
قمة لبنانية-بحرينية في المنامة: تأكيد على تعزيز التنسيق والتعاون المشترك وقرار بإقامة بعثة دبلوماسية بحرينية دائمة في بيروت
من جهته، اعلن عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة عن قرار المملكة بإقامة بعثة دبلوماسية بحرينية دائمة في بيروت، مؤكدا على أهمية تفعيل اللجنة البحرينية – اللبنانية المشتركة لتنفيذ مذكرات التفاهم والاتفاقات المبرمة.
واكد على حرص المملكة الدائم على الوقوف إلى جانب لبنان ودعمها الكامل للمساعي اللبنانية الهادفة إلى تعزيز السيادة والوحدة الوطنية.
مواقف الرئيس عون والملك حمد جاءت خلال القمة اللبنانية- البحرينية التي عقدت بعد ظهر اليوم في قصر القضيبية في المنامة.
الوصول والمحادثات
وكان الرئيس عون وصل الى القصر يرافقه رئيس بعثة الشرف وزير الخارجية البحريني الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني الساعة الثانية عشرة والنصف حيث كان في استقباله الملك حمد في الباحة الخارجية. وبعد مراسم الاستقبال الرسمية وعزف النشيدين الوطنيين اللبناني والبحريني واطلاق المدفعية ٢١ طلقة ترحيبا، انتقل الرئيس عون والملك حمد الى داخل القصر، حيث صافح الرئيس عون اعضاء الوفد البحريني، فيما صافح الملك حمد اعضاء الوفد اللبناني، ليعقدا لقاء ثنائيا انضم اليه فيما بعد، ولي العهد الامير سلمان بن حمد وابناء الملك اصحاب السمو الشيخ عبدالله، والشيخ ناصر، والشيخ خالد، ووزير الخارجية. كما انضم عن الجانب اللبناني وزير الخارجية يوسف رجي والمستشار الخاص للرئيس عون العميد اندريه رحال.
كلمة في السجل
وبعد الخلوة، دون الرئيس عون كلمة في السجل جاء فيه:
'في هذا القصر التاريخي، أجريتُ محادثات أخويّة مثمرة مع أخي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أكّدت مرّة جديدة أن ما يجمع بين بلدينا وشعبينا، عميقٌ في وجداننا المشترك، وينطوي على تقدير متبادل ومحبة عزّزتها السنين والأيام.
ولن ننسى يوماً وقوف مملكة البحرين الدائم إلى جانب لبنان في مختلف الظروف والمحن التي مرت به، واحتضانها لأبنائنا في ربوعها كأبناء لها. لي ثقة راسخة بأنَّ ما زرعناه اليوم في خلال لقائي مع جلالة الملك وعدد من المسؤولين في المملكة، سيكون له عظيم الأثر على تطوير علاقاتنا الثنائية، وتنسيقنا المشترك في القضايا التي تحقق مصالحنا العليا.
كل التوفيق لمملكة البحرين الشقيقة في مسيرتها صوب التطور والازدهار، وأسأل الله تعالى أن يمدَّ ملكها بالصحة والخير.
محادثات موسعة
بعد ذلك، عقدت محادثات موسعة حضرها عن الجانب اللبناني الى الوزير رجي والعميد رحال، القائمة بالاعمال السفيرة ميرنا الخولي ومستشارو الرئيس عون، جان عزيز، وروعة حاراتي ونجاة شرف الدين ومدير الاعلام رفيق شلالا.
اما عن الجانب البحريني، فحضر الى جانب ولي العهد وابناء الملك، ووزير الخارجية، وزير الداخلية الفريق اول الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، ووزير المالية والاقتصاد الوطني الشيخ سلمان بن خليفة بن سلمان آل خليفة، ومستشارا الملك السيد نبيل بن يعقوب الحمر والسيدة هالة بنت محمد جابر الانصاري، وسفير مملكة البحرين لدى الجمهورية العربية السورية والمعتمد لدى لبنان السيد وحيد مبارك سيار.
في مستهل اللقاء، القى الملك حمد كلمة ترحيبية جاء فيها:
'فخامة الأخ الرئيس العماد جوزاف عون، رئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة،
أصحاب السمو والمعالي والسعادة
سـلام عليكم ورحمة الله وبركاته نرحب بفخامتكم والوفد المرافق في بلدكم الثاني البحرين، التي تستقبلكم بكل حفاوة وترحيب وتسعد بزيارتكم الأولى لها. وكلنا أمل وتطلع بأن تتواصل لقاءاتنا الطيبة معكم، تجسيداً لعمق العلاقات الأخوية التي تجمع بلدينا، والمبنية على التقدير والاحترام المتبادل والمحبة الصادقة.
ويسرنا أن تتزامن زيارتكم الكريمة مع الذكرى الثالثة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا الشقيقين، واستئناف التمثيل الدبلوماسي لمملكة البحرين في لبنان. وبهذه المناسبة، نعلن بكل اعتزاز عن قرارنا بإقامة بعثة دبلوماسية بحرينية دائمة في بيروت، متطلعين إلى أن تكون هذه المباحثات محطة جديدة لتعاون ثنائي مثمر في شتى المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وفي هذا السياق، نؤكد على أهمية تفعيل اللجنة البحرينية – اللبنانية المشتركة لتنفيذ مذكرات التفاهم والاتفاقات المبرمة، واستكشاف المزيد من الفرص الواعدة التي تخدم مصالح البلدين الشقيقين وتعود عليهما بالخير والنفع وهو أمر نحرص عليه دائماً على العلاقات الثنائية.
ولطالما استقبلت البحرين الوافدين من أهل لبنان والمحبين لها، وحرصت على أن تكون
إقامتهم فيها محل ترحيب واهتمام، تقديراً للخدمات التي قدموها ولا يزالون يقدمونها لبلادنا . كما يهمنا، في المقابل، ألا تستمر معاناة لبنان باستقبال من يستغل أجواء الحرية والانفتاح فيها، وبدلاً من أن يمتن لضيافتها ، يسيء إليها ويكلفها أغلى الأثمان ، وهو ما نرفضه ونرجو عدم تكراره.
فخامة الرئيس،
إن مملكة البحرين تحرص دائماً على الوقوف إلى جانب الجمهورية اللبنانية الشقيقة، ولا سيما في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة، إذ نؤكد على دعمنا الكامل للمساعي اللبنانية الهادفة إلى تعزيز السيادة والوحدة الوطنية . كما نجدد تأييدنا التام لجهود فخامتكم والحكومة اللبنانية ، بما يضمن مصلحة الشعب اللبناني، ويعيد للبنان مكانته الريادية في محيطه العربي والدولي.
مرة أخرى، نرحب بفخامتكم أخاً كريماً وعزيزاً في بلدكم الثاني، وإننا على ثقة بأن لبنان،
بقيادتكم الحكيمة، سينهض من جديد ليعود كما عهدناه دائما ، موطناً للوحدة والسلام والتعايش الإنساني، وليبقى هذا البلد الجميل منارة للمشرق العربي، وبوابة للاستقرار الإقليمي المنشود.'
الرئيس عون
ثم رد الرئيس عون بكلمة جاء فيها:
'صاحب الجلالة
في لحظة كهذه، نُدرك بأن بعض
البلدان لا تُقاس بمدى جغرافيتها.
بل بمساحاتِ الخير والحكمة في قلوب
شعوبها وحكامها.. .
فأنا اليوم رسمياً في البحرين …
لكن أنا اليوم فعلياً، في محيط من
المحبة للبنان…
وهي محبة متبادلة رسمياً وفعلياً
منذ كان لبنان وكانت البحرين…
تعلمون صاحب الجلالة بلا شك، بأن
كل مواطن بحريني في بيروت، كما
كل لبناني، هو سفير قلبي لكم في
لبنان…
لكننا نتوق لعودة سفارتِكم كاملةً،
لتُزيِّنَ رايتكم عاصمتنا…
وتعلمون طبعاً، بأننا نتبادل دوماً أغلى
ما عندنا …
وهو إنسائنا وثرواتنا البشرية …
ومع ذلك نطمح ونطمعُ من أخوتكم،
باستئناف التبادل التجاري الكامل بيننا
…. كما تعاوننا في شتى المجالات،
لما فيه خير شعبينا ومصالح بلدينا
فكل الشكر لكم صاحب الجلالة…
ولكل المسؤولين معكم، ولشعب
البحرين الشقيق على الدعوة وعلى
أخوة الاستقبال والضيافة …
وخصوصاً على كل الدعم للبنان قبل
الزيارة وبعدها ..
وفي خلال المحادثات، جدد الرئيس عون شكر الملك حمد على الدعم المتواصل للبنان في المحافل الاقليمية والعربية والدولية. وقال: 'لن ننسى مساهمتكم ودعمكم بعد انفجار المرفأ وخلال جائحة كورونا والمساعدات التي قدمتموها للشعب اللبناني'. وهنأ الرئيس عون الملك على انتخاب البحرين عضوا غير دائم في مجلس الامن الدولي 'وهذا يدل على ثقة العالم بالتزام البحرين نهج السلام والتعاون بين الدول' . وهنا قال الملك للرئيس عون 'سنكون في خدمة لبنان ومندوب البحرين في مجلس الامن هو ايضا مندوب للبنان ونتمنى دوام الاستقرار والهناء للبنان'. ثم تابع الرئيس عون القول: 'نتمنى ان نراكم في لبنان في اقرب فرصة ممكنة'، فيما اكد الملك حمد ان لبنان بلد جميل ورائع وشعبه طيب لكنه عانى كثيرا من حروب الاخرين على ارضه وشعبه خسر الكثير من ابنائه' لكننا نرجو ان يستعيد هذا البلد عافيته وان يعود كما كان نموذجا للامن والسلام والضيافة والمحبة'. اضاف: 'كان ابناء الخليج يذهبون الى اوروبا في اجازاتهم لعدم تمكنهم من الذهاب الى لبنان'، فقال الرئيس عون: 'نأمل ان نراهم في لبنان'. فرد الملك بالقول ان شاء الله، مستذكرا ان الكثير من ابناء البحرين درسوا في الجامعة الاميركية في بيروت وفي 'هاي سكول'- برمانا، وفي الجامعة العربية وتولوا مناصب قيادية في اختصاصات مختلفة، وهم يخدمون بلدهم اليوم. وتحدث عن ذكرياته في لبنان، فاكد الرئيس عون ان عودة البحرينيين الى لبنان خصوصا بعد فتح السفارة سيكون موضع سعادة للبنانيين جميعا.
مأدبة غداء
بعد ذلك، اقام الملك حمد مأدبة غداء على شرف الرئيس عون على انغام معزوفات لالحان لبنانية، شارك فيها اعضاء الوفد اللبناني المرافق والوفد البحريني الى جانب عدد من كبار المسؤولين البحرينيين.
وفي الختام، رافق الملك حمد الرئيس عون الى مدخل القصر الذي انتقل الى المطار عائدا الى بيروت.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
ما بين 2/ 8 وغزة
ما أسرع الزمن...! تمضى السنوات وتحل الذكريات. للأسف لا يختزن سوى الأليمة منها... ها نحن على أعتاب الذكرى الـ35 للغزو العراقي الغاشم... مؤلمة أطاحت بكل القيم الإنسانية. حسنتها الوحيدة أنها أماطت اللثام عن بعض الوجوه القبيحة التي كنا نعتقد أنها بريية وجميلة! استيقظ الجميع على أزير طائرات وجنازير دبابات، ضلّت طريق تحرير فلسطين، لتحتل الكويت وتعذب الشعب وتنهب المقدرات وتحاول أن تبتلع السيادة... والمبكي أن من بين من هلل لهذا الغدر، هو قائد ثورة كنا نحسبه صادقاً لتحرير الأرض من براثن المحتل. المأساة اليوم تتكرر في غزة... تواجه غزة حرب إبادة ممنهجة وحصاراً خانقاً وتجويعاً لكل مكونات الأرض... تقصف بلا هوادة... منازل سويت بالأرض... مستشفيات تحولت إلى مقابر جماعية... ما يسمى بالضمير العالمي يدفن تحت أنقاض المصالح السياسية... ضمير يطأطئ رأسه تحت أقدام الفيتو المقيد للعدالة. ما بين 2/ 8 وما يحصل فى غزة اليوم يكشفان قبح العدوان ومحاولات المعتدي تبرير جرائمة بإدعاءات زائفة ومضللة... غير أن الفارق الجوهري، أن الكويت الصغيرة جغرافياً، الكبيرة في مواقفها وعلاقاتها بشعوب العالم، وبفضل من الله، ثم دعم من الأشقاء الأوفياء والأصدقاء والإرادة الدولية الموحدة، عادت إلى قيادتها وشعبها... بينما غزة تترك وحيدة تواجه المصير المأسوي والصمت الدولي المخز والعجز العربي! إن ما حدث لنا بالأمس في 2/ 8 ليس بعيداً عنا بل هو تذكير بالواجب الأخلاقي والتاريخي... وكما لم يقبل العالم بأن نُمحَى من الخريطة يجب على هذا العالم وهيئاته ومنظماته السياسية والإنسانية ألا يقبل بتنفيذ مخطط التهجير لشعب غزة وتصفية القضية... التاريخ يعلمنا أن العدوان لا ينتصر إلى الأبد وأن الحق لا يسترد إلا حين تتوحد الإرادة الحرة لاسترجاعه... حفظ الله وطننا وقيادتنا وشعبنا، وكان الله عونا ومعيناً لإخواننا في غزة، خصوصاً وفلسطين عموماً، وأثلج الصدور بصحوة للأمة من غفوتها وسباتها.


الجريدة
منذ 4 ساعات
- الجريدة
التاريخ السياسي للمنطقة والجامعة الأميركية في بيروت
الأديب والمؤرخ اللبناني جرجي زيدان، الذي قرأنا شيئاً من بعض رواياته، ومرت منذ أسبوع ذكرى وفاته من عام 1914، كانت له عبارات مثل: "هل سمعتم بأمة نالت حريتها وتخلصت من حكومة الاستبداد إلا بالسيف؟!»، ولو تأملها اللبنانيون، في بلد يصادف اليوم ذكرى تحرير المسلمين له من الصليبيين عام 1291، لما عاشوا لعقود خلافات سياسية طاحنة، ولكن السيف الذي تحدث عنه زيدان لم يستخدمه اللبنانيون، بل استخدمه عدوهم اللدود! زيدان قبل أن يُكمل بالقاهرة بدأ بعض دراسته بجامعة عريقة أُسّست 1866 كان اسمها الكلية السورية البروتستانتية التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأميركية في بيروت عام 1920، التي أسسها دانيل بلس، وسمي الشارع الملاصق لها باسمه لتكريمه، وتعد الأولى بلبنان والشرق الأوسط من حيث الاستدامة والأولى لسنوات بتصنيف «كيو إس»، ومازالت تستطيع أن تضع كثيراً من الشخصيات الكويتية التي درست فيها على قائمة النخبة المثقفة، التي التحقت بها منذ الأربعينيات، شخصيات ذكرنا بعضها في مقال قديم «الميكروجوب... والدولة الهشة»، ونذكر منهم هذه المرة النخب السياسية من سفراء مثل السيد فيصل الغيص، والسيدة نبيلة الملا، وكذلك النخب السياسية من نواب ووزراء مثل محمد جاسم الصقر، ود. أحمد الخطيب، ود. عبدالله النفيسي، والوزير راشد الراشد، ود. عبدالرحمن العوضي، وعبدالله الغانم... ويعذرنا البقيه. ومن المصادفات أننا عندما أردنا الاطلاع على التاريخ السياسي للخليج العربي وجدنا أن من بين أفضل من تخصص في هذا المجال هو أحد خريجي الجامعة الأميركية في بيروت، التي كانت آنذاك أفضل أكاديمية تنهل منها تاريخ المنطقة، مما زادنا ثقة في طرحه، وهو السيد عادل الزواوي، المعروف بالأمين العام لمجموعة الثمانين، والذي قدم بحثاً مفصلاً شائقاً حقيقةً على مدى خمس حلقات، ببرنامج ديوان الملا، وأجاب عن سؤال طالما وجدناه غامضاً هو: كيف استطاعت مملكة بريطانيا بصغر مساحتها، ضمن أرخبيل يضم إنكلترا وأسكتلندا وويلز، أن تسيطر على العالم وبالأخص منطقتنا؟ فجنباً إلى تطورها العلمي آنذاك أشار الزواوي إلى أمر غاية في الأهمية، يتمثل بالعمق والذكاء السياسي للتاج البريطاني في الهيمنة عن طريق حسن اختيار وتدريب مبعوثيها للمنطقة، فاختارت النخب من المثقفين ممن درسوا التاريخ ومن خريجي أفضل الجامعات، مثل كامبردج وأكسفورد، كما اختارت من النبلاء والطبقة المخملية السياسية ليكونوا قادة وعسكريين فيتدربوا على الجاسوسية، والأهم من ذلك ولاؤهم للتاج البريطاني، ولو تعلم العرب شيئاً منها لحافظوا على دولهم، خصوصاً قادة الجيوش التي انقلبت على حكامها بعد أن استدرجهم الاستعمار، فسقطت بلدانهم في خيانات مازالت تعاني سوء إدارتها ونهب ثرواتها! ولعلها رسالة لنا أن نختار القيادات في جميع المجالات من النخب والمثقفين من خريجي أفضل الجامعات، ومن جانب آخر، شعرنا نحن بأهمية ما حاولنا القيام لسنوات متتالية في محاربة فساد التعليم والإصرار على جودته. إنها لمن المفارقة أن نبحث عن تاريخ المنطقة السياسي، فنصل إلى أحد المتخصصين في ذلك، المفكر السيد عادل الزواوي، الذي كان أحد خريجي جامعة النخبة المعروفة بتخصصاتها، ومنها تاريخ المنطقة، وهي «الأميركية» في بيروت. *** إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.


الجريدة
منذ 4 ساعات
- الجريدة
رياح وأوتاد: ما ضرهم لو أقاموا المشاركة والشورى؟
عندما أتأمل ما يجري في سورية والعراق وعواصم عربية أخرى من فوضى وتمزق وقتل وحاجة وفقر ومطالبة الأقليات بالانفصال، أتساءل: أما كان بإمكان الأنظمة الحاكمة هناك قبل سقوطها أن تقيم نظاماً برلمانياً أو تمثيلياً تشارك فيه المعارضة والأقليات، ويعمل فيه الجميع على حفظ وحدة الوطن والتصدي للمؤامرات الخارجية والداخلية وتحقيق الاستقرار والتنمية والعيش الكريم، ويحتفظ فيه الحكام بكراسيهم بدلاً من حالهم اليوم، حيث البلاد مقسمة والرؤساء السابقون مقتولون أو مطرودون؟ ما ضر صدام لو أنه تحلى بالعدل والحكمة، وأشرك المعارضة الوطنية في الحكم، وما ضر بشار لو أنه أشرك المطالبين بحريّة الرأي في البرلمان، ولكن طغى عليهم حب الانفراد بالرأي والحكم كما قال الله تعالى «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ». خلال السنوات القليلة الماضية استغل المفكرون الصهاينة ومن عاونهم هذا الظلم وانفراد الدكتاتوريات بالحكم فقاموا بتثوير الأقليات والاثنيات، ووعدوهم بالحرية وحقوق الإنسان، وقاموا بتزويدهم بالسلاح أو بتخويفهم من الأغلبية، وزرعوا في روعهم أن الأغلبية في سورية دواعش، وأنهم سيقومون بقتلهم أو اضطهادهم، وأيضاً يجري تخويف كل طائفة وعشيرة في العراق من الأخرى، وكل قبيلة في ليبيا من الأخرى، وكان على الأقليات أن تفهم المؤامرة، وألا يكونوا أدوات لتدمير بلادهم التي عاش فيها أجدادهم. وقد شارك بعض المخلصين في هذا الخطأ، فشنوا الهجوم على الآخرين، وشككوا في ولائهم، وطالبوا بإبعادهم عن أي مشاركة فيه، وأخذوا الجميع بجريرة المسيء، ونسوا أن الحوار والتعايش بين الجميع ضرورة، وأن من أساء فإنه يتحمل وحده جزاء فعله، وأنه يجب تعميق الولاء وحب الوطن، وأن الجميع مواطنون لهم سائر الحقوق فيه. وربما يقول قائل إن المعارضة قد تكون فاسدة أو عميلة أو فوضوية، وقد رأينا كيف حولت المعارضة بعض المجالس التشريعية إلى فوضى وأوقفت التنمية، وطالبت بمشروعات شعبوية مدمرة للاقتصاد والتنمية، وأفسدت الإنسان بالواسطات والمحسوبيات، وهناك أيضاً معارضة تحمل أجندات لمصلحة جهات خارجية. والجواب على ذلك أن هذه الأنظمة الشمولية التي مارست الفساد والقتل والتهجير أما كان يمكنها معرفة الفاسد والعميل من المعارض المخلص؟ خاصة أنها كانت تتحكم في زمام الأمور، وتعلم كل صغيرة وكبيرة، وكل ما يدور في بلادهم، أما كان بإمكانها التعاون مع الوطنيين وخلق قضاء نزيه يميز المعارض المخلص من العميل الفاسد؟ إن حرية إبداء الرأي والمشاركة في القرار والشورى في الحكم هي من عوامل الاستقرار، وتؤدي إلى تضامن المجتمع وحمايته من التفكك وهي ضرورات واقعية، ولذلك أمر الله تعالى بالشورى، ومن الخطأ أن تقتصر الشورى على المؤيدين فقط، وإنما يجب أن تشمل كل صاحب رأي متخصص ورزين، وهذا موضوع بحث ومقال آخر إن شاء الله.