
مرحلة جديدة للتجارة بين سوريا وتركيا بعد فتح الحدود
ويُتوقع أن تسهم هذه الخطوة في فتح آفاق اقتصادية واسعة للتجار وشركات النقل، لا سيما أن الطريق البري بين سوريا وتركيا طالما اعتُبر شريانًا حيويًا لحركة البضائع بين الخليج وأوروبا.
وجاءت هذه المذكرة تتويجًا لمفاوضات استمرت عدة أشهر، في ظل تحولات إقليمية دفعت نحو تبني التعاون الاقتصادي بوصفه مدخلًا لتخفيف التوترات السياسية وإعادة وصل ما انقطع من علاقات الجوار.
وشهدت الأيام الماضية تسهيلات من الحكومة التركية، شملت عبور شرائح محددة من المسافرين، وخصوصا حمَلة الجنسية التركية والطلاب، ما يُعد مؤشّرًا على تحوّل تدريجي في العلاقات الثنائية، واتجاهًا نحو انفتاح مرحلي بين الجانبين، وفق مراقبين.
ويشكّل هذا الاتفاق بارقة أمل لا تقتصر على القطاعين التجاري واللوجستي فحسب، بل تمتد آثارها إلى المجتمعات الحدودية التي تضررت خلال سنوات الانقطاع، وسط تطلعات بأن تُترجم هذه المذكرة إلى خطوات عملية تعيد سوريا إلى خارطة الترانزيت الإقليمية، وتقلّل من التكاليف الباهظة التي فرضتها البدائل غير المباشرة في السنوات الأخيرة، وفق مراقبين.
إعادة تفعيل النقل البري واللجنة المشتركة
وفي هذا السياق، صرّح مازن علوش، مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا للجزيرة نت، أن الهيئة وقّعت مذكرة تفاهم مع وزارة النقل والبنية التحتية في الجمهورية التركية، لإعادة تفعيل التعاون الثنائي في مجال النقل البري الدولي للمسافرين والبضائع، وتيسير عبور الشاحنات وحركة الترانزيت بين البلدين وعبر أراضيهما.
وأوضح علوش، أن المذكرة شملت إعادة تفعيل عمليات النقل البري وفق اتفاق النقل الطرقي الدولي الموقع بين الجانبين عام 2004، إضافة إلى السماح المتبادل استخدام مرافق الرورو (Ro-Ro) (سفن مصممة لنقل البضائع ذات العجلات مثل السيارات) ، والاتفاق على آلية تأشيرات عبور متبادلة ومعقولة، مع إمكانية تطوير هذه الآلية مستقبلاً بما يواكب احتياجات الحركة التجارية.
وأضاف أن الطرفين أكدا أهمية تسهيل إجراءات منح التأشيرات للسائقين المهنيين، وتعزيز التعاون في مجالات تنظيم النقل البري، وتحديث التشريعات والمعايير الفنية، والانخراط في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، بما فيها تنفيذ برامج تدريبية مشتركة للعاملين في هذا القطاع.
كما تم الاتفاق على إعادة تفعيل اللجنة المشتركة للنقل الطرقي، والتي ستتولى متابعة تنفيذ المذكرة ومعالجة أي عقبات إدارية أو لوجيستية قد تعيق حركة البضائع والركاب.
وعن الشائعات التي تم تداولها أخيراً عن فرض غرامات على السوريين الحاصلين على الجنسية التركية والمقيمين داخل سوريا، نفى علوش هذه المزاعم نفيا قاطعا، مؤكدًا أن لا وجود لأي غرامة تلقائية على كل من يحمل الجنسية التركية ويقيم في سوريا، موضحًا أن التعليمات التركية تنص على فرض مخالفة مالية فقط على من تجاوز مدة 180 يومًا متصلة خارج الأراضي التركية.
وطمأن علوش المواطنين بأن مَن لم يتجاوز هذه المدة يمكنه العودة دون مشاكل أو غرامات، داعيًا إلى عدم الانجرار وراء الشائعات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والاعتماد بدلًا من ذلك على المصادر الرسمية أو التواصل مع نقاط الاستعلام في المنافذ الحدودية.
تنظيم جديد لعبور الأفراد وملف الإقامة المؤقتة
وفي السياق التنظيمي المرتبط بعبور الأفراد، أعلن محمد أكتع، المدير العام لمنبر منظمات المجتمع المدني، عن بدء تطبيق آليات تنظيمية جديدة لعبور الحدود البرية بين تركيا وسوريا ابتداء من 1 يوليو/تموز الحالي.
ووفق ما نشره على الصفحة الرسمية للمنبر عبر " فيسبوك"، فإن الإجراءات الجديدة تشمل فئتين من السوريين، مزدوجي الجنسية، والمتزوجين من مواطنين أتراك دون حصولهم على الجنسية التركية.
وأضاف أن السوريين الذين حصلوا لاحقًا على الجنسية التركية سيتمكنون من عبور المعابر البرية باستخدام جوازات سفرهم التركية فقط، دون الحاجة إلى وثائق إضافية.
من جهته، يرى الدكتور قتيبة الفرحات، الأستاذ في جامعة كارتكن والباحث في الشأن التركي، أن الموقع الجغرافي الذي يربط سوريا بتركيا يمنح البلدين أفضلية اقتصادية واضحة، حيث يسهم هذا القرب في تسهيل التبادل التجاري وتنفيذ الاتفاقيات وتطوير سلاسل الإمداد.
واعتبر الفرحات، أن قوة العلاقات الاقتصادية بين الدول ترتبط مباشرة بمتانة العلاقات السياسية بينها، مشيرًا إلى أن التحركات الأخيرة بين الجانبين تندرج ضمن جهود ترميم العلاقة الثنائية عبر قنوات اقتصادية واضحة ومباشرة.
وعن التحديات المتوقعة لتنفيذ الاتفاق، يلفت الفرحات إلى أن البنية التحتية داخل سوريا تُعد من أبرز العقبات، إذ إن كثيرًا من الطرق الحيوية تضررت كليًا أو جزئيًا، وهو ما يتطلب جهودًا كبيرة لإعادة التأهيل وتأمين خطوط النقل من النقاط الحدودية إلى المعابر مع الأردن، لضمان سلاسة وأمان حركة الشحن.
كما أشار إلى أن الجانب التركي يُظهر حرصًا على بناء علاقات اقتصادية متوازنة وقائمة على المنفعة المتبادلة، وهو ما يفسر تيسير الإجراءات للسائقين السوريين.
وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من التسهيلات، لا سيما في ما يخص التجار وتنقل البضائع.
وأشار الفرحات إلى أن ملف اللاجئين السوريين الذي كان محل خلاف داخلي في تركيا، قد شهد تراجعًا ملحوظًا في حدّة التوظيف السياسي، وهو ما يسمح بمناخ أكثر هدوءًا لتقديم سياسات اقتصادية عملية تجاه السوريين.
وأضاف أن تصريحات وزير الداخلية التركي بعدم إلغاء الإقامة المؤقتة قد تمهد لتقديم مزيد من التسهيلات، منها تنظيم سوق العمل، وتبسيط إجراءات تصاريح العمل، ودمج السوريين ضمن أنظمة الحماية الاجتماعية.
تطلعات لإعادة الإعمار
يرى الخبير الاقتصادي السوري عبد العظيم المغربل، أن الاتفاق يمثّل نقطة تحوّل حاسمة في بنية التجارة الإقليمية، حيث سينقل حركة الشحن والبضائع من حالتها التقليدية المرهقة إلى نموذج أكثر كفاءة وفاعلية.
وأوضح المغربل، في حديثه للجزيرة نت، أن الوضع السابق كان يُجبر سائقي الشاحنات على تبديل المركبات عند المعابر، كما في حالة معبر باب الهوى، نظرا للقيود الأمنية والإجراءات المعقدة، ما كان يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في التكاليف وتأخيرات زمنية مزعجة.
أما بعد تفعيل الاتفاق، فيرى المغربل، أن الشاحنات التركية ستتمكن من دخول الأراضي السورية مباشرة، ما من شأنه أن يُقلص تكلفة النقل ويُسرّع من زمن عبور البضائع عبر الحدود.
ويضيف أن هذا التطور لا يقتصر على الجانب اللوجيستي، بل يُعزّز من الموقع الإستراتيجي لسوريا كممر بري وتجاري يربط آسيا بأوروبا، لا سيما مع خطط إعادة تأهيل الطرق الحيوية مثل الـ إم4 والـ إم5، وربطها بالموانئ البحرية، وعلى رأسها ميناء اللاذقية، بإنشاء مرافئ جافة بالتعاون مع شركات لوجيستية دولية مثل "سي جي إم" و"سي إم إيه"، بما يفتح آفاقًا جديدة لدمج النقل البحري والبري وتطوير عمليات التخليص الجمركي والتصنيف اللوجيستي.
ويربط المغربل هذا الاتفاق بمجمل التحولات الجارية في العلاقات الثنائية، معتبرًا أن الاتفاق يعكس تحولًا اقتصاديًا قد يُمهّد لمزيد من التقارب السياسي التدريجي بين دمشق وأنقرة.
ويختتم المغربل حديثه بالتأكيد على أن سوريا، في ضوء هذه التطورات المتسارعة، تبدو اليوم في موقع أقرب إلى استعادة دورها الجيو-اقتصادي كبوابة إستراتيجية تربط آسيا بأوروبا، وهو ما يعزز فرص التعاون الثنائي ويدفع نحو مزيد من الاستقرار والتكامل في المنطقة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
رسوم ترامب على العراق مناورة تجارية أم ضغط للعلاقة مع الصين؟
بغداد – في مشهد يعكس تناقضا صارخا بين حجم التبادل التجاري وبين مدى الاستهداف السياسي، يطفو إلى السطح قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الصادرات العراقية إلى الولايات المتحدة ، والمقرر تطبيقه اعتبارًا من مطلع الشهر القادم. القرار، الذي شمل 6 دول أخرى، بدا لكثيرين في العراق مجرد ضغط سياسي لا يعكس واقع العلاقات التجارية المتواضعة بين البلدين، بل يأتي في إطار أوسع من إعادة رسم خريطة الشراكات الدولية في الشرق الأوسط ، وإضعاف الحضور الصيني المتنامي في المنطقة. ورغم أن القرار الأميركي يشمل تعريفات متفاوتة على دول متعددة، فإن التركيز العراقي على تداعياته يكشف عن حساسية العلاقة بين بغداد وواشنطن ، في وقت تتصاعد فيه التحديات الاقتصادية والسياسية الإقليمية. رسوم متفاوتة واستثناءات إستراتيجية وقد أصدرت إدارة ترامب في 9 يوليو/تموز الجاري قرارات بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 25 و30% على صادرات 6 دول إلى الولايات المتحدة. وقد خُصّت الجزائر، وليبيا ، والعراق بنسبة 30%، فيما شملت بروناي، ومولدوفا، والفلبين رسومٌ بنسبة 25%. وأفادت الوكالة أن هذه الإجراءات تأتي ضمن حزمة "موجة التعريفات الجديدة" التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية تحت شعار "حماية الأسواق الوطنية". بَيد أن القرار الأميركي استثنى بشكل واضح النفط والغاز والمنتجات البترولية من هذه الرسوم، وهي القطاعات التي تشكل العصب الأساسي للصادرات العراقية. هذه الاستثناءات أثارت تساؤلات حول حقيقة الأهداف من القرار، خاصة أنه لا يمسّ فعليًا العصب التجاري العراقي مع الولايات المتحدة. دلالات سياسية وفي تصريح خاص لموقع "الجزيرة نت"، أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح، أن الرسوم الجمركية الأميركية على الصادرات العراقية لن تترك أثرا اقتصاديا حقيقيا على البلاد. وأوضح أن العراق لا يصدّر للولايات المتحدة سلعا صناعية أو زراعية بنطاق واسع، وإنما تتركز صادراته على النفط، الذي جرى استثناؤه من القرار. وقال صالح إن العراق صُنف ضمن الشريحة التي تخضع لتعرفة بنسبة 30%، بينما وصلت بعض النسب مع دول أخرى مثل الصين إلى 50% أو أكثر، ما يعكس تباينًا في السياسة التجارية الأميركية تجاه مختلف الشركاء. وأضاف أن حجم الصادرات العراقية النفطية إلى الولايات المتحدة لا يتجاوز 200 ألف برميل يوميًا، بقيمة سنوية تقترب من 5 مليارات دولار فقط، وهي تعتمد على الأسعار العالمية. كما أشار إلى أن واردات العراق من الولايات المتحدة محدودة في طبيعتها، وتشمل بالأساس التكنولوجيا المتقدمة، والبرمجيات، وقطع غيار السيارات والطائرات، وتتراوح قيمتها بين 1.5 مليار و3 مليارات دولار سنويًا، وهي بدورها لا تخضع لهذه الرسوم الجمركية الجديدة. واعتبر صالح أن القرار الأميركي بمثابة "إشارة ضغط"، الهدف منها إبعاد العراق عن شركائه التجاريين الكبار، وعلى رأسهم الصين، مشيرًا إلى أنه لا يوجد فعليًا ما "يُصدّره العراق إلى الولايات المتحدة حتى يُخضعه القرار للتعرفة"، مضيفًا أن الإجراء يحمل دلالة سياسية أكثر من كونه قرارًا اقتصاديًا موضوعيًا. ميزان يميل بعيدًا عن واشنطن ولفت صالح إلى أن الميزان التجاري بين العراق والصين يتجاوز 53 مليار دولار سنويًا، وهو رقم ضخم مقارنة بحجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، الذي لا يتجاوز في أفضل أحواله 10 مليارات دولار. وقال إن الصين فرضت نفسها كأكبر شريك تجاري للعراق، وأن "أسعارها التنافسية" استطاعت النفاذ إلى الأسواق العراقية وحتى الأميركية، مشددًا على أن العراق لا يعارض الاستيراد من أي جهة، شريطة أن يكون ذلك على أساس التنافسية وليس الضغط والإجبار. وأضاف أن اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن عام 2008 كان من المفترض أن تُفعَّل بما يضمن معالجة هذه الإشكاليات عبر أدوات دبلوماسية اقتصادية لا عبر قرارات منفردة. وأكد أن العراق ملتزم بسياسة خارجية حيادية، وأنه لا يرى أي مبرر لتوجيه مثل هذا القرار له، في ظل غياب مشاكل حقيقية على مستوى العلاقات الثنائية. فرصة لإعادة ترتيب العلاقات التجارية من جهته، يرى الخبير الاقتصادي صفوان قصي أن القرار الأميركي، رغم ما يثيره من مخاوف ظاهرية، يحمل في طياته فرصة لإعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وأشار في حديثه لـ "الجزيرة نت" إلى أن هذه الخطوة من البيت الأبيض تمثل محاولة لإعادة ترتيب الأوراق التجارية مع العراق، وإيجاد مساحات مشتركة لتوسيع نطاق التعاون. وقال إن من الممكن استثمار هذا القرار في تفعيل استثناءات جمركية متبادلة، تتيح تدفق السلع الأميركية إلى الأسواق العراقية دون رسوم إضافية، مما يعزز فرص الاستثمار الأميركي المباشر في العراق، لا سيما في القطاعات الإنتاجية غير النفطية، مثل الصناعات التحويلية والمنتجات الغذائية. وأوضح أن الاتفاقيات طويلة الأجل بين البلدين يمكن أن تُبنى على نموذج "التصفير الجمركي المتبادل"، بحيث تستفيد الشركات الأميركية من دخول السوق العراقي، بينما يتمكن العراق من فتح نافذة لصادراته غير النفطية نحو الأسواق الأميركية. تحديات على المدى المتوسط وحذر قصي من أن العراق يواجه تحديا متزايدا في ملف العجز المالي، خاصة مع تراجع إيرادات النفط في ظل انخفاض الأسعار. وأشار إلى تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي ، أفاد بأن سعر النفط اللازم لتحقيق التعادل في الميزانية العراقية ارتفع بأكثر من 55%. وفي هذا السياق، فإن أي توترات تجارية أو تقييدات على التبادل مع الشركاء الدوليين قد تعقّد جهود الحكومة في ضبط النفقات وتمويل مشاريع التنمية. وأضاف أن نجاح العراق في بناء علاقات اقتصادية مرنة ومستقرة مع واشنطن قد يساعده على تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين، وفتح الباب أمام وصول أوسع إلى الأسواق المالية الأميركية. استثمار عراقي في أميركا ورأى صفوان قصي أن الخطاب الأميركي الأخير يتضمن إشارة ضمنية إلى رغبة الولايات المتحدة في أن ينفتح العراق اقتصاديا باتجاهها، سواء عبر تدفق سلعها للأسواق العراقية، أو عبر استثمارات عراقية مباشرة داخل الولايات المتحدة. وتحدّث عن إمكانية إنشاء مصافٍ ومصانع عراقية للمنتجات الغذائية على الأراضي الأميركية، وتأسيس محافظ استثمارية في الأسواق الأميركية، بما يسهم في خلق علاقات تبادلية جديدة بين الطرفين. وأكد أن السوق العراقي يُعتبر "سوقا دولاريا" بطبيعته، مما يجعله بيئة مناسبة لتوسيع نطاق التعامل التجاري والمالي مع الولايات المتحدة، خاصة في المجالات الحيوية مثل التكنولوجيا والطاقة والتحديث الأمني والدفاعي. ما وراء القرار الأميركي ولا يبدو أن القرار الأميركي بفرض رسوم جمركية على الصادرات العراقية سيترك أثرا اقتصاديا مباشرا في المدى القريب، بالنظر إلى ضآلة حجم التبادل غير النفطي بين البلدين. ومع ذلك، فإن الرمزية السياسية للقرار تضعه في خانة "أوراق الضغط" التي تستخدمها واشنطن في لحظة إقليمية حساسة، تسعى فيها إلى تحجيم الشراكات التجارية العراقية مع خصومها الإستراتيجيين، وعلى رأسهم الصين. وإذا كان القرار يفتقر إلى الأثر الملموس، فإن دلالته لا يمكن إغفالها، لا سيما في ظل حاجة العراق لإعادة ترتيب أوراقه الاقتصادية، وتنويع علاقاته الخارجية بعيدًا عن ثنائية "الضغوط أو التبعية".


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
كيف ينظر السوريون للرسوم والضرائب المفروضة عليهم؟
داخل مقر إدارة الهجرة في مدينة غازي عنتاب التركية جنوبي البلاد حيث يتجمع مئات اللاجئين السوريين يوميا لتصحيح أوضاعهم وتحويل بطاقات لجوئهم إلى إقامات إنسانية أو عائلية تتكشف مشكلات عديدة وصعوبات تزيد معاناتهم، في مقدمتها الحصول على جواز سفر جديد أو تجديد الجواز القديم، وهو ما يعد شرطا أساسيا لإنجاز المعاملات الرسمية التي تتطلب جواز سفر ساري المفعول. كانت يدا أحمد مضطربة وهو يحاول ترتيب ملفه داخل مصنف شفاف أعده لتسوية وضعه القانوني والحصول مع أفراد أسرته على إقامة عائلية بعد أن أمضى 12 عاما تحت بند الحماية المؤقتة. "ماذا نفعل؟" هكذا بدأ أحمد حديثه قائلا "أوراقي أصبحت جاهزة، لكنها لن تُقبل كما أخبرني الموظف ما لم نجدد جوازات سفرنا، تكلفة التجديد لعائلتي المكونة من 5 أفراد رغم التخفيضات الأخيرة تصل إلى نحو ألف دولار، لا أملك هذا المبلغ، ونحن نعيش تحت ضغوط اقتصادية ومعيشية تفوق قدرتنا على التحمل". وفي 26 يونيو/حزيران الماضي صدّقت وزارة الداخلية السورية على تعرفة جديدة لرسوم إصدار أو تجديد جواز السفر داخل البلاد وخارجها، خُفّضت بموجبها الرسوم القنصلية لمن هم في الخارج من 300 إلى 200 دولار. ورغم اعتبار بعض السوريين أن هذه الخطوة -إلى جانب الزيادة الأخيرة في رواتب وأجور العاملين في القطاع الحكومي- مؤشر إيجابي لمرحلة جديدة أكثر تحسنا فإن أحمد يرى أن الرسم القنصلي رغم خفضه بمقدار الثلث تقريبا يفتقر إلى العدالة، لأنه ساوى بين لاجئين يعيشون على المساعدات في الخارج وآخرين مقيمين في دول تتيح لهم دخلا مستقرا وبيئة عمل آمنة. ويقول "للأسف، لم يلحظ القرار أي استثناءات للاجئين رغم أنهم الحلقة الأضعف بين السوريين، في حين شمل التخفيض رسوم جوازات سفر الحجاج". بين العودة والاستقرار ويواجه عدد كبير من اللاجئين السوريين في دول الجوار اليوم خيارات صعبة، فالذين دُمرت منازلهم بفعل الحرب لا يجدون في العودة إلى البلاد خيارا آمنا، في حين يُفرض عليهم في دول اللجوء التكيف مع واقع جديد يتسم بارتفاع معدلات التضخم واضطراب سوق العمل غير الرسمي. أحمد -الذي دخل تركيا عام 2013- يعمل محاسبا في معمل سوري لإنتاج المواد الغذائية بمدينة غازي عنتاب، مكّنه راتبه الشهري من إعالة أسرته وتأمين احتياجاتها الأساسية، لكنه اليوم يعيش قلقا من فقدان قدرته على مواصلة ذلك. إعلان وبحسب دراسة استقصائية لمؤسسة "راند" الأميركية، أظهرت نتائج استطلاع شمل 600 لاجئ سوري أن 48% من المشاركين في تركيا يشتكون من انخفاض الأجور مقابل 40% في الأردن. كما اشتكى 28% في تركيا و56% في الأردن و48% في لبنان من قلة فرص العمل، في حين أبدى 32% في الأردن و34% في لبنان صعوبة في الحصول على تصاريح عمل. وأشارت الدراسة إلى أن 80% من اللاجئين السوريين في تركيا لا يستطيعون تحمّل تكاليف رسوم تصاريح العمل والإقامة، مقابل 54% في الأردن و86% في لبنان. ورغم عودة العديد من معارف أحمد إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي فإنه لا يزال يفضل البقاء في غازي عنتاب، متأقلما مع ظروفها. وبحسب تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد أكثر من 500 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم، معظمهم من دول الجوار، في حين بلغت حصة غازي عنتاب وحدها نحو 100 ألف لاجئ، وفقا لما أعلنه الوالي كمال شيمشاك. وتتوقع المفوضية أن يتجاوز العدد الإجمالي للعائدين مليون لاجئ خلال الأشهر الأخيرة من العام. رماد الحرب الذي يضعفهم تعيش شريحة واسعة من السوريين اليوم بين الشك والأمل، فرغم تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل انخفاض التضخم وهبوط أسعار الغذاء، وتضييق فجوة الدخل والإنفاق بفضل الزيادة الأخيرة على الرواتب الحكومية فإن آمال ملايين السوريين الفقراء -الذين يشكلون 90% من السكان بحسب تصنيف البنك الدولي – ما زالت معلقة بقرارات أكثر عدالة تنصفهم وتساعدهم في النهوض من رماد الحرب. ويرى الخبير الاقتصادي فراس السيد أن اللاجئين السوريين المقيمين في دول الجوار -الذين لم يتمكنوا من العودة- هم الأكثر هشاشة واحتياجا للإنصاف، ويتحمل نحو مليوني لاجئ منهم أعباء إضافية فاقمتها الرسوم القنصلية الجديدة. ويربط السيد هذا الضعف بعوامل رئيسية عدة: غياب دخل ثابت بعد توقف المساعدات الدولية. اضطراب سوق العمل الموازي نتيجة الركود الاقتصادي. صعوبة الحصول على تصاريح العمل بسبب ارتفاع رسومها. ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية بسبب التضخم. تصاعد الإيجارات -خاصة في تركيا- إلى مستويات تفوق ما كانت عليه بـ4 أضعاف خلال سنوات قليلة. وأوضح السيد في حديثه للجزيرة نت أن مساواة اللاجئين بالمقيمين في الخارج في ما يخص الرسوم القنصلية -رغم تفاوت ظروفهم- ساهم في خلق حالة من عدم اليقين. وأضاف أن استمرار الظلم بحق فئة لا تزال تواجه تداعيات الحرب -من فقدان الأحبة وتدمير المساكن وتغيّر نمط الحياة بالكامل- يحمّل الحكومة الحالية مسؤولية كبيرة، ويستدعي إعادة نظر جادة في السياسات المالية. من غياب العدالة إلى عدم المساواة من جهته، عبّر الأكاديمي السوري عماد الدين المصبح أستاذ الدراسات العليا في كليات الشرق العربي بالسعودية عن استغرابه من اعتماد مبدأ الشمولية في الرسوم وتجاهله في الرواتب. وأوضح المصبح في حديثه للجزيرة نت وجود فجوة كبيرة بين رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، إذ يتقاضى العاملون القادمون من مناطق إدلب رواتب تتراوح بين 125 و250 دولارا شهريا، في حين لا يتجاوز الحد الأدنى لرواتب موظفي المناطق الأخرى 75 دولارا حتى بعد الزيادات الأخيرة، أي أن الفارق يفوق الضعف. وعزا المصبح هذا التفاوت إلى سياسات مالية غير متجانسة طبقتها الإدارات المختلفة خلال السنوات الماضية، فبينما شهدت رواتب موظفي إدلب زيادات تراكمية بلغت 68% منذ عام 2020 بقيت الرواتب في باقي المناطق مجمدة لفترة طويلة، قبل أن تشملها زيادات متأخرة وغير كافية. ورأى أن غياب العدالة في توزيع الأجور أدى إلى خلق بيئة عمل غير مستقرة تكرس التمييز بين الموظفين بناء على مناطقهم وليس كفاءاتهم، مما يُنتج شعورا بالظلم ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص داخل القطاع العام. وحذر المصبح من أن استمرار هذه الفجوة سيفضي إلى شعور بالطبقية داخل مؤسسات الدولة، وينقل الانقسام من بيئة العمل إلى المجتمع الأوسع، حيث يعمل نحو 1.5 مليون موظف في القطاع الحكومي يعاني معظمهم من ظروف معيشية قاسية. وأكد أن السياسات المتعلقة بالرسوم والرواتب لا يمكن النظر إليها بعيدا عن العدالة الاجتماعية، لأنها تمس جوهر حياة السوريين اليومية وسبل استقرارهم، مما يتطلب تحسين الحوكمة، ورفع مستوى الشفافية ، وتعزيز كفاءة المؤسسات الاقتصادية والمالية، لتكون القرارات الحكومية جسرا حقيقيا نحو تعافي مجتمع أنهكته سنوات طويلة من الفشل والحرب.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
لماذا ترفض سوريا الاستدانة من الخارج؟
قال حاكم المصرف المركز السوري عبد القادر حصرية إن الرئيس أحمد الشرع استبعد أن تستدين سوريا من الخارج بما في ذلك من مؤسستي صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. وأضاف حصرية في تصريحات متلفزة أبرزها حساب البنك المصرف المركزي على تليغرام أن القرار جاء لتجنب التورط في ديون خارجية، مؤكدا أن سوريا تدخل تدريجيا في النظام المالي العالمي، عبر السماح لها مجددا بالتحويلات الدولية عبر نظام " سويفت". وحسب العديد من الخبراء، فإن رفض الاستدانة من الخارج يعني الاعتماد على الموارد الوطنية أو دعم غير مباشر من الحلفاء، لتحقيق الاستقلال المالي والاقتصادي، وعدم الاعتماد على القروض المشروطة من المؤسسات الدولية. وانطلاقًا من تصريح حاكم مصرف سوريا المركزي تسلط الجزيرة نت من خلال هذا التقرير الضوء على قدرة سوريا على الاستغناء عن الديون الخارجية لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية. مقدرات وطنية يهدف قرار استبعاد الاستدانة إلى تفعيل المقدرات الوطنية وتنشيط حركة الإنتاج والصادرات، التي قد تنمو بعد رفع العقوبات الغربية مؤخرا، لا سيما مع امتلاك سوريا مقومات تشمل الموارد الطبيعية التي ستسهم بصورة رئيسية في تأمين الإيرادات المالية للدولة، ودعم الصناعات المحلية بالمواد الخام اللازمة. ويعد النفط أبرز موارد الدولة، إذ بلغت الاحتياطيات السورية المؤكدة بحسب مجلة الطاقة الأميركية نحو 2.5 مليار برميل، كما تقدر احتياطيات الدولة من الفوسفات بنحو 1.8 مليار طن حسب الأرقام الصادرة عن شركة الفوسفات والمناجم السورية، وكانت البلاد تنتج نحو 3.5 ملايين طن من الفوسفات سنويا، ما يجعلها أحد أكبر المنتجين في العالم. ويشير التقرير، إلى أن الموقع الجغرافي لسوريا يسمح لها بأن تكون نقطة تقاطع لطرق التجارة الدولية البرية والبحرية بين قارتي آسيا وأوروبا وبين أسواق الخليج العربي وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي ، وهذا الموقع يوفر للبلاد المرونة والسهولة للوصول إلى الأسواق الدولية المنتجة والمستهلكة، فضلا عن تجارة الترانزيت. وحسب مركز كارنيغي الأميركي تبلغ مساحة سوريا 18.5 مليون هكتار، وتشكل المساحة القابلة للزراعة ومساحة الغابات نحو 6.5 ملايين هكتار، وهو ما يشكل 32.8% من المساحة الإجمالية للبلاد، ويشتغل في الزراعة أكثر من 20% من السوريين، وتزرع الحبوب والخضار والفواكه والزيتون والقطن. لكن وفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن القطاع يواجه تحديات تمويلية، وتقدر الكلفة المبدئية لإعادة تهيئته إلى ما بين 10.7 مليارات دولار و17.1 مليارا. ويشير التقرير، إلى أن سوريا تمتلك خبرات طويلة في مجال الصناعات التحويلية المتخصصة بالصناعات النسيجية والغذائية وفي مجال قطاع الأدوية. لماذا استبعاد الاستدانة؟ يقول أستاذ الاقتصاد الدكتور فراس شعبو إنه من الناحية النظرية يمكن البدء في إعادة الإعمار وإطلاق العجلة الاقتصادية من دون الاعتماد على الاستدانة من الخارج، لكن تحقق هذه الحالة مرتبط بمجموعة من العوامل الداخلية، أجملها في النقاط التالية: تحقيق الأمن والاستقرار. استغلال الموارد الوطنية بطريقة جيدة، وأهمها الفوسفات، وتفعيل السياحة، وموارد الطاقة النفطية، والتحويلات الخارجية. توقيع الشراكات الاقتصادية التي تعتمد على نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص. إصلاح النظام الضريبي، بما يضمن إيرادات للدولة ولا يثقل على المواطن. وأضاف شعبو في تعليق لـ"الجزيرة نت" أن سوريا ما زالت تعاني من خلل كبير وهو أن جزءا ليس بالقليل من موارد الدولة الطبيعية من نفط ومياه وأراض زراعية لا سيما القمح والقطن خارج سيطرة الدولة. ويستبعد شعبو إمكانية الاستناد بشكل كامل ودائم إلى المقدرات والموارد الوطنية السورية في عملية إعادة الإعمار وتحقيق تنمية اقتصادية، حتى لو تم استغلالها بكامل طاقتها. استدانة ضرورية يدعم شعبو فكرة الاستدانة الخارجية لكن بشروط، مستشهدا بأن العديد من الدول المستقرة الناشئة والنامية تستدين من المؤسسات النقدية الدولية. ويقول إن الأمر متوقف على إدارة الديون بذكاء، ما يحقق الفائدة منها ويوفر رافعة مالية وهو ما يستوجب وجود مؤسسات مالية قوية، وعملة مستقرة وثقة في الأسواق، وهذا غير متوفر في الحالة السورية، ما يجعل الديون عبئًا على الدولة ويحولها إلى أزمة لاحقة. يرى شعبو أن سوريا تريد نوعًا من الاستقرار الاقتصادي والأمني في البلاد في المرحلة الحالية، وفي مرحلة لاحقة يمكن أن تعمل على الاستدانة لإكمال عملية بناء الدولة. ويستشهد بأن الدول المجاورة مثل مصر وتونس ولبنان والعراق استدانت من البنك الدولي والصندوق الدولي، لكن لم تحسن إدارة ملف الدين، مما أدى إلى غرق البلاد في الديون، وأدى ذلك إلى تراجع مؤشرات الاقتصاد. مستقبل الليرة السورية لا شك في أن تعزيز الاعتماد على الاقتصاد الداخلي المبني على الإنتاج والصادرات، بعيدًا عن الديون الخارجية والفوائد المرتفعة، قد يساعد في تحسن سعر صرف الليرة السورية، بالنظر إلى أن العملة تتأثر بعدة عوامل منها هيكلة المؤسسات المالية وزيادة الاحتياطيات النقدية، ورفع وتيرة الإنتاج. ودعا شعبو إلى ضرورة تحفيز الإنتاج وتقليل الاستيراد، وتقديم قروض للصناعيين، وضبط الإنفاق، وتشجيع المواطنين على التعامل بالليرة لرفع قيمة الليرة. ومن المتوقع أن تشهد سوريا ارتفاعا في تحويلات المغتربين، مما يؤدي إلى كسب ثقة المستثمرين بعد رفع العقوبات الأميركية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة عرض الدولار، وارتفاع الطلب على العملة المحلية. في المقابل، يحد عدم وجود تدفقات مالية خارجية كبيرة (قروض أو استثمارات) من قدرة الدولة على تمويل إعادة الإعمار، ويؤدي إلى ضعف اقتصادي عام، وفق شعبو.