
قاطعوني بالصراخ: شهادتي من داخل الكابيتول عن تواطؤ أميركا مع نتنياهو
كريس هيدجيز
كاتب ومراسل عسكري أميركي
شهاداتنا المعارضة لاعتماد ولاية نيوجيرسي لتعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' (IHRA)، والذي يخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، قُوطعت، وتم إسكات ميكروفوناتنا، وتمت مقاطعتنا بالصراخ مما يثبت صحة حججنا.
أدليت بشهادتي الأسبوع الماضي في مبنى الكابيتول بولاية نيوجيرسي في ترينتون ضد مشروع القانون A3558، والذي يهدف إلى تبني تعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' لمعاداة السامية، وهو تعريف يخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
قلت: 'هذا اعتداء خطير على حرية التعبير، لأنه يسعى إلى تجريم الانتقادات المشروعة لسياسات إسرائيل. حملة إدارة ترامب للقضاء ظاهريا على معاداة السامية في الجامعات ما هي إلا حيلة لإسكات حرية التعبير وترحيل غير المواطنين، حتى لو كانوا في البلاد بشكل قانوني.
هذا القانون يخلط بشكل خاطئ بين العِرق ودولة سياسية. لنكن واضحين، القمع في الجامعات موجه أساسا ضد الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية الذين يعارضون الإبادة في غزة، وقد تم اعتقال 3 آلاف منهم، وفرض الرقابة، أو تعليقهم، أو طردهم. كثير من هؤلاء الطلاب يهود. ماذا عن حقوقهم؟ ماذا عن حمايتهم الدستورية؟'.
وأضفت: 'أقمت علاقات عديدة مع صحفيين وقادة سياسيين إسرائيليين. كنت أعرف، على سبيل المثال، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، الذي تفاوض على اتفاقية أوسلو. رابين اغتيل 1995 على يد قومي إسرائيلي متطرف عارض الاتفاق. وكان رابين يصرّح مرارا بأن الاحتلال يضر بإسرائيل. زملائي الإسرائيليون كثيرا ما ينتقدون سياسات دولتهم في الصحف الإسرائيلية بلغة قد يعتبرها هذا القانون معادية للسامية'.
تابعت قائلا: 'الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي، الذي خدم في الجيش الإسرائيلي ويكتب في صحيفة هآرتس، دعا إلى فرض عقوبات على إسرائيل لوقف المجازر في غزة، قائلا: افعلوا بإسرائيل كما فعلتم مع جنوب أفريقيا'.
'عُمر بارتوف، الذي خدم كقائد كتيبة في حرب 1973، وهو الآن أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون، كتب في مقال بنيويورك تايمز 15 يوليو/ تموز أن استنتاجه الحتمي هو أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني'.
وقلت: 'مثل هذه التصريحات، وغيرها الكثير التي يمكنني اقتباسها من زملاء وأصدقاء إسرائيليين، ستجعلهم بموجب هذا القانون مجرمين معادين للسامية'.
رئيس اللجنة، الديمقراطي روبرت كارابينتشاك، قطع الميكروفون عني، وطرق بالمطرقة مطالبا بإنهاء كلمتي، بينما سمح لجماعات صهيونية بمقاطعة حديثي، وسمح لهم بالسخرية من المسلمين الحاضرين.
كنت أجادل بأن هذا القانون سيقيد حريتي في التعبير، بينما كنت أُمنع من التعبير.
هذا التناقض العقلي يعرّف العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما قاطع رئيس اللجنة شهادة راز سيغال، المؤرخ الإسرائيلي والمتخصص في دراسات الإبادة، ووجه توبيخا قاسيا إلى مهدي ربي، الذي قُتل شقيقه أمير، البالغ من العمر 14 عاما، على يد جنود إسرائيليين في أبريل/ نيسان 2025.
قال مهدي، بصوت مرتجف من التأثر: 'شقيقي البالغ 14 عاما، من بلدة سادلبروك في نيوجيرسي، قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي. كل ما كان يفعله هو قطف الزيتون مع أصدقائه، وهو تقليد فلسطيني عمره آلاف السنين.
لن أراه مجددا، لن يشهد والداي تخرجه في المدرسة الثانوية أو الجامعة. النائبة سواين، حاول والدي والمركز المجتمعي الفلسطيني-الأميركي التواصل معك مرارا، ولم نجد سوى الصمت. وبما أنكِ التزمتِ الصمت، فلا يحق لك حتى التصويت على هذا القانون قبل أن تلتقي بعائلتي الواقعة ضمن دائرتك الانتخابية'فقاطعه كارابينتشاك قائلا: 'أطلب منك الالتزام بمضمون مشروع القانون'.
تابع مهدي: 'هذا القانون يهدد حقي المكفول في التعديل الأول من الدستور في انتقاد إسرائيل لما فعلته بأخي. لدي الحق في وصف إسرائيل كما أشاء. عندما تعكس سياساتها سياسات النازيين، لي الحق في قول ذلك كما هو. أدعوكم للتصويت ضد القانون، إحياء لذكرى أخي'.
أثار تصفيق الحاضرين لمهدي غضب كارابينتشاك، فقرر تقليص وقت جميع الشهادات المعارضة من ثلاث دقائق إلى دقيقة واحدة فقط.
قال: 'الوقت الآن دقيقة واحدة فقط. من يرِد التحدث، فليقل فقط: 'أنا أعارض القانون أو أنا أؤيده'.
ثم أضاف بسخرية: 'هيا، المزيد من التصفيق. لن أطردكم. والآن أنتم قمتم بإسكات الآخرين الذين لهم الحق في الحديث. دقيقة واحدة فقط. ولن أقول بلطف 'أنهِ كلمتك'. سأقطع الميكروفون فورا'.
جريمتنا الوحيدة كانت أننا تجرأنا على ذكر ما لا يُذكر: الإبادة الجماعية في غزة.
الصهاينة في القاعة أساؤوا لفظيا وجسديا للمسلمين الذين جاؤوا لمعارضة مشروع القانون. أحدهم دفع نفسه عمدا مرارا إلى أجساد الحاضرين خارج المبنى أثناء التجمع المناهض للقانون.
إيمي غالاتين، وهي عضو في لجنة العلاقات الإنسانية في ويست أورنج- وهي لجنة تأسست لتعزيز قيم التنوع والمساواة والشمول- عرضت صورا على جهازها اللوحي وقالت للحاضرين من حولها: 'انظروا، إنه محمد!'.
عندما ألقى الحاخام يتسحاق دويتش كلمة مؤثرة لإنقاذ أهل غزة، سخر النائبان الديمقراطيان ليزا سواين وآفي شنايل منه وضحكا أثناء حديثه.
الصهاينة، الذين رسموا صورا خيالية ليهود يعيشون في خوف وتهديد دائم، ولم يتعرضوا لأي إسكات، رغم أن تصريحاتهم كانت مبالغا فيها للغاية وغالبا من نسج خيالهم، رحبوا بتبني القانون؛ لأنه يمنح الشرطة أدوات لتجريم 'خطاب الكراهية'، الذي يشمل- بحسب أمثلة 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى 'الهولوكوست'- انتقادات لسياسات إسرائيل.
اعتمدت 35 ولاية، إضافة إلى مقاطعة كولومبيا وجامعات مثل هارفارد وكولومبيا، تعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
كتب الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU): 'يتضمن تعريف 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' IHRA لمعاداة السامية انتقادات محمية لسياسات إسرائيل، مثل: إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير، أو تشبيه سياسات إسرائيل المعاصرة بالنازية، أو استخدام معايير مزدوجة مع إسرائيل لا تُطبق على غيرها من الديمقراطيات'.
وتابع الاتحاد: 'إذا تبنت وزارة التعليم هذا التعريف وبدأت التحقيق في الشكاوى بموجبه، فإن إدارات الجامعات قد تُسكت مجموعة من الخطابات المحمية قانونيا، مثل انتقاد معاملة الحكومة الإسرائيلية للفلسطينيين أو تشبيهها بالنظام النازي أو النقاش حول حق إسرائيل في الوجود'.
كينيث إس. ستيرن، محامٍ أميركي ومؤلف تعريف IHRA الأصلي، وهو صهيوني معلن، أعرب عن أسفه لاستخدام التعريف 'بشكل فج' لتقييد الحريات الأكاديمية ومعاقبة الخطاب السياسي، بما في ذلك 'الخطاب المؤيد لفلسطين'.
أعضاء اللجنة الخمسة، الذين بدا أنهم اتخذوا قرارهم قبل دخول القاعة، مرروا القانون بالإجماع، ليُعرض لاحقا على مجلس النواب للتصويت. وكما هو متوقع مع كل سياسي يرضخ للوبي الإسرائيلي، سيتم مكافأتهم على هذا الغدر.
أميركا، مثل إسرائيل، تعيش في واقع موازٍ. تنكر الإبادة الجماعية التي تُبث مباشرة، وتُشهّر بمن يكشفها- حتى لو كان باحثا يهوديا في الهولوكوست مثل البروفيسور سيغال- وتصفه بمعاداة السامية.
وأنا أعلم، بكل أسف، إلى أين يقود هذا. لقد رأيت ذلك في الدكتاتوريات التي غطيتها كصحفي في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا والبلقان على مدى عقدين.
من يقاتل من أجل مجتمع مفتوح يتم إسكاته، ويُتهم بالخيانة، ويُدرج على القوائم السوداء، ويُعتقل أحيانا. وإن تمكن من الهرب، يعيش في المنفى. فيما يُكافأ المتملقون والانتهازيون والفاشيون المسيحيون والمليارديرات والصهاينة والبلطجية، الذين تولوا أعلى المناصب في حكومة ترامب، بالسلطة والثروة والفساد.
طبقتنا الحاكمة، الخاضعة للشركات، لا تملك أيديولوجيا حقيقية. الأحزاب السياسية ليست سوى مسرحية، وسيلة لإلهاء الشعب في ديمقراطية زائفة. الليبرالية وقيمها المزعومة أصبحت قوى منهارة مفلسة.
ما حدث في قاعة ترينتون كان تذكيرا محبطا بأنه لا شيء يوقف انحدارنا نحو الاستبداد: لا الصحافة، ولا الجامعات، ولا المحاكم، التي لم تعد قادرة على تنفيذ أحكام القضاة الشجعان، ولا الطبقة السياسية، ولا حتى الحزب الديمقراطي أو الانتخابات.
علينا أن نقاوم، ولو فقط حفاظا على كرامتنا ونزاهتنا، ولو فقط تضامنا مع المظلومين، ولو لإبطاء ترسيخ الاستبداد، ولو فقط للتمتع بالانتصارات الصغيرة التي لا تحققها إلا المقاومة.
لكن لا ينبغي أن نخدع أنفسنا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ 2 ساعات
- خبر للأنباء
إعلام: مجلس الشيوخ الأمريكي لن يمرر مشروع قانون العقوبات على روسيا حتى نهاية الصيف
وتشير الصحيفة في مقال إلى أن "أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يستعدون لمغادرة واشنطن دون إقرار مشروع قانون العقوبات الواسع ضد روسيا". حيث تنتهي جلسات العمل في مجلس الشيوخ مطلع أغسطس، وسيتفرق الأعضاء خلال هذا الشهر إلى ولاياتهم قبل العودة للعمل في واشنطن مطلع سبتمبر. ويوضح المقال أنه "على الرغم من رغبة الصقور في مجلس الشيوخ في إقرار مشروع عقوباتهم قبل العطلة الشهرية، إلا أنهم في النهاية تركوا القرار بشأن (فرض العقوبات) للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الأقل خلال الصيف". مما منح ترامب - بحسب التقرير - "حرية التصرف بشأن ما إذا كان سينفذ تهديداته" بفرض عقوبات على موسكو وشركائها التجاريين. مع الإشارة إلى أن "الديمقراطيين أبدوا تشككا" في قيام الرئيس الأمريكي بتنفيذ ذلك بالكامل. وكان ترامب قد صرح في 8 يوليو أنه يفكر "بجدية كبيرة" في الموافقة على تمرير مشروع القانون المذكور عبر الكونغرس. لكنه أعلن في 14 يوليو أن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية بنحو 100% على روسيا وشركائها التجاريين إذا لم تتوصل موسكو وواشنطن خلال 50 يوماً إلى اتفاق لتسوية الأزمة في أوكرانيا. كما رأى ترامب حينها أن فرض رسوم بنسبة 500% على الواردات الأمريكية من الدول الشريكة تجاريا لروسيا - كما ينص المشروع - أمر غير مجد. ثم أعلن في 29 يوليو عن قراره بتقليص المهلة من 50 إلى 10 أيام فقط. وقد قدمت مجموعة ثنائية الحزب من أعضاء مجلس الشيوخ المشروع المذكور مطلع أبريل، وكان أبرز واضعيه السيناتوران ليندسي غراهام (جمهوري عن ولاية كارولاينا الجنوبية، المدرج على القائمة الروسية للإرهابيين والمتطرفين) وريتشارد بلومنتال (ديمقراطي عن ولاية كونيتيكت). وتتضمن المبادرة بين أمور أخرى عقوبات ثانوية على الشركاء التجاريين لروسيا، مع فرض رسوم جمركية بنسبة 500% على واردات الولايات المتحدة من الدول التي تشتري من روسيا النفط والغاز واليورانيوم وسلعاً أخرى. وحذر السيناتور راند بول (جمهوري عن ولاية كنتاكي) في مقال رأي نشر سابقا على موقع "ريسپونسيبل ستيتكرافت" من أن "البلد الذي سيتكبد أكبر ضرر" في حال إقرار هذا المشروع سيكون الولايات المتحدة نفسها - "اقتصاديا واستراتيجيا".


إيطاليا تلغراف
منذ 8 ساعات
- إيطاليا تلغراف
رسالة ترامب تعزز الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء
إيطاليا تلغراف عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم في ايطاليا في خطوة تعزز الموقف المغربي بخصوص قضية الصحراء، جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأكيد بلاده على الاعتراف بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، واعتبار مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة 'الأساس الوحيد لتسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع الإقليمي'. جاء ذلك في برقية تهنئة بعث بها الرئيس الأمريكي إلى الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، عبّر فيها عن تقديره العميق للعلاقات الثنائية المتينة التي تجمع البلدين، وأشاد بالتعاون الاستراتيجي المتنامي بين الرباط وواشنطن في مجالات الأمن، والاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والازدهار الاقتصادي. ما يلفت الانتباه في هذه الرسالة ليس فقط تكرار موقف سبق وأن أعلن عنه ترامب خلال ولايته في البيت الأبيض، بل الإصرار على ترسيخ هذا الاعتراف كسياسة دولة تتجاوز الأشخاص والولايات الرئاسية، وهو ما يبعث برسالة واضحة إلى المنتظم الدولي بأن الولايات المتحدة ماضية في اعتبار المغرب شريكًا استراتيجيًا موثوقًا به في منطقة شمال إفريقيا. المقترح المغربي للحكم الذاتي، الذي وصفه ترامب بـ'الجاد وذي المصداقية والواقعي'، بات يحظى بتأييد متزايد من عدد من العواصم الكبرى في العالم، ويُنظر إليه كخيار عملي لحل النزاع المفتعل، بعيدًا عن الأطروحات الانفصالية التي أثبتت فشلها ميدانيًا ودبلوماسيًا. ويعد هذا الموقف الأمريكي، بتعبير أدق، ضمانة قانونية وسياسية لمغربية الصحراء في نظر حلفاء واشنطن ومؤسساتها. في برقيته، أشار ترامب إلى دور اتفاقات 'أبراهام' في بناء تحالفات جديدة لصالح الاستقرار والسلام في المنطقة، مؤكدًا أن المملكة المغربية شريك محوري في هذه التحولات. وهذا الربط بين قضية الصحراء والأمن الإقليمي يعكس تحولًا نوعيًا في التعاطي الأمريكي مع الملف، إذ لم يعد يُنظر إليه كصراع ثنائي محصور بين المغرب وجبهة البوليساريو، بل كجزء من معادلة أوسع تتعلق بالتوازنات الاستراتيجية ومكافحة التطرف وتعزيز التنمية. هذا التحول يفترض أن يُقرأ في سياق أوسع، يشمل إعادة تموقع القوى الكبرى في إفريقيا، وخصوصًا في الساحل والصحراء، حيث برز المغرب كفاعل مستقر، يمتلك مؤسسات قوية، ورؤية تنموية منفتحة، وعلاقات دولية متوازنة. وهو ما يعزز من مصداقيته كشريك أمني واقتصادي، لا فقط في الملفات الثنائية، بل في القضايا متعددة الأطراف. إن ما تحمله هذه البرقية من دلالات سياسية يتجاوز الرمزية أو المجاملة الدبلوماسية. فهو تعبير صريح عن اعتراف قائم ومستمر، يمكن أن يؤسس لمزيد من المبادرات الميدانية، سواء عبر فتح مكاتب دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية، أو من خلال مشاريع اقتصادية مشتركة تترجم الاعتراف السياسي إلى واقع ملموس. كما أن دعم الولايات المتحدة لمغربية الصحراء يعزز من موقف المملكة في المحافل الدولية، خصوصًا في مجلس الأمن، حيث تبقى واشنطن أحد الأعضاء الدائمين المؤثرين في صياغة القرارات المرتبطة بالنزاع. لا شك أن رسالة الرئيس الامريكي ترامب تعيد التذكير بأن قضية الصحراء المغربية ليست مجرد ملف دبلوماسي تقليدي، بل رهان استراتيجي يفرض نفسه على أجندات السياسة الدولية. فالمغرب، بما راكمه من إنجازات سياسية وتنموية، استطاع أن يفرض مقاربته الواقعية للحل، ووجد في حلفائه التاريخيين — وفي مقدمتهم الولايات المتحدة — من يدعم رؤيته. إن تكرار الدعم الأمريكي هو في حد ذاته ترسيخ لحقيقة سياسية على الأرض: الصحراء مغربية، والحل الواقعي هو الحكم الذاتي، والدبلوماسية المغربية ماضية بثبات في تعزيز هذا التوجه، بإجماع وطني، واستباق استراتيجي، وثقة في المستقبل. إيطاليا تلغراف


الشروق
منذ 10 ساعات
- الشروق
تحيّة إلى الأستاذ رشيد الخالدي!
الأستاذ رشيد الخالدي أمريكي من مواليد 1948 بنيويورك، وهو عضو الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، ومؤرخ مختص في الشرق الأوسط. يدرّس الخالدي بجامعة كولومبيا (نيويورك) العريقة بوصفه 'أستاذ كرسي'، وهي درجة من الأستاذية تُمنح لأستاذ جامعي بلغ مرتبة راقية نتيجة إنجازاتهم البحثية والأكاديمية المرموقة. وقد برزت جامعة كولومبيا في المدة الأخيرة بنضال المنتسبين إليها من طلبة وأساتذة المؤيد لفلسطين ونصرة غزة. ولذا ركّزت الإدارة الأمريكية على مضايقتها -كما فعلت وتفعل مع جامعات أخرى- ولم ترضخ الجامعة للقيود المفروضة عليها إلا في الآونة الخيرة. وهذا ما جعل الأستاذ الخالدي ينتفض ويوجه رسالة مفتوحة إلى نائب رئيس الجامعة يعلن فيها عن قراره الحاسم: 'قضيتُ عقودًا في جامعة كولومبيا. وسأنسحب من تدريس مقرري الدراسي الخريفي'. إليك مضمون هذه الرسالة. هيئة تخلط المفاهيم عمدًا، وكذبًا، ومخادعةً يقول الخالدي موجها خطابه لنائب رئيس الجامعة: 'أكتب إليكم رسالة مفتوحة لأنكم رأيتم من المناسب إبلاغي بالقرارات الأخيرة التي اتخذها مجلس الأمناء والإدارة. هذه القرارات، التي اتُّخذت بالتعاون الوثيق مع إدارة ترامب، ستحول دون تدريسي لمقرر تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وهو مجال تخصصي وتدريسي لأكثر من 50 عامًا، أمضيت 23 عامًا منها في جامعة كولومبيا. ورغم تقاعدي، كان من المقرر أن أقدم محاضرات موسعة حول هذا الموضوع في الخريف بصفتي 'محاضرًا خاصًا'، لكنني لا أستطيع القيام بذلك في ظل القيود التي قبلتها جامعة كولومبيا باستسلامها لإدارة ترامب'. 'وعلى وجه التحديد، من المستحيل تدريس هذا المقرر (وغيره الكثير) في ضوء اعتماد جامعة كولومبيا لتعريف مصطلح 'معاداة السامية' بالمعنى الذي تبناه 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' (IHRA). ذلك أن هذه الهيئة تخلط في تعريفها عمدًا، وكذبًا، ومخادعةً بين اليهودية وإسرائيل بحيث يُصبح أي انتقاد لإسرائيل، أو حتى وصف لسياساتها، نقدًا لليهود. وقد نفى الأستاذ كينيث ستيرن Kenneth Stern، أحد المشاركين في وضع تعريف هذه الهيئة استخداماته الحالية، مشيرًا إلى تأثيره المُخيف المُحتمل. ومع ذلك، أعلنت جامعة كولومبيا أنها ستُستخدمه كدليل في الإجراءات التأديبية'. 'وبموجب هذا التعريف لمعاداة السامية، الذي يخلط بشكل سخيف بين انتقاد الدولة القومية، وإسرائيل، والأيديولوجية السياسية، والصهيونية، وكراهية اليهود، فمن المستحيل أن ندرّس بالنزاهة المتوخاة مواضيع مثل تاريخ إنشاء إسرائيل، والنكبة الفلسطينية التي تدور رحاها الآن، والتي بلغت ذروتها في الإبادة الجماعية المرتكبة من قبل إسرائيل في غزة بتواطؤ ودعم من الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية. 'الجامعة الأمريكية باتت هدفا في ظلّ ثورة ترامب الشمولية على مؤسسات المجتمع المدني' ثم يلاحظ الخالدي أن دروسه حول تاريخ الأرمن أو التركيا أو إيران أو أنظمة العالم العربي بكل ما فيها من مآسٍ تخضع لتحليل مُفصّل وحرّ في محاضراته دون قيود تفرضها الجامعة. أما إجراء وصف مبسّط للطبيعة العنصرية لقانون الدولة القومية الإسرائيلي لعام 2018 -الذي ينص على أن الشعب اليهودي وحده له حق في تقرير المصير في إسرائيل، دون منح نفس الحق للفلسطينيين الذين يشكلون نصف السكان- أو لطبيعة الفصل العنصري التي تُسيطر بها إسرائيل على ملايين الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال العسكري منذ 58 عامًا، سيكون مستحيلًا في مقرر تاريخ الشرق الأوسط بموجب تعريف مفهوم 'معاداة السامية' التي تبنته الجامعة'. 'استسلام جامعة كولومبيا لإملاءات ترامب لا يمسّ حرية التعبير والحرية الأكاديمية للأساتذة فحسب، بل إنّ المساعدين في التدريس سيجدون أنفسهم مقيّدين بشدة في تدخلاتهم، تمامًا كما سيُكبَت الطلاب في أسئلتهم ومناقشاتهم، خوفًا من الوجود الدائم لمخبرين قد يُبلّغون عنهم إلى الجهاز القمعي الذي أنشأته جامعة كولومبيا لمعاقبة كل من يوجّه انتقادًا لإسرائيل، تحت ذريعة محاربة التمييز – والذي صار، في هذه المرحلة من التاريخ، لا يعني في معظم الحالات سوى معارضة الإبادة الجماعية الجارية حاليا. لقد تمّ إخضاع عشرات الطلاب وعدد كبير من الأساتذة لما يشبه محاكمات صورية، كما تمّ طرد طلاب، مثل محمود خليل، من السكن الجامعي. وقد وعدت جامعة كولومبيا الآن بجعل هذا النظام القمعي أكثر قسوة وغموضًا'. لقد صرّحتم بأنه لم يتم تجاوز أي 'خط أحمر' من خلال هذه القرارات. ومع ذلك، قامت جامعة كولومبيا بتعيين نائب لرئيس الجامعة كان مكلفا في البداية بمراقبة الدراسات الشرق أوسطية، وفرضت على الأساتذة والموظفين حضور 'دورات تدريبية' حول 'معاداة السامية'، تُقدَّم من قبل منظمات مثل 'رابطة مكافحة التشهير' (Anti-Defamation League) التي تعتبر تقريبًا أي انتقاد للصهيونية أو لإسرائيل بأنه معادٍ للسامية، ومثل 'مشروع شيما' (Projet Shema) الذي تربط تدريباته بين العديد من الانتقادات المناهضة للصهيونية ومعاداة السامية'. رقابة المناهج وأعمال أبرز الأكاديميين كما وافقت الجامعة على تعيين مراقب 'مستقل' لمتابعة مدى التزام الأساتذة والطلبة بالسلوك المسموح به، وهو مراقب ينتمي إلى شركة نظّمت في جوان 2025 تكريما لإسرائيل. ووفقًا للاتفاق المبرم بين جامعة كولومبيا وإدارة ترامب، سيكون لهذا المراقب 'حق الوصول في الوقت المناسب إلى جميع الأشخاص المعنيين بالاتفاق من أجل التحدث إليهم، وزيارة جميع المرافق، والتدريبات، ومحاضر الاجتماعات، والجلسات التأديبية، وكذلك التقييمات المرتبطة بالاتفاق'. ومن الواضح أن قاعات الدروس ليست مستثناة من هذه الزيارات المحتملة من قِبل هؤلاء الأشخاص الذين لا ينتسبون إلى الجامعة. إن فكرة أن تُخضع عملية التدريس والمناهج وأعمال البعض من أبرز الأكاديميين لرقابة نائب رئيس الجامعة، أو 'مدرّبين' من هذا النوع، أو مراقب خارجي تابع لمثل هذه الشركة، هي فكرة بغيضة. إنها تمثّل نقيضًا تامًا للحرية الأكاديمية التي تزعمون -زورًا- أنها لن تُنتهك جراء هذا الاستسلام المُخزي أمام القوى المعادية للفكر التي تحرك إدارة ترامب'. إحتجاجات الجامعات الأمريكية: 'لا شك أن هذا الجيل يمتلك رؤية مختلفة للمسألة الفلسطينية' يؤسفني جدًا أن قرارات جامعة كولومبيا أجبرتني على حرمان ما يقرب من 300 طالب مسجّلين في هذا المقرر الشهير – كما فعل مئات من الطلبة على مدى أكثر من عقدين– من فرصة دراسة تاريخ الشرق الأوسط الحديث هذا الخريف. ورغم أنني لا أستطيع تعويضهم بشكل كامل عن حرمانهم من متابعة هذا المقرر فإنني أنوي تنظيم سلسلة من المحاضرات العامة في نيويورك مخصّصة لبعض جوانب هذا المقرر. وسيتم بثّها عبر الإنترنت وإتاحتها لاحقًا للمشاهدة. وسيتم التبرع بأيّ أرباح محتملة إلى جامعات غزة، التي دُمّرت جميعها على يد إسرائيل باستخدام ذخيرة أميركية، وهو ما يمثّل جريمة حرب لم ترَ جامعة كولومبيا ولا أي جامعة أميركية أخرى ضرورة للتعليق عليها. إن استسلام جامعة كولومبيا أدى إلى تحويلها من مؤسسة كانت في يوم من الأيام فضاءً للبحث الحرّ والتعلّم إلى نقيض الجامعة، إلى كيان فاقد لرسالته، وإلى منطقة مغلقة 'آمنة' محاطة بسياج مع المراقبة الإلكترونية على الدخول، وإلى مكان يسوده الخوف والاشمئزاز حيث يُملَى على الأساتذة والطلبة من فوق ما يجوز لهم تدريسه أو قوله تحت طائلة عقوبات صارمة. إنه لأمر مخزٍ. وكل ذلك لا هدف له سوى التستّر على أحد أعظم الجرائم في هذا القرن: الإبادة الجماعية الجارية في غزة، وهي جريمة صار قادة جامعة كولومبيا الآن متورطين فيها بالكامل. فتحية إلى الأستاذ رشيد الخالدي الذي لا يخشى تسمية الأمور بمسمياتها في وقت عزّ فيه الموقف الصريح داخل المؤسسات الأكاديمية الغربية.