
هل يؤثر الصيام على إنتاجيتك في العمل؟
Getty Images
يواجه بعض الموظفين تحديات تتعلق بالتعب وفقدان التركيز نتيجة الامتناع عن الطعام والشراب طوال اليوم، بينما قد يلاحظ آخرون آثاراً إيجابية مثل زيادة التركيز وتحسين القدرة على تنظيم مهام العمل.
مع حلول شهر رمضان، تقوم العديد من الدول العربية والإسلامية بتقليص ساعات العمل، ما قد يساهم في شعور شائع بين الموظفين بتأجيل المهام إلى ما بعد الإفطار، وأحياناً إلى ما بعد انتهاء هذا الشهر.
وأظهرت العديد من الدراسات تأثير الصوم على الدماغ والنشاط البدني، مما ينعكس مباشرة على أداء الموظفين في العمل. ورغم الفوائد التي تؤكدها الأبحاث العلمية حول دور الصوم في تعزيز التركيز والنشاط، يظل السؤال المهم: هل تنعكس هذه الفوائد فعلاً على أداء الموظفين خلال شهر رمضان؟
الصوم طريقك لزيادة التركيز وتحفيز طاقة دماغك
Getty Images
يعود الشعور بالتعب والإرهاق إلى عدة عوامل جسدية ونفسية تؤثر على الجسم أثناء فترات الصيام، مثل انخفاض مستوى السكر في الدم ونقص السوائل، والتغيرات في الروتين اليومي، مما يتطلب تكيّفاً مع هذه الظروف لتحسين الأداء والتركيز.
أوضحت الدكتورة مي بدر الدين بدر، استشارية أمراض الدماغ والأعصاب، أن للصيام فوائد عظيمة على صحة الدماغ، حيث يساهم في زيادة الطاقة الدماغية، وتعزيز الإدراك، وتحسين التركيز. وذلك عكس الاعتقاد السائد بأن الصيام يؤدي إلى الإرهاق ويقلل من النشاط العقلي.
وفي حديثها لبي بي سي أوضحت بدر الدين أن تأثير الصيام على الدماغ إيجابي للغاية. وأحد أبرز هذه التأثيرات هو أن الصيام يُدخل الدماغ في حالة التغذية "الكيتونية"، حيث يعتمد الدماغ على مادة الكيتون كمصدر للطاقة، مما يعزز التركيز ويحسن الأداء العقلي بشكل كبير.
ويقصد بالتغذية الكيتونية، عملية انتاج الجسم لأحماض - الكيتونات - عندما يستخدم الدهون بدلاً من الكربوهيدرات كمصدر للطاقة، وهذا يحدث بسبب الجوع الناتج عن الصيام، مما يحفز الجسم على إنتاجها داخلياً.
وأشارت بدر الدين إلى أن هذه الحالة تساعد في حماية الدماغ من بعض الأمراض المرتبطة بتدهور الخلايا العصبية مثل مرض الزهايمر. كما أن تقليل السكريات يساهم في تعزيز صحة الدماغ وإطالة عمره. بالإضافة إلى ذلك، يعمل الصيام على تعزيز عوامل نمو عصبية مثل "عامل نمو الأعصاب"، مما يساعد في تجديد الخلايا العصبية في الدماغ.
ولفتت بدر الدين إلى أن العديد من الباحثين، بما في ذلك غير المسلمين، قد أجروا دراسات على الصيام لمدة 10 إلى 12 ساعة يومياً، وأظهرت هذه الأبحاث تأثيراً إيجابياً على العمر الدماغي، والقدرات العقلية، وقوة الاستيعاب، على عكس الاعتقاد السائد.
ونشرت مجلة "نيورولوجي إنترناشونال" عام 2017 دراسة حول تأثير الصيام في رمضان على مستويات السيروتونين والدوبامين وعوامل النمو العصبي في الدماغ.
وأظهرت الدراسة زيادة ملحوظة في مستويات السيروتونين (الذي يؤثر على المزاج وتنظيم الوظائف العصبية)، وBDNF (عامل النمو العصبي المشتق من الدماغ، الذي يعزز صحة خلايا الدماغ والنمو العصبي)، وNGF (عامل نمو الأعصاب، الذي يحفز نمو الأعصاب وصيانتها).
وقد كانت هذه الزيادة ملحوظة خلال الشهر، وخاصة في اليوم التاسع والعشرين مقارنة باليوم الرابع عشر، مما يعكس التأثير الإيجابي للصيام على هذه العوامل العصبية بحسب الدراسة.
لماذا يشعر البعض بانخفاض النشاط خلال شهر رمضان؟
Getty Images
يقول رعد خالد، مالك أحد المصانع، إنه لاحظ أن أداء الموظفين يتراجع بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان في الجوانب المكتبية والإنتاجية، إذ ينخفض أحياناً إلى النصف.
ويشير إلى أنه بالرغم من تقليص ساعات العمل، تبقى طاقة العمال منخفضة في هذا الشهر. كما يلاحظ زيادة كبيرة في حالات الغياب.
ويضيف: "نواجه صعوبة في تلبية احتياجات الزبائن بسبب انخفاض سرعة الإنتاج"، مشيراً إلى أنه قام بتعديل ساعات العمل وتحويل بعضها إلى المساء من أجل إنجاز الحد الأدنى من الأعمال المطلوبة.
توضح أخصائية التغذية العلاجية فاتن النشاش أن الصيام يساهم في تنقية الجسم من السموم وتجديد الخلايا، مما يعزز التركيز والنشاط. ومع ذلك، يعود شعور بعض الأشخاص بالتعب وقلة التركيز خلال رمضان إلى العادات الغذائية غير الصحية والممارسات التي يتبعها البعض.
تقول النشاش إن "المشكلة تكمن في عاداتنا خلال شهر رمضان"، وتضيف أنه فيما يتعلق بتفسير انخفاض النشاط والتركيز لدى البعض في هذا الشهر، تبدأ المشكلة من تناول كميات كبيرة من الطعام، خاصة الأطعمة الغنية بالسكر والدهون، بالإضافة إلى توزيع الوجبات بشكل غير متوازن.
تعتبر أخصائية التغذية فاتن النشاش أن إلغاء وجبة السحور في رمضان من أبرز الأخطاء التي يرتكبها الكثيرون. إذ ترى أن السحور يعد مصدراً أساسياً للطاقة طوال اليوم، مما يساعد الجسم على الحفاظ على نشاطه وفعاليته. وعلى الرغم من ذلك، يختار العديد إلغاء السحور أو تناوله قبل ساعات من آذان الفجر، في حين أن الأفضل هو تأخيره ليكون قبيل الآذان مباشرة.
تلفت النشاش أن كمية ونوعية الطعام التي نتناولها في رمضان غالبًا ما تكون غير صحية. فبالرغم من أن الصيام يساعد الجسم على التخلص من السموم وتجديد الخلايا، إلا أن إدخال الأطعمة غير الصحية في وجباتنا قد يحبط هذه الفوائد. فعندما تقتصر الوجبات على المقالي والشوربات الدسمة التي تحتوي على الكريمة بالإضافة إلى تناول كميات كبيرة من الطعام، قد لا نتمكن من تحقيق الفوائد المرجوة من الصيام.
النقطة الثالثة التي تشير إليها النشاش هي الإفراط في تناول السكريات بعد الإفطار، مما يحول دون شعورنا بالفوائد الفعلية للصيام.
أما بالنسبة لشرب الماء، فتؤكد النشاش أنه ضروري للغاية لصحة الجسم والدماغ، حيث يساعد على تحسين وظائف الجسم والتركيز والنشاط. ومع ذلك، يعاني العديد من الأشخاص في رمضان من عدم تناول كميات كافية من الماء بسبب ضيق الوقت خلال فترة الإفطار.
وتشير إلى أن أحد الأخطاء الشائعة هو استبدال الماء بالعصائر. على الرغم من أن هذه المشروبات تعتبر سوائل، إلا أنها لا تفي بالغرض نفسه. العصائر تحتوي على كميات كبيرة من السكريات التي تؤثر سلباً على التركيز والنشاط. وبشكل عام، فإن عدم تناول السوائل بكميات كافية يعيق الجسم عن الشعور بالنشاط الكامل.
Getty Images
وتؤكد النشاش أن ممارسة الرياضة والنوم يؤثران بشكل كبير على النشاط خلال رمضان، إذ يقل النشاط البدني بشكل ملحوظ ويتوقف البعض عن ممارسة التمارين الرياضية. حتى الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة بشكل منتظم ينامون لفترات أطول، مما يؤدي إلى الخمول والتعب.
أما بالنسبة للنوم، فإن الجسم يعتاد على روتين نوم محدد، ومع حلول رمضان يتغير هذا الروتين. ما يؤثر على ساعات النوم وجودتها، مما يجعل الموظفين يطلبون تأخير ساعات العمل بسبب قلة النوم ليلاً.
"فرصة ذهبية"
بالنسبة لأولئك الذين يعانون من صداع خلال فترة الصيام، فإن السبب يعود إلى أعراض الانسحاب للنيكوتين والكافيين. ولذلك، ينصح الخبراء بتقليل استهلاك هذه المواد تدريجياً قبل رمضان.
تشير النشاش إلى أهمية التحضير لشهر رمضان، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعتمدون على النيكوتين والكافيين. وتوصي بتقليل كميات الكافيين تدريجياً قبل أسابيع من بداية رمضان، من خلال تقليل عدد مرات شرب القهوة وتأخيرها، حتى يتأقلم الجسم مع التغيير.
وتعتبر النشاش شهر رمضان فرصة ذهبية للإقلاع عن التدخين، إذ يشكل "الكافيين والنيكوتين نوعاً من الإدمان"، ومن الصعب التوقف عنهما فجأة.
Getty Images
تحرص العديد من المؤسسات والشركات على الحفاظ على إنتاجية الموظفين خلال هذا الشهر، حرصاً على استدامة مسار العمل باختلاف ما تقدمه هذا الشركات سواء كانت تعمل بالقطاع الخدمي أو غيره.
يوضح خبير الموارد البشرية والتطوير المهني، محمد حزيّن، أهمية مراعاة خصوصية شهر رمضان لضمان استمرارية الإنتاج في الشركات. ويشدد على ضرورة تفهم كل حالة على حدة، سواء كان صاحب شركة أو مدير أو موظف موارد بشرية.
ويضيف أن تعديل ساعات العمل يعد أمراً ضرورياً خلال هذا الشهر، حيث يتعين توفير مرونة تتناسب مع أنماط النوم والسهر المختلفة بين الموظفين.
يوضح حزيّن أنه من المهم تقليل الاجتماعات الطويلة التي قد تزيد من صعوبة الصيام. كما أكد على أهمية استغلال ساعات العمل في بداية اليوم لتحقيق أقصى استفادة من طاقة الموظفين.
وتطرق حزيّن إلى قضية الغياب والتأخير، مشيراً إلى أن هذه الأمور تعد طبيعية خلال رمضان. وينبغي على الشركات تقييم الأسباب وراء التأخير أو الغياب، مع ضرورة إعادة توزيع المهام بشكل مناسب وتقديم حوافز لتشجيع الموظفين على الالتزام.
وأكد على ضرورة تجنب التساهل المفرط في التعامل مع التقصير، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة إذا كان التأخير أو التقصير متعمداً.
أما بالنسبة للشركات الصناعية، يشير حزيّن إلى أنها تقوم بتعديل ساعات العمل لتتناسب مع طبيعة الموظفين في رمضان، مشيداً بتجربة بعض الشركات في تقليل ساعات العمل بناءً على الأداء، حيث يمكن أن يتبين أن الإنتاجية تبقى عالية رغم تقليل ساعات العمل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ يوم واحد
- الوسط
كيف يؤثر نظام المناوبات الليلية على الصحة النفسية؟
Getty Images في الوقت الذي يستعد فيه كثيرون إلى الخلود للنوم، تبدأ مناوبة عمل جديدة لآخرين، من أطباء وممرضين وصحفيين وعاملين في المطارات وعُمال مصانع ورجال أمن وغيرهم ممن يعملون وفق نظام المناوبات أو (الشفتات). وقد يجد البعض منا أنه مضطر للعمل ضمن نظام المناوبات وفقاً لطبيعة عمله، ونظراً لذلك، فقد يكون عرضة أكثر من غيره لعدة مشاكل صحية ونفسية وعقلية، وكذلك مشاكل على مستوى حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية نتيجة اختلاف مواعيد العمل. منذ الثورة الصناعية، استخدمت قطاعات التصنيع والخدمات العمل وفق نظام المناوبات بهدف زيادة الإنتاجية والربحية. وقبل تسعينيات القرن الماضي، لم يكن معروفاً سوى القليل عن تأثير العمل بنظام المناوبات على صحة العاملين. وقد وجدت دراسة في منتصف التسعينيات من خلال استخدام البيانات السريرية أن الممرضات العاملات ليلاً أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، وازداد هذا الخطر مع عدد السنوات التي قضينها في أداء العمل بنظام المناوبات. لذلك، هل فكرت يوماً إن كان عملك وفق نظام المناوبات أحد عوامل إصابتك بأمراض نفسية أو جسدية؟ Getty Images ما المخاطر الجسدية والنفسية التي قد تهدد العاملين بنظام المناوبات؟ بدايةً، لا بد من معرفة المقصود بنظام المناوبات (Shift Work) والذي يعني توزيع ساعات العمل على مدار اليوم والأسبوع، إذ يتناوب الموظفون على العمل وفق مناوبات متتابعة لضمان استمرارية العمل وتلبية احتياجاته وعدم توقف عجلة الإنتاج، وتتراوح المناوبات عادة بين مناوبتين أو ثلاث في اليوم، وقد تشمل ساعات العمل الليلية أو الصباحية المبكرة، بحيث تستمر كل مناوبة لمدة 8 إلى 9 ساعات، بشرط ألا تتجاوز عدد ساعات العمل الفعلية، وفق نظام منظمة العمل المحلية والدولية. وقد أظهرت دراسات علمية حديثة أن العمل بنظام المناوبات له آثار سلبية على الصحة النفسية والعقلية، ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني والخرف والوفاة المبكرة بشكل عام. ففي دراسة علمية جديدة نُشرت في مجلة علم نفس الصحة المهنية (Journal of Occupational Health Psychology) التي تصدر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس، أشارت إلى أن الأشخاص الذين يعملون بنظام المناوبات معرضون بنسبة أعلى للإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم مقارنة بالعاملين وفق نظام دوام ثابت. Getty Images الساعة البيولوجية للإنسان "الساعة البيولوجية" و"الاكتئاب" من أكبر التحديات الصحية وهو ما يشرحه الأخصائي النفسي علي المُلقي خلال حديثه لبي بي سي قائلاً: "إن الساعة البيولوجية تتحكم في إفراز الهرمونات وتنظم عملية النوم والمزاج وعندما يُفرض على الجسم العمل في وقت الراحة الطبيعي، يتأثر نظامه بالكامل. الأمر لا يقتصر فقط على النوم، بل يشمل الذاكرة والانتباه والعلاقات الاجتماعية كذلك". وأضاف: "إن العمل وفق نظام المناوبات له تأثيرات على الجانبين العقلي والنفسي، إذ قد ينتج عنه ضعف في القدرة على أداء المهارات اليومية بالشكل الاعتيادي ووظائف الدماغ الدنيا والعليا، مثل التركيز والتفكير والتواصل والإبداع". وتؤكد الأخصائية النفسية نورة صلاح أن اضطراب الساعة البيولوجية للعاملين بنظام المناوبات يعد المشكلة الصحية الأكبر بقولها: "إن العمل بهذا النظام يؤدي إلى خلل في نظام النوم، إذ تتأثر الساعة البيولوجية وهي الساعة الداخلية للجسم المسؤولة عن تنظيم العمليات الجسدية والعقلية والسلوكية على مدار الساعة، بالضوء والظلام. وإن العمل بنظام المناوبات خلال الليل تحديداً يعطّل عملها، ويخل بتوازن أنظمة الجسم التي تتحكم بها". موضحة: "قد تزيد فرصة حدوث مشاكل تتمثل في قلة النوم والأرق لدى الأشخاص العاملين بنظام المناوبات وهذا كفيل بأن يُؤثر على مشاعر الشخص وتصرفاته فتجلعه عصبياً ومتوتراً، وفي حال لم يتم الانتباه لهذه المشاكل والتعامل معها أولاً بأول، فقد يزيد من احتمالية حدوث الاكتئاب لدى الأشخاص". وخلال حوارها مع بي بي سي قالت: "هناك دراسة حديثة نُشرت في أبريل/ نيسان الماضي أظهرت أن الأشخاص العاملين بنظام المناوبات تكون جودة نومهم أقل، وقد تزداد لديهم المشاكل النفسية". مضيفة: "هناك دراسة أخرى أظهرت أن العاملين وفق هذا النظام معرضون بنسبة 30 في المئة للاكتئاب، وأن الإناث أكثر عرضة للاكتئاب بنسبة 70 في المئة، وهو ما يشير إلى العزلة نتيجة عدم قدرة من يعملون بنظام المناوبات على قضاء وقتهم مع عائلاتهم أو أصدقائهم مما ينعكس سلباً على حالتهم المزاجية والنفسية". Getty Images "من أجل الوفاء لمعطفي الأبيض ولقبي في ملائكة الرحمة" ولمعرفة حقيقة ما يمكن وصفه بـ "معاناة" العاملين وفق نظام المناوبات ومحاولتهم إيجاد توازن بين طبيعة عملهم وحياتهم الخاصة، كنتُ قد أجريتُ عدداً من المقابلات مع أشخاص في قطاعات عملية مختلفة. قالت الممرضة تُقى عقرباوي التي تحدثّت لبي بي سي: "أنا ممرضة أعمل ضمن نظام المناوبات وأحاول دوماً التوفيق بين عملي وحياتي الخاصة، إلا أنني غالباً ما أجد نفسي أضحّي من أجل الوفاء لمعطفي الأبيض ولقبي في ملائكة الرحمة، إذ إنني لا أشارك عائلتي في أبسط الأمور ومنها تناول الطعام معهم وعدم مشاركتهم في معظم المناسبات العائلية والاجتماعية حتى أنني لا أرى وجه من أعتبرهم أغلى البشر لدي بسبب تلك المناوبات الليلية المرهقة والتعب الذي يرافقني ليجعلني أنام ساعات طويلة بمجرد انتهاء المناوبة". وأضافت: "تعد فكرة أنك المسؤول الأول عن حياة الأشخاص والتركيز للحفاظ على حياة المرضى من عدم حدوث أي خطأ طبي من العوامل التي تؤثر على حالتنا النفسية والعقلية لدرجة أنها تستنزف أرواحنا، إلى جانب عملنا وفق نظام المناوبات، إلا أنني أحاول تجاوز ذلك من خلال عدة أمور كالقيام بنشاط بدني ممتع ومفيد للتخلص من الطاقة السلبية، وأحياناً أحصل على إجازة من العمل لأجدد طاقتي، كما أن وجود زملاء عمل جيدين يسهم في مساعدتي على تجاوز التعب". وليس ببعيد عن الممرضة عقرباوي، قال الممرض عطا عقل الذي يعمل في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات خلال حواره مع بي بي سي: "أعمل وفق نظام المناوبات الليلية وحتى خلال العطل الرسمية، باعتباري أمثل خط الاستجابة الأول للحالات الحرجة والمفاجئة. كما أنني أعمل كمحاضر جامعي، ما يضيف بعداً أكاديمياً إلى جدولي المزدحم. وعليه أشعر أحياناً باستنزاف في طاقتي الذهنية والنفسية جرّاء الضغط المستمر والتعامل اليومي مع حالات طبية طارئة، خاصة حين يتزامن ذلك مع مسؤولياتي التدريسية". وفي سؤالي حول إمكانيته لتحقيق التوازن بين عمله بالمناوبات وحياته، أجاب: "أعترف أن الأمر ليس سهلاً، إذ أحاول أن أضع حدوداً واضحة بين العمل الطبي والأكاديمي، وأحرص على تخصيص وقت للعائلة حتى لو تطلب ذلك التخطيط المسبق بدقة. كما أنني أمارس المشي والتأمل، وأخصص وقتاً للصمت والابتعاد عن الشاشات. كما أنني أجد في التعليم الجامعي نوعاً من التوازن، فهو يمدني بطاقة مختلفة تُكمل الجانب العلاجي من عملي". وفي حديثه لبي بي سي قال الطبيب مهند وهو أخصائي عناية مركزة: "إن العمل وفق نظام المناوبات يؤثر سلباً على جميع مناحي الحياة، والمشكلة الأكبر تتمثل في النوم، نتيجة تغيير أوقات المناوبات إذ لا يمكنني النوم خلال أوقات العمل إلا لفترة قصيرة جداً وأقوم بتعويض ساعات النوم على حساب الوقت المخصص لعائلتي. وعلى الرغم من التعب والنعاس الشديدين بعد انتهاء فترة المناوبة فيكون من الصعب الدخول في النوم، وتكون جودة النوم سيئة جداً". وأضاف: "إن الطريقة الوحيدة الفعالة نوعاً ما لتحقيق التوازن بين عملي في المناوبات وحياتي هي التنسيق مع زملائي حيث أقوم بوضع أكبر عدد ممكن من المناوبات في أقصر فترة ممكنة لأتمكن من الحصول على فترات بدون مناوبات، ورغم ضغط العمل في فترات معينة إلا أنني أحصل على أوقات فراغ في المقابل". ويقف على مسافة قريبة أحمد خزاعلة الذي يعمل في مجال التحاليل الطبية، وكذلك المُعالِجة الطبيعية سارة حمد، اللذان تحدثا لبي بي سي عن شعورهما بالضغوط النفسية نتيجة العمل بنظام المناوبات: "من الصعب الفصل بين هذا النوع من نظام العمل والحياة الخاصة، ولكن لا بد من تحقيق التوازن ما أمكن عبر التواصل مع العائلة والجلوس معهم ومشاركتهم الأنشطة المختلفة في وقت الإجازة". Getty Images "بتُّ أفكر جدياً بترك العمل" تحدّثت الصحفية سارة سويلم التي تعمل في أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية عما وصفته بـ"المعاناة الحقيقية" جرّاء العمل في نظام المناوبات لبي بي سي قائلة: "أعمل في موقع إخباري في مجال إعداد وإنتاج المقابلات وتنسيق الضيوف للبرامج والأخبار والتقارير في الموقع، ورغم خبرتي الطويلة في هذا المجال، إلا أنني أعمل منذ نحو شهرين في موقع إخباري وفق نظام المناوبات التي أشعر وكأنها 20 عاماً، وليس مجرد هذه الفترة القصيرة". وتكمل بالقول: "تولّد شعوري هذا بسبب عدم الالتزام الإداري بالمناوبات، إذ غالباً ما يجري تغيير أوقات المناوبات بشكل مفاجئ، خاصةً إذا كان أحد الزملاء متعباً أو لديه ظروف خاصة أو أن هناك علاقة جيدة تربطه بالمسؤول عن الموقع تمنحه ميزة عدم العمل بنظام المناوبات، وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على نفسي ويُحدِث فجوة بين عملي وحياتي، خاصةً وأن لدي عائلة بحاجة للقيام بمسؤولياتي اتجاهها". وعن التأثير النفسي لنظام العمل بالمناوبات قالت سويلم: "المناوبات العشوائية أثرت على صحتي، إذ غالباً ما أشعر بالتعب والإرهاق لعدم حصولي على ساعات نوم كافية، وأفكر باستمرار لإنجاز العمل وإتقانه.. بتُّ أفكر جدياً بترك العمل، خاصةً أنني تعوّدت العمل وفق ساعات عمل محددة وثابتة. والآن أحاول تحقيق التوازن بين عملي وحياتي الخاصة من خلال النوم لعدة دقائق كي أستعيد بها طاقتي وأجددها، وأستمع أحياناً لبعض الموسيقى بهدف الاسترخاء". Getty Images "أعمل بنظام الاستعداد المستمر" خلال حوارها مع بي بي سي قالت المنسقة الإعلامية بإحدى القطاعات الصحية روضى الشريف: "عملي في المجال الإعلامي وخاصة في القطاع الطبي يقوم على التغطية المستمرة للأحداث والجولات والزيارات الرسمية، مما يتطلب التواجد في مواقع متعددة خلال أوقات غير تقليدية، قد تكون في ساعات مبكرة من الصباح أو متأخرة من الليل، فنحن نعمل بنظام الاستعداد المستمر، وغالباً ما نكون في قلب الحدث". وأضافت: " بطبيعة الحال، العمل في بيئة دائمة الحركة تتطلب اليقظة والسرعة والدقة، ما قد يشكل ضغطاً نفسياً وعقلياً إذا لم نكن مدرَّبين على إدارة التوتر. وبالفعل هناك لحظات من الإرهاق، وهناك أوقات يشعر فيها الإنسان أنه بحاجة إلى التوقف. أحياناً يكمن التحدي في التفاصيل الصغيرة، في التوفيق بين أكثر من مسؤولية، وفي الغياب عن لحظات شخصية، لكنه تحدٍ نواجهه بحب واحترافية". وفي سؤالي عن الخطوات التي يمكن أن تتبعها لتحقيق التوازن بين طبيعة عملها وحياتها، أجابت الشريف: "تحقيق التوازن في ظل هذا النمط من العمل ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً. أؤمن أن التنظيم هو مفتاح كل شيء، إذ أحرص على تخصيص وقت نوعي لعائلتي وأطفالي. كما أحرص على تخصيص وقت لنفسي سواء من خلال التأمل، أو ممارسة الرياضة أو الكتابة لأنني كاتبة روائية أيضاً". ويتفق يزن القرعان الذي يعمل موظفاً في أحد المطارات مع روضى بقوله: "أحاول القيام بتمارين التنفس باستمرار والجلوس في مكان هادئ، كما أحرص على الحصول على قسط كافٍ من النوم لأتجنب الضغط والتوتر بسبب عملي بنظام المناوبات". أما يحيى الذي يعمل في إدارة المنتجات الرقميّة فقال: "لا أشعر بتأثير نفسي وصحي مباشر بسبب عملي في المناوبات، لأنني أحب طبيعة عملي الذي أعتبره مسلياً وفيه نوع من الابتكار والاكتشاف والتنويع والتطوير. ورغم ذلك أحاول ترتيب أولوياتي وأحرص على التواصل مع عائلتي كلما سنحت لي الفرصة". Getty Images كيف يحافظ العاملون بنظام المناوبات على صحتهم؟ يتفق الأخصائيان النفسيّان علي المُلقي ونورة صلاح على عدد من النقاط التي ينصحان بها كل شخص يعمل وفق نظام المناوبات على اتباعها وهي كالتالي: تنظيم النوم بشكل محدد، وذلك عبر المحاولة بالنوم في نفس التوقيت بعد كل مناوبة، وتوفير بيئة مظلمة وهادئة. التعرض للضوء الطبيعي، وهو ما يساعد في إعادة ضبط الساعة البيولوجية، خاصة بعد مناوبة العمل الليلية. توزيع المناوبات بطريقة صحية، إذ لا بد من تجنب التحول المفاجئ من مناوبة ليلية إلى نهارية والعكس. الحفاظ على نظام غذائي متوازن، والتقليل من تناول الكافيين والسكريات خلال فترات الليل. ممارسة النشاط البدني بانتظام، إذ يُفضل ممارسة أي نشاط رياضي لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام أسبوعياً، وذلك بهدف تحسين جودة النوم وتعزيز الصحة الذهنية. ممارسة تمارين التنفس العميق وتمارين الاسترخاء العضلي والعقلي، وذلك لزيادة اليقظة والتركيز والنشاط. طلب الدعم النفسي عند الحاجة وعدم التردد في مراجعة الطبيب أو الاخصائي النفسي عند ظهور مؤشرات كالإجهاد العقلي أو الاكتئاب. ونصحت أخصائية التغذية أَوْلا دَعْنا خلال حديثها لبي بي سي أنه لضمان توازن غذائي أثناء المناوبات أن يقوم الأشخاص بالتحضير المسبق لوجباتهم في المنزل، موضحةً: "من المهم تناول وجبات منتظمة ومتوازنة تشمل الكربوهيدرات المعقدة والبروتينات والدهون الصحية كالأسماك والخضروات، إضافةً إلى شرب الماء بانتظام لتوفير الطاقة وتقليل الإحساس المستمر بالجوع. كما يُنصح بتقليل المنتجات التي تحتوي على الكافيين والأطعمة الغنية بالدهون، واختيار وجبات خفيفة تحتوي على أوميغا-3 والمغنيسيوم لما لها من تأثير مهدئ وملطف للأعصاب وأخرى تُحسّن من مستوى التركيز كالمكسرات والحليب والموز". بشكل عام، يرى العديد من الباحثين والمختصين، أنه رغم الآثار النفسية والعقلية التي قد تصاحب من يعملون وفق نظام المناوبات، إلا أنه عليهم التأقلم مع طبيعة عملهم وظروفه التي تتطلب ذلك من خلال إيجاد طرق وخطوات عملية فعالة وجدية تخفف من وطأة هذه الآثار على حياتهم.


الوسط
منذ 2 أيام
- الوسط
انقطاع خدمات مراكز الخصوبة يؤجل أحلام الإنجاب في غزّة لأجل غير مسمى
Getty Images في زاوية صغيرة من شقة مدمّرة في البلدة القديمة في غزة، يجلس محمد قرب زوجته نورة، ينظران بصمت إلى صور بالأبيض والأسود كانت على شاشة هاتف قديم. صور لأجنة مجمّدة كانت تمثّل لهما بداية حلم انتظراه طويلًا. محمد، شاب في الثلاثينات من عمره، كان يخضع للعلاج من مشكلة صحية تُعرف بـ"الخصية المعلّقة"، واحتفظ بعينة من سائله المنوي في أحد مراكز الإخصاب في غزة، بانتظار اللحظة المناسبة لتحقيق حلم الأبوة. أما نورة، من جهتها، فخاضت رحلة طويلة للعلاج من العقم، حتى استطاعت بعد سنوات من العلاج هي وزوجها، الخضوع لعملية حقن مجهري، انتهت بحمل في توأم، دام سبعة أشهر فقط. "داومنا أنا ومحمد على العلاج لمدة ثلاث سنوات حتى جاء تحليل الحمل إيجابيا ، وكان ذلك قبل شهرين فقط من بداية الحرب. لم تسعني الدنيا من الفرحة. فبعد أن أجريت عملية سحب بويضات وتم زراعة جنينين في رحمي والاحتفاظ بجنينين آخرين في مركز بسمة للإخصاب في غزة، قلت أخيرا تحقق حلمي. ولكن في اليوم الذي دخل فيه الإسرائيليون علينا، حدّثتني نفسي أن كل شيء انتهى". مثل آلاف الغزيين، اضطرت نورة وزوجها إلى النزوح مرارًا وسط أوضاع معيشية قاسية، شملت نقصًا حادًا في الغذاء والأدوية والفيتامينات الضرورية للحمل. فقدت نورة توأمها بعد سبعة أشهر إثر نزيف حاد. يقول محمد: "كنا نمشي كثيرا ونتنقل كثيرا من مكان لآخر، بالإضافة للقصف العشوائي الذي كان يثير الرعب في نفوسنا وخاصة لدى نورة وهي حامل. لن أنسى هذا اليوم أبدا. عانت من نزيف شديد ولم نستطع حتى توفير سيارة لنقلها للمستشفى، وفي النهاية تمكنا من نقلها عبر إحدى سيارات نقل القمامة، حتى وصلت للمستشفى وبدأ الإجهاض". وُلد أحد الجنينين ميتًا، أما الثاني فخرج حيّا، لكنه توفي بعد ساعات قليلة بسبب عدم توفر حضانات للخدج في غزة. "قالت لي إن الإجهاض تم بصورة وحشية في المستشفى. فلا أجهزة طبية متاحة ولا أطباء يستطيعون فعل شيء في ظل ما هو متاح"، يؤكد محمد. BBC محمد ونورة أبو القمبز كانا يستعدان لاستقبال طفليهما بعد رحلة علاج طويلة من العقم BBC خضعت نورا لعملية زرع الأجنة في مركز البسمة للإخصاب في غزة انتهت بالحمل في تؤام وفي مارس / آذار الماضي، اتهمت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إسرائيل بأنها "هاجمت ودمّرت عمدا" مركز البسمة للإخصاب والذي يعد أكبر مركز للخصوبة في القطاع. وأصدرت اللجنة تحقيقا يقول إن السلطات الإسرائيلية "دمرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة عبر التدمير الممنهج لقطاع الصحة الإنجابية" مشيرة إلى أنها ارتكتبت بذلك "أعمال إبادة". كما أشار التقرير الذي أعدّته لجنة من الخبراء بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل فرضت حصارا بشكل متزامن ومنعت المساعدات بما في ذلك الأدوية اللازمة لضمان سلامة الحمل والإنجاب ورعاية المواليد. وردا على التقرير، كانت البعثة الدائمة لإسرائيل لدى الأمم المتحدة قد أصدرت بيانا تقول فيه إنها "ترفض رفضا قاطعا هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة". كما أدان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التحقيق واصفا إياه بـ"السخيف والعار من الصحة". تم إنشاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2021 للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. حلم مؤجل إلى أجل غير معروف ورغم أن الأطباء قالوا إن نورة لا تزال لديها فرصة للحمل، فإن الواقع في غزة لا يمنح هذه الفرصة بسهولة. فقد توقفت جميع مراكز الإخصاب التسعة التي كانت موجودة في غزة، وكان مركز البسمة للإخصاب أكبرها من حيث الإمكانيات الطبية. تواصلت بي بي سي مع الجيش الإسرائيلي للتعليق عما يقوله مسؤولو المركز بشأن استهدافه، وقال الجيش الإسرائيلي "إنه لا يستهدف عمدا عيادات الإخصاب في غزة، ولا يسعى إلى الحد من إنجاب المدنيين في القطاع". وأضاف: "إن الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي يقصف هذه المواقع عمدًا لا أساس له من الصحة، ويُظهر سوء فهم تام لهدف عملياته في غزة". وتعليقا على قصف مركز البسمة، أشار الجيش الإسرائيلي لبي بي سي إلى أنه لا يستطيع تأكيد وقوع الهجوم على المركز نظرا لعدم توافر معلومات كافية عن التاريخ المحدد للهجوم. وأشار الرد الإسرائيلي إلى أن قواته "تعمل وفقا للقانون الدولي وتتخذ الاحتياطات اللازمة لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين". وفي هذا السياق، قال مسؤولو المركز لبي بي سي إنهم لم يتمكنوا من تحديد تاريخ وتوقيت القصف على المركز بسبب عدم تمكنهم من زيارته منذ أواخر نوفمبر / تشرين الثاني نظراً لظروف الحرب والهجمات المستمرة على القطاع، مشيرين إلى أنهم علموا بتدميره حين زاروه في أوائل ديسمبر / تشرين الأول عام 2023. BBC صورة اختبار الحمل الذي أجرته نورا وجاءت نتيجته إيجابية بالحمل في تؤأم Getty Images مختبر الأجنة في مركز البسمة للإخصاب في غزة بعد تعرضه للقصف قصة محمد ونورة ليست استثناءً، بل واحدة من عشرات القصص لنساء في غزة اصطدمن بالواقع ذاته. إسلام لُبّد، واحدة من هؤلاء النسوة، حملت بعد سنوات من المحاولات، لكنها لم تفرح بالحمل طويلًا. "بعد الحرب، لم يكن هناك أي استقرار. كل فترة قصيرة ننتقل من مكان إلى آخر. جسمي تعب، وحملي تعب معي"، هكذا تروي إسلام قصة فقدانها لجنينها بعد أشهر قليلة من الحمل الذي نتج عن عملية حقن مجهري أجرتها قبل الحرب. لا تملك الآن جنينًا مجمدًا ولا مكانًا تعيد فيه المحاولة. آمال خليل، هي الأخرى، خاضت رحلة علاجية طويلة استمرت ست سنوات قبل أن تتمكن من الحمل عبر الحقن المجهري وتضع طفلتها الأولى. كانت تحتفظ بجنين آخر في مركز الإخصاب، تخطط لزراعته هذا العام ليكون شقيقًا لطفلتها، لكن كما تقول: "كل شيء ضاع مع ضياع تدمير المختبر". "كنت أشعر أن هناك خطوة ثانية قريبة. كان عندي أمل في أخ له… ولكن الآن لا أخ ولا مركز". أما سارة خدري، فبدأت رحلتها مع الإخصاب عام 2020، ونجحت في تجميد أجنتها بعد مشوار صعب، وكانت أيضا تستعد لعملية الزرع، وتنتظر فقط اللحظة المناسبة، التي سبقتها الحرب. "أنا لا أستطيع حتى أن أبدأ مشوار الحقن المجهري. رأيت كل شيء ينهار وأنا في أول الطريق". "4000 جنين ذابوا في صمت" عن هذه الآمال المفقودة، تحدث لي الدكتور بهاء الغلاييني، مدير مركز بسمة للإخصاب، بنبرة لا تخلو من الحزن والذهول، وكأنه لا يصدق أن سنوات من العمل والعناية يمكن أن تختفي في لحظة. يقول الدكتور بهاء إن أهم ما كان في المركز حاضنتين تحويان نحو 4000 جنين مجمد وأكثر من 1000 عينة من السائل المنوي والبويضات، جميعها كانت تجسد أحلام الأمومة والأبوة لمئات النساء والرجال في غزة. "الحاضنتان اللتان دمرتا – وتكلفتهما أكثر من 10 آلاف دولار - كانتا مليئتين بسائل نيتروجيني يغمر العينات لحفظها وقبل قصف المركز بنحو أسبوعين، بدأ النيتروجين بالتناقص والتبخر". حاول مدير المختبر الدكتور محمد عجور – الذي نزح بدوره إلى جنوب غزة – التواصل مع مورد النتروجين في مستودع بمنطقة النصيرات في محاولة منه لإنقاذ العينات وإعادة ملئ الخزانات بالسائل المطلوب، غير أن شدة القصف حالت دون استطاعته الوصول إلى المركز لإعادة ملئ الحافظتين. يقول مدير المختبر الدكتور عجور متأسفا،"استطعت بصعوبة الوصول إلى مستودع غاز النتروجين في النصيرات وبالفعل استلمت أنبوبتين من الغاز وبقيتا معي، غير أنني لم أستطع الذهاب إلى المركز بسبب شدة القصف، وبعد نحو أسبوعين قصف المركز نفسه ولم تعد هناك حاجة أصلا لهذا الغاز." "أنا أتحدث عن 4000 جنين مجمّد، هذه ليست مجرد أرقام، بل أحلام لأشخاص انتظروا سنوات، وخضعوا لعلاجات وحقن مكثفة، وعلّقوا آمالهم على هذه الخزانات التي تحطمت في النهاية"، يقول الدكتور بهاء. ويقدّر الدكتور بهاء أن بين 100 إلى 150 امرأة فقدن فرصتهن الوحيدة أو شبه الوحيدة في الإنجاب، لأن كثيرات منهن لا يستطعن تكرار العملية. "هناك من هنّ في سن متقدمة، وهناك مريضات سرطان، وأخريات يعانين من أمراض مزمنة، أو تلقين جرعات عالية من منشطات التبويض لمرة واحدة. من الصعب جدًا أن يبدأن من جديد".


الوسط
منذ 2 أيام
- الوسط
علماء يقترحون طريقة جديدة لعلاج البعوض من الملاريا، فما هي؟
Getty Images رجّح باحثون أمريكيون أنه ينبغي إعطاء البعوض أدوية الملاريا للقضاء على العدوى حتى لا يتمكن من نشر المرض. وتنتشر طفيليات الملاريا، التي تقتل حوالي 600 ألف شخص سنوياً معظمهم من الأطفال، عن طريق إناث البعوض أثناء امتصاص الدم البشري. يأتي ذلك على النقيض مما هو متبع في مكافحة الملاريا في الوقت الراهن، إذ يتم قتل البعوض بالمبيدات الحشرية بدلاً من علاجه من الملاريا. لكنّ فريقاً من جامعة هارفارد اكتشف اثنين من العقاقير يُخلّصان حشرات الملاريا من هذه الطفيليات بنجاح عند امتصاصهما عبر أرجلها. ويُعد تشبع شبكات الأسِرّة الواقية من البعوض (الناموسيات) بهذا المزيج الدوائي هدفاً طويل الأجل للدراسة. كما أوصى الفريق أيضاً بتلقي اللقاحات لحماية الأطفال الذين يعيشون في المناطق المعرضة لخطر الإصابة بالملاريا. وتعتبر هذه الناموسيات بمثابة حاجز مادي وتحتوي أيضاً على مبيدات حشرية تقتل البعوض الذي يهبط عليها. لكن البعوض أصبح مقاوماً للمبيدات الحشرية في العديد من البلدان، وبالتالي لم تعد المواد الكيميائية تقتل الحشرات بنفس الفعالية التي كانت تتمتع بها في الماضي. وتقول الباحثة الأكاديمية ألكسندرا بروبست من جامعة هارفارد: "لم نحاول قتل الطفيليات في البعوض بشكل مباشر قبل ذلك، لأننا كنا نقتل البعوض فقط". وأضافت أن هذا النهج "لم يعد مجدياً". Getty Images يستهدف البحث معالجة البعوض من الملاريا بدلاً من قتله وقام الباحثون بتحليل الحمض النووي لمرض الملاريا للعثور على نقاط الضعف المحتملة أثناء إصابة البعوض. واستعرض الباحثون مكتبة كبيرة من الأدوية المحتملة وقلصوا الاختيارات إلى قائمة مختصرة من 22 دواءً. وخضعت تلك الأدوية للاختبار أثناء إعطاء إناث البعوض وجبة دم ملوثة بالملاريا. وفي مقالهم المنشور في مجلة "نيتشر"، حدد العلماء اثنين من العقاقير ثبتت فاعليتهما إلى حدٍ كبيرٍ بعد أن تمكنا من القضاء على 100 في المئة من هذه الطفيليات. وتم اختبار هذه الأدوية على خامة مشابهة للناموسية. وقالت بروبست: "حتى إذا نجا البعوض من الارتطام بالناموسية، يتم القضاء على الفطريات فتتوقف عن نقل الملاريا". وأضافت: "أعتقد أن هذا النهج مثير للاهتمام بالفعل، لأنه طريقة جديدة تماماً لاستهداف البعوض نفسه". وأشارت إلى أن فرص مقاومة طفيليات الملاريا للأدوية تكاد تكون منعدمة، إذ يوجد مليارات من هذه الطفيليات في جسم كل شخص مصاب - بينما لا يتجاوز عددها خمسة في جسم كل بعوضة. وقال باحثون إن تأثير الأدوية يستمر لمدة عام على الناموسيات، مما يجعلها بديلاً رخيصاً ومعمّراً للمبيدات الحشرية. وثبتت فاعلية هذا النهج معملياً. ويجري التخطيط للمرحلة التالية في إثيوبيا للتحقق من فعالية الناموسيات المضادة للملاريا على أرض الواقع. ومن المتوقع أن يستغرق الأمر ست سنوات على الأقل قبل استكمال كافة الدراسات لمعرفة ما إذا كان هذه الطريقة ستنجح أم لا. لكن الرؤية التي يقوم عليها هذا البحث تتمثل في أن تتم معالجة الناموسيات بالأدوية المضادة للملاريا والمبيدات الحشرية بحيث إذا لم تَصلح طريقة منهما، تنجح الأخرى.