
الحكومة تتحرك لحماية القاصرين وتنظيم قطاع بمليارات
في زمنٍ تحوّلت فيه الشاشة إلى فضاءٍ مُتشابك تتقاطع فيه العائلة بالمنصة، والطفل بالمشاهدات، والمحتوى بالإعلانات، خرج وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد ليُعلن أمام البرلمان أن الحكومة بصدد 'مناقشة مشروع قانون لتنظيم صناعة المحتوى الرقمي وحماية القاصرين'.
لكن خلف هذا التصريح، تلوح أسئلة عميقة حول الفجوة بين السرعة التي يتحرك بها العالم الرقمي، وبطء الاستجابة القانونية والمؤسساتية في المغرب.
فهل تأخرت الدولة كثيرًا في دخول هذا النقاش؟ وهل يمكن لقانون جديد أن يُحدث فرقًا في معركة تتجاوز حدود السياسة والثقافة لتصل إلى الأخلاق والاقتصاد والأمن المجتمعي؟
عندما يتحول الطفل إلى أداة للربح…
في تعقيبه البرلماني، لم يُخف الوزير قلقه من تنامي ظاهرة 'استغلال القاصرين والمسنين' في صناعة المحتوى، داعيًا إلى التعامل معها كـ'مسؤولية جماعية تشمل الدولة والمجتمع والعائلات'.
غير أن الإشكال لا يكمن فقط في المحتوى الفج أو الصور المُهينة التي يتداولها بعض المؤثرين المغاربة، بل في منظومة كاملة بدأت تُحوّل الضعفاء إلى سلعة رقمية، تُباع وتُشاهد وتُعلّق عليها، دون حماية قانونية حقيقية.
وبينما اكتفت القوانين الحالية، كما قال الوزير، بالإحالة إلى مقتضيات جنائية عامة، بقي الفراغ القانوني واسعًا، ما دفع الحكومة، أخيرًا، إلى التحرك.
لكن:
هل القانون وحده كافٍ؟ وأين كانت الوزارة حين كانت منصات كاملة تُبنى على دموع الأطفال وتفاصيل حياة المسنين؟
اقتصاد المحتوى… كنز مهمل في المغرب
في المقابل، لم يغفل الوزير الحديث عن الأبعاد الاقتصادية لصناعة الثقافة، مشيرًا إلى دراسة صادرة عن مؤسسة التمويل الدولية (IFC) أظهرت أن مساهمة الصناعات الثقافية في الناتج الداخلي الخام المغربي تتراوح بين 2.7% و4%، أي ما يعادل حوالي 35 مليار درهم. ويُنتظر من هذا الرقم أن يتطور، خصوصًا مع طفرة الصناعة السينمائية التي تجاوزت لوحدها 1.5 مليار درهم.
لكن حين نضع هذه الأرقام في سياق دولي، نكتشف فجوة كبيرة: في فرنسا مثلًا، تُسهم الصناعات الثقافية بنسبة 7.3% من الناتج، بينما تطمح الحكومة المغربية للوصول إلى 6% فقط خلال السنوات القادمة.
وإذا كانت الحكومة قد بدأت مؤخرًا تُدرك أن الثقافة
'صناعة'
، فهل هناك إرادة حقيقية لتحويلها إلى رافعة اقتصادية وتشغيلية؟ وأين هو الاستثمار العمومي في هذا المجال؟ ومتى تتحول دور الشباب والمراكز الثقافية من بنايات فارغة إلى مختبرات للإبداع الرقمي والمهني؟
من حماية القاصرين إلى صناعة الألعاب الإلكترونية
التحوّل الرقمي، كما أشار بنسعيد، لا يتوقف عند 'يوتيوب' و'تيك توك'. المغرب يسعى لاقتحام مجال الألعاب الإلكترونية، وهي صناعة تتجاوز عالميًا 300 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 500 مليار خلال عقد واحد.
الرهان الذي تضعه الوزارة اليوم يتمثل في انتزاع نسبة 1% من السوق العالمية، أي ما يقارب 5 مليارات دولار، بحلول 2033.
لكن لنطرح السؤال بواقعية:
هل بُنية المغرب التحتية، من مدارس إلى مراكز تكوين، مؤهلة فعلاً لتكوين جيل من مطوري الألعاب والمبدعين الرقميين؟
وهل تم وضع إستراتيجية وطنية حقيقية لتكوين المواهب وتصدير الإبداع المغربي، بدل الاكتفاء بفرجة هامشية في منصة يسيطر عليها محتوى ترفيهي رديء؟
حماية التراث… أم تجميل الصورة؟
الوزير لم ينسَ أن يُشير إلى التراث المخطوط وغير المادي، مبرزًا توقيع اتفاقيات مع اليونسكو والإيسيسكو.
لكن هنا أيضًا يحق التساؤل:
هل التراث المغربي يُحمى فعلاً؟ أم يُستغل فقط في المناسبات وخُطب الترويج الثقافي؟
العديد من الخبراء يشتكون من ضعف ميزانيات الترميم، وغياب السياسات العمومية الجريئة لحماية ما تبقى من ذاكرة المدن والبوادي.
فهل نملك فعلاً سياسة ثقافية متكاملة، أم نُعاني من ثقافة السياسات المتفرقة؟
خلاصة:
بين القانون والوعي
ما عبّر عنه الوزير بنسعيد ليس جديدًا، لكنه يُسجَّل له أنه طرح الملف في البرلمان في لحظة يزداد فيها وعي المغاربة بخطورة ما يُنشر ويُستهلك يوميًا من محتوى رقمي.
لكن التحدي الحقيقي لا يقتصر على تقنين المحتوى أو معاقبة المخالفين، بل على
بناء صناعة ثقافية رقمية مغربية، تحترم الإنسان، وتحمي القاصرين، وتُشغّل الشباب، وتُنتج الثروة، وتُنافس عالميًا.
فهل نحن على الطريق الصحيح، أم ما زلنا نُدوّر الكلام في قاعة الانتظار الرقمي؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة…لكنّ تأخرنا أكثر قد يجعلنا مجرد متلقين في عالم لا ينتظر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المغرب اليوم
منذ ساعة واحدة
- المغرب اليوم
عاصي الحلاني يطرح أغنيته الجديدة "قلبي شاطر"
القاهرة - المغرب اليوم أطلق الفنان عاصي الحلاني أغنيته الجديدة بعنوان "قلبي شاطر" وتعاون الحلاني بهذا العمل مع الشاعر نعمان الترس، والالحان مع الفنان خليل أبو عبيد ، أما التوزيع والماسترينغ فحملا توقيع ريمي مراد . "قلبي شاطر" تأتي ضمن سلسلة من الإصدارات التي يحرص عاصي الحلاني على تقديمها بين الحين والآخر، محافظًا على توازنه بين اللون الطربي الأصيل والإيقاعات المعاصرة التي تلامس ذوق الجمهور المتنوع. وسبق وطرح عاصي الحلاني أغنية بعنوان "أشتكي لله" باللهجة الخليجية، يخوض من خلالها أول تجربة في الذكاء الاصطناعي، وتم تصويرها بأسلوب الفيديو كليب تحت إدارة المخرج عبد الفتاح إسماعيل، ويراهن فارس الأغنية العربية عليها بقوّة ضمن سباق الأغاني الصيفية لهذا العام، "أشتكي لله" من كلمات الشاعر خالد ڤيرناس، ألحان ياسر نور، توزيع وميكس هاني ربيع، ماسترينج ماهر صلاح. يذكر أن آخر أغانى الفنان عاصي الحلاني أغنيته بعنوان "الحق علينا"، على موقع "يوتيوب" والأغنية من كلمات والحان وتوزيع سليم عساف، وتم تصويرها بأسلوب الفيديو كليب تحت إدارة المخرج أحمد المنجد. ويأتي ذلك بعد النجاح الذي حققه كليب "ضحكة حبيبي" للمطرب اللبناني عاصى الحلانى، والذى أخرجه أحمد منجد، يجدد الثنائى تعاونه بكليب جديد تم تصويره بين مناطق الشمال وبيروت في لبنان ، والأغنية تحمل طابع "دراما". قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :


زنقة 20
منذ 3 ساعات
- زنقة 20
بلدية القنيطرة تخصص 480 مليون لدعم مهرجان فني
زنقة 20 | متابعة في خطوة أثارت نقاشاً واسعاً، قرر مجلس بلدية القنيطرة تخصيص دعم مالي كبير يبلغ 4.8 مليون درهم لجمعية محلية لتنظيم مهرجان ثقافي وترفيهي. يأتي هذا القرار في وقت تعاني فيه المدينة من نقص واضح في أبسط البنيات التحتية والخدمات الأساسية، ما دفع فعاليات المجتمع المدني إلى المطالبة بإيضاحات حول طبيعة هذا الدعم وكيفية صرفه. وعبر عدد من نشطاء المجتمع المدني عن استغرابهم من ضخامة المبلغ الممنوح لجمعية واحدة، خاصة في ظل وجود جمعيات أخرى تعمل بشكل يومي في ميادين اجتماعية مهمة ولم تحظَ بمنح مماثلة.


هبة بريس
منذ 3 ساعات
- هبة بريس
دمية 'لابوبو' تُباع بسعر يفوق الخيال (صورة)
في صفقة مفاجئة، بيعت دمية نادرة من سلسلة 'لابوبو' الشهيرة على موقع 'إيباي' مقابل مبلغ خيالي بلغ 10500 دولار، أي ما يعادل نحو 125 ضعف سعرها الأصلي، لتصبح بذلك الأغلى في تاريخ هذه السلسلة التي اجتاحت عالم المقتنيات خلال السنوات الأخيرة. الدمية الرمادية، التي ارتدت ملابس من علامة 'فانز' الشهيرة، جذبت أنظار المقتنين والمهتمين بسبب ندرتها وتفاصيلها الفريدة، حيث ظهرت مرتدية سويت شيرت مميزاً وحذاء رياضياً وقبعة كتب عليها 'ذا مونسترز'، مما زاد من قيمتها السوقية بشكل صاروخي. وكانت هذه الدمية قد طرحت لأول مرة في عام 2023 ضمن صندوق مفاجآت من إنتاج شركة 'بوب مارت' الصينية بالتعاون مع 'فانز'، بسعر لم يتجاوز 85 دولاراً. لكن شعبيتها النادرة ونظام الإنتاج المحدود دفعا بسوق إعادة البيع إلى مستويات غير مسبوقة. ويرى الخبراء أن دمى 'لابوبو' باتت تمثل استثماراً حقيقياً، حيث صرّحت لوري فيرديرام، المتخصصة في تقييم المقتنيات، أن جاذبية هذه الشخصيات تجعلها مرشحة للاحتفاظ بقيمتها لسنوات طويلة. من جهته، أشار أليكس فونغ من دار 'غولدين للمزادات' إلى أن النسخ الأولى والسرية ستكون الأكثر طلباً في المستقبل. ويُذكر أن سلسلة 'لابوبو' تعتمد على صناديق مفاجآت لا يُعرف محتواها مسبقاً، بأسعار تبدأ من 20 إلى 40 دولاراً. لكن النسخ السرية، التي تأتي بنسب نادرة مثل 1 من كل 72 أو 1 من كل 144 صندوقاً، تُباع بآلاف الدولارات. على سبيل المثال، بيعت نسخة سرية وردية من دمية 'Catch me if you like me' بمبلغ 2000 دولار هذا العام. وتشهد متاجر البيع، خاصة في يوم الإطلاق، طوابير طويلة تبدأ فجراً، وقد وصلت حمى 'لابوبو' إلى حد وقوع حوادث وفوضى في بعض المتاجر، ما أدى إلى سحبها مؤقتاً من الرفوف، ووصفتها وسائل إعلام بريطانية بـ'ألعاب الجوع الخاصة بالدمى'. الجدير بالذكر أن شخصية 'لابوبو' صُممت على يد الفنان الكندي من أصل هونغ كونغي كاسينغ لونغ، مستوحياً فكرتها من الفولكلور والأساطير النوردية. ووقّع اتفاقية ترخيص مع شركة 'بوب مارت' عام 2019، التي حولتها إلى علامة عالمية، وأسهمت في تضاعف ثروة رئيسها التنفيذي 'وانغ نينغ' إلى 22 مليار دولار خلال عام واحد فقط، حسب مجلة فوربس.