد مرشحاً معتدلاً يتمتع بتأثير واسع في الدوائر الدبلوماسية. كما يظهر الكاردينال المجري بيتر إردو (72 سنة) كممثل للصوت المحافظ في أوروبا الشرقية، فيما يعد الكاردينال الإيطالي أنجيلو سكولا (83 سنة) من أبرز الشخصيات التقليدية المخضرمة في الكنيسة. كيف عكست بابوية فرنسيس الصراع بين التيار التقدمي والمحافظ داخل الكنيسة الكاثوليكية؟ تمتع فرنسيس باحترام كبير على الصعيد العالمي، سواء لدعواته إلى العدالة الاجتماعية أو لمبادراته السياسية التي لم تخلُ من المخاطرة. سعى البابا فرنسيس إلى جعل الكنيسة الكاثوليكية أكثر انفتاحاً وأقل ميلاً لإدانة المخالفين، متجنباً مظاهر الأبهة التقليدية المرتبطة بالبابوية، وهو ما أثار استياء المحافظين الذين اعتبروا توجهاته قطيعة مع تقاليد الكنيسة القديمة. وقد أدى انتخابه كأول بابا غير أوروبي منذ 1300 عام إلى تعميق الفجوة بين التيارين المحافظ والتقدمي، بخاصة في الولايات المتحدة، حيث تداخلت الكاثوليكية المحافظة مع الإعلام والسياسة اليمينية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ما أبرز القرارات والمواقف التي فجَّرت الانقسام داخل الكنيسة الكاثوليكية خلال حبرية البابا فرنسيس؟ طوال سنواته الـ12 على رأس الكنيسة أثار البابا فرنسيس موجة انتقادات غير مسبوقة، لا سيما من المحافظين داخل الفاتيكان وخارجه. وفي عام 2021، أصدر مرسوماً بعنوان "حراس التقاليد" قلص بموجبه استخدام القداس اللاتيني المعروف بـ"التريدنتيني"، مما أثار غضب المدافعين عن الطقوس القديمة. كما شكل موقفه المنفتح من الهجرة نقطة صدام حادة، إذ اتهمته جهات كاثوليكية قومية بـتهديد "الهوية المسيحية" لأوروبا. في المقابل واجه البابا تمرداً غير معلن من بعض الكرادلة، وهاجم عام 2017 من وصفهم بـ"الخونة" الذين يعارضون الإصلاحات. لاحقاً كشف عن أن الكاردينال الأسترالي جورج بيل كتب مذكرة سرية وصف فيها حبريته بـ"الكارثة"، بينما أصدر الكاردينال الألماني غيرهارد مولرن كتاباً اتهم فيه البابا بإشاعة "الارتباك العقائدي". وفي صيف 2023، قبيل انعقاد سينودوس محوري في شأن مستقبل الكنيسة، أعرب خمسة كرادلة عن "شكوكهم" علناً في شأن قضايا مثل المثلية الجنسية وسيامة النساء، مما كشف عن عمق الانقسام العقائدي داخل الفاتيكان. كيف تفاعل فرنسيس مع موجة المعارضة الداخلية، ومن أبرز الشخصيات التي تصادمت معه؟ بعد وفاة سلفه البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر اتهم سكرتيره الشخصي البابا فرنسيس بـ"تحطيم قلبه" من خلال تقييد القداس اللاتيني، مما فتح الباب أمام حملة مضادة يقودها رموز التيار المحافظ. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أقال البابا أحد أبرز منتقديه، الأسقف الأميركي جوزيف ستريكلاند، بسبب مواقفه المتشددة حيال الإجهاض والمثليين. أما في يوليو (تموز) 2024 فقرر فرض الحرم الكنسي على الأسقف الإيطالي كارلو ماريا فيغانو، الذي اتهم البابا بالاستبداد و"الهرطقة"، ورفض علناً سلطته، في موقف غير مسبوق من شخصية كنسية شغلت سابقاً منصب سفير الفاتيكان لدى واشنطن. وفي ختام العام نفسه أصدر الفاتيكان وثيقة تقر بمباركة الأزواج المثليين، مما فجر عاصفة من الغضب داخل الأوساط المحافظة، مما اضطر الكرسي الرسولي إلى نشر توضيح رسمي ينفي فيه أي خروج عن العقيدة الكاثوليكية.