
هل سيغدر ترامب بأحمد الشرع؟
توفيق رباحي
كاتب صحافي جزائري
عندما أعلن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا في خطابه الشهير في الرياض، أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانطباع بأنه مع سوريا قلبا وروحا.
عدا عن الأبعاد السياسية للقرار وحيثياته، يجب أيضا ربطه بشخصية ترامب ونرجسيته المفرطة، ومن ثمة القول إنه قرر رفع العقوبات خدمة لمصلحته وغروره هو أيضا.
في شخصيته المركّبة، يمتلك ترامب جانبا قابلا للأخذ والرد معه طالما في الأمر مصلحة شخصية وإرضاء لغروره الذاتي، ثم مصلحة لإسرائيل أو أن الموضوع لا يضر بأمنها ومصالحها.
للوهلة الأولى يبدو قرار رفع العقوبات عن سوريا بلا أيّ صلة مع إسرائيل، وربما متعارض مع مصالحها. لكنه في الأصل هو يقع في صلب مصلحة إسرائيل إذا ما فكرنا بشيء من العمق: هدف ترامب من رفع العقوبات أن ترد سوريا الكرة بإعلان دخولها في مسار التطبيع مع إسرائيل تحت إشرافه ورعايته هو شخصيا وليس أحدا غيره. هكذا يصيب عصفورين بحجر واحد.
لكن التطبيع يبدو الآن متعثرا بسبب أحداث السويداء وضلوع إسرائيل المباشر والتخريبي فيها. ورغم ذلك لم يسمع العالم من ترامب تنديدا صريحا بالعربدة الإسرائيلية في سوريا. ولم يسمع منه دعوة صريحة لإسرائيل كي تتوقف عن تهورها وتسحب قواتها. ولم يسمع منه أنه أبلغ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أن ما يفعل في سوريا قد يحرم إسرائيل من الجائزة الفضية، التطبيع مع سوريا (الجائزة الذهبية موجودة في الرياض). بل لما انتشرت الأخبار ليلة الجمعة إلى السبت عن هدنة في سوريا، صاغها الطرف الأمريكي بعبارة «اتفاق بين نتنياهو والشرع على وقف إطلاق النار»، كأنه كانت هناك حرب ضروس بين الدولتين وجيشيهما!
إذا استمرت الاضطرابات في جنوب سوريا ومعها تعثّر التطبيع مع وإسرائيل سيتطور الموقف الأمريكي إلى تحميل الرئيس الشرع المسؤولية كاملة. يجب القول مرة أخرى إنه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، يصبح ترامب شخصا آخر يدور في فلك آخر بمنطق آخر. منطق لا يتورع عن الغدر من أجل إسرائيل ويرفض مساواتها بأي دولة أخرى، أو مساواة رئيس وزرائها بأيّ رئيس أو ملك آخر. من حيث يدري أو لا يدري، يفعل ترامب كل شيء ليقنع العالم بأن أمريكا فوق الجميع وإسرائيل فوق أمريكا. إسرائيل هي الوحيدة التي لا يثير معها ترامب فواتير ما تأخذ من أمريكا من سلع وخدمات، ولا يتجرأ على إهانة قادتها عندما يزورون البيت الأبيض كما يفعل مع آخرين. الفرق بين بايدن وترامب أن الأول سمح بأن يهينه نتنياهو المرة تلو الأخرى، ويكذب عليه بلا توقف، ثم يتقبل (بايدن) الإهانة ويُصدِّق الأكاذيب. أما ترامب فعلاوة عن أن شخصيته لا تقبل الإهانة العلنية، وفّر لنتنياهو كل رغباته وطلباته حتى لم يعد لديه أيّ سبب يضطره للكذب أو تقديم وعود ثم نكثها كما فعل مع بايدن.
صحيح أن ترامب لم يشن حروبا مباشرة في منطقة الشرق الأوسط (وغيرها) باستثناء جولة القصف السريعة على إيران الشهر الماضي، وقبلها على اليمن. لكن هذا لن يمنحه صك براءة، ومن الآمن القول إن تواطؤه مع إسرائيل في جرائمها لا يحتاج إلى دليل. فمنذ عودة ترامب إلى الرئاسة لم تمض إسرائيل خطوة واحدة في حروبها الإقليمية من دون موافقة أمريكية ومباركة البيت الأبيض.. من القصف المتكرر على بيروت وتدمير جنوب لبنان واحتلال مواقع معينة فيه، إلى التوغل في سوريا منذ سقوط نظام الأسد وتدمير كل مكونات سلاح الجو لديها، إلى مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية وخطط ضمِّها وقتل أبنائها، إلى انتهاك الهدنة في غزة شهر آذار (مارس) الماضي، إلى ضرب إيران واليمن. لم تسفك إسرائيل قطرة دم واحدة ولم تزهق روحا واحدة من دون مباركة ترامب.
أسوأ من التواطؤ الغدر وقد بلغ ذروته مع إيران وغزة. إذ بينما كانت المقاتلات الإسرائيلية تتأهب للإقلاع لقصف إيران، قبل ساعات من جولة مفاوضات مسقط، كان ترامب يتعمّد حرف أنظار العالم والإيرانيين بحديث كاذب عن تفضيله الحلول الدبلوماسية مع إيران وقرب التوصل لاتفاق معها. ويتكرر الغدر مع غزة، فبالتوازي مع الصراخ المستمر وادعاء العمل من أجل هدنة، وحتى تهديد مَن يعرقلونها، كان ترامب يطلق يد نتنياهو لإبادة النساء والأطفال بالتجويع وشتى أنواع الأسلحة الفتاكة، ويوفر له الحماية محليا ودوليا. في مقابل الغدر لا أحد يذكر أن ترامب أبدى لحظة من التعاطف الصادق مع أهالي غزة. يتذكر غزة فقط عندما يُطرح أمامه موضوع الرهائن الإسرائيليين ويتحدث عنها كأنها أرض بلا ناس.
كل ما سبق يجب أن يقود إلى الاقتناع بأن سوريا ليست أفضل من الآخرين، ورئيسها ليس في مأمن من وجبة غدر سامّة هو الآخر.
أخشى أنه بقليل من وسوسة نتنياهو لن يتردد ترامب في التخلي عن الشرع. هناك أنواع من التخلي، أسوأها أن يقطع التواصل معه ويحوّله إلى خصم فعدو ثم يطلق يد إسرائيل عليه وعلى سوريا، وأخفُّها أن يتجاهله ويتوقف عن دعمه. كل شيء متوقف على المقاربة الإسرائيلية لسوريا ورئيسها. ولسوء حظ الشرع أن إسرائيل غير مطمئنة له حتى الآن ولا يوجد ما يوحي بأنها ستطمئن في المدى المنظور. والدليل أن قائمة مطالبها منه تعجيزية، مثل جعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح، وبدليل ما ارتكبت في سوريا خلال الأيام الماضية.
بالنسبة لإسرائيل الشرع مجرد جهادي خطير لا يؤتمن جانبه ولا يمكن أن يؤتمن على دولة متاخمة لها ولها معها تداخل في النسيج الجغرافي والاجتماعي. هذا ما قد يفسر أيضا أن إسرائيل لا تبدو في عجلة من أمرها للتطبيع مع سوريا، وإلاَّ لفكرت قليلا قبل أن تفعل بها ما فعلت طيلة الشهور الثمانية الماضية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

خبر للأنباء
منذ ساعة واحدة
- خبر للأنباء
احتجاجات ساو باولو: الرسوم الأمريكية تُشعل الغضب وتدفع الجماهير للشوارع
من المقرر أن تدخل الرسوم الجمركية الأمريكية حيز التنفيذ في السادس من أغسطس، مع استثناءات محدودة شملت منتجات استراتيجية مثل عصير البرتقال وقطع غيار الطائرات المدنية، وهي منتجات تمثل شريانًا حيويًا للصادرات البرازيلية. تجمع مئات المحتجين، يوم الجمعة، أمام مقر القنصلية العامة للولايات المتحدة في مدينة ساو باولو، في تظاهرة منظمة رفضًا للرسوم الجمركية التي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرضها على الصادرات البرازيلية، والبالغة 50%. وقد نُظمت الوقفة الاحتجاجية بمشاركة واسعة من الاتحادات العمالية وحركات اجتماعية يسارية، حيث عبر المتظاهرون عن رفضهم القاطع للسياسة التجارية الأمريكية الجديدة، معتبرين إياها تهديدًا مباشرًا لمصالح البرازيل الاقتصادية وسياستها الخارجية المستقلة. ورفع المحتجون لافتات حملت شعارات مناهضة لكل من ترامب وبولسونارو، في إشارة إلى التلاقي المفترض بين سياسات الأخير خلال رئاسته واتجاهات الإدارة الأمريكية السابقة. وظهر بعض المشاركين مرتدين أزياء تمثل ترامب والرئيس السابق للبرازيل بشكل ساخر، في تعبير رمزي عن الربط بين ما وصفوه بـ"السياسات الشعبوية المعادية للديمقراطية". كما طالب المتظاهرون بضرورة استمرار التحقيق الجنائي ضد الرئيس السابق جايير بولسونارو، الذي يواجه اتهامات رسمية بمحاولة الانقلاب على النظام الدستوري بعد انتخابات 2022، مؤكدين أن العدالة لا يمكن التفاوض عليها في سياق العلاقات الدولية. ومن المقرر أن تدخل الرسوم الجمركية الأمريكية حيز التنفيذ في السادس من أغسطس، مع استثناءات محدودة شملت منتجات استراتيجية مثل عصير البرتقال وقطع غيار الطائرات المدنية، وهي منتجات تمثل شريانًا حيويًا للصادرات البرازيلية. وفي تعليق رسمي، أكد الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا استعداده للحوار مع الإدارة الأمريكية، مشددًا في الوقت ذاته على أن سيادة القانون في البرازيل، ولا سيما فيما يتعلق بالمساءلة القضائية لبولسونارو، ليست موضوعًا قابلًا للمساومة في أي تفاوض تجاري. وكان البيت الأبيض أصدر إعلاناً يوم الأربعاء، أكد فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقع أمرًا تنفيذيًا يُلزم بتطبيق تعريفة جمركية إضافية بنسبة 40٪ على الواردات البرازيلية، ما يرفع الإجمالي إلى 50٪، وذلك استجابة لسياسات البرازيل التي وصفتها إدارة ترامب بأنها غير متوافقة مع المصالح الأمريكية. وسبق أن توعد ترامب البرازيل في الأسابيع الأخيرة بفرض هذه الرسوم الباهظة رداً على الملاحقات القضائية بحق الرئيس السابق جايير بولسونارو بتهمة محاولة الانقلاب، بعد هزيمته في انتخابات 2022 الرئاسية أمام الرئيس الحالي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا. ويخضع بولسونارو للمحاكمة في البرازيل، بتهمة محاولة قلب نتائج خسارته في انتخابات عام 2022. ويواجه تهماً من بينها التورط في منظمة إجرامية مسلحة ومحاولة إلغاء حكم القانون الديمقراطي بالعنف. وتعهّد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الأربعاء الدفاع عن "سيادة" بلاده، وذلك بعد إعلان الولايات المتّحدة فرضها رسوما جمركية إضافية على وارداتها من المنتجات البرازيلية وعقوبات على قاض بالمحكمة العليا في الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية. وقال لولا دا سيلفا خلال مراسم رسمية في العاصمة برازيليا إنّ هذا اليوم هو "يوم مقدّس للسيادة"، متعهدا "الدفاع عن سيادة الشعب البرازيلي في مواجهة الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الولايات المتحدة" دونالد ترامب.


الشروق
منذ 21 ساعات
- الشروق
دونالد ترامب يأمر بإرسال غواصتين نوويتين عقب تصريحات 'استفزازية' من روسيا
أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنشر غواصتين نوويتين اليوم الجمعة، 1 أوت، في أعقاب تصريحات وصفها بـ'الاستفزازية' من قبل الرئيس الروسي السابق، ديمتري ميدفيديف. وكتب ترامب في منشور له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي 'تروث سوشيال': 'بناءً على التصريحات الاستفزازية للغاية للرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، الذي يشغل حاليًا منصب نائب رئيس مجلس الأمن في الاتحاد الروسي، أمرتُ بنشر غواصتين نوويتين في المناطق المناسبة، تحسبًا لتجاوز هذه التصريحات السخيفة والتحريضية حدودها.' وأضاف ترامب الذي لم يحدد مناطق نشر الغواصتين: 'الكلمات بالغة الأهمية، وقد تؤدي في كثير من الأحيان إلى عواقب غير مقصودة، وآمل ألا تكون هذه إحدى هذه الحالات.' وكان الرئيس الروسي السابق ميدفيديف قد نشر في وقت سابق على حسابه في منصة 'إكس' منشورا فتح فيه النار على ترامب قائلا: 'ترامب يلعب لعبة الإنذارات مع روسيا: 50 يومًا أو 10… عليه أن يتذكر أمرين: 1. روسيا ليست إسرائيل ولا حتى إيران، 2. كل إنذار جديد يُمثل تهديدًا وخطوة نحو الحرب. ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل مع بلده.' وأضاف ساخرا 'لا تسلكوا طريق جو (الرئيس السابق جو بايدن) النعسان!' شهر جوان الماضي، منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين مهلة 50 يومًا لإنهاء الحرب على أوكرانيا أو مواجهة عقوبات، قبل أن يُخفّضها هذا الأسبوع إلى عشرة أيام، حتى الجمعة المقبلة.


إيطاليا تلغراف
منذ 21 ساعات
- إيطاليا تلغراف
قاطعوني بالصراخ: شهادتي من داخل الكابيتول عن تواطؤ أميركا مع نتنياهو
إيطاليا تلغراف كريس هيدجيز كاتب ومراسل عسكري أميركي شهاداتنا المعارضة لاعتماد ولاية نيوجيرسي لتعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' (IHRA)، والذي يخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، قُوطعت، وتم إسكات ميكروفوناتنا، وتمت مقاطعتنا بالصراخ مما يثبت صحة حججنا. أدليت بشهادتي الأسبوع الماضي في مبنى الكابيتول بولاية نيوجيرسي في ترينتون ضد مشروع القانون A3558، والذي يهدف إلى تبني تعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' لمعاداة السامية، وهو تعريف يخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. قلت: 'هذا اعتداء خطير على حرية التعبير، لأنه يسعى إلى تجريم الانتقادات المشروعة لسياسات إسرائيل. حملة إدارة ترامب للقضاء ظاهريا على معاداة السامية في الجامعات ما هي إلا حيلة لإسكات حرية التعبير وترحيل غير المواطنين، حتى لو كانوا في البلاد بشكل قانوني. هذا القانون يخلط بشكل خاطئ بين العِرق ودولة سياسية. لنكن واضحين، القمع في الجامعات موجه أساسا ضد الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية الذين يعارضون الإبادة في غزة، وقد تم اعتقال 3 آلاف منهم، وفرض الرقابة، أو تعليقهم، أو طردهم. كثير من هؤلاء الطلاب يهود. ماذا عن حقوقهم؟ ماذا عن حمايتهم الدستورية؟'. وأضفت: 'أقمت علاقات عديدة مع صحفيين وقادة سياسيين إسرائيليين. كنت أعرف، على سبيل المثال، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، الذي تفاوض على اتفاقية أوسلو. رابين اغتيل 1995 على يد قومي إسرائيلي متطرف عارض الاتفاق. وكان رابين يصرّح مرارا بأن الاحتلال يضر بإسرائيل. زملائي الإسرائيليون كثيرا ما ينتقدون سياسات دولتهم في الصحف الإسرائيلية بلغة قد يعتبرها هذا القانون معادية للسامية'. تابعت قائلا: 'الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي، الذي خدم في الجيش الإسرائيلي ويكتب في صحيفة هآرتس، دعا إلى فرض عقوبات على إسرائيل لوقف المجازر في غزة، قائلا: افعلوا بإسرائيل كما فعلتم مع جنوب أفريقيا'. 'عُمر بارتوف، الذي خدم كقائد كتيبة في حرب 1973، وهو الآن أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون، كتب في مقال بنيويورك تايمز 15 يوليو/ تموز أن استنتاجه الحتمي هو أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني'. وقلت: 'مثل هذه التصريحات، وغيرها الكثير التي يمكنني اقتباسها من زملاء وأصدقاء إسرائيليين، ستجعلهم بموجب هذا القانون مجرمين معادين للسامية'. رئيس اللجنة، الديمقراطي روبرت كارابينتشاك، قطع الميكروفون عني، وطرق بالمطرقة مطالبا بإنهاء كلمتي، بينما سمح لجماعات صهيونية بمقاطعة حديثي، وسمح لهم بالسخرية من المسلمين الحاضرين. كنت أجادل بأن هذا القانون سيقيد حريتي في التعبير، بينما كنت أُمنع من التعبير. هذا التناقض العقلي يعرّف العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. كما قاطع رئيس اللجنة شهادة راز سيغال، المؤرخ الإسرائيلي والمتخصص في دراسات الإبادة، ووجه توبيخا قاسيا إلى مهدي ربي، الذي قُتل شقيقه أمير، البالغ من العمر 14 عاما، على يد جنود إسرائيليين في أبريل/ نيسان 2025. قال مهدي، بصوت مرتجف من التأثر: 'شقيقي البالغ 14 عاما، من بلدة سادلبروك في نيوجيرسي، قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي. كل ما كان يفعله هو قطف الزيتون مع أصدقائه، وهو تقليد فلسطيني عمره آلاف السنين. لن أراه مجددا، لن يشهد والداي تخرجه في المدرسة الثانوية أو الجامعة. النائبة سواين، حاول والدي والمركز المجتمعي الفلسطيني-الأميركي التواصل معك مرارا، ولم نجد سوى الصمت. وبما أنكِ التزمتِ الصمت، فلا يحق لك حتى التصويت على هذا القانون قبل أن تلتقي بعائلتي الواقعة ضمن دائرتك الانتخابية'فقاطعه كارابينتشاك قائلا: 'أطلب منك الالتزام بمضمون مشروع القانون'. تابع مهدي: 'هذا القانون يهدد حقي المكفول في التعديل الأول من الدستور في انتقاد إسرائيل لما فعلته بأخي. لدي الحق في وصف إسرائيل كما أشاء. عندما تعكس سياساتها سياسات النازيين، لي الحق في قول ذلك كما هو. أدعوكم للتصويت ضد القانون، إحياء لذكرى أخي'. أثار تصفيق الحاضرين لمهدي غضب كارابينتشاك، فقرر تقليص وقت جميع الشهادات المعارضة من ثلاث دقائق إلى دقيقة واحدة فقط. قال: 'الوقت الآن دقيقة واحدة فقط. من يرِد التحدث، فليقل فقط: 'أنا أعارض القانون أو أنا أؤيده'. ثم أضاف بسخرية: 'هيا، المزيد من التصفيق. لن أطردكم. والآن أنتم قمتم بإسكات الآخرين الذين لهم الحق في الحديث. دقيقة واحدة فقط. ولن أقول بلطف 'أنهِ كلمتك'. سأقطع الميكروفون فورا'. جريمتنا الوحيدة كانت أننا تجرأنا على ذكر ما لا يُذكر: الإبادة الجماعية في غزة. الصهاينة في القاعة أساؤوا لفظيا وجسديا للمسلمين الذين جاؤوا لمعارضة مشروع القانون. أحدهم دفع نفسه عمدا مرارا إلى أجساد الحاضرين خارج المبنى أثناء التجمع المناهض للقانون. إيمي غالاتين، وهي عضو في لجنة العلاقات الإنسانية في ويست أورنج- وهي لجنة تأسست لتعزيز قيم التنوع والمساواة والشمول- عرضت صورا على جهازها اللوحي وقالت للحاضرين من حولها: 'انظروا، إنه محمد!'. عندما ألقى الحاخام يتسحاق دويتش كلمة مؤثرة لإنقاذ أهل غزة، سخر النائبان الديمقراطيان ليزا سواين وآفي شنايل منه وضحكا أثناء حديثه. الصهاينة، الذين رسموا صورا خيالية ليهود يعيشون في خوف وتهديد دائم، ولم يتعرضوا لأي إسكات، رغم أن تصريحاتهم كانت مبالغا فيها للغاية وغالبا من نسج خيالهم، رحبوا بتبني القانون؛ لأنه يمنح الشرطة أدوات لتجريم 'خطاب الكراهية'، الذي يشمل- بحسب أمثلة 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى 'الهولوكوست'- انتقادات لسياسات إسرائيل. اعتمدت 35 ولاية، إضافة إلى مقاطعة كولومبيا وجامعات مثل هارفارد وكولومبيا، تعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. كتب الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU): 'يتضمن تعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' IHRA لمعاداة السامية انتقادات محمية لسياسات إسرائيل، مثل: إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير، أو تشبيه سياسات إسرائيل المعاصرة بالنازية، أو استخدام معايير مزدوجة مع إسرائيل لا تُطبق على غيرها من الديمقراطيات'. وتابع الاتحاد: 'إذا تبنت وزارة التعليم هذا التعريف وبدأت التحقيق في الشكاوى بموجبه، فإن إدارات الجامعات قد تُسكت مجموعة من الخطابات المحمية قانونيا، مثل انتقاد معاملة الحكومة الإسرائيلية للفلسطينيين أو تشبيهها بالنظام النازي أو النقاش حول حق إسرائيل في الوجود'. كينيث إس. ستيرن، محامٍ أميركي ومؤلف تعريف IHRA الأصلي، وهو صهيوني معلن، أعرب عن أسفه لاستخدام التعريف 'بشكل فج' لتقييد الحريات الأكاديمية ومعاقبة الخطاب السياسي، بما في ذلك 'الخطاب المؤيد لفلسطين'. أعضاء اللجنة الخمسة، الذين بدا أنهم اتخذوا قرارهم قبل دخول القاعة، مرروا القانون بالإجماع، ليُعرض لاحقا على مجلس النواب للتصويت. وكما هو متوقع مع كل سياسي يرضخ للوبي الإسرائيلي، سيتم مكافأتهم على هذا الغدر. أميركا، مثل إسرائيل، تعيش في واقع موازٍ. تنكر الإبادة الجماعية التي تُبث مباشرة، وتُشهّر بمن يكشفها- حتى لو كان باحثا يهوديا في الهولوكوست مثل البروفيسور سيغال- وتصفه بمعاداة السامية. وأنا أعلم، بكل أسف، إلى أين يقود هذا. لقد رأيت ذلك في الدكتاتوريات التي غطيتها كصحفي في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا والبلقان على مدى عقدين. من يقاتل من أجل مجتمع مفتوح يتم إسكاته، ويُتهم بالخيانة، ويُدرج على القوائم السوداء، ويُعتقل أحيانا. وإن تمكن من الهرب، يعيش في المنفى. فيما يُكافأ المتملقون والانتهازيون والفاشيون المسيحيون والمليارديرات والصهاينة والبلطجية، الذين تولوا أعلى المناصب في حكومة ترامب، بالسلطة والثروة والفساد. طبقتنا الحاكمة، الخاضعة للشركات، لا تملك أيديولوجيا حقيقية. الأحزاب السياسية ليست سوى مسرحية، وسيلة لإلهاء الشعب في ديمقراطية زائفة. الليبرالية وقيمها المزعومة أصبحت قوى منهارة مفلسة. ما حدث في قاعة ترينتون كان تذكيرا محبطا بأنه لا شيء يوقف انحدارنا نحو الاستبداد: لا الصحافة، ولا الجامعات، ولا المحاكم، التي لم تعد قادرة على تنفيذ أحكام القضاة الشجعان، ولا الطبقة السياسية، ولا حتى الحزب الديمقراطي أو الانتخابات. علينا أن نقاوم، ولو فقط حفاظا على كرامتنا ونزاهتنا، ولو فقط تضامنا مع المظلومين، ولو لإبطاء ترسيخ الاستبداد، ولو فقط للتمتع بالانتصارات الصغيرة التي لا تحققها إلا المقاومة. لكن لا ينبغي أن نخدع أنفسنا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف