
زيارتي إلى الولايات المتحدة
زيارتي إلى #الولايات_المتحدة
د. #أيوب_أبودية
نيويورك
لم أرغب يوما في #زيارة الولايات المتحدة الأمريكية بفعل ما قرأته ودرسته حول الرأسمالية الشرسة والهيمنة الامبريالية على العالم. كان لدي شعور داخلي أنني سأكون في بلدٍ لا يشبهني، ولا يشبه ما أؤمن به من قيم #العدالة و #الحرية.
لكن، وكما هي الحياة مليئة بالمفارقات، وجدت نفسي في نيويورك في استضافة رفيق المدرسة فارس قاقيش، أبو صقر، حيث كان يرافقني يوميا لاستكشاف المدينة، وكان يحببني بها ويخبرني كم هو سعيد مع زوجته الأمريكية وأبنائه، وغمرني بمحبته وكرمه وذكريات الماضي الشجية والشقاوة على مقاعد الدراسة، قبل أن أنطلق بالقطار إلى العاصمة السياسية واشنطن للمشاركة في مؤتمر أكاديمي في جامعة جورج تاون، إحدى أعرق الجامعات الأمريكية وحيث تخرج الكثير من الاردنيين، ومنهم صديقي الاستاذ علي قسي.
وهناك، بدأت الصورة تتغير. #واشنطن ليست فقط عاصمة القرار السياسي، بل هي مدينة نابضة بالحياة، تجمع بين التاريخ والثقافة، وبين التنظيم الدقيق والمساحات الخضراء الواسعة، ووسائل النقل العام الممييزة، وتحديدا المترو.
في أروقة المؤتمر، التقيت بأشخاص تركوا أثراً في نفسي، منهم د. فداء العديلي، ابنة بلدتي الفحيص، التي شعرت بقربها رغم أننا لم نلتق يوماً، ولكنني كنت أعرف عمها أبونا موسى العديلي طيب الذكر رحمه الله، وأيضا تعرفت إلى الدكتور اللبناني ناجي أبي عاد، الذي أضاف بحديثه دفئاً شرقياً للمكان. اللقاء بهؤلاء منحني شعوراً بأن الانتماء ليس بالضرورة جغرافياً فقط، بل يمكن أن يكون فكرياً وثقافياً.
ولن أنسى تلك الفتاة الأمريكية التي كانت جالسة على الأرض في درجات حرارة تقارب الصفر المئوي، وهي تلصق منشورات تطالب بوقف دعم الجامعة لإسرائيل بفعل حرب العرقبادة على الشعب الفلسطيني. سألتها: هل انت عربية أم مسلمة؟ قالت لا، لدي أصدقاء عرب وعلمت منهم ما يدور هناك من جرائم وبالتالي فانا اقوم بواجبي كإنسانة اميركية تحب الجميع وتدعو إلى السلام.
كم ثمٌنت منها هذا الموقف الانساني، فأحببت أميركا أكثر، وتذكرت راشيل كوري التي قتلتها جرافة إسرائيلية وهي تدافع عن بيوت الفلسطينيين لمنع هدمها. كما تذكرت عشرات اليهود الذين دافعوا عن حقوق الفلسطينيين على حساب مصالحهم ووظائفهم والذين ذكرتهم في كتابي الاخير: يهود ضد الصهيونية ( أصوات من أجل العدالة) الذي صدر عن دار الان في عمان مؤخرا.
وما أضفى طابعاً خاصاً على زيارتي، كان اتصال زياد أبودية، أبو رمزي، ابن عمي الذي لم أره منذ هاجر مع عائلته في نحو عشرة أفراد منذ مطلع السبعينيات. علم زياد من فيسبوك أنني في واشنطن، وأصرّ أن أزوره هو وأخوته. كان اللقاء مؤثراً للغاية؛ فالحكايات لم تنتهِ، ومشاعر الحنين كانت طاغية. ما لفتني أن محبتهم لأمريكا، التي أصبحت وطنهم، لا تقل عن محبتهم للأردن واقربائه، حتى أنه ارسل لي صورة لوالدي يوم زفافهما والتي ما زال يحتفظ بها، هل اصدقون؟ وكأنهم ما زالوا يعيشون على ضفّتي الانتماء، دون أن تتناقض المشاعر أو تتشقق الافئدة، ويحكم أيها الأحبة ما أروعكم.
واشنطن مدينة جميلة ومنظمة، والعيش فيها ليس سهلاً للمبتدئين، فالحياة هنا تتطلب جهداً ومثابرة، ولكنها في الوقت ذاته تفتح آفاقاً وفرصاً لا تُحصى. لم أكن أتوقع أن أقول هذا، لكنني أحببتها، أحببت طاقتها وتنوعها وشعبها الطيب وشوارعها التي تقف لك مركباتها احتراما عندما تعبرها دون أن تطلق أبواقها أو تحاول دهسك أو تسمعك كلاما نابيا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جهينة نيوز
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- جهينة نيوز
رحلتي الأولى إلى واشنطن: بين التردد والانبهار
تاريخ النشر : 2025-04-12 - 01:41 pm د. أيوب أبودية واشنطن لطالما ترددت في زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت مواقفي منها متأثرة بما قرأته ودرسته حول النظام الرأسمالي والهيمنة العسكرية التي تمارسها على العالم، ودعمها غير المحدود للكيان الصهيوني. كان لدي شعور داخلي أنني سأكون في بلدٍ لا يشبهني، ولا يشبه ما أؤمن به من قيم العدالة والحرية. لكن، وكما هي الحياة مليئة بالمفارقات، وجدت نفسي في نيويورك في استضافة رفيق المدرسة فارس قاقيش، أبو صقر، حيث كان يرافقني يوميا لاستكشاف المدينة، وغمرني بمحبته وكرمه قبل أن أنطلق بالقطار إلى العاصمة السياسية واشنطن للمشاركة في مؤتمر أكاديمي في جامعة جورج تاون، إحدى أعرق الجامعات الأمريكية. وهناك، بدأت الصورة تتغير. واشنطن ليست فقط عاصمة القرار السياسي، بل هي مدينة نابضة بالحياة، تجمع بين التاريخ والثقافة، وبين التنظيم الدقيق والمساحات الخضراء الواسعة. في أروقة المؤتمر، التقيت بأشخاص تركوا أثراً في نفسي، منهم د. فداء العديلي، ابنة بلدتي الفحيص، التي شعرت بقربها رغم أننا لم نلتق يوماً، ولكنني كنت أعرف عمها أبونا موسى العديلي طيب الذكر رحمه الله، والدكتور اللبناني ناجي أبي عاد، الذي أضاف بحديثه دفئاً شرقياً للمكان. اللقاء بهؤلاء منحني شعوراً بأن الانتماء ليس بالضرورة جغرافياً فقط، بل يمكن أن يكون فكرياً وثقافياً. ولن أنسى تلك الفتاة الأمريكية التي كانت جالسة على الأرض في درجات حرارة تقارب الصفر المئوي، وهي تلصق منشورات تطالب الجامعة بوقف دعم الجامعة لإسرائيل بفعل حرب العرقبادة على الشعب الفلسطيني. سألتها هل انت عربية أم مسلمة، قالت لا، لدي أصدقاء عرب وعلمت منهم ما يدور هناك من جرائم وانا اقوم بواجبي كإنسان اميركي يحب الجميع ويدعو إلى السلام. كم ثمٌنت منها هذا الموقف الانساني، فأحببت أميركا أكثر، وتذكرت راشيل كوري التي قتلتها جرافة إسرائيلية وهي تدافع عن بيوت الفلسطينيين لمنع هدمها. كما تذكرت عشرات اليهود الذين دافعوا عن حقوق الفلسطينيين على حساب مصالحهم ووظائفهم والذين ذكرتهم في كتابي الاخير: يهود ضد الصهيونية. وما أضفى طابعاً خاصاً على زيارتي، كان اتصال زياد أبودية، أبو رمزي، ابن عمي الذي لم أره منذ هاجر مع عائلته في مطلع السبعينيات. علم من فيسبوك أنني في واشنطن، وأصرّ أن أزوره هو وأخوته. كان اللقاء مؤثراً للغاية؛ فالحكايات لم تنتهِ، ومشاعر الحنين كانت طاغية. ما لفتني أن محبتهم لأمريكا، التي أصبحت وطنهم، لا تقل عن محبتهم للأردن، وكأنهم يعيشون على ضفّتي الانتماء، دون أن تتناقض المشاعر أو تتشقق الافئدة. واشنطن مدينة جميلة ومنظمة، والعيش فيها ليس سهلاً للمبتدئين، فالحياة هنا تتطلب جهداً ومثابرة، ولكنها في الوقت ذاته تفتح آفاقاً وفرصاً لا تُحصى. لم أكن أتوقع أن أقول هذا، لكنني أحببتها، أحببت طاقتها وتنوعها وشعبها الطيب، وأحببت هذا التناقض الذي جمعني بها، لأكتشف نفسي من جديد بين ما كنت أعتقده، وما عشته فعلاً. كانت هذه الرحلة أكثر من مجرد زيارة... كانت مصالحة. تابعو جهينة نيوز على


سواليف احمد الزعبي
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- سواليف احمد الزعبي
زيارتي إلى الولايات المتحدة
زيارتي إلى #الولايات_المتحدة د. #أيوب_أبودية نيويورك لم أرغب يوما في #زيارة الولايات المتحدة الأمريكية بفعل ما قرأته ودرسته حول الرأسمالية الشرسة والهيمنة الامبريالية على العالم. كان لدي شعور داخلي أنني سأكون في بلدٍ لا يشبهني، ولا يشبه ما أؤمن به من قيم #العدالة و #الحرية. لكن، وكما هي الحياة مليئة بالمفارقات، وجدت نفسي في نيويورك في استضافة رفيق المدرسة فارس قاقيش، أبو صقر، حيث كان يرافقني يوميا لاستكشاف المدينة، وكان يحببني بها ويخبرني كم هو سعيد مع زوجته الأمريكية وأبنائه، وغمرني بمحبته وكرمه وذكريات الماضي الشجية والشقاوة على مقاعد الدراسة، قبل أن أنطلق بالقطار إلى العاصمة السياسية واشنطن للمشاركة في مؤتمر أكاديمي في جامعة جورج تاون، إحدى أعرق الجامعات الأمريكية وحيث تخرج الكثير من الاردنيين، ومنهم صديقي الاستاذ علي قسي. وهناك، بدأت الصورة تتغير. #واشنطن ليست فقط عاصمة القرار السياسي، بل هي مدينة نابضة بالحياة، تجمع بين التاريخ والثقافة، وبين التنظيم الدقيق والمساحات الخضراء الواسعة، ووسائل النقل العام الممييزة، وتحديدا المترو. في أروقة المؤتمر، التقيت بأشخاص تركوا أثراً في نفسي، منهم د. فداء العديلي، ابنة بلدتي الفحيص، التي شعرت بقربها رغم أننا لم نلتق يوماً، ولكنني كنت أعرف عمها أبونا موسى العديلي طيب الذكر رحمه الله، وأيضا تعرفت إلى الدكتور اللبناني ناجي أبي عاد، الذي أضاف بحديثه دفئاً شرقياً للمكان. اللقاء بهؤلاء منحني شعوراً بأن الانتماء ليس بالضرورة جغرافياً فقط، بل يمكن أن يكون فكرياً وثقافياً. ولن أنسى تلك الفتاة الأمريكية التي كانت جالسة على الأرض في درجات حرارة تقارب الصفر المئوي، وهي تلصق منشورات تطالب بوقف دعم الجامعة لإسرائيل بفعل حرب العرقبادة على الشعب الفلسطيني. سألتها: هل انت عربية أم مسلمة؟ قالت لا، لدي أصدقاء عرب وعلمت منهم ما يدور هناك من جرائم وبالتالي فانا اقوم بواجبي كإنسانة اميركية تحب الجميع وتدعو إلى السلام. كم ثمٌنت منها هذا الموقف الانساني، فأحببت أميركا أكثر، وتذكرت راشيل كوري التي قتلتها جرافة إسرائيلية وهي تدافع عن بيوت الفلسطينيين لمنع هدمها. كما تذكرت عشرات اليهود الذين دافعوا عن حقوق الفلسطينيين على حساب مصالحهم ووظائفهم والذين ذكرتهم في كتابي الاخير: يهود ضد الصهيونية ( أصوات من أجل العدالة) الذي صدر عن دار الان في عمان مؤخرا. وما أضفى طابعاً خاصاً على زيارتي، كان اتصال زياد أبودية، أبو رمزي، ابن عمي الذي لم أره منذ هاجر مع عائلته في نحو عشرة أفراد منذ مطلع السبعينيات. علم زياد من فيسبوك أنني في واشنطن، وأصرّ أن أزوره هو وأخوته. كان اللقاء مؤثراً للغاية؛ فالحكايات لم تنتهِ، ومشاعر الحنين كانت طاغية. ما لفتني أن محبتهم لأمريكا، التي أصبحت وطنهم، لا تقل عن محبتهم للأردن واقربائه، حتى أنه ارسل لي صورة لوالدي يوم زفافهما والتي ما زال يحتفظ بها، هل اصدقون؟ وكأنهم ما زالوا يعيشون على ضفّتي الانتماء، دون أن تتناقض المشاعر أو تتشقق الافئدة، ويحكم أيها الأحبة ما أروعكم. واشنطن مدينة جميلة ومنظمة، والعيش فيها ليس سهلاً للمبتدئين، فالحياة هنا تتطلب جهداً ومثابرة، ولكنها في الوقت ذاته تفتح آفاقاً وفرصاً لا تُحصى. لم أكن أتوقع أن أقول هذا، لكنني أحببتها، أحببت طاقتها وتنوعها وشعبها الطيب وشوارعها التي تقف لك مركباتها احتراما عندما تعبرها دون أن تطلق أبواقها أو تحاول دهسك أو تسمعك كلاما نابيا.


جهينة نيوز
١٤-٠٣-٢٠٢٥
- جهينة نيوز
فارس قاقيش يكتب: بين الدولة والشركة: هل تُدار الأوطان بمنطق الربح والخسارة؟
تاريخ النشر : 2025-03-14 - 11:44 am *بين الدولة والشركة: هل تُدار الأوطان بمنطق الربح والخسارة؟ فارس قاقيش نيويورك ليس بالضرورة أن تُدار البلاد كما تُدار الشركات. عندما انتُخب جورج بوش الابن، فوجئت بحماس أصدقائي في المجال الصناعي، فقد كانوا مذهولين ومتفائلين لمجرد أنه يحمل شهادة في إدارة الأعمال. كانوا مقتنعين بأن البلاد ستُدار كما تُدار الشركات الكبرى، وكأن النجاح السياسي يُقاس بمعايير النجاح الاقتصادي في قطاع الأعمال. لكن هذا المنطق أثار استغرابي، لأنني أرى الوطن شيئًا مقدسًا، المكان الوحيد الذي دائما يرحب بك إذا طرقت بابه. ومع ذلك، اكتشفت أن العديد من الأمريكيين ينظرون إلى الوطن بمنظور رأسمالي بحت، وكأنه مجرد مؤسسة ضخمة يجب أن تخضع لقواعد الربح والخسارة. لقد نشأوا ودرسوا وتخرجوا ليعملوا في شركة أو وظيفة توفر لهم حياة مستقرة وآمنة، حتى باتوا يرون أن أي شيء لا يتوافق مع منطق الشركات يعني أن هناك خللًا في الوطن نفسه. اليوم، ما يحدث في أمريكا يتماشى تمامًا مع هذه الرؤية، حيث أصبحت الدولة بالنسبة لكثيرين مجرد كيان اقتصادي يجب أن يُدار وفق معايير الأسواق، متجاهلين أن الدولة، على عكس الشركات، لا يمكن أن يكون جوهرها الربح، بل يجب أن يكون جوهرها رفاهية المواطنين، خاصة الأضعف والأقل حظًا. في الدول الأكثر تحضرًا، يكون الهدف هو ضمان الحقوق الأساسية مثل التعليم المجاني والرعاية الصحية، وهي أمور لا يمكن أن تكون جزءًا من رسالة أي شركة، لأنها تتعارض مع جوهر الفكر الرأسمالي الذي يسعى إلى تعظيم الأرباح دون اعتبار للبعد الإنساني. من خلال عملي في شركات امريكيه كبرى، رأيت كيف أن إدارات الموارد البشرية، التي يُفترض أن تكون مسؤولة عن العنصر البشري، تتحول إلى "منشار" يقطع شريان الحياة للموظفين عند أول أزمة. عندما يواجه السوق ركودًا أو تتجاوز التكاليف الأرباح، يأتي "منشار الموارد البشرية" ليقضي على الوظائف دون أي اعتبار لما تم تحقيقه من إنجازات. في النهاية، كل شيء يدور حول "النتيجة النهائية" أو Bottom Line. لكن في الدول، لا يمكن أن تكون النتيجة النهائية مجرد أرقام في الميزانية، بل يجب أن تكون رفاهية المواطنين وضمان حياة كريمة لهم. الفرق الجوهري بين الدولة والشركة يكمن في أن الأولى كيان اجتماعي وأخلاقي يحتضن جميع أفراده، بينما الثانية كيان اقتصادي يُدار وفق مصالح مساهميه. لكن المفارقة الكبرى أن شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي قبلت بهذه الفكرة حتى بات كثيرون يقيسون نجاح الدولة بمدى ازدهار أسواقها، وليس بمدى سعادة ورفاهية شعبها. أمثلة واقعية على هيمنة الفكر الرأسمالي على الدولة 1. الضمان الصحي: بين أمريكا والدول الأوروبية في الولايات المتحدة، لا يُعتبر الضمان الصحي حقًا أساسيًا، بل سلعة تُباع وتشترى، تخضع لمنطق العرض والطلب. في الأزمات، مثل أزمة ٢٠٠٨ أو حتى جائحة كورونا، فقد الملايين تأمينهم الصحي بمجرد فقدان وظائفهم، لأن النظام الصحي قائم على التأمين الخاص الذي توفره الشركات. في المقابل، في دول مثل كندا أو ألمانيا أو الدول الاسكندنافية، يُعتبر التأمين الصحي خدمة عامة ممولة من الضرائب، ولا يخضع لمعايير الربح والخسارة كما هو الحال في أمريكا. 2. التعامل مع الأزمات الاقتصادية: الأزمة المالية ٢٠٠٨ عندما ضربت الأزمة المالية عام ٢٠٠٨، أنقذت الحكومة الأمريكية البنوك والشركات الكبرى عبر ضخ مليارات الدولارات في الأسواق، بينما تركت ملايين المواطنين يواجهون خطر فقدان منازلهم ووظائفهم دون دعم كافٍ. المنطق كان واضحًا: إنقاذ "الشركات الكبرى" لأن الاقتصاد يعتمد عليها، بينما المواطن العادي لم يكن في صدارة الأولويات. في المقابل، في دول مثل ألمانيا وفرنسا، تم توجيه مساعدات مباشرة للمواطنين ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على الوظائف. 3. التعليم الجامعي: الاستثمار أم حق أساسي؟ التعليم الجامعي في أمريكا يُنظر إليه كرأس مال استثماري، مما أدى إلى ديون طلابية ضخمة تلاحق الخريجين لعقود. الجامعة تُدار كشركة، حيث يُحدد القبول وفق القدرة على الدفع أو الحصول على قروض، وليس كحق أساسي كما هو الحال في دول مثل فنلندا أو ألمانيا، حيث التعليم الجامعي مجاني أو شبه مجاني. 4. التعامل مع الكوارث الطبيعية: كاترينا كنموذج عند وقوع إعصار كاترينا عام ٢٠٠٥، أظهرت استجابة الحكومة الأمريكية كيف يُدار الوطن بعقلية الشركات. لم تكن الأولوية إنقاذ الأرواح بأسرع وقت، بل كان هناك تباطؤ شديد في إرسال المساعدات لأن الحكومة الفيدرالية لم تعتبر التدخل "استثمارًا ضروريًا" في الوقت المناسب. في المقابل، عند حدوث كوارث طبيعية في اليابان أو بعض الدول الأوروبية، يتم حشد الموارد فورًا بغض النظر عن التكلفة، لأن الدولة هناك تُدار بفلسفة "الإنسان أولًا". 5. سياسات التوظيف والتسريح في القطاع العام في أمريكا، ومعظم الدول التي تتبنى النموذج الرأسمالي المتطرف، يتم التعامل مع الوظائف الحكومية بنفس منطق الشركات: إذا كانت الميزانية تعاني، يتم تسريح الموظفين أو تقليل الامتيازات. بينما في دول مثل فرنسا أو الدول الاسكندنافية، تحافظ الحكومة على استقرار الوظائف العامة لأن الموظف الحكومي يُعتبر جزءًا من استقرار المجتمع وليس مجرد تكلفة اقتصادية. واخيرا الفارق بين الدولة والشركة ليس مجرد مسألة نظرية، بل ينعكس بشكل مباشر على حياة الناس وسياسات الدول. حين تصبح الدولة مجرد كيان اقتصادي، تُختزل حياة المواطن إلى أرقام في ميزانية، وتُدار شؤون البلاد بمنطق الأسواق. لكن الدولة ليست شركة، والمواطن ليس موظفًا يمكن الاستغناء عنه عند الأزمات. الدولة الحقيقية هي التي تُدار بمنطق العدل والرفاهية الاجتماعية، حيث يكون الإنسان هو الأولوية وليس الأرباح. تابعو جهينة نيوز على