
سلام الكونغو بين الآمال والواقع.. «إعلان المبادئ» يواجه فخ التأويلات
اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه في الدوحة، يرى خبراء سياسيون أنه يشكل خطوة أولية على طريق السلام، لكنه لا يزال بعيدًا عن كونه اختراقًا حقيقيًا.
وأشار الخبراء إلى أن الخلافات العميقة في تفسير البنود، خصوصًا المتعلقة بإعادة بسط سلطة الدولة، تنذر بمفاوضات شاقة وقد تضع الاتفاق برمّته على المحك.
وحذر الخبراء من أن إعلان المبادئ، رغم ما يحمله من رمزية دبلوماسية، لا يقدم حتى الآن سوى إطار عام هش، يفتقر إلى الآليات التنفيذية، ويخضع لتأويلات سياسية من كل طرف بما يخدم مصالحه الميدانية.
وبينما ترى الحكومة أن إعادة سلطة الدولة تقتضي انسحابًا فوريًا للمتمردين، تواصل حركة M23 فرض إدارتها على الأرض، رافضة أي انسحاب قبل اتفاق نهائي.
وبعد توقيع إعلان المبادئ بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة M23، يلوح الأمل في أفق السلام بشرق الكونغو، لكن سرعان ما يبدده الواقع الميداني المعقد والتباين الكبير في تفسير البنود الرئيسية للاتفاق.
فرغم الاتفاق على ضرورة إعادة بسط سلطة الدولة، يختلف الطرفان في تحديد ما تعنيه هذه "السلطة" ومتى وكيف يجب أن تُستعاد، ما ينذر بمفاوضات شاقة تبدأ قبل 8 أغسطس/آب المقبل، وقد تمتد إلى ما بعد الموعد المستهدف للتوقيع النهائي في 17 من الشهر نفسه.
إعادة بسط السلطة: اتفاق شكلي أم بداية صراع تفسيري؟
وذكرت إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية أنه "من بين أكثر البنود حساسيةً في إعلان المبادئ، تبرز مسألة "إعادة بسط سلطة الدولة" في المناطق التي تسيطر عليها حركة "M23.
وأوضحت الإذاعة الفرنسية أنه من الناحية النظرية، يبدو المبدأ مقبولًا لدى الطرفين، لكنه في الواقع نقطة خلافية كبرى، إذ ترى الحكومة الكونغولية أن انسحاب المتمردين يجب أن يكون شرطًا مسبقًا لأي تفاهم مستقبلي، بينما تصر الحركة على بقاء وجودها الإداري والعسكري مؤقتًا، وهو ما يتجلى بوضوح في محاولاتها السابقة لإنشاء نظام إداري موازٍ وتعيين حكام محليين، بل وحتى إنشاء دوائر مصرفية في تلك المناطق.
وقالت الإذاعة إنه "من اللافت أن النص الموقع لم يذكر صراحة كلمة "انسحاب"، بل اكتفى بالحديث عن "وقف دائم لإطلاق النار" و"منع أي تغييرات في مواقع السيطرة"، وهو ما يترك الباب مفتوحًا أمام تأويلات سياسية متباينة من الجانبين".
الاتفاق مجرد إعلان نوايا دون شمولية وتدرج زمني
من جهته، قال الباحث الفرنسي جان-لوك ليروي، المختص في شؤون الأمن الأفريقي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) في باريس لـ"العين الإخبارية"، إن إعلان المبادئ هو خطوة شكلية تحسب للدوحة من حيث الوساطة، لكنها لا تضمن النجاح السياسي على الأرض.
وأضاف أن "أي اتفاق لا يُحدّد بشكل واضح آليات استعادة الدولة ولا يقدّم جدولًا زمنيًا مرحليًا سيظل معرضًا للشلل عند أول اختبار ميداني".
وأكد ليروي أن التجارب السابقة مع حركات متمردة في أفريقيا الوسطى ومالي أظهرت أن غياب جدول زمني واضح لتفكيك الإدارات الموازية يؤدي إلى تطبيع الأمر الواقع بدلًا من فرض سلطة الدولة.
وبحسب الباحث الفرنسي فإن ما ينقص الاتفاق ليس النوايا، بل الرقابة الدولية والالتزام التدريجي من الجانبين بخطوات ملموسة على الأرض.
لا سلام دون إجماع وطني شامل
أما الباحث الكونغولي مارتن زياكواو، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الكاثوليكية في كينشاسا، فقال لـ"العين الإخبارية" إن "إعلان المبادئ يمثل فرصة ضرورية ولكنها غير كافية".
وأصر زياكواو على أن التحدي لا يكمن في صياغة النصوص، بل في ضمان أن تحظى بدعم سياسي واجتماعي واسع داخل البلاد، خاصة من المجموعات المسلحة الأخرى والقيادات المحلية التي تم تهميشها في المحادثات.
وحذر من سيناريو "انقلاب التحالفات" إذا شعرت أطراف محلية أخرى أن الحكومة تغازل M23 على حساب مطالبها.
وقال إنه "بدون ضمان تأييد هذه الأطراف، فإن أي اتفاق منفرد مع M23 قد يؤدي إلى حرب جديدة، لا إلى سلام دائم".
ما بعد الدوحة... هل تصمد المبادئ أمام الواقع؟
ويتفق كل من الباحثين الفرنسي والأفريقي على أن الطريق إلى السلام يمر عبر مفاوضات صعبة، وتوافق وطني، وآليات تنفيذ تدريجية وشفافة.
فبينما يحمل إعلان المبادئ رمزية مهمة كبداية لمسار جديد، فإن مستقبل الاستقرار في شرق الكونغو لا يزال مرهونًا بقدرة الأطراف على تجاوز لعبة التأويلات السياسية، والانخراط في تسويات واقعية تحترم وحدة الدولة ومطالب المجتمع المحلي في آن واحد.
aXA6IDEwNy4xNzIuNzUuMjcg
جزيرة ام اند امز
US

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ يوم واحد
- العين الإخبارية
باماكو المالية.. مدينة العائلات الثلاث ولعبة السلطة
في باماكو، عاصمة مالي، لا تزال حكايات الماضي والإرث الضارب في عمق التاريخ، ينبضان بالحياة في الذاكرة الجماعية لسكانها. فهذه المدينة، التي أصبحت اليوم مركزًا حضريًا متسارع الخطى، تحمل بين أحيائها وطرقها المعقّدة إرثًا ضاربًا في القدم؛ إرث تشكل على أيدي ثلاث عائلات كبرى، لعبت أدوارًا محورية في تأسيس المدينة، وتشكيل نسيجها الاجتماعي والسياسي. ونشأت باماكو في القرن السابع عشر من اندماج 4 قرى متجاورة، وتعود أولى الكتابات عن باماكو إلى الحقبة الواقعة بين عامي 1795 و1805. نشأت المدينة في الأساس على الضفة الشمالية لنهر النيجر ولكن مع التوسع والنمو العمراني أنشئت الجسور إلى الضفة الأخرى لتصل شمال النهر بجنوبه. فمن هم هؤلاء "الآباء المؤسسون" لباماكو؟ ومن أين أتوا؟ وكيف تعاملوا مع القوى الاستعمارية ومع الدولة المالية بعد الاستقلال؟ بين الاستعمار والاستقلال في هذا السياق، نقلت إذاعة "إر.إف إي" الفرنسية، عن الباحث بوكار سنغاري أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الحرة ببروكسل، الذي نشر كتاب: "العائلات المؤسسة لباماكو: تاريخ الدولة في مالي"، قوله إن ذاكرة القارة الأفريقية تأخذنا هذه المرة إلى باماكو، عاصمة مالي، حيث تختلط الأسطورة بالتاريخ، والموروث الشفهي بالوثائق القديمة. وبحسب التقاليد الشفوية وعدد من المخطوطات التاريخية، فإن تأسيس هذه المدينة التي لطالما كانت مفترق طرق ثقافي واقتصادي، يُنسب إلى ثلاث عائلات رئيسية: عائلة نيارِه، وعائلة توريه، وعائلة درافِه. لكن دور هذه العائلات لم يقتصر على مجرد التأسيس العمراني، بل كان تأسيسًا اجتماعيًا وسياسيًا وروحيًا. فقد ارتكز بناء المدينة على تحالفات زواجية، وتكاملٍ بين زعامات محلية، وانسجام بين القيم الدينية والمعارف التقليدية. من أين جاءت هذه العائلات؟ يرى كثير من الباحثين أن هذه العائلات الثلاث لم تأتِ إلى باماكو دفعة واحدة، بل عبر مراحل تاريخية متفرقة، تداخلت فيها الهجرات الداخلية مع الديناميكيات السياسية للإمبراطوريات الأفريقية القديمة، لا سيما إمبراطورية مالي وإمبراطورية السنغاي. وتمركزت كل عائلة في أحياء محددة، ولعبت دورًا محوريًا في تنظيم الحياة العامة، سواء في إدارة الأراضي، أو في فض النزاعات، أو حتى في الوساطة بين الجماعات الإثنية المختلفة. وأوضح سنغاري أن هذه العائلات كانت في البداية منخرطة في هيكل السلطة التقليدي المحلي، لكنها سرعان ما وجدت نفسها مجبرة على التفاعل مع السلطات الاستعمارية الفرنسية، مشيراً إلى أن بعض رموزها تعاونوا مع الإدارة الاستعمارية لضمان استقرار مجتمعاتهم، فيما فضّل آخرون مسار المعارضة أو الحذر. وتابع: "بعد الاستقلال، لم تخرج هذه العائلات من المشهد، بل أعادت التموقع ضمن مؤسسات الدولة الحديثة. بعض أفرادها أصبحوا نوابًا، وزراء، أو قادة محليين". وبحسب سنغاري، فإن هذه العائلات استطاعت استثمار إرثها الرمزي والاجتماعي لتأمين مكانة مؤثرة في الدولة المركزية، مما يطرح تساؤلات حول العلاقة بين الموروث التقليدي وبنية الدولة الحديثة في أفريقيا. لا تزال أسماء نيارِه، وتوريه، ودرافِه تتردد في أزقة باماكو، لا سيما في المناسبات الكبرى والاحتفالات التقليدية. فوجودهم يتجاوز حدود التاريخ ليصبح جزءًا من هوية المدينة نفسها. ومع ذلك، يحذر سنغاري من الرومانسية المفرطة في تناول هذه الرمزية، ويشدد على أهمية تفكيك العلاقة بين الإرث التقليدي والسلطة السياسية، خاصة في ظل التحولات العميقة التي تمر بها مالي، سواء على صعيد الأمن أو الحكم أو الهوية الوطنية. aXA6IDM4LjIyNS4xOC4xMTYg جزيرة ام اند امز SE


العين الإخبارية
منذ 7 أيام
- العين الإخبارية
«الإرهاب» يدمي الساحل الأفريقي..وخبراء لـ«العين الإخبارية»: هذه روشتة تحييد خطره
تم تحديثه الإثنين 2025/7/21 06:22 م بتوقيت أبوظبي مع انسحاب فرنسا من منطقة الساحل الأفريقي، بدأت بعض الحركات المسلحة تطل برأسها، مستعيدة زمام المبادرة بالهجمات الإرهابية، ما انعكس على الوضع الأمني في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. فراغ أمني، فتح الباب لتوترات وعمليات «إرهابية» باتت تهدد الاستقرار الإقليمي وتثير مخاوف دولية واسعة، وخاصة مع عدم قدرة تلك البلدان عن التصدي لتوسع التنظيمات المسلحة. فبعد أكثر من ثلاث سنوات بعد إنهاء عملية برخان الفرنسية، شهدت المنطقة تصاعدًا عنيفًا في هجمات الجماعات الإرهابية؛ ففي شهر واحد فقط، قُتل أكثر من 100 جندي مالي في هجوم على قاعدة بولكيسي (بالي يونيو)، فيما زعم التنظيم أن الهجمات قضت على أكثر من 400 جندي في مايو/أيار ويونيو/حزيران وحدهما، بحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. الصحيفة الفرنسية أشارت إلى أن تلك الهجمات لم تعد مقتصرة على مناطق نائية؛ بل أصابت مدنًا ومراكز حضرية في مالي وبوركينا والنيجر، بينما امتد تأثير التنظيم إلى شمال بنين وتوجو، ما يهدد الساحل بأكمله. ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإن تنظيمين رئيسيين يهيمنان على المشهد في الساحل الأفريقي، وهما: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM أو JNIM)، وهي فرع تابع لتنظيم القاعدة، تنشط بالأساس في مالي وبوركينا فاسو، وتنظيم داعش الإرهابي في الساحل (EIS)، ويُظهران تطورًا تكتيكيًا في استعمال طائرات بدون طيار وأسلحة مضادة للطيران، وتجاوزًا للمليشيات المحلية في القوة والسيطرة. الأسباب يقول ألان أنتل، من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IFRI)، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن القوات الأمنية في مالي وبوركينا فاسو والمنطقة شهدت انهيارًا شبه كامل، جراء: ضعف العتاد الفساد نقص الموارد عوامل اجتمعت، جعلت من الصعب تأمين أراض شاسعة ممتدة عبر الحدود الثلاثية، بحسب الباحث السياسي الفرنسي، الذي قال إنه بعد انقلاب 2022 في بوركينا، قُتل أكثر من 100 جندي في هجوم على موقع عسكري في مانسيلا – اعتبر من «أقسى الاختراقات» التي شهدها الجيش البوركيني مؤخرًا. كما فقدت بوركينا أكثر من نصف أراضيها فعليًا تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية. نظام مواز؟ وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الجماعات الإرهابية تستخدم السيطرة التدريجية على المناطق لفرض نظام موازٍ، بخدمات قطاعية موازية، من تحصيل الضرائب إلى الإدارة المحلية، بهدف إرساء نظام حكم خدماتي يطمح إلى بديل محلي للدولة». وفي استراتيجيات مماثلة، يعتمد التنظيم على تعبئة المجتمعات المهمشة، خاصة الفولاني، متقمصًا دور «المدافع عن المظلومين» لتوظيف توترات محلية لصالحه. هذه التكتيكات وفرت له شبكة دعم محلية تسهل تحركاته وتوسعه. و«الفولاني» مجموعة عرقية في الصحراء الكبرى والساحل وغرب أفريقيا، منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة. ويرى الباحث الفرنسي، أن خروج باريس لم يكن نظاميًّا فقط، بل أدى إلى تآكل تأثير الشركاء التقليديين، وخلق فراغا أمنيا لم تستطع التكتلات الإقليمية معالجته، رغم تشكيل تحالف دول الساحل الثلاث (AES)، إلا أن ضعف المؤسسات وعدم وجود تمويل مستدام تجعل هذه المحاولات «من دون روح تنفيذ». وأشار إلى أن الدول الثلاث استبدلت الشركاء الغربيين بمزودي حماية من العالم الروسي، مما أثبت محدودية عند مواجهة هجمات منظمَّة ومتطورة، مؤكدًا أن الحرب تتركز الآن في قلب المدن ومراكز الحكم، وليست مجرد تمرد ريفي. وعانت بوركينا فاسو من تعطيل خدمات أساسية مثل: التعليم والرعاية الصحية في مناطق عدة بسبب استهداف المدارس والمدرسين من قبل التنظيمات الإرهابية، كما أن ضعف التنسيق بين البلدان الثلاثة يعزز من مسار الانفلات الأمني، رغم الدعوات لتعزيز التعاون عبر الحدود. مستقبل غامض وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الحرب على الإرهاب في الساحل لا تعتمد فقط على القوة العسكرية»، مؤكدًا أن التركيز فقط على العمليات المسلحة يعطي مؤشرات نجاح وهمية. وأوضح أن الشراكات الإقليمية وحدها لا تكفي، فهناك حاجة حقيقية إلى: استعادة المؤسسات فك شبكة النفوذ التي تمكن المجموعات الإرهابية من تحويل نفسها لقوة تنظيمية مدنية دعم دولي تدريب مؤسساتي حماية سكان المناطق المتضررة. تمكين المجتمعات المحلية الاستثمار في بناء الدولة الأمر نفسه، أشار إليه الباحث الأفريقي باكاري سامبي، مؤسس ومدير "معهد تمبكتو للدراسات بالعاصمة السنغالية داكار، والذي قال في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "مكافحة الإرهاب تتطلب: انتقال الانخراط الدولي ينتقل من الدعم العسكري لبناء مؤسسات محلية قوية تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، وتكسر احتكار التنظيمات الإرهابية للسيطرة المجتمعية. تعزيز العلاقات بين الدولة والمجتمع المدني مشاركة السكان المحليين في كسر دوائر الغضب سامبي أشار إلى أن المنظمات المسلحة باتت تتحكم في الواقع المجتمعي جزئيًا عبر تقديم خدمات بديلة—تعليم، محاكم محلية، وتوزيع مساعدات—ما يُبرز ضرورة إدماج السكان المحليين في الحلول السياسية والاستراتيجيات الأمنية المستدامة وأكد أن المعادلة الأمنية في الساحل اليوم باتت: استقرار الدولة لا يبنى بالسلاح فقط، بل بحاجة إلى استعادة سيادة الدولة عبر المشاركة الشعبية والتحول المؤسساتي. aXA6IDEzNi4wLjE5NS4xNzgg جزيرة ام اند امز US


العين الإخبارية
منذ 7 أيام
- العين الإخبارية
سلام الكونغو بين الآمال والواقع.. «إعلان المبادئ» يواجه فخ التأويلات
هل ينهي اتفاق المبادئ الموقع بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة M23 المسلحة الحرب بين الجانبين؟ اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه في الدوحة، يرى خبراء سياسيون أنه يشكل خطوة أولية على طريق السلام، لكنه لا يزال بعيدًا عن كونه اختراقًا حقيقيًا. وأشار الخبراء إلى أن الخلافات العميقة في تفسير البنود، خصوصًا المتعلقة بإعادة بسط سلطة الدولة، تنذر بمفاوضات شاقة وقد تضع الاتفاق برمّته على المحك. وحذر الخبراء من أن إعلان المبادئ، رغم ما يحمله من رمزية دبلوماسية، لا يقدم حتى الآن سوى إطار عام هش، يفتقر إلى الآليات التنفيذية، ويخضع لتأويلات سياسية من كل طرف بما يخدم مصالحه الميدانية. وبينما ترى الحكومة أن إعادة سلطة الدولة تقتضي انسحابًا فوريًا للمتمردين، تواصل حركة M23 فرض إدارتها على الأرض، رافضة أي انسحاب قبل اتفاق نهائي. وبعد توقيع إعلان المبادئ بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة M23، يلوح الأمل في أفق السلام بشرق الكونغو، لكن سرعان ما يبدده الواقع الميداني المعقد والتباين الكبير في تفسير البنود الرئيسية للاتفاق. فرغم الاتفاق على ضرورة إعادة بسط سلطة الدولة، يختلف الطرفان في تحديد ما تعنيه هذه "السلطة" ومتى وكيف يجب أن تُستعاد، ما ينذر بمفاوضات شاقة تبدأ قبل 8 أغسطس/آب المقبل، وقد تمتد إلى ما بعد الموعد المستهدف للتوقيع النهائي في 17 من الشهر نفسه. إعادة بسط السلطة: اتفاق شكلي أم بداية صراع تفسيري؟ وذكرت إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية أنه "من بين أكثر البنود حساسيةً في إعلان المبادئ، تبرز مسألة "إعادة بسط سلطة الدولة" في المناطق التي تسيطر عليها حركة "M23. وأوضحت الإذاعة الفرنسية أنه من الناحية النظرية، يبدو المبدأ مقبولًا لدى الطرفين، لكنه في الواقع نقطة خلافية كبرى، إذ ترى الحكومة الكونغولية أن انسحاب المتمردين يجب أن يكون شرطًا مسبقًا لأي تفاهم مستقبلي، بينما تصر الحركة على بقاء وجودها الإداري والعسكري مؤقتًا، وهو ما يتجلى بوضوح في محاولاتها السابقة لإنشاء نظام إداري موازٍ وتعيين حكام محليين، بل وحتى إنشاء دوائر مصرفية في تلك المناطق. وقالت الإذاعة إنه "من اللافت أن النص الموقع لم يذكر صراحة كلمة "انسحاب"، بل اكتفى بالحديث عن "وقف دائم لإطلاق النار" و"منع أي تغييرات في مواقع السيطرة"، وهو ما يترك الباب مفتوحًا أمام تأويلات سياسية متباينة من الجانبين". الاتفاق مجرد إعلان نوايا دون شمولية وتدرج زمني من جهته، قال الباحث الفرنسي جان-لوك ليروي، المختص في شؤون الأمن الأفريقي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) في باريس لـ"العين الإخبارية"، إن إعلان المبادئ هو خطوة شكلية تحسب للدوحة من حيث الوساطة، لكنها لا تضمن النجاح السياسي على الأرض. وأضاف أن "أي اتفاق لا يُحدّد بشكل واضح آليات استعادة الدولة ولا يقدّم جدولًا زمنيًا مرحليًا سيظل معرضًا للشلل عند أول اختبار ميداني". وأكد ليروي أن التجارب السابقة مع حركات متمردة في أفريقيا الوسطى ومالي أظهرت أن غياب جدول زمني واضح لتفكيك الإدارات الموازية يؤدي إلى تطبيع الأمر الواقع بدلًا من فرض سلطة الدولة. وبحسب الباحث الفرنسي فإن ما ينقص الاتفاق ليس النوايا، بل الرقابة الدولية والالتزام التدريجي من الجانبين بخطوات ملموسة على الأرض. لا سلام دون إجماع وطني شامل أما الباحث الكونغولي مارتن زياكواو، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الكاثوليكية في كينشاسا، فقال لـ"العين الإخبارية" إن "إعلان المبادئ يمثل فرصة ضرورية ولكنها غير كافية". وأصر زياكواو على أن التحدي لا يكمن في صياغة النصوص، بل في ضمان أن تحظى بدعم سياسي واجتماعي واسع داخل البلاد، خاصة من المجموعات المسلحة الأخرى والقيادات المحلية التي تم تهميشها في المحادثات. وحذر من سيناريو "انقلاب التحالفات" إذا شعرت أطراف محلية أخرى أن الحكومة تغازل M23 على حساب مطالبها. وقال إنه "بدون ضمان تأييد هذه الأطراف، فإن أي اتفاق منفرد مع M23 قد يؤدي إلى حرب جديدة، لا إلى سلام دائم". ما بعد الدوحة... هل تصمد المبادئ أمام الواقع؟ ويتفق كل من الباحثين الفرنسي والأفريقي على أن الطريق إلى السلام يمر عبر مفاوضات صعبة، وتوافق وطني، وآليات تنفيذ تدريجية وشفافة. فبينما يحمل إعلان المبادئ رمزية مهمة كبداية لمسار جديد، فإن مستقبل الاستقرار في شرق الكونغو لا يزال مرهونًا بقدرة الأطراف على تجاوز لعبة التأويلات السياسية، والانخراط في تسويات واقعية تحترم وحدة الدولة ومطالب المجتمع المحلي في آن واحد. aXA6IDEwNy4xNzIuNzUuMjcg جزيرة ام اند امز US