
«الإرهاب» يدمي الساحل الأفريقي..وخبراء لـ«العين الإخبارية»: هذه روشتة تحييد خطره
مع انسحاب فرنسا من منطقة الساحل الأفريقي، بدأت بعض الحركات المسلحة تطل برأسها، مستعيدة زمام المبادرة بالهجمات الإرهابية، ما انعكس على الوضع الأمني في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
فراغ أمني، فتح الباب لتوترات وعمليات «إرهابية» باتت تهدد الاستقرار الإقليمي وتثير مخاوف دولية واسعة، وخاصة مع عدم قدرة تلك البلدان عن التصدي لتوسع التنظيمات المسلحة.
فبعد أكثر من ثلاث سنوات بعد إنهاء عملية برخان الفرنسية، شهدت المنطقة تصاعدًا عنيفًا في هجمات الجماعات الإرهابية؛ ففي شهر واحد فقط، قُتل أكثر من 100 جندي مالي في هجوم على قاعدة بولكيسي (بالي يونيو)، فيما زعم التنظيم أن الهجمات قضت على أكثر من 400 جندي في مايو/أيار ويونيو/حزيران وحدهما، بحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.
الصحيفة الفرنسية أشارت إلى أن تلك الهجمات لم تعد مقتصرة على مناطق نائية؛ بل أصابت مدنًا ومراكز حضرية في مالي وبوركينا والنيجر، بينما امتد تأثير التنظيم إلى شمال بنين وتوجو، ما يهدد الساحل بأكمله.
ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإن تنظيمين رئيسيين يهيمنان على المشهد في الساحل الأفريقي، وهما: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM أو JNIM)، وهي فرع تابع لتنظيم القاعدة، تنشط بالأساس في مالي وبوركينا فاسو، وتنظيم داعش الإرهابي في الساحل (EIS)، ويُظهران تطورًا تكتيكيًا في استعمال طائرات بدون طيار وأسلحة مضادة للطيران، وتجاوزًا للمليشيات المحلية في القوة والسيطرة.
الأسباب
يقول ألان أنتل، من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IFRI)، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن القوات الأمنية في مالي وبوركينا فاسو والمنطقة شهدت انهيارًا شبه كامل، جراء:
ضعف العتاد
الفساد
نقص الموارد
عوامل اجتمعت، جعلت من الصعب تأمين أراض شاسعة ممتدة عبر الحدود الثلاثية، بحسب الباحث السياسي الفرنسي، الذي قال إنه بعد انقلاب 2022 في بوركينا، قُتل أكثر من 100 جندي في هجوم على موقع عسكري في مانسيلا – اعتبر من «أقسى الاختراقات» التي شهدها الجيش البوركيني مؤخرًا. كما فقدت بوركينا أكثر من نصف أراضيها فعليًا تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية.
نظام مواز؟
وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الجماعات الإرهابية تستخدم السيطرة التدريجية على المناطق لفرض نظام موازٍ، بخدمات قطاعية موازية، من تحصيل الضرائب إلى الإدارة المحلية، بهدف إرساء نظام حكم خدماتي يطمح إلى بديل محلي للدولة».
وفي استراتيجيات مماثلة، يعتمد التنظيم على تعبئة المجتمعات المهمشة، خاصة الفولاني، متقمصًا دور «المدافع عن المظلومين» لتوظيف توترات محلية لصالحه. هذه التكتيكات وفرت له شبكة دعم محلية تسهل تحركاته وتوسعه.
و«الفولاني» مجموعة عرقية في الصحراء الكبرى والساحل وغرب أفريقيا، منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة.
ويرى الباحث الفرنسي، أن خروج باريس لم يكن نظاميًّا فقط، بل أدى إلى تآكل تأثير الشركاء التقليديين، وخلق فراغا أمنيا لم تستطع التكتلات الإقليمية معالجته، رغم تشكيل تحالف دول الساحل الثلاث (AES)، إلا أن ضعف المؤسسات وعدم وجود تمويل مستدام تجعل هذه المحاولات «من دون روح تنفيذ».
وأشار إلى أن الدول الثلاث استبدلت الشركاء الغربيين بمزودي حماية من العالم الروسي، مما أثبت محدودية عند مواجهة هجمات منظمَّة ومتطورة، مؤكدًا أن الحرب تتركز الآن في قلب المدن ومراكز الحكم، وليست مجرد تمرد ريفي.
وعانت بوركينا فاسو من تعطيل خدمات أساسية مثل: التعليم والرعاية الصحية في مناطق عدة بسبب استهداف المدارس والمدرسين من قبل التنظيمات الإرهابية، كما أن ضعف التنسيق بين البلدان الثلاثة يعزز من مسار الانفلات الأمني، رغم الدعوات لتعزيز التعاون عبر الحدود.
مستقبل غامض
وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الحرب على الإرهاب في الساحل لا تعتمد فقط على القوة العسكرية»، مؤكدًا أن التركيز فقط على العمليات المسلحة يعطي مؤشرات نجاح وهمية.
وأوضح أن الشراكات الإقليمية وحدها لا تكفي، فهناك حاجة حقيقية إلى:
استعادة المؤسسات
فك شبكة النفوذ التي تمكن المجموعات الإرهابية من تحويل نفسها لقوة تنظيمية مدنية
دعم دولي
تدريب مؤسساتي
حماية سكان المناطق المتضررة.
تمكين المجتمعات المحلية
الاستثمار في بناء الدولة
الأمر نفسه، أشار إليه الباحث الأفريقي باكاري سامبي، مؤسس ومدير "معهد تمبكتو للدراسات بالعاصمة السنغالية داكار، والذي قال في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "مكافحة الإرهاب تتطلب:
انتقال الانخراط الدولي ينتقل من الدعم العسكري لبناء مؤسسات محلية قوية تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، وتكسر احتكار التنظيمات الإرهابية للسيطرة المجتمعية.
تعزيز العلاقات بين الدولة والمجتمع المدني
مشاركة السكان المحليين في كسر دوائر الغضب
سامبي أشار إلى أن المنظمات المسلحة باتت تتحكم في الواقع المجتمعي جزئيًا عبر تقديم خدمات بديلة—تعليم، محاكم محلية، وتوزيع مساعدات—ما يُبرز ضرورة إدماج السكان المحليين في الحلول السياسية والاستراتيجيات الأمنية المستدامة
وأكد أن المعادلة الأمنية في الساحل اليوم باتت: استقرار الدولة لا يبنى بالسلاح فقط، بل بحاجة إلى استعادة سيادة الدولة عبر المشاركة الشعبية والتحول المؤسساتي.
aXA6IDEzNi4wLjE5NS4xNzgg
جزيرة ام اند امز
US

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 7 ساعات
- العين الإخبارية
سلاح حزب الله.. ليس المشكلة بل أحد أعراضها
في لبنان، يُعاد اليوم طرح السؤال الذي يبدو ظاهريًا أمنيًا، لكنه في جوهره وجودي: هل يمكن نزع سلاح "حزب الله"؟ سؤالٌ تتضخم حوله التحليلات، وتتكاثر فيه الوصفات الدولية، ويتحوّل على ألسنة السياسيين إلى لازمة شعبية، بينما الحقيقة التي لا يريد أحد التحديق فيها أن السلاح ليس هو المشكلة.. بل هو أحد أعراضها. لقد سبق أن جرّب العرب، هذا النموذج من "النزع الناعم" في التسعينيات خلال معالجة معضلة العائدين من أفغانستان، عبر مشروع ضخم للمناصحة، أُنفق عليه المليارات، وتم تجنيد له علماء وعسكريين وخبراء نفس، وتقديم السكن والراتب والسيارة وخطبة الجمعة المدروسة... ثم ماذا؟ ها نحن اليوم نعيش واقع "الذئاب المنفردة"، ونحصي عمليات الطعن والدهس، ونراقب الخلايا النائمة، التي لم تنم، بل تحوّرت، لا أحد يقولها بصراحة، لكن المشروع فشل، ليس لأنه خالٍ من النيّة، بل لأنه خالٍ من الجرأة. لم يكن الفشل بسبب قسوة البرنامج، بل لأنه بدأ من منتصف الطريق، عالج السلوك، وتغافل عن الفكرة، استبدل السلاح بالحوار، لكن أبقى جذور العقيدة دون مساس، لم يدخل إلى نواة الإسلام السياسي، حيث تتربّع مفاهيم "الحاكمية"، و"الولاء والبراء"، و"الإمامة"، و"دولة الجماعة لا دولة الوطن"، وها هي النتائج اليوم تنطق. يقول علي عبد الرازق منذ قرن مضى: "لم يعرف الإسلام منصب الخليفة إلا بعد أن عرف السيف"، وها نحن إلى اليوم، لا نعرف كيف نُفرّق بين الدين والإمارة، بين العقيدة والمليشيات، بين الحق الإلهي والدستور الوضعي، فكيف نتوهّم أننا قادرون على سحب سلاح مَن يظنّ نفسه في ثغور آخر الزمان؟ "حزب الله" ليس استثناءً، بل هو النموذج الأشد تعقيدًا، لا لأنه يملك ترسانة عسكرية عابرة للدولة، بل لأنه يحمل سردية دينية شاملة، يرى من خلالها نفسه "امتدادًا لولاية الفقيه"، و"جنديًا في جيش الإمام الغائب"، و"وصيًّا على الطائفة"، و"البديل عن الدولة"، فكيف تسحب سلاحًا من رجل يعتقد أن هذا السلاح "تكليف شرعي" لا يجوز تعطيله حتى في زمن الهدنة؟ اليوم يُطرح في بيروت سيناريو "دمج عناصر الحزب" في الجيش اللبناني، والقول إن المعضلة تحلّ متى ما دخلت الصواريخ تحت إمرة الضباط، يا لهذا الوهم، هل نسيتم أن جيوشًا عربية بكامل عتادها تهاوت، لأن أفكارًا من هذا النوع كانت تنخرها من الداخل؟، هل نسيتم الجيش العراقي، حين اخترقته الولاءات المذهبية؟، هل نسيتم الجيش السوري، حين أصبح أداة في يد المليشيات؟، هل نسيتم كيف تحوّل الحرس الثوري في إيران إلى دولة داخل الدولة، بل فوق الدولة؟ الجيش ليس مؤسسة تقنية فقط، بل هو الوعاء السيادي الأول، فإن دخلته عناصر تؤمن بأن الطائفة فوق الوطن، وأن الإمام فوق القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد زرعتَ في صميم الدولة بذرة زوالها. لم تجرؤ أغلب الأنظمة على تسمية المشكلة باسمها الحقيقي: إن تجديد الخطاب الديني ليس ترفًا فكريًا، بل أمنا قوميا، كل دولة لا تملك نسخة واضحة من الدين تتسق مع دستورها، ستجد نفسها في لحظة ما في مواجهة "دين آخر" يُدار من خارج الحدود، الدين هنا ليس شعائر، بل مشروع سلطة، وحين لا تُحدّد له سقفًا، يصير سقف الوطن كله مهدّدًا بالسقوط. "حزب الله" هو أحد فروع هذا الدين البديل، سلاحه ليس فقط ما يُطلق من الجنوب نحو إسرائيل، بل ما يُحقن في العقول داخل الضاحية، عناصره ليسوا فقط من يحملون الكلاشينكوف، بل أولئك الذين يؤمنون بأن لبنان محطة في طريق القدس، لا وطنًا نهائيًا، وكل مشروع لا يبدأ من تفكيك هذه العقيدة، هو مشروع يُجمل الكارثة، لا يعالجها، لكن الأزمة لا تتوقف عند حزب أو مليشيات أو ترسانة، بل تعود جذورها إلى "الخطأ التأسيسي" الذي ارتُكب منذ عقود. فلبنان لم يسقط فقط تحت وطأة السلاح، بل بدأ سقوطه منذ أن تمّ التوقيع على اتفاق الطائف عام 1989، ذلك الاتفاق الذي قدّم نفسه كمصالحة وكعلاج للحرب الأهلية، لكنه في جوهره كان "تنازلًا جماعيًا" عن فكرة الدولة الوطنية لصالح "نظام المحاصصة"، سُمّيت الطوائف مكونات، وأُلبست الزعامات رداء السيادة، وفُكّكت الدولة باسم التوازن، حتى غدت أجهزة الحكم تُدار كمصرف طائفي، لا كجهاز وطني جامع. وهكذا، في ظلّ الطائف، لم تعد السيادة موحدة، بل موزعة على طوائف. لم يعد الولاء للدستور، بل للزعيم، يقول الراحل غسان تويني: "لبنان ليس وطناً بل مجموعة مشاريع دول صغيرة تتعايش على ورقة نعوة"، تلك النعوة بدأت في الطائف، واستُكملت برصاص حزب الله. وها هو المشهد يُراد تكراره، ولكن هذه المرة... في اليمن، ما يُحضّر اليوم في مطابخ التسوية اليمنية، من مشاريع تقسيم وتدوير للنفوذ تحت شعار "تمثيل المكونات"، ليس سوى إعادة إنتاج للطائف اللبناني، يريدون أن يُنشئوا دولة اتحادية لا تقوم على السيادة، بل على الحصص، لا على الهوية الوطنية، بل على هوية الجماعة، سواء كانت مذهبية أو قبلية أو مناطقية. وفي القلب من هذا المخطط، تقع محاولة إجهاض الدولة الوطنية الجنوبية التي قدّمت نفسها شريكًا واضحًا للتحالف العربي، ومشروعًا للدولة المدنية التي سقطت مرتين: مرة عام 1990 حين تمّ ابتلاعها باسم الوحدة، ومرة عام 1994 حين تمّ اجتياحها باسم الشرعية. هناك نزعة واضحة لإخضاع الجنوب لإرادة الإسلام السياسي، عبر منطق المحاصصة، و"تذويبه" في تركيبة هلامية تشبه النظام اللبناني، الهدف ليس فقط تفكيك الجنوب، بل إضعافه سياسيًا، حتى يبقى تحت سقف الغير، لا تحت رايته. وإذا لم يُدرك صناع القرار أن منع تكرار النموذج اللبناني في اليمن هو أولوية سيادية، فإننا سنجد أنفسنا بعد سنوات أمام "حزب الله يمني"، و"ضاحية جنوبية في تعز"، و"طائف جديد على ضفاف عدن. الجنوب لا يطلب امتيازًا، بل يطلب ألا يُعاد إقحامه في معادلات فاشلة، يريد أن يكون شريكًا في التنمية ومنافساً ضمن الإقليم العربي، لا ضحية في "الدويلة"، يريد أن يكون حليفًا للمشروع العربي، لا رهينةً في المشروع الطائفي، والخلاصة؟، لا تبنوا مشروع نزع سلاح دون نزع العقيدة التي صنعت السلاح. ولا تقيموا دولة في اليمن على أنقاض الجنوب، لأن الجنوب الذي صمد وحده، سيبقى وحده إذا لزم الأمر، فهو سيبقى مصرّاً على أن يلتصق بالتجربة الإماراتية الحالمة لعله معها يصل إلى المريخ، والتاريخ، إن لم يُفهم من تجربة بيروت، سيُكتب من جديد.. على طريقة صنعاء.


صقر الجديان
منذ 12 ساعات
- صقر الجديان
خطر عودة الإسلاميين يلوح في أفق السودان بدعم من الجيش ومحور إيران – تركيا
الخرطوم – صقر الجديان حذّرت وكالة رويترز في تقرير لها بتاريخ 25 مايو 2025، من تنامي نفوذ الحركة الإسلامية السودانية، التي كانت مرتبطة بنظام عمر البشير، وسط مؤشرات واضحة على محاولات متسارعة لإعادة ترتيب صفوفها بدعم من القوات المسلحة التابعة لسلطة بورتسودان. ووفقًا للتقرير، فإن الخطر لا يقتصر على الداخل السوداني فقط، بل يمتد ليهدد توازنات إقليمية، خصوصًا مع دول مثل الإمارات التي لطالما تبنّت نهجًا صارمًا تجاه التيارات الإسلامية المتطرفة. هارون يروّج لعودة الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع أبرز التقرير تصريحات أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول والمطلوب دوليًا، والذي عبّر عن أمله في أن تتيح الانتخابات المقبلة طريقًا لعودة حزبه والحركة الإسلامية إلى الحكم، متوقعًا استمرار هيمنة الجيش على السلطة بعد انتهاء الحرب. ويرى مراقبون أن هارون، لا يتحدث من فراغ، بل يعكس واقع تحالف متنامٍ بين القوات المسلحة السودانية وفلول النظام السابق، ضمن خطة لإطالة أمد المرحلة الانتقالية، وتفصيلها بما يخدم أجندات الإسلاميين العسكرية والسياسية. تسليح الجيش عبر محور إيران–قطر–تركيا نقلت رويترز عن مصادر عسكرية أن شخصيات إسلامية نافذة استعادت علاقاتها القديمة مع طهران والدوحة وأنقرة، وبدأت بتقديم دعم عسكري مباشر للجيش، من خلال إمدادات سلاح وتسهيلات لوجستية. هذا التحالف يعكس تبدلًا استراتيجيًا خطيرًا، يُعيد إحياء محاور إقليمية طالما عُرفت بمواقفها العدائية تجاه الدول المعتدلة. التقرير أشار بوضوح إلى أن هذه التحركات تهدد التوازنات التي سعت الإمارات لتكريسها منذ الإطاحة بالبشير، وتفتح الباب أمام صراع إقليمي جديد تغذّيه تحالفات إسلامية–عسكرية منبوذة دوليًا. موقف الإمارات: دعم التحول المدني ومجابهة الإسلام السياسي أكد تقرير رويترز أن دولة الإمارات كانت أحد أبرز الداعمين للإطاحة بنظام البشير عام 2019، ضمن استراتيجيتها الإقليمية لمحاصرة نفوذ الإسلاميين في السودان والمنطقة. لكنها تواجه اليوم تحديًا جديدًا، مع توجه الجيش السوداني لبناء تحالفات مع أطراف إقليمية ترى في الإسلام السياسي وسيلة للتمدد والنفوذ. وحذّرت الوكالة من أن صعود الإسلاميين في السودان لا يُهدد فقط العملية السياسية الهشة، بل يزيد من احتمالات المواجهة مع قوى إقليمية، خاصة أبوظبي، التي لطالما شكّلت جدار صد أمام مشاريع الإخوان المسلمين وحلفائهم في المنطقة.


الاتحاد
منذ 18 ساعات
- الاتحاد
فقه التعايش بين الشعوب
فقه التعايش بين الشعوب في عصر تتعدد فيه الأديان والمذاهب والتوجهات الفكرية، يحل فقه التعايش بين الشعوب أهمية قصوى لضمان الاستقرار والنمو الاجتماعي، ودوره يسهم بشكل كبير في ازدهار الحضارات. إنَّ التنوع والاختلاف بين الشعوب هو من سنن الله الجارية في خلقه وتبرز الحاجة الملحّة إلى فقهٍ يُعيد تنظيم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان على أسس العدل والكرامة والاحترام المتبادل. وهذا هو جوهر فقه التعايش والهدف الأصيل منه، والذي يُمثّل إحدى أرقى تجليات الشريعة الإسلامية في تعاملها مع واقع التنوع البشري.فقه التعايش لا يعني التنازل عن العقائد التي يعتقدها الفرد أو المجتمع، ولا الانسلاخ من الهوية، بل هو أسلوب تعامل يضبط العلاقة مع الآخر دينياً وثقافياً وحضارياً وفق مقاصد الشريعة وأحكامها بما يحقق السلام المجتمعي ويمنع الصدام، ويُسهم في بناء حضارةٍ إنسانية مشتركة. فالله سبحانه خلق الناس مختلفين، ولم يجعلهم على ملّة واحدة، واختلافهم في الألسن والألوان والمعتقدات سنةٌ كونية لا تزول. قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. (سورة هود، الآية 118) التعايش هو الاستجابة الحضارية لهذا الاختلاف. وهو لا يقتصر على التعايش بين الأديان، بل يشمل الأعراق والثقافات والمذاهب والاتجاهات الفكرية. وقد أسّس الإسلام لهذا الفهم منذ بواكيره، حين قرّر أن «لا إكراه في الدين»، وشرّع التعامل الإنساني مع غير المسلمين، وحثّ على البر والإحسان إليهم، ما داموا لا يعتدون. إن التعايش ليس مجرّد حالة سلبية من التحمّل والصبر، بل هو سلوكٌ فاعل يُنتج بيئةً من التعاون والتكافل والتشارك في الخير العام. والإسلام حين دعا أتباعه إلى التعايش، لم يربط ذلك بضعف أو مصلحة وقتية، بل جعله من المبادئ الأصيلة التي تنبع من صميم مقاصده في حفظ النفس والعقل والدين والكرامة الإنسانية. ومن نتائج الصراع القائم اليوم في بعض البلدان، غياب الوعي بفقه التعايش، وانحراف الخطاب الديني أو السياسي نحو الإقصاء والاستعلاء، مما يُنتج بيئات مشحونة بالكراهية والعداء. بينما في المقابل، يُسهم ترسيخ فقه التعايش في بناء مجتمعات مستقرة، تحترم التعدد، وتستثمره في التنمية والتطور . ومن الدعائم الأساسية لهذا الفقه: أولاً: الحرية الدينية والفكرية، حرية المعتقد هي حجر الزاوية في فقه التعايش. فالله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان حرية الاختيار، وقال: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (سورة البقرة، الآية 256)، وهذه الآية أصلٌ في احترام القناعات الدينية والفكرية، طالما لم تتحول إلى أداةٍ للعدوان أو الإفساد. وقد حرصت الشريعة على أن يبقى باب الهداية مفتوحاً بالقناعة لا بالإكراه، وبالبيان لا بالإذلال. ثانياً: المساواة مع الجميع، وهذه قيمة أخلاقية دينية أساسية لا تتأثر بدين الإنسان أو لونه أو جنسيته. وقد أمر الله بالمساوة حتى مع من يُخالفك في الدين، فقال: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ (سورة المائدة، الآية 8) والمساواة في فقه التعايش يعني أن يُعامل الإنسان بما يستحقه من كرامة وحقوق، لا بما يُمليه الانتماء أو الهوى. ثالثاً: احترام كرامة الإنسان: وهي أصلٌ من أصول الشريعة، وهي ليست حكراً على المسلم. قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (سورة الإسراء، الآية 70)، والآية عامة في كل إنسان، لا تُفرّق بين مؤمن وكافر. وهذه الكرامة تفرض على المجتمع أن يحمي حياة الناس ومعتقداتهم وأموالهم، وأن يمنع أي اعتداء أو امتهان لهم باسم الدين أو العرق. رابعاً: التسامح الإنساني: لا يعني التسامح تذويب الهويات أو السكوت عن الباطل، بل هو تحمّل اختلاف الآخر، وتقبّل وجوده، والتعامل معه بأدب وخلق، دون أن يتحوّل الخلاف إلى سبب في العدوان. التسامح يُنتج مجتمعات متماسكة، تحترم بعضها، وتستطيع التعاون على الخير، دون أن تُذيب خصوصياتها الثقافية أو العقدية. هذه المبادئ ليست تنظيرات مثالية، بل هي واقع ملموس عاشته شعوب كثيرة في ظل فقه التعايش الإسلامي، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة رشيدة أرست السلام في المنطقة، وأتاحت لأتباع الديانات المختلفة ممارسة شعائرهم والعيش بأمان وطمأنينة، اقتداءً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة. وفي هذا السياق، يُشيد المراقبون كثيراً بسياسات دولة الإمارات، التي تُجسّد نموذجاً حيوياً للتعايش بين المسلمين وغيرهم، في ظل احترام تام للخصوصيات، وتعاون على أساس المواطنة، لا الذوبان. أما على مستوى بناء الحضارة، فإن التعايش يُعتبر شرطاً أساسياً في نشوء المدن وتطور العلوم وتبادل المعارف. فالحضارات لا تنمو في بيئات العزلة والانغلاق، بل حين تتفاعل مع غيرها، وتتبادل الأفكار والتجارب. والتاريخ يُثبت أن الحضارة الإسلامية بلغت أوجها حين احتضنت العلماء من مختلف الخلفيات، وأنتجت مدارس فكرية طوّرت العلوم الشرعية والدنيوية معاً. إن التعايش، بهذا المعنى، ليس فقط قيمة أخلاقية، بل هو ضرورة وجودية، وأداة لبناء السلم المجتمعي، ومحرّك للتقدم الحضاري. فحيث يغيب التعايش، تحضر الكراهية، وتتفكك المجتمعات، وتتعطل عجلة البناء. إن فقه التعايش هو دعوة واقعية إلى تأسيس مجتمعات مستقرة، قائمة على الاحترام، والتعدد، والعدل. وهو فقه المستقبل، لأن المستقبل لا يمكن أن يُبنى على الإقصاء، بل على الاعتراف، لا على الهيمنة، بل على الشراكة، لا على العنف، بل على السلام. ومن العبارات الخالدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «إن نهج الإسلام هو التعامل مع كل شخص كإنسان بغض النظر عن عقيدته أو عرقه». * مستشار برلماني